الحج على من استطاع - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         5 زيوت طبيعية تساعدك في إزالة رائحة اللحوم من اليدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          حلول وخطوات فعالة للتخلص من رائحة الأضحية فى المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أفضل طريقة لتنظيف الممبار فى منزلك بخطوات سريعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          5 تريكات عشان تستمتع بمكسرات العيد طازة ولذيذة.. من الشراء للتخزين والتقديم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          خطبة عيد الأضحى: العيد وثمار الأمة الواحدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          خطبة العيد فرح وعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          كتاب مداخل إعجاز القرآن للأستاذ محمود محمد شاكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 1465 )           »          الآلئ والدرر السعدية من كلام فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          المرأة والأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 9896 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 11664 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-05-2024, 09:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,535
الدولة : Egypt
افتراضي الحج على من استطاع

الحج على من استطاع


أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، حَجُّ بَيتِ اللهِ الحَرَامِ فَرِيضَةٌ مِن فَرَائِضِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ، بَل هُوَ الرُّكنُ الخَامِسُ مِن أَركَانِ الإِسلامِ، يَجِبُ عَلَى مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا أَن يُعجِّلَ بِهِ وَلا يُؤَجِّلَهُ، وَأَن يُسَارِعَ إِلَيهِ وَلا يَتَأَخَّرَ عَنهُ، وَقَد دَلَّتِ الأَدِلَّةُ عَلَى وُجُوبِ الحَجِّ عَلَى المُستَطِيعِ مَرَّةً وَاحِدَةً في العُمُرِ، قَالَ تَعَالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «بُنيَ الإِسلامُ عَلَى خَمسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَومِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا» (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).

أَلا وَإِنَّ ثَمَّ شُرُوطًا خَمسَةً إِذَا تَوَفَّرَت في المُكَلَّفِ، وَجَبَ عَلَيهِ الحَجُّ عَلَى الفَورِ، وَإِن لم تَتَوَفَّر فِيهِ لم يَجِبْ عَلَيهِ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ: الإِسلامُ وَالتَّكلِيفُ وَالحُرِّيَّةُ وَالاستِطَاعَةُ، وَوُجُودُ المَحرَمِ لِلمَرأَةِ، وَالإِسلامُ شَرطٌ لِصِحَّةِ كُلِّ عِبَادَةٍ وَشَرطٌ لِوُجُوبِهَا، وَأَمَّا غَيرُ المُسلِمِ فَلا يَجِبُ عَلَيهِ الحَجُّ، بَل وَلَو أَتَى بِهِ لم يَصِحَّ مِنهُ وَلم يُقبَلْ، قَالَ تَعَالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: 54]، وَأَمَّا البُلُوغُ فَهُوَ أَن يَكُونَ المُسلِمُ بَالِغًا عَاقِلًا، فَإِن كَانَ صَغِيرًا أَو مَجنُونًا، فَإِنَّ الحَجَّ لا يَجِبُ عَلَيهِ لأَنَّهُ غَيرُ مُكَلَّفٍ، لَكِنَّ الصَّغِيرَ لَو حَجَّ صَحَّ مِنهُ حَجُّهُ، غَيرَ أَنَّهُ لا يُجزِئُهُ عَن حَجَّةِ الإِسلامِ، فَإِذَا بَلَغَ لَزِمَهُ أَن يَحُجَّ مَرَّةً أُخرَى لِيَقضِيَ فَرضَهُ، وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ أَنَّ امرَأَةً رَفَعَت لِلنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ صَبِيًّا، وَقَالَت: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَم، وَلَكِ أَجرٌ» وَأَمَّا المَجنُونُ فَإِنَّهُ لا يَجِبُ عَلَيهِ الحَجُّ وَلا يَصِحُّ مِنهُ؛ لأَنَّ الحَجَّ لا بُدَّ فِيهِ مِن نِيَّةٍ وَقَصدٍ، وَلا يُمكِنُ وُجُودُ ذَلِكَ مِنَ المَجنُونِ. وَهَكَذَا الحُرِّيَّةُ فَهِيَ شَرطٌ في وُجُوبِ الحَجِّ، فَلا يَجِبُ الحَجُّ عَلَى العَبدِ المَملُوكِ لأَنَّهُ غَيرُ مُستَطِيعٍ، وَلَو حَجَّ صَحَّ مِنهُ، وَلَزِمَهُ أَن يَحُجَّ حَجَّةَ الإِسلامِ بَعدَ حُرِّيَّتِهِ.
وَأَمَّا الاستِطَاعَةُ فَتَكُونُ في المَالِ وَالبَدَنِ، بِأَن يَكُونَ عِندَ مُرِيدِ الحَجِّ مَالٌ يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ الحَجِّ، وَأَن يَكُونَ هُوَ صَحِيحَ البَدَنِ غَيرَ عَاجِزٍ عَن أَدَاءِ المَنَاسِكِ، فَإِن كَانَ غَيرَ قَادِرٍ لا بِبَدَنِهِ وَلا بِمَالِهِ، فَإِنَّ الحَجَّ لا يَجِبُ عَلَيهِ، وَإِن كَانَ قَادِرًا بِمَالِهِ غَيرَ قَادِرٍ بِبَدَنِهِ، لَزِمَهُ أَن يُنِيبَ مَن يَحُجُّ عَنهُ؛ لِحَدِيثِ الخَثعَمِيَّةِ الَّتي جَاءَت إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ في الحَجِّ أَدرَكَت أَبي شَيخًا كَبِيرًا لا يَثبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنهُ؟ قَالَ: «نَعَم» (رَوَاهُ البُخَارِيُّ).
وَالقُدرَةُ المَالِيَّةُ المُعتَبَرَةُ لِوُجُوبِ الحَجِّ، هِيَ مَا يَكفِيهِ في ذَهَابِهِ وَإِقَامَتِهِ وَرُجُوعِهِ، وَأَن يَكُونَ ذَلِكَ المَالُ فَاضِلًا عَمَّا يَحتَاجُ إِلَيهِ لِقَضَاءِ مَا يَلزَمُهُ مِنَ دَينٍ وَنَفَقَاتٍ وَاجِبَةٍ، وَفَاضِلًا عَنِ الحَوَائِجِ الأَصلِيَّةِ مِن مَطعَمٍ وَمَشرَبٍ وَمَلبَسٍ وَمَسكَنٍ. وَمِنَ الاستِطَاعَةِ أَن يَكُونَ لِلمَرأَةِ مَحرَمٌ يُسَافِرُ مَعَهَا، فَمَن لم تَجِدِ المَحرَمَ فَالحَجُّ غَيرُ وَاجِبٍ عَلَيهَا، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «لا يَحِلُّ لامرَأَةٍ تُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ أَن تُسَافِرَ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحرَمٍ» (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)، وَفي لَفظٍ: «لا يَحِلُّ لامرَأَةٍ تُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ أَن تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَومٍ وَلَيلَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحرَمٍ» (رَوَاهُ الشَّيخَانِ)، وَلَهُمَا أَيضًا عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا يَخلَوَنَّ رَجُلٌ بِامرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحرَمٍ، وَلا تُسَافِرِ امرَأَةٌ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحرَمٍ» فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امرَأَتي خَرَجَت حَاجَّةً، وَإِنِّي اكتُتِبتُ في غَزوَةِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: «انطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امرَأَتِكَ» وَالمَحرَمُ هُوَ زَوجُ المَرأَةِ، وَكُلُّ ذَكَرٍ تَحرُمُ عَلَيهِ تَحرِيمًا مُؤَبَّدًا بِقَرَابَةٍ أَو رَضَاعٍ أَو مُصَاهَرَةٍ. وَالمَرأَةُ ضَعِيفَةٌ، لا تَقدِرُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الأُمُورِ بِنَفسِهَا، وَمُعَرَّضَةٌ أن تَفتِنَ أَو تُفتَنَ، وَمِن ثَمَّ فَهِيَ تَحتَاجُ إِلى رَجُلٍ يَتَوَلَّى شَأنَهَا وَيُسَاعِدُهَا وَيَحفَظُهَا، وَيُوَفِّرُ لَهَا مَا لا غِنى لَهَا عَنهُ، وَلا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إِلاَّ مَعَ الزَّوجِ أَوِ المَحرَمِ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد عَظَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ شَعَائِرَ الحَجِّ وَمَشَاعِرَهُ، قَالَ تَعَالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: 97]، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «مَن حَجَّ هَذَا البَيتَ فَلَم يَرفُثْ وَلم يَفسُقْ رَجَعَ كَيَومَ وَلَدَتهُ أُمُّهُ» (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ). وَإِنَّ مِن تَعظِيمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلمَسجِدِ الحَرَامِ أَن كَانَت إِرَادَةُ المَعصِيَةِ فِيهِ سَبَبًا لِلعِقَابِ، قَالَ تَعَالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، وَقَد أَجمَعَ أَهلُ العِلمِ عَلَى وُجُوبِ تَعظِيمِ حُرُمَاتِ الحَرَمِ، وَالتَّحذِيرِ مِن إِرَادَةِ المَعصِيَةِ فِيهِ وَفِعلِهَا.

وَإِنَّ مِن فَضلِ اللهِ جَلَّ وَعَلا أَنْ شَرَّفَ حُكُومَةَ هَذِهِ البِلادِ الطَّيِّبَةِ المُبَارَكَةِ بِخِدمَةِ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ، بِكُلِّ مَا يُيَسِّرُ لِقَاصِدِيهِمَا أَدَاءَ مَنَاسِكِهِم، غَيرَ أَنَّ الأَعدَادَ المُتَزَايَدَةَ مِنَ المُسلِمِينَ في شَرقِ الأَرضِ وَغَربِهَا، قَد حَتَّمَت تَفوِيجَ الحُجَّاجِ عَامًا بَعدَ عَامٍ، مِمَّا أَلزَمَ مُرِيدَ الحَجِّ استِخرَاجَ تَصرِيحٍ لِلحَجِّ بِحَسَبِ إِجرَاءَاتٍ حَدَّدَتهَا الجِهَاتُ المَسؤُولَةُ،‏ تَنظِيمًا لِعَدَدِ الحُجَّاجِ بِمَا يُمَكِّنُهُم مِن أَدَاءِ حَجِّهِم وَشَعَائِرِهِم بِسَكِينَةٍ وَسَلامَةٍ، وَتَيسِيرًا ‏عَلَيهِم وَرَفعًا لِلحَرَجِ عَنهُم، قَالَ تَعَالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وَقَالَ تَعَالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، وَقَالَ تَعَالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وَإِنَّ التِزَامَ المُسلِمِ بِاستِخرَاجِ تَصرِيحِ الحَجِّ، لَهُوَ مِمَّا يَتَّفِقُ وَالمَصلَحَةَ المَطلُوبَةَ شَرعًا، وَالشَّرِيعَةُ جَاءَت بِتَحسِينِ المَصَالِحِ وَتَكثِيرِهَا، وَدَرءِ المَفَاسِدِ وَتَقلِيلِهَا، وَلا شَكَّ أَنَّ عَدَدًا كَبِيرًا يَجتَمِعُ في بُقعَةٍ مَحدُودَةِ المِسَاحَةِ، وَيَلزَمُ تَحَرُّكُهُم وَتَنَقُّلُهُم في وَقتٍ وَاحِدٍ أَو أَوقَاتٍ مُتَقَارِبَةٍ، لا شَكَّ أَنَّهُ مِمَّا يَحتَاجُ إِلى تَنظِيمٍ دَقِيقٍ وَوَضعِ خُطَطٍ مُتَعَدِّدَةٍ؛ لِضَمَانِ أَمنِهِم وَصِحَّتِهِم وَسَلامَتِهِم، وَإِيوَائِهِم وَإِعَاشَتِهِم، وَتَوفِيرِ مَا يَحتَاجُونَ إِلَيهِ مِن خِدمَاتٍ أُخرَى، وَكُلَّمَا كَانَ عَدَدُ الحُجَّاجِ مُتَوَافِقًا مَعَ المُصَرَّحِ لَهُم، كَانَ ذَلِكَ أَدعَى لِخِدمتِهِم الخِدمَةَ اللاَّئِقَةَ، وَهَذَا مَقصُودٌ شَرعًا، قَالَ تَعَالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ التِزَامَ مُرِيدِي الحَجِّ بِالتَّصرِيحِ، يُحَقِّقُ مَصَالِحَ جَمَّةً مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكرُهُ، وَيَدفَعُ مَفَاسِدَ عَظِيمَةً تَحصُلُ بِكَثرَةِ العَدَدِ وَاضطِرَارِهِم إِلى الافتِرَاشِ في الطُّرُقَاتِ، الَّذِي يُعِيقُ تَنَقُّلَهُم وَتَفوِيجَهُم، وَيَزِيدُ مِن مَخَاطِرِ الازدِحَامِ وَالتَّدَافُعِ المُؤَدِّي إِلى التَّهلُكَةِ.

أَلا وَإِنَّ مِنَ التَّدَيُّنِ وَالعَقلِ أَن يَلتَزِمَ المَرءُ بِاستِخرَاجِ التَّصرِيحِ لِلحَجِّ؛ طَاعَةً لِوَليِّ الأَمرِ، الَّذِي أَمَرَ اللهُ تَعَالى بِطَاعَتِهِ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيكَ السَّمعُ وَالطَّاعَةُ في عُسرِكَ وَيُسرِكَ، وَمَنشَطِكَ وَمَكرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيكَ» (أَخرَجَهُ مُسلِمٌ). وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «مَن أَطَاعَني فَقَد أَطَاعَ اللهَ، وَمَن عَصَاني فَقَد عَصَى اللهَ، وَمَن أَطَاعَ الأَمِيرَ فَقَد أَطَاعَني، وَمَن عَصَى الأَمِيرَ فَقَد عَصَاني» (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ). وَالالتِزَامُ بِاستِخرَاجِ التَّصرِيحِ مِنَ طَاعَةِ وَليِّ الأَمرِ في المَعرُوفِ، الَّتي يُثَابُ مَنِ التَزَمَ بِهَا وَيَأثَمُ مَن خَالَفَهَا. ثُمَّ إِنَّ الحَجَّ بِلا تَصرِيحٍ، لا يَقتَصِرُ ضَرَرُهُ عَلَى الحَاجِّ نَفسِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّى إِلى غَيرِهِ مِمَّنِ التَزَمَ بِالنِّظَامِ، وَمِنَ المُقَرَّرِ شَرعًا أَنَّ الضَّرَرَ المُتَعَدِّيَ أَعظَمُ إِثمًا مِنَ الضَّرَرِ القَاصِرِ، وَفي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ».

‏وَقَد قَرَّرَت هَيئَةُ كِبَارِ العُلَمَاءِ في هَذَا البَلَدِ، أَنَّهُ لا يَجُوزُ الذَّهَابُ إِلى الحَجِّ دُونَ أَخذِ تَصرِيحٍ، وَأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ يَأثَمُ، لِمَا فِيهِ مِن مُخَالَفَةِ أَمرِ وَليِّ الأَمرِ، الَّذِي مَا صَدَرَ إِلاَّ تَحقِيقًا لِلمَصلَحَةِ العَامَّةِ، وَمَن لم يَتَمَكَّنْ مِنِ استِخرَاجِ تَصرِيحِ الحَجِّ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ في حُكمِ الَّذِي لا يَستَطِيعُ، وَاللهُ تَعَالى يَقُولُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} [التغابن: 16].

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهُ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَمَن أَرَادَ حَجَّ بَيتِ اللهِ فَلْيَتَّقِ اللهَ بِأَن يَصُونَ حَجَّهُ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ مِنَ الرَّفَثِ وَالفُسُوقِ، وَبِأَن يَستَقِيمَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَبِأَن يُعِينَ إِخوَانَهُ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى؛ حَتَّى يَكُونَ حَجُّهُ مَبرُورًا وَسَعيُهُ مَشكُورًا، قَالَ تَعَالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]، وَلا شَكَّ أَنَّ التِزَامَ الأَنظِمَةِ وَالتَّعلِيمَاتِ الَّتي صَدَرَت لِلتَّمكِينِ مِن أَدَاءِ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ بِأَمنٍ وَيُسرٍ وَسَكِينَةٍ، دَاخِلٌ في تَقوَى اللهِ في أَدَاءِ نُسُكِ الحَجِّ وَفي تَعظِيمِ حَرَمِ اللهِ وَحُرُمَاتِهِ وَشَعَائِرِهِ، قَالَ تَعَالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].
__________________________________________________ __
الكاتب: الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 25-05-2024 الساعة 02:07 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 55.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 53.31 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.10%)]