عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 03-03-2021, 08:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,357
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (21)

الأحكام الفقهية من قصة ابني آدم -عليه السلام


د.وليد خالد الربيع





لا نزال مع قصة ابني آدم -عليه السلام-؛ فقد أخبرنا الله -تعالى- عن حال الجاني؛ فقال -سبحانه-: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. من المسائل الفقهية المستفادة من الآية الكريمة وما قبلها (حرمة القتل العمد بغير حق)، قال الشيخ ابن سعدي: «قوله: {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} دل هذا على أن القتل من كبائر الذنوب، وأنه موجب لدخول النار».



القتل نوعان

والقتل كما قال الجرجاني: «فعل يحصل به زهوق الروح»، وهو نوعان:

الأول: قتل بحق

وذلك إذا ارتكب الشخص جريمة عقوبتها القتل، كما جاء عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

قال ابن رجب: «وَفِيهِ تَفْسِيرُ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَ خِصَالٍ هِيَ حَقُّ الْإِسْلَامِ الَّتِي يُسْتَبَاحُ بِهَا دَمُ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَالْقَتْلُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ».

الثاني: قتل بغير حق

وهو الاعتداء على شخص معصوم الدم عدوانا وظلما حتى يموت، وهو من كبائر الذنوب، وعظائم الأمور كما دلت عليه النصوص الشرعية، فمن ذلك قوله -سبحانه-: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (الأنعام:151)

قال الطبري: «يعني بالنفس التي حرم الله قتلها، نفسَ مؤمن أو مُعاهد، وقوله: (إلا بالحق)، يعني بما أباح قتلها به: من أن تقتل نفسًا فتقتل قَوَدًا بها، أو تزني وهي محصنة فترجم، أو ترتدَّ عن دينها الحقِّ فتقتل. فذلك «الحق» الذي أباح الله -جل ثناؤه- قتل النفس التي حرم على المؤمنين قتلها به».

وقال -تعالى-: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (الإسراء:33)، يقول القرطبي: «وهذه الآية نهي عن قتلِ النفس المحرمة مؤمنة كانت أو معاهدة إلا بالحق الذي يوجب قتلها».

العقوبة الشديدة

وبين الله -تعالى- العقوبة الشديدة لمن يعتدي على نفس المؤمن بغير حق فقال -سبحانه-: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}(النساء:93)

قال الشيخ ابن سعدي: «ذكر هنا وعيد القاتل عمدا، وعيدا ترجف له القلوب، وتنصدع له الأفئدة، وتنزعج منه أولو العقول، فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد، بل ولا مثله، ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم، أي: فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده أن يجازى صاحبه بجهنم، بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين، وسخط الجبار، وفوات الفوز والفلاح، وحصول الخيبة والخسار. فعياذًا بالله من كل سبب يبعد عن رحمته».

الأحكام الدنيوية

وأما في الأحكام الدنيوية فقد شرع الله -تعالى- القصاص في حالة القتل بغير حق فقال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى}(البقرة:178)

قال الشيخ ابن سعدي: «يمتن -تعالى- على عباده المؤمنين بأنه فرض عليهم {الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} أي: المساواة فيه، وأن يقتل القاتل على الصفة التي قتل عليها المقتول، إقامة للعدل والقسط بين العباد، وتوجيه الخطاب لعموم المؤمنين فيه دليل على أنه يجب عليهم كلهم، حتى أولياء القاتل حتى القاتل بنفسه إعانة ولي المقتول إذا طلب القصاص وتمكينه من القاتل، وأنه لا يجوز لهم أن يحولوا بين هذا الحد، ويمنعوا الولي من الاقتصاص كما عليه عادة الجاهلية ومن أشبههم من إيواء المحدثين».

لا يقيمه إلا أولو الأمر

قال القرطبي: «لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر، فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك؛ لأن الله -سبحانه- خاطب المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود، وليس القصاص بلازم إنما اللازم ألا يتجاوز القصاص وغيره من الحدود إلى الاعتداء، فأما إذا وقع الرضا دون القصاص من دية أو عفو فذلك مباح».

اجتنبوا السبع الموبقات

ومن السنة المطهرة روى الشيخان عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» متفق عليه.

خطبة الوداع

وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: «فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ؛ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟» قالوا: نعم، قال: «اللهم اشهد، فليبلِّغ الشاهدُ الغائب، فرب مُبَلَّغٍ أوعى من سامع» متفق عليه، قال النووي: «المراد بهذا كله بيان توكيد غلظ تحريم الأموال والدماء والأعراض، والتحذير من ذلك».

وروى البخاري عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا» أخرجه البخاري، قال ابن الْعَرَبِيِّ: «الْفُسْحَةُ فِي الدِّينِ سَعَةُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْقَتْلُ ضَاقَتْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفِي بِوِزْرِهِ، وَالْفُسْحَةُ فِي الذَّنْبِ: قَبُولُهُ الْغُفْرَانَ بِالتَّوْبَةِ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْقَتْلُ ارْتَفَعَ الْقَبُولُ».

مِنْ وَرَطَاتِ الأمور

ولهذا قال ابن عمر: «إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله» أخرجه البخاري.

قال ابن حجر: «الورطات: جَمْعُ وَرْطَةٍ وَهِيَ الْهَلَاكُ، يُقَالُ: وَقَعَ فُلَانٌ فِي وَرْطَةٍ أَيْ: فِي شَيْءٍ لَا يَنْجُو مِنْهُ، وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ: «الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا» قَوْلُهُ: «سَفْكُ الدَّمِ» أَيْ: إِرَاقَتُهُ؛ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَ».

وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار».


تعظيم القتْلِ وتَهويلُ أمْرِه


وعن عبدالله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم» أخرجه الترمذي، قال في شرح مشكاة المصابيح: «وهذا الكلامُ مَسوقٌ لتعظيمِ القتْلِ وتَهويلِ أمْرِه» ثم بين وجهه فقال: «الدُّنيا عظيمةٌ في نفوسِ الخلْقِ، فزَوالُها يكونُ عندَهم عظيمًا على قدْرِ عَظَمتِها، فإذا قيل: قتل المؤمن أعظم منه، أو الزوال أهون من قتل المؤمن، يفيد الكلام من تعظيم القتل وتهويله وتقبيحه وتشنيعه ما لا يحيطه الوصف».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]