خطة أسبنة المدينتين
منذ احتلال المدينتين بذلت جهود متصلة لطمس المعالم الإسلامية فيهما ، جهود لا تتميز في شيء عن تلك التي بذلها الصليبيون والتتر والمغول في كل بقعة إسلامية وضعوا أيديهم عليها ، أو تلك التي يبذلها الصهاينة في فلسطين اليوم، فدكت الصوامع وهدمت المساجد . ويذكر المؤرخون أنه عندما سقطت مدينة سبتة كانت مآثرها تفوق مآثر القيروان ، إذ كان بها ألف مسجد ونحو مائتين وخمسين مكتبة ، ولم يبق من هذه المعالم الحضارية الإسلامية سوى مساجد قليلة لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة ، بينما حرف الإسبان اسمها إلى \" سيوتا \" .
وقد وضعت إسبانيا إجراءات قانونية عدة للحد من هجرة المسلمين نحو المدينتين ، بهدف محو الوجود الإسلامي بالتدرج ، وشجعت بالمقابل الهجرة الإسبانية وهجرة اليهود الذين تزايد عددهم في الستينيات والسبعينيات خصوصا في مدينة سبتة ، كما ضيقت على السكان المسلمين هناك ومنعتهم من تراخيص البناء وحاصرت نشاطاتهم الدينية والثقافية .
وللحد من أعداد المسلمسن في مدينة سبتة أصدرت سلطات مدريد قانونا يعتبر بموجبه كل من يولد في مدينة سبتة إسباني الهوية .وخلال سنوات الاحتلال لم تكف إسبانيا عن سياسة \" أسبنة \" المدينتين نهائيا لابتلاعهما وتغيير هويتهما العمرانية والسكانية ، عازمة على تأبيد الاحتلال ووضع غطاء الشرعية عليه ، مستبقة أي مطالبة مغربية باستعادة المدينتين ، وفارضة أمرا واقعا سيكون إلى جانبها في أي مفاوضات مع المغرب بهذا الشأن ، وكان الجنرالات الإسبان يعلنون دائما أن حكومتهم \" لن تعيد المدينتين بالسهولة نفسها التي تخلت بها فرنسا عن الجزائر الفرنسية \" .
اتفاق مدريد السري
في شهر نوفمبر عام 1975م طالب \" خوان كارلوس \" لدى تتويجه ملكا على عرش إسبانيا بعد القضاء على نظام \" فرانكو \" بضروة استعادة السيادة الإسبانية على جبل طارق الذي تحتله بريطانيا مند سنة 1713م ، وقد دفع هذا الموقف السلطات المغربية إلى التفكير جديا في مصير المدينتين السليبتين ، ومنذ ذلك الوقت لم يفتأ الملك الحسن الثاني يعلن باستمرار أن حل قضية جبل طارق بين إسبانيا وبريطانيا سيكون بداية الحل لقضية سبتة ومليلية بشكل أوتوماتيكي ، على اعتبار أن ما تطالب به إسبانيا تجاه بريطانيا يدفعها إلى تفهم الموقف المغربي تجاهها .
لكن قضية الصحراء التي دخلها المغرب في تلك السنة حالت بينه وبين طرح مصير المدينتين حتى لا يضع كل البيض في سلة واحدة ويخسر الملفين معا ، لأن الصحراء كانت خاضعة لإسبانيا . وخلال المفاوضات التي كانت تجرى بين الرباط ومدريد سنة 1975م بشان الأقاليم الصحراوية ، اشترطت إسبانيا على النظام المغربي الإلتزام بشرطين أساسيين : الأول أن يسمح المغرب لأسطول الصيد الإسباني بالصيد في المياه الصحراوية المغربية المقابلة لجزر الكناري ، والثاني : أن يمتنع المغرب عن طرح ملف سبتة ومليلية قبل مرور عشر سنوات على اتفاقيات مدريد التي وقعت عام 1976م .وقد ظلت هذه البنود السرية في الإتفاق تمنع المغرب من طرح موضوع حقوقه السيادية في المدينتين المحتلتين ، لكنها في المقابل أطلقت يد إسبانيا لتسريع وتيرة \"الأسبنة\" في المدينتين خلال تلك العشرية المذكورة ووصلت ذروتها عام 1985م حين منحت إسبانيا المدينتين وضعية \" المدن المستقلة \". وقد وضع حزب الإتحاد الإشتراكي الإسباني الحاكم خلال فترة الثمانينيات في عهد \" فيليب جونثاليت \" مخططا سريا لتغيير الأوضاع في المدينتين لصالح الحكومة الإسبانية ، استعدادا لانتهاء مدة اتفاقية مدريد في عام 1986م . وشمل هذا المخطط عرقلة امتلاك المغاربة للممتلكات العقارية في المدينتين ، والطرد الممنهج لهم وإبعادهم إلى المغرب ، حيث أقدمت في عام 1983م مثلا على طرد 1500 مغربي ، ومنع دخولهم من جديد . وفي أكتوبر 1985م بدأت إسبانيا في تطبيق قانون الأجانب المقيمين بالمدينتين ، والذي يعتبر المغاربة هناك أجانب فوق الأراضي الإسبانية ، وعلق أحد الكتاب الإسبان على هذا القانون قائلا : \" لقد وضعت إسبانيا مغاربة المدينتين في موقف حرج للغاية ، إما أن يقبلوا أن يصبحوا أجانب على أرضهم المغتصبة ، أو يتم ترحيلهم وراء الحدود \" ، وأدى ذلك إلى انتفاضات في صفوف المغاربة المسلمين خلفت سقوط شهداء في صفوفهم في يناير 1987م وهي السنة التي طرح فيها الحسن الثاني اقتراحا بتكوين خلية مشتركة للحوار بين البلدين حول مستقبل المدينتين ، لكن مدريد رفضت الإقتراح .
لم تنتهي الرواية
إبقوا معنا