عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-05-2022, 04:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 248 الى صــــــــ
262
الحلقة (198)



كتاب الطلاق
تعريفه
-معناه في اللغة حل القيد، سواء كان حسياً، كقيد الفرس، وقيد الأسير. أو معنوياً، كقيد النكاح، وهو الارتباط الحاصل بين الزوجين، فيقال لغة: طلق الناقة، بتخفيف اللام، طلاقاً إذا حل قيدها وسرحها مثل أطلقها طلاقاً، وكذا يقال: طلقت المرأة بتخفيف اللام، مضمومة ومفتوحة، إذا بانت، فالطلاق مصدر طلق - بفتح اللام. وضمها مخففة - كالفساد، أما التطليق فهو مصدر طلق المشدد، كسلم تسليماً، وكلم تكليماً، وهو يستعمل كالطلاق في حل القيد، سواء كان حسياً، أو معنوياً، ثم إن الطلاق مع كونه مصدر طلق بالتخفيف، فإنه يستعمل اسم مصدر لطلق بالتشديد، فيقال: طلق الرجل امرأته، بالتشديد، طلاقاً فالطلاق اسم المصدر، وهو التطليق.
وإذا علمت ذلك فإنه يتضح لك أن اللغة تستعمل لفظ الطلاق أو التطليق في حل عقدة النكاح كما تستعمله في حل القيد الحسي. فالطلاق كانوا يستعملونه في الجاهلية في الفرقة بين الزوجين. فلما جاء الشرع أقر استعماله في هذا المعنى بخصوصه. مع تفاوت يسير في بعض عبارات الفقهاء. لما يترتب على ذلك من تفاوت في بعض الأحكام. ولهذا عرف في الاصطلاح بأنه إزالة النكاح. أو نقصان حله بلفظ مخصوص. ومعنى إزالة النكاح رفع العقد بحيث لا تحل له الزوجة بعد ذلك. وهذا فيما لو طلقها ثلاثاً. وقوله: أو نقصان حله معناه نقص عن الطلاق الذي يترتب عليه نقص حل الزوجة. وهذا كما إذا طلقها طلقة رجعية فإنها تنقص حلها. فبعد أن كانت تحل له مطلقاً. ويملك ثلاث طلقات. أصبحت لا تحل له بعد طلقتين، ولا يملك إلا طلقتين، وهو معنى قول بعضهم في تعريف الطلاق: إنه رفع قيد النكاح أو بعضه، لأن غرضه رفع بعض القيد بطلقة رجعية، فإن القيد يرتفع كله بثلاث طلقات، فيرتفع بعضه بواحدة.
والحاصل أن الطلاق الرجعي لا يرفع عقدة النكاح (1) . وإنما ينقص عدت الطلقات الذي يترتب عليه نقصان الحل على الوجه الذي عرفته، فلذا يحل للمطلق رجعياً أن يطأ زوجته المطلقة ما دامت في العدة، ويعتبر وطؤه رجعة، فلا يشترط أن يراجعها بلفظ خاص قبل أن يطأها، كما سيأتي في مباحث الرجعة، كما لا يشترط أن ينوي (2) رجعتها بالوطء، فكان من الضروري زيارة قيد في تعريف الطلاق يدخل به الطلاق الرجعي.

أركان الطلاق
-للطلاق أركان أربعة (3) : أحدها الزوج، فلا يقع طلاق الأجنبي الذي لا يملك عقدة النكاح لأنك قد عرفت أن الطلاق رفع عقدة النكاح، فلا تتحقق ماهية الطلاق إلا بعد تحقق العقد، فلو علق الطلاق على زواج الاجنبية، كما لو قال: زينب طالق إن تزوجتها، ثم تزوجها، فإن طلاقه لا يقع (4) لقوله صلى الله وعليه وسلم: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك ولا طلاق فيما لا يملك" رواه أحمد. وأبو داود والترمذي وحسنه.
ثانيها: الزوجة، فلا يقع الطلاق على الأجنبية، كما عرفت. ومثلها الموطوءة بملك اليمين، فلو طلق جاريته لا يقع طلاقه لأنها ليست زوجة، ولو قال: هند بنت فلان طالقة قبل أن يتزوجها ثم تزوجها فإن طلاقه الأول يكون ملغى، ويكون مالكاً للطلقات الثلاث، ويلحق بالأجنبية امرأته التي طلقها طلاقاً بائناً ولم يجدد عليها عقداً، فإنه إذا طلقها ثانياً فإن طلاقه لا يعتبر لأنها ليست زوجة له، أما امرأته التي طلقها رجعياً فإنه طلقها وهي في العدة طلاقاً ثانياً فإنه يلحق بالأول، لأن الطلاق الرجعي لم يخرجها عن كونها زوجة له.
ثالثها: صيغة الطلاق، وهي اللفظ الدال على حل عقدة النكاح صريحاً كان، أو كناية.
رابعها: القصد، بأن يقصد النطق بلفظ الطلاق، فإذا أراد أن ينادي امرأته باسمها طاهرة، فقال لها: يا طالقة خطأ لم يعتبر طلاق ديانة، كما ستعرفه في الشروط.

شروط الطلاق
-طلاق المكره - طلاق السكران - الطلاق بالإشارة، والكتابة - طلاق الهازل، والمخطئ - طلاق الغضبان. يشترط للطلاق شروط: بعضها يتعلق بالزوج المطلق، وبعضها يتعلق بالزوجة، وبعضها يتعلق بالصيغة، فيشترط في المطلق أمور:
أحدها: أن يكون عاقلاً، فلا يصح طلاق المجنون، ولو كان جنونه متقطعاً يأتيه مرة، ويزول عنه مرة أخرى، فإذا طلق حال جنونه لا يعتبر ولا يحسب عليه بعد الإفاقة.
والمراد بالجنون من زال عقله بمرض، فيدخل المغنى عليه. والمحموم الذي غيبت عقله الحمى فصار يهذي. ومن زال عقله بسبب صداع شديد أو مرض مخي. أما الذي لم يزل عقله ولكنه يغطي ويستتر بسبب تناول مسكر من خمر. وحشيش. وأفيون. وكوكايين. ونحو ذلك من المخدرات التي تغطي العقل، فإن تناولها الشخص وهو عالم بأنها تزيل العقل ليسكر ويطرب، فذهب عقله وطلق امرأته فإن طلاقه يقع عليه، وإن تناولها وهو يعتقد أنها لا تسكر. أو تناولها لتوقف إزالة مرضه عليها، فغاب عقله وطلق فإن طلاقه لا يقع.
وحاصل ذلك أن كل ما يأثم الإنسان بتناوله من المسكرات، فإنه إذا غاب به وطلق زوجته وهو لا يدري فإن طلاقه يقع عليه زجراً ولأمثاله الذين ينتهكون حرمات الدين، أما الذي لا يأثم بتناوله فإنه لا يحسب عليه لأنه معذور.
ولا فرق في وقوع طلاق السكران المعتدي بسكره بين أن يصل إلى حد يشبه فيه المجنون (5) ، فلا يفرق بين السماء والأرض، ولا بين الرجل والمرأة أو لا، فطلاقه يقع سواء كان في أول سكره، أو في نهايته القصوى، ثانيها: أن يكون بالغاً، فلا يقع طلاق الصغير الذي لم يبلغ، ولم مراهقاً مميزاً (6) ، ولا يحسب عليه طلاقه حال الصغر مطلقاً ولو كبر. ثالثها: أن يكون مختاراً فلا يصح طلاق المكره على تفصيل في المذاهب (7) .
ويشترط في الزوجة أمور:
الأول: أن تكون باقية في عصمته، فإذا بانت منه وطلقها وهي في العدة فلا يقع طلاقه لأنها وإن كانت زوجته باعتبار كونها في العدة، ولكن لما طلقها طلاقاً بائناً لم يكن له عليها ولاية.
الثاني: أن لا تكون موطوءة بملك اليمين، فإذا طلق أمته فلا يقع عليه، كما تقدم.
الثالث: أن تكون زوجته بالعقد الصحيح، فإذا عقد على معتدة. أو عقد على أخت امرأته. أو نحو ذلك من العقود الباطلة التي تقدمت فإنه لا يقع عليه طلاقها لأنها ليست زوجة له.
ويشترط في الصيغة أمران أحدهما: أن تكون لفظاً يدل على الطلاق صريحاً، أو كناية، فلا يقع الطلاق بالأفعال، كما إذا غضب على زوجته فأرسلها إلى دار أبيها، وأرسل لها متاعها ومؤخر صداقها بدون أن يتلفظ بالطلاق، فإن ذلك لا يعتبر طلاقاً، وكذا لا يقع بالنية. بدون لفظ، فلو نوى الطلاق. أو حدث به نفسه (8) فإنه لا يقع.
وهل الإشارة والكناية من الأخرس أو من غيره يقومان مقام اللفظ، أو لا؟ في الجواب عن ذلك تفصيل المذاهب (9) .
ثانيهما أن يكون اللفظ مقصوداً، فإذا أراد أن يقول لامرأته: أنت طاهرة، فسبق لسانه وقال لها: أنت طالق فإن طلاقه لا يقع بينه وبين الله تعالى، أما في القضاء فإنه يعتبر لأنه لا اطلاع للقاضي على ما في نفسه، ويقال لمن وقع منه ذلك: مخطئ.
__________
(1) (الشافعية - قالوا: الطلقة الرجعية ترفع قيد النكاح. كالطلاق البائن. فلا يحل للمطلق أن يطأها أو يتمتع بها قبل أن يراجعها بلفظ يشعر بالرجعة صريحاً كان، أو كناية.

فالصريح كقوله: رددتك إلي، ورجعتك، وارتجعتك، ونحو ذلك، والكناية كقوله: تزوجك وأنكحتك، ونحو ذلك، لأن ذلك صريح في العقد، فيكون كناية في الرجعة، ويسن أن تكون الرجعة أمام الشهود، فإذا تمتع بها قبل الرجعة وهو عالم بأن هذا حرام استحق التعزير، إلا إذا كان كتابياً وكان في دينه أن الرجعة تجوز بالوطء والاستمتاع فإنه يقر على ذلك.
ولهذا عرف الشافعية الطلاق بأن حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه، ثم إن كان المراد بالنكاح العقد كانت الإضافة بيانية، والمعنى حل عقد هو النكاح، أو بعبارة أخرى رفع النكاح، وإن كان المراد بالنكاح الوطء كانت الإضافة حقيقية، ومعناه رفع العقد المبيح للوطء) .
(2) (المالكية - قالوا: إذا وطئها من غير أن ينوي الرجعة فإنه لا يكون رجعة، فالوطء لا يكون رجعة إلا إذا كان بنية، أما الوطء بنية الرجعة فإنه يكون رجعة، وعلى هذا لا يكون الطلاق الرجعي رافعاً للعقد، لأنه لو كان رفعاً للعقد لما حل للزوج وطؤها.
ولهذا عرف المالكية الطلاق بأنه صفة حكمية ترفع حلية تمتع الزوج بزوجته بحيث لو تكررت منه مرتين حرمت عليه قبل التزوج بغيره، وهذا التعريف لا يتنافى مع تعريف الحنفية والحنابلة المذكور في أعلى الصحيفة، فلا خلاف بين المالكية وبينهم إلا في أن الرجعة بالوطء لا تتحقق إلا بالنية عند المالكية دون الحنفية والحنابلة. أما الطلاق الرجعي فلا يرفع عقد النكاح بلا خلاف، والمراد بالصفة في قول المالكية صفة حكمية الخ الحدث القائم بالشخص، وهو مدلول التطليق، لأنه قائم بالفاعل ووصف له ومعنى حكمية غير وجودية. بل صفة اعتبارية. لأن الحدث أمر اعتباري والتطليق هو حل قيد النكاح وهو أمر معنوي محتاج إلى لفظ يدل عليه. فلهذا زاد الحنفية والحنابلة بلفظ مخصوص. ولا ريب أن هذا لا يخالف فيه المالكية. أما قول المالكية. بحيث لو تكررت منه مرتين حرمت عليه الخ. فمعناه أن حلها له لا يرتفع إلا بتطليقها ثلاثاً. وذلك لأن التكرار يستلزم سبق واحدة، وقد صرح بمرتين، وهذا القيد هو كقيد الحنفية والحنابلة - أو نقصان حله - لأن الغرض من القيدين إدخال الطلاق الرجعي فإنه لا يرفع حل النكاح) .
(3) (الحنفية، والحنابلة - قالوا: إن ركن الطلاق أمر واحد، وهو الوصف القائم بالمطلق أعني
التطليق، كما تقدم في التعريف. ولما كان التطليق لا يمكن تحققه إلا بالعبارة الدالة عليه قالوا: إن ركن الطلاق هو الصيغة الدالة على ماهيته، سواء كانت لفظاً صريحاً، أو كناية، أما عدا الأمور الأربعة المذكور أركاناً للطلاق فغير ظاهر. لأن الزوج والزوجة جسمان محسوساً، والطلاق وصف اعتباري، فلا معنى لعدهما أجزاء لماهيته، وأما الصيغة فهي صفة أيضاً للمتكلم بها، ويمكن عدها ركناً للضرورة، لأنها دالة على ماهية الطلاق، وماهية الطلاق - وهي الحدث القائم بالمطلق - وصف حكمي لا يتحقق إلا بلفظ يدل عليه، فلذا قالوا: إن ركن الطلاق هو اللفظ الدال عليه تسامحاً، وأما القصد فهو أمر عارض للشخص أيضاً، ولكنه خارج عن ماهية الطلاق، فثبت أن هذه الأربعة كلها خارجة عن ماهية الطلاق، فلا يصح أن تكون من أركانه، لأن ركن الشيء ما كان داخلاً في ماهيته.
وأجيب بأن المراد بالركن ما تتوقف عليه الماهية لا ما كان داخلاً فيها توسعاً ثم أصبح ذلك حقيقة عرفية عند بعضهم، ألا ترى أنهم عدوا الصيغة ركناً للطلاق مع أنها ليست هي الماهية) .
(4) (المالكية، الحنفية - قالوا: إذا علق طلاق امرأة على زوجها فإن طلاقه يعتبر، ويقع عليه إذا تزوجها، فلو قال: إن تزوجت فاطمة بنت محمد تكون طالقة يقع عليه الطلاق بمجرد العقد، ومثل ذلك ما إذا قال: كلما تزوجت امرأة فهي طالق، وقالوا: إنه لا حجة في الحدث المذكور على نفي هذا، لأن الطلاق معلق على ملك بضع المرأة. فإذا وجد الملك وقع الطلاق، فلم يقع الطلاق في صورة التعليق قبل الملك. ومثل ذلك حديث: "لا طلاق إلا بعد النكاح" رواه الترمذي وصححه. فإن معناه أن الطلاق لا يقع إلا بعد وجود العقد. وهم يقولون ذلك، لأن الطلاق المعلق عندهم لا يقع إلا بعد العقد، وقد يقال: إن المالكية، والحنفية قرروا أن طلاق الأجنبية في غير صورة التعليق ملغى لا قيمة له، إذ لا ولاية للزوج عليه، وهذا يقتضي أن عبارة الزوج قبل العقد ملغاة لا معنى لها بدون فرق بين التعليق وغيره، فقوله: إن تزوجتك فأنت طالقة عبارة فاسدة لا قيمة لها، كقوله: أنت طالق) .
(5) (الحنفية - قالوا: حد السكر عند الإمام هو سرور يزيل العقل، فلا يفرق صاحبه بين السماء والأرض، ومعنى هذا أن السكران الذي يصل إلى حد يشبه المجنون يقع طلاقه، ومن باب أولى ما إذا لم يصل إلى هذا الحد، أما الصاحبان فإنهما يقولان: إن حد السكر سرور يغلب على العقل فيجعل صاحبه يهذي في كلامه بحيث يكون غالب كلامه هذياناً، فلو كان نصف كلامه هذياناً ونصفه مستقيماً
فإنه لا يكون سكران، بل يعامل معاملة الصاحي في كل أحواله، على أن من زاد على هذا الحد بأن اختلط عقله فأصبح لا يفرق بين السماء والأرض، ولا بين الرجل والمرأة، فإن طلاقه يقع أيضاً.
وعلى هذا لا يكون للخلاف في حد السكران فائدة بالنسبة لوقوع الطلاق، لأنه واقع في الحالتين على رأي أبي حنيفة، ورأي صاحبيه.
أما الأول: فلأنه يعتبر الهاذي في كلامه فقط كالصاحي الذي يقع طلاقه، بلا نزاع.
وأما الثاني: فلأن الصاحبين يقولان بوقوع طلاقه إذا وصل للحد الأعلى زجراً له.
نعم، تظهر فائدته بالنسبة لإقامة الحد على السكران، فأبو حنيفة يقول: إن السكران لا يحد إلا إذا وصل إلى حالة لا يفرق معها بين السماء والأرض، وبين الرجل والمرأة، وهو الحد الأعلى للسكران، فإذا نقص عنه كان النقص شبهة تدرأ عنه الحد، والصاحبان يقولان: متى هذى في كلامه استحق الحد، على أن بعض المحققين من الحنفية قال: إن الإمام متفق معهما على أن حد السكر الموجب لإيقاع الطلاق هو الهذيان، فلا خلاف بينهما في ذلك، بل الخلاف مقصور على حد الشرب، فلا يحد إلا إذا وصل إلى هذه الحالة عنده دونهما ولكن التحقيق أن السكر بالمعنى الثاني هو المعتبر في كل الأبواب، سواء كان في باب الإيمان، أو الطهارة أو الحد، وهو المفتى به. والدليل على ذلك قول الإمام علي كرّم الله وجهه: من سكر هذى، ومن هذى فقد افترى، ومن افترى استحق جلد ثمانين، فاعتبر الإمام الهذيان سكراً يوجب الحد، ويعتبر الهذيان كالافتراء، أو القذف الذي يوجب الحد بالجلد ثمانين. ثم السكر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون ناشئاً من تناول شيء مباح ليس فيه ما يسكر عادة كاللبن الرائب، وعصير القصب، والفواكه قبل تخمرها، فإن تناول من ذلك شيئاً كثيراً، أثر على مزاجه فأسكره، أو تناوله بعد أن تخمر، وهو لا يدري، فسكر وطلق فإن طلاقه لا يقع اتفاقاً.
القسم الثاني: أن يكون السكر ناشئاً من تناول شيء يسكر كثيره لا قليله، وهي الأشربة المتخذة من الحبوب، والعسل، والفواكه. وهذه فيها خلاف، فالإمام وأبو يوسف يقولان: إن من تناول منها وسكر وطلق لا يقع طلاقه، ومحمد يقول: إنه يقع، وقد تقدم في الجزء الثاني في باب ما يحل شربه أن قول محمد هو الصحيح المفتى به، فكما أن شربها لا يحل، وكذلك إذا شربها وسكر وطلق وقع عليه طلاقه.
والقسم الثالث: أن يسكر من الخمر المتفق على تحريم تناوله وهو المتخذ من العنب، والزبيب والتمر، الخ ما تقدم في الجزء الثاني، فمن شرب من ذلك وطلق، فإن طلاقه يقع باتفاق.
ويلحق بالخمر الحشيش، والأفيون فمن أخذ منهما شيئاً بقصد اللهو والسرور فغاب عقله وطلق وقع عليه الطلاق، أما إذا أخذ شيئاً بقصد التداوي فسكر فطلق فإن طلاقه لا يقع. ومثل ذلك البنج
ونحوه من المخدرات كالمورفين والكوكايين - فإن أشار بها الطبيب للتداوي فإنها تكون في حكم تناول المباح، وإلا كانت محرمة تحريماً باتاً.
وإذا شرب خمراً، أو حشيشاً، أو نبيذاً فأصابه صداع فإنه ينظر إن كان الخمر الذي تناوله شديداً يسكر ويستر العقل ويجعل صاحبه يهذي فإن طلاقه يقع، لأن القدر الذي أخذه كاف وحده في ذهاب العقل، أما إذا كان يسيراً لا يغيب العقل به، فإنه لا يقع الطلاق لأن الطلاق لم يستند إلى ذهاب العقل بالخمر بل إلى ذهابه بالصداع، والصداع مرض طبيعي لا يترتب على غياب العقل به وقوع الطلاق، وإن كان سببه محرماً، ألا ترى أنه إذا شرب حشيشاً وجن جنوناً تاماً فإن طلاقه لا يقع.
المالكية - قالوا: السكر الذي يترتب عليه وقوع الطلاق هو أن يختلط الرجل فيهذي في قوله. كما هو في الصحيح عند الحنفية، فمن سكر ووصل إلى هذا الحد وقع طلاقه، أما السكر الذي لا يفرق به صاحبه بين السماء والأرض ولا يعرف الرجل من المرأة بحيث يكون كالمجنون، فإنه لا يترتب عليه وقوع الطلاق اتفاقاً.
ويشترط في وقوع طلاق السكران أن يتناول شيئاً عالماً بأنه يغيب العقل أو شاكاً فيه، وفي هذه الحالة يكون تناوله حراماً، بلا فرق بين أن يكون خمراً. أو لبناً رائباً. أو غير ذلك أما إذا تحقق أنه غير مسكر أو غلب على ظنه أنه كذلك وشربه فسكر وطلق فإنه طلاقه لا يقع) .
(6) (الحنابلة - قالوا: يقع طلاق المميز الذي يعرف ما الطلاق وما يترتب عليه من تحريم زوجته، ولو كان دون عشر سنين، ويصح أن يوكل غيره بأن يطلق عنه كما يصح للغير أن يوكله في الطلاق) .
(7) (الحنفية - قالوا: طلاق المكره يقع خلافاً للأئمة الثلاثة، فلو أكره شخص آخر على تطليق زوجته بالضرب، أو السجن، أو أخذ المال وقع طلاقه، ثم إن كانت الزوجة مدخولاً بها فلا شيء للزوج، وإلا فإنه يرجع على من أكرهه بنصف المهر، ويشترط أن يكون الإكراه على التلفظ بالطلاق فإذا أكرهه على كتابة الطلاق فكتبه فإنه لا يقه به الطلاق وكذلك إذا أكرهه على الإقرار بالطلاق فأقر فإنه لا يقع، فلو أقر بدون إكراه كاذباً أو هازلاً فإنه لا يقع ديانة بينه وبين ربه، ولكنه يقع قضاء لأن القاضي له الظاهر ولا اطلاع له على ما في قلبه، وهذا بخلاف ما إذا طلقها هازلاً، فإذا كان يمزح مع شخص بطلاق زوجته فإنه يقع قضاء وديانة، والفرق بين الأمرين أنه في الأول أقر بالطلاق كاذباً أو هازلاً، وفي الثاني أنشأ الطلاق هازلاً نعم هو لا يقصد بإنشاء الطلاق ما يترتب على صيغة الطلاق من حل عقدة النكاح لا حقيقة ولا مجازاً، ولكنه قصد إنشاء الطلاق ليمزح به فعومل به.
هذا، والحنفية يقولون: إن هناك أشياء أخرى تصخ مع الإكراه، منها الإيلاء فإذا أكره شخص
آخر على أن يحلف بأن لا يطأ زوجته أربعة أشهر ففعل فإنه يصح، فإذا مضت أربعة أشهر ولم يقربها بانت منه. وإن لم يكن قد دخل بها رجع بنصف المهر على من أكرهه.
ومنها الظهار، فإذا أكرهه على أن يظاهر من زوجته فإنه يقع وعليه الكفارة الآتي بيانها في باب الظهار.
ومنها الرجعة، فإذا أكره الأب ابنه على رجعة زوجته المطلقة فإنه يصح.
ومنها العفو عن القصاص، فلو وجب لشخص على آخر قصاص في نفس أو عضو دونها فأكره على العفو بالتهديد بالضرب أو الحبس فعفا فإن عفوه يصح ولا ضمان على الجاني، ولا على من أكرهه وهذا بخلاف ما إذا أكرهه على أن يبرئه من مال له عليه فأبرأه فإن البراءة تكون باطلة ويبقى له حقه، ومنها أن يكرهه على نذر أو يمين، فإنه يجب عليه أن يبر بها، وإن لم يفعل أثم، سواء كان المحلوف عليه طاعة أو معصية، ومنها أن تكرهه على الرجوع إلى زوجته في الإيلاء، فلو رجع إليها مكرهاً قبل أربعة أشهر صح رجوعه، ولم تبن منه عند انقضاء أربعة أشهر، ومنها الإكراه على الصلح عن دم القتل عمداً فلو كان لشخص دم عند آخر وهدده بالقتل أو الإيذاء إن لم يصطلح معه على مال كذا ففعل، فإنه يصح، ولا يبقى له حق قبل الجاني ومنها إكراه المرأة على أن تدفع مالاً في نظير أن يطلقها زوجها، فإذا قبلت أن تدفع مالاً مكرهة وطلقها وقع طلاقه، ولا شيء له عليها من المال فالذي يصح في هذه الحالة هو الطلاق، أما إذا أكره الرجل على أن يطلق امرأته في نظير مال يأخذه منها فطلقها فإن طلاقها يصح، ويجب عليها أن تدفع المال الذي حددته له، ومنها الإكراه على الإسلام فإنه يصح ويعتبر المكره مسلماً تجري عليه أحكام الإسلام، ومنها الإكراه على الصدقة فإنها تجب عليه كما يجب عليه النذر.
فهذه الأمور تصح مع الإكراه، وقد عدوا أموراً أخرى يترتب عليها أحكام مع الإكراه عليها منها ما إذا أكره امرأة على أن ترضع طفلاً فإنه يترتب على هذا الرضاع حرمة المصاهرة كما لو أرضعته مختارة، ومنها أن يكرهه على الخلوة بامرأة أو إتيانها، فإنه يترتب على ذلك تقرر الصداق لها جميعه، ومنها أن
يكرهه شخص على إتيان جارية فتحمل منه، فإن الولد يلحق به، وإن كان مكرهاً على وطئها، وسيأتي لذلك مزيد في مباحث الإكراه إن شاء الله.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.41%)]