ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   من بوح قلمي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=72)
-   -   طقوس (قصص قصيرة) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=281640)

ابوالوليد المسلم 03-09-2022 02:01 AM

طقوس (قصص قصيرة)
 
طقوس (قصص قصيرة)
محمد صادق عبدالعال





طقس أول



ما كان عجبًا للناس أن يكونَ ذلك حالَ صاحب الملامح الطفوليَّة حتى يوم أن ماتت أمُّه، وهو من كان يلازمُها مُلازمةً تجلب الشفقة حينًا، والسخرية أحيانًا، تراه الآن وهو يتنقل بين الأرائك الخُضر التي أُحضرت أمام البيت يجالس الصبية ممن يصغرونه كثيرًا، ترمقه عيون المعزِّين، فيفر منها فرارًا كالذي يخشى من معاصرة الألم.







انتهت المجهزات من أمرها، وتولى الرجال حملها، اختفى عن المشهد فجأة، لم يعبأ المشيعون بذلك حين نادى الإمام في الناس: "إن كان لأحدٍ دَيْنٌ عندها، فأنا به كفيل!".



انطلق النعش يشقُّ سوادَهم الطويل، وعند باب القبر كانت وسادتُها التي تنام عليها بين ذراعيهِ وقد بللتها دموعُه، ناشدوه الخروج، ضرب الأرض بقدميه يصرخ فيهم: "لن أبرح القبر حتى أوسِّد أمي سريرها الجديد".







طقس ثانٍ



ويكأنه لم ينم! ترسله المخاوفُ للأرق، وتعاريج القلق، فما أن دقت السادسة بتوقيت القاهرة حتى انطلق، ينتعل نعالًا لا تليق بمستبِق، فكانت خطواتُه بين الوئيدة والنشيطة تشحذُ فيه عزيمة الانتصار، يتخيل المشهدَ قبل أن يراه، يقحم نفسه في شجار مع أولئك الذين لا يجدون إلا قُوتَهُ فيسلبونه إيَّاه، تكلُّ عضدُه اليمنى من حملها، فيعهد إلى يسراه فَتَكِلُّ هي الأُخرى، فيلقيها للأرض آمرًا لها بأن تستجيب لفيزيائية الدوران، يصل إلى الساحة حيث المشهدُ أقسى مما تخيل!







طقس ثالث



السماء تُرهِج بالمطر، والسحب عادت من جديد راعدات للظانِّين بالشتاء ظنَّ الانتهاء، والثاويان بالشرفة المطلة على باب السماء الممطرة ينظران بعيون متفرقة.



هو: حلاوة روح ما تلبث الشمس حتى تعود بقوة الطقس المعاصر.



هي: ليته يعود كله خير وسكينة، وبقية مما أنهكه الخريف.



هو: كيف يعود وقد انقضت شهورُه الممطرة؟! أنسيت أنه شهر "نيسان"؟ دلفت للداخل وهي تقول:



ويكأن الشتاء عدوٌّ للرجال!







طقس رابع



وجهان في عقديهما الثامن يحتفلانِ بالشمس بعدما انتصرت على الغيم في موقعتها الأخيرة، قالت وهي تزهو:



هكذا الشمس المؤنثة دومًا متجدِّدة الشباب ولودٌ!







يضحك الثاني بملء فِيه:



يا أم الأمهات لم يعُد في الحي سوانا.



قالت باستهجانٍ:



تكلم عن نفسك يا هَرِم، أترابك في التراب من زمن.



سامحك الله - وأنت من أقراني.







لا تقل - بل أنت من يكبرني بأعوام كثيرة، يستمسك بأطراف الأريكة من هول الضحك، فتشاطره حتى علا بهما الصوت، تأتي السحب المغيرة ثانيةً لتعيد مع الشمس كَرَّة الحصار، تطول المعركة، يبتئسان من قوة الغيم، يَنسلُّ الدفء لتسري الرجفة بهما، فيدلفان في صمت الفارِّين، تعود الشمس قويةً عزيزة وفي صحبتها بعض سحائبَ بِيضٍ يسألون الأريكة عنهما والمكان، فما من مجيب!







طقس خامس



جلس وحيدًا بركن الدار يتأمل شمسًا أزلية، تتوارى حينًا خلف الغيم وحينًا تسطع ذهبية، يتساءل:



أأعيش ليوم آتٍ فأراها شرقية؟!



من يدري!







يُحس رجفة بالصدر، يتهم الأحفاد بسلب العمر الماضي، ينظر حواليه:




أرائك - كانت حافلة بالأهل وبالذرية، واليوم صارت أطلالًا، أطلالًا منسية، يعاوده الداء، يتوكأ عصاه الخشبية، يطرق بها طرف الباب، يتسلم سريره وينام تاركًا لصاحبة النور فرصةَ التفكير في معاينة إشراقها الجديد، في صبح اليوم التالي ينطلق صراخ وبكاء:



وا أسفاه! قد رحل الجدُّ الأكبر قبل شروقِ الشمسِ الأزلية.







تمت بحمد الله





الساعة الآن : 08:52 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 8.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 8.88 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.05%)]