|
|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
رؤيا الإسلامية في شعر محمود حسن إسماعيل
رؤيا الإسلامية في شعر محمود حسن إسماعيل (1 - 3) أ. طاهر العتباني الجانب العقائدي من الشُّعراء الذين كانت لهم وقفةٌ طويلة أمام التُّراث العربي، وكانت لهم تجربة رائدة في التَّعبير الوجداني الصَّادق عن كثيرٍ من الرُّؤى الإسلامية، واستلهام تاريخ هذه الأمَّة وحضارتها وعقيدتها في كثيرٍ من شعره: الشاعرُ الراحل "محمود حسن إسماعيل"، ولقد كان لِتمكُّن الشاعر الفذِّ من أدوات التجربة الشِّعرية ما ساعدَه على أن يُبدع وبشكل متفرِّد قصائدَ تنتمي - في صميمها وجوِّها وما تطرحه من رؤيةٍ فنيَّة - إلى عمود الشِّعر العربي الأصيل، وإن كانت تتجاوز الشكل العموديَّ بتدفُّقها وبراعةِ نسجها المتفرد الأصيل. وإذا كُنَّا بصدد الحديث عن الرُّؤيا الإسلاميَّة في شعر "محمود حسن إسماعيل"؛ فإنَّ الأمر أكبَرُ من أن يُتناوَل في دراسة سريعة، أو حتَّى عدة دراسات، ولكن هي المشاركة التي نُحاول من خلالها أن نتناول بعضَ جوانب هذه الرؤيا. ونبتدئ فنقول: إنَّ حياة "محمود حسن إسماعيل" في ريف مصر في فترةٍ كان فيها الريف المصريُّ صورةً لقهر المستعمِر الإنجليزيِّ وأعوانه داخل البلاد، ممَّن سيطروا على الحياة الاجتماعيَّة والاقتصادية، ولم يعطوا الفلاَّح الكادحَ شيئًا من ثمرةِ جهده؛ كان لهذه الفترة أثرٌ عميق في رؤية الشاعر فيما بعد، وعندما الْتَحق الشاعر بكلية دار العلوم أخرج أوَّل دواوينه "أغاني الكوخ"، الذي كان تعبيرًا رائعًا عن هذه الفترة في حياة الفلاَّح البسيط في ريف مصر، كما كان تعبيرًا عن غُرْبة الشاعر في مجتمع المدينة الذي افتقد فيه الشَّاعرُ ما كان يعيش فيه من جوٍّ يتمتَّع بمظاهر الطبيعة الجميلة التي أثَّرت في وجدان الشاعر تأثيرًا بعيدًا. وفي هذا الديوان - أغاني الكوخ - نجد كثيرًا من القصائد التي نلمح فيها أثرًا للوجدان الإسلاميِّ الذي يرفض الظُّلم، ويتمرَّد على القهر، ويرى في الإسلام العدالة الاجتماعيَّة التي افتقدَتْها الحياةُ في ذلك الوقت، وفي ذلك المكان. كما أنَّ قصيدته "شاعر الفَجْر" في هذا الدِّيوان من القصائد التي تعبِّر بصدقٍ عن تشبُّع الشاعر بهذه المعاني الوجدانيَّة الإسلامية السامية التي تدور في خلَد الشَّاعر المُسْلِم وهو يستَمِع إلى النِّداء من المئذنة مناديًا لصلاة الفجر، ونلمس ذلك الوجدان حتَّى في عنوانها: "شاعر الفجر"؛ يقصد به المؤذِّن. ومع الدِّيوان الثاني للشاعر "هكذا أغنِّي" نجد تَصاعُد هذه الرُّؤيا الإسلاميَّة، وامتدادَها إلى جانب ما نَلْمحه من آثار الرُّؤيا الرومانسيَّة التي طغَتْ على هذا الدِّيوان الثاني، وبدأت تشكِّل ملمحًا آخر من ملامح الرُّؤيا الشعرية عند "محمود حسن إسماعيل". ولكن رغم الرؤيا الرُّومانسية عند الشاعر، فإنَّ الرؤيا الإسلاميَّة تُلقي بظلالها على محاور فنِّه الشعري، وبشكل غير مباشرٍ، وأحيانًا تَطْغى نغمتها وتشكِّل أبعاد التجربة وعناصرها كلَّها. وسنحاول في هذه الدراسة التوقُّفَ أمام عددٍ من جوانب الرؤيا الإسلامية عند الشاعر. (1) الجانب العقائدي نلمح أثر العقيدة الإسلامية في كثير من قصائد الشاعر؛ ففي قصيدة "موسيقى من الرُّوح" يتحدَّث الشاعر عن مواجهة المادِّية الطاغية التي سيطرَتْ على الحياة المعاصرة، والحياة الأوروبيَّة بخاصة، وظهرَتْ آثارها كذلك في حياة المسلمين، وحين يَطْرح هذه القضية - قضية الرُّوح والمادة - يبدؤها من ذلك الأصل الأصيل في كتاب الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]. يقول الشاعر في بداية قصيدة "موسيقى من الروح": سَأَلُوا نَبِيَّ اللهِ، قَالَ اللهُ: لاَ الرُّوحُ مِنْ عِنْدِي، فَقُلْ: لاَ تَسْأَلُوا لاَ تَسْأَلُوا الأَنْعَامَ كَيْفَ تَفَجَّرَتْ السِّرُّ تَاهَ وَتَاهَ فِيهِ البُلْبُلُ [1] ويظلُّ يواجه هذا الإنسان المادي الذي اغترَّ بحضارته، ووقف مزهُوًّا يعترض على سلطان الله - عزَّ وجلَّ - في هذا الوجود، ويواجه هذا الإنسان بعجزه: العِطْرُ مَاتَ فَهَلْ بِسِرِّكَ قُدْرَةٌ تُحْيِيهِ مِنْ رَوْضِ البِلَى يَتَسَلَّلُ وَالرَّوْضُ إِنْ خَرَسَتْ جَمِيعُ طُيُورِهِ أَلَدَيْكَ لِلأَغْصَانِ نَايٌ يَهْدِلُ [2] ثم هو يظلُّ يواجه الإنسانَ بهذا العجز، مع تعريفه أنه يملك من القدرات العِلميَّة ما شاء الله له، ولكنه يعتزُّ بِها ويسخِّرها في غير ما أراد الله - عزَّ وجلَّ - لها: وَصَلَ النّوَاةَ فَصَاغَهَا قَدَرًا عَلَى رَاحَاتِهِ كُلُّ الوُجُودِ يُبَدَّلُ أَغْرَاهُ أَنَّ الذَّرَّةَ انْفَلَقَتْ عَلَى كَفَّيْهِ فَهْوَ بِكِبْرِهَا يَتَدَلَّلُ ثم يواجهه بهذه الحقيقة الخالدة، هذه "الرُّوح" التي تسكن فيه، ولا يعلم عنها شيئًا، ومهما حاول فلن يصل إلى شيءٍ: هِيَ فِيكَ تَجْهَلُهَا وَتَشْرَبُ خَمْرَهَا وَإِذَا تَطِيرُ فَأَنْتَ كَأْسٌ مُهْمَلُ أَعَلِمْتَ سِرَّ بَقَائِهَا وَخُلُودِهَا؟ أَعَلِمْتَ أَمْ أَنْتَ العَلِيمُ الأَجْهَلُ؟ الرُّوحُ رُوحُ اللهِ وَالعَقْلُ الَّذِي يُشْقِيكَ ضَيْفٌ فِي حِمَاهَا يَنْزِلُ فَإِذَا مَضَيْتَ تَخَلَّصَتْ وَمَضَاتُهَا وَرَجَعْتَ لِلاَّ شَيْءِ صَمْتًا يُعْوِلُ[3] يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: رؤيا الإسلامية في شعر محمود حسن إسماعيل
وفي هذا الجانب العقَديِّ أيضًا نجد إدراك الشاعر لمهمَّة الرسول ودورِه في هذا التغيير حسب منهج السماء؛ ذلك المنهج الذي يخلع الإنسان من ذاته، ويخلعه من التعبُّد لأصنام الأرض وطواغيت البشَر، وهذه قصيدة "حادي التغيير" التي يتحدَّث فيها عن أثر النبوَّة الذي يغيِّر وجه الحياة، ويعيد إليها الميزان العادل المفتقد، يقول الشاعر عن هذه الجاهليَّة المسيطرة حين تطغي على كرامة الإنسان وتتركه عبدًا يحفن ذلاًّ باليد: عَبْدٌ يَدُورُ فِي غُبَارِ سَيِّدِ وَسَاجِدٌ يَحْفِنُذُلاًّ بِاليَدِ وَأُمَمٌ تَرْعَى بِدِينِ الغَنَمِ لَجَّتْ بِهَا الأَغْلاَلُ أَعْتَى الظُّلَمِ أَعْيَتْ خُطَاهَا كَلِمَاتُ الرُّسُلِ وَمُعْجِزَاتُ الْمُرْسَلِينَ الأُوَلِ وَغَابَ وَجْهُ اللهِ عَنْ أَعْمَاقِهَا وَزَمْزَمَ الشَّيْطَانُ فِي أَصْدَائِهَا تَنْعَى بِهَا مَوْءُودَةً مَا سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ دُونَ ذَنْبٍ قُتِلَتُ وَيَشْتَكِيهَا جَائِعٌ فَقِيرُ أَنْفَاسُهُ بِالوَهْمِ تَسْتَجِيرُ[4] ثم يأتي حادي التغيُّرات الذي يكون في رسالته هدى البشرية وعودتها، وفي هجرته نُصْرة للحقِّ والخير والعدل: حَتَّى أَتَاهَا مُضْرَمُ التَّغْيِيرِ فِي لَيْلِهَا الْجَاثِي عَلَى الدُّهُورِ شَدَّ خُطَاهَا فِي الدُّجَى وَسَارَا فِي هِجْرَةٍ شَقَّتْ لَهَا النَّهَارَا وَشَعْشَعَتْ فِي دَرْبِهَا الضِّيَاءَ وَأَتْرَعَتْ فِي قَلْبِهَا السَّمَاءَ أَعْتَى شُعَاعٍ فِي ضَمِيرِ الزَّمَنِ يَهْدِي بِنُورِ اللهِ كُلَّ مُؤْمِنِ[5] يتبع
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
رد: رؤيا الإسلامية في شعر محمود حسن إسماعيل
رؤيا الإسلامية في شعر محمود حسن إسماعيل (1 - 3) أ. طاهر العتباني ومع هذا التغيُّر الذي يَحْدث في ليل البشريَّة الجاثي على الدُّهور التي افتقدَتْ نور الإيمان؛ كي يهدِيَها في ظلمات الحيرة، ويُنقذها من التِّيه والضَّلال، نجد الكون الكبير يتجاوب مع هذا التغيير، ويسعد به، ولا غَرْوَ؛ فهذا الكون المسبِّح الساجد لله - عزَّ وجلَّ - ولا يفهم تسبيحَه أحد، يتهلَّل لرؤية حادي التغيير، وهذا الشاعرُ ينقل لنا المشاركةَ التي يُشارك بها الكون الكبير في الفرحة بمقدَّم "أوَّل خطوة خارج الغار لنبيِّ الإنسانية": كُلُّ حَصَاةٍ فِي الطَّرِي قِ أَوْمَأَتْ تَنْتَظِرُ وَكُلُّ ذَرَّاتِ الأَثِي رِ أَقْبَلَتْ تُكَبِّرُ وَالرِّيحُ مِنْ كُلِّ اتِّجَا هِ أَيْقَظَتْ رَبَابَهَا وَأَسْبَلَتْ عَلَى جَبِي نِ أُفْقِهَا أَهْدَابَهَا وَاسْتَرْسَلَتْ تَعْزِفُ لِلسْ سُكُونِ مِنْ صَلاَتِهَا وَتَسْتَعِيدُ شَجْوَهَا هَمْسًا عَلَى لَهَاتِهَا وَتَسْمَعُ الْجِبَالُ مِنْ تَسْبِيحِهَا أَنْغَامَا لَمْ تَدْرِ كَيْفَ انْحَدَرَتْ مِنْ قَلْبِهَا إِلْهَامَا وَالفَجْرُ مِنْ مَزَارِهِ النْ نَعْسَانِ فِي وَجْهِ الوَثَنْ رَدَّ خُطَاهُ لُحُظًا جَدِيدَةً عَلَى الزَّمَنْ [6] ثم في نفس القصيدة يتحدَّث عن هدف الرِّسالة التي جاءت: جَاءَتْ تَهُزُّ مُطْرِقًا أَمَامَ رَبٍّ مُطْرِقِ كِلاَهُمَا وَهْمٌ لِوَهْ مٍ جَاهِلٍ مُلَفَّقِ يتبع
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
رد: رؤيا الإسلامية في شعر محمود حسن إسماعيل
جَاءَتْ تَرُدُّ الظُّلْمَ مَقْ هُورًا إِلَى طَاغُوتِهِ نَدَامَةً مَذْعُورَةً تَصْرُخُ فِي تَابُوتِهِ وَتَضْرِمُ الإِبَاءَ فِي جَبِينِهِ الْمُسْتَعْبَدِ جَاءَتْ وَنُورُ اللهِ يَحْ دُو الْخَطْوَ فِي طَرِيقِهَا وَالكَوْنُ يَسْتَافُ عَبِي رَ الصَّحْوِ مِنْ شُرُوقِهَا [7] ثم نحن نرى أثر هذا الإيمان وهذه العقيدة في نظرة الشَّاعر إلى الطبيعة؛ إنَّه لم ينظر إليها باعتبارها إلهًا يُعبَد، كما نظر إليها الرومانسيُّون الغربيون، ومَن تابعهم من الشعراء الرومانسيِّين العرب، إنه ينظر إليها فيرى أثر اليَدِ المُبدعة القادرة: كُلَّمَا غَرَّدَ طَيْرٌ فِي خَمِيلَهْ وَصَفَتْ لِلحُبِّ دُنْيَاهُ الْجَمِيلَهْ كُلَّمَا قَبَّلَ ضَوْءُ الشَّمْسِ زَهْرَهْ وَانْحَنَى العِطْرُ لَهَا يَنْقُلُ سِرَّهْ لاَحَ لِي وَجْهُكَ فِي كُلْ لِ شُعَاعٍ يَتَجَلَّى يَمْلَأُ الأَيَّامَ عِطْرًا وَأَنَاشِيدَ وَظِلاَّ[8] ثم ها هو يجد في هذا الكون، في الموج والشمس، والطير والعبير، يجد في هذا كلِّه عناصِرَ حركةٍ، وحياة في هذا الكون توحي إلى الإنسان ألاَّ يتأخر عن مشاركة هذه المخلوقات الجميلة كلِّها حركةَ الحياة المستمرَّة، وألاَّ يكون الإنسان في وقوفه وجموده مُخالِفًا سُنَّة الله في جعل الحياة حركة وعملاً وتصميمًا: سَنَمْضِي وَكُلُّ يَدٍ جَذْوَةٌ تُعَانِقُهَا أُخْتُهَا فِي الْمَسِيرْ سَوَاءً.. سَوَاءً.. كَمَوْجِ الضُّحَى تُغَنِّي بِهِ الشَّمْسُ فَوْقَ الْهَدِيرْ وَكَالطَّيْرِ يَحْشِدُ أَسْرَابَهُ عَلَى حَوْمَةِ النُّورِ، شَوْقُ العَبِيرْ يتبع
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
رد: رؤيا الإسلامية في شعر محمود حسن إسماعيل
عَلَى حَوْمَةِ النُّورِ، شَوْقُ العَبِيرْ قَطَعْنَا لَظَى الدَّرْبِ، حَتَّى دَنَتْ قَوَافِلُنَا، مِنْ شَذَاهُ النَّضِيرْ وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ بَقَايَا الطَّرِيقِ فَلاَ بُدَّ - مَهْمَا عَتَا - أَنْ نَسِيرْ [9] ومن هذا البُعد العقائديِّ تأتي قصيدة "التَّائهة" التي يتحدَّث فيها عن إسرائيل، مبيِّنًا ما تتصف به من الغدر الذي حدَّثَنا عنه القرآن: مَلْعُونَةٌ تَقْتَاتُ مِنْ عِرْضِهَا قُوتَ الصَّدَى مِنْ أَيِّ مِزْمَارِ وَتَشْرَبُ السُّحْتَ عَلَى نَشْوَةٍ يَرْغُو بِهَا إِبْرِيقُ خَمَّارِ وَتَذْبَحُ اللهَ عَلَى دِرْهَمٍ مُقَدَّسِ اللَّعْنَةِ ثَرْثَارِ قَالَتْ: يَدَاهُ - جَلَّ - مَغْلُولَةْ غَلَّتْ يَدَيْهَا كَفُّ جَبَّارِ وَطَارَدَتْهَا لَعَنَاتُ الوَرَى بِعَاصِفٍ كَالْهَوْلِ دَوَّارِ [10] ويواجِهُها بتاريخها وماضيها الذي كان كلُّه تاريخَ خزيٍ وعار، وهو في قصيدته يترسَّم آثار القرآن الكريم حين يستعرض تاريخ اليهود، المليءَ بالمخازي، يقول الشاعر في نفس القصيدة "التائهة" التي نرى في عنوانها استِلهامًا لقصة "التِّيه" التي كتبها الله تعالى على اليهود بعد أن رفَضوا الجهاد مع موسى، وقالوا له كما حكى القرآنُ: ï´؟ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ï´¾ [المائدة: 24]: يَلْعَنُهَا اللهُ فَكَمْ مُرْسَلٍ كَانَتْ لَهُ تَأْوِيل كُفَّارِ تَهَادَلَتْ سَيْنَا عَلَى دَرْبِهَا لَعَلَّهُ يُومِضُ لِلسَّارِي وَعَشَّشَتْ فِي ذَاتِهَا غَيْهَبًا مُسْتَخْفِيًا مِنْ غَيْرِ أَوْكَارِ [11] إلى أن يقول عن رسالةِ "موسى" - عليه السَّلام - إليها، وذهابه لميقات ربِّه، ووقوعها في الضَّلال والوثنية: وَكَلَّمَ اللهَ فَأَصْغَتْ لَهُ ثَاكِلَةٌ تَسْعَى لِحَفَّارِ يتبع
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
رد: رؤيا الإسلامية في شعر محمود حسن إسماعيل
ثَاكِلَةٌ تَسْعَى لِحَفَّارِ جَبِينُهُ لِلنُّورِ وَهْيَ الدُّجَى يُمْعِنُ فِي تَابُوتِ أَغْوَارِ ويُواصل كشف التاريخ المخزي لليهود إبَّان رسالة "عيسى" - عليه السَّلام - ورسالة الأمين محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم -: وَجَاءَهَا عِيسَى بِرِفْقِ الْهُدَى فَلَمْ يَزِدْهَا غَيْرَ إِصْرَارِ وَغَيْرَ تَارِيخِ صَلِيبِ الأَسَى يصرُّ مِنْ لَوْحٍ وَمِسْمَارِ وَأَنْزَلَ الفُرْقَانَ نُورًا عَلَى هَادٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُخْتَارِ فَوَاصَلَتْ كَيْد السَّمَا لَعْنَةً مَنْبُوذَةً تَبْحَثُ عَنْ جَارِ [12] ولو مضَيْنا نستقصي ذلك الجانب العقائديِّ في شعر "محمود حسن إسماعيل"؛ لطال بنا المَقال. [1] "موسيقى من السر"، محمود حسن إسماعيل، ص: 18. [2] "موسيقى من السر"، محمود حسن إسماعيل، ص: 22. [3] "موسيقى من السر"، محمود حسن إسماعيل، ص: 23 [4] "لا بد"، محمود حسن إسماعيل، ص 27 [5] "لا بد"، محمود حسن إسماعيل، ص 28 [6] "لا بد"، محمود حسن إسماعيل، ص 29، 30. [7] "لا بد"، محمود حسن إسماعيل، ص 41. [8] "صوت من الله"، محمود حسن إسماعيل، ص: 88، 89. [9] "لا بد"، محمود حسن إسماعيل، ص: 3. [10] "لا بد"، محمود حسن إسماعيل، ص: 61. [11] "لا بد"، محمود حسن إسماعيل، ص: 69. [12] "لا بد"، محمود حسن إسماعيل، ص: 70.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
رد: رؤيا الإسلامية في شعر محمود حسن إسماعيل
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
رد: رؤيا الإسلامية في شعر محمود حسن إسماعيل
بل إنَّه ينظر إلى النِّعمة على أنها عطاء ربَّاني، لا بدَّ أن يكون عليه شكرٌ لله بالعطاء للآخرين: إِنْ كُنْتَ لاَ تَدْرِي بِأَنَّ اللهَ لَمْ يُظْلِلْكَ فِي نِعْمَتِهِ إِلاَّ لِتَمْتَدَّ بِهَا لِلبَائِسِ الْمَحْرُومِ مِنْ لُقْمَتِهِ لِكُلِّ كَفٍّ شَلَّهَا الْبَغْيُ لِتَنْسَابَ إِلَى نَظْرَتِهِ[5] إلى أن يقول في ختام قصيدة "بين الله والإنسان": إِنْ كُنْتَ لَمْ تُبْصِرْ ضِيَا ءَ اللهِ فِيمَا شَعَّ مِنْ رَحْمَتِهِ فَكَيْفَ يَا زُورَ التُّقَى كَفَّنْتَ هَذَا السِّرَّ فِي سَجْدَتِهِ [6] أجَل، إنَّها الرؤية الإسلاميَّة الصحيحة لأثر العبادة الصادقة التي تزكِّي النَّفْس، وتطهِّر القلب.وإذا كان المسلم لا يتعلَّم من صلاته أن يلين قلْبُه وتخشع جوارحه، ويُتَرجم خشيته وتقواه عملاً وواقعًا حيًّا متحرِّكًا؛ فمن أيِّ شيء - إذًا - يتعلَّم؟! إِنْ كُنْتَ لاَ تُبْصِرُ هَذَا السِّرَّ فِي خُشُوعِكَ الغَرِيرْ فَأَيَّ شَيْءٍ نَحْوَهُ سَبَّابَةٌ كَذَّابَةٌ تُشِيرْ [7] ويؤكد الدكتور "علي عشري زايد" هذا البُعْد في شعر "محمود حسن إسماعيل"، فيقول: "ويتمثَّل الطابع الاجتماعيُّ للبعد الديني في الدِّيوان - ديوان "لا بُدَّ" - في الحرص على إظهار جوهر الإسلام الوضيء، وتنقيته مِمَّا قد يرين عليه من صدَأِ الزيف والتكلُّف والرِّياء، وإظهار طابعه الإنساني، وعمق حرصه على كرامة الإنسان وسعادته"[8].وإذا مضينا نَسْتقصي هذا الجانب في شعر "محمود حسن إسماعيل" نجده بارزًا في تلك "الأُخوَّة الصادقة" التي يعبِّر عنها في قصيدة "شعلة الذَّات" المُهْداة إلى الشاعر "محمَّد إقبال" شاعر الإسلام، والتي إلى جانب تعبيرها عن أخوَّة الإسلام وأخوة الشِّعر بين الشاعرين، نجد فيها ملامح تاريخيَّة تُبْرِز ما كان للمسلمين من مجدٍ زاهر مشرق، ينظر الشاعر في حاضره فلا يراه، فيناجي "إقبالاً" بهذه الكلمات:نَخْلَةُ "الدَّاخِلِ" عَادَتْ بِجَنَاهَا بَعْدَ أَنْ أَرْعَشَ بِالنَّايِ صَدَاهَا وَبِدَمْعِ الرُّوحِ غَنَّى وَسَقَاهَا فَرَبَتْ ظِلاًّ وَتَمْرًا وَشِفَاهَا تَسْمَعُ التَّارِيخَ خَلْفَ الْحِقَبِ يَتَغَنَّى بِحُدَاةِ الشُّهُبِ يَوْمَ كَانَ الغَرْبُ دُنْيَا غَيْهَبِ وَأَتَى الْمِصْبَاحُ فِي كَفِّ نَبِي يُوقِظُ الأَيَّامَ مِنْ عَاتِي كَرَاهَا يتبع
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
رد: رؤيا الإسلامية في شعر محمود حسن إسماعيل
بِضِيَاءٍ شَعَّ بَيْنَ العَرَبِ وَكِتَابٍ خَطَّ لِلأَرْضِ هُدَاهَا[9] ثم ها هو يذهب بعيدًا في الزَّمان والمكان، إنه يسافر في الزمان إلى ذلك المكان الذي صار بعيدًا؛ إلى قُرْطبة، هذه المدينة الإسلاميَّة في عهد ازدهارها وتفوُّقها الحضاري:وَثَرَى قُرْطُبَةٍ حَنَّ إِلَيْهِ فَإِذَاهُ سَجْدَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَإِذَا الْمِحْرَابُ إِصْغَاءٌ عَلَيْهِ شَعَّ تَرْنِيمُ الْهَوَى مِنْ شَفَتَيْهِ [10] في هذه القصيدة "شعلة الذات" التي كتبها عن "إقبال" يَسْترجع ذلك الماضي العريق، وينظر للواقع المتخاذِل، فيبدأ بتصحيح المفاهيم وتقويمها، يقول في بداية القصيدة:قُلْ لِمَنْ كَبَّلَ أَشْوَاقَ الْحَيَاهْ بَاحِثًا عَنْ سِرِّهَا قَبْلَ خُطَاهْ وَاقِفًا شُلَّتْ عَلَى السِّرِّ يَدَاهْ سَائِلاً: أَيْنَ مِنَ الغَيْبِ مَدَاهْ لَسْتَ حَيًّا إِنْ تَهَيَّبْتَ القَدَرْ وَطَلَبْتَ السِّرَّ مِنْ قَبْلِ السَّفَرْ كُنْ طَرِيقًا مِنْ رَحِيقٍ وَشَرَرْ لاَ وُقُوفًا يَتَلَهَّى بِالصُّوَرْ [11] إنَّه لا يرى أن الحياة واقفة فيتلهى بالصُّور، ولا يرى النُّكوص مخافة مما سيجيء سببًا للتكاسل والتراجع، بل إن الحياة تزحف بكلِّ ما فيها من شوقٍ نحو الحقِّ ونحو الخير لكلِّ الإنسانية، ولا يرى هذا التكاسل إلا نوعًا من الذِّلة التي لا تليق بمن لا يَحْني لغير الله رأسَه:قُلْ لِمَنْ أَحْنَى لِغَيْرِ اللهِ رَأْسَهْ وَلِمَنْ صَبَّ لِغَيْرِ اللهِ كَأْسَهْ خَائِفًا يَشْرَبُ مِنْ كَفَّيْهِ نَفْسَهْ وَمِنَ الذِّلَّةِ لاَ يُدْرِكُ حِسَّهْ لَسْتَ حَيًّا إِنْ تَوَهَّمْتَ الوُجُودَا سَادَةٌ هَشُّوا عَلَى الأَرْضِ عَبِيدَا اسْأَلِ الذَّاتَ تَجِدْ فِيهَا السُّجُودَا لِسَوَى اللهِ رِيَاحًا أَوْ حَصِيدَا [12] ثم نراه يخاطب " إقبالاً" مستنشدًا إياه ذلك النغم الخالد:طَائِرَ الإِسْلاَمِ رَجِّعْ نَغَمَا كُنْتَ فِيهِ لِلَّيَالِي حُلُمَا يتبع
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
رد: رؤيا الإسلامية في شعر محمود حسن إسماعيل
أَشْعَلَ النَّايَ الَّذِي هَزَّ السَّمَا وَسَقَى الأَعْمَاقَ شَدْوًا مُلْهَمَات[13] ثم ها نحن نرى أثر هذا التَّعاطف الذي ينبع من أعماق الشَّاعر شدوًا ملهمًا، يحسُّ به أنين المتعبين الضَّائعين في زحمة هذه الحياة، فيؤكِّد أنه جعل غناءه لهذا التعاطف يُرجِّع من خلاله، ويردِّد أوجاعَ أولئك؛ علَّها تجد من يعطف عليها، ويرحم أوجاعها:غَنَائِي وَمَنِّي وَمَالِي سَبِيلٌ إِلَيْهِ فَأَنَّى أَتَى سُقْتُهُ سَمِعْتُ بِهِ الكُوخَ تَحْتَ الظَّلاَمِ عَوِيلاً مِنَ البُؤْسِ غَنَّيْتُهُ وَأَقْدَاح رِقٍّ بِكَفِّ الطُّغَاةِ أَسَايَ بِنَايِي تَجَرَّعْتُهُ [14] لقد أصبح الكوخُ في شعر "محمود حسن إسماعيل" رمزًا للمعاناة التي يَجِدها ذلك الفقير الجائع، وهو حينما ينشر ويحرِّك هذه القضية - قضيَّة الظُّلم الاجتماعي - لا ينظر إليها نظرةَ الناعقين بالرُّؤى التي جاءت بها الماركسيَّة التي ادَّعَت نصرة المظلومين والمطحونين من الفقراء، بل ينظر إليها بعين المُسْلِم الذي يعرف أنَّ الإسلام جاء لِيَرفع هذا الظُّلم في كافَّة صوره:وَالبِيدُ لَيْلٌ ضَارِعٌ فِي القَيْدِ حَوْلَ الصَّنَمِ وَالنَّاسُ أَوْهَامٌ تَدُو رُ فِي ضَلاَلِهَا الْمُلَثَّمِ فِي خَيْمَةٍ خَيَّمَ فِي هَا الرِّقُّ مُنْذُ الأَزَلِ وَغَمْغَمَ الإِنْسَانُ حَوْ لَ قَيْدِهِ الْمُكَبَّلِ جَاءَتْ إِلَيْهِ تَنْزِعُ الْ هَوَانَ عَنْ جَبِينِهِ وَتَحْصُدُ الإِطْرَاقَ وَالذْ ذِلَّةَ مِنْ جُفُونِهِ جَاءَتْ مِنَ الغَارِ مِنَ النْ نُورِ خُطَى مُحَمَّدِ طُوبَى لِمَنْ خَفَّ إِلَيْ هَا بِالضِّيَاءِ يَهْتَدِي [15] يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |