|
|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
الراكعة (قصة قصيرة)
الراكعة (قصة قصيرة) أ.د. مسعد بن عيد العطوي الغريبة (2) "الراكعة" قلتُ لنَفسي: لعلي آتي الراعيةَ في الضحى كي أستطيعَ العودة مبكراً، فأتيت المكان وإذا بالأغنام ترعى، وألقيتُ النظر ذات اليمين وذات الشِّمال، فلم أرَها ولم أر ظلالها ولا خيالها، وأخذت أدعوها، فلم تجب، قلت: لعلها نائمة وسيرتُ بالسيارة حول الحمى، فإذا بها ساجدة بجانب إحدى الشجيرات، فانتظرت لعلها تسرع في صلاتها، فأطالت سُجودها، حتى خشيت أنها قد فارقت الحياة وأخذت أفكر.. فماذا أعمل؟ فإذا بها تترفع من سجودها، وتقف، وانتظرت، ولكن طالَ الوقوف حتى ظننتها أنهَتْ سورة آل عمران، ثم طال وقوفها؛ وقلت: ختمت سورة النساء، ثم ركعت ركعة طويلة لمدة ثلث ساعة وانتظرت على مضض، ثم نهضت من مسجدها وأقبلت عليَّ وهي تلهج بالأذكار؛ فقلت: أيها العابدة؛ قالت: أسألك بالله ألا تغررَ بي، فلا تحادثني إن لم تلمني؛ قلت لها: فهل كانت نساء الأعراب الأوائل هكذا صلاتهن؟ قالت: صلاتهن خاشعة، ولكن ليست طويلة، فهي بمقدار مائة آية في السجدة حتى يفرغن لأعمالهن؛ قلت: كيف يتعلمن القراءة والكتابة وحفظ القرآن ويتعرفن على الحلال والحرام؟ قالت: الرجال يفِدُون إلى المدن، فيمكثون في حلقات القرآن والذكر، ثم يعودون، فيعلِّمون أُسرهم، ويأتي الوعاظ للبوادي، فيمكثون أشهراً، وما يحدث في مجالس الأسرة من تعليم ومحاورات يزيد العلم، ومجالس الرجال أكثر، فانتشر العلم، وكثير من الرجال والنساء يمكثون بعد صلاة الفجر في مساجدهم حتى طلوع الشمس، إن العبادة أولاً، والعمل مصاحبٌ، والذكر جارٍ على الألسنة؛ قلت: هل هذه الطريقة شاملة؟ قالت: لو كانت شاملة لتحول الأعراب إلى ملائكة، ولكنها كثيرة؛ قلت: إلى متى استمرت هذه السيرة؟ قالت: أنا أدركتها منذ حج هارون الرشيد؛ قالت: رأيت قافلة ممتدة من المشرق إلى المغرب فأذهلنا الأمرُ؛ وقد بذل لنا من الأطعمة والألبسة الشيء الكثير وتعهد الباديةَ سنين؛ وقلت لها: هل استفدت في بلاد الجزيرة من الأمراء والوجهاء؛ قالت: من يلتقي بهم ينال خيراً وكانوا يحفرون الآبار ويقيمون الجوابي. قلت: هل رعيِت الأغنام مبكراً؛ قالت: كنت راعية حتى تزوجت؛ قلت: هل أخذ أبوك وأمك رأيك؟ قالت: أخبروني. قلت: وهل تعرفين هذا الخاطب من قبل؟ قالت: كنت أراه على المياه ونلتقي في الطرقات، فليس بغريب ولست عليه بغريبة. قلت: كيف كان زواجكم؟ قالت: يختلف، فإن كان الوقت ربيعاً، فإن الأكل متوفر واللعبَ قائم. قلت: هل تجتمعون للعب؟ قالت: أنواع اللعب متعددة ولكن الرجال في عزلة من النساء. قلت: كيف كان تجهيزك من أهلك؟ قالت: ملابس مطرزة تُعدُّها النساء وأقمشة حريرية، وقليل من الذهب والفضة. قلت: ذاك كلفةٌ كبيرة؛ قالت: الأمر في رخاءٍ ونعمة، فالرجال يذهبون للجهاد ويعودون بخيراتٍ وفيرة فلا تجاوز لحدود المقدرة. فرفعت رأسها، وقالت: إن هذا لهو الاستدراج إلى القول الذي لا ثمرة فيه. قلت: إنكِ تمدينني بمعلوماتٍ لنساء مسلمات عابداتٍ، بل لأحوال البادية وهي متلبسة بروح الإيمان؛ قالت: هذه أفضل كلمةٍ منك ذكرَتني بالعابدين والعابدات التي تشرق وجوههم بالنور وقلوبهم بالرضا، فأردفت؛ وقالت: إلى لقاء؛ قلت: أين؟ قالت: حول هذه الأودية، فالأرض فيها خيرات لأغنامي فودعتها وأنا عازم على العودة إلى هذه الثروة التاريخية.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |