#1
|
||||
|
||||
وقفة مع: إذا الشعب يوما أراد الحياة
وقفة مع: إذا الشعب يوما أراد الحياة ماجد محمد الوبيران مع الأحداثِ الأخيرة التي مرَّتْ بها تونس الخضراء، عادتْ بنا الذكريات إلى ذلك الشاعِر التونسي الكبير أبي القاسم الشابي، المولود في توزر في سنة (1909م)، وهو الشاعر الذي غنَّى للصباح، وحَنَّ مع الغروب، وحَلَّق بآلام النَّفْس وآمالها. هو الشاعر الذي قضى في ريعان الشباب؛ حيث مات سنة (1934م) وهو في السنة الخامسة والعشرين مِن عمره، وعلى الرَّغم مِن صِغر سِنِّه إلا أنَّه قال شعرًا جميلاً صادقًا، نابعًا من أعماقِ نفسه التي تعايشتْ مع الداء والإحساس بالفناء، والظلم وما يُسبِّبه من عناء، والطبيعة بألوانها الخضراء. عادتْ بنا الذكرياتُ حين استفاق الغاضبون على أوزانِ بيته الشهير: إِذَا الشَّعْبُ يَوْمًا أَرَادَ الحَيَاةَ فَلاَ بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَدَرْ ولا يَعني أن يكون الشاعرُ كبيرًا ألاَّ يخطئ، أو يعانده التوفيقُ في اختيار مفردةٍ ما، فهذه طبيعةُ البشَر الذين يعتريهم النقصُ والخطأ دائمًا، لكنَّ ذلك لا يَعني أن نقبل كُلَّ ما يُقال تحت ضغْط ظروف راهنة، أو تحت تأثير إعجابٍ بشخصيةٍ ما، خاصَّة إذا ما عرفنا أنَّ أبا القاسم الشابي كان يهتمُّ بعُنصر التعبير أكثرَ مِن اهتمامه بعنصر التفكير - كما يرى ذلك كثيرٌ مِن النقَّاد. ولَعلِّي هنا أتوقَّف عندَ الشطر الثاني في البيت المذكور، ألاَ وهو: "فَلاَ بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ القَدَرْ"، فهذه مبالغة ممقوتة مرفوضة؛ لأنَّنا مأمورن بالرِّضا بالقَدْر، وليست الأقدار تبعًا لإرادة البشر أو بُغيتهم. وهذا يستوجب مِن الإنسان المتلقي موقفًا ثابتًا ينطلق منه في كلِّ آرائه النقدية، ذلك الموقف الذي جعَل الرسولَ - عليه الصلاة والسلام - يقول: ((أصْدقُ كلمة قالها شاعِر، كلمة لبيد - وكان يقصد لبيد بن ربيعة - رضي الله عنه -: أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلُ))، وقد سمع عثمان بن مظعون الشطرَ الأول المذكور من لبيد، فقال: صَدقتَ، وحين أكمل لبيد: وَكُلُّ نَعِيمٍ لا مَحَالَةَ زَائِلُ، أَنْكر عثمانُ ذلك حين ردَّ عليه بقوله: "نعيم الجنة لا يَزول"! ولو كان الأمر متروكًا تَبَعًا للرغبات والأهواء؛ لفسدتِ الأذواق، وانحطَّتِ الأخلاق، ولَقَبِلْنا قولَ بدوي الجبل في قصيدته عرائس الشِّعر: نُشَارِكُ اللَّهَ - جَلَّ اللَّهُ - قُدْرَتَهُ وَلاَ نَضِيقُ بِهَا خَلْقًا وَإِتْقَانَا ولَمَا رفضنا قولَ بلند الحيدري في قصيدته انطلاق: لَوْ مَرَّةً عَرَفْتَ يَا إِلَهِيَ الْ كَسِيحُ كَيْفَ الزِّنَا يَصِيرُ؟! الحرْف أمانة، والكلمة رِسالة، والأدب بشِعْره ونثْره فنٌّ راقٍ مِن أدواره السموُّ بالذوق، والمحافظة على القِيم، وعدم مخالفِته للعقيدة، وهذا دَورٌ هو أهمُّ أدوار الأدب. مِن هنا ظهر لدينا ما يُسمَّى بالأدب الإسلامي، الذي يَسعى من أجْلِ تصحيح العلاقة بين الأدب والعقيدة، ويَجْهَد مِن أجل بلوغ الانسجام بين العقيدة والحِسِّ الأدبي، ولا يَنسى حمايته للقِيَم الفنيَّة في الأدب. ولا شكَّ أنَّ المتلقِّي يتعامل مع ما يكتبُه الكاتب، ويقوله الشاعر، وإنْ كان ما يقوله نابعًا مِن ثقافته التي تراكمتْ عبرَ سنوات العمر وقناعاته، لكن يجب علينا أن نقِف عندَ بعض الألفاظ المخالِفة؛ لنقول عنها مخالفة دون أن نلتمِس العُذر للكاتب أو الشاعر. ولعلِّي أذكُر هنا ملاحظةً سمعتُها، ولم تغبْ عن بالي حين قيل: لو أنَّ إبراهيم ناجي استبدل بكلمة "الحظ" كلمة "الحق" في بيته الشهير مِن قصيدته الأطلال: فَإِذَا أَنْكَرَ خِلٌّ خِلَّهُ وَتَلاَقَيْنَا لِقَاءَ الْغُرَبَاءْ وَمَضَى كُلٌّ إِلَى غَايَتِهِ لاَ تَقُلْ شِئْنَا فَإِنَّ الحَظَّ شَاءْ وهذا إنْ دلَّ على شيء فإنَّما يدلُّ على نقصنا نحن البشَر، فمهما بلَغ الإنسان من عِلم ومعرفة، إلا أنَّ كل شيء يقوله أو يكتبه، فإنَّ الناقد لا محالةَ سيجد فيه ما يأخذُه عليه، لكن الذي يجب علينا هو أن نعرِف أنَّ مَن يكتب سطرًا فكلمة، أو ينظم وزنًا فقافية، فلا بُدَّ أن يدرك أنَّ الأدب للحياة المستقيمة، وليس الأدب فقط، بل كل علوم الكتابة وفنونها، فاجعلِ الكلمة بانيةً للأخلاق ولامَّة، ولا تجعلها قاتلةً للقِيَم وسَامَّة.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |