كريستينا وشاهين (قصة) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الدور الحضاري للوقف الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          آفاق التنمية والتطوير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 3883 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 6959 )           »          المرأة والأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 61 - عددالزوار : 6427 )           »          الأخ الكبير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          فوائد متنوعة منتقاة من بعض الكتب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 197 )           »          الحفاظ على النفس والصحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          شرح النووي لحديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          نظرية التأخر الحضاري في البلاد المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الاستعلائية في الشخصية اليهودية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-06-2021, 03:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي كريستينا وشاهين (قصة)

كريستينا وشاهين (قصة)
إبراهيم حافظ غريب




جاء يَزورها كعادته كلَّ يوم وعلى شفتيه ابتِسامةُ حبٍّ صافية، وفي يده زهرةٌ مختلفة اللون والشَّكل والرائحة عن سابقتها المهداة لها بالأمس.

كيف حال كريستينا اليوم؟
تجيبه بصوتٍ متعَب وباقتضاب:
ككلِّ يوم.

يكفيه سرورًا أن يَسمعها تجيبه على سؤاله المتكرر في كلِّ زيارة، لم تعُد تنفر منه، أو تتهرَّب من نظراته الصَّامتة، أو تتجاهل ملاحقته لها بإلحاحٍ كما كان شأنها كلَّما التقيا في مكتبهما بمقرِّ العمل، اعتادَت على زيارته لها في المستشفى عصر كلِّ يوم حين توشك فترة الزِّيارة على الانتهاء.

مرَّت بهما ممرِّضتان مفرطتان في الطول، غمزَت إحداهما بعينها للأخرى وهي تقول لها بهمس:
ها هو العاشِق الولهان يتعبَّد في محرابه بصمتٍ وحنان!

أدرَك أنَّ الصَّوت الهامس يَدور حوله؛ وإن لم يتبيَّن بوضوح فحْوى ما سمِع، انتظر قليلًا كي تَبتعد الممرِّضتان قبل أن يَسأل كريستينا باهتمام:
هل انتهيتِ من التقرير يا كريستينا؟
لم تجِب؛ وإن ظلَّت ناظرةً إليه بعينين صافيتَين وادعتين، تأمَّلها بدوره لحظات وكأنَّه عرف الإجابةَ الممتنعة قبل أن يحيِّيها مودعًا وينصرف.

كريستينا الشابَّة الأنيقة، الجميلة الطَّموحة، تَبدو الآن وكأنَّها لم تعُد كذلك، صحيح أنَّها ما زالت تَحتفظ بكثير من جمالها الأنثوي الطَّافِح رغم ظِلال الكآبة والشُّحوب على وجهها الصَّغير المستدير؛ إلَّا أنَّ شعرها الطويل الأسود لم يعُد ناعمًا حريريًّا ولا لامعًا كما كان، شفتاها الصَّغيرتان الرَّقيقتان تبدوان الآن يابستَين وكأنَّهما لم تلامسا ماء أو سائلًا منذ أيام، عيناها الجريئتان فقدتا بريقًا نافذًا كان يَخترق كلَّ من يحاول استراقَ النَّظر إليها ولو من بعيد، صدْرها النَّاهد في إغراء وكِبرياء صار الآن مترهلًا في يأْس ودعَة واستسلام، طموحها المتوثب لم يعد يتوثَّب بجنون كما كنَّا نصفه قبل أسبوعين فقط.

هل فقدَت كريستينا أملَها في هذا العالم "الوردي الحالم" كما كانت تسمِّيه؟ هل أدركَها اليأسُ والإحباط أخيرًا كما كان زميلنا الثالث في المكتب يعِدُها كلَّما حدَّثَته بشغف وحماس عن أحلامها الجامحة في المستقبل السعيد؟
ستعرفين حين تكبَرين!
الصغير أنتَ يا شقي، أما أنا فقد كبِرت!
سنرى يا صغيرتي!

أبدًا، لم يكن قرارًا صائبًا أن يختارها رئيسُ التحرير من بين كلِّ الزملاء المخضرمين في الصَّحيفة ليقذف بها وحدها في فَم التنين مباشرة! منذ متى كانت الورود الجميلة الرَّقيقة طعامًا صالحًا للضواري والوحوش؟ أخشى ما أخشاه أن تكون كريستينا تعرَّضَت للاغتصاب على أيدي القوَّات الأمنية المتوحشة، هذه الملامح المرعوبة التي تتشكَّل على وجوه الفَرائس والضَّحايا لا أكاد أخطئها منذ رأيتُها على وجه أختي الكبرى قبل خمس عشرة سنة، ربَّما اشتبهوا في كونها روهنجية، فلم يتورَّعوا عن افتراسها؛ ملامحها الشرق آسيوية، ولونها المائل للسُّمرة - تخدع كلَّ من يغترُّ بمظهرها الخارجي دون أن يتمعَّن بشدة كي يَكتشف جذورها الحقيقية العائدة إلى أوربا.

كم من الوقت ستحتاج المسكينةُ كي تستعيد عافيتَها ونشاطها قبل أن تقرِّر العودةَ إلى الحياة بتفاؤل وأمَل، وإلى العمل بحماسٍ وتوثُّب؟
وقبل أن يُطلِق في ذهنه سؤالًا آخر، وجد شاهين سيارة أجرة تقِف له وتوافق على توصيله إلى المنزل، فيركب صامتًا وهو يطلب من السائق أن يَرفع صوتَ المسجل الذي كان يصدح بمقطوعة غنائيَّة ألِف الاستماعَ إليها في لحظات الشَّجن.

شعرَت كريستينا ولأول مرَّة بوحشة طاغية من حين ودَّعها شاهين وانصرَف، تمنَّت لو أطال المكوث، وجدَت في نفسها بعض الأُلفة رغم أنَّها لم تتجاوب معه، إلى متى هذا الصدود؟ تساءلَت في نفسها بأسًى: إلى متى تنتظرني الصَّحيفة؟ لِماذا لا أحاول؟ أحسَّت بشيء من النَّشاط يَسري في دمها، عاودها الحنين إلى مُتعة الكتابة، تناولَت ورقةً وقلمًا من داخل درج صغير عن يمينها وأخذَت تكتب:
كانت مغامرة حقيقيَّة.. مغامرة بالمعنى الحَرفي لهذه الكلمة المثيرة؛ ولكن بكلِّ تأكيد لن أعود إلى مثلها أبدًا مهما كانت المغريات!

لا أكاد أصدِّق أنِّي نجوتُ.. أنِّي خرجتُ سالمةً بحياتي بعد الذي رأيتُ.. أُحِسُّ كأنِّي وُلدتُ من جديد، وأنَّه وُهبَت لي حياة جديدة لا صِلة لها بالحياة السابقة.

أيُّ حياة تلك التي يَعيشها أولئك البؤساء الصَّامدون؟ كيف استطاعوا أن يظلُّوا صامدين ويَبقوا على قيد الحياة إلى هذا الوقت؟ هل يمكِنهم أن يعودوا إلى الحياة السويَّة وإلى طبيعتهم البشريَّة ويعيشوا بأمنٍ وسلام واستقرارٍ نفسي بعد كلِّ الذي رأوه وعاشوه على أيدي المتوحِّشين، فضلًا عن أن يتطلَّعوا إلى تحقيق النَّجاح في الحياة؟ هل يُعقل أنَّهم جزء من هذا العالم الإنساني المتحضِّر؟ هل هو عالَم إنساني حقًّا؟ هل يُعقل أنَّ ما يقع بهم ويحدث لهم من ظلم وعنف واضطهاد ممَنْهج هو جزء من أحداث القرن الحادي والعشرين؟ هل بَقي الإنسان إنسانًا رغم كل هذه الوحشية والبربريَّة في التعامل مع أخيه من بني الإنسان؟ هل تأخَّر الإنسان وتخلَّف، في الوقت الذي تقدَّم فيه الحيوانُ وتطوَّر وهو يتفوَّق على الإنسان في التعامل مع بني جِنسه من الحيوان؟

طَوالَ عهود التاريخ البشري الممتد لآلاف السنين كان الإنسان السَّوي الباقي على فِطرته النقيَّة - يَستفظِع وحشيَّةَ الضواري والحيوانات المفترسة في الأدغال والغابات؛ فهل جاء الوقت الذي انقلب فيه الأمرُ، وانعكسَت فيه الآيةُ، وتفاجأ فيه الحيوان بالمدى الذي وصلَت إليه بَشاعة الإنسان؟ أيُّ عالَم متوحِّش نحن فيه؟ أيُّ غابة بشريَّة كبيرة نعيش فيها؟ أيُّ ورطة حمقاء تاريخيَّة تورَّط فيها إنسان القرن الحادي والعشرين وهو يرى تطورَه المذهِل وتقدُّمَه السريع في ارتقاء سلَّم الحضارة الماديَّة، ويَشهد في الوقت نفسه تخلُّفه المريع وتأخُّره السَّريع في ميادين التربية والأخلاق والسموِّ الإنساني؟ ماذا بقي للإنسان من نفسه بعد الذي خبره ولقيَه من نفسه في هذا الزَّمان؟ أعارٌ على الإنسان أن يكون إنسانًا؟ أشَرَفٌ للحيوان أن يُخلق حيوانًا؟ أثمَّة أسئلة أخرى لم تُطرح يمكنها أن تُبقي على الرَّمق الأخير من الشرف الإنساني الذي يحتضر؟

وتوقفَت كريستينا تلتقط أنفاسًا شحيحةً لا يجود بها الهواءُ من حين رجوعها من مهمَّتها الخطيرة والشاقَّة في تلك الدَّولة الآسيويَّة، كلَّما تذكرَت المواقف المأساوية والأحداث الإنسانيَّة التي مرَّت بها وعاشَتها طيلةَ أسبوعين ناريَّين!

كانت واحدة من الصحفيِّين القلائل الذين تمكَّنوا من الإفلات بصعوبة وربَّما بمعجزة من عُنُق الزُّجاجة الخانِق المفروض على مَنطقة أراكان من قِبَل السُّلطات العسكريَّة في ميانمار، طوق أمنيٌّ شديد، وحِصار إعلاميٌّ خانِق، لا تَكاد تنفذ منه إبرة خياطة!

بعثَتها الصَّحيفة التي تَعمل بها لإعداد تحقيقٍ ميداني موسَّع عن أوضاع الأقلِّية المسلمة التي تُدعى بالروهينجا، التي تعاني من العنف والاضطهادِ وسياسات التمييز العنصري ضدهم، تَمييز عنصري يَرقى إلى درجة التطهير العِرقي وجرائم الإبادة الجماعيَّة في ولاية أراكان غربي ميانمار.

ومن حين عودة كريستينا من هناك لم تعُد تهْنأ بالمنام أو الطَّعام؛ الكوابيسُ تلاحقها، الشرود يرافِقُها، الجمود يعاودها.. تقطع حديثَها وتَنقطع عمَّن حولها فجأة بلا سبب مقنِع.. تَبدو وكأنَّها تطير بروحها إلى عالَم آخر بعيد.. تتمتِم.. تغمِض عينيها.. تهمهِم مضطربة.. تَبدو وكأنَّها تستعيد أحداثًا فاجعةً، وتفاصيلَ مؤلِمة.. ترتعش.. تتشنَّج.. تسقط فاقدة الوعي لبضع دقائق قبل أن تَستعيد وعْيَها بالتدريج.

ماذا رأَت كريستينا هناك؟ بماذا شعرَت؟ كيف عاشت؟ لماذا أسرعَت بالعودة؟ أسئلة كثيرة تَدور في أذهان المحيطين بها في انتظار الإجابة عليها عبْر تحقيقها المرتقَب.

طالبَتها الصَّحيفة بالتحقيق يومًا بعد يوم، وهي تَطلب المهلةَ بعد المهلة، وكلَّما حاولَت كتابةَ شيء عاودَتها الحالة الطبيَّة الغريبة، هل فقدَت قدرتَها على الكتابة؟

طال انتظارُ الصحيفة، ولكنَّها لم تيئس.. ما زالت تطالِب وتمهل وتنتظر.
كريستينا هي الأخرى لم تيئس.. ما زالت تحاول وتحاول وتحاول!
♦♦♦♦


في اليوم الذي نَشرَت فيه الصَّحيفة تقريرَها الموسَّع، اقتحمَت عليه الغرفة وهي تَسأله بذهول واستغراب:
شاهين، هل أنت روهينجي؟

وسط ذهولها وعينيها المتَّسعتين دهشة واستغرابًا استطاع أن يجيبَها بقلق واقتضاب وهو يبلع ريقَه:
نعم كريستينا!

قبل أن يكمِل بهدوء وثِقة واطمئنان وهو يتحاشى النَّظر إليها مباشرة:
واستطعتُ أن أصبح صحفيًّا مثلكِ وأحقِّق النجاح في الحياة!

ووسط ذهوله وعينيه المتسعتين دهشة واستغرابًا سمعَها تقول له بتردُّد:
أما زلتَ راغبًا في خِطبتك لي يا شاهين؟

أجاب بإصرار:
نعم.
والإسلام؟!

أخذ نفَسًا عميقًا وقال بثقة واطمئنان:
أثِق في اعتناقك له قريبًا، وعلى يَدي إن شاء الله!
وتلاقَت منهما الأعيُن وتعانقَت، وامتدَّ حديثها حين انقطع منهما حديث الألسنة!

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.04 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (3.17%)]