28-06-2022, 09:28 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة :
|
|
قصة مبتلى
قصة مبتلى
فاطمة عبدالمقصود
كان ذلك في زمن الفتنة والابتلاء الشديد، أدرَكَ أنه لن يكون قادرًا على استكمال هذا الطريقِ الذي فرَشُوه بالأشواك وألغام الموت، لم يكن وحده الذي خرج يُعالج جراحاتِ نفسه واهتزازات روحه، كان هؤلاء الخارجون من رَحِم الموت كأولئك الغرقى الذين رمتْ بهم قواربُ الإنقاذ إلى شاطئ الحياة وهم ما زالوا في ارتعاشاتهم يَلتمِسون الدفء ويَطلُبون الأمان.
كانوا كمَن أُخذ على غِرَّةٍ فأذهله المصير، حتى أفاق وتأكَّد أنه لم يكن في كابوس مريع، بل واقع يَعيشه بكل ظُلْمتِه وسواده، ثم حين أفاق على الشاطئ نظر وراءه وتذكَّر التجرِبة المَريرة، فعزم ألا يُبادر إلى مقدِّماتها من جديد، وألا يزجَّ بنفسه في هذا الصراع الذي كاد أن يُفقده عمره وعيشه المنتظَر.
مضى في حياته يضع لبنة إلى جوار أخرى حتى يظفر بحياة هادئة راضية، لكن مَن قال: إنَّ تلك هي صفة هذه الدنيا؟ أليستْ سجنَ المؤمن؟ فلتتهيَّأ للابتلاء إذًا وأنت مَن تختار.
هكذا مضى صاحبنا بعد أن ظنَّ أنه بمنأى عن القوم الأشرار يَبحث عما يَفقده من سعادة القلب وراحة الفؤاد، عن البيت والزوجة والهناءة، كان كدرًا ما يَشوب ذلك السكن.
تلك المُنغِّصات كانت تَجذبه بعيدًا عن واحة الرضا التي كان يتوق إليها، حتى كان الأمر الذي لم يدْرِ كيف أتى وكيف بدأ الطريق إليه.
بحث عمَّن تَمنحه ما فقَد، فأتتْ لتأخذه بعيدًا بعيدًا عن كل معاني السعادة والرضا.
وابتدأ في حياته فصل جديد، أمَّل أن يكون فصلًا حانيًا لا يَسلبه أكثر مما سُلب منه، لكنه كان بداية النزف، بداية طريق لا يَبدو أنه سيَنتهي أبدًا؛ فدروبُه رمال تَسيح به فلا يكاد يتبيَّن أين هو، وهل سيُغادر صحراء التِّيهِ يومًا أم سيغوص في داخلها كأن لم يكن؟!
إنها أقدار الله تجري على العباد، ولكنك بخطراتك وأفكارك تنقاد إليها، إنها نفسك وما تتوق إليه، أي الدروب ستختار؟ وأيها ستَنحاز إليه؟ الخطر لا ينفكُّ عن أيٍّ منها، وستجوز على إحداها لا بدَّ.
اصدق مع الله إذًا، حدِّد لنفسك دربًا، وأعلنْها لذاتك، وستُبتلى وتُختبر فيما يُهمُّك، فاللهم اجعل همَّنا في رضاك، واجعل دربنا هو درب من تحب، درب مَن رضيتَ عنهم ورضُوا عنك.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|