الرضا بالله ربا وإلها - ملتقى الشفاء الإسلامي
 
اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12534 - عددالزوار : 215314 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61189 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29163 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-06-2022, 07:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,059
الدولة : Egypt
افتراضي الرضا بالله ربا وإلها

الرضا بالله ربا وإلها (1)
إبراهيم الدميجي


الحمد لله على جزيل النعماء، والشكر له على ترادُف الآلاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إمام المتقين، وسيد الأولياء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأصفياء، وأصحابه الأتقياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا بدينه، واعلموا أنه للإيمان بالله خُلِقنا، ولأجل تحقيق عبادته أُوجِدْنا، ومعيار الفوز والخسار يوم الدين على وفق ذلك، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، والرضا بالله متأكد أكثر من الرضا عن الله؛ لأنه مُصحِّحُ الإيمان ولا يصدر إلا من مؤمن، فقد يرضى الكافر بالقضاء، ولكن لا يرضى بالله إلا مؤمن موحِّد، ومن رضي بالله لزم أن يرضى عن الله، فاستحقَّ أن يرضى عنه الله.

وإنَّ للإيمان حلاوة وطلاوة ونعيمًا ولذة لا تشبه سواها من لذائذ العقل ومشتهيات الجسد ومتع الروح، يجدها من ذاقها، فنهل وعبَّ من بحر الرضا بالله وبدينه وبرسوله صلى الله عليه وسلم.

وإنَّ رضا العبد بربِّه موصل لرضا ربه عنه سبحانه، فمن رضي بالله ربًّا أذاقه الله تعالى إيمانًا يجد حلاوته في قلبه، قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((ذَاقَ طَعمَ الْإِيمَانِ مَن رَضِيَ بِالله رَبًّا، وَبِالإِسلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا))[1]، قال ابن القيم رحمه الله: "فالرضا بإلهيته: يتضمن الرضا بمحبته وحده، وخوفه، ورجاءه، والإنابة إليه، والتبتُّل إليه، وانجذاب قوى الإرادة والحب كلها إليه، فعل الراضي بمحبوبه كل الرضا، وذلك يتضمن عبادته والإخلاص له.

والرضا بربوبيته: يتضمن الرضا بتدبيره لعبده، ويتضمن إفراده بالتوكل عليه، والاستعانة به، والثقة به، والاعتماد عليه، وأن يكون راضيًا بكل ما يفعل به، فالأول: يتضمن رضاه بما يُؤمر به، والثاني: يتضمن رضاه بما يُقدِّر عليه.

وأما الرضا بنبيِّه رسولًا: فيتضمن كمال الانقياد له والتسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقَّى الهدى إلا من مواقع كلماته، ولا يحاكِمُ إلا إليه، ولا يُحَكِّمُ عليه غيرَه، ولا يرضى بحكم غيره البتة، لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته، ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، لا يرضى في ذلك بحكم غيره، ولا يرضى إلا بحكمه، فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقيته إلا من الميتة والدم، وأحسن أحواله أن يكون من باب التراب الذي إنما يتيمَّم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور.

وأما الرضا بدينه: فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهى؛ رضي كل الرضا ولم يبق في قلبه حرج من حكمه وسلَّم له تسليمًا، ولو كان مخالفًا لمراد نفسه أو هواها أو قول مقلِّده وشيخه وطائفته.

وههنا يوحشك الناس كلهم إلا الغرباء في العالم، فإيّاك أن تستوحش من الاغتراب والتفرّد، فإنّه والله عينُ العزّة والصحبة مع الله ورسوله، وروح الأنس به، والرضا به ربًّا وبمحمد رسولًا وبالإسلام دينًا.

بل الصادق كلما وجد مسَّ الاغتراب وذاق حلاوته وتنسَّم روحه قال: اللهم زدني اغترابًا ووحشة من العالم وأنسًا بك، وكلما ذاق حلاوة هذا الاغتراب وهذا التفرُّد، رأى الوحشةَ عينَ الأنسِ بالناس، والذلَّ عين العزّ بهم، والجهلَ عين الوقوف مع آرائهم وزبالة أذهانهم، والانقطاع عين التقيد برسومهم وأوضاعهم.

فلم يؤثر بنصيبه من الله أحدًا من الخلق، ولم يبع حظَّه من الله بموافقتهم فيما لا يجدي عليه إلا الحرمان، وغايته: مودة بينهم في الحياة الدنيا، فإذا انقطعت الأسباب وحقّت الحقائق وبُعثر ما في القبور وحُصِّل ما في الصدور وبليت السرائر ولم يجد من دون مولاه الحق من قوة ولا ناصر؛ تبيَّن له حينئذٍ مواقع الربح والخسران، وما الذي يخف أو يرجح به الميزان، والله المستعان وعليه التكلان.

والرِّضا بالله ربًّا: أن لا يتَّخذ ربًّا غير الله تعالى يسكن إلى تدبيره وينزل به حوائجه، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 164]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "سيدًا وإلهًا"؛ يعني: فكيف أطلب ربًّا غيره وهو ربّ كل شيء، وقال في أول السورة: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأنعام: 14]؛ يعني: معبودًا وناصرًا ومعينًا وملجأً، وهو من الموالاة التي تتضمن الحب والطاعة، وقال في وسطها: ﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ﴾ [الأنعام: 114]؛ أي: أفَغيرَ الله أبتغي من يحكم بيني وبينكم، فنتحاكم إليه فيما اختلفنا فيه، وهذا كتابه سيد الحُكّام، فكيف نتحاكم إلى غير كتابه وقد أنزله مفصلًا مبيّنًا كافيًا شافيًا؟!

وأنت إذا تأملت هذه الآيات الثلاث حقّ التأمل؛ رأيتها هي نفس الرضا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا، ورأيت الحديث يترجم عنها ومشتقًّا منها، فكثير من الناس يرضى بالله ربًّا ولا يبغي ربًّا سواه لكنه لا يرضى به وحده وليًّا وناصرًا، بل يوالي مِن دونه أولياء ظنًّا منه أنهم يقرّبونه إلى الله، وأنّ موالاتهم كموالاة خواص الملك، وهذا عين الشرك! بل التوحيد ألا يتخذ من دونه أولياء.

والقرآن مملوء من وصف المشركين بأنهم اتخذوا من دونه أولياء، وهذا غير موالاة أنبيائه ورسله وعباده المؤمنين فيه، فإنّ هذا من تمام الإيمان، ومن تمام موالاته، فموالاة أوليائه لونٌ واتخاذ الوليّ من دونه لون، ومن لم يفهم الفرقان بينهما فليطلب التوحيد من أساسه، فإنّ هذه المسألة أصل التوحيد وأساسه.

وكثير من الناس يبتغي غيره حكمًا يتحاكم إليه، ويخاصم إليه، ويرضى بحكمه، وهذه المقامات الثلاثة هي أركان التوحيد: ألا يتخذ سواه ربًّا ولا إلهًا ولا غيره حكمًا.

وتفسير الرضا بالله ربًّا: أن يسخط عبادة ما دونه[2]، هذا هو الرضا بالله إلهًا، وهو من تمام الرضا بالله ربًّا، فمن أعطى الرضا به ربًّا حَقُّه سُخْطُ عبادة ما دونه قطعًا؛ لأن الرضا بتجريد ربوبيته يستلزم تجريد عبادته، كما أن العلم بتوحيد الربوبية يستلزم العلم بتوحيد الإلهية.

ولا بدّ أن يكون الله عز وجل أحبَّ شيء إلى العبد، وهذه تُعرف بثلاثة أشياء:
أحدها: أن تسبق محبته إلى القلب كل محبة، فتتقدم محبته المحابَّ كلها.

الثاني: أن تقهر محبته كل محبة فتكون محبته إلى القلب سابقة قاهرة، ومحبة غيره متخلفة مقهورة مغلوبة منطوية في محبته.

الثالث: أن تكون محبة غيره تابعة لمحبته، فيكون هو المحبوب بالذات والقصد الأول، وغيره محبوبًا تبعًا لحبه، كما يطاع تبعًا لطاعته، فهو في الحقيقة المطاع المحبوب، وهذه الثلاثة في كونه أولى الأشياء بالتعظيم والطاعة أيضًا.

فالحاصل: أن يكون الله وحده المحبوب المُعظَّم المطاع، فمن لم يحبه ولم يطعه ولم يعظمه فهو متكبر عليه، ومتى أحبّ معه سواه وعظم معه سواه وأطاع معه سواه، فهو مشرك، ومتى أفرده وحده بالحب والتعظيم والطاعة فهو عبد موحد.

والرضا بالله آكدُ من الرضا عن الله؛ فإن الرضا بالقضاء يصحّ من المؤمن والكافر، وغايته التسليم لقضاء الله وقدره، فأين هذا من الرضا به ربًّا وإلهًا ومعبودًا؟!

وأيضًا فالرضا به ربًّا فرض، بل هو من آكد الفروض باتفاق الأمة، فمن لم يرض به ربًّا لم يصح له إسلام ولا عمل ولا حال، وأما الرضا بقضائه فأكثر الناس على أنه مستحب وليس بواجب، وقيل: بل هو واجب، وهما قولان في مذهب أحمد.

فالفرق بين الدرجتين فرقٌ ما بين الفرض والندب، وفي الحديث الإلهي[3] الصحيح: "يقول الله عز وجل: "ما تقرّبَ إليّ عبدي بشيء أحَبّ إليّ مما افترضت عليه"[4]، فدل على أن التقرب إليه سبحانه بأداء فرائضه أفضل وأعلى من التقرب إليه بالنوافل.

بارك الله لي ولكم..

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانه، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الرضا به ربًّا يتضمن الرضا عنه ويستلزمه، فإن الرضا بربوبيته هو رضا العبد بما يأمره به وينهاه عنه ويقسمه له ويقدّره عليه ويعطيه إياه ويمنعه منه، فمتى لم يرض بذلك كله لم يكن قد رضي به ربًّا من جميع الوجوه وإن كان راضيًا به ربًّا من بعضها، فالرضا به ربًّا من كل وجه يستلزم الرضا عنه ويتضمّنه بلا ريب.

وأيضًا فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم علّق ذوق طعم الإيمان بمن رضي بالله ربًّا، ولم يعلقه بمن رضي عنه، كما قال: ((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولًا))[5]، فجعل الرضا به قرين الرضا بدينه ونبيّه، وهذه الثلاثة هي أصول الإسلام التي لا يقوم إلا بها وعليها.

وأيضًا فالرضا به ربًّا يتضمَّن توحيده وعبادته والإنابة إليه والتوكل عليه وخوفه ورجاءه ومحبته والصبر له وبه، والشكر على نعمه يتضمّن رؤيةَ كلّ ما منه نعمة وإحسانًا وإن ساء عبده، فالرضا به يتضمن شهادة أن لا إله إلا الله، والرضا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا يتضمّن شهادة أن محمدًا رسول الله، والرضا بالإسلام دينًا يتضمن التزام عبوديته وطاعته وطاعة رسوله، فجمعت هذه الثلاثة الدين كله.

وأيضًا فالرضا به ربًّا يتضمّن اتخاذه معبودًا دون ما سواه، واتخاذه وليًّا ومعبودًا وإبطال عبادة كل ما سواه، وقد قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا ﴾ [الأنعام: 114] وقال: ﴿ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ﴾ [الأنعام: 14]، وقال: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 164]، فهذا هو عين الرضا به ربًّا.

وأيضًا فإنه جعل حقيقة الرضا به ربًّا أن يسخط عبادة ما دونه، فمتى سخط العبد عبادة ما سوى الله من الآلهة الباطلة حبًّا وخوفًا ورجاء وتعظيمًا وإجلالًا، فقد تحقق بالرضا به ربًّا الذي هو قطب رحى الإسلام.

وإنما كان قطب رحا الدين؛ لأن جميع العقائد والأعمال والأحوال إنّما تُبني على توحيد الله عز وجل في العبادة وسخط عبادة ما سواه، فمن لم يكن له هذا القطب لم يكن له رحا تدور عليه، ومن حصل له هذا القطب ثبتت له الرحا، ودارت على ذلك القطب، فيخرج حينئذٍ من دائرة الشرك إلى دائرة الإسلام، فتدور رحا إسلامه وإيمانه على قطبها الثابت اللازم.

وأيضًا فإنه جعل حصول هذه الدرجة من الرضا موقوفًا على كون المرضيّ به ربًّا سبحانه أحبّ إلى العبد من كل شيء، وأَولى الأشياء بالتعظيم، وأحق الأشياء بالطاعة، ومعلوم أن هذا يجمع قواعد العبودية وينتظم فروعها وشعبها.

اللهم اجعلنا ممن رضي بك فكفيته واستهداك فهديته.
اللهم صلِّ على محمد.

[1] رواه مسلم (34)، والترمذي (2623).

[2] دونه: أي غيره وسواه.

[3] يسمَّى حديث إلهي وقدسي وربَّاني لإضافته إلى الله تبارك وتعالى.

[4] البخاري 8 /131 (6502)، وهو حديث الولي المشهور، وللحافظ ابن رجب فيه رسالة لطيفة.

[5] مسلم (34)، والترمذي (2623).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30-06-2022, 07:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,059
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الرضا بالله ربا وإلها

الرضا بالله ربا وإلها (2)
إبراهيم الدميجي


الحمد لله إقرارًا بوحدانيته، والشكر له على سوابغ نعمته، اختصَّ بها أهل الصدق والإيمان بصدق معاملته، ومَنَّ على العاصي بقبول توبته، ومدَّ للمسلم عملًا صالحًا بوصيته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المفضل على جميع بريته، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا بدينه، واعلموا أن الراضي بالله تعالى هو أسعد الناس في الدنيا والآخرة، وأطيبهم عيشًا وأهنأهم بالًا، وأسعدهم حالًا.

عباد الرحمن، لما كانت المحبة التامة ميل القلب بكليته إلى المحبوب، كان ذلك الميل حاملًا على طاعته وتعظيمه، وكلما كان الميل أقوى كانت الطاعة أتمّ، والتعظيم أوفر، وهذا الميل يلازم الإيمان، بل هو روح الإيمان ولُبُّه، فأيّ شيء يكون أعلى من أمر يتضمن أن يكون الله سبحانه أحبَّ الأشياء إلى العبد وأولى الأشياء بالتعظيم، وأحقَّ الأشياء بالطاعة.

وبهذا يجد العبد حلاوة الإيمان كما في الصحيح عنه أنه قال: ((ثلاثٌ من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممَّا سواهما، ومن كان يحبُّ المرءَ لا يحبُّه إلَّا لله، ومن كان يكره أن يرجعَ إلى الكُفْرِ بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النارِ))[1]، فعلّق ذوق الإيمان بالرضا بالله ربًّا، وعلّق وجود حلاوته بما هو موقوف عليه ولا يتمّ إلا به، وهو كونه سبحانه أحبَّ الأشياء إلى العبد هو ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ولما كان هذا الحبّ التام والإخلاص الذي هو ثمرته أعلى من مجرد الرضا بربوبيته سبحانه، كانت ثمرته أعلى وهي وجد حلاوة الإيمان، وثمرة الرضا ذوق طعم الإيمان، فهذا وجد حلاوة، وذلك ذوق طعم، والله المستعان.

وإنما ترتب هذا وهذا على الرضا به وحده ربًّا والبراءة من عبودية ما سواه، وميل القلب بكليته إليه، وانجذاب قوى المحب كلها إليه، ورضاه عن ربِّه تابع لهذا الرضا به، فمن رضي بالله ربًّا رضيه الله له عبدًا، ومن رضي عنه في عطائه ومنعه وبلائه وعافيته لم ينل بذلك درجة رضا الرب عنه إن لم يرض به ربًّا وبنبيّه رسولًا وبالإسلام دينًا، فإن العبد قد يرضى عن الله ربه فيما أعطاه وفيما منعه، ولكن لا يرضى به وحده معبودًا وإلهًا، ولهذا إنّما ضمن رضا العبد يوم القيامة لمن رضيَ به ربًّا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قالَ إذا أصبَحَ وإِذَا أمسى: رَضِينَا باللهِ رَبًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمُحَمَّدٍ رسولًا، كانَ حَقًّا على اللهِ أنْ يُرْضِيَهُ يومَ القِيَامَةِ))[2].

وقال الله تعالى: ﴿ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة: 119]، وقال تعالى في آخر سورة المجادلة: ﴿ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22] وقال في آخر سورة البينة: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البينة: 8].

فتضمّنت هذه الآيات جزاءهم على صدقهم وإيمانهم وأعمالهم الصالحة ومجاهدة أعدائه وعدم ولايتهم؛ بأن رضي الله عنهم فأرضاهم فرضوا عنه، وإنما حصل لهم هذا بعد الرضا به ربًّا وبمحمد نبيًّا وبالإسلام دينًا[3].
حَسْبِي مِنَ الحُبِّ أَنّي
لِما تُحِبُّ أُحِبُّ!




ومن أراد الغنى فليرض عن قسمة ربّه له مهما تصرّفت به الأحوال، وكم من عاقبة حميدة اجتلبها بلاء شاقّ، وإنّ العبد إذا اتّخذ اللهَ ربًّا له ومعبودًا لا شريك له؛ فإنّ ربّه يشكره ويغنيه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات، فيعمل بهن، أو يُعلّم من يعمل بهن))، فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمسًا، وقال: ((اتَّقِ المحارمَ تكن أعبدَ الناس، وارْضَ بما قسم اللهُ لك تكن أغنى الناسِ، وأحْسِن إلى جارِكَ تكن مؤمنًا، وأحبَّ للناس ما تُحِبُّ لنفسك تكن مسلمًا، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تُميتُ القلبَ))[4].

وإنّ الرضا بالله ربًّا يقتضي التسليم لأمره، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين[5] وكان ظئرًا[6] لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبّله وشمّه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك- وإبراهيم يجود بنفسه- فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله! فقال: ((يا ابن عوف، إنّها رحمة))، ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون))[7].
وليْسَ الَّذي يجري مِنَ الْعَيْنِ ماؤُها
ولكنّها روحٌ تذُوبُ فتقطرُ




والرضا بالله تعالى حقيقته تسليمُ مطمئنٍّ له، ساكن إليه، واثق به، مستسلم له، فرح به مهما تصرّفت أحواله، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "القلب الصحيح: هو الذي همُّه كله في الله، وحبُّه كله له، وقصده له، وبدنه له، وأعماله له، ونومه له، ويقظته له، وحديثه والحديث عنه أشهى إليه من كل حديث، وأفكاره تحوم على مراضيه ومحابِّه، والخلوة به آثرُ عنده من الخلطة؛ إلا حيث تكون الخلطة أحبَّ إليه وأرضى له، قُرّةُ عينه به، وطمأنينته وسكونه إليه، فهو كما وجد من نفسه التفاتًا إلى غيره تلا عليها: ﴿ يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾ [الفجر: 27، 28]، فهو يُردِّد عليها الخطاب بذلك ليسمعه من ربه يوم لقائه؛ فينصبغ القلب بين يدي إلهه ومعبوده الحق بصبغة العبودية، فتصير العبودية صفة وذوقًا لا تكلّفًا، فيأتي بها تودُّدًا وتحببًا وتقربًا، كما يأتي المحب المتيَّم في محبة محبوبه بخدمته وقضاء أشغاله.

فكلما عَرَضَ له أمر من ربه أو نهْي أحسَّ من قلبه ناطقًا ينطق: لبيْكَ وسَعْديْك، إني سامع مطيع ممتثل، ولك عليّ المِنّة في ذلك، والحمد فيه عائد إليك.

وإذا أصابه قَدَر وجد من قلبه ناطقًا يقول: أنا عبدك ومسكينك وفقيرك، وأنا عبدك الفقير العاجز الضعيف المسكين، وأنت ربي العزيز الرحيم، لا صبر لي إن لم تُصبِّرني، ولا قوة لي إن لم تحَمِلني وتُقَوِّني، لا ملجأ لي منك إلا إليك، ولا مستعان لي إلا بك، ولا انصرافَ لي عن بابك، ولا مذهب لي عنك.

فينطرح بمجموعه بين يديه، ويعتمد بكلِّيَّته عليه، فإن أصابه بما يكره قال: رحمة أُهدِيَتْ إليّ، ودواء نافع من طبيب مشفق، وإن صُرِفَ عنه ما يحب قال: شرٌّ صُرف عني:
وكَمْ رُمْتُ أمْرًا خِرْتَ لي في انصِرافِهِ
وما زِلتَ بي مِنِّي أبَرَّ وأرْحَما




فكل ما مسّه به من السراء والضراء اهتدى بها طريقًا إليه، وانفتح له منه باب يدخل منه عليه، كما قيل:
ما مَسّنِي قدَرٌ بِكُرْهٍ أوْ رِضًا
إلّا اهْتَدَيْتُ بِهِ إليكَ طَرِيقا
أمْضِ القَضاءَ على الرِّضا مِنِّي بِهِ
إنِّي وجَدْتُكَ في البَلاءِ رَفِيقا


فلله هاتيك القلوبُ وما انطوت عليه من الضمائر، وماذا أُودِعَتْهُ من الكنوز والذخائر! ولله طِيبُ أسرارها، ولا سيما يوم تُبْلى السرائر!
سَيَبْدُو لها طِيبٌ ونُورٌ وبَهْجَةٌ
وحُسْنُ ثَناءٍ يَوْمَ تُبْلىَ السَّرائرُ




تالله لقد رُفع لها عَلَمٌ عظيم فشمَّرتْ إليه، واستبان لها صراط مستقيم فاستقامت عليه، ودعاها ما دون مطلوبها الأعلى؛ فلم تستجب له، واختارته على ما سواه وآثرت ما لديه"[8].

قال سبحانه وتعالى: ((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ))[9].

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
بارك الله لي ولكم.

[1] البخاري 1/ 10 (16) ومسلم 1/ 48 (43) (67).

[2] أحمد (18967) (4/ 337) من حديث أنس، وفيه سابق بن ناجية لم يوثِّقه غير ابن حبان، وقال محققو المسند: صحيح لغيره، وجوَّد سنده النووي في الأذكار، وله شاهد من حديث أبي سعيد الخُدْري عند أحمد (11102) وهو حديث صحيح.

[3] مدارج السالكين (2 / 172-242) مختصرًا.

[4] أحمد في المسند (2/ 310)، والترمذي (2305) واللفظ له وحسنه الألباني، وقال محقق جامع الأصول (11/ 687): حديث حسن.

[5] القين: الحداد.

[6] الظِّئْر: المرضعة ولد غيرها، واللفظ له، وزوجها ظئر لذلك الرضيع.

[7] البخاري، الفتح 3 (1303) واللفظ له، ومسلم (2315).

[8] إغاثة اللهفان (١/ ‏١٢٢).

[9] البخاري 8/ 131(6502).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.39 كيلو بايت... تم توفير 2.12 كيلو بايت...بمعدل (3.01%)]