|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
رد: اليقين ضد الشك
اليقين ضد الشك (11) عبدالفتاح آدم المقدشي بسم الله، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه، ومَن تَبِعه بإحسانٍ إلى يوم الدِّين. أما بعد: فاعلم - أرشدك الله - أنَّ مِن ثِمار التوحيد والاستقامة، واليقين والابتلاء: التمكينَ في الأرض، ولا يمكن أنْ يفوزَ أحدٌ بالتمكين في الأرض، إلا إذا اتَّصف بهذه الصفات، وقد قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55]. وسئل الشافعي رحمه الله: هل يُمكَّن قبل أن يُبتلى؟ فقال: لا يُمكَّن حتى يُبتلى، ولكن للأسف الشديد بعضُ الناس يحبُّون أنْ يأتي التمكين وهو محمول على طبقٍ مِن ذهبٍ مع هروبهم من السُّنَن الكونيَّة التي كتب الله على عباده، والتي لا يمكن أنْ تتحولَ أو تتبدَّلَ؛ كتمنِّيهم ألا يكون صراعٌ بين الحقِّ والباطل، وكاستعجال البعض النصرَ على الأعداء، مع قِلَّة التحمُّل للخسائر بالأنفس والأموال وهَلُمَّ جَرًّا، متناسين أو متجاهلين قول الله تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ ﴾ [البقرة: 217]. إذ سرُّ التمكين لا يمكن أنْ يأتي إلا بعد تَفَهُّمِ هذه الآية والتي بعدها، مع العمل بما فيهما؛ إذ الأُولى تُخبر أنَّ الفتنة أشدُّ من القتل؛ كما قال تعالى في موضعٍ آخرَ في نفس السورة: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 217]، ولا فتنة أشدُّ وأكبرُ من أن يُفتن المسلمون عن دِينِهم، ولذلك عَلَّمنا الله بأن ندعو: ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الممتحنة: 5]، وقال تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [يونس: 85، 86]، وقال تعالى: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 250]. ولما طلب جد بن قيس - صاحبُ الجمل الأحمر، وهو المنافق الوحيد الذي تخلَّف عن بيعة الرضوان تحت الشجرة، واختفى وراء جملِه وأخزاه الله - الرخصةَ عن الجهاد؛ لئلا يُفتن بنساء بني الأصفر، أخبَر الله أنَّ ما تركه مِن الجهاد والخير أعظم فتنة مما تخوَّفه، وهكذا أمرَنا الله أنْ نقاتلَ أعداءَ الله والدِّينِ الإسلامي؛ حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كلُّه لله، أما إذا كان نصف الدِّين قائمًا ومطبَّقًا، ونصفه الآخر تركناه لأجل الكفر؛ إرضاءً لهم، كما هو الحال اليوم، فلا تمكين ولا قرار ولا استقرار، وقد توعَّد الله مَن آمن ببعض الدِّين، وكفر بالبعض الآخر بالخِزي في الحياة الدنيا، وعذاب أكبر في يوم القيامة، وهكذا أخبر الله سبحانه وتعالى في الآية التي بعدها أنَّ الذين يفعلون ذلك هم الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة؛ كما قال تعالى: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة: 85، 86]، وفي الحديث: ((يبيع دينَه بعَرَضٍ مِن الدنيا قليلٍ))، والسبب هو أنهم قالوا: آمنَّا، بأفواههم، ولم تؤمن قلوبُهم؛ أي: إنهم منافقون، فإذا كانوا مع المسلمين قالوا: آمنَّا، وإذا خَلوا إلى شياطينهم قالوا: إنا معكم إنَّما نحن مستهزئون، كما في آية سورة البقرة. فمثل هؤلاء هم الذين أراد الله لهم الفتنة، ومَن أراد الله لهم فتنة، فلن تملِك لهم مِن الله شيئًا؛ لأن الله لم يُردْ أن يطهِّرَ قلوبَهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ﴾ [المائدة: 41]. ولمَّا ابتلانا الله باستمرارية تسلُّط الكفار بالمسلمين إلى يوم القيامة؛ حتى يردُّوهم عن دينهم، ولن يستطيعوا ذلك إلا نسبّيًا، أخبرنا اللهُ في الآية التي بعدها: أن نتمسَّك بثلاثة أمور؛ لنفوز برحمة الله، ونفلح في الدنيا والآخرة: الأولى: الإيمان المصاحِب للإخلاص واليقين، والمحبة والعلم، والقبول والانقياد، والصدق والاستقامة على الحقِّ، مع نَبْذِ ما سِواه مِن الأباطيل. الثاني: الهجرة مِن دار الكفر إلى دار الإسلام، ومِن دار الفِسْق والعهر، إلى دار العِفَّة والطُّهر، وإلى أرض العِزَّة والكرامة والحريَّة. الثالث: الجهاد في سبيل الله الذي هو ذروة سنام الإسلام؛ لذا فلا يمكن أنْ يقومَ الإسلام إلا بالجهاد؛ فهو لازمٌ مِن لوازم الإسلام والإيمان، فأينما وُجِد الجهاد فالإسلام والإيمان في قوة، وأينما فُقِد الجهاد فالإسلام والإيمان في ضَعف. فالمسلمون خيرُ أُمَّة أُخْرِجتْ للناس؛ فهم خيرُ الناس للناس على الإطلاق؛ لِما أنعم الله عليهم مِن صفات العدل والإحسان إلى الخَلْق، فهم يأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر، وخير ما يُؤْمَر به بالمعروف، ويُنْهَى به عن المنكر هو الجهاد في سبيل الله، كما قاله شيخ الإسلام ابن تيميَّة في كتابه "الاستقامة". قال أبو هريرة: (تأتونهم تقودونهم بالسلاسل، ثم تُدخلونهم الجَنَّة). وما أكثر مَن أُتِي به بالسلاسل، وهو لا يَعرف عن سماحة الإسلام وحُسنه شيئًا، فعَلِمَ بذلك بحُكْم وجوده في أهل الإسلام، فأسلم فحَسُنَ إسلامه، كما حصل مثل ذلك لثمامة بن أثال، وغيرهم مِن المأسورين في عهد النبوة. بل لقد أمَرَنا الله أنْ نُطعمَ الأسير الطعام الذي نحبُّه؛ إكرامًا لهم، وجَلْبًا وتأليفًا لهم إلى الإسلام؛ كما قال تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8]. فسماحة الإسلام وعدالته وإحسانه هو ما شَهِد به الأعداءُ فلا نُطيل بتقرير مثل هذا الأمر. وأخيرًا: أُوصي إخواني المسلمين بما يلي: 1- ألَّا يكون المسلمون حالهم كحال الكفَّار الذين جعل الله أعمالهَم: ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39]. 2- ألَّا يَتَّخذوا مِن عند أنفسهم منهجًا معوجًّا غير منهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، والسلف الصالح، فإذا فعَلوا ذلك أخطؤوا طريقَ التمكين الصحيح، وستكثُر فيهم الاختلافات والانشقاقات، والفتن والاقتتال، والمِحن كما هو مشاهَد ومعلوم؛ ففي الحديث: ((افترقَت اليهود إحدى وسبعين فرقة، وافترقَت النصارى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترِق هذه الأمَّة ثلاثًا وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة))، قالوا: مَن يا رسول الله؟ قال: ((هي التي كانت ما أنا عليه وأصحابي))، وفي رواية: ((الجماعة))، وفسَّر ابن مسعود رضي الله عنه ((الجماعة)): ما وافقَ الحقَّ ولو كنتَ وحدَك، ولا عِبْرة في كثرة العدد والأغلبية. فَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفْ ♦♦♦ وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفْ 3- أن يتمسَّكَ المسلمون بما أوصانا الله به؛ مِن الإيمان، والهجرة، والجهاد في كثير مِن السوَر؛ كسورة البقرة وآل عمران والنساء والأنفال و الحج والحشر. 4- أن نكونَ أنصارًا ومهاجرين إلى الله، ثم اعلمْ أنه لا يجوز أبدًا التعصُّب بهذين الاسمين الشريفين المذكورين في القرآن، فكيف بما هو دُونهما؟! بل عندما قال أحد الشابَّين اللَّذَيْن اقتَتَلا: يا للمهاجرين، وقال الآخر: يا للأنصار، اعتبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك دعوى جاهليَّة، وقال: ((أَبِدَعْوَى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!)). والحمد لله الذي بنعمتِه تتمُّ الصالحاتُ.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |