|
|
ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
إجازة للبيع
إجازة للبيع إسماعيل حور أنا يا سادة شابٌّ عشرينيٌّ، حاصلٌ على شهادة الإجازة في الدِّراسات العربية منذ سنة مَضَتْ، لفظَتْني الكليةُ عندما وهَبَتْني تلك الورقةَ الكرتونيَّة، وحالُها: كفانا أكلًا مِن عُمرك القصير؛ فإنا على وشك ربع قرنٍ ونحن نأكُل منك أكلًا! كنتُ أرى المستقبلَ في هذه الورقة يا سادة؛ إذْ علَّقْتُ أملَ الوظيفة والسكن والزواج عليها، يوم تسَلَّمْتُ الشهادةَ جعلتُها في مكانٍ آمنٍ مع أخواتها (الباكالوريا) و(الدبلوم)، ثم دخلتُ صفحتي على (الفيس بوك) أُخبر أصدقائي الافتراضيين بنجاحي. كانت الأسطُر التي سطرتُها تُوحي بشيءٍ مِن الفرَح، لكني لم أكنْ بذاك الشعور حقيقةً؛ إذ كنتُ على عِلْمٍ بما يَنتظرني؛ أكاذيب كالتي مَضَتْ تُخبرني بأنَّ المستقبلَ يَنتظرُك بـ(الماجستير)، ثم أخرى تقول: إنه قريبٌ منك، ستجده يومَ يَسبِق اسمَك حرفُ: (د)، وهل هذه إلا أكاذيبُ طالما سمعتُها مذُ دخلتُ المدرسة؟ أذكُر أني بكيتُ كثيرًا عندما رسبتُ في الدورة العادية للـ(باكالوريا)؛ لأنني كنتُ قد مُلئْتُ بأفكارٍ تقول: أحلامُك كلها مُعلَّقةٌ على هذه الشهادة! خُدِعْتُ كما خُدِعَ الكثيرون بهذه الأقاويل، فأخذتُ أتَرَشَّح لمباريات الماجستير بمختلف المدُن إلا مدينتي، فإنها لم تُهَيِّئ لنا (ماجستيرًا)؛ لذلك كان مِن المُحال أن أُقبلَ في مكانٍ آخر، فقلتُ: هو خير، ولعل الله لم يُرِدْ مني أن أهبَ المزيدَ مِن عمري لأوراق خداعة. أخذتُ أطْرُق أبوابَ الوظيفة بعدها، فلم أجِدْ شيئًا يُناسبني إلا التعليم؛ ذلك أن لي لحيةً لن أتركها ما دام في جسدي روحٌ إلا أنْ يشاء الله. تَمَّ اختياري لِخَوْض المباراة، كان الامتحانُ سهلًا للغاية في مادة تخصُّصي، إلا أنه قُذِف في قلبي كرهٌ لهذا العمل الذي طالما حلمتُ به وأحببتُه! لقد رأيتُ أجواءً صادمةً لم أرَها مِن قبلُ لا في (الباكالوريا) ولا في امتحانات الجامعة، تُوحي بانحطاط التعليم في بلدي؛ نَقْلٌ، وتشويشٌ، وعدم مُراقَبة! حينئذٍ كَبَّرتُ على صيت تكافُؤ الفرَص، وأيقنتُ أني لستُ مِن الناجحين. إنني طالما قرأتُ وتعلَّمتُ أنَّ العلمَ هو السلاحُ الأقوى، والحقُّ الذي يَدْحَضُ الباطل، والشرَفُ الذي ينالُه المرءُ إنما يكون به، ولستُ أُنكر هذه الحقيقةَ، ولا أميل عنها قيدَ أنْمُلة، لكني أدركتُ أنَّ هذه الشهادات إنما هي (بروتوكولات)، لا تُسمِنُ ولا تُغني إن لم يكنْ لك معها مالٌ تَدفَعُه - ولستُ أرضى عملًا أُسِّسَ على حرامٍ - أو وجيهًا يَتَوسَّط لك، أو تدجيلًا تتقنُه. ما الذي استَفَدْتُه مِن هذه الإجازة يَنفعني في ميدان الحياة إذًا، ويُعينني على كَسْب القوت ومتطلَّبات العيش الكريم؟ أليس لنا الحقُّ في تفجير طاقاتنا لتحصين أنفسنا وإعانة والدينا؟ لقد عرضتُ على شركاتٍ عديدةٍ لأعملَ بها، ولسانُهم واحد: ها هو ذا ملفك عندنا، سنتصل بك ريثما نجد لك مكانًا! ثم لقد عرضتُ على المدارس الخاصَّة لأدرِّسَ في إحداهنَّ مادةَ تخصُّصي، فاستنتجتُ أنه يَلزمني خبرة حتى تقبلني إحداهنَّ، لكن أنَّى لي الخبرة إن لم أكتسِبْها داخل الميدان، أوَلَيْسَت الخبرةُ تأتي بعد العمل؟! على كل حالٍ توجهتُ لخوض مرحلةٍ تدريبيَّة بإحدى المدارس، وبعدها أدركتُ أنه يلزمني وسيطٌ! أخذني الحنينُ إلى سبعةَ عشر عامًا أنفقتُها لتحصيل هذه الشهادة، كان مِن الأجدر بي أن أنفقَها في حانوت، فأكون الآن تاجرًا خبيرًا، أو عاملَ بناءٍ فأكون بذلك مقاولًا ذا مشاريع جمة، أو برلمانيًّا جاهلًا. فيا معشرَ مَن قرأ هاته السطور، لا أقول لكم إلا ما قاله شيخ الأدباء علي الطنطاوي رحمه الله في مقالته "شهادة لسانس للبيع": "إني أَعْرِضُ شهادتي ولقَبي الكريم للبيع برأس المال (الرسوم والأقساط)، أما فوسفور دماغي وأيام عمري فلا أريد لشيءٍ منه بديلًا، وأجْرِي على الله"[1]. فمَن يشتري؟! [1]علي الطنطاوي، من حديث النفس، دار المنارة للنشر والتوزيع، ط:2011، ص:65.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |