تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 33 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3952 - عددالزوار : 390954 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4419 - عددالزوار : 856378 )           »          حق الجار والضيف وفضل الصمت.محاضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          اضربوا لي معكم بسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          ونَزَعْنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سُرُر متقابلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أنت وصديقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          التشجيع القوة الدافعة إلى الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          شجاعة السلطان عبد الحميد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          نظرات في مشكلات الشباب ومحاولة الحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #321  
قديم 31-08-2022, 12:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ الرَّعْدِ
الحلقة (321)
صــ 325 إلى صــ 332



والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار

قوله تعالى : " والذين صبروا " أي : على ما أمروا به " ابتغاء وجه ربهم " أي : طلبا لرضاه " وأقاموا الصلاة " أتموها " وأنفقوا مما رزقناهم " من الأموال في طاعة الله . قال ابن عباس : يريد بالصلاة : الصلوات الخمس ، وبالإنفاق : الزكاة .

قوله تعالى : " ويدرءون " أي : يدفعون " بالحسنة السيئة " . وفي المراد بهما خمسة أقوال :

أحدها : يدفعون بالعمل الصالح الشر من العمل ، قاله ابن عباس . والثاني : يدفعون بالمعروف المنكر ، قاله سعيد بن جبير . والثالث : بالعفو الظلم ، قاله [ ص: 325 ] جويبر . والرابع : بالحلم السفه ، كأنهم إذا سفه عليهم حلموا ، قاله ابن قتيبة .

والخامس : بالتوبة الذنب ، قاله ابن كيسان .

قوله تعالى : " أولئك لهم عقبى الدار " قال ابن عباس : يريد : عقباهم الجنة ، أي : تصير الجنة آخر أمرهم .

قوله تعالى : " ومن صلح " وقرأ ابن أبي عبلة : " صلح " بضم اللام . ومعنى " صلح " : آمن ، وذلك أن الله تعالى ألحق المؤمن أهله المؤمنين إكراما له ، لتقر عينه بهم . " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب " قال ابن عباس : بالتحية من الله والتحفة والهدايا .

قوله تعالى : " سلام عليكم " قال الزجاج : أضمر القول هاهنا ، لأن في الكلام دليلا عليه . وفي هذا السلام قولان :

أحدهما : أنه التحية المعروفة ، يدخل الملك فيسلم وينصرف ، قال ابن الأنباري : وفي قول المسلم : سلام عليكم ، قولان : أحدهما : أن السلام : الله عز وجل ، والمعنى : الله عليكم ، أي : على حفظكم . والثاني : أن المعنى : السلامة عليكم ، فالسلام جمع سلامة .

والثاني : أن معناه : إنما سلمكم الله تعالى من أهوال القيامة وشرها بصبركم في الدنيا .

وفيما صبروا عليه خمسة أقوال :

أحدها : أنه أمر الله ، قاله سعيد بن جبير . والثاني : فضول الدنيا ، قاله الحسن . والثالث : الدين . والرابع : الفقر ، رويا عن أبي عمران الجوني . والخامس : أنه فقد المحبوب ، قاله ابن زيد .
[ ص: 326 ] والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار

قوله تعالى : " والذين ينقضون عهد الله " قد سبق تفسيره في سورة (البقرة :27) . وقال مقاتل : نزلت في كفار أهل الكتاب .

قوله تعالى : " أولئك لهم اللعنة " أي : عليهم .
الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع

قوله تعالى : " الله يبسط الرزق لمن يشاء " أي : يوسع على من يشاء " ويقدر " أي : يضيق . " وفرحوا بالحياة الدنيا " قال ابن عباس : يريد مشركي مكة ، فرحوا بما نالوا من الدنيا فطغوا وكذبوا الرسل .

قوله تعالى : " وما الحياة الدنيا في الآخرة " أي : بالقياس إليها " إلا متاع " أي : كالشيء الذي يتمتع به ، ثم يفنى .
ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب

قوله تعالى : " ويقول الذين كفروا " نزلت في مشركي مكة حين طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل آيات الأنبياء . " قل إن الله يضل من يشاء " أي : يرده عن الهدى كما ردكم بعدما أنزل من الآيات وحرمكم الاستدلال بها . " ويهدي [ ص: 327 ] إليه من أناب " أي : رجع إلى الحق ، وإنما يرجع إلى الحق من شاء الله رجوعه ، فكأنه قال : ويهدي من يشاء .
الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب

قوله تعالى : " الذين آمنوا " هذا بدل من قوله : " أناب " ، والمعنى : يهدي الذين آمنوا ، " وتطمئن قلوبهم بذكر الله " في هذا الذكر قولان :

أحدهما : أنه القرآن . والثاني : ذكر الله على الإطلاق .

وفي معنى هذه الطمأنينة قولان :

أحدهما : أنها الحب له والأنس به . والثاني : السكون إليه من غير شك ، بخلاف الذين إذا ذكر الله اشمأزت قلوبهم .

قوله تعالى : " ألا بذكر الله " قال الزجاج : " ألا " حرف تنبيه وابتداء ، والمعنى : تطمئن القلوب التي هي قلوب المؤمنين ، لأن الكافر غير مطمئن القلب .

قوله تعالى : " طوبى لهم " فيه ثمانية أقوال :

أحدها : أنه اسم شجرة في الجنة . روى أبو سعيد الخدري " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما طوبى ، قال : شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " ، وقال أبو هريرة : طوبى : شجرة في الجنة ، يقول الله عز وجل لها: تفتقي لعبدي عما شاء ، فتتفتق له عن [ ص: 328 ] الخيل بسروجها ولجمها ، وعن الإبل بأزمتها ، وعما شاء من الكسوة . وقال شهر بن حوشب : طوبى : شجرة في الجنة ، كل شجر الجنة منها أغصانها ، من وراء سور الجنة ، وهذا مذهب عطية ، وشمر بن عطية ، ومغيث بن سمي وأبي صالح .

والثاني : أنه اسم الجنة بالحبشية ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . قال المصنف : وقرأت على شيخنا أبي منصور عن سعيد بن مسجوح قال : طوبى : اسم الجنة بالهندية ، وممن ذهب إلى أنه اسم الجنة عكرمة ، وعن مجاهد كالقولين .

والثالث : أن معنى طوبى لهم : فرح وقرة عين لهم ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .

والرابع : أن معناه : نعمى لهم ، قاله عكرمة في رواية ، وفي رواية أخرى عنه : نعم ما لهم .

والخامس : غبطة لهم ، قاله سعيد بن جبير ، والضحاك .

والسادس : أن معناه : خير لهم ، قاله النخعي في رواية ، وفي أخرى عنه قال : الخير والكرامة اللذان أعطاهم الله . وروى معمر عن قتادة قال : يقول الرجل للرجل : طوبى لك ، أي : أصبت خيرا ، وهي كلمة عربية .

والسابع : حسنى لهم ، رواه سعيد عن قتادة عن الحسن .

والثامن : أن المعنى : العيش الطيب لهم . و " طوبى " عند النحويين : فعلى من الطيب ، هذا قول الزجاج . وقال ابن الأنباري : تأويلها : الحال [ ص: 329 ] المستطابة ، والخلة المستلذة ، وأصلها : " طيبى " فصارت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها كما صارت في " موقن " والأصل فيه " ميقن " لأنه مأخوذ من اليقين ، فغلبت الضمة فيه الياء فجعلتها واوا .

قوله تعالى : " وحسن مآب " المآب : المرجع والمنقلب .
كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب

قوله تعالى : " كذلك أرسلناك " أي : كما أرسلنا الأنبياء قبلك .

قوله تعالى : " وهم يكفرون بالرحمن " في سبب نزولها ثلاثة أقوال :

أحدها : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لكفار قريش : اسجدوا للرحمن ، قالوا : وما الرحمن ؟ فنزلت هذه الآية ، وقيل لهم : إن الرحمن الذي أنكرتم هو ربي ، هذا قول الضحاك عن ابن عباس .

والثاني : أنهم لما أرادوا كتاب الصلح يوم الحديبية ، كتب علي عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهيل بن عمرو : ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة ، فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة ، وابن جريج ، ومقاتل .

والثالث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما في الحجر يدعو ، وأبو جهل يستمع إليه وهو يقول : يا رحمن ، فولى مدبرا إلى المشركين فقال : إن محمدا كان ينهانا عن عبادة الآلهة وهو يدعو إلهين ! فنزلت هذه الآية ، ذكره علي بن أحمد النيسابوري .

قوله تعالى : " وإليه متاب " قال أبو عبيدة : هو مصدر تبت إليه .
[ ص: 330 ] ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب

قوله تعالى : " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " سبب نزولها أن مشركي قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لو وسعت لنا أودية مكة بالقرآن ، وسيرت جبالها فاحترثناها ، وأحييت من مات منا ، فنزلت هذه الآية ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقال الزبير بن العوام : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن يسير عنا هذه الجبال ويفجر لنا الأرض أنهارا فنزرع ، أو يحيي لنا موتانا فنكلمهم ، أو يصير هذه الصخرة ذهبا فتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف فقد كان للأنبياء آيات ، فنزلت هذه الآية ، ونزل قوله : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون [الإسراء :59] . ومعنى قوله : " أو قطعت به الأرض " أي : شققت فجعلت أنهارا ، " أو كلم به الموتى " أي : أحيوا حتى كلموا .

واختلفوا في جواب " لو " على قولين

أحدهما : أنه محذوف . وفي تقدير الكلام قولان : أحدهما : أن تقديره : لكان هذا القرآن ، ذكره الفراء ، وابن قتيبة . قال قتادة : لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم لفعل بقرآنكم . والثاني : أن تقديره : لو كان هذا كله لما آمنوا .

[ ص: 331 ] ودليله قوله تعالى : ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة . . . إلى آخر الآية [الأنعام :111] ، قاله الزجاج .

والثاني : أن جواب " لو " مقدم ، والمعنى : وهم يكفرون بالرحمن ، ولو أنزلنا عليهم ما سالوا ، ذكره الفراء أيضا .

قوله تعالى : " بل لله الأمر جميعا " أي : لو شاء أن يؤمنوا لآمنوا ، وإذا لم يشأ ، لم ينفع ما اقترحوا من الآيات . ثم أكد ذلك بقوله : " أفلم ييأس الذين آمنوا " وفيه أربعة أقوال :

أحدها : أفلم يتبين ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وروى عنه عكرمة أنه كان يقرؤها كذلك ، ويقول : أظن الكاتب كتبها وهو ناعس ، وهذا قول مجاهد ، وعكرمة ، وأبي مالك ، ومقاتل .

والثاني : أفلم يعلم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وقتادة ، وابن زيد . وقال ابن قتيبة : ويقال : هي لغة للنخع " ييأس " بمعنى " يعلم " قال الشاعر :


أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم


وإنما وقع اليأس في مكان العلم ، لأن في علمك الشيء وتيقنك به يأسك من غيره .

[ ص: 332 ] والثالث : أن المعنى : قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا واحدا ، ولو شاء الله لهدى الناس جميعا ، قاله أبو العالية .

والرابع : أفلم ييأس الذين آمنوا أن يؤمن هؤلاء المشركون ، قاله الكسائي . وقال الزجاج : المعنى عندي : أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الذين وصفهم الله بأنهم لا يؤمنون ، لأنه لو شاء لهدى الناس جميعا .

قوله تعالى : " ولا يزال الذين كفروا " فيهم قولان :

أحدهما : أنهم جميع الكفار ، قاله ابن السائب . والثاني : كفار مكة ، قاله مقاتل .

فأما القارعة ، فقال الزجاج : هي في اللغة : النازلة الشديدة تنـزل بأمر عظيم .

وفي المراد بها هاهنا قولان :

أحدهما : أنها عذاب من السماء ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني : السرايا والطلائع التي كان ينفذها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله عكرمة .

وفي قوله : " أو تحل قريبا من دارهم " قولان :

أحدهما : أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالمعنى : أو تحل أنت يا محمد ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وعكرمة ، وقتادة .

والثاني : أنها القارعة ، قاله الحسن .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #322  
قديم 31-08-2022, 12:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ الرَّعْدِ
الحلقة (322)
صــ 333 إلى صــ 340




وفي قوله : حتى يأتي وعد الله قولان :

أحدهما : فتح مكة ، قاله ابن عباس ، ومقاتل . والثاني : القيامة ، قاله الحسن .
أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر [ ص: 333 ] من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد .

قوله تعالى : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت يعني : نفسه عز وجل . ومعنى القيام هاهنا : التولي لأمور خلقه ، والتدبير لأرزاقهم وآجالهم ، وإحصاء أعمالهم للجزاء ، والمعنى : أفمن هو مجازي كل نفس بما كسبت ، يثيبها إذا أحسنت ، ويأخذها بما جنت ، كمن ليس بهذه الصفة من الأصنام ؟ قال الفراء : فترك جوابه ، لأن المعنى معلوم ، وقد بينه بعد هذا بقوله : " وجعلوا لله شركاء " كأنه قيل : كشركائهم .

قوله تعالى : " قل سموهم " أي : بما يستحقونه من الصفات وإضافة الأفعال إليهم إن كانوا شركاء لله كما يسمى الله بالخالق ، والرازق ، والمحيي ، والمميت ، ولو سموهم بشيء من هذا لكذبوا .

قوله تعالى : " أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض " هذا استفهام منقطع مما قبله ، والمعنى : فإن سموهم بصفات الله ، فقل لهم : أتنبئونه ، أي : أتخبرونه بشريك له في الأرض وهو لا يعلم لنفسه شريكا ، ولو كان لعلمه .

قوله تعالى : " أم بظاهر من القول " فيه ثلاثة أقوال :

أحدهما : أم بظن من القول ، قاله مجاهد . والثاني : بباطل ، قاله قتادة . والثالث : بكلام لا أصل له ولا حقيقة .

قوله تعالى : " بل زين للذين كفروا مكرهم " قال ابن عباس : زين لهم الشيطان الكفر .

قوله تعالى : " وصدوا عن السبيل " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : " وصدوا " بفتح الصاد ، ومثله في (حم المؤمن) [غافر :37] . وقرأ [ ص: 334 ] عاصم ، وحمزة ، والكسائي : " وصدوا " بالضم فيهما . فمن فتح ، أراد صدوا المسلمين ، إما عن الإيمان ، أو عن البيت الحرام . ومن ضم ، أراد : صدهم الله عن سبيل الهدى .
لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق

قوله تعالى : " لهم عذاب في الحياة الدنيا " وهو القتل ، والأسر ، والسقم ، فهو لهم في الدنيا عذاب ، وللمؤمنين كفارة ، " ولعذاب الآخرة أشق " أي : أشد " وما لهم من الله من واق " أي : مانع يقيهم عذابه .
مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار

قوله تعالى : " مثل الجنة " أي : صفتها أن الأنهار تجري من تحتها ، هذا قول الجمهور ، وقال ثعلب : خبر المثل مضمر قبله ، والمعنى : فيما نصف لكم مثل الجنة ، وفيما نقصه عليكم خبر الجنة " أكلها دائم " قال الحسن : يريد أن ثمارها لا تنقطع كثمار الدنيا " وظلها " لأنه لا يزول ولا تنسخه الشمس .

قوله تعالى : " تلك عقبى الذين اتقوا " أي : عاقبة أمرهم المصير إليها .
والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب

قوله تعالى : " والذين آتيناهم الكتاب " فيه ثلاثة أقوال :

[ ص: 335 ] أحدها : أنهم مسلمو اليهود ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . وقال مقاتل : هم عبد الله بن سلام وأصحابه .

والثاني : أنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله قتادة .

والثالث : مؤمنو أهل الكتابين من اليهود والنصارى ، ذكره الماوردي . والذي أنزل إليه : القرآن ، فرح به المسلمون وصدقوه ، وفرح به مؤمنو أهل الكتاب ، لأنه صدق ما عندهم . وقيل : إن عبد الله بن سلام ومن آمن معه من أهل الكتاب ، ساءهم قلة ذكر الرحمن في القرآن مع كثرة ذكره في التوراة . فلما نزل ذكره فرحوا ، وكفر المشركون به ، فنزلت هذه الآية .

فأما الأحزاب ، فهم الكفار الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعاداة ، وفيهم أربعة أقوال :

أحدها : أنهم اليهود والنصارى ، قاله قتادة . والثاني : أنهم اليهود والنصارى والمجوس ، قاله ابن زيد . والثالث : بنو أمية وبنو المغيرة وآل أبي طلحة بن عبد العزى ، قاله مقاتل . والرابع : كفار قريش ، ذكره الماوردي .

وفي بعضه الذي أنكروه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه ذكر الرحمن والبعث ومحمد صلى الله عليه وسلم ، قاله مقاتل .

والثاني : أنهم عرفوا بعثة الرسول في كتبهم وأنكروا نبوته .

والثالث : أنهم عرفوا صدقه ، وأنكروا تصديقه ، ذكرهما الماوردي .
وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق

قوله تعالى : " وكذلك أنزلناه " أي : وكما أنزلنا الكتب على الأنبياء [ ص: 336 ] بلغاتهم ، أنزلنا عليك القرآن " حكما عربيا " قال ابن عباس : يريد ما فيه من الفرائض . وقال أبو عبيدة : دينا عربيا .

قوله تعالى : " ولئن اتبعت أهواءهم " فيه قولان

أحدهما : في صلاتك إلى بيت المقدس " بعد ما جاءك من العلم " أن قبلتك الكعبة ، قاله ابن السائب .

والثاني : في قبول ما دعوك إليه من ملة آبائك ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " ما لك من الله من ولي " أي : ما لك من عذاب الله من قريب ينفعك " ولا واق " يقيك .
ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب

قوله تعالى : " ولقد أرسلنا رسلا من قبلك . . . " الآية ، سبب نزولها أن اليهود عيروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة التزويج ، وقالوا : لو كان نبيا كما يزعم ، شغلته النبوة عن تزويج النساء ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . ومعنى الآية : أن الرسل قبلك كانوا بشرا لهم أزواج ، يعني النساء ، وذرية ، يعني الأولاد . " وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله: " أي : بأمره ، وهذا جواب للذين اقترحوا عليه الآيات .

قوله تعالى : " لكل أجل كتاب " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : لكل أجل من آجال الخلق كتاب عند الله ، قاله الحسن .

والثاني : أنه من المقدم والمؤخر ، والمعنى : لكل كتاب ينزل من السماء أجل ، قاله الضحاك والفراء .

[ ص: 337 ] والثالث : لكل أجل قدره الله عز وجل ، ولكل أمر قضاه ، كتاب أثبت فيه ، ولا تكون آية ولا غيرها إلا بأجل قد قضاه الله في كتاب ، هذا معنى قول ابن جرير .
يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب

قوله تعالى : " يمحو الله ما يشاء ويثبت " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم : " ويثبت " ساكنة الثاء خفيفة الباء . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : " ويثبت " مشددة الباء مفتوحة الثاء . قال أبو علي : المعنى : ويثبته ، فاستغنى بتعدية الأول من الفعلين عن تعدية الثاني .

واختلف المفسرون في المراد بالذي يمحو ويثبت على ثمانية أقوال :

أحدها : أنه عام في الرزق ، والأجل ، والسعادة ، والشقاوة ، وهذا مذهب عمر ، وابن مسعود ، وأبي وائل ، والضحاك ، وابن جريج .

والثاني : أنه الناسخ والمنسوخ ، فيمحو المنسوخ ، ويثبت الناسخ ، روى هذا المعنى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وقتادة ، والقرظي ، وابن زيد . وقال ابن قتيبة : " يمحو الله ما يشاء " أي : ينسخ من القرآن ما يشاء " ويثبت " أي : يدعه ثابتا لا ينسخه ، وهو المحكم .

والثالث : أنه يمحو ما يشاء ، ويثبت ، إلا الشقاوة والسعادة ، والحياة والموت ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، ودليل هذا القول ما روى مسلم في " صحيحه " من حديث حذيفة بن أسيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا مضت على النطفة خمس وأربعون ليلة ، يقول الملك الموكل : أذكر أم أنثى ؟ فيقضي [ ص: 338 ] الله تعالى ، ويكتب الملك ، فيقول : أشقى أم سعيد ؟ فيقضي الله ، ويكتب الملك ، فيقول : عمله وأجله ؟ فيقضي الله ، ويكتب الملك ،ثم تطوى الصحيفة ، فلا يزاد فيها ولا ينقص منها " .

والرابع : يمحو ما يشاء ويثبت ، إلا الشقاوة والسعادة لا يغيران ، قاله مجاهد .

والخامس : يمحو من جاء أجله ، ويثبت من لم يجئ أجله ، قاله الحسن .

والسادس : يمحو من ذنوب عباده ما يشاء فيغفرها ، ويثبت ما يشاء فلا يغفرها ، روي عن سعيد بن جبير .

والسابع : يمحو ما يشاء بالتوبة ، ويثبت مكانها حسنات ، قاله عكرمة .

والثامن : يمحو من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب ، قاله الضحاك ، وأبو صالح . وقال ابن السائب : القول كله يكتب ، حتى إذا كان في يوم الخميس ، طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قولك : أكلت ، شربت ، دخلت ، خرجت ، ونحوه ، وهو صادق ، ويثبت ما فيه الثواب والعقاب .

قوله تعالى : " وعنده أم الكتاب " قال الزجاج : أصل الكتاب . قال المفسرون : [ ص: 339 ] وهو اللوح المحفوظ الذي أثبت فيه ما يكون ويحدث . وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله تعالى في ثلاث ساعات يبقين من الليل ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت " . وروى عكرمة عن ابن عباس قال : هما كتابان ، كتاب سوى أم الكتاب يمحو منه ما يشاء ويثبت ، وعنده أم الكتاب لا يغير منه شيء .
وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب

قوله تعالى : " وإما نرينك بعض الذي نعدهم " أي : من العذاب وأنت حي " أو نتوفينك " قبل أن نريك ذلك ، فليس عليك إلا أن تبلغ ، " وعلينا الحساب " قال مقاتل : يعني الجزاء . وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أن قوله : " فإنما عليك البلاغ " نسخ بآية السيف وفرض الجهاد ، وبه قال قتادة .
وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب

قوله تعالى : " وإما نرينك بعض الذي نعدهم " أي : من العذاب وأنت حي " أو نتوفينك " قبل أن نريك ذلك ، فليس عليك إلا أن تبلغ ، " وعلينا الحساب " قال مقاتل : يعني الجزاء . وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أن قوله : " فإنما عليك البلاغ " نسخ بآية السيف وفرض الجهاد ، وبه قال قتادة .
وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب

قوله تعالى : " وإما نرينك بعض الذي نعدهم " أي : من العذاب وأنت حي " أو نتوفينك " قبل أن نريك ذلك ، فليس عليك إلا أن تبلغ ، " وعلينا الحساب " قال مقاتل : يعني الجزاء . وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أن قوله : " فإنما عليك البلاغ " نسخ بآية السيف وفرض الجهاد ، وبه قال قتادة .
أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب

قوله تعالى : " أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها " فيه خمسة أقوال :

[ ص: 340 ] أحدها : أنه ما يفتح الله على نبيه من الأرض ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، والضحاك . قال مقاتل : " أولم يروا " يعني : كفار مكة ، " أنا نأتي الأرض " يعني : أرض مكة " ننقصها من أطرافها " يعني : ما حولها .

والثاني : أنها القرية تخرب حتى تبقى الأبيات في ناحيتها ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة .

والثالث : أنه نقص أهلها وبركتها ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وقال الشعبي نقص الأنفس والثمرات .

والرابع : أنه ذهاب فقهائها وخيار أهلها ، رواه عطاء عن ابن عباس .

والخامس : أنه موت أهلها ، قاله مجاهد ، وعطاء ، وقتادة .

قوله تعالى : " والله يحكم لا معقب لحكمه " قال ابن قتيبة : لا يتعقبه أحد بتغيير ولا نقص . وقد شرحنا معنى سرعة الحساب في سورة (البقرة :202) .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #323  
قديم 31-08-2022, 12:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ

الحلقة (323)
صــ 341 إلى صــ 348




وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار

قوله تعالى : " وقد مكر الذين من قبلهم " يعني : كفار الأمم الخالية ، [ ص: 341 ] مكروا بأنبيائهم يقصدون قتلهم ، كما مكرت قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه . " فلله المكر جميعا " يعني : أن مكر الماكرين مخلوق له ، ولا يضر إلا بإرادته ; وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسكين له . " يعلم ما تكسب كل نفس " من خير وشر ، ولا يقع ضرر إلا بإذنه . " وسيعلم الكافر " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : " وسيعلم الكافر " قال ابن عباس : يعني : أبا جهل . وقال الزجاج : الكافر هاهنا : اسم جنس . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : " الكفار " على الجمع .

قوله تعالى : " لمن عقبى الدار " أي : لمن الجنة آخر الأمر .
ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب

قوله تعالى : " ويقول الذين كفروا " فيهم قولان :

أحدهما : أنهم اليهود والنصارى . والثاني : كفار قريش . " قل كفى بالله شهيدا " أي : شاهدا " بيني وبينكم " بما أظهر من الآيات ، وأبان من الدلالات على نبوتي .

قوله تعالى : " ومن عنده علم الكتاب " فيه سبعة أقوال :

أحدها : أنهم علماء اليهود والنصارى ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني : أنه عبد الله بن سلام ، قاله الحسن ، ومجاهد ، وعكرمة ، وابن زيد ، وابن السائب ، ومقاتل .

والثالث : أنهم قوم من أهل الكتاب ، كانوا يشهدون بالحق ، منهم عبد الله بن سلام ، وسلمان الفارسي ، وتميم الداري ، قاله قتادة .

[ ص: 342 ] والرابع : أنه جبريل عليه السلام ، قاله سعيد بن جبير .

والخامس : أنه علي بن أبي طالب ، قاله ابن الحنفية .

والسادس : أنه بنيامين ، قاله شمر .

والسابع : أنه الله تعالى ، روي عن الحسن ، ومجاهد ، واختاره الزجاج واحتج له بقراءة من قرأ : " ومن عنده علم الكتاب " وهي قراءة ابن السميفع ، وابن أبي عبلة ، ومجاهد ، وأبي حيوة . ورواية ابن أبي سريج عن الكسائي : " ومن " بكسر الميم " عنده " بكسر الدال " علم " بضم الميم وكسر اللام وفتح الميم . " الكتاب " بالرفع . وقرأ الحسن " ومن " بكسر الميم " عنده " بكسر الدال " علم " بكسر العين وضم الميم " الكتاب " مضاف ، كأنه قال : أنزل من علم الله عز وجل .
سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ

[ عَلَيْهِ السَّلَامُ ]


وَهِيَ مَكِّيَّةٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ بَيْنَهُمْ ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَالَا : سِوَى آيَتَيْنِ مِنْهَا ، وَهُمَا قَوْلُهُ : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَالَّتِي بَعْدَهَا [إِبْرَاهِيمَ: 28،29] .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ

قَوْلُهُ تَعَالَى : " آلر " قَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ [يُونُسَ :1] . وَقَوْلُهُ : " كِتَابٌ " قَالَ الزَّجَّاجُ : الْمَعْنَى : هَذَا كِتَابٌ ، وَالْكِتَابُ : الْقُرْآنُ .

وَفِي الْمُرَادِ بِالظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّ الظُّلُمَاتِ : الْكُفْرُ ، وَالنُّورَ : الْإِيمَانُ ، رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّانِي : أَنَّ الظُّلُمَاتِ : الضَّلَالَةُ ، وَالنُّورَ : الْهُدَى ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ ، وَقَتَادَةُ .

[ ص: 344 ] وَالثَّالِثُ : أَنَّ الظُّلُمَاتِ : الشَّكُّ ، وَالنُّورَ : الْيَقِينُ ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .

وَفِي قَوْلِهِ : " بِإِذْنِ رَبِّهِمْ " ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : بِأَمْرِ رَبِّهِمْ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . وَالثَّانِي : بِتَوْفِيقِ رَبِّهِمْ ، قَالَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ الْإِذْنُ نَفْسُهُ ، فَالْمَعْنَى : بِمَا أَذِنَ لَكَ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ ، قَالَ : ثُمَّ بَيَّنَ مَا النُّورُ ؟، فَقَالَ : " إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ " قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ الْعَرَبِ : جَلَسْتُ إِلَى زَيْدٍ ، إِلَى الْعَاقِلِ الْفَاضِلِ ، وَإِنَّمَا تُعَادُ " إِلَى " بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ لِلْأَمْرِ ، قَالَ الشَّاعِرُ :


إِذَا خَدِرَتْ رِجْلِي تَذَكَّرْتُ مَنْ لَهَا فَنَادَيْتُ لُبْنَى بِاسْمِهَا وَدَعَوْتُ

دَعَوْتُ الَّتِي لَوْ أَنَّ نَفْسِي تُطِيعُنِي
لَأَلْقَيْتُهَا مِنْ حُبِّهَا وَقَضَيْتُ


فَأَعَادَ " دَعَوْتُ " لِتَفْخِيمِ الْأَمْرِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ " قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَعَاصِمٌ ، وَحَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ : " الْحَمِيدِ اللَّهِ " عَلَى الْبَدَلِ . وَقَرَأَ نَافِعٌ ، وَابْنُ عَامِرٍ ، وَأَبَانُ ، وَالْمُفَضَّلُ : " الْحَمِيدِ اللَّهُ " رَفْعًا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَلْفَاظِ الْآيَةِ .
الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء [ ص: 345 ] ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم

قوله تعالى : " الذين يستحبون الحياة الدنيا " أي : يؤثرونها " على الآخرة " قال ابن عباس : يأخذون ما تعجل لهم منها تهاونا بأمر الآخرة .

قوله تعالى : " ويصدون عن سبيل " أي : يمنعون الناس من الدخول في دينه " ويبغونها عوجا " قد شرحناه في (آل عمران :99) .

قوله تعالى : " أولئك في ضلال " أي : في ذهاب عن الحق " بعيد " من الصواب .

قوله تعالى : " إلا بلسان قومه " أي : بلغتهم . قال ابن الأنباري : ومعنى اللغة عند العرب : الكلام المنطوق به ، وهو مأخوذ من قولهم : لغا الطائر يلغو : إذا صوت في الغلس . وقرأ أبو رجاء ، وأبو المتوكل ، والجحدري : " إلا بلسن قومه " برفع اللام والسين من غير ألف . وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو عمران : " بلسن قومه " بكسر اللام وسكون السين من غير ألف .

قوله تعالى : " ليبين لهم " أي : الذي أرسل به فيفهمونه عنه . وهذا نزل ، لأن قريشا قالوا : ما بال الكتب كلها أعجمية ، وهذا عربي ؟

قوله تعالى : " أن أخرج قومك " قال الزجاج : " أن " مفسرة ، والمعنى : قلنا له : أخرج قومك . وقد سبق بيان الظلمات والنور [البقرة :257] .

[ ص: 346 ] وفي قوله : " وذكرهم بأيام الله " ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها نعم الله ، رواه أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبه قال مجاهد ، وقتادة ، وابن قتيبة .

والثاني : أنها وقائع الله في الأمم قبلهم ، قاله ابن زيد ، وابن السائب ، ومقاتل .

والثالث : أنها أيام نعم الله عليهم وأيام نقمه ممن كفر من قوم نوح وعاد وثمود ، قاله الزجاج .

قوله تعالى : " إن في ذلك " يعني : التذكير " لآيات لكل صبار " على طاعة الله وعن معصيته " شكور " لأنعمه . والصبار : الكثير الصبر ، والشكور : الكثير الشكر ، وإنما خصه بالآيات لانتفاعه بها . وما بعد هذا مشروح في سورة (البقرة : 49) .
وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض [ ص: 347 ] يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلونوقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد

قوله تعالى : " وإذ تأذن ربكم " مذكور في (الأعراف :167) .

وفي قوله : " لئن شكرتم لأزيدنكم " ثلاثة أقوال :

أحدها : لئن شكرتم نعمي لأزيدنكم من طاعتي ، قاله الحسن .

والثاني : لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي ، قاله الربيع .

والثالث : لئن وحدتموني لأزيدنكم خيرا في الدنيا ، قاله مقاتل .

وفي قوله : " ولئن كفرتم " قولان :

أحدهما : أنه كفر بالتوحيد . والثاني : كفران النعم .

قوله تعالى : " فإن الله لغني حميد " أي : غني عن خلقه ، محمود في أفعاله ، لأنه إما متفضل بفعله ، أو عادل .

[ ص: 348 ] قوله تعالى : " لا يعلمهم إلا الله " قال ابن الأنباري : أي : لا يحصي عددهم إلا هو ، على أن الله تعالى أهلك أمما من العرب وغيرها ، فانقطعت أخبارهم ، وعفت آثارهم ، فليس يعلمهم أحد إلا الله .

قوله تعالى : " فردوا أيديهم في أفواههم " فيه سبعة أقوال :

أحدها : أنهم عضوا أصابعهم غيظا ، قاله ابن مسعود ، وابن زيد . وقال ابن قتيبة : " في " هاهنا بمعنى : " إلى " ، ومعنى الكلام : عضوا عليها حنقا وغيظا ، كما قال الشاعر :


يردون في فيه عشر الحسود


يعني : أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه العشر ، ونحوه قول الهذلي :


قد أفنى أنامله أزمه فأضحى يعض علي الوظيفا


يقول : قد أكل أصابعه حتى أفناها بالعض ، فأضحى يعض علي وظيف الذراع .

والثاني : أنهم كانوا إذا جاءهم الرسول فقال : إني رسول ، قالوا له : اسكت ، وأشاروا بأصابعهم إلى أفواه أنفسهم ، ردا عليه وتكذيبا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #324  
قديم 31-08-2022, 12:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ
الحلقة (324)
صــ 349 إلى صــ 356


[ ص: 349 ] والثالث : أنهم لما سمعوا كتاب الله ، عجوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والرابع : أنهم وضعوا أيديهم على أفواه الرسل . ردا لقولهم ، قاله الحسن .

والخامس : أنهم كذبوهم بأفواههم ، وردوا عليهم قولهم ، قاله مجاهد ، وقتادة .

والسادس : أنه مثل ، ومعناه : أنهم كفوا عما أمروا بقبوله من الحق ، ولم يؤمنوا به . يقال : رد فلان يده إلى فمه ، أي : أمسك فلم يجب ، قاله أبو عبيدة .

والسابع : ردوا ما لو قبلوه لكان نعما وأيادي من الله ، فتكون الأيدي بمعنى : الأيادي ، و " في " بمعنى : الباء ، والمعنى : ردوا الأيادي بأفواههم ، ذكره الفراء ، وقال : قد وجدنا من العرب من يجعل " في " موضع الباء ، فيقول : أدخلك الله بالجنة ، يريد : في الجنة ، وأنشدني بعضهم :


وأرغب فيها عن لقيط ورهطه ولكنني عن سنبس لست أرغب


فقال : أرغب فيها ، يعني : بنتا له ، يريد : أرغب بها ، وسنبس : قبيلة .

قوله تعالى : " وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به " أي : على زعمكم أنكم أرسلتم ، لا أنهم أقروا بإرسالهم . وباقي الآية قد سبق تفسيره [هود :62] . " قالت رسلهم أفي الله شك " هذا استفهام إنكار ، والمعنى : لا شك في الله ، أي : في [ ص: 350 ] توحيده " يدعوكم " بالرسل والكتب " ليغفر لكم من ذنوبكم " قال أبو عبيدة : " من " زائدة ، كقوله : فما منكم من أحد عنه حاجزين [الحاقة :47] ، قال أبو ذؤيب :


جزيتك ضعف الحب لما شكوته وما إن جزاك الضعف من أحد قبلي


أي : أحد . وقوله : " ويؤخركم إلى أجل مسمى " وهو الموت ، والمعنى : لا يعاجلكم بالعذاب . " قالوا " للرسل " إن أنتم " أي : ما أنتم " إلا بشر مثلنا " أي : ليس لكم علينا فضل ، والسلطان : الحجة ، قالت الرسل : " إن نحن إلا بشر مثلكم " فاعترفوا لهم بذلك ، " ولكن الله يمن على من يشاء " يعنون : بالنبوة والرسالة ، " وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله " أي : ليس ذلك من قبل أنفسنا .

قوله تعالى : " وقد هدانا سبلنا " فيه قولان :

أحدهما : بين لنا رشدنا . والثاني : عرفنا طريق التوكل . وإنما قص هذا وأمثاله على نبينا صلى الله عليه وسلم ليقتدي بمن قبله في الصبر ، وليعلم ما جرى لهم .

قوله تعالى : " لنهلكن الظالمين " يعني : الكافرين بالرسل . وقوله تعالى : " من بعدهم " أي : بعد هلاكهم ، " ذلك " الإسكان " لمن خاف مقامي " قال ابن عباس : خاف مقامه بين يدي . قال الفراء : العرب قد تضيف أفعالها إلى أنفسها ، وإلى ما أوقعت عليه ، فتقول : قد ندمت على ضربي إياك ، وندمت على ضربك ، فهذا من ذاك ، ومثله وتجعلون رزقكم [الواقعة :82] أي : رزقي إياكم .

[ ص: 351 ] قوله تعالى : " وخاف وعيد " أثبت ياء " وعيدي " في الحالين يعقوب ، وتابعه ورش في الوصل .
واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ .

قوله تعالى : " واستفتحوا " يعني : استنصروا . وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وحميد ، وابن محيصن : " واستفتحوا " بكسر التاء على الأمر .

وفي المشار إليهم قولان :

أحدهما : أنهم الرسل ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة .

والثاني : أنهم الكفار ، واستفتاحهم : سؤالهم العذاب ، كقولهم : ربنا عجل لنا قطنا [ص :16] وقولهم : إن كان هذا هو الحق من عندك . . . الآية [الأنفال :32] ، هذا قول ابن زيد .

قوله تعالى : " وخاب كل جبار عنيد " قال ابن السائب : خسر عند الدعاء ، وقال مقاتل : خسر عند نزول العذاب ، وقال أبو سليمان الدمشقي : يئس من الإجابة . وقد شرحنا معنى الجبار والعنيد في (هود :59) .

قوله تعالى : " من ورائه جهنم " فيه قولان :

أحدهما : أنه بمعنى القدام ، قال ابن عباس : يريد ، أمامه جهنم . وقال أبو عبيدة : " من ورائه " أي : قدامه وأمامه ، يقال : الموت من ورائك ، وأنشد :

[ ص: 352 ]
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا


والثاني : أنها بمعنى : " بعد " قال ابن الأنباري : " من ورائه " أي : من بعد يأسه ، فدل " خاب " على اليأس ، فكنى عنه ، وحملت " وراء " على معنى : " بعد " كما قال النابغة :


حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب


أراد : ليس بعد الله مذهب . قال الزجاج : والوراء يكون بمعنى الخلف والقدام ، لأن ما بين يديك وما قدامك إذا توارى عنك فقد صار وراءك ، قال الشاعر :


أليس ورائي إن تراخت منيتي لزوم العصا تحنى عليها الأصابع


قال : وليس الوراء من الأضداد كما يقول بعض أهل اللغة ، وسئل ثعلب : لم قيل : الوراء للأمام ؟ فقال : الوراء : اسم لما توارى عن عينك ، سواء أكان أمامك أو خلفك . وقال الفراء : إنما يجوز هذا في المواقيت من الأيام والليالي والدهر ، تقول : وراءك برد شديد ، وبين يديك برد شديد . ولا يجوز أن تقول للرجل وهو بين يديك : هو وراءك ، ولا للرجل : وراءك : هو بين يديك .

قوله تعالى : " ويسقى من ماء صديد " قال عكرمة ، ومجاهد ، واللغويون : الصديد : القيح والدم ، قاله قتادة ، وهو ما يخرج من بين جلد الكافر ولحمه . [ ص: 353 ] وقال القرظي : هو غسالة أهل النار ، وذلك ما يسيل من فروج الزناة . وقال ابن قتيبة : المعنى : يسقى الصديد مكان الماء ، قال : ويجوز أن يكون على التشبيه ، أي : ما يسقى ماء كأنه صديد .

قوله تعالى : " يتجرعه " والتجرع : تناول المشروب جرعة جرعة ، لا في مرة واحدة ، وذلك لشدة كراهته له ، وإنما يكره على شربه .

قوله تعالى : " ولا يكاد يسيغه " قال الزجاج : لا يقدر على ابتلاعه ، تقول : ساغ لي الشيء ، وأسغته . وروى أبو أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يقرب إليه فيكرهه ، فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه ، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره " .

قوله تعالى : " ويأتيه الموت " أي : هم الموت وكربه وألمه " من كل مكان " وفيه ثلاثة أقوال :

أحدها : من كل شعرة في جسده ، رواه عطاء عن ابن عباس . وقال سفيان الثوري : من كل عرق . وقال ابن جريج : تتعلق نفسه عند حنجرته ، فلا تخرج من فيه فتموت ، ولا ترجع إلى مكانها فتجد راحة .

[ ص: 354 ] والثاني : من كل جهة ، من فوقه وتحته ، وعن يمينه وشماله ، وخلفه وقدامه ، قاله ابن عباس أيضا .

والثالث : أنها البلايا التي تصيب الكافر في النار ، سماها موتا ، قاله الأخفش .

قوله تعالى : " وما هو بميت " أي : موتا تنقطع معه الحياة . " ومن ورائه " أي : من بعد هذا العذاب . قال ابن السائب : من بعد الصديد " عذاب غليظ " . وقال إبراهيم التيمي : بعد الخلود في النار . والغليظ : الشديد .
مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد

قوله تعالى : " مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد " قال الفراء : أضاف المثل إليهم ، وإنما المثل للأعمال ، فالمعنى : مثل أعمال الذين كفروا . ومثله : ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة [الزمر :60] ، أي : ترى وجوههم . وجعل العصوف تابعا لليوم في إعرابه ، وإنما العصوف للريح ، وذلك جائز على جهتين :

إحداهما أن العصوف ، وإن كان للريح ، فإن اليوم يوصف به ، لأن الريح فيه تكون ، فجاز أن تقول : يوم عاصف ، كما تقول : يوم بارد ، ويوم حار .

والوجه الآخر : أن تريد : في يوم عاصف الريح ، فتحذف الريح ، لأنها قد ذكرت في أول الكلام ، كما قال الشاعر :


ويضحك عرفان الدروع جلودنا إذا كان يوم مظلم الشمس كاسف


[ ص: 355 ] يريد : كاسف الشمس . وروي عن سيبويه أنه قال : في هذه الآية إضمار ، والمعنى : ومما نقص عليك مثل الذين كفروا ، ثم ابتدأ فقال : " أعمالهم كرماد " . وقرأ النخعي ، وابن يعمر ، والجحدري : " في يوم عاصف " بغير تنوين اليوم .

قال المفسرون : ومعنى الآية : أن كل ما يتقرب به المشركون يحبط ولا ينتفعون به ، كالرماد الذي سفته الريح فلا يقدر على شيء منه ، فهم لا يقدرون مما كسبوا في الدنيا على شيء في الآخرة ، أي : لا يجدون ثوابه ، " ذلك هو الضلال البعيد " من النجاة .
ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز

قوله تعالى : " ألم تر " فيه قولان :

أحدهما : أن معناه : ألم تخبر ، قاله ابن السائب . والثاني : ألم تعلم ، قاله مقاتل ، وأبو عبيدة .

قوله تعالى : " خلق السماوات والأرض بالحق " قال المفسرون : أي : لم يخلقهن عبثا ، وإنما خلقهن لأمر عظيم . " إن يشأ يذهبكم " قال ابن عباس : يريد : يميتكم يا معشر الكفار ويخلق قوما غيركم خيرا منكم وأطوع ، وهذا خطاب لأهل مكة .

قوله تعالى : " وما ذلك على الله بعزيز " أي : بممتنع متعذر .
وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص

[ ص: 356 ] قوله تعالى : " وبرزوا لله جميعا " لفظه لفظ الماضي ، ومعناه المستقبل ، والمعنى : خرجوا من قبورهم يوم البعث ، واجتمع التابع والمتبوع ، " فقال الضعفاء " وهم الأتباع " للذين استكبروا " وهم المتبوعون : " إنا كنا لكم تبعا " قال الزجاج : هو جمع تابع ، يقال : تابع ، وتبع ، مثل : غائب ، وغيب ، والمعنى : تبعناكم فيما دعوتمونا إليه .

قوله تعالى : " فهل أنتم مغنون عنا " أي : دافعون عنا " من عذاب الله من شيء " قال القادة : " لو هدانا الله " أي : لو أرشدنا في الدنيا لأرشدناكم ، يريدون : أن الله أضلنا فدعوناكم إلى الضلال ، " سواء علينا أجزعنا أم صبرنا " قال ابن زيد : إن أهل النار قال بعضهم لبعض : تعالوا نبكي ونضرع ، فإنما أدرك أهل الجنة الجنة ببكائهم وتضرعهم ، فبكوا وتضرعوا ، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم ، قالوا : تعالوا نصبر ، فإنما أدرك أهل الجنة الجنة بالصبر ، فصبروا صبرا لم ير مثله قط ، فلم ينفعهم ذلك ، فعندها قالوا : " سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " . وروى مالك بن أنس عن زيد بن أسلم قال : جزعوا مائة سنة ، وصبروا مائة سنة . وقال مقاتل : جزعوا خمس مائة عام ، وصبروا خمس مائة عام . وقد شرحنا معنى المحيص في سورة (النساء :121)


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #325  
قديم 31-08-2022, 12:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ
الحلقة (325)
صــ 357 إلى صــ 364




وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم وأدخل [ ص: 357 ] الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام قوله تعالى : " وقال الشيطان " قال المفسرون : يعني به إبليس ، " لما قضي الأمر " أي : فرغ منه ، فدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، فحينئذ يجتمع أهل النار باللوم على إبليس ، فيقوم فيما بينهم خطيبا ويقول : " إن الله وعدكم وعد الحق " أي : وعدكم كون هذا اليوم فصدقكم " ووعدتكم " أنه لا يكون " فأخلفتكم " الوعد " وما كان لي عليكم من سلطان " أي : ما أظهرت لكم حجة على ما ادعيت . وقال بعضهم : ما كنت أملككم فأكرهكم " إلا أن دعوتكم " وهذا من الاستثناء المنقطع ، والمعنى : لكن دعوتكم " فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم " حيث أجبتموني من غير برهان ، " ما أنا بمصرخكم " أي : بمغيثكم " وما أنتم بمصرخي " أي : بمغيثي . قرأ حمزة " بمصرخي " فحرك الياء إلى الكسر ، وحركها الباقون إلى الفتح . قال قطرب : هي لغة في بني يربوع ، يعني : قراءة حمزة . قال اللغويون : يقال : استصرخني فلان فأصرخته ، أي : استغاثني فأغثته . " إني كفرت " اليوم بإشراككم إياي في الدنيا مع الله في الطاعة ، " إن الظالمين " يعني : المشركين .

قوله تعالى : " بإذن ربهم " أي : بأمر ربهم . وقوله : " تحيتهم فيها سلام " قد ذكرناه في (يونس :10) .
ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون

قوله تعالى : " ألم تر كيف ضرب الله مثلا " قال المفسرون : ألم تر بعين [ ص: 358 ] قلبك فتعلم بإعلامي إياك كيف ضرب الله مثلا ، أي : بين شبها ، " كلمة طيبة " قال ابن عباس : هي شهادة أن لا إله إلا الله . " كشجرة طيبة " أي : طيبة الثمرة ، فترك ذكر الثمرة اكتفاء بدلالة الكلام عليه .

وفي هذه الشجرة ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها النخلة ، وهو في " الصحيحين " من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال ابن مسعود ، وأنس بن مالك ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك في آخرين .

والثاني : أنها شجرة في الجنة ، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس .

والثالث : أنها المؤمن ، وأصله الثابت أنه يعمل في الأرض ويبلغ عمله السماء . وقوله : " تؤتي أكلها كل حين " فالمؤمن يذكر الله كل ساعة من النهار ، رواه عطية عن ابن عباس .

قوله تعالى : " أصلها ثابت " أي : في الأرض ، " وفرعها " أعلاها عال " في السماء " أي : نحو السماء ، وأكلها : ثمرها ، وفي الحين ها هنا ستة أقوال :

[ ص: 359 ] أحدها : أنه ثمانية أشهر ، قال علي عليه السلام .

والثاني : ستة أشهر ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وعكرمة ، وقتادة .

والثالث : أنه بكرة وعشية ، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس .

والرابع : أنه السنة ، روي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال مجاهد ، وابن زيد .

والخامس : أنه شهران ، قاله سعيد بن المسيب .

والسادس : أنه غدوة وعشية وكل ساعة ، قاله ابن جرير .

فمن قال : ثمانية أشهر ، أشار إلى مدة حملها باطنا وظاهرا ، ومن قال : ستة أشهر ، فهي مدة حملها إلى حين صرامها ، ومن قال : بكرة وعشية ، أشار إلى الاجتناء منها ، ومن قال : سنة ، أشار إلى أنها لا تحمل في السنة إلا مرة ، ومن قال : شهران ، فهو مدة صلاحها . قال ابن المسيب : لا يكون في النخلة أكلها إلا شهرين . ومن قال : كل ساعة ، أشار إلى أن ثمرتها تؤكل دائما . قال قتادة : تؤكل ثمرتها في الشتاء والصيف . قال ابن جرير : الطلع في الشتاء من أكلها ، والبلح والبسر والرطب والتمر في الصيف .

فأما الحكمة في تمثيل الإيمان بالنخلة ، فمن أوجه :

أحدها : أنها شديدة الثبوت ، فشبه ثبات الإيمان في قلب المؤمن بثباتها .

والثاني : أنها شديدة الارتفاع ، فشبه ارتفاع عمل المؤمن بارتفاع فروعها .

والثالث : أن ثمرتها تأتي في كل حين ، فشبه ما يكسب المؤمن من بركة الإيمان وثوابه في كل وقت بثمرتها المجتناة في كل حين على اختلاف صنوفها ، فالمؤمن كلما قال : لا إله إلا الله ، صعدت إلى السماء ، ثم جاءه خيرها ومنفعتها .

[ ص: 360 ] والرابع : أنها أشبه الشجر بالإنسان ، فإن كل شجرة يقطع رأسها تتشعب غصونها من جوانبها ، إلا هي ، إذا قطع رأسها يبست ، ولأنها لاتحمل حتى تلقح ، ولأنها فضلة تربة آدم عليه السلام فيما يروى .
ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار

قوله تعالى : " ومثل كلمة خبيثة " قال ابن عباس : هي الشرك .

وقوله: " كشجرة خبيثة " فيها خمسة أقوال :

أحدها : أنها الحنظلة ، رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبه قال أنس ، ومجاهد .

والثاني : أنها الكافر ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وروى العوفي عنه أنه قال : الكافر لا يقبل عمله ، ولا يصعد إلى الله تعالى ، فليس له أصل في الأرض ثابت ، ولا فرع في السماء .

والثالث : أنها الكشوثى ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والرابع : أنه مثل ، وليست بشجرة مخلوقة ، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس .

[ ص: 361 ] والخامس : أنها الثوم ، روي عن ابن عباس أيضا .

قوله تعالى : " اجتثت " قال ابن قتيبة : استؤصلت وقطعت . قال الزجاج : ومعنى اجتثثت الشيء في اللغة : أخذت جثته بكمالها .

وفي قوله : " ما لها من قرار " قولان :

أحدهما : ما لها من أصل ، لم تضرب في الأرض عرقا .

والثاني : ما لها من ثبات .

ومعنى تشبيه الكافر بهذه الشجرة أنه لا يصعد للكافر عمل صالح ، ولا قول طيب ، ولا لقوله أصل ثابت .
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء

قوله تعالى : " يثبت الله الذين آمنوا " أي : يثبتهم على الحق بالقول الثابت ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله .

قوله تعالى : " في الحياة الدنيا وفي الآخرة " فيه قولان :

أحدهما : أن الحياة الدنيا : زمان الحياة على وجه الأرض ، والآخرة : زمان المساءلة في القبر ، وإلى هذا المعنى ذهب البراء بن عازب ، وفيه أحاديث تعضده .

والثاني : أن الحياة الدنيا : زمن السؤال في القبر ، والآخرة : السؤال في القيامة ، وإلى هذا المعنى ذهب طاووس ، وقتادة . قال المفسرون : هذه الآية وردت في فتنة القبر ، وسؤال الملكين ، وتلقين الله تعالى للمؤمنين كلمة الحق عند السؤال ، وتثبيته إياه على الحق . " ويضل الله الظالمين " يعني : المشركين ، يضلهم عن هذه الكلمة ، " ويفعل الله ما يشاء " من هداية المؤمن وإضلال الكافر .
[ ص: 362 ] ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار

قوله تعالى : " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا " في المشار إليهم سبعة أقوال :

أحدها : أنهم الأفجران من قريش : بنو أمية ، وبنو المغيرة ، روي عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب .

والثاني : أنهم منافقو قريش ، رواه أبو الطفيل عن علي .

والثالث : بنو أمية ، وبنو المغيرة ، ورؤساء أهل بدر الذين ساقوا أهل بدر إلى بدر ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والرابع : أهل مكة ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك .

والخامس : المشركون من أهل بدر ، قاله مجاهد ، وابن زيد .

والسادس : أنهم الذين قتلوا ببدر من كفار قريش ، قاله سعيد بن جبير ، وأبو مالك .

والسابع : أنها عامة في جميع المشركين ، قاله الحسن . قال المفسرون : وتبديلهم نعمة الله كفرا ، أن الله أنعم عليهم برسوله ، وأسكنهم حرمه ، فكفروا بالله وبرسوله ، ودعوا قومهم إلى الكفر به ، فذلك قوله : " وأحلوا قومهم دار البوار " أي : الهلاك . ثم فسر الدار بقوله : " جهنم يصلونها " أي : يقاسون حرها " وبئس القرار " أي : بئس المقر هي .
وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار

[ ص: 363 ] قوله تعالى : " وجعلوا لله أندادا " قد بيناه في سورة (البقرة :22) ، واللام في " ليضلوا " لام العاقبة ، وقد سبق شرحها (يونس :88) ، ومن قرأ " ليضلوا " بضم الياء ، أراد : ليضلوا الناس عن دين الله .

قوله تعالى : " قل تمتعوا " أي : في حياتكم الدنيا ، وهذا وعيد لهم . قال ابن عباس : لو كان الكافر مريضا لا ينام ، جائعا لا يأكل ولا يشرب ، لكان هذا نعيما يتمتع به بالقياس إلى ما يصير إليه من العذاب ، ولو كان المؤمن في أنعم عيش ، لكان بؤسا عندما يصير إليه من نعيم الآخرة .
قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم

قوله تعالى : " قل لعبادي الذين آمنوا " أسكن ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ياء " عبادي " .

قوله تعالى : " يقيموا الصلاة " قال ابن الأنباري : معناه : قل لعبادي : [ ص: 364 ] أقيموا الصلاة وأنفقوا ، يقيموا وينفقوا ، فحذف الأمران ، وترك الجوابان ، قال الشاعر :


فأي امرئ أنت أي امرئ إذا قيل في الحرب من يقدم


أراد : إذا قيل : من يقدم تقدم . ويجوز أن يكون المعنى : قل لعبادي أقيموا الصلاة ، وأنفقوا ، فصرف عن لفظ الأمر إلى لفظ الخبر . ويجوز أن يكون المعنى : قل لهم ليقيموا الصلاة ، ولينفقوا ، فحذف لام الأمر ، لدلالة " قل " عليها . قال ابن قتيبة : والخلال مصدر خاللت فلانا خلالا ومخالة ، والاسم الخلة ، وهي الصداقة .

قوله تعالى : " وسخر لكم الأنهار " أي : ذللها ، تجري حيث تريدون ، وتركبون فيها حيث تشاؤون . " وسخر لكم الشمس والقمر " لتنتفعوا بهما وتستضيئوا بضوئهما " دائبين " في إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره ، لا يفتران . ومعنى الدؤوب : مرور الشيء في العمل على عادة جارية فيه . " وسخر لكم الليل " لتسكنوا فيه ، راحة لأبدانكم ، " والنهار " لتنتفعوا بمعاشكم ، " وآتاكم من كل ما سألتموه " وفيه خمسة أقوال :

أحدها : أن المعنى : من كل الذي سألتموه ، قاله الحسن ، وعكرمة .

والثاني : من كل ما سألتموه ، لو سألتموه ، قاله الفراء .

والثالث : وآتاكم من كل شيء سألتموه شيئا ، فأضمر الشيء ، كقوله : وأوتيت من كل شيء [النمل :23] أي : من كل شيء في زمانها شيئا ، قاله الأخفش .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #326  
قديم 31-08-2022, 12:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ
الحلقة (326)
صــ 365 إلى صــ 372




والرابع : من كل ما سألتموه وما لم تسألوه ، لأنكم لم تسألوا شمسا ولا قمرا [ ص: 365 ] ولا كثيرا من النعم التي ابتدأكم بها ، فاكتفي بالأول من الثاني ، كقوله : سرابيل تقيكم الحر [النحل :81] ، قاله ابن الأنباري .

الخامس : على قراءة ابن مسعود ، وأبي رزين ، والحسن ، وعكرمة ، وقتادة ، وأبان عن عاصم ، وأبي حاتم عن يعقوب : " من كل ما " بالتنوين من غير إضافة ، فالمعنى : آتاكم من كل ما لم تسألوه ، قاله قتادة ، والضحاك .

قوله تعالى : " وإن تعدوا نعمة الله " أي : إنعامه " لا تحصوها " لا تطيقوا الإتيان على جميعها بالعد لكثرتها . " إن الإنسان " قال ابن عباس : يريد أبا جهل . وقال الزجاج : الإنسان اسم للجنس يقصد به الكافر خاصة .

قوله تعالى : " لظلوم كفار " الظلوم هاهنا : الشاكر غير من أنعم عليه ، والكفار : الجحود لنعم الله تعالى .

قوله تعالى : " اجعل هذا البلد آمنا " قد سبق تفسيره في سورة (البقرة :126) .

قوله تعالى : " واجنبني وبني " أي : جنبني وإياهم ، والمعنى : ثبتني على اجتناب عبادتها . " رب إنهن أضللن كثيرا من الناس " يعني : الأصنام ، وهي لا توصف بالإضلال ولا بالفعل ، ولكنهم لما ضلوا بسببها ، كانت كأنها أضلتهم . " فمن تبعني " أي : على ديني التوحيد " فإنه مني " أي : فهو على ملتي ، " ومن عصاني فإنك غفور رحيم " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : ومن عصاني ثم تاب فإنك غفور رحيم ، قاله السدي .

والثاني : ومن عصاني فيما دون الشرك ، قاله مقاتل بن حيان .

والثالث : ومن عصاني فكفر فإنك غفور رحيم أن تتوب عليه فتهديه إلى التوحيد ، قاله مقاتل بن سليمان . وقال ابن الأنباري : يحتمل أن يكون دعا بهذا قبل أن يعلمه الله تعالى أنه لا يغفر الشرك كما استغفر لأبيه .
[ ص: 366 ] ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون

قوله تعالى : " ربنا إني أسكنت من ذريتي " في " من " قولان :

أحدهما : أنها للتبعيض ، قاله الأخفش ، والفراء .

والثاني : أنها للتوكيد . والمعنى : أسكنت ذريتي ، ذكره ابن الأنباري .

قوله تعالى : بواد غير ذي زرع يعني : مكة ، ولم يكن فيها حرث ولا ماء عند " بيتك المحرم " إنما سمي محرما ، لأنه يحرم استحلال محرماته والاستخفاف بحقه .

فإن قيل : ما وجه قوله : " عند بيتك المحرم " ولم يكن هناك بيت حينئذ ، إنما بناه إبراهيم بعد ذلك بمدة ؟

فالجواب من ثلاثة وجوه :

أحدها : أن الله تعالى حرم موضع البيت منذ خلق السموات والأرض ، قاله ابن السائب .

والثاني : عند بيتك الذي كان قبل أن يرفع أيام الطوفان .

والثالث : عند بيتك الذي قد جرى في سابق علمك أنه يحدث هاهنا ذكرهما ابن جرير . وكان أبو سليمان الدمشقي يقول : ظاهر الكلام يدل على أن هذا الدعاء إنما كان بعد أن بني البيت وصارت مكة بلدا . والمفسرون على خلاف ما قال . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن إبراهيم خرج من الشام ومعه ابنه إسماعيل وأمه هاجر ومعه جبريل حتى قدم مكة وبها ناس يقال لهم : العماليق ، خارجا من [ ص: 367 ] مكة ، والبيت يومئذ ربوة حمراء ، فقال إبراهيم لجبريل : أهاهنا أمرت أن أضعهما ؟ قال : نعم ; فأنزلهما في مكان من الحجر ، وأمر هاجر أن تتخذ فيه عريشا ، ثم قال : " ربنا إني أسكنت من ذريتي . . . " الآية . وفتح أهل الحجاز وأبو عمرو ياء " إني أسكنت " .

قوله تعالى : " ربنا ليقيموا الصلاة " في متعلق هذه اللام قولان :

أحدهما : أنها تتعلق بقوله : " واجنبني وبني أن نعبد الأصنام " فالمعنى : جنبهم الأصنام ليقيموا الصلاة ، هذا قول مقاتل .

والثاني : أنها تتعلق بقوله : " أسكنت " فالمعنى : أسكنتهم عند بيتك ليقيموا الصلاة ، لأن البيت قبلة الصلوات ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى : " فاجعل أفئدة من الناس " أي : قلوب جماعة من الناس . قال ابن الأنباري : وإنما عبر عن القلوب بالأفئدة ، لقرب القلب من الفؤاد ومجاورته ، قال امرؤ القيس :


رمتني بسهم أصاب الفؤاد غداة الرحيل فلم أنتصر


وقال آخر :
كأن فؤادي كلما مر راكب جناح غراب رام نهضا إلى وكر


وقال آخر :


وإن فؤادا قادني لصبابة إليك على طول الهوى لصبور


يعنون : بالفؤاد : القلب .

قوله تعالى : " تهوي إليهم " قال ابن عباس : تحن إليهم ، وقال قتادة : [ ص: 368 ] تنزع إليهم . وقال الفراء : تريدهم ، كما تقول : رأيت فلانا يهوي نحوك ، أي : يريدك . وقرأ بعضهم : " تهوى إليهم " بمعنى : تهواهم ، كقوله : ردف لكم [النمل :72] . أي : ردفكم . و " إلى " توكيد للكلام . وقال ابن الأنباري : " تهوي إليهم " : تنحط إليهم وتنحدر .

وفي معنى هذا الميل قولان :

أحدهما : أنه الميل إلى الحج ، قاله الأكثرون .

والثاني : أنه حب سكنى مكة ، رواه عطية عن ابن عباس . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لو كان إبراهيم قال : فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ، لحجه اليهود والنصارى ، ولكنه قال : من الناس .
ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء

قوله تعالى : " ربنا إنك تعلم ما نخفي " قال أبو صالح عن ابن عباس : ما نخفي من الوجد بمفارقة إسماعيل ، وما نعلن من الحب له . قال المفسرون : إنما قال هذا لما نزل إسماعيل الحرم ، وأراد فراقه .
الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء

قوله تعالى : " الحمد لله الذي وهب لي على الكبر " أي : بعد الكبر " إسماعيل وإسحاق " قال ابن عباس : ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين ، وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة .

[ ص: 369 ] قوله تعالى : " ربنا وتقبل دعائي " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، وهبيرة ، عن حفص عن عاصم : " وتقبل دعائي " بياء في الوصل . وقال البزي عن ابن كثير : يصل ويقف بياء . وقال قنبل عن ابن كثير : يشم الياء في الوصل ، ولا يثبتها ، ويقف عليها بالألف . الباقون " دعاء " بغير ياء في الحالين . قال أبو علي : الوقف والوصل بياء هو القياس ، والإشمام جائز ، لدلالة الكسرة على الياء .
ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب

قوله تعالى : " ربنا اغفر لي ولوالدي " قال ابن الأنباري : استغفر لأبويه وهما حيان ، طمعا في أن يهديا إلى الإسلام . وقيل : أراد بوالديه : آدم وحواء . وقرأ ابن مسعود ، وأبي ، والنخعي ، والزهري : " ولولدي " يعني : إسماعيل وإسحاق، يدل عليه ذكرهما قبل ذلك . وقرأ مجاهد : " ولوالدي " علي التوحيد . وقرأ عاصم الجحدري : " ولولدي " بضم الواو . وقرأ يحيى بن يعمر ، والجوني : " ولولدي " بفتح الواو وكسر الدال على التوحيد . " يوم يقوم الحساب " أي : يظهر الجزاء على الأعمال . وقيل : معناه : يوم يقوم الناس للحساب ، فاكتفي بذكر الحساب من ذكر الناس إذ كان المعنى مفهوما .
ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء

قوله تعالى : " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون " قال ابن عباس : هذا وعيد للظالم ، وتعزية للمظلوم .

[ ص: 370 ] قوله تعالى : " إنما يؤخرهم " وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو رزين ، وقتادة ، " نؤخرهم " بالنون ، أي : يؤخر جزاءهم " ليوم تشخص فيه الأبصار " أي : تشخص أبصار الخلائق لظهور الأحوال فلا تغتمض .

قوله تعالى : " مهطعين " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن الإهطاع : النظر من غير أن يطرف الناظر ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، والضحاك ، وأبو الضحى .

والثاني : أنه الإسراع ، قاله الحسن ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وأبو عبيدة . وقال ابن قتيبة : يقال : أهطع البعير في سيره ، واستهطع : إذا أسرع .

وفي ما أسرعوا إليه قولان : أحدهما : إلى الداعي ، قاله قتادة . والثاني : إلى النار ، قاله مقاتل .

والثالث : أن المهطع : الذي لا يرفع رأسه ، قاله ابن زيد .

وفي قوله : " مقنعي رءوسهم " قولان :

أحدهما : رافعي رؤوسهم ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وأبو عبيدة ، وأنشد أبو عبيدة :


أنغض نحوي رأسه وأقنعا كأنما أبصر شيئا أطمعا


وقال ابن قتيبة : المقنع رأسه : الذي رفعه وأقبل بطرفه على ما بين يديه . وقال الزجاج : رافعي رؤوسهم ، ملتصقة بأعناقهم . و " مهطعين مقنعي رءوسهم " نصب على الحال ، المعنى : ليوم تشخص فيه أبصارهم مهطعين .

[ ص: 371 ] والثاني : ناكسي رؤوسهم ، حكاه الماوردي عن المؤرج .

قوله تعالى : " لا يرتد إليهم طرفهم " أي : لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة النظر ، فهي شاخصة . قال ابن قتيبة : والمعنى : أن نظرهم إلى شيء واحد . وقال الحسن : وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء ، لا ينظر أحد إلى أحد .

قوله تعالى : " وأفئدتهم هواء " الأفئدة : مساكن القلوب .

وفي معنى الكلام أربعة أقوال :

أحدها : أن القلوب خرجت من مواضعها فصارت في الحناجر ، رواه عطاء عن ابن عباس . وقال قتادة : خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم ، فأفئدتهم هواء ليس فيها شيء .

والثاني : وأفئدتهم ليس فيها شيء من الخير ، فهي كالخربة ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثالث : وأفئدتهم منخرقة لا تعي شيئا ، قاله مرة بن شراحبيل . وقال الزجاج : متخرقة لا تعي شيئا من الخوف .

والرابع : وأفئدتهم جوف لا عقول لها ، قاله أبو عبيدة ، وأنشد لحسان :


ألا أبلغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء


فعلى هذا يكون المعنى : أن قلوبهم خلت عن العقول ، لما رأوا من الهول . والعرب تسمي كل أجوف خاو : هواء . قال ابن قتيبة : ويقال أفئدتهم منخوبة من الخوف والجبن .
[ ص: 372 ] وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال

قوله تعالى : " وأنذر الناس " أي : خوفهم " يوم يأتيهم العذاب " يعني به : يوم القيامة ; وإنما خصه بذكر العذاب ، وإن كان فيه ثواب ، لأن الكلام خرج مخرج التهديد للعصاة . قال ابن عباس : يريد بالناس هاهنا : أهل مكة .

قوله تعالى : " فيقول الذين ظلموا " أي : أشركوا " ربنا أخرنا إلى أجل قريب " أي : أمهلنا مدة يسيرة . وقال مقاتل : سألوا الرجوع إلى الدنيا ، لأن الخروج من الدنيا قريب . " نجب دعوتك " يعني : التوحيد ، فيقال لهم : " أولم تكونوا أقسمتم من قبل " أي : حلفتم في الدنيا أنكم لا تبعثون ولا تنتقلون من الدنيا إلى الآخرة .
وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال

قوله تعالى : " وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم " أي : نزلتم في أماكنهم وقراهم ، كالحجر ومدين ، والقرى التي عذب أهلها . ومعنى " ظلموا أنفسهم " أي : ضروها بالكفر والمعصية . " وتبين لكم " وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو المتوكل الناجي " وتبين " بضم التاء . " كيف فعلنا بهم " يعني : كيف عذبناهم ، يقول : فكان ينبغي لكم أن تنـزجروا عن المخالفة اعتبارا بمساكنهم بعدما علمتم فعلنا بهم ، " وضربنا لكم الأمثال " قال ابن عباس : يريد الأمثال التي في القرآن .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #327  
قديم 31-08-2022, 12:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ الْحِجْرِ

الحلقة (327)
صــ 373 إلى صــ 380






[ ص: 373 ] وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام

قوله تعالى : " وقد مكروا مكرهم " في المشار إليهم أربعة أقوال :

أحدها : أنه نمرود الذي حاج إبراهيم في ربه ، قال : لا أنتهي حتى أنظر إلى السماء ، فأمر بفرخي نسر فربيا حتى سمنا واستعلجا ، ثم أمر بتابوت فنحت ، ثم جعل في وسطه خشبة ، وجعل على رأس الخشبة لحما شديد الحمرة ، ثم جوعهما وربط أرجلهما بأوتار إلى قوائم التابوت . ودخل هو وصاحب له في التابوت وأغلق بابه ، ثم أرسلهما ، فجعلا يريدان اللحم ، فصعدا في السماء ما شاء الله ، ثم قال لصاحبه : افتح وانظر ماذا ترى ؟ ففتح ، فقال : أرى الأرض كأنها الدخان ، فقال له : أغلق ، ثم صعد ما شاء الله ، ثم قال : افتح فانظر ، ففتح ، فقال : ما أرى إلا السماء ، وما نزداد منها إلا بعدا ، قال : فصوب خشبتك ، فصوبها ، فانقضت النسور تريد اللحم ، فسمعت الجبال هدتها ، فكادت تزول عن مراتبها . هذا قول علي بن أبي طالب . وفي رواية عنه : كانت النسور أربعة . وروى السدي عن أشياخه : أنه مازال يصعد إلى أن رأى الأرض يحيط بها بحر ، فكأنها فلكة في ماء ، ثم صعد حتى وقع في ظلمة ، فلم ير ما فوقه ولم ير ما تحته ، ففزع ، فصوب اللحم ، فانقضت النسور ، فلما نزل أخذ في بناء الصرح . ثم صعد منه مع النسور ، فلما لم يقدر على السماء ، اتخذه حصنا ، فأتى الله بنيانه من القواعد . وقال عكرمة : كان معه في التابوت غلام قد حمل القوس والنشاب ، فرمى بسهم فعاد إليه ملطخا بالدم ، فقال : كفيت إله السماء ، وذلك من دم سمكة في بحر معلق في الهواء ، فلما هاله الارتفاع ، [ ص: 374 ] قال لصاحبه : صوب الخشبة ، فصوبها ، فانحطت النسور ، فظنت الجبال أنه أمر نزل من السماء فزالت عن مواضعها . وقال غيره : لما رأت الجبال ذلك ، ظنت أنه قيام الساعة ، فكادت تزول ، وإلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير ، وأبو مالك .

والقول الثاني : أنه بختنصر ، وأن هذه القصة له جرت ، وأن النسور لما ارتفعت تطلب اللحم إلى حيث شاء الله ، نودي : يا أيها الطاغية ، أين تريد ؟ ففرق ، ثم سمع الصوت فوقه ، فنزل ، فلما رأت الجبال ذلك ، ظنت أنه قيام الساعة فكادت تزول ، وهذا قول مجاهد .

والثالث : أن المشار إليهم الأمم المتقدمة . قال ابن عباس ، وعكرمة : مكرهم : شركهم .

والرابع : أنهم الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين هموا بقتله وإخراجه .

وفي قوله : " وعند الله مكرهم " قولان :

أحدهما : أنه محفوظ عنده حتى يجازيهم به ، قاله الحسن ، وقتادة . والثاني : وعند الله جزاء مكرهم .

قوله تعالى : " وإن كان مكرهم " وقرأ أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وأبي ، وابن عباس ، وعكرمة ، وأبو العالية : " وإن كاد مكرهم " بالدال . " لتزول منه الجبال " . وقرأ الأكثرون " لتزول " بكسر اللام الأولى من " لتزول " وفتح الثانية . أراد : وما كان مكرهم لتزول منه الجبال ، أي : هو أضعف وأوهن ، كذلك فسرها الحسن البصري . وقرأ الكسائي " لتزول " بفتح اللام الأولى وضم الثانية ، أراد : قد كادت الجبال تزول من مكرهم ، كذلك فسرها ابن الأنباري .

وفي المراد بالجبال قولان :

أحدهما : أنها الجبال المعروفة ، قاله الجمهور .

والثاني : أنها ضربت مثلا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وثبوت دينه كثبوت الجبال [ ص: 375 ] الراسية ، والمعنى : لو بلغ كيدهم إلى إزالة الجبال ، لما زال أمر الإسلام ، قاله الزجاج . قال أبو علي : ويدل على صحة هذا قوله : " فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله " أي : فقد وعدك الظهور عليهم . قال ابن عباس : يريد بوعده : النصر والفتح وإظهار الدين . " إن الله عزيز " أي : منيع " ذو انتقام " من الكافرين ، وهو أن يجازيهم بالعقوبة على كفرهم .
يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار

قوله تعالى : " يوم تبدل الأرض غير الأرض " وروى أبان " يوم نبدل " بالنون وكسر الدال " الأرض " بالنصب ، " والسموات " بخفض التاء ، ولا خلاف في نصب " غير " .

وفي معنى تبديل الأرض قولان :

أحدهما : أنها تلك الأرض ، وإنما يزاد فيها وينقص منها ، وتذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها ، وتمد مد الأديم ، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس . وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " يوم تبدل الأرض غير الأرض " قال : يبسطها ويمدها مد الأديم " .

[ ص: 376 ] والثاني : أنها تبدل بغيرها . ثم فيه أربعة أقوال : أحدها : أنها تبدل بأرض غيرها بيضاء كالفضة لم يعمل عليها خطيئة ، رواه عمرو بن ميمون عن ابن مسعود ، وعطاء عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد . والثاني : أنها تبدل نارا ، قاله أبي بن كعب . والثالث : أنها تبدل بأرض من فضة ، قاله أنس بن مالك . والرابع : تبدل بخبزة بيضاء ، فيأكل المؤمن من تحت قدميه ، قاله أبو هريرة ، وسعيد بن جبير ، والقرظي . وقال غيرهم : يأكل منها أهل الإسلام حتى يفرغ من حسابهم .

فأما تبديل السموات ، ففيه ستة أقوال :

أحدها : أنها تجعل من ذهب ، قاله علي عليه السلام . والثاني : أنها تصير جنانا ، قاله أبي بن كعب . والثالث : أن تبديلها : تكوير شمسها وتناثر نجومها ، قاله ابن عباس . والرابع : أن تبديلها : اختلاف أحوالها ، فمرة كالمهل ، ومرة تكون كالدهان ، قاله ابن الأنباري . والخامس : أن تبديلها أن تطوى كطي السجل للكتاب . والسادس : أن تنشق فلا تظل ، ذكرهما الماوردي .

قوله تعالى : " وبرزوا لله الواحد القهار " أي : خرجوا من القبور .
وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب

قوله تعالى : " وترى المجرمين " يعني : الكفار " مقرنين " يقال : قرنت الشيء إلى الشيء : إذا وصلته به .

[ ص: 377 ] وفي معنى " مقرنين " ثلاثة أقوال :

أحدها : أنهم يقرنون مع الشياطين ، قاله ابن عباس . والثاني : أن أيديهم وأرجلهم قرنت إلى رقابهم ، قاله ابن زيد . والثالث : يقرن بعضهم إلى بعض ، قاله ابن قتيبة .

وفي الأصفاد ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها الأغلال ، قاله ابن عباس ، وابن زيد ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة ، والزجاج ، وابن الأنباري . والثاني : القيود والأغلال ، قاله قتادة . والثالث : القيود ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

فأما السرابيل ، فقال أبو عبيدة : هي القمص ، واحدها سربال . وقال الزجاج : السربال : كل ما لبس . وفي القطران ثلاث لغات : فتح القاف وكسر الطاء ، وفتح القاف مع تسكين الطاء ، وكسر القاف مع تسكين الطاء .

وفي معناه قولان :

أحدهما : أنه النحاس المذاب ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثاني : أنه قطران الإبل ، قاله الحسن ، وهو شيء يتحلب من شجر تهنأ به الإبل . قال الزجاج : وإنما جعل لهم القطران ، لأنه يبالغ في اشتعال النار في الجلود ، ولو أراد الله تعالى المبالغة في إحراقهم بغير ذلك لقدر ، ولكنه حذرهم ما يعرفون حقيقته . وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، وأبو مجلز ، وعكرمة ، وقتادة ، وابن أبي عبلة ، وأبو حاتم عن يعقوب : " من قطر " بكسر القاف وسكون الطاء والتنوين " آن " بقطع الهمزة وفتحها ومدها . والقطر : النحاس ، وآن قد انتهى حره .

[ ص: 378 ] قوله تعالى : " وتغشى وجوههم النار " أي : تعلوها . واللام في " ليجزي " متعلقة بقوله : " وبرزوا " .
هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب

قوله تعالى : " هذا بلاغ للناس " في المشار إليه قولان :

أحدهما : أنه القرآن . والثاني : الإنذار . والبلاغ : الكفاية . قال مقاتل : والمراد بالناس : أهل مكة .

قوله تعالى : " ولينذروا به " أي : أنزل لينذروا به ، وليعلموا بما فيه من الحجج " أنما هو إله واحد ، وليذكر " أي : وليتعظ " أولو الألباب " .
سُورَةُ الْحِجْرِ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ

قَوْلُهُ تَعَالَى : " الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ " قَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ [يُونُسَ :1] .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَقُرْآنٍ مُبِينٍ " فِيهِ قَوْلَانِ :

أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْقُرْآنَ : هُوَ الْكِتَابُ ، جُمِعَ لَهُ بَيْنَ الْاسْمَيْنِ .

وَالثَّانِي : أَنَّ الْكِتَابَ : هُوَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ ، وَالْقُرْآنَ : كِتَابُنَا . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ يُوسُفَ مَعْنَى الْمُبِينِ .
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين

قوله تعالى : " ربما " وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي " ربما " مشددة . وقرأ نافع ، وعاصم ، وعبد الوارث " ربما " بالتخفيف . قال الفراء : أسد وتميم يقولون : " ربما " بالتشديد ، وأهل الحجاز وكثير من قيس يقولون : " ربما " بالتخفيف . وتيم الرباب يقولون : " ربما " بفتح الراء . وقيل : إنما قرئت بالتخفيف ، لما فيها من التضعيف ، والحروف [ ص: 380 ] المضاعفة قد تحذف ، نحو " إن " و " لكن " فإنهم قد خففوها . قال الزجاج : يقولون : رب رجل جاءني ، ورب رجل جاءني ، وأنشد :


أزهير إن يشب القذال فإنني رب هيضل مرس لففت بهيضل


هذا البيت لأبي كبير الهذلي ، وفي ديوانه :

رب هيضل لجب لففت بهيضل

والهيضل : جمع هيضلة ، وهي الجماعة يغزى بهم ، يقول : لففتهم بأعدائهم في القتال . و " رب " كلمة موضوعة للتقليل ، كما أن " كم " للتكثير ، وإنما زيدت " ما " مع " رب " ليليها الفعل ، تقول : رب رجل جاءني ، وربما جاءني زيد . وقال الأخفش : أدخل مع " رب " ما ، ليتكلم بالفعل بعدها ، وإن شئت جعلت " ما " بمنزلة " شيء " ، فكأنك قلت : رب شيء ، أي : رب ود يوده الذين كفروا . وقال أبو سليمان الدمشقي : " ما " هاهنا بمعنى " حين " فالمعنى : رب حين يودون فيه .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #328  
قديم 31-08-2022, 12:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ الْحِجْرِ
الحلقة (328)
صــ 381 إلى صــ 388





واختلف المفسرون متى يقع هذا من الكفار ، على قولين :

أحدهما : أنه في الآخرة . ومتى يكون ذلك ؟ فيه أربعة أقوال : أحدها : أنه إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا : بلى ، قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم ، وقد صرتم معنا في النار ؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها ; فسمع الله ما قالوا ، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا ، فلما رأى ذلك الكفار ، قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما أخرجوا ، رواه أبو موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 381 ] وذهب إليه ابن عباس في رواية وأنس بن مالك ، ومجاهد ، وعطاء ، وأبو العالية ، وإبراهيم . والثاني : أنه ما يزال الله يرحم ويشفع حتى يقول : من كان من المسلمين فليدخل الجنة ، فذلك حين يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ، رواه مجاهد عن ابن عباس . والثالث : أن الكفار إذا عاينوا القيامة ، ودوا لو كانوا مسلمين ، ذكره الزجاج . والرابع : أنه كلما رأى أهل الكفر حالا من أحوال القيامة يعذب فيها الكافر ويسلم من مكروهها المؤمن ، ودوا ذلك ، ذكره ابن الأنباري .

والقول الثاني : أنه في الدنيا ، إذا عاينوا وتبين لهم الضلال من الهدى وعلموا مصيرهم ، ودوا ذلك ، قاله الضحاك .

فإن قيل : إذا قلتم : إن " رب " للتقليل ، وهذه الآية خارجة مخرج الوعيد ، فإنما يناسب الوعيد تكثير ما يتواعد به ، فعنه ثلاثة أجوبة ذكرهما ابن الأنباري :

أحدهن : أن " ربما " تقع على التقليل والتكثير ، كما يقع الناهل على العطشان والريان ، والجون على الأسود والأبيض .

والثاني : أن أهوال القيامة وما يقع بهم من الأهوال تكثر عليهم ، فإذا عادت إليهم عقولهم ، ودوا ذلك .

[ ص: 382 ] والثالث : أن هذا الذي خوفوا به ، لو كان مما يود في حال واحدة من أحوال العذاب ، أو كان الإنسان يخاف الندم إذا حصل فيه ولا يتيقنه ، لوجب عليه اجتنابه .

فإن قيل : كيف جاء بعد " ربما " مستقبل ، وسبيلها أن يأتي بعدها الماضي ، تقول : ربما لقيت عبد الله ؟

فالجواب : أن ما وعد الله حق ، فمستقبله بمنزلة الماضي ، يدل عليه قوله : وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم [المائدة :116] وقوله : ونادى أصحاب الجنة [الأعراف :44] ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت [سبإ :51] ، على أن الكسائي والفراء حكيا عن العرب أنهم يقولون : ربما يندم فلان ، قال الشاعر :


ربما تجزع النفوس من الأمـ ـر له فرجة كحل العقال
ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون

قوله تعالى : " ذرهم يأكلوا " أي : دع الكفار يأخذوا حظوظهم في الدنيا ، " ويلههم الأمل " أي : ويشغلهم ما يأملون في الدنيا عن أخذ حظهم من الإيمان والطاعة " فسوف يعلمون " إذا وردوا القيامة وبال ما صنعوا ، وهذا وعيد وتهديد ، وهذه الآية عند المفسرين منسوخة بآية السيف .
وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون

قوله تعالى : " وما أهلكنا من قرية " أي : ما عذبنا من أهل قرية " إلا [ ص: 383 ] ولها كتاب معلوم " أي : أجل مؤقت لا يتقدم ولا يتأخر عنه . " ما تسبق من أمة أجلها " " من " صلة ، والمعنى : ما تتقدم وقتها الذي قدر لها بلوغه ، ولا تستأخر عنه . قال الفراء : إنما قال : " أجلها " لأن الأمة لفظها مؤنث ، وإنما قال : " يستأخرون " إخراجا له على معنى الرجال .
وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين

قوله تعالى : " وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر " قال مقاتل : نزلت في عبد الله بن أبي أمية ، والنضر بن الحارث ، ونوفل بن خويلد ، والوليد بن المغيرة . قال ابن عباس : والذكر : القرآن . وإنما قالوا هذا استهزاء ، لو أيقنوا أنه نزل عليه الذكر ، ما قالوا : " إنك لمجنون " . قال أبو علي الفارسي : وجواب هذه الآية في سورة أخرى في قوله : ما أنت بنعمة ربك بمجنون [القلم :2] .

قوله تعالى : " لو ما تأتينا " قال الفراء : " لوما " و " لولا " لغتان معناهما : هلا ، وكذلك قال أبو عبيدة : هما بمعنى واحد ، وأنشد لابن مقبل :


لوما الحياء ولوما الدين عبتكما ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري


قال المفسرون : إنما سألوا الملائكة ليشهدوا له بصدقه ، وأن الله أرسله ، فأجابهم الله تعالى بقوله : " ما ننـزل الملائكة إلا بالحق " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر " ما تنـزل " بالتاء المفتوحة " الملائكة " بالرفع . وروى أبو بكر [ ص: 384 ] عن عاصم " ما تنـزل " بضم التاء على ما لم يسم فاعله . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وخلف " ما ننـزل " بالنون والزاي المشددة " الملائكة " نصبا .

وفي المراد بالحق أربعة أقوال :

أحدها : أنه العذاب إن لم يؤمنوا ، قاله الحسن . والثاني : الرسالة ، قاله مجاهد . والثالث : قبض الأرواح عند الموت ، قاله ابن السائب . والرابع : أنه القرآن ، حكاه الماوردي .

قوله تعالى : " وما كانوا " يعني : المشركين " إذا منظرين " أي : عند نزول الملائكة إذا نزلت .
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون

قوله تعالى : " إنا نحن نزلنا الذكر " من عادة الملوك إذا فعلوا شيئا ، قال أحدهم : نحن فعلنا ، يريد نفسه وأتباعه ، ثم صار هذا عادة للملك في خطابه ، وإن انفرد بفعل الشيء ، فخوطبت العرب بما تعقل من كلامها . والذكر : القرآن ، في قول جميع المفسرين .

وفي هاء " له " قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى الذكر ، قاله الأكثرون . قال قتادة : أنزله الله ثم حفظه ، فلا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلا ، ولا ينقص منه حقا .

والثاني : أنها ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمعنى : " وإنا له لحافظون " من الشياطين والأعداء ، لقولهم : " إنك لمجنون " ، هذا قول ابن السائب، ومقاتل .
ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين

قوله تعالى : " ولقد أرسلنا من قبلك " يعني : رسلا فحذف المفعول ، [ ص: 385 ] لدلالة الإرسال عليه . والشيع : الفرق ، وحكي عن الفراء أنه قال : الشيعة : الأمة المتابعة بعضها بعضا فيما يجتمعون عليه من أمر .
وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون

قوله تعالى : " وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون " هذا تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : إن كل نبي قبلك كان مبتلى بقومه كما ابتليت .
كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين

قوله تعالى : " كذلك نسلكه " في المشار إليه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه الشرك ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وابن زيد .

والثاني : أنه الاستهزاء ، قاله قتادة .

والثالث : التكذيب ، قاله ابن جريج ، والفراء .

ومعنى الآية : كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأولين ، ندخل في قلوب هؤلاء التكذيب فلا يؤمنوا . ثم أخبر عن هؤلاء المشركين ، فقال : " لا يؤمنون به " . وفي المشار إليه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه الرسول . والثاني : القرآن . والثالث : العذاب .

قوله تعالى : " وقد خلت سنة الأولين " فيه قولان :

أحدهما : مضت سنة الله في إهلاك المكذبين .

والثاني : مضت سنتهم بتكذيب الأنبياء .
ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون

[ ص: 386 ] قوله تعالى : " ولو فتحنا عليهم بابا من السماء " يعني : كفار مكة " فظلوا فيه يعرجون " أي : يصعدون ، يقال : ظل يفعل كذا : إذا فعله بالنهار .

وفي المشار إليهم بهذا الصعود قولان :

أحدهما : أنهم الملائكة ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، فالمعنى : لو كشف عن أبصار هؤلاء فرأوا بابا مفتوحا في السماء والملائكة تصعد فيه ، لما آمنوا به .

والثاني : أنهم المشركون ، قاله الحسن ، وقتادة ، فيكون المعنى : لو وصلناهم إلى صعود السماء ، لم يستشعروا إلا الكفر ، لعنادهم .

قوله تعالى : " لقالوا إنما سكرت أبصارنا " قرأ الأكثرون بتشديد الكاف . وقرأ ابن كثير ، وعبد الوارث بتخفيفها . قال الفراء : ومعنى القراءتين متقارب ، والمعنى : حبست ، من قولهم : سكرت الريح : إذا سكنت وركدت . وقال أبو عمرو بن العلاء : معنى " سكرت " بالتخفيف ، مأخوذ من سكر الشراب ، يعني : أن الأبصار حارت ، ووقع بها من فساد النظر مثل ما يقع بالرجل السكران من تغير العقل ، قال ابن الأنباري : إذا كان هذا كان معنى التخفيف ، فسكرت ، بالتشديد ، يراد به وقوع هذا الأمر مرة بعد مرة . وقال أبو عبيد : " سكرت " بالتشديد ، من السكور التي تمنع الماء الجرية ، فكأن هذه الأبصار منعت من النظر كما يمنع السكر الماء من الجري . وقال الزجاج : " سكرت " بالتشديد ، فسروها : أغشيت ، و " سكرت " بالتخفيف : تحيرت وسكنت عن أن تنظر ، والعرب تقول : سكرت الريح تسكر : إذا سكنت . وروى العوفي عن ابن عباس : " إنما سكرت أبصارنا " قال : أخذ بأبصارنا وشبه علينا ، وإنما سحرنا . وقال مجاهد : " سكرت " سدت بالسحر ، فيتماثل لأبصارنا غير ما ترى .
[ ص: 387 ] ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين

قوله تعالى : " ولقد جعلنا في السماء بروجا " في البروج ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها بروج الشمس والقمر ، أي : منازلها ، قاله ابن عباس وأبو عبيدة في آخرين . قال ابن قتيبة : وأسماؤها : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت .

والثاني : أنها قصور ، روي عن ابن عباس أيضا . وقال عطية : هي قصور في السماء فيها الحرس . وقال ابن قتيبة : أصل البروج : الحصون .

والثالث : أنها الكواكب ، قاله مجاهد ، وقتادة ، ومقاتل . قال أبو صالح : هي النجوم العظام . قال قتادة : سميت بروجا ، لظهورها .

قوله تعالى : " وزيناها " أي : حسناها بالكواكب .

وفي المراد بالناظرين قولان : أحدهما : أنهم المبصرون . والثاني : المعتبرون .

قوله تعالى : " وحفظناها من كل شيطان رجيم " أي : حفطناها أن يصل إليها شيطان أو يعلم من أمرها شيئا إلا استراقا ، ثم يتبعه الشهاب . والرجيم مشروح في (آل عمران :36) .

واختلف العلماء : هل كانت الشياطين ترمى بالنجوم قبل مبعث نبينا صلى الله عليه وسلم ، أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : أنها لم ترم حتى بعث صلى الله عليه وسلم ، وهذا المعنى : مذكور في رواية [ ص: 388 ] سعيد بن جبير عن ابن عباس . وقد أخرج في " الصحيحين " من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأرسلت عليهم الشهب " ، وظاهر هذا الحديث أنها لم تكن قبل ذلك . قال الزجاج : ويدل على أنها إنما كانت بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن شعراء العرب الذين يمثلون بالبرق والأشياء المسرعة لم يوجد في أشعارها ذكر الكواكب المنقضة ، فلما حدثت بعد مولد نبينا صلى الله عليه وسلم استعملت الشعراء ذكرها ، فقال ذو الرمة :


كذا كوكب في إثر عفرية مسوم في سواد الليل منقضب


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #329  
قديم 31-08-2022, 12:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ الْحِجْرِ
الحلقة (329)
صــ 389 إلى صــ 396




والثاني : أنه قد كان ذلك قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ، فروى مسلم في " صحيحه " [ ص: 389 ] من حديث علي بن الحسين عن ابن عباس قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه ، إذ رمي بنجم ، فاستنار ، فقال : " ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا في الجاهلية " ؟ قالوا : كنا نقول : يموت عظيم ، أو يولد عظيم ، قال : " فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ، ولكن ربنا إذا قضى أمرا ، سبح حملة العرش ، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء ، ثم يستخبر أهل السماء السابعة حملة العرش : ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ، ثم يستخبر أهل كل سماء أهل سماء ، حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء ، وتخطف الجن ويرمون ، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون " . وروي عن ابن عباس أن الشياطين كانت لا تحجب عن السموات ، فلما ولد عيسى ، منعت من ثلاث سماوات ، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منعوا من السموات كلها . وقال الزهري : قد كان يرمى بالنجوم قبل مبعث رسول الله ، ولكنها غلظت حين بعث صلى الله عليه وسلم ، وهذا مذهب ابن قتيبة ، قال : وعلى هذا وجدنا الشعر القديم ، قال بشر بن أبي خازم ، وهو جاهلي :


والعير يرهقها الغبار وجحشها ينقض خلفهما انقضاض الكوكب


وقال أوس بن حجر ، وهو جاهلي :

[ ص: 390 ]
فانقض كالدريء يتبعه نقع يثور تخاله طنبا


قوله تعالى : " إلا من استرق السمع " أي : اختطف ما سمعه من كلام الملائكة . قال ابن فارس : استرق السمع : إذا سمع مستخفيا . " فأتبعه " أي : لحقه " شهاب مبين " قال ابن قتيبة : كوكب مضيء . وقيل : " مبين " بمعنى : ظاهر يراه أهل الأرض . وإنما يسترق الشيطان ما يكون من أخبار الأرض ، فأما وحي الله عز وجل ، فقد صانه عنهم .

واختلفوا ، هل يقتل الشهاب ، أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : أنه يحرق ويخبل ولا يقتل ، قاله ابن عباس ، ومقاتل .

والثاني : أنه يقتل ، قاله الحسن . فعلى هذا القول ، هل يقتل الشيطان قبل أن يخبر بما سمع ، فيه قولان :

أحدهما : أنه يقتل قبل ذلك ، فعلى هذا ، لا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء . قال ابن عباس : ولذلك انقطعت الكهانة .

والثاني : أنه يقتل بعد إلقائه ما سمع إلى غيره من الجن ، ولذلك يعودون إلى الاستراق ، ولو لم يصل ، لقطعوا الاستراق .
والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين

قوله تعالى : " والأرض مددناها " أي : بسطناها على وجه الماء " وألقينا فيها رواسي " وهي الجبال الثوابت " وأنبتنا فيها " في المشار إليه قولان :

أحدهما : أنها الأرض ، قاله الأكثرون . والثاني : الجبال ، قاله الفراء .

[ ص: 391 ] وفي قوله : " من كل شيء موزون " قولان :

أحدهما : أن الموزون : المعلوم ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، والضحاك . وقال مجاهد ، وعكرمة في آخرين : الموزون : المقدور . فعلى هذا يكون المعنى : معلوم القدر كأنه قد وزن ، لأن أهل الدنيا لما كانوا يعلمون قدر الشيء بوزنه ، أخبر الله تعالى عن هذا أنه معلوم القدر عنده بأنه موزون . وقال الزجاج : المعنى : أنه جرى على وزن من قدر الله تعالى ، لا يجاوز ما قدره الله تعالى عليه ، ولا يستطيع خلق زيادة فيه ولا نقصانا .

والثاني : أنه عنى به الشيء الذي يوزن كالذهب ، والفضة ، والرصاص ، والحديد ، والكحل ، ونحو ذلك ، وهذا المعنى مروي عن الحسن ، وعكرمة ، وابن زيد ، وابن السائب ، واختاره الفراء .

قوله تعالى : " وجعلنا لكم فيها معايش " في المشار إليهما قولان :

أحدهما : أنها الأرض .

والثاني : أنها الأشياء التي أنبتت . والمعايش جمع معيشة . والمعنى : جعلنا لكم فيها أرزاقا تعيشون بها .

وفي قوله تعالى : " ومن لستم له برازقين " أربعة أقوال :

أحدها : أنه الدواب والأنعام ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد .

والثاني : الوحوش ، رواه منصور عن مجاهد . وقال ابن قتيبة : الوحش ، والطير ، والسباع ، وأشباه ذلك مما لا يرزقه ابن آدم .

والثالث : العبيد والإماء ، قاله الفراء .

والرابع : العبيد ، والأنعام ، والدواب ، قاله الزجاج . قال الفراء : و " من " [ ص: 392 ] في موضع نصب ، فالمعنى : جعلنا لكم فيها المعايش ، والعبيد ، والإماء . ويقال : إنها في موضع خفض ، فالمعنى : جعلنا لكم فيها معايش ولمن لستم له برازقين . وقال الزجاج : المعنى : جعلنا لكم الدواب ، والعبيد ، وكفيتم مؤونة أرزاقها .

فإن قيل : كيف قلتم : إن " من " هاهنا للوحوش والدواب ، وإنما تكون لمن يعقل ؟

فالجواب : أنه لما وصفت الوحوش وغيرها بالمعاش الذي الغالب عليه أن يوصف به الناس ، فيقال : للآدمي معاش ، ولا يقال : للفرس معاش ، جرت مجرى الناس ، كما قال : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم [النمل :18] ، وقال : رأيتهم لي ساجدين [يوسف :4] ، وقال : كل في فلك يسبحون [الأنبياء :33] ، وإن قلنا : أريد به العبيد ، والوحوش ، فإنه إذا اجتمع الناس وغيرهم غلب الناس على غيرهم ، لفضيلة العقل والتمييز .
وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم

قوله تعالى : " وإن من شيء " أي : وما من شيء " إلا عندنا خزائنه " وهذا الكلام عام في كل شيء . وذهب قوم من المفسرين إلى أن المراد به المطر خاصة ، فالمعنى عندهم : وما من شيء من المطر إلا عندنا خزائنه . أي : في حكمنا وتدبيرنا ، " وما ننزله " كل عام " إلا بقدر معلوم " لا يزيد ولا ينقص ، فما من عام أكثر مطرا من عام ، غير أن الله تعالى يصرفه إلى من يشاء ، ويمنعه من يشاء .
وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون

[ ص: 393 ] قوله تعالى : " وأرسلنا الرياح لواقح " وقرأ حمزة ، وخلف : " الريح " . وكان أبو عبيدة يذهب إلى أن " لواقح " بمعنى ملاقح ، فسقطت الميم منه ، قال الشاعر :


ليبك يزيد بائس لضراعة وأشعث ممن طوحته الطوائح


أراد : المطاوح فحذف الميم ، فمعنى الآية عنده : وأرسلنا الرياح ملقحة ، فيكون ها هنا فاعل بمعنى مفعل ، كما أتى فاعل بمعنى مفعول ، كقوله : ماء دافق [الطارق :6] أي : مدفوق ، و " عيشة راضية " [الحاقة :21 والقارعة :7] أي : مرضية ، وكقولهم : ليل نائم ، أي : منوم فيه ، ويقولون : أبقل النبت ، فهو باقل ، أي : مبقل . قال ابن قتيبة : يريد أبو عبيدة أنها تلقح الشجر ، وتلقح السحاب كأنها تنتجه . ولست أدري ما اضطره إلى هذا التفسير بهذا الاستكراه وهو يجد العرب تسمي الرياح لواقح ، والريح لاقحا ، قال الطرماح ، وذكر بردا مده على أصحابه في الشمس يستظلون به :


قلق لأفنان الريا ح للاقح منها وحائل


فاللاقح : الجنوب ، والحائل : الشمال ، ويسمون الشمال أيضا : عقيما ، والعقيم : التي لا تحمل ، كما سموا الجنوب لاقحا ، قال كثير :

ومر بسفساف التراب عقيمها

يعني : الشمال . وإنما جعلوا الريح لاقحا ، أي : حاملا ، لأنها تحمل السحاب [ ص: 394 ] وتقلبه وتصرفه ، ثم تحله فينـزل ، فهي على هذا حامل ، ويدل على هذا قوله : حتى إذا أقلت سحابا [الأعراف :57 ] أي : حملت . قال ابن الأنباري : شبه ما تحمله الريح من الماء وغيره ، بالولد التي تشتمل عليه الناقة ، وكذلك يقولون : حرب لاقح ، لما تشتمل عليه من الشر ، فعلى قول أبي عبيدة ، يكون معنى " لواقح " : أنها ملقحة لغيرها ، وعلى قول ابن قتيبة : أنها لاقحة نفسها ، وأكثر الأحاديث تدل على القول الأول . قال عبد الله بن مسعود : يبعث الله الرياح لتلقح السحاب ، فتحمل الماء ، فتمجه ثم تمريه ، فيدر كما تدر اللقحة . وقال الضحاك : يبعث الله الرياح على السحاب فتلقحه فيمتلئ ماء . قال النخعي : تلقح السحاب ولا تلقح الشجر . وقال الحسن في آخرين : تلقح السحاب والشجر ، يعنون أنها تلقح السحاب حتى يمطر والشجر حتى يثمر .

قوله تعالى : " فأنزلنا من السماء " يعني السحاب " ماء " يعني المطر " فأسقيناكموه " أي : جعلناه سقيا لكم . قال الفراء : العرب مجتمعون على أن يقولوا : سقيت الرجل ، فأنا أسقيه : إذا سقيته لشفته ، فإذا أجروا للرجل نهرا [قالوا : أسقيته وسقيته ، وكذلك السقيا من الغيث ، قالوا فيها : سقيت وأسقيت] . وقال أبو عبيدة : كل ما كان من السماء ، ففيه لغتان : أسقاه الله ، وسقاه الله ، قال لبيد :

[ ص: 395 ]
سقى قومي بني مجد وأسقى نميرا والقبائل من هلال


فجاء باللغتين . وتقول : سقيت الرجل ماء وشرابا من لبن وغيره ، وليس فيه إلا لغة واحدة بغير ألف ، إذا كان في الشفة ; وإذا جعلت له شربا ، فهو : أسقيته ، وأسقيت أرضه ، وإبله ، ولا يكون غير هذا ، وكذلك إذا استسقيت له ، كقول ذي الرمة :


وقفت على رسم لمية ناقتي فما زلت أبكي عنده وأخاطبه


وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبه


فإذا وهبت له إهابا ليجعله سقاء ، فقد أسقيته إياه .

قوله تعالى : وما أنتم له " يعني : الماء المنزل " بخازنين " وفيه قولان :

أحدهما : بحافظين ، أي : ليست خزائنه بأيديكم ، قاله مقاتل .

والثاني : بمانعين ، قاله سفيان الثوري .

قوله تعالى : " ونحن الوارثون " يعني : أنه الباقي بعد فناء الخلق .
ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم

قوله تعالى : " ولقد علمنا المستقدمين منكم " يقال : استقدم الرجل ، بمعنى : تقدم ، واستأخر ، بمعنى : تأخر .

وفي سبب نزولها قولان :

[ ص: 396 ] أحدهما : أن امرأة حسناء كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان بعضهم يستقدم حتى يكون في أول صف لئلا يراها ، ويتأخر بعضهم حتى يكون في آخر صف ، فإذا ركع نظر من تحت إبطه ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس .

والثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم حرض على الصف الأول ، فازدحموا عليه ، وقال قوم بيوتهم قاصية عن المدينة : لنبيعن دورنا ، ولنشترين دورا قريبة من المسجد حتى ندرك الصف المتقدم ، فنزلت هذه الآية ; ومعناها : إنما تجزون على النيات ، فاطمأنوا وسكنوا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

وللمفسرين في معنى المستقدمين والمستأخرين ثمانية أقوال :

أحدها : التقدم في الصف الأول ، والتأخر عنه ، وهذا على القولين المذكورين في سبب نزولها ، فعلى الأول : هو التقدم للتقوى ، والتأخر للخيانة بالنظر ، وعلى الثاني : هو التقدم لطلب الفضيلة ، والتأخر للعذر .

والثاني : أن المستقدمين : من مات ، والمستأخرين : من هو حي لم يمت ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وخصيف عن مجاهد ، وبه قال عطاء ، والضحاك ، والقرظي .

والثالث : أن المستقدمين : من خرج من الخلق وكان . والمستأخرين : الذين في أصلاب الرجال ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #330  
قديم 31-08-2022, 12:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ الْحِجْرِ
الحلقة (330)
صــ 397 إلى صــ 404




[ ص: 397 ] والرابع : أن المستقدمين : من مضى من الأمم ، والمستأخرين : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد .

والخامس : أن المستقدمين : المتقدمون في الخير ، والمستأخرين : المثبطون عنه ، قاله الحسن ، وقتادة .

والسادس : أن المستقدمين : في صفوف القتال ، والمستأخرين عنها ، قاله الضحاك .

والسابع : أن المستقدمين : من قتل في الجهاد ، والمستأخرين : من لم يقتل ، قاله القرظي .

والثامن : أن المستقدمين : أول الخلق ، والمستأخرين : آخر الخلق ، قاله الشعبي .
ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين

قوله تعالى : " ولقد خلقنا الإنسان " يعني آدم " من صلصال " وفيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه الطين اليابس الذي لم تصبه نار ، فإذا نقرته صل ، فسمعت له صلصلة ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة .

والثاني : أنه الطين المنتن ، قاله مجاهد ، والكسائي ، وأبو عبيد . ويقال : صل اللحم : إذا تغيرت رائحته .

والثالث : أنه طين خلط برمل ، فصار له صوت عند نقره ، قاله الفراء .

فأما الحمأ ، فقال أبو عبيدة : هو جمع حمأة ، وهو الطين المتغير . وقال ابن الأنباري : لا خلاف أن الحمأ : الطين الأسود المتغير الريح . وروى السدي عن أشياخه قال : بل التراب حتى صار طينا ، ثم ترك حتى أنتن وتغير .

[ ص: 398 ] وفي المسنون أربعة أقوال :

أحدها : المنتن أيضا ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وقتادة في آخرين . قال ابن قتيبة : المسنون : المتغير الرائحة .

والثاني : أنه الطين الرطب ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثالث : أنه المصبوب ، قاله أبو عمرو بن العلاء ، وأبو عبيد .

والرابع : أنه المحكوك ، ذكره ابن الأنباري ، قال : فمن قال : المسنون : المنتن ، قال : هو من قولهم : قد تسنى الشيء : إذا أنتن ، ومنه قوله تعالى : لم يتسنه [البقرة :259] ، وإنما قيل له : مسنون ، لتقادم السنين عليه . ومن قال : الطين الرطب ، قال : سمي مسنونا ، لأنه يسيل وينبسط ، فيكون كالماء المسنون المصبوب . ومن قال : المصبوب ، احتج بقول العرب : قد سننت علي الماء : إذا صببته . ويجوز أن يكون المصبوب على صورة ومثال ، من قوله : رأيت سنة وجهه ، أي : صورة وجهه ، قال الشاعر :


تريك سنة وجه غير مقرفة ملساء ليس بها خال ولا ندب


ومن قال : المحكوك ، احتج بقول العرب : سننت الحجر على الحجر : إذا حككته عليه . وسمي المسن مسنا ، لأن الحديد يحك عليه . قال : وإنما كررت " من " لأن الأولى متعلقة بـ " خلقنا " والثانية متعلقة بالصلصال ، تقديره : ولقد خلقنا الإنسان من الصلصال الذي هو من حمإ مسنون .

قوله تعالى : " والجان " فيه ثلاثة أقوال :

[ ص: 399 ] أحدها : أنه مسيخ الجن ، كما أن القردة والخنازير مسيخ الإنس ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثاني : أنه أبو الجن ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . وروى عنه الضحاك أنه قال : الجان أبو الجن ، وليسوا بشياطين ، والشياطين ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس ، والجن يموتون ، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر .

والثالث : أنه إبليس ، قاله الحسن ، وعطاء ، وقتادة ، ومقاتل .

فإن قيل : أليس أبو الجن هو إبليس ؟ فعنه جوابان :

أحدهما : أنه هو ، فيكون هذا القول هو الذي قبله .

والثاني : أن الجان أبو الجن ، وإبليس أبو الشياطين ، فبينهما إذا فرق على ما ذكرناه عن ابن عباس . قال العلماء : وإنما سمي جانا ، لتواريه عن العيون .

قوله تعالى : " من قبل " يعني : قبل خلق آدم " من نار السموم " ، [ ص: 400 ] وقال ابن مسعود : من نار الريح الحارة ، وهي جزء من سبعين جزءا من نار جهنم . والسموم في اللغة : الريح الحارة وفيها نار ، قال ابن السائب : وهي نار لا دخان لها .
فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط علي مستقيم

قوله تعالى : " فإذا سويته " أي : عدلت صورته ، وأتممت خلقته " ونفخت فيه من روحي " هذه الروح هي التي يحيا بها الإنسان ، ولا تعلم ماهيتها، وإنما أضافها إليه ، تشريفا لآدم ، وهذه إضافة ملك . وإنما سمي إجراء الروح فيه نفخا ، لأنها جرت في بدنه على مثل جري الريح فيه .

قوله تعالى : " فقعوا " أمر من الوقوع . وقوله : " كلهم أجمعون " قال فيه سيبويه والخليل : هو توكيد بعد توكيد . وقال المبرد: " أجمعون " يدل على اجتماعهم في السجود ، فالمعنى : سجدوا كلهم في حالة واحدة . قال ابن الأنباري : [ ص: 401 ] وهذا ، لأن " كلا " تدل على اجتماع القوم في الفعل ، ولا تدل على اجتماعهم في الزمان . قال الزجاج : وقول سيبويه أجود ، لأن " أجمعين " معرفة ، ولا تكون حالا

قوله تعالى : " وإن عليك اللعنة " قال المفسرون : معناه : يلعنك أهل السماء والأرض إلى يوم الحساب . قال ابن الأنباري : وإنما قال : " إلى يوم الدين " لأنه يوم له أول وليس له آخر ، فجرى مجرى الأبد الذي لا يفنى ، والمعنى : عليك اللعنة أبدا .

قوله تعالى : " إلى يوم الوقت المعلوم " يعني : المعلوم بموت الخلائق فيه ، فأراد أن يذيقه ألم الموت قبل أن يذيقه العذاب الدائم في جهنم .

قوله تعالى : " لأزينن لهم في الأرض " مفعول التزيين محذوف ، والمعنى : لأزينن لهم الباطل حتى يقعوا فيه . " ولأغوينهم " أي : ولأضلنهم . والمخلصون : الذين أخلصوا دينهم لله عن كل شائبة تناقض الإخلاص . وما أخللنا به من الكلمات هاهنا فقد سبق تفسيرها في (الأعراف :16) وغيرها .

قوله تعالى : " قال هذا صراط علي مستقيم " اختلوا في معنى هذا الكلام على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه يعني بقوله هذا : الإخلاص ، فالمعنى : إن الإخلاص طريق إلي مستقيم ، و " علي " بمعنى " إلي " .

والثاني : هذا طريق علي جوازه ، لأني بالمرصاد ، فأجازيهم بأعمالهم ; وهو خارج مخرج الوعيد ، كما تقول للرجل تخاصمه : طريقك علي ، فهو كقوله : إن ربك لبالمرصاد [الفجر :14] .

والثالث : هذا صراط علي استقامته ، أي : أنا ضامن لاستقامته بالبيان [ ص: 402 ] والبرهان . وقرأ قتادة ، ويعقوب : " هذا صراط علي " بكسر اللام ورفع الياء وتنوينها ، أي : رفيع .
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم

قوله تعالى : " إن عبادي " فيهم أربعة أقوال :

أحدها : أنهم المؤمنون . والثاني : المعصومون ، رويا عن قتادة . والثالث : المخلصون ، قاله مقاتل . والرابع : المطيعون ، قاله ابن جرير . فعلى هذه الأقوال ، تكون الآية من العام الذي أريد به الخاص .

وفي المراد بالسلطان قولان :

أحدهما : أنه الحجة ، قاله ابن جرير ، فيكون المعنى : ليس لك حجة في إغوائهم .

والثاني : أنه القهر والغلبة ; إنما له أن يغر ويزين ، قاله أبو سليمان الدمشقي . وسئل سفيان بن عيينة عن هذه الآية ، فقال : ليس لك عليهم سلطان أن تلقيهم في ذنب يضيق عفوي عنه .

قوله تعالى : " وإن جهنم لموعدهم أجمعين " يعني : الذين اتبعوه .

قوله تعالى : " لها سبعة أبواب " وهي دركاتها بعضها فوق بعض ، قال علي عليه السلام : أبواب جهنم ليست كأبوابكم هذه ، ولكنها هكذا وهكذا وهكذا بعضها فوق بعض ، ووصف الراوي عنه بيده وفتح أصابعه . قال ابن جرير : لها سبعة أبواب ، أولها جهنم ، ثم لظى ، ثم الحطمة ، ثم السعير ، ثم سقر ، ثم [ ص: 403 ] الجحيم ، ثم الهاوية . وقال الضحاك : هي سبعة أدراك بعضها فوق بعض ، فأعلاها فيه أهل التوحيد يعذبون على قدر ذنوبهم ثم يخرجون ، والثاني فيه النصارى ، والثالث فيه اليهود ، والرابع فيه الصائبون ، والخامس فيه المجوس ، والسادس فيه مشركو العرب ، والسابع فيه المنافقون . قال ابن الأنباري : لما اتصل العذاب بالباب ، وكان الباب من سببه ، سمي باسمه للمجاورة ، كتسميتهم الحدث غائطا .

قوله تعالى : " لكل باب منهم " أي : من أتباع إبليس " جزء مقسوم " والجزء : بعض الشيء .
إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين

قوله تعالى : " إن المتقين في جنات وعيون " قد شرحنا في (سورة البقرة 2و25) معنى التقوى والجنات . فأما العيون ، فهي عيون الماء ، والخمر ، والسلسبيل ، والتسنيم ، وغير ذلك مما ذكر أنه من شراب الجنة .

قوله تعالى : " ادخلوها بسلام " المعنى : يقال لهم : ادخلوها بسلام ، وفيه ثلاثة أقوال :

أحدها : بسلامة من النار . والثاني : بسلامة من كل آفة . والثالث : بتحية من الله .

وفي قوله " آمنين " أربعة أقوال :

أحدها : آمنين من عذاب الله . والثاني : من الخروج . والثالث : من الموت . والرابع : من الخوف والمرض .

قوله تعالى : " ونزعنا ما في صدورهم من غل " قد ذكرنا تفسيرها في سورة [ ص: 404 ] (الأعراف :43) فإن المفسرين ذكروا ما هناك هاهنا من تفسير وسبب نزول .

قوله تعالى : " إخوانا " منصوب على الحال ، والمعنى : أنهم متوادون .

فإن قيل : كيف نصب " إخوانا " على الحال ، فأوجب ذلك أن التآخي وقع مع نزع الغل ، وقد كان التآخي بينهم في الدنيا ؟

فقد أجاب عنه ابن الأنباري ، فقال : ما مضى من التآخي قد كان تشوبه ضغائن وشحناء ، وهذا التآخي بينهم الموجود عند نزع الغل هو تآخي المصافاة والإخلاص ، ويجوز أن ينتصب على المدح ، المعنى : اذكر إخوانا . فأما السرر ، فجمع سرير ، قال ابن عباس : على سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت ، السرير مثل ما بين عدن إلى أيلة ، " متقابلين " لا يرى بعضهم قفا بعض حيثما التفت رأى وجها يحبه يقابله .

قوله تعالى : " لا يمسهم فيها نصب " أي : لا يصيبهم في الجنة إعياء وتعب .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 393.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 387.68 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.54%)]