فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام - الصفحة 20 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191126 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 660 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 941 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1093 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 837 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 922 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92819 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #191  
قديم 30-09-2022, 06:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 191)

من صــ 261 الى صـ 270





ومن هذا الباب أسماء الله وصفاته التي يسمى ويوصف العباد بما يشبهها كالحي والعليم والقدير ونحو ذلك. وكذلك اسم الزكاة هو بالمعنى العام كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل معروف صدقة} ولهذا ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {على كل مسلم صدقة} وأما الزكاة المالية المفروضة فإنما تجب على بعض المسلمين في بعض الأوقات والزكاة المقارنة للصلاة تشاركها في أن كل مسلم عليه صدقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق قالوا: فإن لم يستطع؟ قال: يعين صانعا أو يصنع لأخرق قالوا فإن لم يستطع؟ قال: يكف نفسه عن الشر}.
وأما قوله في الحديث الصحيح حديث أبي ذر وغيره: {على كل سلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة} فهذا - إن شاء الله - كتضمن هذه الأعمال نفع الخلائق فإنه بمثل هذا العمل يحصل الرزق والنصر والهدى فيكون ذلك من الصدقة على الخلق. ثم إن هذه الأعمال هي من جنس الصلاة وجنس الصلاة الذي ينتفع به الغير يتضمن المعنيين الصلاة والصدقة ألا ترى أن الصلاة على الميت صلاة وصدقة؟ وكذلك كل دعاء للغير واستغفار مع أن الدعاء للغير دعاء للنفس أيضا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب بدعوة إلا وكل الله به ملكا كلما دعا له بدعوة قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل}.

وقال:
فصل:
قول الناس: الآدمي جبار ضعيف أو فلان جبار ضعيف؛ فإن ضعفه يعود إلى ضعف قواه من قوة العلم والقدرة وأما تجبره فإنه يعود إلى اعتقاداته وإراداته أما اعتقاده فأن يتوهم في نفسه أنه أمر عظيم فوق ما هو ولا يكون ذلك وهذا هو الاختيال والخيلاء والمخيلة وهو أن يتخيل عن نفسه ما لا حقيقة له. ومما يوجب ذلك مدحه بالباطل نظما ونثرا وطلبه للمدح الباطل فإنه يورث هذا الاختيال. وأما الإرادة فإرادة أن يتعظم ويعظم وهو إرادة العلو في الأرض والفخر على الناس وهو أن يريد من العلو ما لا يصلح له أن يريده وهو الرئاسة والسلطان حتى يبلغ به الأمر إلى مزاحمة الربوبية كفرعون ومزاحمة النبوة وهذا موجود في جنس العلماء والعباد والأمراء وغيرهم.
وكل واحد من الاعتقاد والإرادة يستلزم جنس الآخر؛ فإن من تخيل أنه عظيم أراد ما يليق بذلك الاختيال ومن أراد العلو في الأرض فلا بد أن يتخيل عظمة نفسه وتصغير غيره حتى يطلب ذلك ففي الإرادة يتخيله مقصودا وفي الاعتقاد يتخيله موجودا ويطلب توابعه من الإرادات.
وقد قال الله تعالى: {إن الله لا يحب كل مختال فخور} وقال النبي صلى الله عليه وسلم {الكبر بطر الحق وغمط الناس} فالفخر يشبه غمط الناس فإن كليهما تكبر على الناس. وأما بطر الحق - وهو جحده ودفعه - فيشبه الاختيال الباطل فإنه تخيل أن الحق باطل بجحده ودفعه. ثم هنا وجهان: " أحدهما " أن يجعل الاختيال وبطر الحق من باب الاعتقادات وهو أن يجعل الحق باطلا والباطل حقا فيما يتعلق بتعظيم النفس وعلو قدرها فيجحد الحق الذي يخالف هواها وعلوها ويتخيل الباطل الذي يوافق هواها وعلوها ويجعل الفخر وغمط الناس من باب الإرادات فإن الفاخر يريد أن يرفع نفسه ويضع غيره وكذلك غامط الناس. يؤيد هذا ما رواه مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إنه أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد} فبين أن التواضع المأمور به ضد البغي والفخر. {وقال في الخيلاء التي يبغضها الله: الاختيال في الفخر والبغي}. . . (1) فكان في ذلك ما دل على أن الاستطالة على الناس إن كانت بغير حق فهي بغي؛ إذ البغي مجاوزة الحد. وإن كانت بحق فهي الفخر؛ لكن يقال على هذا:
البغي يتعلق بالإرادة فلا يجوز أن يجعل هو من باب الاعتقاد وقسيمه من باب الإرادة بل البغي كأنه في الأعمال والفخر في الأقوال أو يقال: البغي بطر الحق والفخر غمط الناس. " الوجه الثاني " أن يكونا جميعا متعلقين بالاعتقاد والإرادة لكن الخيلاء غمط الحق يعود إلى الحق في نفسه الذي هو حق الله وإن لم يكن يتعلق به حق آدمي والفخر وغمط الناس يعود إلى حق الآدميين؛ فيكون التنويع لتمييز حق الآدميين مما هو حق لله لا يتعلق بالآدميين؛ بخلاف الشهوة في حال الزنا وأكل مال الغير: فلما قال سبحانه: {إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} والبخل منع النافع: قيد هذا بهذا وقد كتبت فيما قبل هذا من التعاليق: الكلام في التواضع والإحسان والكلام في التكبر والبخل.

(وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء ... (43)

قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
قال: وقوله: {أو جاء أحد منكم من الغائط}؟ فنقول: لفظ الغائط في القرآن يستعمل في معناه اللغوي وهو: المكان المطمئن من الأرض؛ وكانوا ينتابون الأماكن المنخفضة لذلك وهو الغائط كما يسمى خلاء لقصد قاضي الحاجة الموضع الخالي ويسمى مرحاضا لأجل الرحض بالماء ونحو ذلك والمجيء من الغائط اسم لقضاء الحاجة؛ لأن الإنسان في العادة إنما يجيء من الغائط إذا قضى حاجته فصار اللفظ حقيقة عرفية يفهم منها عند الإطلاق التغوط فقد يسمون ما يخرج من الإنسان غائطا تسمية للحال باسم محله كما في قوله: جرى الميزاب. ومنه قول عائشة: مرن أزواجكم يغسلن عنهن أثر الغائط.
وليس في قوله: {أو جاء أحد منكم من الغائط} استعمال اللفظ في غير معناه؛ بل المجيء من الغائط يتضمن التغوط فكنى عن ذلك المعنى باللفظ الدال على العمل الظاهر المستلزم الأمر المستور وكلاهما مراد. وهذا كثير في الكلام يذكر الملزوم ليفهم منه لازمه المدلول.

(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل (44) والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا (45) من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا (46)

فإن قيل: فقد قال تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة} إلى قوله: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين}.
وقولهم: {واسمع غير مسمع} مثل قولهم: اسمع لا سمعت واسمع غير مقبول منك لأن من لا يقصد إسماعه لا يقبل كلامه.
وقولهم {راعنا} قال قتادة وغيره: كانت اليهود تقول للنبي صلى الله عليه وسلم راعنا سمعك يستهزئون بذلك وكانت في اليهود قبيحة.
وروى الإمام أحمد عن عطية قال: كان يأتي ناس من اليهود فيقولون: راعنا سمعك حتى قالها ناس من المسلمين فكره الله لهم ما قالت اليهود.
وقال عطاء الخرساني: كان الرجل يقول: أرعنا سمعك ويلوي بذلك لسانه ويطعن في الدين.
وذكر بعض أهل التفسير أن هذه اللفظة كانت سبا قبيحا بلغة اليهود.
فهؤلاء قد سبوه صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام ولووا ألسنتهم به واستهزءوا به وطعنوا في الدين ومع ذلك فلم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم.
قلنا: عن ذلك أجوبة:أحدها: أن ذلك كان في حال ضعف الإسلام في الحال التي أخبر الله عن رسوله والمؤمنين أنهم يسمعون من الذين أوتوا الكتاب والمشركين أذى كثيرا وأمرهم بالصبر والتقوى ثم إن ذلك نسخ عند القوة بالأمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون والصاغر لا يفعل شيئا من الأذى في الوجه ومن فعله فليس بصاغر.

ثم إن من الناس من يسمي ذلك نسخا لتغير الحكم ومنهم من لا يسميه نسخا لأن الله تعالى أمرهم بالعفو والصفح إلى أن يأتي الله بأمره وقد أتى الله بأمره من عز الإسلام وإظهاره والأمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
وهذا مثل قوله تعالى: {فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد جعل الله لهن سبيلا" فبعض الناس يسمي ذلك نسخا وبعضهم لا يسميه نسخا والخلاف لفظي.
ومن الناس من يقول: الأمر بالصفح باق عند الحاجة إليه بضعف المسلم عن القتال بأن يكون في وقت أو مكان لا يتمكن منه وذلك لا يكون منسوخا إذ المنسوخ ما ارتفع في جميع الأزمنة المستقبلة.

وبالجملة فلا خلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفروضا عليه لما قوي أن يترك ما كان يعامل به أهل الكتاب والمشركين ومظهري النفاق من العفو والصفح إلى قتالهم وإقامة الحدود عليهم سمي نسخا أو لم يسم.
الجواب الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان له أن يعفو عمن سبه وليس للأمة أن تعفو عمن سبه كما قد كان يعفو عمن سبه من المسلمين مع أنه لا خلاف بين المسلمين في وجوب قتل من سبه من المسلمين.
الجواب الثالث: أن هذا ليس بإظهار للسب وإنما هو إخفاء له بمنزلة "السام عليكم" وبمنزلة ظهور النفاق في لحن القول لأنهم كانوا يظهرون أنهم يقصدون مسألته أن يسمع كلامهم وأن يراعيهم فينتظرهم حتى يقضوا كلامهم وحتى يفهموا كلامه ويأتونه على هذا الوجه ثم إنهم يلوون ألسنتهم بالكلام وينوون به الاستهزاء والسب والطعن في الدين كما يلوون ألسنتهم بالسام وينوون به الدعاء عليه بالموت واليهود أمة معروفة بالنفاق والخبث وأن تظهر خلاف ما تبطن ولكن ذلك لا يوجب إقامة الحد عليهم.
ولو كان هذا سبا ظاهرا لما كان المسلمون يخاطبون بمثل ذلك قاصدين به الخير حتى نهوا عن التكلم بكلام يحتمل الاستهزاء ويوهمه بحيث يصير سبا بالنية ودلالة الحال.
وذلك أن هذه اللفظة كانت العرب تتخاطب بها لا تقصد سبا قال عطاء: كانت لغة في الأنصار في الجاهلية وقال أبو العالية: إن مشركي العرب إذا حدث بعضهم بعضا يقول أحدهم لصاحبه: أرعني سمعك فنهو عن ذلك وكذلك قال الضحاك وذلك أن العرب تقول: أرعيته سمعي إرعاء إذا فرغته لكلامه لأنك جعلت السمع يرعى كلامه وتقول "راعيته سمعي" بهذا المعنى لكن كانت اليهود تعتقدها سبا بينها: إما لما فيه من الاشتراك فإنها كما تستعمل في استرعاء السمع تستعمل بمعنى المفاعلة كأنه قيل: راعني حتى أراعيك وهذا إنما يكون بين الأمثال والنظراء ومرتبة الرئيس أعلى من ذلك أو أن اليهود ينوون بها معنى الرعونة أو فيها طلب حفظ الكلام والاهتمام به وهذا إنما يكون من الأعلى للأسفل لأن الرعاية هي الحفظ والكلاءة ومنه استرعاء الشاة.
وقد غلبت في عرفهم ولغتهم على معنى رديء كما قيل: إنهم ينوون بها اسمع لا سمعت وبالجملة إنما يصير مثل هذا سبا بالنية ولي اللسان ونحوه فنهي المسلمون عنها حسما لمادة التشبه باليهود وتشبه اليهود بهم وجعل ذلك ذريعة إلى الاستهزاء به ولما يحتمله لفظها من قلة الأدب في مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الجواب الرابع: ما ذكره بعض أهل التفسير الذي ذكر أنها كانت سبا قبيحا بلغة اليهود قال: كان المسلمون يقولون راعنا يا رسول الله وأرعنا سمعك يعنون من المراعاة وكانت هذه اللفظة سبا قبيحا بلغة اليهود فلما سمعتها اليهود اغتنموها وقالوا فيما بينهم: كنا نسب محمدا سرا فأعلنوا له الآن بالشتم وكانوا يأتونه ويقولون: راعنا يا محمد ويضحكون فيما بينهم فسمعها سعد بن معاذ ففطن لها وكان يعرف لغتهم فقال لليهود: عليكم لعنة الله والذي نفسي بيده يا معشر اليهود لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه فقالوا: أولستم تقولنها؟ فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا} لكيلا يتخذ اليهود ذلك سبيلا إلى شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهذا القول دليل على أن اللفظة مشتركة في لغة العرب ولغة العبرانيين وأن المسلمين لم يكونوا يفهمون من اليهود إذا قالوها إلا معناها في لغتهم فلما فطنوا لمعناها في اللغة الأخرى نهوهم عن قولها وأعلموهم أن ذلك ناقض لعهدهم ومبيح لدمائهم وهذا أوضح دليل على أنهم إذا تكلموا بما يفهم منه السب حلت دماؤهم وإنما لم يستحلوا دماءهم لأن المسلمين لم يكونوا يفهمون السب والكلام في السب الظاهر وهو ما يفهم منه السب.
__________
Q (1) خرم بالأصل

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #192  
قديم 30-09-2022, 06:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 192)

من صــ 271 الى صـ 280



(ياأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا (47)
[فصل: شبهات النصارى على رسالة النبي والرد عليها]
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
فإذا عرف هذا فاحتجاج هؤلاء بالآيات التي ظنوا دلالتها على أن نبوته خاصة بالعرب، تدل على أنهم ليسوا ممن يجوز لهم الاستدلال بكلام أحد على مقصوده ومراده، وأنهم ممن قيل فيه {فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} [النساء: 78].
فليسوا أهلا أن يحتجوا بالتوراة والإنجيل والزبور على مراد الأنبياء وسائر الكلام المنقول عن الأنبياء على مراد الأنبياء عليهم السلام - بل ولا يحتجون بكلام الأطباء والفلاسفة والنحاة وعلم أهل الحساب والهيئة على مقاصدهم.

فإن الناس كلهم متفقون على أن لغة العرب من أفصح لغات الآدميين وأوضحها، ومتفقون على أن القرآن في أعلى درجات البيان والبلاغة والفصاحة، وفي القرآن من الدلالات الكثيرة على مقصود الرسول صلى الله عليه وسلم التي يذكر فيها: أن الله تعالى أرسله إلى أهل الكتاب وغيرهم ما لا يحصى إلا بكلفة، ثم مع ذلك من النقول المتواترة عن سيرته صلى الله عليه وسلم في دعائه لأهل الكتاب، وأمره لهم بالإيمان به، وجهاده لهم إذا كفروا به ما لا يخفى على من له أدنى خبرة بسيرته صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر قد امتلأ العالم به، وسمعه القاصي والداني، فإذا كان الناس المؤمن به وغير المؤمن به يعلمون أنه كان يقول: إنه رسول الله إلى أهل الكتاب، وغيرهم، وأن ظهور مقصوده بذلك مما يعلمه بالاضطرار الخاصة والعامة، ثم شرعوا يظنون أنه كان يقول: إني لم أبعث إلا إلى العرب، واستمر على ذلك حتى مات دل على فساد نظرتهم وعقلهم، أو على عنادهم ومكابرتهم، وكان الواجب إذ لم يكن له معرفة معاني هذه الآيات التي استدلوا بها على خصوص رسالته أن يعتقدوا أحد أمرين:
إما أن لها معاني توافق ما كان يقوله، أو أنها من المنسوخ فقد علمت الخاصة والعامة: أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد هجرته إلى بيت المقدس نحو سنة ونصف، ثم أمر بالصلاة إلى الكعبة البيت الحرام، والنصارى يوافقون على أن شرائع الأنبياء فيها ناسخ ومنسوخ، مع أن ما ذكروه من الآيات ليس منسوخا، ولكن المقصود: أن المعلوم من حال الرسول صلى الله عليه وسلم علما ضروريا يقينيا متواترا لا يجوز دفعه، فإن العلم بأنه كان يقول: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق معلوم لكل من عرف أخباره صلى الله عليه وسلم سواء صدقه أو كذبه، والعلم بأنه كان يقول إنه رسول الله إلى جميع الناس ممكن قبل أن يعلم أنه نبي أو ليس بنبي، كما أن العلم بنبوته وصدقه ممكن قبل أن يعلم عموم رسالته، فليس العلم بأحدهما موقوفا على الآخر، ولهذا كان كثير ممن يكذبه يعلم أنه كان يقول إنه رسول الله إلى جميع الخلق، وطائفة ممن تقر بنبوته وصدقه لا تقر بأنه رسول إلى جميع الخلق.
والمقصود هنا: الكلام مع هؤلاء بأن العلم بعموم دعوته لجميع الخلق أهل الكتاب وغيرهم هو متواتر معلوم بالاضطرار كالعلم بنفس مبعثه ودعائه الخلق إلى الإيمان به وطاعته وكالعلم بهجرته من مكة إلى المدينة، ومجيئه بهذا القرآن، والصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، وحج البيت العتيق، وإيجاب الصدق والعدل، وتحريم الظلم والفواحش، وغير ذلك مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
وإن قيل: بل في القرآن ما يقتضي أن رسالته خاصة، وفيه ما يقتضي أن رسالته عامة وهذا تناقض.
قيل: هذا باطل، ويعلم بطلانه قبل العلم بنبوته ; فإنه من المعلوم لكل أحد آمن به، أو كذبه أنه كان من أعظم الناس عقلا وسياسة وخبرة، وكان مقصوده دعوة الخلق إلى طاعته واتباعه، وكان يقرأ القرآن على جميع الناس، ويأمر بتبليغه إلى جميع الأمم، وكان من طلب منه أن يؤمنه حتى يقرأ عليه القرآن من الكفار وجب عليه أن يجيبه ولو كان مشركا، فكيف إذا كان كتابيا؟ كما قال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون} [التوبة: 6].

وكان قد أظهر أنه مبعوث إلى أهل الكتاب وسائر الخلق، وأنه رسول إلى الثقلين: الجن والإنس، فيمتنع مع هذا أن يظهر ما يدل على أنه لم يبعث إليهم، فإن هذا لا يفعله من له أدنى عقل لمناقضته لمراده، فكيف يفعله من اتفقت عقلاء الأمم على أنه أعقل الخلق وأحسنهم سياسة وشريعة؟
وأيضا فكان أصحابه والمقاتلون معه بعد ذلك ينفرون عنه، وقد كان عادتهم أن يستشكلوا ما هو دون هذا، وهذا لم يستشكله أحد، ثم بعد هذا فلو قدر أن في القرآن ما يدل على أنه لم يبعث إلا إلى العرب، وفيه ما يدل على أنه بعث إلى سائر الخلق، كان هذا دليلا على أنه أرسل إلى غيرهم بعد أن لم يرسل إلا إليهم، وأن الله عم بدعوته بعد أن كانت خاصة، فلا مناقضة بين هذا وهذا، فكيف وليس في القرآن آية واحدة تدل على اختصاص رسالته بالعرب؟ وإنما فيه إثبات رسالته إليهم، كما أن فيه إثبات رسالته إلى قريش، وليس هذا مناقضا لهذا، وفيه إثبات رسالته إلى أهل الكتاب كقوله تعالى: {ياأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا} [النساء: 47].
كما فيه إثبات رسالته إلى بني إسرائيل كقوله: يا بني إسرائيل.
وليس هذا التخصص لليهود منافيا لذلك التعميم، وفي رسالته خطاب لليهود تارة وللنصارى تارة، وليس خطابه لإحدى الطائفتين ودعوته لها مناقضا لخطابه للأخرى ودعوته لها، وفي كتابه خطاب للذين آمنوا من أمته في دعوته لهم إلى شرائع دينه، وليس في ذلك مناقضة بأن يخاطب أهل الكتاب ويدعوهم، وفي كتابه أمر بقتال أهل الكتاب النصارى، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
قال تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [التوبة: 29].
ثم لم يكن هذا مانعا أن يأمر بقتال غيرهم من اليهود والمجوس ; حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، بل هذا الحكم ثابت في المجوس بسنته واتفاق أمته.
وإن قيل: إنهم ليسوا من أهل الكتاب، فهذا كله مما يعلم بالاضطرار من دينه قبل العلم بنبوته، فكيف ونحن نتكلم على تقدير نبوته، والنبي لا يتناقض قوله؟ وإذا كان العلم بعموم دعوته ورسالته معلوما بالاضطرار قبل العلم بنبوته، وبعد العلم بنبوته، فالعلم الضروري اليقيني لا يعارضه شيء، ولكن هذا شأن الذين في قلوبهم زيغ من أهل البدع: النصارى وغيرهم يتبعون المتشابه ويدعون المحكم، وبسبب مناظرة النصارى للنبي صلى الله عليه وسلم بالمتشابه، وعدولهم عن المحكم أنزل الله تبارك وتعالى فيهم: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} [آل عمران: 7].
فالتأويل: يراد به تفسير القرآن، ومعرفة معانيه، وهذا يعلمه الراسخون، ويراد به ما استأثر الرب سبحانه وتعالى بعلمه من معرفة كنهه وكنه ما وعد به ووقت الساعة، ونحو ذلك مما لا يعلمه إلا الله.
والضلال يذكرون آيات تشتبه عليهم معرفة معانيها، فيتبعون تأويلها ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويلها، وليسوا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويلها مع أن هؤلاء الآيات من أوضح الآيات.
وهذا الذي سلكوه في القرآن هو نظير ما سلكوه في الكتب المتقدمة وكلام الأنبياء من التوراة والإنجيل والزبور وغيرها، فإن فيها من النصوص الكثيرة الصريحة بتوحيد الله وعبودية المسيح ما لا يحصى إلا بكلفة، وفيها كلمات قليلة فيها اشتباه، فتمسكوا بالقليل المتشابه الخفي المشكل من الكتب المتقدمة وتركوا الكثير المحكم المبين الواضح، فهم سلكوا في القرآن ما سلكوه في الكتب المتقدمة، لكن تلك الكتب يقرون بنبوة أصحابها ومحمد صلى الله عليه وسلم هم فيه مضطربون متناقضون، فأي قول قالوه فيه ظهر فساده وكذبهم فيه إذا لم يؤمنوا بجميع ما أنزل إليه.

(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما (48)
قال شيخ الإسلام:
اعلم رحمك الله أن الشرك بالله أعظم ذنب عصي الله به. قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم {سئل: أي الذنب أعظم؟. قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك}. والند المثل. قال تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون}. وقال تعالى: {وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار}. فمن جعل لله ندا من خلقه فيما يستحقه عز وجل من الإلهية والربوبية فقد كفر بإجماع الأمة.

فإن الله سبحانه هو المستحق للعبادة لذاته: لأنه المألوه المعبود الذي تألهه القلوب وترغب إليه وتفزع إليه عند الشدائد وما سواه فهو مفتقر مقهور بالعبودية فكيف يصلح أن يكون إلها؟. قال الله تعالى: {وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين} وقال تعالى: {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا}. وقال الله تعالى: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون}.
وقال تعالى: {ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين}. وقال تعالى: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين} فالله - سبحانه - هو المستحق أن يعبد لذاته. قال تعالى: {الحمد لله رب العالمين} فذكر (الحمد بالألف واللام التي تقتضي الاستغراق لجميع المحامد فدل على أن الحمد كله لله ثم حصره في قوله: {إياك نعبد وإياك نستعين}. فهذا تفصيل لقوله: {الحمد لله رب العالمين}. فهذا يدل على أنه لا معبود إلا الله وأنه لا يستحق أن يعبد أحد سواه فقوله: {إياك نعبد} إشارة إلى عبادته بما اقتضته إلهيته: من المحبة والخوف والرجاء والأمر والنهي. {وإياك نستعين} إشارة إلى ما اقتضته الربوبية من التوكل والتفويض والتسليم لأن الرب - سبحانه وتعالى - هو المالك وفيه أيضا معنى الربوبية والإصلاح. والمالك: الذي يتصرف في ملكه كما يشاء.
فإذا ظهر للعبد من سر الربوبية أن الملك والتدبير كله بيد الله تعالى قال تعالى: {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير} فلا يرى نفعا ولا ضرا ولا حركة ولا سكونا ولا قبضا ولا بسطا ولا خفضا ولا رفعا إلا والله - سبحانه وتعالى - فاعله وخالقه وقابضه وباسطه ورافعه وخافضه فهذا الشهود هو سر الكلمات الكونيات. وهو علم صفة الربوبية. والأول هو علم صفة الإلهية وهو كشف سر الكلمات التكليفيات فالتحقيق بالأمر والنهي والمحبة والخوف والرجاء يكون عن كشف علم الإلهية. والتحقيق بالتوكل والتفويض والتسليم: يكون بعد كشف علم الربوبية وهو علم التدبير الساري في الأكوان كما قال عز وجل: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}. فإذا تحقق العبد لهذا المشهد ووفقه لذلك بحيث لا يحجبه هذا المشهد عن المشهد الأول فهو الفقيه في عبوديته فإن هذين المشهدين عليهما مدار الدين فإن جميع مشاهد الرحمة واللطف والكرم والجمال داخلة في مشهد الربوبية.

ولهذا قيل: إن هذه الآية جمعت جميع أسرار القرآن: {إياك نعبد وإياك نستعين} لأن أولها اقتضى عبادته بالأمر والنهي والمحبة والخوف والرجاء كما ذكرنا وآخرها اقتضى عبوديته بالتفويض والتسليم وترك الاختيار. وجميع العبوديات داخلة في ذلك. ومن غاب عن هذا المشهد وعن المشهد الأول ورأى قيام الله عز وجل على جميع الأشياء وهو القيام على كل نفس بما كسبت وتصرفه فيها وحكمه عليها فرأى الأشياء كلها منه صادرة عن نفاذ حكمه وإرادته القادرة فغاب بما لاحظ عن التمييز والفرق وعطل الأمر والنهي والنبوات ومرق من الإسلام مروق السهم من الرمية.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #193  
قديم 30-09-2022, 06:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 193)

من صــ 281 الى صـ 290



وإن كان ذلك المشهد قد أدهشه وغيب عقله لقوة سلطانه الوارد وضعف قوة البصيرة أن يجمع بين المشهدين فهذا معذور منقوص إلا من جمع بين المشهدين: الأمر الشرعي ومشهد الأمر الكوني الإرادي وقد زلت في هذا المشهد أقدام كثيرة من السالكين لقلة معرفتهم بما بعث الله به المرسلين وذلك لأنهم عبدوا الله على مرادهم منه ففنوا بمرادهم عن مراد الحق - عز وجل - منهم لأن الحق يغني بمراده ومحبوبه ولو عبدوا الله على مراده مراده منهم لم ينلهم شيء من ذلك لأن العبد إذا شهد عبوديته ولم يكن مستيقظا لأمر سيده لا يغيب بعبادته عن معبوده ولا بمعبوده عن عبادته بل يكون له عينان ينظر بأحدهما إلى المعبود كأنه يراه كما {قال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك} والأخرى ينظر بها إلى أمر سيده ليوقعه على الأمر الشرعي الذي يحبه مولاه ويرضاه.
فإذا تقرر هذا فالشرك إن كان شركا يكفر به صاحبه.

وهو نوعان: - شرك في الإلهية وشرك في الربوبية. فأما الشرك في الإلهية فهو: أن يجعل لله ندا - أي: مثلا في عبادته أو محبته أو خوفه أو رجائه أو إنابته فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه. قال تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} وهذا هو الذي قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي العرب لأنهم أشركوا في الإلهية قال الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} الآية {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} الآية {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} وقال تعالى: {ألقيا في جهنم كل كفار عنيد} - إلى قوله - {الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد}.

{وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحصين: كم تعبد. قال: ستة في الأرض وواحدا في السماء قال: فمن الذي تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء. قال: ألا تسلم فأعلمك كلمات فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم قل: اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي} وأما الربوبية فكانوا مقرين بها قال الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله} وقال: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله} إلى قوله: {فأنى تسحرون} وما اعتقد أحد منهم قط أن الأصنام هي التي تنزل الغيث وترزق العالم وتدبره وإنما كان شركهم كما ذكرنا أن اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وهذا المعنى يدل على أن من أحب شيئا من دون الله كما يحب الله تعالى فقد أشرك وهذا كقوله: {قالوا وهم فيها يختصمون} {تالله إن كنا لفي ضلال مبين} {إذ نسويكم برب العالمين}. وكذا من خاف أحدا كما يخاف الله أو رجاه كما يرجو الله وما أشبه ذلك.
وأما النوع الثاني: فالشرك في الربوبية فإن الرب سبحانه هو المالك المدبر المعطي المانع الضار النافع الخافض الرافع المعز المذل فمن شهد أن المعطي أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل غيره فقد أشرك بربوبيته. ولكن إذا أراد التخلص من هذا الشرك فلينظر إلى المعطي الأول مثلا فيشكره على ما أولاه من النعم وينظر إلى من أسدى إليه المعروف فيكافئه عليه لقوله عليه السلام {من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه} لأن النعم كلها لله تعالى كما قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله} وقال تعالى: {كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك} فالله سبحانه هو المعطي على الحقيقة فإنه هو الذي خلق الأرزاق وقدرها وساقها إلى من يشاء من عباده فالمعطي هو الذي أعطاه وحرك قلبه لعطاء غيره. فهو الأول والآخر.
ومما يقوي هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه {واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام وجفت الصحف} قال الترمذي: هذا حديث صحيح. فهذا يدل على أنه لا ينفع في الحقيقة إلا الله ولا يضر غيره وكذا جميع ما ذكرنا في مقتضى الربوبية.

فمن سلك هذا المسلك العظيم استراح من عبودية الخلق ونظره إليهم وأراح الناس من لومه وذمه إياهم وتجرد التوحيد في قلبه فقوي إيمانه وانشرح صدره وتنور قلبه ومن توكل على الله فهو حسبه ولهذا قال الفضيل بن عياض رحمه الله من عرف الناس استراح. يريد - والله أعلم - أنهم لا ينفعون ولا يضرون. وأما الشرك الخفي فهو الذي لا يكاد أحد أن يسلم منه مثل أن يحب مع الله غيره. فإن كانت محبته لله مثل حب النبيين والصالحين والأعمال الصالحة فليست من هذا الباب لأن هذه تدل على حقيقة المحبة لأن حقيقة المحبة أن يحب المحبوب وما أحبه ويكره ما يكرهه ومن صحت محبته امتنعت مخالفته لأن المخالفة إنما تقع لنقص المتابعة ويدل على نقص المحبة قول الله تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} الآية. فليس الكلام في هذا.

إنما الكلام في محبة تتعلق بالنفوس لغير الله تعالى فهذا لا شك أنه نقص في توحيد المحبة لله وهو دليل على نقص محبة الله تعالى إذ لو كملت محبته لم يحب سواه. ولا يرد علينا الباب الأول لأن ذلك داخل في محبته.
وهذا ميزان لم يجر عليك: كلما قويت محبة العبد لمولاه صغرت عنده المحبوبات وقلت، وكلما ضعفت كثرت محبوباته وانتشرت. وكذا الخوف والرجاء وما أشبه ذلك فإن كمل خوف العبد من ربه لم يخف شيئا سواه قال الله تعالى {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله} وإذا نقص خوفه خاف من المخلوق وعلى قدر نقص الخوف وزيادته يكون الخوف كما ذكرنا في المحبة وكذا الرجاء وغيره. فهذا هو الشرك الخفي الذي لا يكاد أحد أن يسلم منه إلا من عصمه الله تعالى. وقد روي أن الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل. وطريق التخلص من هذه الآفات كلها الإخلاص لله عز وجل قال الله تعالى {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} ولا يحصل الإخلاص إلا بعد الزهد ولا زهد إلا بتقوى والتقوى متابعة الأمر والنهي.
(فصل في ذكر قول المعتزلة في أهل الكبائر، والرد عليهم)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
فلما شاع في الأمة أمر " الخوارج " تكلمت الصحابة فيهم ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث فيهم وبينوا ما في القرآن من الرد عليهم وظهرت بدعتهم في العامة؛
فجاءت بعدهم " المعتزلة " - الذين اعتزلوا الجماعة بعد موت الحسن البصري وهم: عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء الغزال وأتباعهما - فقالوا: أهل الكبائر مخلدون في النار كما قالت الخوارج ولا نسميهم لا مؤمنين ولا كفارا؛ بل فساق ننزلهم منزلة بين منزلتين. وأنكروا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته وأن يخرج من النار بعد أن يدخلها. قالوا: ما الناس إلا رجلان: سعيد لا يعذب أو شقي لا ينعم، والشقي نوعان: كافر وفاسق ولم يوافقوا الخوارج على تسميتهم كفارا. وهؤلاء يرد عليهم بمثل ما ردوا به على الخوارج.

فيقال لهم كما أنهم قسموا الناس إلى مؤمن لا ذنب له وكافر لا حسنة له قسمتم الناس إلى مؤمن لا ذنب له وإلى كافر وفاسق لا حسنة له فلو كانت حسنات هذا كلها محبطة وهو مخلد في النار لاستحق المعاداة المحضة بالقتل والاسترقاق كما يستحقها المرتد؛ فإن هذا قد أظهر دينه بخلاف المنافق. وقد قال تعالى في كتابه: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فجعل ما دون ذلك الشرك معلقا بمشيئته. ولا يجوز أن يحمل هذا على التائب؛ فإن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره. كما قال سبحانه في الآية الأخرى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} فهنا عمم وأطلق لأن المراد به التائب وهناك خص وعلق.

وقال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير} {جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور} {الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب}.
فقد قسم سبحانه الأمة التي أورثها الكتاب واصطفاها " ثلاثة أصناف ": ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات وهؤلاء الثلاثة ينطبقون على الطبقات الثلاث المذكورة في حديث جبريل: " الإسلام " و " الإيمان " و " الإحسان ". كما سنذكره " إن شاء الله ". ومعلوم أن الظالم لنفسه إن أريد به من اجتنب الكبائر والتائب من جميع الذنوب فذلك مقتصد أو سابق فإنه ليس أحد من بني آدم يخلو عن ذنب؛ لكن من تاب كان مقتصدا أو سابقا؛ كذلك من اجتنب الكبائر كفرت عنه السيئات؛ كما قال تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} فلا بد أن يكون هناك ظالم لنفسه موعود بالجنة ولو بعد عذاب يطهر من الخطايا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: أن ما يصيب المؤمن في الدنيا من المصائب مما يجزئ به ويكفر عنه خطاياه كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه} وفي المسند وغيره أنه {لما نزلت هذه الآية: {من يعمل سوءا يجز به} قال أبو بكر: يا رسول الله جاءت قاصمة الظهر وأينا لم يعمل سوءا فقال: يا أبا بكر ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ فذلك مما تجزون به}.
و " أيضا " فقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنه يخرج أقوام من النار بعد ما دخلوها وأن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أقوام دخلوا النار. وهذه الأحاديث حجة على الطائفتين: " الوعيدية " الذين يقولون: من دخلها من أهل التوحيد لم يخرج منها وعلى " المرجئة الواقفة " الذين يقولون: لا ندري هل يدخل من أهل التوحيد النار أحد أم لا كما يقول ذلك طوائف من الشيعة والأشعرية كالقاضي أبي بكر وغيره.
وأما ما يذكر عن " غلاة المرجئة " أنهم قالوا: لن يدخل النار من أهل التوحيد أحد فلا نعرف قائلا مشهورا من المنسوبين إلى العلم يذكر عنه هذا القول. و " أيضا " فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد شهد لشارب الخمر المجلود مرات بأنه يحب الله ورسوله ونهى عن لعنته ومعلوم أن من أحب الله ورسوله أحبه الله ورسوله بقدر ذلك.
وأيضا فإن الذين قذفوا عائشة أم المؤمنين كان فيهم مسطح بن أثاثة وكان من أهل بدر وقد أنزل الله فيه لما حلف أبو بكر أن لا يصله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم}. وإن قيل: إن مسطحا وأمثاله تابوا لكن الله لم يشرط في الأمر بالعفو عنهم والصفح والإحسان إليهم التوبة. وكذلك {حاطب بن أبي بلتعة كاتب المشركين بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم فلما أراد عمر قتله قال النبي صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدرا وما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟}.
وكذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: {لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة} وهذه النصوص تقتضي: أن السيئات مغفورة بتلك الحسنات ولم يشترط مع ذلك توبة؛ وإلا فلا اختصاص لأولئك بهذا؛ والحديث يقتضي المغفرة بذلك العمل. وإذا قيل: إن هذا لأن أحدا من أولئك لم يكن له إلا صغائر لم يكن ذلك من خصائصه أيضا. وأن هذا يستلزم تجويز الكبيرة من هؤلاء المغفور لهم و " أيضا " قد دلت نصوص الكتاب والسنة: على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب. " أحدها " التوبة وهذا متفق عليه بين المسلمين قال تعالى:إلا الله ثقلت بتلك السيئات؛ لما قالها بنوع من الصدق والإخلاص الذي يمحو السيئات وكما غفر للبغي بسقي الكلب لما حصل في قلبها إذ ذاك من الإيمان وأمثال ذلك كثير.

" السبب الثالث ": الحسنات الماحية كما قال تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} وقال صلى الله عليه وسلم {الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر} وقال: {من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه} وقال:
{من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه} وقال {من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه} وقال: {فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر}. وقال: {من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار حتى فرجه بفرجه} وهذه الأحاديث وأمثالها في الصحاح. وقال: {الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب}. وسؤالهم على هذا الوجه أن يقولوا الحسنات إنما تكفر الصغائر فقط فأما الكبائر فلا تغفر إلا بالتوبة كما قد جاء في بعض الأحاديث: " ما اجتنبت الكبائر " فيجاب عن هذا بوجوه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #194  
قديم 30-09-2022, 06:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 194)

من صــ 291 الى صـ 300





أحدها: أن هذا الشرط جاء في الفرائض. كالصلوات الخمس والجمعة وصيام شهر رمضان وذلك أن الله تعالى يقول: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} فالفرائض مع ترك الكبائر مقتضية لتكفير السيئات وأما الأعمال الزائدة من التطوعات فلا بد أن يكون لها ثواب آخر فإن الله سبحانه يقول: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} {ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}.
(الثاني): أنه قد جاء التصريح في كثير من الأحاديث بأن المغفرة قد تكون مع الكبائر كما في {قوله صلى الله عليه وسلم غفر له وإن كان فر من الزحف} وفي السنن {أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب. فقال: أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار}.
وفي الصحيحين في {حديث أبي ذر وإن زنى وإن سرق}..
(الثالث): أن {قوله لأهل بدر ونحوهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم} إن حمل على الصغائر أو على المغفرة مع التوبة لم يكن فرق بينهم وبين غيرهم. فكما لا يجوز حمل الحديث على الكفر لما قد علم أن الكفر لا يغفر إلا بالتوبة لا يجوز حمله على مجرد الصغائر المكفرة باجتناب الكبائر. (الرابع): أنه قد جاء في غير {حديث أن أول ما يحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة الصلاة فإن أكملها وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت به الفريضة ثم يصنع بسائر أعماله كذلك}.
ومعلوم أن ذلك النقص المكمل لا يكون لترك مستحب؛ فإن ترك المستحب لا يحتاج إلى جبران ولأنه حينئذ لا فرق بين ذلك المستحب المتروك والمفعول فعلم أنه يكمل نقص الفرائض من التطوعات. وهذا لا ينافي من أن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة مع أن هذا لو كان معارضا للأول لوجب تقديم الأول لأنه أثبت وأشهر وهذا غريب رفعه وإنما المعروف أنه في وصية أبي بكر لعمر؛ وقد ذكره أحمد في " رسالته في الصلاة ".
وذلك لأن قبول النافلة يراد به الثواب عليها. ومعلوم أنه لا يثاب على النافلة حتى تؤدى الفريضة فإنه إذا فعل النافلة مع نقص الفريضة كانت جبرا لها وإكمالا لها. فلم يكن فيها ثواب نافلة ولهذا قال بعض السلف: النافلة لا تكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وغيره يحتاج إلى المغفرة.

وتأول على هذا قوله: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} وليس إذا فعل نافلة وضيع فريضة تقوم النافلة مقام الفريضة مطلقا بل قد تكون عقوبته على ترك الفريضة أعظم من ثواب النافلة. فإن قيل: العبد إذا نام عن صلاة أو نسيها كان عليه أن يصليها إذا ذكرها بالنص والإجماع. فلو كان لها بدل من التطوعات لم يجب القضاء. قيل: هذا خطأ فإن قيل هذا يقال في جميع مسقطات العقاب، فيقال: إذا كان العبد يمكنه رفع العقوبة بالتوبة لم ينه عن الفعل ومعلوم أن العبد عليه أن يفعل المأمور ويترك المحظور؛ لأن الإخلال بذلك سبب للذم والعقاب وإن جاز مع إخلاله أن يرتفع العقاب بهذه الأسباب كما عليه أن يحتمي من السموم القاتلة وإن كان مع تناوله لها يمكن رفع ضررها بأسباب من الأدوية.

والله عليم حكيم رحيم - أمرهم بما يصلحهم ونهاهم عما يفسدهم ثم إذا وقعوا في أسباب الهلاك لم يؤيسهم من رحمته بل جعل لهم أسبابا يتوصلون بها إلى رفع الضرر عنهم ولهذا قيل: إن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيس الناس من رحمة الله ولا يجرئهم على معاصي الله. ولهذا يؤمر العبد بالتوبة كلما أذنب قال بعضهم لشيخه: إني أذنب قال: تب قال: ثم أعود، قال: تب قال: ثم أعود، قال: تب قال: إلى متى قال: إلى أن تحزن الشيطان. وفي المسند عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله يحب العبد المفتن التواب}.
وأيضا فإن من نام عن صلاة أو نسيها فصلاته إذا استيقظ أو ذكرها كفارة لها تبرأ بها الذمة من المطالبة ويرتفع عنه الذم والعقاب ويستوجب بذلك المدح والثواب وأما ما يفعله من التطوعات فلا نعلم القدر الذي يقوم ثوابه مقام ذلك ولو علم فقد لا يمكن فعله مع سائر الواجبات ثم إذا قدر أنه أمر بما يقوم مقام ذلك صار واجبا فلا يكون تطوعا والتطوعات شرعت لمزيد التقرب إلى الله كما قال تعالى. في الحديث الصحيح: {ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه} الحديث فإذا لم يكن العبد قد أدى الفرائض كما أمر لم يحصل له مقصود النوافل ولا يظلمه الله فإن الله لا يظلم مثقال ذرة بل يقيمها مقام نظيرها من الفرائض كمن عليه ديون لأناس يريد أن يتطوع لهم بأشياء: فإن وفاهم وتطوع لهم كان عادلا محسنا. وإن وفاهم ولم يتطوع كان عادلا، وإن أعطاهم ما يقوم مقام دينهم وجعل ذلك تطوعا كان غالطا في جعله؛ بل يكون من الواجب الذي يستحقونه.
ومن العجب أن " المعتزلة " يفتخرون بأنهم أهل " التوحيد " و " العدل " وهم في توحيدهم نفوا الصفات نفيا يستلزم التعطيل والإشراك.
وأما " العدل الذي وصف الله به نفسه " فهو أن لا يظلم مثقال ذرة وأنه: من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وهم يجعلون جميع حسنات العبد وإيمانه حابطا بذنب واحد من الكبائر وهذا من الظلم الذي نزه الله نفسه عنه فكان وصف الرب سبحانه بالعدل الذي وصف به نفسه أولى من جعل العدل هو التكذيب بقدر الله.

(الخامس): أن الله لم يجعل شيئا يحبط جميع الحسنات إلا الكفر كما أنه لم يجعل شيئا يحبط جميع السيئات إلا التوبة. و " المعتزلة مع الخوارج " يجعلون الكبائر محبطة لجميع الحسنات حتى الإيمان قال الله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} فعلق الحبوط بالموت على الكفر وقد ثبت أن هذا ليس بكافر والمعلق بشرط يعدم عند عدمه. وقال تعالى:{ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} وقال تعالى لما ذكر الأنبياء: {ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} وقال: {لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} مطابق لقوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به}.

فإن الإشراك إذا لم يغفر وأنه موجب للخلود في النار لزم من ذلك حبوط حسنات صاحبه، ولما ذكر سائر الذنوب غير الكفر لم يعلق بها حبوط جميع الأعمال، وقوله: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}. لأن ذلك كفر، وقوله تعالى {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} لأن ذلك قد يتضمن الكفر فيقتضي الحبوط وصاحبه لا يدري كراهية أن يحبط أو خشية أن يحبط فنهاهم عن ذلك لأنه يفضي إلى الكفر المقتضي للحبوط.
ولا ريب أن المعصية قد تكون سببا للكفر كما قال بعض السلف المعاصي بريد الكفر؛ فينهى عنها خشية أن تفضي إلى الكفر المحبط؛ كما قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة} - وهي الكفر - {أو يصيبهم عذاب أليم} وإبليس خالف أمر الله فصار كافرا؛ وغيره أصابه عذاب أليم. وقد احتجت الخوارج والمعتزلة بقوله تعالى:
{إنما يتقبل الله من المتقين}قالوا: فصاحب الكبيرة ليس من المتقين فلا يتقبل الله منه عملا فلا يكون له حسنة وأعظم الحسنات الإيمان فلا يكون معه إيمان فيستحق الخلود في النار وقد أجابتهم المرجئة: بأن المراد بالمتقين من يتقي الكفر فقالوا لهم: اسم المتقين في القرآن يتناول المستحقين للثواب كقوله تعالى: {إن المتقين في جنات ونهر} {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} وأيضا فابنا آدم حين قربا قربانا لم يكن المقرب المردود قربانه حينئذ كافرا وإنما كفر بعد ذلك؛ إذ لو كان كافرا لم يتقرب وأيضا فما زال السلف يخافون من هذه الآية ولو أريد بها من يتقي الكفر لم يخافوا وأيضا فإطلاق لفظ المتقين والمراد به من ليس بكافر لا أصل له في خطاب الشارع فلا يجوز حمله عليه.
و " الجواب الصحيح ": أن المراد من اتقى الله في ذلك العمل كما قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} قال: أخلصه وأصوبه قيل: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة فمن عمل لغير الله - كأهل الرياء - لم يقبل منه ذلك. كما في الحديث الصحيح يقول الله عز وجل: {أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري فأنا بريء منه وهو كله للذي أشركه}. وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول} وقال: {لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار} وقال في الحديث الصحيح: {من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد} أي فهو مردود غير مقبول. فمن اتقى الكفر وعمل عملا ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه وإن صلى بغير وضوء لم يقبل منه لأنه ليس متقيا في ذلك العمل وإن كان متقيا للشرك. وقد قال تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} وفي حديث {عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسول الله أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف أن يعذب؟ قال: لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه}.

وخوف من خاف من السلف أن لا يتقبل منه لخوفه أن لا يكون أتى بالعمل على وجهه المأمور: وهذا أظهر الوجوه في استثناء من استثنى منهم في الإيمان وفي أعمال الإيمان كقول أحدهم: أنا مؤمن " إن شاء الله " - وصليت - إن شاء الله - لخوف أن لا يكون آتى بالواجب على الوجه المأمور به لا على جهة الشك فيما بقلبه من التصديق؛ لا يجوز أن يراد بالآية: إن الله لا يقبل العمل إلا ممن يتقي الذنوب كلها لأن الكافر والفاسق حين يريد أن يتوب ليس متقيا فإن كان قبول العمل مشروطا بكون الفاعل حين فعله لا ذنب له امتنع قبول التوبة. بخلاف ما إذا اشترط التقوى في العمل فإن التائب حين يتوب يأتي بالتوبة الواجبة وهو حين شروعه في التوبة منتقل من الشر إلى الخير لم يخلص من الذنب بل هو متق في حال تخلصه منه. و " أيضا " فلو أتى الإنسان بأعمال البر وهو مصر على كبيرة ثم تاب لوجب أن تسقط سيئاته بالتوبة وتقبل منه تلك الحسنات وهو حين أتى بها كان فاسقا.

و " أيضا " فالكافر إذا أسلم وعليه للناس مظالم من قتل وغصب وقذف - وكذلك الذمي إذا أسلم - قبل إسلامه مع بقاء مظالم العباد عليه؛ فلو كان العمل لا يقبل إلا ممن لا كبيرة عليه لم يصح إسلام الذمي حتى يتوب من الفواحش والمظالم؛ بل يكون مع إسلامه مخلدا وقد كان الناس مسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهم ذنوب معروفة وعليهم تبعات فيقبل إسلامهم ويتوبون إلى الله سبحانه من التبعات.
كما ثبت في الصحيح {أن المغيرة بن شعبة لما أسلم وكان قد رافق قوما في الجاهلية فغدر بهم وأخذ أموالهم وجاء فأسلم فلما جاء عروة بن مسعود عام الحديبية والمغيرة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف دفعه المغيرة بالسيف فقال: من هذا فقالوا: ابن أختك المغيرة فقال يا غدر ألست أسعى في غدرتك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما الإسلام فأقبله وأما المال فلست منه في شيء} وقد قال تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين} وقالوا لنوح: {أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} {قال وما علمي بما كانوا يعملون} {إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون}. ولا نعرف أحدا من المسلمين جاءه ذمي يسلم فقال له لا يصح إسلامك حتى لا يكون عليك ذنب وكذلك سائر أعمال البر من الصلاة والزكاة.
السبب الرابع - الدافع للعقاب -: دعاء المؤمنين للمؤمن مثل صلاتهم على جنازته فعن عائشة وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شفعوا فيه}. وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه} رواهما مسلم. وهذا دعاء له بعد الموت. فلا يجوز أن تحمل المغفرة على المؤمن التقي الذي اجتنب الكبائر وكفرت عنه الصغائر وحده فإن ذلك مغفور له عند المتنازعين. فعلم أن هذا الدعاء من أسباب المغفرة للميت.
السبب الخامس: ما يعمل للميت من أعمال البر؟ كالصدقة ونحوها فإن هذا ينتفع به بنصوص السنة الصحيحة الصريحة واتفاق الأئمة وكذلك العتق والحج. بل قد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: {من مات وعليه صيام صام عنه وليه} وثبت مثل ذلك في الصحيح من صوم النذر من وجوه أخرى ولا يجوز أن يعارض هذا بقوله: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} لوجهين.

أحدهما: أنه قد ثبت بالنصوص المتواترة وإجماع سلف الأمة أن المؤمن ينتفع بما ليس من سعيه كدعاء الملائكة واستغفارهم له كما في قوله تعالى {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا} الآية. ودعاء النبيين والمؤمنين واستغفارهم كما في قوله تعالى {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} وقوله سبحانه: {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول} وقوله عز وجل: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} كدعاء المصلين للميت ولمن زاروا قبره - من المؤمنين -.
الثاني: أن الآية ليست في ظاهرها إلا أنه ليس له إلا سعيه وهذا حق فإنه لا يملك ولا يستحق إلا سعي نفسه وأما سعي غيره فلا يملكه ولا يستحقه؛ لكن هذا لا يمنع أن ينفعه الله ويرحمه به؛ كما أنه دائما يرحم عباده بأسباب خارجة عن مقدورهم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #195  
قديم 30-09-2022, 07:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 195)

من صــ 301 الى صـ 310



وهو سبحانه بحكمته ورحمته يرحم العباد بأسباب يفعلها العباد ليثيب أولئك على تلك الأسباب فيرحم الجميع كما في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما من رجل يدعو لأخيه بدعوة إلا وكل الله به ملكا كلما دعا لأخيه قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل} وكما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: {من صلى على جنازة فله قيراط؛ ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان؛ أصغرهما مثل أحد} فهو قد يرحم المصلي على الميت بدعائه له ويرحم الميت أيضا بدعاء هذا الحي له.
السبب السادس: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الذنوب يوم القيامة كما قد تواترت عنه أحاديث الشفاعة مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي}. وقوله صلى الله عليه وسلم {خيرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة؛ وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكثر؛ أترونها للمتقين؟ لا. ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين}.
السبب السابع: المصائب التي يكفر الله بها الخطايا في الدنيا كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما يصيب المؤمن من وصب؛ ولا نصب؛ ولا هم؛ ولا حزن؛ ولا غم؛ ولا أذى - حتى الشوكة يشاكها - إلا كفر الله بها من خطاياه}.

السبب الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة فإن هذا مما يكفر به الخطايا.
السبب التاسع: أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها.
السبب العاشر: رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد. فإذا ثبت أن الذم والعقاب قد يدفع عن أهل الذنوب بهذه الأسباب العشرة كان دعواهم أن عقوبات أهل الكبائر لا تندفع إلا بالتوبة مخالف لذلك.

(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا (51)

قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
ومن جنس موالاة الكفار التي ذم الله بها أهل الكتاب والمنافقين: الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر أو التحاكم إليهم دون كتاب الله كما قال تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} وقد عرف أن سبب نزولها شأن كعب بن الأشرف - أحد رؤساء اليهود - لما ذهب إلى المشركين ورجح دينهم على دين محمد وأصحابه.
والقصة قد ذكرناها في " الصارم المسلول " لما ذكرنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله ". ونظير هذه الآية قوله تعالى عن بعض أهل الكتاب: {ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون} {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان} الآية. فأخبر أنهم اتبعوا السحر وتركوا كتاب الله كما يفعله كثير من اليهود وبعض المنتسبين إلى الإسلام من اتباعهم كتب السحرة - أعداء إبراهيم وموسى - من المتفلسفة ونحوهم وهو كإيمانهم بالجبت والطاغوت؛ فإن الطاغوت هو الطاغي من الأعيان والجبت: هو من الأعمال والأقوال كما قال عمر بن الخطاب: الجبت السحر والطاغوت الشيطان.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {العيافة والطيرة والطرق: من الجبت} رواه أبو داود. وكذلك ما أخبر عن أهل الكتاب بقوله: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت} أي: ومن عبد الطاغوت فإن أهل الكتاب كان منهم من أشرك وعبد الطواغيت. فهنا ذكر عبادتهم للطاغوت وفي " البقرة " ذكر اتباعهم للسحر وذكر في " النساء " إيمانهم بهما جميعا: بالجبت والطاغوت.
وأما التحاكم إلى غير كتاب الله فقد قال: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا} {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا}. والطاغوت فعلوت من الطغيان. كما أن الملكوت فعلوت من الملك. والرحموت والرهبوت والرغبوت. فعلوت من الرحمة والرهبة والرغبة. والطغيان: مجاوزة الحد؛ وهو الظلم والبغي. فالمعبود من دون الله إذا لم يكن كارها لذلك: طاغوت؛ ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام طواغيت في الحديث الصحيح لما قال: {ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت}.
والمطاع في معصية الله والمطاع في اتباع غير الهدى ودين الحق - سواء كان مقبولا خبره المخالف لكتاب الله أو مطاعا أمره المخالف لأمر الله - هو طاغوت؛ ولهذا سمي من تحوكم إليه من حاكم بغير كتاب الله طاغوت وسمى الله فرعون وعادا طغاة وقال في صيحة ثمود: {فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية}.

فمن كان من هذه الأمة مواليا للكفار: من المشركين أو أهل الكتاب ببعض أنواع الموالاة ونحوها: مثل إتيانه أهل الباطل واتباعهم في شيء من مقالهم وفعالهم الباطل: كان له من الذم والعقاب والنفاق بحسب ذلك؛ وذلك مثل متابعتهم في آرائهم وأعمالهم؛ كنحو أقوال الصابئة وأفعالهم من الفلاسفة ونحوهم المخالفة للكتاب والسنة؛ ونحو أقوال اليهود والنصارى وأفعالهم المخالفة للكتاب والسنة؛ ونحو أقوال المجوس والمشركين وأفعالهم المخالفة للكتاب والسنة. ومن تولى أمواتهم أو أحياءهم بالمحبة والتعظيم والموافقة فهو منهم؛ كالذين وافقوا أعداء إبراهيم الخليل: من الكلدانيين وغيرهم من المشركين عباد الكواكب أهل السحر؛ والذين وافقوا أعداء موسى من فرعون وقومه بالسحر.

أو ادعى أنه ليس ثم صانع غير الصنعة ولا خالق غير المخلوق ولا فوق السماوات إله كما يقوله الاتحادية وغيرهم من الجهمية. والذين وافقوا الصائبة والفلاسفة فيما كانوا يقولونه في الخالق ورسله: في أسمائه وصفاته والمعاد وغير ذلك. ولا ريب أن هذه الطوائف: وإن كان كفرها ظاهرا فإن كثيرا من الداخلين في الإسلام. حتى من المشهورين بالعلم والعبادة والإمارة قد دخل في كثير من كفرهم وعظمهم ويرى تحكيم ما قرروه من القواعد ونحو ذلك.
وهؤلاء كثروا في المستأخرين ولبسوا الحق - الذي جاءت به الرسل - بالباطل الذي كان عليه أعداؤهم. والله تعالى: يحب تمييز الخبيث من الطيب والحق من الباطل. فيعرف أن هؤلاء الأصناف: منافقون أو فيهم نفاق؛ وإن كانوا مع المسلمين؛ فإن كون الرجل مسلما في الظاهر لا يمنع أن يكون منافقا في الباطن؛ فإن المنافقين كلهم مسلمون في الظاهر والقرآن قد بين صفاتهم وأحكامهم. وإذا كانوا موجودين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عزة الإسلام مع ظهور أعلام النبوة ونور الرسالة: فهم مع بعدهم عنهما أشد وجودا لا سيما وسبب النفاق هو سبب الكفر وهو المعارض لما جاءت به الرسل.
(فصل)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
وذكر أهل المغازي والتفسير مثل محمد بن إسحاق أن كعب بن الأشرف كان موادعا للنبي صلى الله عليه وسلم في جملة من وادعه من يهود المدينة وكان عربيا من بني طي وكانت أمه من بني النضير قالوا: فلما قتل أهل بدر شق ذلك عليه وذهب إلى مكة ورثاهم لقريش وفضل دين الجاهلية على دين الإسلام حتى أنزل الله فيه: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا}.
ثم لما رجع إلى المدينة أخذ ينشد الأشعار يهجو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ " وذكر قصة قتله مبسوطة.
وقال الواقدي: حدثني عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن رمان ومعمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك وإبراهيم بن جعفر عن أبيه عن جابر وذكر القصة إلى قتله قال: ففزعت يهود ومن معها من المشركين فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبحوا فقالوا: قد طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا قتل غيلة بلا جرم ولا حدث علمناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان للسيف " ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينهم كتابا ينتهون إلى ما فيه فكتبوا بينهم وبينه كتابا تحت العذق في دار رملة بنت الحارث فحذرت يهود وخافت وذلت من يوم قتل ابن الأشرف.
والاستدلال بقتل كعب بن الأشرف من وجهين:
أحدهما: أنه كان معاهدا مهادنا وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم بالمغازي والسير وهو عندهم من العلم العام الذي يستغنى فيه عن نقل الخاصة.

ومما لا ريب فيه عند أهل العلم ما قدمناه من أن النبي صلى الله عليه وسلم عاهد لما قدم المدينة جميع أصناف اليهود بني قينقاع والنضير وقريظة ثم نقضت بنو قينقاع عهده فحاربهم ثم نقض عهده كعب بن الأشرف ثم نقض عهده بنو النضير ثم بنو قريظة وكان ابن الأشرف من بني النضير وأمرهم ظاهر في أنهم كانوا مصالحين للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما نقضوا العهد لما خرج إليهم يستعينهم في دية الرجلين اللذين قتلهما عمر بن أمية الضمري وكان ذلك بعد مقتل كعب بن الأشرف وقد ذكرنا الرواية الخاصة أن كعب بن الأشرف كان معاهد للنبي صلى الله عليه وسلم ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم جعله ناقضا للعهد بهجائه وأذاه بلسانه خاصة والدليل على أنه إنما نقض العهد بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ " فعلل ندب الناس له بأذاه والأذى المطلق هو باللسان كما قال تعالى: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} وقال تعالى:

{لن يضروكم إلا أذى} وقال: {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن} وقال: {لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا} الآية وقال: {ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي} إلى قوله: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} الآية ثم ذكر الصلاة عليه والتسليم خبرا وأمرا وذلك من أعمال اللسان ثم قال: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} إلى قوله: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات} وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى: " يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر " وهذا كثير.
وقد تقدم أن الأذى اسم لقليل الشر وخفيف المكروه بخلاف الضرر فلذلك أطلق على القول لأنه لا يضر المؤذى في الحقيقة.
وأيضا فإنه جعل مطلق أذى الله ورسوله موجبا لقتل رجل معاهد ومعلوم أن سب الله وسب ورسوله أذى لله ولرسوله وإذا رتب الوصف على الحكم بحرف الفاء دل على أن ذلك الوصف علة لذلك الحكم لا سيما إذا كان مناسبا وذلك يدل على أن أذى الله ورسوله علة لندب المسلمين إلى قتل من يفعل ذلك من المعاهدين وهذا دليل ظاهر على انتقاض عهده بأذى الله ورسوله والسب من أذى الله ورسوله باتفاق المسلمين بل هو أخص أنواع الأذى.
وأيضا فقد قدمنا في حديث جابر أن أول ما نقض به العهد قصيدته التي أنشأها بعد رجوعه إلى المدينة يهجو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هجاه بهذه القصيدة ندب إلى قتله وهذا وحده دليل على أنه إنما نقض العهد بالهجاء لا بذهابه إلى مكة.
وما ذكره الواقدي عن أشياخه يوضح ذلك ويؤيده وإن كان الواقدي لا يحتج به إذا انفرد لكن لا ريب في علمه بالمغازي واستعلام كثير من تفاصيلها من جهته ولم نذكر عنه إلا ما أسندناه عن غيره.
فقوله: " لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان للسيف " نص في أنه إنما انتقض عهد ابن الأشرف بالهجاء ونحوه وأن من فعل هذا من المعاهدين فقد استحق السيف وحديث جابر المسند من الطريقين يوافق هذا وعليه العمدة في الاحتجاج.
وأيضا فإنه لما ذهب إلى مكة ورجع إلى المدينة لم يندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى قتله فلما بلغه عنه الهجاء ندبهم إلى قتله والحكم الحادث يضاف إلى السبب الحادث فعلم أن ذلك الهجاء والأذى الذي كان بعد قفوله من مكة موجب لنقض عهده ولقتاله وإذا كان هذا في المهادن الذي لا يؤدي جزية فما الظن بالذمي الذي يعطي الجزية ويلزم أحكام الملة؟.

فإن قيل: إن ابن الأشرف كان قد أتى بغير السب والهجاء.
فروى الإمام أحمد قال: ثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش: ألا ترى إلى هذا الصنبر المنتبر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية قال: أنتم خير قال: فنزلت فيهم {إن شانئك هو الأبتر} قال: وأنزلت فيه: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} إلى قوله: {نصيرا}.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #196  
قديم 30-09-2022, 11:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 196)

من صــ 311 الى صـ 320



وقال: ثنا عبد الرازق قال: قال معمر: أخبرني أيوب عن عكرمة أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش فاستجاشهم على النبي صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يغزوه وقال لهم: إنا معكم فقالوا: إنكم أهل كتاب وهو صاحب كتاب ولا نأمن أن يكون مكرا منكم فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما ففعل ثم قالوا له: أنحن أهدى أم محمد؟ نحن نصل الرحم ونقري الضيف ونطوف بالبيت وننحر الكوماء ونسقي اللبن على الماء ومحمد قطع رحمه وخرج من بلده قال: بل أنتم خير وأهدى قال: فنزلت فيه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً}.
وقال: ثنا عبد الرزاق ثنا إسرائيل عن السدي عن أبي مالك قال: "إن أهل مكة قالوا لكعب بن الأشرف لما قدم عليهم: ديننا خير أم دين محمد؟ قال: أعرضوا علي دينكم قالوا: نعمر بيت ربنا وننحر الكوماء ونسقي الحاج الماء ونصل الرحم ونقري الضيف قال: دينكم خير من دين محمد فأنزل الله تعالى هذه الآية".
قال موسى بن عقبة عن الزهري: كان كعب بن الأشرف اليهودي وهو أحد بني النضير أو هو فيهم قد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء وركب إلى قريش فقدم عليهم فاستعان بهم على رسول الله فقال أبو سفيان: أناشدك أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه؟ وأينا أهدى في رأيك وأقرب إلى الحق فإنا نطعم الجزور الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونطعم ما هبت الشمال قال ابن الأشرف: أنتم أهدى منهم سبيلا ثم خرج مقبلا حتى أجمع رأي المشركين على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم معلنا بعداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهجائه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لنا من ابن الأشرف؟ فقد استعلن بعداوتنا وهجائنا وقد خرج إلى قريش فأجمعهم على قتالنا وقد أخبرني الله بذلك ثم قدم على أخبث ما كان ينتظر قريشا أن تقدم فيقاتلنا معهم " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ما أنزل فيه إن كان كذلك والله أعلم قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ} إلى قوله: {سَبِيلاً} وآيات معها فيه وفي قريش.
وذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم اكفني ابن الأشرف بما شئت " فقال له محمد بن مسلمة: أنا يا رسول الله أاقتله وذكر القصة في قتله إلى آخرها ثم قال: فقتل الله ابن الأشرف بعداوته لله ورسوله وهجائه إياه وتأليبه عليه قريشا وإعلانه بذلك.
وقال محمد بن إسحاق: كان من حديث كعب بن الأشرف أنه لما أصيب أصحاب بدر وقدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة وعبد الله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله تعالى عليه وقتل من قتل من المشركين كما حدثني عبد الله ابن المغيث بن أبي بردة الظفري وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وصالح بن أبي أمامه بن سهل كل واحد قد حدثني بعض حديثه قالوا: كان كعب بن الأشرف من طيء ثم أحد بني نبهان وكانت أمه من بني النضير فقال حين بلغه الخبر:

أحق هذا الذي يروون أن محمدا قتل هؤلاء الذين سمى هذان الرجلان؟ يعني زيدا وعبد الله بن رواحة فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس والله لئن كان محمدا أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها فلما تيقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة ونزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية فأنزلته وأكرمته وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد الأشعار ويبكي أصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا ببدر وذكر شعرا وما رد عليه حسان وغيره ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة يشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عبد الله بن أبي المغيث: "من لي بابن الأشرف؟ " فقال محمد بن مسلمة: أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله وذكر القصة.

وقال الواقدي: حدثني عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن رومان ومعمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك وإبراهيم بن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله فكل قد حدثني منه بطائفة فكان الذي اجتمعوا عليه قالوا: ابن الأشرف كان شاعرا وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويحرض عليهم كفار قريش في شعره وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة الإسلام فيهم أهل الحلقة والحصون ومنهم حلفاء للحيين جميعا الأوس والخزرج فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشركا فكان المشركون واليهود من أهل المدينة يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أذى شديدا فأمر الله نبيه والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم وفيهم أنزل: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وفيهم أنزل الله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ} الآية.
فلما أبى ابن الأشرف أن يمسك عن إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيذاء المسلمين وقد بلغ منهم فلما قدم زيد بن حارثة بالبشارة من بدر بقتل المشركين وأسر من أسر منهم ورأى الأسرى مقرنين كبت وذل ثم قال لقومه: ويلكم والله لبطن الأرض خير لكم من ظهرها اليوم هؤلاء سراة الناس قد قتلوا وأسروا فما عندكم؟ قالوا: عداوته ما حيينا قال: وما أنتم وقد وطئ قومه وأصابهم؟ ولكني أخرج إلى قريش فأحضها وأبكي قتلاها لعلهم ينتدبون فأخرج معهم فخرج حتى قدم مكة ووضع رحلة عند أبي وداعة بن أبي صبرة السهمي وتحته عاتكة بنت أسد بن أبي العيص فجعل يرثي قريشا وذكر ما رثاهم به من الشعر وما أجابه به حسان فأخبره بنزول كعب على من نزل فقال حسان فذكر شعرا هجا به أهل البيت الذين نزل فيهم قال: فلما بلغها هجاؤه نبذت رحله وقالت:
ما لنا ولهذا اليهودي؟ ألا ترى ما يصنع بنا حسان؟ فتحول فكلما تحول عند قوم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حسانا فقال: ابن الأشرف نزل على فلان فلا يزال يهجوهم حتى نبذ رحلة فلما لم يجد مأوى قدم المدينة فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قدوم ابن الأشرف قال: "اللهم اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لي من ابن الأشرف فقد آذاني؟ " فقال محمد بن مسلمة: أنا يا رسول الله وأنا أقتله قال: فافعل وذكر الحديث.
فقد اجتمع لابن الأشرف ذنوب: أنه رثى قتلى قريش وحضهم على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم وواطأهم على ذلك وأعانهم على محاربته بإخباره أن دينهم خير من دينه وهجا النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
قلنا: الجواب من وجوه:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يندب إلى قتله لكونه ذهب إلى مكة وقال ما قال هناك وإنما ندب إلى قتله لما قدم وهجاه كما جاء ذلك مفسرا في حديث جابر المتقدم بقوله: "ثم قدم المدينة معلنا لعداوة النبي صلى الله عليه وسلم" ثم بين أن أول ما قطع به العهد تلك الأبيات التي قالها بعد الرجوع وأن النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ندب إلى قتله وكذلك في حديث موسى بن عقبة: " من لنا من ابن الأشرف فإنه قد استعلن بعداوتنا وهجائنا؟ ".
ويؤيد ذلك شيئان:أحدهما: أن سفيان بن عيينة روى عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة فقالوا: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم فأخبرونا عنا وعن محمد فقالوا: ما أنتم وما محمد؟ فقالوا: نحن نصل الأرحام وننحر الكوماء ونسقي الماء على اللبن ونفك العناة ونسقي الحجيج ومحمد صنبور قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج بنو غفار فنحن خير أم هو؟ فقالوا: بل أنتم خير وأهدى سبيلا فأنزل الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ} إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً}.

وكذلك قال قتادة: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب رجلين من اليهود من بني النضير لقيا قريشا في الموسم فقال لهما المشركون: نحن أهدى أم محمد وأصحابه؟ فإنا أهل السدانة وأهل السقاية وأهل الحرم فقالا: أنتم أهدى من محمد وأصحابه وهما يعلمان أنهما كاذبان إنما محلهما على ذلك حسد محمد وأصحابه فأنزل الله تعالى فيهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} فلما رجعا إلى قومهما قال لهما قومهما: إن محمدا يزعم أنه قد نزل فيكما كذا وكذا قالا: صدق والله ما حملنا على ذلك إلا حسده وبغضه.

وهذان مرسلان من وجهين مختلفين فيهما أن كلا الرجلين ذهبا إلى مكة وقالا ما قالا ثم إنهما قدما فندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قتل ابن الأشرف وأمسك عن ابن أخطب حتى نقض بنو النضير العهد فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلحق بخيبر ثم جمع عليه الأحزاب فلما انهزموا دخل مع بني قريظة حصنهم حتى قتله الله معهم فعلم أن الأمر الذي أتياه بمكة لم يكن هو الموجب للندب إلى قتل ابن الأشرف وإنما هو ما اختص به ابن الأشرف من الهجاء ونحوه وإن كان ما فعله بمكة مؤيدا عاضد لكن مجرد الأذى لله ورسوله موجب للندب إلى قتله كما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ " وكما بينه جابر في حديثه.
الوجه الثاني: أن ابن أبي أويس قال حدثني إبراهيم بن جعفر الحارثي عن أبيه عن جابر قال: لما كان من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وبني قريظة كذا فيه: وأحسبه بني قينقاع اعتزل كعب بن الأشرف ولحق بمكة وكان منها: وقال: لا أعين عليه ولا أقاتله فقيل له بمكة: أديننا خير أم دين محمد وأصحابه؟ قال: دينكم خير وأقدم من دين محمد ودين محمد حديث فهذا دليل على أنه لم يظهر محاربته.
الجواب الثاني: أن جميع ما أتاه ابن الأشرف إنما هو أذى باللسان فإن مرثيته لقتلى المشركين وتحضيضه وسبه وهجاءه وطعنه في دين الإسلام وتفضيل دين الكفار عليه كله قول باللسان ولم يعمل عملا فيه محاربة ومن نازعنا في سب النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه فهو في تفضيل دين الكفار وحضهم باللسان على قتل المسلمين أشد منازعة لأن الذمي إذا تجسس لأهل الحرب وأخبرهم بعورات المسلمين ودعا الكفار إلى قتالهم انتقض عهده أيضا عندنا كما ينتقض عهد الساب ومن قال إن الساب لا ينتقض عهده فإنه يقول لا ينتقض العهد بالتجسس للكفار ومطالعتهم بأخبار المسلمين بطريق الأولى عندهم وهو مذهب أبي حنيفة والثوري والشافعي على خلاف بين أصحابه وابن الأشرف لم يوجد منه إلا الأذى باللسان فقط فهو حجة على من نازع في هذه المسائل ونحن نقول: إن ذلك كله نقض للعهد.
والجواب الثالث: أن تفضيل دين الكفار على دين المسلمين هو دون سب النبي صلى الله عليه وسلم بلا ريب فإن كون الشيء مفضولا أحسن حالا من كونه مسبوبا مشتوما فإن كان ذلك ناقضا للعهد فالسب بطريق الأولى وأما مرثيته للقتلى وحضهم على أخذ ثأرهم فأكثر ما فيه تهييج قريش على المحاربة وقريش كانوا قد أجمعوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم عقب بدر وأرصدوا العير التي كان فيها أبو سفيان للنفقة على حربه فلم يحتاجوا في ذلك إلى كلام ابن الأشرف نعم مرثيته وتفضيله ربما زادهم غيظا ومحاربة لكن سبه للنبي صلى الله عليه وسلم وهجاءه له ولدينه أيضا مما يهيجهم على المحاربة ويغريهم به فعلم أن الهجاء فيه من الفساد ما في غيره من الكلام وأبلغ فإذا كان غيره من الكلام نقضا فهو أن يكون نقضا أولى ولهذا قتل النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من النسوة اللواتي كن يشتمنه ويهجونه مع عفوه عما كانت تعين عليه وتحض على قتاله.

الجواب الرابع: أن ما ذكره حجة لنا من وجوه أخر وذلك أنه قد اشتهر عند أهل العلم من وجوه كثيرة أن قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَاب} نزلت في كعب بن الأشرف بما قاله لقريش وقد أخبر الله سبحانه أنه لعنه وأن من لعنه فلن تجد له نصيرا وذلك دليل على أنه لا عهد له لأنه لو كان له عهد لكان يجب نصره على المسلمين فعلم أن مثل هذا الكلام يوجب انتقاض عهده وعدم ناصره فكيف بما هو أغلظ منه من شتم وسب؟ وإنما لم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم بمجرد ذلك ناقضا للعهد لأنه لم يعلن بهذا الكلام ولم يجهر به وإنما أعلم الله به رسوله وحيا كما تقدم بالأحاديث ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ أحدا من المسلمين والمعاهدين إلا بذنب ظاهر فلما رجع إلى المدينة وأعلن الهجاء والعداوة استحق أن يقتل لظهور أذاه وثبوته عند الناس نعم من خيف منه الخيانة فإنه ينبذ إليه العهد أما إجراء حكم المحاربة عليه فلا يكون حتى تظهر المحاربة وتثبت عليه.

فإن قيل: كعب بن الأشرف سب النبي صلى الله عليه وسلم بالهجاء والشعر كلام موزون يحفظ ويروى وينشد بالأصوات والألحان ويشتهر بين الناس وذلك له من التأثير في الأذى والصد عن سبيل الله ما ليس للكلام المنثور ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر حسان أن يهجوهم ويقول: "لهو أنكى فيهم من النبل" فيؤثر هجاءه فيهم أثرا عظيما يمتنعون به من أشياء لا يمتنعون عنها لو سبوا بكلام منثور أضعاف الشعر.
وأيضا فإن كعب بن الأشرف وأم الولد المتقدمة تكرر منهما سب النبي صلى الله عليه وسلم وأذاه وكثر والشيء إذا كثر واستمر صار له حال أخرى ليست له إذا انفرد وقد حكيتم أن الحنفية يجيزون قتل من كثر منه مثل هذه الجريمة وإن لم يجيزوا قتل من لم يتكرر منه فإذا ما دل عليه الحديث يمكن المخالف أن يقول به.
قلنا أولا: إن هذا يفيدنا أن السب في الجملة من الذمي مهدر لدمه ناقض لعهده ويبقى الكلام في الناقض للعهد: هل هو نوع خاص من السب وهو ما كثر أو غلظ أو مطلق السب؟ هذا نظر آخر فما كان مثل هذا السب وجب أن يقال إنه مهدر لدم الذمي حتى لا يسوغ لأحد أن يخالف نص السنة فلو زعم زاعم أن شيئا من كلام الذمي وأذاه يبيح دمه كان مخالفا للسنة الصحيحة الصريحة خلافا لا عذر فيه لأحد.
وقلنا ثانيا: لا ريب أن الجنس الموجب للعقوبة قد يتغلظ بعض أنواعه صفة أو قدرا أو صفة وقدرا فإنه ليس قتل واحد من الناس مثل قتل والد أو ولد عالم صالح ولا ظلم بعض الناس مثل ظلم يتيم فقير بين أبوين صالحين وليست الجناية في الأوقات والأماكن الأحوال المشرفة كالحرم والإحرام والشهر الحرام كالجناية في غير ذلك وكذلك مضت سنة الخلفاء الراشدين بتغليظ الديات إذا تغلظ القتل بأحد هذه الأسباب وقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل له: أي الذنب أعظم؟ قال:
"أن تجعل لله ندا وهو خلقك" قيل له: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك" قيل له: ثم أي؟ قال: "ثم أن تزاني حليلة جارك " ولا شك أن من قطع الطريق مرات متعددة وسفك دماء خلق من المسلمين وكثر منه أخذ الأموال كان جرمه أعظم من جرم من لم يقطعه إلا مرة واحدة ولا ريب أن من أكثر من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو نظم القصائد في سبه فإن جرمه أغلظ من جرم من سبه بالكلمة الواحدة المنثورة بحيث يجب أن تكون إقامة الحد عليه أوكد والانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب وإن المقل لو كان أهلا أن يعفى عنه لم يكن هذا أهلا لذلك.
ولكن هذا الحديث كغيره من الأحاديث يدل على أن جنس الأذى لله ورسوله ومطلق السب الظاهر مهدر لدم الذمي ناقض لعهده وإن كان بعض الأشخاص أغلظ جرما من بعض لتغلظ سبه نوعا أو قدرا وذلك من وجوه:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ " فجعل علة الندب إلى قتله أنه آذى الله ورسوله وأذى الله ورسوله اسم مطلق ليس مقيدا بنوع ولا بقدر فيجب أن يكون مطلق أذى الله ورسوله علة للانتداب إلى قتل من فعل ذلك من ذمي وغيره وقليل السب وكثيره ومنظومه ومنثوره أذى بلا ريب فيتعلق به الحكم وهو أمر الله ورسوله بقتله ولو لم يرد هذا المعنى لقال: من لكعب فإنه قد بالغ في أذى الله تعالى ورسوله أو قد أكثر من أذى الله ورسوله أو قد داوم على أذى الله ورسوله وهو صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى ولم يخرج من بين شفتيه صلى الله عليه وسلم إلا حق في غضبه ورضاه.

وكذلك قوله في الحديث الآخر: "إنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر ولا يفعل هذا أحد منكم إلا كان للسيف " ولم يقيده بالكثره.
الثاني: أنه آذاه بهجائه المنظوم واليهودية بكلام منثور وكلاهما أهدر دمه فعلم أن النظم ليس له تأثير في أصل الحكم إذ لم يخص ذلك الناظم والوصف إذا ثبت الحكم بدونه كان عديم التأثير فلا يجعل جزاء من العلة ولا يجوز أن يكون هذا من باب تعليل الحكم بعلتين لأن ذلك إنما يكون إذا لم تكن إحداهما مندرجة في الأخرى كالقتل والزنا أما إذا اندرجت إحداهما في الأخرى فالوصف الأعم هو العلة والأخص عديم التأثير.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #197  
قديم 30-09-2022, 11:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 197)

من صــ 321 الى صـ 330


الوجه الثالث: أن الجنس المبيح للدم لا فرق بين قليله وكثيره وغليظه وخفيفه في كونه مبيحا للدم سواء كان قولا أو فعلا كالردة والزنا والمحاربة ونحو ذلك وهذا هو قياس الأصول فمن زعم أن من الأقوال أو الأفعال ما يبيح الدم إذا كثر ولا يبيحه مع القلة فقد خرج عن قياس الأصول وليس له ذلك إلا بنص يكون أصلا بنفسه ولا نص يدل على إباحة القتل في الكثير دون القليل وما ذهب إليه المنازع من جواز قتل من كثر منه القتل بالمثقل والفاحشة في الدبر دون القبل إنما هو حكاية مذهب والكلام في الجميع واحد ثم إنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رضخ رأس يهودي بين حجرين لأنه فعل ذلك بجارية من الأنصار فقد قتل من قتل بالمثقل قودا مع أنه لم يتكرر منه وقال في الذي يعمل عمل قوم لوط: " اقتلوا الفاعل والمفعول به " ولم يعتبر التكرر وكذلك أصحابه من بعده قتلوا فاعل ذلك إما رجما أو حرقا أو غير ذلك مع عدم التكرر.
وإذا كانت الأصول المنصوصة أو المجمع عليها مستوية في إباحة الدم بين المرة الواحدة والمرات المتعددة كان الفرق بينهما في إباحة الدم إثبات حكم بلا أصل ولا نضير له بل على خلاف الأصول الكلية وذلك غير جائز.
يوضح ذلك: أن ما ينقض الإيمان من الأقوال يستوي فيه واحده وكثيره وإن لم يصرح بالكفر كما لو كفر بآية واحدة أو بفريضة ظاهرة أو بسب الرسول مرة واحدة فإنه كما لو صرح بتكذيب الرسول وكذلك ما ينقض الإيمان من الأقوال لو صرح به وقال: "قد نقضت العهد وبرئت من ذمتك" انتقض عهده بذلك وإن لم يكرره فكذلك ما يستلزم ذلك من السب والطعن في الدين ونحو ذلك لا يحتاج إلى تكرير.

الوجه الرابع: أنه إذا أكثر من هذه الأقوال والأفعال فإما أن يقتل لأن جنسها مبيح للدم أو لأن المبيح قدر مخصوص فإن كان الأول فهو المطلوب وإن كان الثاني فما حد ذلك المقدار المبيح للدم؟ وليس لأحد أن يحد في ذلك حدا إلا بنص أو إجماع أو قياس عند من يرى القياس في المقدرات والثلاثة منفية في مثل هذا فإنه ليس في الأصول قول أو فعل يبيح الدم منه عدد مخصوص فلا يبيحه أقل منه ولا ينتقض هذا بالإقرار في الزنا فإنه لا يثبت إلا بأربع مرات عند من يقول به أو القتل بالقسامة فإنه لا يثبت إلا بعد خمسين يمينا عند من يرى القود بها أو رجم الملاعنة فإنه لا يثبت إلا بعد أن يشهد الزوج أربع مرات عند من يرى أنها ترجم بشهادة الزوج إذا نكلت لأن المبيح للدم ليس هو الإقرار ولا الأيمان وإنما المبيح فعل الزنا أو فعل القتل وإنما الإقرار والأيمان حجة ودليل على ثبوت ذلك ونحن لم ننازع في أن الحجج الشرعية لها نصب محدودة وإنما قلنا: "إن نفس القول أو العمل المبيح للدم لا نصاب له في الشرع وإنما الحكم معلق بجنسه".

الوجه الخامس: أن القتل عند كثرة هذه الأشياء إما أن يكون حدا يجب فعله أو تعزيزا يرجع إلى رأي الإمام فإن كان الأول فلا بد من تحديد موجبه ولا حد له إلا تعليقه بالجنس إذ القول بما سوى ذلك تحكم وإن كان الثاني فليس في الأصول تعزير بالقتل فلا يجوز إثباته إلا بدليل يخصه والعمومات الواردة في ذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث " تدل على ذلك أيضا.
الوجه الثاني من الاستدلال به: أن النفر الخمسة الذين قتلوه من المسلمين: محمد بن مسلمة وأبا نائلة وعباد بن بشر والحارث بن أوس وأبا عبس بن جبر قد أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتالوه ويخدعوه بكلام يظهرون به أنهم قد آمنوه ووافقوه ثم يقتلوه ومن المعلوم أن من أظهر لكافر أمانا لم يجز قتله بعد ذلك لأجل الكفر بل لو اعتقد الكافر الحربي أن المسلم آمنه وكلمه على ذلك صار مستأمنا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عمرو بن الحمق: "من آمن رجل على دمه وماله ثم قتله فأنا منه بريء وإن كان المقتول كافرا " رواه الإمام أحمد وابن ماجه.
وعن سليمان بن صرد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا آمنك الرجل على دمه فلا تقتله " رواه ابن ماجه.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الأمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن " رواه أبو داود وغيره.
وقد زعم الخطابي أنهم إنما فتكوا به لأنه كان قد خلع الأمان ونقض العهد قبل هذا وزعم أن مثل هذا جائز في الكافر الذي لا عهد له كما جاز البيات والإغارة عليهم في أوقات الغرة لكن يقال: هذا الكلام الذي كلموه به صار مستأمنا وأدنى أحواله أن يكون له شبهة أمان ومثل ذلك لا يجوز قتله بمجرد الكفر فإن الأمان يعصم دم الحربي ويصير مستأمنا بأقل من هذا كما هو معروف في مواضعه وإنما قتلوه لأجل هجائه وأذاه لله ورسوله ومن حل قتله بهذا الوجه لم يعصم دمه بأمان ولا عهد كما لو آمن المسلم من وجب قتله لأجل قطع الطريق ومحاربة الله ورسوله والسعي في الأرض بالفساد الموجب للقتل أو آمن من وجب قتله لأجل زناه أو آمن من وجب قتله لأجل الردة أو لأجل ترك أركان الإسلام ونحو ذلك ولا يجوز أن يعقد له عقد عهد سواء كان عقد أمان أو عقد هدنة أو عقد ذمة لأن قتله حد من الحدود وليس قتله لمجرد كونه كافرا حربيا كما سيأتي وأما الإغارة والبيات فليس هناك قول أو فعل صاروا به آمنين ولا اعتقدوا أنهم قد أومنوا بخلاف قصة كعب بن الأشرف فثبت أن أذى الله ورسوله بالهجاء ونحوه لا يحقن معه الدم بالأمان فأن لا يحقن معه بالذمة المؤبدة والهدنة المؤقتة بطريق الأولى فإن الأمان يجوز عقده لكل كافر ويعقده كل مسلم ولا يشرط على المستأمن شيء من الشروط والذمة لا يعقدها إلا الإمام أو نائبه ولا يعقد إلا بشروط كثيرة تشترط على أهل الذمة:

من التزام الصغار ونحوه وقد كان عرضت لبعض السفهاء شبهة في قتل ابن الأشرف فظن أن دم مثل هذا يعصم بذمة متقدمة أو بظاهر أمان وذلك نظير الشبهة التي عرضت لبعض الفقهاء حتى ظن أن العهد لا ينتقض بذلك فروى ابن وهب: أخبرني سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد أخي سفيان بنى سعيد الثوري عن أبيه عن عباية قال: ذكر قتل ابن الأشرف عند معاوية فقال ابن يامين: كان قتله غدرا فقال محمد بن مسلمة: يا معاوية أيغدر عندك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا تنكر؟ والله لا يظلني وإياك سقف بيت أبدا ولا يخلوا لي دم هذا إلا قتلته.

وقال الواقدي: حدثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: قال مروان بن الحكم وهو على المدينة وعنده ابن يامين النظري: كيف كان قتل ابن الأشرف؟ قال ابن يامين: كان غدرا ومحمد بن مسلمة جالس شيخ كبير فقال: يا مروان أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عندك؟ والله ما قتلناه إلا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يؤويني وإياك سقف بيت إلا المسجد وأما أنت يا ابن يامين فالله علي إن أفلت وقدرت عليك وفي يدي سيف إلا ضربت به رأسك فكان ابن يامين لا ينزل من بني قريظة حتى يبعث له رسولا ينظر محمد بن مسلمة فإن كان في بعض ضياعه نزل فقضى حاجته ثم صدر وإلا لم ينزل فبينا محمد في جنازة وابن يامين في البقيع فرأى محمد يغشى عليه جرائد يظنه لا يراه فعاجله فقام إليه الناس فقالوا: يا أبا عبد الرحمن ما تصنع؟ نحن نكفيك فقام إليه فلم يزل بضربه به جريدة جريدة حتى كسر ذلك الجريد على وجهه ورأسه حتى لم يترك به مصحا ثم أرسله ولا طباخ به ثم قال: والله لو قدرت على السيف لضربتك به.
فإن قيل: فإذا كان هو وبنو النضير قبيلته موادعين فما معنى ما ذكره ابن إسحاق قال: حدثني مولى لزيد بن ثابت حدثتني ابنة محيصة عن أبيها محيصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه" فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حويصة بن مسعود إذا ذاك لم يسلم وكان أسن من محيصة فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول: أي عدو الله قتلته؟ أما والله لرب شحم في بطنك من ماله فوالله إن كان لأول إسلام حويصة فقال محيصة: فقلت له: والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك فقال حويصة: والله إن دينا بلغ منك هذا لعجب.
وقال الواقدي بالأسانيد المتقدمة: قالوا: فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليلة التي قتل فيها ابن الأشرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه " فخافت يهود فلم يطلع عظيم من عظمائهم ولم ينطلقوا وخافوا أن يبيتوا كما بيت ابن الأشرف وذكر قتل ابن سنينة إلى أن قال: وفزعت يهود ومن معها من المشركين وساق القصة كما تقدم عنه.

فإن هذا يدل على أنهم لم يكونوا موادعين وإلا لما أمر بقتل من صودف منهم ويدل هذا على أن العهد الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين اليهود كان بعد قتل بن الأشرف وحينئذ فلا يكون ابن الأشرف معاهدا.
قلنا: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل من ظفر به منهم لأن كعب بن الأشرف كان من ساداتهم وقد تقدم أنه قال: ما عندكم؟ يعني في النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: عداوته ما حيينا وكانوا مقيمين خارج المدينة فعظم عليهم قتله وكان مما يهيجهم على المحاربة وإظهار نقض العهد نقض العهد انتصارهم للمقتول وذبهم عنه واما من قر فهو مقيم على عهده المتقدم لأنه لم يظهر العداوة ولهذا لم يحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحاربهم حتى أظهروا عداوته بعد ذلك وأما هذا الكتاب فهو شيء ذكره الواقدي وحده.

وقد ذكر هو أيضا أن قتل ابن الأشرف في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأن غزوة بني قنيقاع كانت قبل ذلك في شوال سنة اثنتين بعد بدر بنحو شهر.
وذكر أن الكتاب الذي وادع فيه النبي صلى الله عليه وسلم اليهود كلها كان لما قدم المدينة قبل بدر وعلى هذا فيكون هذا كتابا ثانيا خاصا لبني النضير تجدد فيه العهد الذي بينه وبينهم غير الكتاب الأول الذي كتبه بينه وبين جميع اليهود لأجل ما كانوا قد أرادوا من إظهار العداوة.
وقد تقدم أن ابن الأشرف كان معاهدا وتقدم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب الكتاب لما قدم المدينة في أوائل الأمر والقصة تدل على ذلك وإلا لما جاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكوا إليه قتل صاحبهم ولو كانوا محاربين لم يستنكروا قتله وكلهم ذكر أن قتل ابن الأشرف كان بعد بدر وأن معاهدة النبي صلى الله عليه وسلم كانت قبل بدر كما ذكره الواقدي.
قال ابن إسحاق: "وكان فيما بين ذلك من غزو النبي صلى الله عليه وسلم أمر بني قينقاع يعني فيما بين بدر وغزوة الفرع من العام المقبل في جمادى الأولى وقد ذكر أن بني قينقاع هم أول من حارب ونقض العهد".
(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا (58)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
قوله تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا (58) ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59)}.
قال العلماء: نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور؛ عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل ونزلت الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم؛ عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك؛ إلا أن يأمروا بمعصية الله فإذا أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وإن لم تفعل ولاة الأمر ذلك أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله ورسوله؛ لأن ذلك من طاعة الله ورسوله وأديت حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله. قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}. وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل: فهذان جماع السياسة العادلة والولاية الصالحة.
فصل:
أما أداء الأمانات ففيه نوعان:
أحدهما الولايات: وهو كان سبب نزول الآية. فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة وتسلم مفاتيح الكعبة من بني شيبة طلبها منه العباس. ليجمع له بين سقاية الحاج وسدانة البيت فأنزل الله هذه الآية فدفع مفاتيح الكعبة إلى بني شيبة. فيجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل قال النبي صلى الله عليه وسلم {من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله}. وفي رواية: {من ولى رجلا على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين} رواه الحاكم في صحيحه. وروى بعضهم أنه من قول عمر: لابن عمر روي ذلك عنه. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين ".
وهذا واجب عليه. فيجب عليه البحث عن المستحقين للولايات من نوابه على الأمصار؛ من الأمراء الذين هم نواب ذي السلطان والقضاة ونحوهم ومن أمراء الأجناد ومقدمي العساكر الصغار والكبار وولاة الأموال: من الوزراء والكتاب والشادين والسعاة على الخراج والصدقات وغير ذلك من الأموال التي للمسلمين. وعلى كل واحد من هؤلاء أن يستنيب ويستعمل أصلح من يجده؛ وينتهي ذلك إلى أئمة الصلاة والمؤذنين والمقرئين والمعلمين وأمراء الحاج والبرد والعيون الذين هم القصاد وخزان الأموال وحراس الحصون والحدادين الذين هم البوابون على الحصون والمدائن ونقباء العساكر الكبار والصغار وعرفاء القبائل والأسواق ورؤساء القرى الذين هم " الدهاقين ".
فيجب على كل من ولي شيئا من أمر المسلمين من هؤلاء وغيرهم أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع أصلح من يقدر عليه ولا يقدم الرجل لكونه طلب الولاية أو سبق في الطلب؛بل يكون ذلك سببا للمنع؛ فإن في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم {أن قوما دخلوا عليه فسألوه ولاية؛ فقال: إنا لا نولي أمرنا هذا من طلبه}. {وقال لعبد الرحمن بن سمرة: يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها؛ وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها} أخرجاه في الصحيحين وقال صلى الله عليه وسلم {من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه ومن لم يطلب القضاء ولم يستعن عليه؛ أنزل الله عليه ملكا يسدده}. رواه أهل السنن.

فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو ولاء عتاقة أو صداقة أو مرافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس: كالعربية والفارسية والتركية والرومية؛ أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة؛ أو غير ذلك من الأسباب أو لضغن في قلبه على الأحق أو عداوة بينهما؛ فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل فيما نهي عنه في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} ثم قال: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم}.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #198  
قديم 01-10-2022, 01:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 198)

من صــ 331 الى صـ 340


فإن الرجل لحبه لولده أو لعتيقه قد يؤثره في بعض الولايات أو يعطيه ما لا يستحقه؛ فيكون قد خان أمانته؛ وكذلك قد يؤثره زيادة في ماله أو حفظه؛ بأخذ ما لا يستحقه أو محاباة من يداهنه في بعض الولايات. فيكون قد خان الله ورسوله وخان أمانته. ثم إن المؤدي للأمانة مع مخالفة هواه يثبته الله فيحفظه في أهله وماله بعده والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصده فيذل أهله ويذهب ماله. وفي ذلك الحكاية المشهورة؛ أن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدثه عما أدرك فقال: أدركت عمر بن عبد العزيز؛ قيل له: يا أمير المؤمنين أقفرت أفواه بنيك من هذا المال وتركتهم فقراء لا شيء لهم - وكان في مرض موته - فقال: أدخلوهم علي؛ فأدخلوهم؛ وهم بضعة عشر ذكرا ليس فيهم بالغ فلما رآهم ذرفت عيناه ثم قال لهم: يا بني والله ما منعتكم حقا هو لكم ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم؛ وإنما أنتم أحد رجلين: إما صالح فالله يتولى الصالحين؛ وإما غير صالح فلا أخلف له ما يستعين به على معصية الله قوموا عني. قال: فلقد رأيت بعض بنيه حمل على مائة فرس في سبيل الله؛ يعني أعطاها لمن يغزو عليها.

قلت: هذا وقد كان خليفة المسلمين من أقصى المشرق بلاد الترك إلى أقصى المغرب بلاد الأندلس وغيرها ومن جزائر قبرص وثغور الشام والعواصم كطرسوس ونحوها إلى أقصى اليمن. وإنما أخذ كل واحد من أولاده من تركته شيئا يسيرا يقال: أقل من عشرين درهما - قال وحضرت بعض الخلفاء وقد اقتسم تركته بنوه فأخذ كل واحد منهم ستمائة ألف دينار؛ ولقد رأيت بعضهم يتكفف الناس - أي يسألهم بكفه - وفي هذا الباب من الحكايات والوقائع المشاهدة في الزمان والمسموعة عما قبله؛ ما فيه عبرة لكل ذي لب. وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الولاية أمانة يجب أداؤها في مواضع:

مثل ما تقدم ومثل {قوله لأبي ذر رضي الله عنه في الإمارة: إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها} رواه مسلم. وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قيل يا رسول الله: وما إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة}.
وقد أجمع المسلمون على معنى هذا؛ فإن وصي اليتيم وناظر الوقف ووكيل الرجل في ماله؛ عليه أن يتصرف له بالأصلح فالأصلح كما قال الله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}. ولم يقل إلا بالتي هي حسنة. وذلك لأن الوالي راع على الناس بمنزلة راعي الغنم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛فالإمام الذي على الناس راع؛ وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها والولد راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته؛ والعبد راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته؛ ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}. أخرجاه في الصحيحين وقال صلى الله عليه وسلم {ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه رائحة الجنة} رواه مسلم. ودخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان فقال: السلام عليك أيها الأجير؛ فقالوا: قل السلام عليك أيها الأمير. فقال السلام عليك أيها الأجير. فقالوا: قل: السلام عليك أيها الأمير. فقال السلام عليك أيها الأجير. فقالوا قل السلام عليك أيها الأمير. فقال: السلام عليك أيها الأجير. فقال معاوية: دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول.

فقال: إنما أنت أجير استأجرك رب هذه الغنم لرعايتها؛ فإن أنت هنأت جرباها وداويت مرضاها وحبست أولاها على أخراها: وفاك سيدها أجرك وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو مرضاها؛ ولم تحبس أولاها على أخراها عاقبك سيدها. وهذا ظاهر في الاعتبار؛ فإن الخلق عباد الله والولاة نواب الله على عباده وهم وكلاء العباد على نفوسهم؛ بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر؛ ففيهم معنى الولاية والوكالة؛ ثم الولي والوكيل متى استناب في أموره رجلا وترك من هو أصلح للتجارة أو العقار منه وباع السلعة بثمن وهو يجد من يشتريها بخير من ذلك الثمن؛ فقد خان صاحبه لا سيما إن كان بين من حاباه وبينه مودة أو قرابة فإن صاحبه يبغضه ويذمه ويرى أنه قد خانه وداهن قريبه أو صديقه.

فصل:
اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل؛ ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: اللهم أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة. فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها. فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة؛ قدم أنفعهما لتلك الولاية: وأقلهما ضررا فيها؛ فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع - وإن كان فيه فجور - على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا؛ كما سئل الإمام أحمد: عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف مع أيهما يغزى؟ فقال: إما الفاجر القوي فقوله للمسلمين وفجوره على نفسه؛ وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين فيغزى مع القوي الفاجر.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. وروي بأقوام لا خلاق لهم}. وإن لم يكن فاجرا كان أولى بإمارة الحرب ممن هو أصلح منه في الدين إذا لم يسد مسده. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمل خالد بن الوليد على الحرب منذ أسلم وقال: {إن خالد سيف سله الله على المشركين}. مع أنه أحيانا قد كان يعمل ما ينكره النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه - مرة - قام ثم رفع يديه إلى السماء وقال: {اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد} لما أرسله إلى بني جذيمة فقتلهم وأخذ أموالهم بنوع شبهة ولم يكن يجوز ذلك وأنكره عليه بعض من معه من الصحابة حتى وداهم النبي صلى الله عليه وسلم وضمن أموالهم؛ ومع هذا فما زال يقدمه في إمارة الحرب؛ لأنه كان أصلح في هذا الباب من غيره وفعل ما فعل بنوع تأويل.

كان أبو ذر رضي الله عنه أصلح منه في الأمانة والصدق؛ ومع هذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم {يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي: لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم} رواه مسلم. نهى أبا ذر عن الإمارة والولاية لأنه رآه ضعيفا مع أنه قد روى: {ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر}. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مرة عمرو بن العاص في غزوة " ذات السلاسل - استعطافا لأقاربه الذين بعثه إليهم - على من هم أفضل منه. وأمر أسامة بن زيد؛ لأجل طلب ثأر أبيه. كذلك كان يستعمل الرجل لمصلحة راجحة مع أنه قد كان يكون مع الأمير من هو أفضل منه في العلم والإيمان.

وهكذا أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه ما زال يستعمل خالدا في حرب أهل الردة وفي فتوح العراق والشام وبدت منه هفوات كان له فيها تأويل وقد ذكر له عنه أنه كان له فيها هوى فلم يعزله من أجلها؛ بل عاتبه عليها؛ لرجحان المصلحة على المفسدة في بقائه وأن غيره لم يكن يقوم مقامه؛ لأن المتولي الكبير إذا كان خلقه يميل إلى اللين فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى الشدة؛ وإذا كان خلقه يميل إلى الشدة فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى اللين؛ ليعتدل الأمر. ولهذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يؤثر استنابة خالد؛ وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤثر عزل خالد واستنابة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لأن خالدا كان شديدا كعمر بن الخطاب وأبا عبيدة كان لينا كأبي بكر؛ وكان الأصلح لكل منهما أن يولي من ولاه؛ ليكون أمره معتدلا ويكون بذلك من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو معتدل؛ حقا قال النبي صلى الله عليه وسلم {أنا نبي الرحمة أنا نبي الملحمة} وقال: {أنا الضحوك القتال}.
وأمته وسط قال الله تعالى فيهم: {أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا} وقال تعالى: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}. ولهذا لما تولى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما صارا كاملين في الولاية واعتدل منهما ما كان ينسبان فيه إلى أحد الطرفين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من لين أحدها وشدة الآخر حتى قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم {اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر}. وظهر من أبي بكر من شجاعة القلب في قتال أهل الردة وغيرهم: ما برز به على عمر وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وإذا كانت الحاجة في الولاية إلى الأمانة أشد قدم الأمين: مثل حفظ الأموال ونحوها؛ فأما استخراجها وحفظها فلا بد فيه من قوة وأمانة فيولى عليها شاد قوي يستخرجها بقوته وكاتب أمين يحفظها بخبرته وأمانته. وكذلك في إمارة الحرب إذا أمر الأمير بمشاورة أهل العلم والدين جمع بين المصلحتين؛ وهكذا في سائر الولايات إذا لم تتم المصلحة برجل واحد جمع بين عدد؛ فلا بد من ترجيح الأصلح أو تعدد المولى إذا لم تقع الكفاية بواحد تام.
فصل:
وأهم ما في هذا الباب معرفة الأصلح وذلك إنما يتم بمعرفة مقصود الولاية ومعرفة طريق المقصود؛ فإذا عرفت المقاصد والوسائل تم الأمر. فلهذا لما غلب على أكثر الملوك قصد الدنيا؛ دون الدين؛ قدموا في ولايتهم من يعينهم على تلك المقاصد وكان من يطلب رئاسة نفسه يؤثر تقديم من يقيم رئاسته؛ وقد كانت السنة أن الذي يصلي بالمسلمين الجمعة والجماعة ويخطب بهم: هم أمراء الحرب الذين هم نواب ذي السلطان على الأجناد؛ ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة قدمه المسلمون في إمارة الحرب وغيرها.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على حرب كان هو الذي يؤمره للصلاة بأصحابه وكذلك إذا استعمل رجلا نائبا على مدينة كما استعمل عتاب بن أسيد على مكة وعثمان بن أبي العاص على الطائف وعليا ومعاذا وأبا موسى على اليمن وعمرو بن حزم على نجران: كان نائبه هو الذي يصلي بهم ويقيم فيهم الحدود وغيرها مما يفعله أمير الحرب وكذلك خلفاؤه بعده ومن بعدهم من الملوك الأمويين وبعض العباسيين؛ وذلك لأن أهم أمر الدين الصلاة والجهاد؛ ولهذا كانت أكثر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة والجهاد وكان إذا عاد مريضا يقول: {اللهم اشف عبدك يشهد لك صلاة وينكأ لك عدوا}.

{ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال: يا معاذ إن أهم أمرك عندي الصلاة}. وكذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب إلى عماله: " إن أهم أموركم عندي الصلاة؛ فمن حافظ عليها وحفظها حفظ دينه ومن ضيعها كان لما سواها من عمله أشد إضاعة " {. وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:} الصلاة عماد الدين {. فإذا أقام المتولي عماد الدين: فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي التي تعين الناس على ما سواها من الطاعات كما قال الله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} وقال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} وقال لنبيه: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} وقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} {ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}. فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا؛ وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم. وهو نوعان: قسم المال بين مستحقيه؛ وعقوبات المعتدين فمن لم يعتد أصلح له دينه ودنياه ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول: " إنما بعثت عمالي إليكم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم ويقسموا بينكم فيأكم "}. فلما تغيرت الرعية من وجه والرعاة من وجه؛ تناقضت الأمور.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #199  
قديم 01-10-2022, 01:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 199)

من صــ 341 الى صـ 350


فإذا اجتهد الراعي في إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان كان من أفضل أهل زمانه وكان من أفضل المجاهدين في سبيل الله؛ فقد روي: {يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة} وفي مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أحب الخلق إلى الله إمام عادل وأبغضهم إليه إمام جائر} وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في طاعة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه}. وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم ورجل غني عفيف متصدق}.

وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الساعي على الصدقة بالحق كالمجاهد في سبيل الله} وقد قال الله تعالى - لما أمر بالجهاد -: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} {وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله} أخرجاه في الصحيحين. فالمقصود أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الله: اسم جامع لكلماته التي تضمنها كتابه وهكذا قال الله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} فالمقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط في حقوق الله وحقوق خلقه. ثم قال تعالى:

{وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب}. فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد؛ ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف. وقد روي {عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا - يعني السيف - من عدل عن هذا - يعني المصحف} - فإذا كان هذا هو المقصود فإنه يتوسل إليه بالأقرب فالأقرب وينظر إلى الرجلين أيهما كان أقرب إلى المقصود ولي؛ فإذا كانت الولاية مثلا - إمامة صلاة فقط؛ قدم من قدمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:
{يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يجلس في بيته على تكرمته إلا بإذنه} رواه مسلم فإذا تكافأ رجلان؛ وخفي أصلحهما أقرع بينهما كما أقرع سعد بن أبي وقاص بين الناس يوم القادسية لما تشاجروا على الأذان؛ متابعة لقوله صلى الله عليه وسلم {لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا}. فإذا كان التقديم بأمر الله إذا ظهر وبفعله - وهو ما يرجحه بالقرعة إذا خفي الأمر - كان المتولي قد أدى الأمانات في الولايات إلى أهلها.
فصل:
وأما قوله تعالى {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} فإن الحكم بين الناس يكون في الحدود والحقوق وهما قسمان: فالقسم الأول: الحدود والحقوق التي ليست لقوم معينين؛ بل منفعتها لمطلق المسلمين أو نوع منهم. وكلهم محتاج إليها.
وتسمى حدود الله وحقوق الله: مثل حد قطاع الطريق والسراق والزناة ونحوهم ومثل الحكم في الأموال السلطانية والوقوف والوصايا التي ليست لمعين. فهذه من أهم أمور الولايات؛ ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولا بد للناس من إمارة: برة كانت أو فاجرة. فقيل: يا أمير المؤمنين هذه البرة قد عرفناها. فما بال الفاجرة؟ فقال: يقام بها الحدود وتأمن بها السبل ويجاهد بها العدو ويقسم بها الفيء. وهذا القسم يجب على الولاة البحث عنه وإقامته من غير دعوى أحد به وكذلك تقام الشهادة فيه من غير دعوى أحد به وإن كان الفقهاء قد اختلفوا في قطع يد السارق: هل يفتقر إلى مطالبة المسروق بما له؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره؛ لكنهم متفقون على أنه لا يحتاج إلى مطالبة المسروق بالحد وقد اشترط بعضهم المطالبة بالمال؛ لئلا يكون للسارق فيه شبهة. وهذا القسم يجب إقامته على الشريف والوضيع والضعيف ولا يحل تعطيله؛ لا بشفاعة ولا بهدية ولا بغيرهما ولا تحل الشفاعة فيه. ومن عطله لذلك - وهو قادر على إقامته - فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وهو ممن اشترى بآيات الله ثمنا قليلا. وروى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره. ومن خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع. ومن قال في مسلم دين ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال حتى يخرج مما قال. قيل يا رسول الله: وما ردغة الخبال؟ قال عصارة أهل النار} فذكر النبي صلى الله عليه وسلم الحكماء والشهداء والخصماء وهؤلاء أركان الحكم. وفي الصحيحين {عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد فقال: يا أسامة: أتشفع في حد من حدود الله؟ إنما هلك بنو إسرائيل أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها}. ففي هذه القصة عبرة؛ فإن أشرف بيت كان في قريش بطنان؛ بنو مخزوم وبنو عبد مناف. فلما وجب على هذه القطع بسرقتها - التي هي جحود العارية على قول بعض العلماء أو سرقة أخرى غيرها على قول آخرين - وكانت من أكبر القبائل وأشرف البيوت وشفع فيها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكر عليه دخوله فيما حرمه الله وهو الشفاعة في الحدود ثم ضرب المثل بسيدة نساء العالمين - وقد برأها الله من ذلك - فقال: {لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها}.
وقد روي: أن هذه المرأة التي قطعت يدها تابت وكانت تدخل بعد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فيقضي حاجتها. فقد روي: {إن السارق إذا تاب سبقته يده إلى الجنة وإن لم يتب سبقته يده إلى النار}. وروى مالك في الموطأ: أن جماعة أمسكوا لصا ليرفعوه إلى عثمان رضي الله عنه فتلقاهم الزبير فشفع فيه فقالوا: إذا رفع إلى عثمان فاشفع فيه عنده فقال: " إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع ". يعني الذي يقبل الشفاعة.
{وكان صفوان بن أمية نائما على رداء له في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء لص فسرقه فأخذه فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطع يده فقال: يا رسول الله: أعلى ردائي تقطع يده؟ أنا أهبه له. فقال: فهلا قبل أن تأتيني به ثم قطع يده} رواه أهل السنن يعني صلى الله عليه وسلم أنك لو عفوت عنه قبل أن تأتيني به لكان فأما بعد أن رفع إلي فلا.

فلا يجوز تعطيل الحد لا بعفو ولا بشفاعة ولا بهبة ولا غير ذلك. ولهذا اتفق العلماء - فيما أعلم - على أن قاطع الطريق واللص ونحوهما إذا رفعوا إلى ولي الأمر ثم تابوا بعد ذلك لم يسقط الحد عنهم؛ بل تجب إقامته وإن تابوا فإن كانوا صادقين في التوبة كان الحد كفارة لهم كان تمكينهم من ذلك من تمام التوبة - بمنزلة رد الحقوق إلى أهلها؛ والتمكين من استيفاء القصاص في حقوق الآدميين. وأصل هذا في قوله تعالى {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا} فإن الشفاعة إعانة الطالب حتى يصير معه شفعا بعد أن كان وترا فإن أعانه على بر وتقوى كانت شفاعة حسنة وإن أعانه على إثم وعدوان كانت شفاعة سيئة والبر ما أمرت به والإثم ما نهيت عنه. وإن كانوا كاذبين فإن الله لا يهدي كيد الخائنين.

وقد قال تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم} فاستثنى التائبين قبل القدرة عليهم فقط فالتائب بعد القدرة عليه باق فيمن وجب عليه الحد؛ للعموم والمفهوم والتعليل. هذا إذا كان قد ثبت بالبينة. فأما إذا كان بإقرار وجاء مقرا بالذنب تائبا: فهذا فيه نزاع مذكور في غير هذا الموضع. وظاهر مذهب أحمد:
أنه لا تجب إقامة الحد في مثل هذه الصورة؛ بل إن طلب إقامة الحد عليه أقيم وإن ذهب لم يقم عليه حد. وعلى هذا حمل {حديث ماعز بن مالك لما قال: فهلا تركتموه} وحديث الذي قال " أصبت حدا فأقمه " مع آثار أخر. وفي سنن أبي داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب} وفي سنن النسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا}. وهذا لأن المعاصي سبب لنقص الرزق والخوف من العدو كما يدل عليه الكتاب والسنة.
فإذا أقيمت الحدود ظهرت طاعة الله ونقصت معصية الله تعالى فحصل الرزق والنصر.
ولا يجوز أن يؤخذ من الزاني أو السارق أو الشارب أو قاطع الطريق ونحوهم مال تعطل به الحدود؛ لا لبيت المال ولا لغيره. وهذا المال المأخوذ لتعطيل الحد سحت خبيث وإذا فعل ولي الأمر ذلك فقد جمع فسادين عظيمين:
أحدهما: تعطيل الحد والثاني: أكل السحت. فترك الواجب وفعل المحرم. قال الله تعالى: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون} وقال الله تعالى عن اليهود: {سماعون للكذب أكالون للسحت} لأنهم كانوا يأكلون السحت من الرشوة التي تسمى البرطيل وتسمى أحيانا الهدية وغيرها. ومتى أكل السحت ولي الأمر احتاج أن يسمع الكذب من شهادة الزور وغيرها.
وقد {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش - الواسطة - الذي بينهما} رواه أهل السنن. وفي الصحيحين: {أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله. فقال صاحبه - وكان أفقه منه - نعم يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي.
فقال: قل. فقال: إن ابني كان عسيفا في أهل هذا - يعني أجيرا - فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم وإني سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم. فقال: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: المائة والخادم رد عليك. وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس على امرأة هذا فاسألها فإن اعترفت فارجمها. فسألها فاعترفت فرجمها}. ففي هذا الحديث إنه لما بذل عن المذنب هذا المال لدفع الحد عنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفع المال إلى صاحبه وأمر بإقامة الحد ولم يأخذ المال للمسلمين: من المجاهدين والفقراء وغيرهم.
وقد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ أو غيرهم لا يجوز وأجمعوا على أن المال المأخوذ من الزاني والسارق والشارب والمحارب وقاطع الطريق ونحو ذلك لتعطيل الحد مال سحت خبيث.

(ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59)

قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
فأمر بطاعة أولي الأمر من العلماء والأمراء إذا لم يتنازعوا وهو يقتضي أن اتفاقهم حجة وأمرهم بالرد عند التنازع إلى الله والرسول فأبطل الرد إلى إمام مقلد أو قياس عقلي فاضل.
ثم قال - رحمه الله تعالى -:
فليس عالم من المسلمين يشك في أن الواجب على الخلق طاعة الله ورسوله وأن ما سواه إنما تجب طاعته حيث أوجبها الله ورسوله.

وفي الحقيقة فالواجب في الأصل إنما هو طاعة الله؛ لكن لا سبيل إلى العلم بمأموره وبخبره كله إلا من جهة الرسل والمبلغ عنه إما مبلغ أمره وكلماته فتجب طاعته وتصديقه في جميع ما أمر وأخبر، وإما ما سوى ذلك فإنما يطاع في حال دون حال كالأمراء الذين تجب طاعتهم في محل ولايتهم ما لم يأمروا بمعصية الله، والعلماء الذين تجب طاعتهم على المستفتي والمأمور فيما أوجبوه عليه مبلغين عن الله أو مجتهدين اجتهادا تجب طاعتهم فيه على المقلد ويدخل في ذلك مشايخ الدين ورؤساء الدنيا حيث أمر بطاعتهم كاتباع أئمة الصلاة فيها واتباع أئمة الحج فيه واتباع أمراء الغزو فيه واتباع الحكام في أحكامهم واتباع المشايخ المهتدين في هديهم ونحو ذلك.
والمقصود بهذا الأصل أن من نصب إماما فأوجب طاعته مطلقا اعتقادا أو حالا فقد ضل في ذلك كأئمة الضلال الرافضة الإمامية حيث جعلوا في كل وقت إماما معصوما تجب طاعته فإنه لا معصوم بعد الرسول ولا تجب طاعة أحد بعده في كل شيء والذين عينوهم من أهل البيت منهم من كان خليفة راشدا تجب طاعته كطاعة الخلفاء قبله وهو علي. ومنهم أئمة في العلم والدين يجب لهم ما يجب لنظرائهم من أئمة العلم والدين كعلي بن الحسين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #200  
قديم 01-10-2022, 01:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 200)

من صــ 351 الى صـ 360


وأبي جعفر الباقر؛ وجعفر ابن محمد الصادق. ومنهم دون ذلك.وكذلك من دعا لاتباع شيخ من مشايخ الدين في كل طريق من غير تخصيص ولا استثناء وأفرده عن نظرائه كالشيخ عدي؛ والشيخ أحمد؛ والشيخ عبد القادر؛ والشيخ حيوة؛ ونحوهم. وكذلك من دعا إلى اتباع إمام من أئمة العلم في كل ما قاله وأمر به ونهى عنه مطلقا كالأئمة الأربعة.
وكذلك من أمر بطاعة الملوك والأمراء والقضاة والولاة في كل ما يأمرون وينهون عنه من غير تخصيص ولا استثناء لكن هؤلاء لا يدعون العصمة لمتبوعيهم إلا غالية أتباع المشايخ كالشيخ عدي وسعد المديني بن حمويه ونحوهما؛ فإنهم يدعون فيهم نحوا مما تدعيه الغالية في أئمة بني هاشم من العصمة ثم من الترجيح على النبوة ثم من دعوى الإلهية.

وأما كثير من أتباع أئمة العلم ومشايخ الدين فحالهم وهواهم يضاهي حال من يوجب اتباع متبوعه لكنه لا يقول ذلك بلسانه ولا يعتقده علما فحاله يخالف اعتقاده بمنزلة العصاة أهل الشهوات وهؤلاء أصلح ممن يرى وجوب ذلك ويعتقده.
وكذلك أتباع الملوك والرؤساء هم كما أخبر الله عنهم بقوله: {إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} فهم مطيعون حالا وعملا وانقيادا وأكثرهم من غير عقيدة دينية وفيهم من يقرن بذلك عقيدة دينية. ولكن طاعة الرسول إنما تمكن مع العلم بما جاء به والقدرة على العمل به فإذا ضعف العلم والقدرة صار الوقت وقت فترة في ذلك الأمر فكان وقت دعوة ونبوة في غيره فتدبر هذا الأصل فإنه نافع جدا والله أعلم.

وكذا من نصب القياس أو العقل أو الذوق مطلقا من أهل الفلسفة والكلام والتصوف أو قدمه بين يدي الرسول من أهل الكلام والرأي والفلسفة والتصوف؛ فإنه بمنزلة من نصب شخصا. فالاتباع المطلق دائر مع الرسول وجودا وعدما.
(فصل: أولو الأمر صنفان: الأمراء والعلماء)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
وأولو الأمر صنفان: الأمراء والعلماء وهم الذين إذا صلحوا صلح الناس فعلى كل منهما أن يتحرى بما يقوله ويفعله طاعة الله ورسوله واتباع كتاب الله. ومتى أمكن في الحوادث المشكلة معرفة ما دل عليه الكتاب والسنة كان هو الواجب؛ وإن لم يمكن ذلك لضيق الوقت أو عجز الطالب أو تكافؤ الأدلة عنده أو غير ذلك فله أن يقلد من يرتضي علمه ودينه. هذا أقوى الأقوال.
وقد قيل: ليس له التقليد بكل حال وقيل: له التقليد بكل حال. والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وغيره. وكذلك ما يشترط في القضاة والولاة من الشروط يجب فعله بحسب الإمكان؛ بل وسائر العبادات من الصلاة والجهاد وغير ذلك كل ذلك واجب مع القدرة. فأما مع العجز فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها. ولهذا أمر الله المصلي أن يتطهر بالماء فإن عدمه أو خاف الضرر باستعماله لشدة البرد أو جراحة أو غير ذلك تيمم صعيدا طيبا فمسح بوجهه ويديه منه. {وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: صل قائما. فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب} فقد أوجب الله فعل الصلاة في الوقت على أي حال أمكن كما قال تعالى:
{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون}. فأوجب الله الصلاة على الآمن والخائف والصحيح والمريض والغني والفقير والمقيم والمسافر وخففها على المسافر والخائف والمريض كما جاء به الكتاب والسنة. وكذلك أوجب فيها واجبات:
من الطهارة والستارة واستقبال القبلة وأسقط ما يعجز عنه العبد من ذلك. فلوا انكسرت سفينة قوم أو سلبهم المحاربون ثيابهم صلوا عراة بحسب أحوالهم وقام إمامهم وسطهم؛ لئلا يرى الباقون عورته. ولو اشتبهت عليهم القبلة اجتهدوا في الاستدلال عليها. فلو عميت الدلائل صلوا كيفما أمكنهم كما قد روى أنهم فعلوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهكذا الجهاد والولايات وسائر أمور الدين وذلك كله في قوله تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم}. وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم}. كما أن الله تعالى لما حرم المطاعم الخبيثة قال: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} وقال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}.
وقال تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} فلم يوجب ما لا يستطاع ولم يحرم ما يضطر إليه إذا كانت الضرورة بغير معصية من العبد.
فصل:

يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين؛ بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها. فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم {إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم}. رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة.
وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم} فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع. ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة. وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم. وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة؛ ولهذا روي: {أن السلطان ظل الله في الأرض}.

ويقال {ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان}.
والتجربة تبين ذلك. ولهذا كان السلف - كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما - يقولون: لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان. وقال النبي صلى الله عليه وسلم {إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم}. رواه مسلم. وقال: {ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمور ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم}.
رواه أهل السنن. وفي الصحيح عنه أنه قال: {الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة. قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم}. فالواجب اتخاذ الأمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله؛ فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات. وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال بها. وقد روى كعب بن مالك {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه}. قال الترمذي حديث حسن صحيح. فأخبر أن حرص المرء على المال والرياسة يفسد دينه مثل أو أكثر من فساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم. وقد أخبر الله تعالى عن الذي يؤتى كتابه بشماله أنه يقول: {ما أغنى عني ماليه} {هلك عني سلطانيه}. وغاية مريد الرياسة أن يكون كفرعون وجامع المال أن يكون كقارون وقد بين الله تعالى في كتابه حال فرعون وقارون فقال تعالى: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق} وقال تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}.
فإن الناس أربعة أقسام:
القسم الأول: يريدون العلو على الناس والفساد في الأرض وهو معصية الله وهؤلاء الملوك والرؤساء المفسدون كفرعون وحزبه. وهؤلاء هم شرار الخلق. قال الله تعالى: {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين} وروى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان فقال رجل يا رسول الله: إني أحب أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنا. أفمن الكبر ذاك؟ قال: لا؛ إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس} فبطر الحق دفعه وجحده. وغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم وهذا حال من يريد العلو والفساد. والقسم الثاني: الذين يريدون الفساد بلا علو كالسراق والمجرمين من سفلة الناس. والقسم الثالث: يريدون العلو بلا فساد كالذين عندهم دين يريدون أن يعلوا به على غيرهم من الناس.

وأما القسم الرابع: فهم أهل الجنة الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا مع أنهم قد يكونون أعلى من غيرهم كما قال الله تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} وقال تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم} وقال: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}.
فكم ممن يريد العلو ولا يزيده ذلك إلا سفولا وكم ممن جعل من الأعلين وهو لا يريد العلو ولا الفساد؛ وذلك لأن إرادة العلو على الخلق ظلم؛ لأن الناس من جنس واحد فإرادة الإنسان أن يكون هو الأعلى ونظيره تحته ظلم ومع أنه ظلم فالناس يبغضون من يكون كذلك ويعادونه؛ لأن العادل منهم لا يحب أن يكون مقهورا لنظيره وغير العادل منهم يؤثر أن يكون هو القاهر ثم إنه مع هذا لا بد له - في العقل والدين - من أن يكون بعضهم فوق بعض كما قدمناه كما أن الجسد لا يصلح إلا برأس. قال تعالى: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم} وقال تعالى: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}.
فجاءت الشريعة بصرف السلطان والمال في سبيل الله. فإذا كان المقصود بالسلطان والمال هو التقرب إلى الله وإنفاق ذلك في سبيله كان ذلك صلاح الدين والدنيا. وإن انفرد السلطان عن الدين أو الدين عن السلطان فسدت أحوال الناس وإنما يمتاز أهل طاعة الله عن أهل معصيته بالنية والعمل الصالح كما في الصحيحين {عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم}. ولما غلب على كثير من ولاة الأمور إرادة المال والشرف وصاروا بمعزل عن حقيقة الإيمان في ولايتهم: رأى كثير من الناس أن الإمارة تنافي الإيمان وكمال الدين. ثم منهم من غلب الدين وأعرض عما لا يتم الدين إلا به من ذلك. ومنهم من رأى حاجته إلى ذلك؛ فأخذه معرضا عن الدين؛ لاعتقاده أنه مناف لذلك وصار الدين عنده في محل الرحمة والذل. لا في محل العلو والعز. وكذلك لما غلب على كثير من أهل الدين العجز عن تكميل الدين والجزع لما قد يصيبهم في إقامته من البلاء: استضعف طريقتهم واستذلها من رأى أنه لا تقوم مصلحته ومصلحة غيره بها.
وهاتان السبيلان الفاسدتان - سبيل من انتسب إلى الذين ولم يكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب ولم يقصد بذلك إقامة الدين - هما سبيل المغضوب عليهم والضالين. الأولى للضالين النصارى والثانية للمغضوب عليهم اليهود. وإنما الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين هي سبيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسبيل خلفائه وأصحابه ومن سلك سبيلهم. وهم {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} فالواجب على المسلم أن يجتهد في ذلك بحسب وسعه؛ فمن ولي ولاية يقصد بها طاعة الله وإقامة ما يمكنه من دينه ومصالح المسلمين وأقام فيها ما يمكنه من الواجبات واجتناب ما يمكنه من المحرمات: لم يؤاخذ بما يعجز عنه؛ فإن تولية الأبرار خير للأمة من تولية الفجار.

ومن كان عاجزا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد ففعل ما يقدر عليه من النصيحة بقلبه والدعاء للأمة ومحبة الخير وفعل ما يقدر عليه من الخير: لم يكلف ما يعجز عنه؛ فإن قوام الدين بالكتاب الهادي والحديد الناصر كما ذكره الله تعالى. فعلى كل أحد الاجتهاد في اتفاق القرآن والحديد لله تعالى ولطلب ما عنده مستعينا بالله في ذلك؛ ثم الدنيا تخدم الدين كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه يا ابن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج فإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظاما وإن بدأت بنصيبك من الدنيا فاتك نصيبك من الآخرة وأنت من الدنيا على خطر.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 347.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 341.91 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]