كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الاكتفاء بسماع أذكار الصباح والمساء عند قولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          قراءة القرآن بصوت مرتفع في المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الفرصة الأخيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ترزقوا وتنصروا وتجبروا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          لا سمَرَ إلَّا لِمُصَلٍّ ، أوْ مُسافِرٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-07-2022, 01:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام

كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام (1)






كتبه/ أشرف الشريف


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد خَفَقَتْ رَايَاتُ الظَّلَامِ، وَبِدَعُ الكَلَامِ، وَأَقْبَلت زُيوفٌ البِدْعَةِ، تُعِيدُ لابن حَنْبَل المحنة، حِينَ مدَّ التَّصَوّفُ الفَلْسَفِي رَوَاقَه، وأَلْقَى المَذْهَبُ الكلامي البَاطنيّ أَرْوَاقَه، وحَلّ نطاقه، وألقى بكلكله، فأناخ بنوازله، وبث أوهامه، وأحل بنا أثقاله، وقد كان الأئمة الأعلام مِن قَبْل يدمغون أي بادرة له، ويقتحمون عليه أسواره، فيهتكون ستره، ويحذرون المسلمين من شرِّه، وما فيه من طوية معلولة، وعقيدة مدخولة.

والآن في غفلة وجفوة وسطوة ينتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ: أنَّ الْقُبُورَ الّتِي تُدْفَنُ فِيهَا جُثَثٌ لاَ حَرَكَةَ لَهَا تَنْفَعُ وتَضُرُّ، ويُطَاف بها، ويُنادَى أهلها؛ فيستغاث بهم، ويُسْتشفع... !

وأخَذَت تِلْكَ الْخُرافَةُ ترْتَفِعُ إلَى الذِّرْوَةِ، والْمُؤْسِفِ أَنَّهَا تتَمَتَّعُ بِسُلْطَانٍ كَبيرٍ بينَ الْمُتَعَلِّمين، الأمر الذي يوجب البيان، وكشف اللثام عن زخرف البطلان، ووساوس الأوهام، واللعب بالكلام، صيانةً لجَنَابِ التَّوحيد وسَلَامَةً لدين العَبِيدِ.

قال مصطفى لطفي المَنْفَلُوطي في كتابه "النظرات" (2/ 16) وهو يحكي أن كاتبًا من الهند أرسل له رسالة: (ويقول الكاتب أيضًا: إن في بلدة "ناقور" في الهند قبرًا يُسَمَّى: "شاه الحميد"، وهو أحدُ أولادِ السيد عبد القادرِ -كما يَزْعمونَ-، وإنَّ الهنود يَسْجُدون بين يديّ ذلك القبر سجودهم بين يديّ الله، وإنّ في كلِ بلدةٍ وقريةٍ من بُلدانِ الهند وقُرَاها مزارًا يُمثل مَزار السّيد عبد القادرِ، فيكون القبلة التي يتوجَّه إليها المسلمون في تلك البلادِ، والملجأ الذي يلجئون في حاجاتهم وشدائدهم إليه، وينفقون من الأموال على خدمته وسَدَنته وفي موالده وحفلاته، ما لو أنفق على فقراء الأرض جميعًا لصاروا أغنياءَ!

هذا ما كتبه إليّ ذلك الكاتبُ، ويعلمُ الله أني ما أتممتُ قراءة رسالته حتى دارتْ بي الأرض الفضاء، وأظلمتْ الدنيا في عيني، فما أُبصر مما حولي شيئًا حزنًا وأسفًا على ما آلت إليه حالة الإسلام بين أقوامٍ أنكروه بعد ما عرفوه، ووضعوه بعد ما رفعوه، وذهبوا به مذاهب لا عهد له بها، ولا قِبَل له باحتمالها!

أَيُّ عَيْنٍ يَجْمُلُ بِهَا أَنْ تَسْتَبْقِيَ من شئونها قَطْرَةً لاَ تُرِيقُهَا أَمَامَ هَذَا الْمَنْظَرِ المُؤَثِّرِ؛ مَنْظَرِ أولَئِكَ الْمُسْلِمينَ وهُمْ رُكَّعٌ سُجَّدٌ عَلَى أعْتَابِ قَبْرٍ مَيّت؟! ورُبَّمَا كَانَ بَيْنَهُم منْ هُوَ خَيْرٌ فِي حَياتِهِ؛ فَأحْرَى أنْ يَكُونَ كَذَلِكَ بَعْدَ مَمَاتِهِ!

أيُّ قَلْبٍ يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَقِرَّ بَيْنَ جَنْبَيْ صَاحِبِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً؛ فَلاَ يَخْفقُ وَجْدًا أو يَطِيرُ جَزَعًا... ؟!

كثيرًا ما يضمر الإنسان في نفسه أمرًا وهو لا يشعر به، وكثيرًا ما تشتمل نفسه على عقيدةٍ وهو لا يحس باشتمال نفسه عليها، ولا أرى مَثَلًا لذلك أقرب من المسلمين الذين يلجئون في حاجاتهم ومطالبهم إلى سكانِ القبور ويتضرعون إليهم تضرعهم للإله المعبود، فإذا عتب عليهم في ذلك عاتب قالوا: إنا لا نعبدهم وإنما نتوسل بهم إلى الله، كأنهم لا يشعرون أن العبادة ما هم فيه، وأن أكبر مظهر من مظاهر الإله المعبود أن يقف عباده بين يديه ضارعين إليه يلتمسون إمداده ومعونته" (انتهى).

ولست أدري بأي وجهٍ ينادي هؤلاء بمشروعية تلك القباب والأضرحة، وما يجري ولها وحولها وداخلها!

إنَّ الألم والخجلَ من العِلْم وأهله ليعلوني حين أستمع إلى أدلتهم الموضوعة متنًا، والمجهولة سندًا، وما صَحَّ منها حوَّلوه عن وجهه -قسرًا- بتأويلاتٍ كاسدةٍ، وتبريراتٍ فاسدةٍ، تنعي الأمانة في النقل، والنعمة في الفهم، ويكفينا بدايةً أن نعلم أن ما يقيمون لأجله الضَّجة، ويقتلون في سبيله السُّنَّة، وحقائق توحيد الملة، هو أمر مبتدع محدث!

قال شَيْخُ الإسْلام ابنِ تيميةَ في "مجموع الفتاوى" (27/ 466): (وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ؛ لَا فِي الْحِجَازِ وَلَا الْيَمَنِ، وَلَا الشَّامِ وَلَا الْعِرَاقِ، وَلَا مِصْرَ وَلَا خُرَاسَانَ، وَلَا الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ أُحْدِثَ مَشْهَدٌ لَا عَلَى قَبْرِ نَبِيٍّ، وَلَا صَاحِبٍ، وَلَا أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَلَا صَالِحٍ أَصْلًا، بَلْ عَامَّةُ هَذِهِ الْمَشَاهِدِ مُحْدَثَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ ظُهُورُهَا وَانْتِشَارُهَا حِينَ ضَعُفَتْ خِلَافَةُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَتَفَرَّقَتْ الْأُمَّةُ وَكَثُرَ فِيهِمْ الزَّنَادِقَةُ الْمُلَبِّسُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَفَشَتْ فِيهِمْ كَلِمَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَذَلِكَ مِنْ دَوْلَةِ الْمُقْتَدِرِ فِي أَوَاخِرَ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ؛ فَإِنَّهُ إذْ ذَاكَ ظَهَرَتْ الْقَرَامِطَةُ العبيدية القداحية بِأَرْضِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ جَاءُوا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَرْضِ مِصْرَ).

وقال الذهبي في السِّير عند ترجمته لسيدتنا نَفِيْسَة: (وَلِجَهَلَةِ ‌المِصْرِيِّيْنَ ‌فِيْهَا ‌اعْتِقَادٌ ‌يَتَجَاوَزُ ‌الوَصْفَ، وَلَا يَجُوْزُ مِمَّا فِيْهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَيَسْجُدُوْنَ لَهَا، وَيَلْتَمِسُوْنَ مِنْهَا المَغْفِرَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ دَسَائِسِ دُعَاةِ العُبَيْدِيَّةِ).

وقال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية": (‌وَقَدْ ‌بَالَغَ ‌الْعَامَّةُ ‌فِي ‌أَمْرِهَا ‌كَثِيرًا ‌جِدًّا، وَيُطْلِقُونَ فِيهَا عِبَارَاتٍ بَشِعَةً فِيهَا مُجَازَفَةٌ تُؤَدِّي إِلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَأَلْفَاظًا كَثِيرَةً يَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفُوا بِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إِطْلَاقُهَا فِي مِثْلِ أَمْرِهَا، وَرُبَّمَا نَسَبَهَا بَعْضُهُمْ إِلَى زَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَلَيْسَتْ مِنْ سُلَالَتِهِ، وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ فِيهَا مِنَ الصَّلَاحِ مَا يَلِيقُ بِأَمْثَالِهَا مِنَ النِّسَاءِ الصَّالِحَاتِ، وَأَصْلُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ مِنَ الْمُغَالَاةِ فِي الْقُبُورِ وَأَصْحَابِهِا، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ وَطَمْسِهَا. وَالْمُغَالَاةُ فِي الْبَشَرِ حَرَامٌ).

ومِن الثَّابِت: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‌أخفى ‌قبر النبي دانيال عليه السلام لما ظهر بتَسْتُر، لأن أبا موسى واليه هناك أخبره أن الناس يستسقون به؛ فأراد عمر أن يسد الذريعة إلى الشرك، فكتب إليه أن يحفر بالنهار ثلاثة عشر قبرًا ثم يدفنه بالليل في واحدٍ منها، ويعفيه؛ لئلا يفتتن به الناس؛ فقارن بين فعل المبتدعة المحرِّفين، وفعل الصحابة المهتدين!


وقد فعل سيدنا عمر رضي الله عنه ذلك في زمن الصحابة؛ فكيف بزماننا وهذه الأصوات ترتفع بنداء الأموات تتمرغ بتراب القبور؟!

وللحديث بقية إن شاء الله.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28-07-2022, 12:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام



كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام (2)

الرد على قولهم إن الشرك لا يظهر بين أفراد الأمة










كتبه/ أشرف الشريف


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فبخطٍّ سقيمٍ، وخاطرٍ عقيمٍ، ودليل مضطرب الحروف، متضاعف الضعف والتحريف، يدعو بعضهم إلى التمسح بالقبور، ونداء أصحابها الذين لا يملكون نفعًا ولا ضرًّا، بل ربما كان بعضهم في أمس الحاجة لأن يدعو الحي له، ولما كانت حجتهم داحضة وبضاعتهم مزجاة مضمحلة؛ سارعوا إلى نصب سراب -يرمي مخالفيهم بلفظ مشين واتهام ساقطٍ سقيم- عساه يشغب على الحقيقة، ويأخذ بأبصار المريدين؛ فلا تلحظ بوار طريقتهم، وانفصال دعوتهم عن هدي السلف والعلماء الربانيين.

وعَلَت الأصوات: هؤلاء وهابية تيمية، ابتدعوا ما لم يقله أحدٌ، فكان هذا البيان الواجب: "كشف اللثام عن حقيقة المتصوفة مِن كلام الأئمة الأعلام"؛ لتسقط دعواهم، ويذهب سرابهم، ويبين عوارهم.

وقد مَضَى معنا أن الإمام الذهبي بيَّن في السِّيَر حقيقة ما يفعله الناس عند ضريح سيدتنا نَفِيْسَة حيث قال: "وَلِجَهَلَةِ ‌المِصْرِيِّيْنَ ‌فِيْهَا ‌اعْتِقَادٌ ‌يَتَجَاوَزُ ‌الوَصْفَ، وَلَا يَجُوْزُ مِمَّا فِيْهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَيَسْجُدُوْنَ لَهَا، وَيَلْتَمِسُوْنَ مِنْهَا المَغْفِرَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ دَسَائِسِ دُعَاةِ العُبَيْدِيَّةِ"، وهذا الكلام مهم للغاية؛ فقد أبان أن بعضَ هذه الاعتقادات لا تجوز؛ لأنها شرك، كما أن نداءَ الميت بقول: مدد يا فلان، هو نداء للميت وليس نداء لله، وطلب للعون من الميت وليس من الله؛ إذ نداء الله معلوم: (اللهم)، أو كما كان الأنبياء يقولون: (رَبِّ).

ثم بين الإمام الذهبي أن ما يدعو إليه هؤلاء من الطواف بالأضرحة وندائها، والاستغاثة بها ليس من الإسلام في شيء، بل هو مِن دَسَائِس دُعَاةِ العُبَيْدِيَّةِ -الشيعة الباطنية-، وهذا يرد على متصوفة زماننا الذين يحرِّفون ويتلاعبون بالألفاظ، مع أن باب العقيدة لا يحتمل هذا التلاعب لقيامه على سدِّ الذريعة، فحين يقول ربنا: "‌وَلَا ‌تَقْرَبُوا ‌الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا"، فمِن باب أولى نقول للناس: "ولا تقربوا الشرك"؛ لأن أمره أخطر "‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌لَا ‌يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا".

قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية": "‌وَقَدْ ‌بَالَغَ ‌الْعَامَّةُ ‌فِي ‌أَمْرِهَا ‌-يعني السيدة نفيسة- كَثِيرًا ‌جِدًّا، وَيُطْلِقُونَ فِيهَا عِبَارَاتٍ بَشِعَةً، فِيهَا مُجَازَفَةٌ تُؤَدِّي إِلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ!"؛ فانظر وتأمل حتى لا تغتر بمعسول التبريرات مع سيل الاتهامات؛ هذا كلام الحافظ ابن كثير، وليس كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

فإن قالوا لنا: على رسلكم، إن النبي صلى الله عليه وسلم نفى وقوع الشرك في أمته، وقال كما عند البخاري: "وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي"؛ قلنا: على رسلكم أنتم، ولا تستقلوا بفهم النصوص بعقولكم وأهوائكم، فليس في الحديث نفي لوقوع الشرك في هذه الأمة، بل فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخاف على وقوع الأمة بمجملها وجموعها كلها في الشرك؛ لأن الله عز وجل عَصَمَها مِن ذلك، فهي لا تجتمع على ضلالة؛ فضلًا عن الشرك، أما آحاد الأمة وبعض أفرادها فقد يقع منهم الشرك، وهذا ظاهر بوقوع بعضهم في الردة عن الدِّين، وكذلك دلَّت نصوص أخرى على إخباره صلى الله عليه وسلم بأن بعض أمته يقع في الشرك.

وهذا الفهم هو فهم العلماء والأئمة؛ قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: "وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه سلم، ‌فَإِنَّ ‌مَعْنَاهُ: ‌الْإِخْبَارُ ‌بِأَنَّ ‌أُمَّتَهُ ‌تَمْلِكُ ‌خَزَائِنَ ‌الْأَرْضِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ، وَأَنَّهَا لَا تَرْتَدُّ جُمْلَةً، وَقَدْ عَصَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهَا تَتَنَافَسُ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ وَقَعَ كُلُّ ذَلِكَ".

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: "قَوْلُهُ: (مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا) ‌أَيْ: ‌عَلَى ‌مَجْمُوعِكُمْ؛ ‌لِأَنَّ ‌ذَلِكَ ‌قَدْ ‌وَقَعَ مِنَ الْبَعْضِ -أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى-".

وقد دلَّت السنة الصحيحة على أن مِن هذه الأمة مَن يشرك بالله تعالى، ففي الحديث المتفق عليه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ"، وَذُو الْخَلَصَةِ: طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وعند مسلم: "لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا؟ قَالَ: إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ"، وبذا استبان أن بعض المسلمين سوف يقع في الشرك والردة، مِن دون أن يعم ذلك جميع الأمة.

وكيف يشك مسلم في أن دعاء الأموات، والتضرع إليهم في الملمات، وسؤالهم تفريج الكربات مِن الشرك؟!

بل هذا عين ما كان يفعله المشركون الأوائل؛ طلبًا للزلفى أو الشفاعة عند الله، كما قال تعالى: "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ"، وقال سبحانه: "وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ . وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا".

قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: "‌فَمَنْ ‌جَعَلَ ‌الْمَلَائِكَةَ ‌وَالْأَنْبِيَاءَ ‌وَسَائِطَ ‌يَدْعُوهُمْ ‌وَيَتَوَكَّلُ ‌عَلَيْهِمْ، ‌وَيَسْأَلُهُمْ ‌جَلْبَ ‌الْمَنَافِعِ وَدَفْعَ الْمَضَارِّ مِثْلَ أَنْ يَسْأَلَهُمْ: غُفْرَانَ الذَّنْبِ، وَهِدَايَةَ الْقُلُوبِ، وَتَفْرِيجَ الْكُرُوبِ، وَسَدَّ الفاقات؛ فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ".

ونقل هذا الإجماع غيرُ واحدٍ مِن أهل العلم مقرِّين له؛ قال في "كشاف القناع" بعد ذكر هذا الإجماع في باب حكم المرتد: "‌لأن ‌ذلك ‌كفعل ‌عابدي ‌الأصنام قائلين: مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى"، وقد صَرَّح الرازي بأن ما يفعله بعض الجهلة من المسلمين من التعلُّق بالقبور هو عين ما كان عليه المشركون الأوائل، فقال في تفسير آية يونس السابقة: "وَرَابِعُهَا: ‌أَنَّهُمْ ‌وَضَعُوا ‌هَذِهِ ‌الْأَصْنَامَ ‌وَالْأَوْثَانَ ‌عَلَى ‌صُوَرِ ‌أَنْبِيَائِهِمْ ‌وَأَكَابِرِهِمْ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ مَتَى اشْتَغَلُوا بِعِبَادَةِ هَذِهِ التَّمَاثِيلِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الْأَكَابِرَ تَكُونُ شُفَعَاءَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى، وَنَظِيرُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ اشْتِغَالُ كَثِيرٍ مِنَ الْخَلْقِ بِتَعْظِيمِ قُبُورِ الْأَكَابِرِ، عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُمْ إِذَا عَظَّمُوا قُبُورَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ شُفَعَاءَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّه".

وفي الختام: قد خاف خليلُ الله إبراهيم عليه السلام مِن الوقوع في الشرك، فسارع بدعاء ربِّه بالعصمة: "‌وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ"؛ فكيف بمَن دونه؟! لذا علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن ندعو: "اللَّهُمَّ أَنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ ‌أَنْ ‌أُشْرِكَ ‌بِك ‌شَيْئًا وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُك لِمَا لَا أَعْلَمُ".


وللحديث بقية إن شاء الله.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13-08-2022, 03:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام



كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام (3)

سفه عظيم وضلال جديد!









كتبه/ أشرف الشريف


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

من يرى بعين البصر والبصيرة ما يجري عند الأضرحة من استغاثات بغير الله، وطواف بغير الكعبة، وسجود لغير القبلة، ونذر لغير الله؛ يدرك عظيم الكارثة وكبير الفاجعة في جناب التوحيد، وديانة الناس لرب العبيد؛ فالأموال للأضرحة مدرارة، والوفود إليها فوّارة، والأدلة الباطلة والتبريرات ممَّن له مظهر أهل العلم على ذلك كثيرة سيَّارة!

حتى إنك لتدرك بأقل إدراك، مدى السذاجة في استعمال الأدلة وتفسيرها على غير مرادها، وتحميلها ما لا تحتمل، وبلغ الأمر الزبى حين يبدأون في الدعاء بغير الله، فيقولون: "مدد يا سيدي فلان... "، وتجاوز بعضهم فأوجب نداء الأموات في قبورهم عند المدلهمات؛ الأمر الذي يجعل العقلاء يضجون، ويبكون التوحيد، وينكرون المنكر الأكبر!

وللهِ درُّ الإمام الشّوكاني حيثُ يَقُولُ في "نيل الأوطار": "‌وَكَمْ ‌قَدْ ‌سَرَى ‌عَنْ ‌تَشْيِيدِ ‌أَبْنِيَةِ ‌الْقُبُورِ ‌وَتَحْسِينِهَا ‌مِنْ ‌مَفَاسِدَ يَبْكِي لَهَا الْإِسْلَامُ، مِنْهَا: اعْتِقَادُ الْجَهَلَةِ لَهَا كَاعْتِقَادِ الْكُفَّارِ لِلْأَصْنَامِ: وَعَظُمَ ذَلِكَ فَظَنُّوا أَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى جَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ، فَجَعَلُوهَا مَقْصِدًا لِطَلَبِ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ، وَمَلْجَأً لِنَجَاحِ الْمَطَالِبِ، وَسَأَلُوا مِنْهَا مَا يَسْأَلُهُ الْعِبَادُ مِنْ رَبِّهِمْ، وَشَدُّوا إلَيْهَا الرِّحَالَ وَتَمَسَّحُوا بِهَا وَاسْتَغَاثُوا، وَبِالْجُمْلَةِ إنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا شَيْئًا مِمَّا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ بِالْأَصْنَامِ إلَّا فَعَلُوهُ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَمَعَ هَذَا الْمُنْكَرِ الشَّنِيعِ، وَالْكُفْرِ الْفَظِيعِ؛ لَا تَجِدُ مَنْ يَغْضَبُ لِلَّهِ، وَيَغَارُ حَمِيَّةً لِلدِّينِ الْحَنِيفِ؛ لَا عَالِمًا وَلَا مُتَعَلِّمًا، وَلَا أَمِيرًا وَلَا وَزِيرًا، وَلَا مَلِكًا، وَقَدْ تَوَارَدَ إلَيْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ مَا لَا يُشَكُّ مَعَهُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَقْبُورِينَ أَوْ أَكْثَرِهِمْ إذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ مِنْ جِهَةِ خَصْمِهِ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَاجِرًا، فَإِذَا قِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: احْلِفْ بِشَيْخِك وَمُعْتَقَدِكَ الْوَلِيِّ الْفُلَانِيِّ تَلَعْثَمَ وَتَلَكَّأَ وَأَبَى، وَاعْتَرَفَ بِالْحَقِّ.

وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ شِرْكَهُمْ قَدْ بَلَغَ فَوْقَ شِرْكِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ تَعَالَى ثَانِيَ اثْنَيْنِ، أَوْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ! فَيَا عُلَمَاءَ الدِّينِ وَيَا مُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ، أَيُّ رُزْءٍ لِلْإِسْلَامِ أَشَدُّ مِنْ الْكُفْرِ؟! وَأَيُّ بَلَاءٍ لِهَذَا الدِّينِ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ؟ وَأَيُّ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ تَعْدِلُ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ؟! وَأَيُّ مُنْكَرٍ يَجِبُ إنْكَارُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ إنْكَارُ هَذَا الشِّرْكِ الْبَيِّنِ وَاجِبًا؟!

لَقَدْ أَسْمَعْت لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا … وَلَكِنْ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي

وَلَوْ نَارًا نَفَخْت بِهَا أَضَاءَتْ … وَلَكِنْ أَنْتَ تَنْفُخُ فِي رَمَادِ

وقال الآلوسي في روح المعاني عند تفسير قوله تعالى: "‌ثُمَّ ‌إِذَا ‌كَشَفَ ‌الضُّرَّ ‌عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ": "‌وفي ‌الآية ‌ما ‌يدل ‌على ‌أن ‌صنيع أكثر العوام اليوم مِن اللجوء إلى غيره تعالى؛ ممَّن لا يملك لهم، بل ولا لنفسه نفعًا ولا ضرًّا عند إصابة الضر لهم، وإعراضهم عن دعائه تعالى عند ذلك بالكلية سفه عظيم، وضلال جديد، لكنه أشد من الضلال القديم.

ومما تقشعر منه الجلود، وتصعر له الخدود الكفرة أصحاب الأخدود؛ فضلًا عن المؤمنين باليوم الموعود: أن بعض المتشيخين قال لي وأنا صغير: إياك ثم إياك أن تستغيث بالله تعالى إذا خطب دهاك، فإن الله تعالى لا يعجل في إغاثتك، ولا يهمه سوء حالتك، وعليك بالاستغاثة بالأولياء السالفين، فإنهم يعجلون في تفريج كربك، ويهمهم سوء ما حل بك فمج ذلك سمعي وهمي ودمعي، وسألت الله أن يعصمني والمسلمين من أمثال هذا الضلّال المبين، ولكثير من المتشيخين اليوم كلمات مثل ذلك!".

قلتُ: صدق الإمام الآلوسي، فقد سمعتها بنفسي في فيديو مسجَّل لبعض هؤلاء الطرقية، وهو يخاطب بعض المريدين!

ومَن تأمل كلمات وتوجيهات أكثر هؤلاء؛ أدرك ذلك بوضوح حتى وإن لم يصرح بعضهم، فلسان الحال دال على ذلك.

وقال الآلوسي أيضًا عند تفسير قوله تعالى: "‌وَما ‌يُؤْمِنُ ‌أَكْثَرُهُمْ ‌بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ": "وقد يقال نظرًا إلى مفهوم الآية: ‌إنهم ‌من ‌يندرج ‌فيهم كل من أقر بالله تعالى وخالقيته مثلًا، وكان مرتكبًا ما يعد شركًا كيفما كان، ومن أولئك عبدة القبور الناذرون لها، المعتقدون للنفع والضر ممَّن الله تعالى أعلم بحاله فيها، وهم اليوم أكثر من الدود".

ورحم الله شَاعِرَ النِّيلِ حَافِظَ إبراهيم في قوله يخاطب الأستاذ الإمام محمد عبده:

إمام الهدى إني أرى القوم أبدعوا … لهم بدعًا عنها الشريعة تعزف

رأوا في قبور الميتين حياتهم … فقاموا إلى تلك القبور وطوفوا

وباتوا عليها جاثمين كأنهم … على صنم الجاهلية عكف

ولمّا قرأ حافظ في جريدة أن دَخْل قبر السيد البدوي ستون ألف جنيه، في وقت كان هو يعاني فيه مِن الفقر، أنشد:

أحْيــَاؤُنَا لاَ يُـرْزَقُونَ بِدِرْهَـمٍ وبألْفِ ألْفٍ تُرْزَقُ الأَمْـواتُ

مَنْ لِـي بِحَـظِّ النَّائِمـينَ بِحُفْرَةٍ قَامَتْ عَلَى أعْتَابِهَا الصَّلَواتُ

يَسْعَى الأنَامُ لَهَا ويَجْرِي حَولَــهَا بَحْــرُ النُّذُورِ وتُقْرَأُ الآياتُ

وَيُقَالُ: هَذَا القُطْبُ بَابُ الْمُصْطَفَى ووَسِيلَةٌ تُقْضَى بِهَا الْحَاجَاتُ

للسيد البدوي دخلُ قدره ‏ستون ألفًا والحظوظ هباتُ

‏وأنا أُعذَّبُ في الوجودِ وليس لي ‏يا أمَّ عمرٍو ما به أقتاتُ!


وقال مصطفى المنفلوطي في النظرات: "كل ما نراه اليوم بين المسلمين من الخلط في عقيدة القضاء والقدر، وعقيدة التوكل، ‌وتشييد ‌الأضرحة وتجصيص القبور وتزيينها، والترامي على أعتابها، والاهتمام بصور العبادات وأشكالها دون حكمها وأسرارها، وإسناد النفع والضرر إلى رؤساء الدين، وأمثال ذلك، أثر من آثار المسيحية الأولى، وليس من الإسلام في شيء".




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21-08-2022, 02:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام



كَشْفُ اللثَامِ مِنْ كَلَامِ الأَئِمّةِ الأَعْلَامِ (4)

(علماء الحنفية)









كتبه/ أشرف الشريف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال أبو المعالي برهان الدين محمود بن أحمد بن مَازَةَ البخاري الحنفي (ت ???هـ) في كتاب: (المحيط البرهاني في الفقه النعماني فقه الإمام أبي حنيفة): (‌تزوج ‌امرأة ‌بشهادة ‌الله ‌ورسوله لا يجوز؛ لأن هذا نكاح لم يحضره شهود، وعن أبي القاسم الصفار -رحمه الله- أنه قال: يكفر مَن فعل هذا؛ لأنه اعتقد أن رسول الله عليه السلام عالم الغيب) وقد عارضه بعض متأخري الأحناف في التكفير، ولم ينسبه إلى الغلو.

فانظر -يا رعاك الله- هؤلاء أئمة المذهب وليسوا وهابية؛ كيف عاملوا مَن اعتبر رسول لله شاهدًا في مثل تلك الحالات؛ لأن رسولَ الله صلى الله وسلم وإن كان حيًّا في قبره؛ إلا أنها حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله، أما مِن الناحية البشرية فهو ميت "‌إِنَّكَ ‌مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ"، وليس له سمع يسع الأصوات، والملائكة هي من تبلغه السلام عليه كما قال عليه الصلاة والسلام: "‌إِنَّ ‌لِلَّهِ ‌مَلَائِكَةً ‌سَيَّاحِينَ، ‌يُبَلِّغُونِي ‌عَنْ ‌أُمَّتِي ‌السَّلَامَ"؛ فإذا كان هذا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو له مِن الخصائص ما ليست حتى لرسول غيره، فكيف بمَن دونه ودونهم؟!

وبذا يظهر دجل الطرقية وخداعهم لمريديهم!

قال شارح مختصر القدري على ما قاله العلامة الخجندي (1379هـ) في بيان أن استغاثة القبورية ليست من الشرك فحسب، بل هي أمُّ الشركيات، ومتضمنة لعدة أنواع من الشرك: (وها أنا أذكر لك نصوص المذهب الحنفي عن الكتب المعتبرة، والفتاوى المشهورة، ففي شرح القدوري: ‌أن ‌مَن ‌يدعو ‌غائبًا ‌أو ‌ميتًا ‌عند ‌غير ‌القبور، ‌وقال: ‌يا ‌سيدي فلان ادعُ الله تعالى في حاجتي فلانة، زاعمًا أنه يعلم الغيب ويسمع كلامه في كل زمان ومكان، ويشفع له في كل حين وآن؛ فهذا شرك صريح، فإن علم الغيب من الصفات المختصة بالله تعالى. وكذا إذا قال عند قبر نبي، أو صالح: يا سيدي فلان، اشف مريضي أو اكشف عني كربتي، وغير ذلك؛ فهو شرك جلي، إذ نداءُ غير الله تعالى طالبًا بذلك دفع شر، أو طلب نفع فيما لا يقدر عليه الغير دعاءٌ، والدعاء عبادة، وعبادة غير الله شرك، وهذا أعم من أن يعتقد فيهم: أنهم مؤثرون بالذات، أو أعطاهم الله تعالى التصرفات في تلك الأمور، أو أنهم أبواب الحاجة إلى الله تعالى، وشفعاؤه، ووسائله، وفيه اعتقاد علم الغيب لذلك المدعو، وهو شرك، نسأل الله الحفظ والعصمة عن الشرك والكفر والضلال) (ينظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية، لـشمس الدين بن محمد بن أشرف بن قيصر الأفغاني).

وقال الإمام العابد الورع النبيه أفضل علماء المتأخرين -كما يراه ابن عابدين الحنفي- الإمام محيي الدين البركوي الحنفي الماتريدي (ت ???هـ) -صاحب كتاب (الطّريقة المحمّديّة) وهو كتاب في علم السلوك والتصوف والآداب- في رسالته في زيارة القبور: (وأمّا الزِّيارة الشّرعيّة التي أَذِنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها؛ فالمقصود منها شيئان: أحدهما: راجع إلى الزّائر؛ وهي: الاعتبار والاتّعاظ. والثاني: راجع إلى الميّت؛ وهو: أن يُسَلِّم عليه الزّائر، ويدعو له، ولا يطول عهده به؛ فيهجره وينساه، كما أنّه إذا ترك أحدًا من الأحياء تناسه، وإذا زاره فرح بزيارته وسُرَّ بذلك؛ فالميّت أولى به؛ لأنّه قد صار في دار هجر أهلها إخوانهم ومعارفهم؛ فإذا زاره أحد وأهدى إليه هبة من سلام ودعاء؛ ازداد بذلك سروره وفرحه.

وأمّا الزّيارة البدعيّة: فزيارة القبور لأجل الصّلاة عندها، والطّواف بها، وتقبيلها واستلامها، وتعفير الخدود عليها وأخذ تُرابها، ودعاء أصحابها، والاستعانة بهم، وسؤالهم النّصر والرّزق والعافية والولد وقضاء الدّيون، وتفريج الكُربات، وإغاثة اللهفات، وغير ذلك من الحاجات التي كان عُبَّاد الأوثان يسألونها من أوثانهم؛ فليس شيء من ذلك مشروعًا باتّفاق أئمّة المسلمين؛ إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصّحابة والتّابعين وسائر أئمّة الدّين؛ بل أصل هذه الزّيارة البدعيّة الشّركيّة مأخوذة من عبادة الأصنام؛ فإنّهم قالوا: الميّت المعظّم على هذا الوجه قربة ومزية عند الله ـ تعالى ـ، لا يزال تأتيته الألطاف من الله ـ تعالى ـ، وتفيض على روحه الخيرات؛ فإذا علّق الزّائر روحه به وأدناه منه؛ فاض من روح المزور على روح الزّائر من تلك الألطاف بواسطتها، كما ينعكس الشّعاع من المرآة الصّافية والماء الصّافي ونحوهما على الجسم المقابل له! ثم قالوا: فتمام الزّيارة أن يتوجّه الزّائر بروحه إلى الميّت ويعكف بهمّته عليه، ويوجه قصده وإقباله إليه، بحيث لا يبقى فيه التفات إلى غيره!

وكلّما كان جمع الهمّة والقلب عليه أعظم كان أقرب إلى انتفاعه به! وقد ذكر هذه الزّيارة على هذا الوجه ابن سينا والفارابي وغيرهما، وصرّح به عُبّاد الكواكب، وقالوا: إذا تعلّقت النّفس النّاطقة بالأرواح العلويّة فاض عليها منها نور؛ ولهذا السّر عُبِدَت الكواكب، واتخذت لها الهياكل، وصُنّفت لها الدعوات واتخذت لها الأصنام... ).

إلى أن قال: (وهذا بعينه هو الذي أوجب لعباد القبور اتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها، وتعليق الستور عليها، وإيقاد السرج عليها، وإقامة السدنة لها، ودعاء أصحابها، والنذر لهم، وغير ذلك من المنكرات، والله هو الذي بعث رسله وأنزل كتبه لإبطاله وتكفير أصحابه، ولعنهم، وأباح دماءهم وأموالهم وسبي ذراريهم"، قلتُ: وهذا كلام صريح في تقسيم زيارة القبور إلى شرعيّة، وبدعيّة، وليس هذا التقسيم خاص بابن تيمية ومن ورائه الشيخ محمد ابن عبد الوهاب كما يزعم منظري الطرقية المعاصرة، كما أن كلام البركوي الحنفي صريح في أن الاستغاثة بالأموات شرك؛ وأن التبريرات التي تنسج حول جوازها هي من جنس تبريرات عبدة الكواكب وخزعبلات أهل الفلسفة وأئمة الباطل، (وينظر: الكَشْف المُبْدِي لتمويه أبي الحسن السُّبكيّ، تكملة "الصّارم المنكي" لـمحمد بن حسين بن إبراهيم الفقيه).

وقال البركوي أيضًا: (ثم في اتخاذ القبور عيدًا من المفاسد العظيمة ما يغضب لأجله كل مَن كان في قلبه وقار لله تعالى، وغيرة على التوحيد، وتقبيح للشرك، وتهجين للكفر والبدع، ولكن ما لجرح بميت إيلام... ) وقال: (فبدل أهل البدع، والضلال قولًا غير الذي قيل لهم، فإنهم بدلوا الدعاء له -أي: الميت- بدعائه نفسه، أو بالدعاء به، وبدلوا الشفاعة له بالاستشفاع به، وقصدوا بالزيارة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم -إحسانًا إلى الميت، وإلى الزائر- سؤال الميت، والإقسامَ به على الله تعالى، وخصصوا تلك البقعة بالدعاء الذي هو مخ العبادة، وجعلوا حضورَ القلب وخشوعه عندها أعظمَ منه في المساجد، وأوقات الأسحار... )، وقال: (فإن الشركَ بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه- أقربُ إلى النفوس من الشرك بشجر، أو بحجر... ).

وللحديث بقية إن شاء الله.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-09-2022, 01:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام



كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام (5)

الإمام القرطبي يحاجج الصوفية بالأدلة وبأقوال علماء الأمة









كتبه/ أشرف الشريف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال (أبو الوفاء ابن عقيل) (ت ???هـ): (لمَّا صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم فسهلت عليهم؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، ‌وهم ‌كفار ‌عندي ‌بهذه ‌الأوضاع، مثل: تعظيم القبور وإكرامها بما نَهَى الشرع عنه، وخطاب الموتى بالألواح، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي! افعل بي كذا وكذا، وأَخْذ التراب تبركًا، وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال إليها) نقله عنه ابن الجوزي في (تلبيس إبليس)، وابن القيم في (إغاثة اللهفان).

قلتُ: وهذا ابن عقيل -رحمه الله- وزمنه سابق لابن تيمية (ت ???هـ)، يصرِّح بكفر مَن يخاطب الموتى بندائهم مِن دون الله، وكتب الرقاع إليهم، والتبرك بتراب قبورهم، وبذا يبطل زعم الطرقية أن ابن تيمية والوهابية هم أول مَن ابتدع القول فيما يجري عند القبور من نداءٍ لغير الله، واستغاثة بجثث الأموات.

ونزيدهم من كلام العلماء السابقين:

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ -وهو أشعري- (ت ???هـ) في تفسيره: "تَعَلَّقَتِ الصوفية في القيام والقول بقوله: (إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)".

وعلَّق القرطبي (ت 671) في التفسير على ذلك فقال: "وَهَذَا تَعَلُّقٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، هَؤُلَاءِ قَامُوا فَذَكَرُوا اللَّهَ عَلَى هِدَايَتِهِ، وَشَكَرُوا لِمَا أَوْلَاهُمْ مِنْ نِعَمِهِ وَنِعْمَتِهِ، ثُمَّ هَامُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ مُنْقَطِعِينَ إِلَى رَبِّهِمْ خَائِفِينَ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْفُضَلَاءِ الْأَوْلِيَاءِ. أَيْنَ هَذَا مِنْ ضَرْبِ الْأَرْضِ بِالْأَقْدَامِ، وَالرَّقْصِ بِالْأَكْمَامِ، وَخَاصَّةً فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَصْوَاتِ الْحِسَانِ مِنَ الْمُرْدِ وَالنِّسْوَانِ، هَيْهَاتَ! بَيْنَهُمَا وَاللَّهِ مَا بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ. ثُمَّ هَذَا حَرَامٌ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ".

وذكر القرطبي عن الإمام الحافظ أبي بكر الطرطوسي (ت 277هـ) شيخ ابن خزيمة وأبي عوانة قوله فقال: (وسئل الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا يَقُولُ سَيِّدُنَا الْفَقِيهُ فِي ‌مَذْهَبِ ‌الصُّوفِيَّةِ؟ وَأُعْلِمَ- حَرَسَ اللَّهُ مُدَّتَهُ- أَنَّهُ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ رِجَالٍ، فَيُكْثِرُونَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذِكْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ يوقعون بالقضيب على شيء مِنَ الْأَدِيمِ، وَيَقُومُ بَعْضُهُمْ يَرْقُصُ وَيَتَوَاجَدُ حَتَّى يَقَعَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، وَيُحْضِرُونَ شَيْئًا يَأْكُلُونَهُ، هَلِ الْحُضُورُ مَعَهُمْ جَائِزٌ أَمْ لَا؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ، -يرحمكم الله-، وهذا القول الذي يذكرونه:

يَا شَيْخُ كُفَّ عَنِ الذُّنُوبِ … قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَالزَّلَلْ

وَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ صَالِحًا … مَا دَامَ يَنْفَعُكَ الْعَمَلْ

أَمَّا الشَّبَابُ فَقَدْ مَضَى … وَمَشِيبُ رَأَسِكَ قَدْ نَزَلْ

وَفِي مِثْلِ هَذَا وَنَحْوِه.

الجَوَابُ: -يَرْحَمُكَ اللَّهُ- مَذْهَبُ الصُّوفِيَّةِ بَطَالَةٌ وَجَهَالَةٌ وَضَلَالَةٌ، وَمَا الْإِسْلَامُ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ، وَأَمَّا الرَّقْصُ وَالتَّوَاجُدُ فَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ أَصْحَابُ السَّامِرِيِّ، لَمَّا اتَّخَذَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ قَامُوا يَرْقُصُونَ حَوَالَيْهِ وَيَتَوَاجَدُونَ، فَهُوَ دِينُ الْكُفَّارِ وَعُبَّادِ الْعِجْلِ، وَأَمَّا الْقَضِيبُ فَأَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَهُ الزَّنَادِقَةُ لِيَشْغَلُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا كَانَ يَجْلِسُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ كَأَنَّمَا عَلَى رؤوسهم الطَّيْرُ مِنَ الْوَقَارِ، فَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ وَنُوَّابِهِ أَنْ يمنعهم من الْحُضُورِ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُمْ، وَلَا يُعِينَهُمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ، هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمْ من أئمة المسلمين. وبالله التوفيق".

وفي هذا النقل عِدَّة فوائد تستحق أن تُفرَد بمصنف: فأولًا: ليس هذا كلام التيمية والوهابية؛ هذا كلام الأئمة من الصدر الأول وكلام تابعيهم.

ثانيًا: اعتباره أن هذه الأفعال مِن الصوفية صدٌّ للناس عن الكتاب والسنة.

وهذا ظاهر من غيظ بعضهم من إظهار السنة والتحدث بها.

ثالثًا: أشار إلى أن كثيرًا مما يفعله المتصوفة من رقص وطبل وزمر هو مأخوذ من خرافات قومٍ ليسوا على دين الإسلام، وعلى هذا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَحْضُرَ مع هؤلاء الصوفية.

رابعًا: ذكر إجماع الأئمة الأربعة على بطلان طريقة المتصوفة، وعليه؛ يبطل ادِّعاء بعض الصوفية المعاصرة بأن ما هم عليه من أباطيل هو ما أقرته المذاهب الأربعة، بل ذهبوا أبعد من ذلك، فقالوا: طريقتهم طريقة الأنبياء، ليأتي الإمام القرطبي في تفسيره ويدمدم عليهم طريقهم ويهدم لهم سبيلهم، فيقول: "وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ -يعني سيدنا سليمان- مَسَحَ أَعْنَاقَهَا وَسُوقَهَا بِالسُّيُوفِ. قُلْتُ: ‌وَقَدِ ‌اسْتَدَلَّ ‌الشِّبْلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الصُّوفِيَّةِ فِي تَقْطِيعِ ثِيَابِهِمْ وَتَخْرِيقِهَا بِفِعْلِ سُلَيْمَانَ هَذَا! وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى نَبِيٍّ مَعْصُومٍ أَنَّهُ فَعَلَ الْفَسَادَ"، ثم قال رحمه الله: "فَأَمَّا مَا ابْتَدَعَتْهُ ‌الصُّوفِيَّةُ الْيَوْمَ مِنَ الْإِدْمَانِ عَلَى سَمَاعِ الْمَغَانِي بِالْآلَاتِ الْمُطْرِبَةِ مِنَ الشَّبَّابَاتِ والطار والمعازف والأوتار؛ فحرام".

ثم يَكرُّ الإمام القرطبي عليهم ويجهز ما ظنوه عملًا صالحًا أو فعلًا مباحًا، فَيُعَرِّيه ويُظْهِر سوأته فيقول: "وَهَذَا السُّجُودُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَدِ اتَّخَذَهُ جُهَّالُ ‌الْمُتَصَوِّفَةِ عَادَةً فِي سَمَاعِهِمْ وَعِنْدَ دُخُولِهِمْ عَلَى مَشَايِخِهِمْ وَاسْتِغْفَارِهِمْ، فَيُرَى الْوَاحِدُ مِنْهُمْ إِذَا أَخَذَهُ الْحَالُ بِزَعْمِهِ يَسْجُدُ لِلْأَقْدَامِ لِجَهْلِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلْقِبْلَةِ أَمْ غَيْرِهَا جَهَالَةً مِنْهُ، ضَلَّ سَعْيُهُمْ وَخَابَ عَمَلُهُمْ".

وقال: "اسْتَدَلَّ بَعْضُ جُهَّالِ الْمُتَزَهِّدَةِ، وَطَغَامِ ‌الْمُتَصَوِّفَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِأَيُّوبَ: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) عَلَى جَوَازِ الرَّقْصِ! قَالَ أبو الفرج الْجَوْزِيِّ: وَهَذَا احْتِجَاجٌ بَارِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أُمِرَ بِضَرْبِ الرِّجْلِ فَرَحًا كَانَ لَهُمْ فِيهِ شبهة، وإنما أمر بضرب الرحل لِيَنْبُعَ الْمَاءُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَيْنَ الدَّلَالَةُ فِي مُبْتَلًى أُمِرَ عِنْدَ كَشْفِ الْبَلَاءِ بِأَنْ يَضْرِبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ لِيَنْبُعَ الْمَاءُ إِعْجَازًا مِنَ الرقص؟! ولإن جاز أن يكون تحريك رجل قد انحلها تحكم الهوام دلالة على جواز الرقص في الإسلام، جاز أن يجعل قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ لِمُوسَى: (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) دَلَالَةً عَلَى ضَرْبِ الْمُحَادِّ بِالْقُضْبَانِ! نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ التَّلَاعُبِ بِالشَّرْعِ. وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ قَاصِرِيهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي: (أنت مني وأنا منك)، فجعل. وقال لجعفر: (أشبهت خلقي وخلقي) فجعل. وقال لزيد: (أنت أخونا ومولانا) فجعل. وَمِنْهُمْ مَنِ احْتَجَّ بِأَنَّ الْحَبَشَةَ زَفَنَتْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ.


وَالْجَوَابُ: أما العجل؛ فهو نوع من الشيء يُفْعَلُ عِنْدَ الْفَرَحِ فَأَيْنَ هُوَ وَالرَّقْصُ؟! وَكَذَلِكَ زفن الحبشة نوع من الشيء يُفْعَلُ عِنْدَ اللِّقَاءِ لِلْحَرْبِ) (انتهى من تفسير القرطبي).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01-10-2022, 10:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كشف اللثام من كلام الأئمة الأعلام



كَشْفُ اللثَامِ مِنْ كَلَامِ الأَئِمّةِ الأَعْلَامِ (6)

علماء الشافعية ورد عادية القبورية (1)









كتبه/ أشرف الشريف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنداء أحد مِن الأنبياء أو الأولياء ودعاؤه لجلب نفع أو دفع ضر منهم بقول: (أغِثني يا فلان)، أو (أعطِني يا فلان)، شرك بإجماع الأئمة واتفاق الأمة، والخلاف في المسألة ليس سائغًا، ولا عبرة بمخالفة المتأخرين الذين أدخلوا في كتب الفقه بدع الاعتقاد والسلوك تحت ستار المذهبية، وقد أفتى جماعة من السادة الشافعية بتحريم هذه الاستغاثة وتغليظِ مُجَوِّزِها، وكذا التمسح بالقبور واتخاذ ساكنيها الأموات وسائط، ونبدأ بالصدر الأول من أئمتنا الشافعية.

قال الدميري في النجم الوهاج في شرح المنهاج: (‌ونص ‌الشافعي ‌على ‌أنه ‌إذا ‌قال: ‌أذبح ‌للنبي صلى الله عليه وسلم أو تقربًا له... أنه لا يحل أكلها)، وأيَّد هذا المنع الأذرعيُّ في "التوسط والفتح بين الرّوضة والشرح"، وحكى ابن الرِّفعة اتفاقَ المتقدمين الشافعية على ذلك، وحكمهم مبني على قوله تعالى: "‌وَمَا ‌أُهِلَّ ‌لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ"، فما بالنا اليوم بمئات الذبائح حول الأضرحة تُنْذر لها من العام للعام؟! والله المستعان،

وها هو ابن النحاس الشافعي (814هـ) في كتاب "الكبائر" يصرِّح بأن هذه الاستغاثة شرك، ومحادة لله ورسوله -لأنها لا تخرج إلا ممَّن اعتقد في الأموات نفعًا وضرًا وسمعًا واسعًا، وأن لهم تصرفًا كما صرَّح به كبير منهم- فيقول: (‌ومنها: ‌إيقادهم ‌السرج ‌عند ‌الأحجار ‌والأشجار، ‌والعيون ‌والآبار، ويقولون: إنها تقبل النذر، وهذه كلها بدع، ومنكرات قبيحة، تجب إزالتها، ومحو أثرها: فإن أكثر الجهال يعتقدون: أنها تنفع وتضر، وتجلب وتدفع، وتشفي المرضى، وترد الغائب إذا نذر لها، وهذا شرك، ومحادة لله ورسوله).

وقال أبو شامة الشافعي في كتاب: "الباعث على إنكار البدع والحوادث": (ومن هذا القسم أيضًا: ما قد عمَّ الابتلاء به، مع تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد، وسرج مواضع مخصوصة، يحكي لهم حاك: أنه رأى في منامه بها أحدًا ممَّن شهر بالصلاح والولاية؛ فيفعلون ذلك ويحافظون عليه، مع تضييعهم فرائض الله وسننه، ويظنون أنهم متقرِّبون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها، ويرجون الشفاء لمرضاهم، وقضاء حوائجهم بالنذر لهم، وهي ما بين عيون وشجر وحائط... فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث، وذكر الحديث، ثم قال: قال أبو بكر الطرطوشي: فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة، أو شجرة يقصدها الناس ويعظمونها، ويرجون البرء والشفاء منها، ويضربون بها المسامير والخرق، فهي ذات أنواط فاقطعوها).

فقارن أخي الحبيب بين هؤلاء الأئمة الغيورين على جناب التوحيد، وبين مدعي العلم في زماننا ممَّن يدعون الناس للأضرحة وندائها والتمسح بها؛ طلبًا للنفع ودفع الضر! وإلى الله المشتكى.

وهذا المقريزي الشافعي (ت 845 هـ) في "رسائل المقريزي" يصرِّح بأن ما يجري عند تلك الأضرحة هو عبادة للصالحين وشرك في الألوهية هلكت بمثله الأمم، فيقول: (وشرك الأمم نوعان: شرك في الإلهية، وشرك في الربوبية. فالشرك في الإلهية والعبادة ‌هو ‌الغالب ‌على ‌أهل ‌الإشراك، ‌وهو ‌شرك ‌عباد ‌الأصنام، وعباد الملائكة، وعباد الجن، وعباد المشايخ والصالحين الأحياء والأموات الذين قالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، ويشفعون لنا عنده، وينالنا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قرب وكرامة، كما هو المعهود في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمَن يخدم أعوان الملك وأقاربه وخاصته، والكتب الإلهية كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب وترده وتقبح أهله، وتنص على أنهم أعداء الله تعالى، وجميع الرسل صلوات الله عليهم متفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم، وما أهلك الله تعالى من أهلك من الأمم إلا بسبب هذا الشرك ومن أجله).

وقال: (قوم يزورون الموتى فيدعون لهم، وهذه هي الزيارة الشرعية، وقوم يزورونهم يدعون بهم، وهؤلاء هم المشركون وجهلة العوام والطغام من غلاتهم، وقوم يزورونهم فيدعونهم أنفسهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد").


وللحديث بقية إن شاء الله.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 119.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 115.73 كيلو بايت... تم توفير 4.18 كيلو بايت...بمعدل (3.49%)]