المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد - الصفحة 8 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #71  
قديم 29-06-2022, 12:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 386 الى صـ 394
الحلقة (71)

52 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج أبو داود والترمذي، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رجلاً من الأنصار دعاه وعبد الرحمن بن عوف فسقاهما قبل أن تحرم الخمر، فأمّهُم علي في المغرب فقرأ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) فخلط فيها فنزلت: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ).
2 - أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: حرمت الخمر ثلاث مرات، قدم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنهما، فأنزل الله على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)، إلى آخر الآية، فقال الناس: ما حرم علينا إنما قال: (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) وكانوا يشربون الخمر.
حتى إذا كان يوم من الأيام، صلى رجل من المهاجرين، أمَّ أصحابه في المغرب، خَلَط في قراءته فأنزل اللَّه فيها آية أغلظ منها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) وكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيق.
ثم نزلت آية أغلظ من ذلك: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) فقالوا: انتهينا ربنا، فقال الناس: يا رسول الله، ناس قتلوا في سبيل الله، وماتوا على فرشهم، كانوا يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان فأنزل الله: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا) إلى آخر الآية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لو حرمت عليهم لتركوها كما تركتم).
3 - أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: (يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) قال: فدعي عمر، فقرئت عليه. فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء فنزلت الآية التي في النساء: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) فكان منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقام الصلاة نادى: أن لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء. فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ (فهل أنتم منتهون) قال: فقال عمر: انتهينا، انتهينا.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة حيث ورد فيها ثلاثة أسباب الأول لعلي والثاني لأبي هريرة والثالث لعمر رضي الله عنهم جميعا.
فأما حديث علي - رضي الله عنه - في شأن التخليط في القراءة فقد ذكره جمهور المفسرين منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري بعد أن ساق حديث علي: (وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية، تأويل من قال: ذلك نهي من الله المؤمنين عن أن يقربوا الصلاة وهم سكارى من الشراب قبل تحريم الخمر للأخبار المتظاهرة عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن ذلك كذلك نهي من الله وأن هذه الآية نزلت فيمن ذكرت أنها نزلت فيه) اهـ.
وقال ابن العربي بعد أن ساق الحديث: (وهذا حديث صحيح من رواية العدل عن العدل) اهـ.
وقال ابن عطية: (سبب النهي عن قرب الصلاة في حال سكر أن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شربت الخمر عند أحدهم قبل التحريم .. فذكر الحديث إلى أن قال: فنزلت الآية) اهـ.
أما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقد تقدم الكلام على إسناده وما فيه من الضعف الشديد.
وأما حديث عمر - رضي الله عنه - فقد تبين من دراسته أنه حديث صحيح، وقبل الحديث عن الجمع بين هذه الأحاديث، لا بد من البيان لحديث علي - رضي الله عنه - وأنه قد وقع في سنده ومتنه اضطراب يوجب القدح فيه، لكن لعل مما يعضده ويقويه ما يلي:
1 - موافقة لفظه للفظ الآية القرآني فإنهم صلوا وهم سكارى، وخلطوا في القراءة وهذا عين ما نهت عنه الآية.
2 - أن جمهور المفسرين ذكروه سببا لنزول الآية مما يدل على اعتبارهم له وصحته عندهم وكلام ابن العربي المتقدم يدل على هذا.
3 - أن حديث أبي هريرة على ما فيه من الضعف، يشهد له، فقد جاء فيه (حتى إذا كان يوم من الأيام، صلى رجل من المهاجرين، أم أصحابه في المغرب، خلط في قراءته فأنزل الله فيها آية أغلظ منها: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى).
أما الجمع بين الأحاديث فيمكن القول إن حديث علي وأبي هريرة متطابقان في لفظيهما، وحديث عمر لا ينافيهما لأنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء، فربما كان دعاؤه أحد أسباب نزول الآية.
* النتيجة:
أن حديث علي - رضي الله عنه - المذكور في سبب نزول الآية لم يسلم من النقد سندا ومتنا ولعله يعتضد بما تقدم ويكون سببا لنزول الآية الكريمة وذلك لموافقته لسياق القرآن واحتجاج المفسرين به وتصريحه بالنزول. والله أعلم.
* * * * *

53 - قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا (43)
* سبب النزول:

أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش، انقطع عقد لي، فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فأصبنا العقد تحته.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية حيث ذكر بعض المفسرين هذه القصة عند تفسيرهم لهذه الآية كالطبري والبغوي والقرطبي وابن كثير.
قال ابن العربي: (ولقد عجبت من البخاري بوب في كتاب التفسير في سورة النساء على الآية التي ذكر فيها التيمم، وأدخل حديث عائشة فقال: (وإن كنتم مرضى أو على سفر) وبوب في سورة المائدة فقال: باب (فلم تجدوا ماء) وأدخل حديث عائشة بعينه وإنما أراد أن يدل على أن الآيتين تحتمل كل واحدة منهما قصة عائشة) اهـ.
وقال ابن كثير: (ذكر سبب نزول مشروعية التيمم وإنما ذكرنا ذلك هاهنا لأن هذه الآية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة، وبيانه أن هذه نزلت قبل تحريم الخمر، والخمر إنما حرم بعد أحد بيسير في محاصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني النضير، وأما المائدة فإنها من آخر ما نزل لا سيما صدرها فناسب أن يذكر السبب هنا وبالله الثقة) اهـ.
* النتيجة:
وسيأتي إن شاء الله تعالى بحث موسع لهذه المسألة المعضلة عند آية سورة المائدة وبيان النتيجة هناك والله أعلم.
* * * * *


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #72  
قديم 29-06-2022, 12:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 395 الى صـ 400
الحلقة (72)

54 - قال الله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا (51) أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا (52)
* سبب النزول:

أخرج النسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة، قالت له قريش: أنت خير أهل المدينة وسيدهم؟ قال: نعم، قالوا: ألا ترى إلى هذا المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا؟ ونحن - يعني: أهل الحجيج وأهل السدانة - قال: أنتم خير منه فنزلت: (إن شانئك هو الأبتر) ونزلت: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) إلى قوله: (فلن تجد له نصيرا).
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والطاهر بن عاشور.
قال الطبري: (إن الله وصف الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من اليهود بتعظيمهم غير الله بالعبادة والإذعان له بالطاعة في الكفر بالله ورسوله ومعصيتهما، وأنهم قالوا إن أهل الكفر بالله أولى بالحق من أهل الإيمان به، وإن دين أهل التكذيب لله ولرسوله أعدل وأصوب من دين أهل التصديق لله ولرسوله، وذكر أن ذلك من صفة كعب بن الأشرف وأنه قائل ذلك) اهـ.
وقال ابن كثير: قوله: (ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) أي يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم وقلة دينهم، وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الصحيح في السبب المذكور أنه مرسل لكنه يعتضد بأمرين:الأول: مطابقة السبب المذكور للفظ الآية فإن القائل في الآية من الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، والرجل المذكور في الحديث كعب بن الأشرف اليهودي.
وقوله: (ويقولون للذين كفروا) هو قوله لكفار قريش أنتم خير من محمد.
وقوله تعالى: (أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا) هم اليهود كما أخبر الله عنهم بقوله: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل).
الثاني: أن هذا السبب قد قال به جمهور المفسرين واعتمدوه سببا لنزول الآية ولا ريب أن اجتماع المفسرين على قول كهذا مع ما يحتف به من قرائن يوجب غلبة الظن أن للحديث أصلا، أما نزول آية الكوثر فستأتي دراستها إن شاء الله تعالى في سورة الكوثر.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور وإن كان مرسلا فإن قرائن السببية تحيط به وذلك لموافقته للفظ الآية، وتصريحه بالنزول، واحتجاج المفسرين به على النزول
والله أعلم.
* * * * *
55 - قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59)
* سبب النزول:

أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: نزلت: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي، إذ بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السرية.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد أورد المفسرون هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها منهم الطبري والبغوي وابن العربي والقرطبي وابن كثير والطاهر بن عاشور وقد ورد بسط هذه القصة في موضع آخر عن علي - رضي الله عنه -فقد قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية فاستعمل عليها رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه، فغضب، فقال: أليس أمركم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطبا، فجمعوا، فقال: أوقدوا نارا، فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهموا، وجعل بعضهم يمسك بعضا، ويقولون: فررنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف).
قال أبو عمر ابن عبد البر: (وكان في عبد الله بن حذافة دعابة معروفة ومن دعابته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره على سرية فأمرهم أن يجمعوا حطبا ويوقدوا نارا فلما أوقدوها أمرهم بالتقحم فيها فأبوا فقال لهم: ألم يأمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطاعتي وقال من أطاع أميري فقد أطاعني، فقالوا: ما آمنا بالله واتبعنا رسوله إلا لننجو من النار، فصوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلهم وقال لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) وهو حديث صحيح الإسناد مشهور) اهـ.
وهذا الكلام من ابن عبد البر يدل على أنه يرى أن أمير السرية المذكور في حديث علي - رضي الله عنه - هو عبد الله بن حذافة المذكور في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - لأن سياق الحديث الذي ذكره يوافق حديث علي - رضي الله عنه - تماما.
وقد تبع ابن القيم ابن عبد البر على هذا فقال بعد سياقه لحديثي ابن عباس وعلي - رضي الله عنهم -: (وهذا هو عبد الله بن حذافة السهمي).
ففسر الأمير المبهم في حديث علي، بالرجل المذكور في حديث ابن عباس وهو عبد الله بن حذافة.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده، وصراحة لفظه، واحتجاج المفسرين به وموافقته للفظ الآية. والله أعلم.
* * * * *


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #73  
قديم 29-06-2022, 12:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 401 الى صـ 406
الحلقة (73)

56 - قال الله ثعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65)
* سبب النزول:
أخرج الإمام أحمد والبخاري، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عروة بن الزبير أن الزبير كان يحدث: أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في شراج الحرة، كانا يسقيان بها كلاهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير: (اسق ثم أرسل إلى جارك) فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال للزبير: (اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر). فاستوعى النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ للزبير حقه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استوعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير حقه في صريح الحكم.
قال عروة: قال الزبير: والله ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).
وفي رواية للبخاري: فقال الزبير: والله إن هذه الآية أنزلت في ذلك: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم).
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد اختار هذا الحديث سببا لنزول الآية بعض المفسرين كالبغوي والقرطبي وابن كثير.
قال القرطبي بعد أن ساق الأسباب المذكورة لنزول الآية: (وإذا كان سبب نزول هذه الآية ما ذكرناه من الحديث ففقهها أنه - عليه الصلاة والسلام - سلك مع الزبير وخصمه مسلك الصلح فقال: (اسق يا زبير)). اهـ. وهذا يدل على اختياره لهذا السبب.
وقال أبو العباس القرطبي: (قوله: (إن رجلا من الأنصار) قيل: إن هذا الرجل كان من الأنصار نسبا، ولم يكن منهم نصرة ودينا، بل كان منافقا لما صدر عنه من تهمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجور في الأحكام لأجل قرابته ولأنه لم يرض بحكمه ولأن الله تعالى قد أنزل فيه (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) هذا هو الظاهر من حاله ويحتمل أنه لم يكن منافقا، ولكن أصدر ذلك منه بادرة نفس وزلة شيطان) اهـ.
فقوله: ولأن الله تعالى قد أنزل فيه (فلا وربك لا يؤمنون) يدل على أنه يرى القصة سببا لنزول الآية.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الآية نزلت فيمن ذكرهم الله بقوله: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت .. ).
قال الطبري: (وهذا القول أعني قول من قال: عنى به المحتكمان إلى الطاغوت اللذان وصف الله شأنهما في قوله: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) أولى بالصواب، لأن قوله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) في سياق قصة الذين أسدى الله الخبر عنهم بقوله: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك) ولا دلالة تدل على انقطاع قصتهم، فإلحاق بعض ذلك ببعض ما لم تأت دلالة على انقطاعه أولى) اهـ.
وقال ابن العربي مؤيدا: (اختار الطبري أن يكون نزول الآية في المنافق واليهودي ثم تتناول بعمومها قصة الزبير وهو الصحيح) اهـ.
وقال ابن عاشور: (والظاهر عندي أن الحادثتين وقعتا في زمن متقارب ونزلت الآية في شأن حادثة بشر المنافق فظنها الزبير نزلت في حادثته مع الأنصاري) اهـ.
فهذا ما احتج به الفريقان، فالأولون احتجوا بصحة إسناد القصة والتنصيص على أنها سبب النزول من قبل الزبير وغيره وهو صاحب القصة.
والآخرون احتجوا بسياق الآيات القرآني وأنها نزلت فيمن يريد التحاكم إلى الطاغوت من المنافقين.
والظاهر والله أعلم أن القول الثاني أسعد بالصواب لوجوه:
الأول: أن سياق الآيات متصل بعضه ببعض لم يفصل بينها فاصل غريب ففي أولها قول الله: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت .. ) وفي آخرها قوله سبحانهفلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك .. ) فالآيات في أولها وآخرها تتحدث عن التحاكم إلى الله أو الطاغوت ومن المعلوم أن وحدة اللفظ دليل وحدة المعنى.
الثاني: أن الزبير - رضي الله عنه - كان لا يجزم بأن الآية نزلت في قصته فقد قال ابن حجر - رحمه الله -: (والراجح رواية الأكثر وأن الزبير كان لا يجزم بذلك).
ولا ريب أن تردد صاحب القصة في الجزم بنزولها يوجب لغيره التردد والريب.
الثالث: قال ابن حجر: (روى إسحاق بن راهويه في تفسيره بإسناد صحيح عن الشعبي، قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فدعا اليهودي المنافق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم لأنه علم أنهم يأخذونها فأنزل الله هذه الآيات إلى قوله: (ويسلموا تسليما) اهـ.
وهذا اختيار مجاهد أيضا كما رواه ابن أبي حاتم عنه.
ولا يخفى أن الشعبي ومجاهدا من كبار التابعين وقد صحبا صحابيين كبيرين فالأول قد صحب ابن مسعود في الكوفة والثاني قد صحب ابن عباس في مكة ولا شك أن هذه القرينة توجب لقولهما أصلا، كيف لا وقد عرفت منزلة هذين الصحابيين في تفسير القرآن، وسموهما فيه.
فإن قيل: فلماذا حسب الزبير - رضي الله عنه - أن الآية نزلت فيه؟
فالجواب ما ذكره ابن عاشور في قوله: (الظاهر عندي أن الحادثتين وقعتا في زمن متقارب ونزلت الآية في شأن حادثة المنافق فظنها الزبير نزلت في حادثته مع الأنصاري) اهـ.
* النتيجة:
أن الآية لم تنزل بسبب قصة الزبير مع الأنصاري لأن الزبير لم يكن يجزم بذلك وإذا كان صاحب القصة مترددا فغيره أولى بالتردد، ولأن السياق القرآني يدور حول تحاكم المنافقين إلى الطاغوت، واعتبار السياق أولى لبعده عن الاحتمال. والله أعلم.
57 - قال الله تعالى: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا (77)
* سبب النزول:
أخرج النسائي عن ابن عباس - ر. يمبا - أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فقالوا: يا نبي الله، إنا كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة، فقال: (إني أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا القوم) فلما حوله الله إلى المدينة أمر بالقتال فكفوا، فأنزل الله - عز وجل -: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس).
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وعلى هذا جمهور المفسرين كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا قد آمنوا به وصدقوه قبل أن يفرض عليهم الجهاد، وقد فرض عليهم الصلاة والزكاة وكانوا يسألون الله أن يفرض عليهم القتال، فلما فرض عليهم القتال شق عليهم ذلك وقالوا ما أخبر الله عنهم في كتابه) اهـ.
وقال ابن العربي: (كان المسلمون سراعا إلى القتال قبل أن يفرض القتال فلما أمر الله سبحانه بالقتال كاع عنه قوم ففيهم نزلت: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم) اهـ.
وقال ابن كثير: (كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة وإن لم تكن ذات النصب وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم، وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليتشفوا من أعدائهم ولم يكن الحال إذ ذاك مناسبا لأسباب كثيرة فلم يؤمروا بالجهاد إلا بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار، ومع هذا لما أمروا بما كانوا يودونه جزع بعضهم منه وخافوا من مواجهة الناس خوفا شديدا وقالوا: (ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب) أي لولا أخرت فرضه إلى مدة أخرى فإن فيه سفك الدماء ويتم الأولاد وتأيم النساء) اهـ بتصرف.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة هو حديث ابن عباس المتقدم لصحة سنده وصراحته في السببية، وكذا موافقته للفظ الآية الكريمة واحتجاج المفسرين به والله أعلم.
* تنبيه:
استشكل بعض المفسرين وقوع هذا الفعل من كبار الصحابة وذهبوا لأجل هذا إلى تأويلات بعيدة.
وعندي أنه لا إشكال إذ لا دليل في الآية يدل على أن جميع الصحابة وقع منهم هذا بل الآية نص على أن الذي قال هذا فريق منهم بقوله: (إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال ... )
ثم إن عبد الرحمن بن عوف وأصحابه من كبار الصحابة كانوا من أوائل المجاهدين في غزوة بدر وغيرها كما هو بين معلوم في قصة قتل أبي جهل والله أعلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #74  
قديم 29-06-2022, 12:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد




المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 407 الى صـ 412
الحلقة (74)


58 - قال الله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا (83)
* سبب النزول:

أخرج مسلم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما اعتزل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه قال: دخلت المسجد. فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون: طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه. وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب. فقال عمر فقلت: لأعلمن ذلك اليوم. قال: فدخلت على عائشة. فقلت: يا بنت أبي بكر أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت: ما لي وما لك يا ابن الخطاب؟ عليك بعيبتك. قال: فدخلت على حفصة بنت عمر. وقلت لها: يا حفصة أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ والله لقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحبك ولولا أنا لطلقك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبكت أشد البكاء. فقلت لها: أين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: هو في خزانته في المشربة. فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدا على أسكفة المشربة مدل رجليه على نقير من خشب. وهو جذع يرقى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فنظر رباح إلى الغرفة. ثم نظر إلي فلم يقل شيئا. ثم قلت: يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فنظر رباح إلى الغرفة. ثم نظر إلي فلم يقل شيئا. ثم رفعت صوتي فقلت: يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإني أظن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظن أني جئت من أجل حفصة. والله لئن أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضرب عنقها لأضربن عنقها. ورفعت صوتي فأومأ إلي أن ارقه. فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع على حصير. فجلست. فأدنى عليه إزاره. وليس عليه غيره. وإذا الحصير قد أثر في جنبه. فنظرت ببصري في خزانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع. ومثلها قرظا في ناحية الغرفة. وإذا أفيق معلق.
قال: فابتدرت عيناي. قال: (ما يبكيك يا ابن الخطاب؟) قلت: يا نبي الله وما لي لا أبكي؟ وهذا الحصير قد أثر في جنبك. وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى. وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار. وأنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفوته. وهذه خزانتك فقال: (يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟) قلت: بلى. قال: ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب. فقلت: يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء؟ فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقلما تكلمت وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول. ونزلت هذه الآية. آية التخيير: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير)، وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: يا رسول الله أطلقتهن؟ قال: (لا) قلت: يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى. يقولون: طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه. أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قال: (نعم إن شئت) فلم أزل أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه. وحتى كشر فضحك وكان من أحسن الناس ثغرا. ثم نزل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ونزلت. فنزلت أتشبث بالجذع، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما يمشي على الأرض ما يمسه بيده. فقلت: يا رسول الله إنما كنت في الغرفة تسعة وعشرين. قال: (إن الشهر يكون تسعا وعشرين) فقمت على باب المسجد. فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه. ونزلت هذه الآية: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر، وأنزل الله - عز وجل - آية التخيير.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة واختار هذا من المفسرين ابن كثير - رحمه الله - فقد قال بعد إنكار المبادرة إلى الأمور قبل تحققها: (ولنذكر هاهنا حديث عمر بن الخطاب حين بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلق نساءه فذكر الحديث مختصرا وفيه نزول هذه الآية الكريمة) اهـ.
وأما ابن عطية فقد جعل الأمر محتملا فقال عن السبب: (فإما أن يكون ذلك في أمر السرايا وإما أن يكون ذلك في سائر الأمور الواقعة، كالذي قاله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه جاء وقوم في المسجد يقولون طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه .. ) اهـ.
وذهب بعض العلماء إلى أن المقصود بهذه الآية هم المنافقون الذين
تحدث الله عنهم بقوله: (ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا (81).
قال الطبري: (وإذا جاء هذه الطائفة المبيتة غير الذي يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر من الأمن، فالهاء والميم في قوله: (وإذا جاءهم) من ذكر الطائفة المبيتة.
يقول جل ثناؤه: (وإذا جاءهم) خبر عن سرية للمسلمين غازية بأنهم قد أمنوا من عدوهم بغلبتهم إياهم، أو الخوف يقول: أو تخوفهم من عدوهم بإصابة عدوهم منهم أذاعوا به يقول أفشوه وبثوه في الناس قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبل أمراء سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) اهـ.
وقال البغوي: (قوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث السرايا فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون يستخبرون عن حالهم فيفشون ويحدثون به قبل أن يحدث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيضعفون به قلوب المؤمنين فأنزل الله: (وإذا جآءهم) يعني المنافقين) اهـ.
وقال ابن عطية: (قوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن) قال جمهور المفسرين: الآية في المنافقين حسبما تقدم من ذكرهم، والآية نازلة في سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعوثه، والمعنى: أن المنافقين كانوا يشرهون إلى سماع ما يسوء النبي - صلى الله عليه وسلم - في سراياه، فإذا طرأت لهم شبهة أمن للمسلمين أو فتح عليهم حقروها وصغروا شأنها وأذاعوا بذلك التحقير والتصغير، وإذا طرأت لهم شبهة خوف للمسلمين أو مصيبة عظموها وأذاعوا بذلك التعظيم) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وإذا جاءهم أمر من الأمن) عطف على جملة (ويقولون طاعة) فضمير الجمع راجع إلى الضمائر قبله العائدة إلى المنافقين وهو الملائم للسياق .. إلى أن قال: والكلام مسوق مساق التوبيخ للمنافقين، واللوم لمن يقبل مثل تلك الإذاعة من المسلمين الأغرار) اهـ.
فإن قال قائل: إذا كان الله يتحدث عن المنافقين كما تقدم فكيف وصف أولي الأمر بأنهم منهم؟
فالجواب: قد قال الزجاج: (وكان ضعفة المسلمين يشيعون ذلك معهم من غير علم بالضرر في ذلك، فقال الله - عز وجل -: ولو ردوا ذلك إلى أن يأخذوه من قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن قبل أولي الأمر منهم، أي من قبل ذوي العلم والرأي منهم لعلمه هؤلاء الذين أذاعوا به من ضعفة المسلمين من النبي - صلى الله عليه وسلم - وذوي العلم، وكان يعلمون مع ذلك هل ينبغي أن يذل أو لا يذل) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وصف أولي الأمر بأنهم منهم جار على ظاهر الأمر وإرخاء العنان، أي أولو الأمر الذين يجعلون أنفسهم بعضهم، وإن كان المتحدث عنهم المؤمنين فالتبعيض ظاهر) اهـ.
قلت: قوله فالتبعيض ظاهر يريد به (ولو ردوه) وما بعدها أنها في المؤمنين الضعفاء وما قبلها في المنافقين، ولم يرد أن الآية بكمالها في المؤمنين في قوله: وإن كان المتحدث عنهم المؤمنين لأن التبعيض ينتفي حينئذ.
* النتيجة:
أن الآية الكريمة لم تنزل بسبب قصة عمر - رضي الله عنه - مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حين آلى من نسائه لأن زيادة السبب لم تثبت من حيث السند فقد تبين أنها شاذة، وكذلك سياق الآيات لا يؤيد نزولها في قصة الإيلاء وإنما السياق ظاهر في توبيخ المنافقين ولوم من يتابعهم من المؤمنين، وذلك لأن السياق نص في أن الذي يأتي أمر من الأمن أو الخوف. وأين هذان من قضية الإيلاء؟ فليس فيها أمن أو خوف. وعلى هذا جرى جمهور المفسرين والله أعلم.
* * * * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #75  
قديم 29-06-2022, 12:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 413 الى صـ 417
الحلقة (75)

59 - قال الله تعالى: (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا (88)
* سبب النزول:

1 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: لما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أحد، رجع ناس ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرقتين: فرقة تقول: نقاتلهم، وفرقة تقول: لا نقاتلهم، فنزلت: (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا) وقال: إنها طيبة، تنفي الذنوب، كما تنفي النار خبث الفضة).
2 - أخرج الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن عوف: أن قوما من العرب أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة فأسلموا، وأصابهم وباء المدينة: حماها فأركسوا، فخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من أصحابه - يعني أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا لهم: ما لكم رجعتم؟ قالوا: أصابنا وباء المدينة،فاجتوينا المدينة. فقالوا: أما لكم في رسول الله أسوة؟ فقال بعضهم: نافقوا، وقال بعضهم: لم ينافقوا، هم مسلمون فأنزل الله - عز وجل -: (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا).
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد أورد جمهور المفسرين هذين السببين وأوردوا مع ذلك غيرهما من الأسباب التي سيقت لنزول الآية الكريمة ومن هذه الأسباب ما قال مجاهد - رحمه الله -: (نزلت في قوم خرجوا من أهل مكة حتى أتوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون فارتدوا واستأذنوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرجوع إلى مكة ليأتوا ببضائع، فاختلف فيهم المؤمنون، ففرقة تقول إنهم منافقون وفرقة تقول هم مؤمنون فبين الله - عز وجل - نفاقهم) اهـ.
وقال الضحاك: (هم ناس تخلفوا عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأقاموا بمكة وأعلنوا الإيمان ولم يهاجروا فاختلف فيهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتولاهم ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتبرأ من ولايتهم آخرون، وقالوا: تخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يهاجروا فسماهم الله منافقين، وبرأ المؤمنين من ولايتهم وأمرهم أن لا يتولوهم حتى يهاجروا) اهـ.
هذا خلاصة ما ذكر في الآية الكريمة من أسباب، ولا بد فيها من تأمل ونظر والبداية بحديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - فإن الحديث نص في أن القصة كانت في غزوة أحد وأنها كانت بسبب رجوع رأس المنافقين بثلث الجيش، وإذا نظرت إلى مطابقة هذه القصة للآية التي معنا والتي قيل إنها نزلت بسببها وجدت أنه لا تعارض بينهما، لكن الآية التي معنا متصلة بما بعدها اتصالا وثيقا، فالله - عز وجل - يقول فيها: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا (89).
وقد نص جماعة من العلماء على أن الضمير في قوله: (ودوا) يعود على المنافقين، فقد قال الطبري: (ودوا لو تكفرون كما كفروا) أي: تمنى هؤلاء المنافقون الذين أنتم أيها المؤمنون فيهم فئتان أن تكفروا) اهـ.
وقال القرطبي: (أي تمنوا أن تكونوا كهم في الكفر والنفاق شرع سواء) اهـ.
وقال ابن عاشور: (الأظهر أن ضمير (ودوا) عائد إلى المنافقين فى قوله: (فما لكم في المنافقين فئتين) اهـ.
وإذا كان الأمر كذلك فان الله اشترط لولايتهم أن يهاجروا في سبيل الله في قوله: (فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله) وأمر بأخذهم وقتلهم حيث وجدوا إن هم تولوا عن الهجرة في قوله: (فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم) وهنا ينشأ إشكالات:
الأول: اشتراط الهجرة فإن سبب نزول الآية ليس فيه ذكر الهجرة مطلقا وإنما فيه التخلف عن الجهاد، ولهذا أول ابن العربي الهجرة في سبيل الله هنا بهجر الأهل والولد والمال، والجهاد في سبيل الله.
الثاني: سبب النزول يتحدث عن منافقي المدينة، والآية تتناول الهجرة في سبيل الله وعلى هذا فإلى أي مكان يهاجر منافقو المدينة إذا كانوا هم مقيمين في بلاد الهجرة، ولهذا قال الطبري: (فأما من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيما من المنافقين وأهل الشرك، فلم يكن عليه فرض هجرة لأنه في دار الهجرة كان وطنه ومقامه) اهـ.
الثالث: أن الله - عز وجل - أمر بأخذهم وقتلهم حيث وجدوا إذا تولوا عن الهجرة في سبيله والآية تتحدث عن منافقين كما سلف، ومعلوم لكل من شم رائحة العلم فضلا عمن ذاقه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقتل المنافقين أو يأذن في قتلهم مع بشاعة ما صنعوا خشية أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه.
فبأي وجه من الوجوه وافق سبب النزول سياق الآيات وطابق؟
وأما حديث عبد الرحمن بن عوف في القوم الذي اجتووا المدينة فخرجوا منها فاختلف الصحابة فيهم فنزلت الآية فالحديث ضعيف كما تقدم فلا يحتج به على السببية.
ثم إن هؤلاء قد هاجروا إلى المدينة، فلا يبقى معنى لقوله: (حتى يهاجروا في سبيل الله .. ).
وعلى هذا فالأمر دائر بين ما ذكره مجاهد والضحاك لموافقته السياق القرآني للآيات وفي الآية الحقائق التالية:
1 - أن هؤلاء منافقون يظهرون الإسلام والإيمان ويبطنون الكفر لقوله: (فما لكم في المنافقين فئتين) وقوله: (ودوا لو تكفرون كما كفروا).
2 - أن هؤلاء مطالبون بالهجرة في سبيل الله لإثبات إيمانهم، فليسوا من منافقي المدينة في شيء لأنهم غير مطالبين بالهجرة، وسواء كانت هجرتهم من مكة أو غيرها فالآية لم تعين شيئا.
3 - أن هؤلاء المنافقين إن لم يهاجروا في سبيل الله إلى مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاز أخذهم وقتلهم حيث وجدوا.
وما ذكره مجاهد والضحاك يوافق الحقائق السابقة وإن كنت إلى قول مجاهد أميل لأن الله قال: (فما لكم في المنافقين فئتين) والتعريف بالمنافقين للعهد الذهني أي المعهودون في أذهانكم، وهذا يوافق قول مجاهد: (حتى أتوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون فارتدوا) فالصحابة يعرفونهم، بخلاف من ذكر الضحاك أنهم مقيمون في مكة.
فإن قال قائل: عجبا من قولك، كيف تأتي إلى حديث يرويه الشيخان نص على أن سبب نزول الآية كذا، ثم تقول ليس هو سبب نزولها؟
فالجواب: أن القرآن يحكم ولا يحكم عليه، ولست أطعن في حديث الشيخين ولكني أضعف دلالته على النزول، لأن الله قال: (ومن أصدق من الله حديثا) وقال: (ومن أصدق من الله حديثا قيلا) وإذا كان الله قد بين صفة من نزلت فيه بيانا يخالف ما ذكره زيد بن ثابت - رضي الله عنه - فحتما ولا بد أن يكون قول ربنا هو المقدم على قول كل أحد.
وهذا القول عليه أكثر المفسرين كالطبري وابن عطية والقرطبي والسعدي وابن عاشور.
أما غيرهم فقد ساق الأسباب وسكت عن الترجيح.
أما ابن العربى فمال إلى حديث زيد بن ثابت، فقال بعد سياق الأسباب: (والصحيح ما رواه زيد) اهـ.
وقال ابن حجر: (هذا هو الصحيح في سبب نزولها) اهـ يعني حديث زيد.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة ما ذكره مجاهد - رحمه الله - لصحة إسناده إليه وموافقته لسياق الآيات القرآني، وأقوال المفسرين والله أعلم.
* * * * *


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #76  
قديم 29-06-2022, 12:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 418 الى صـ 423
الحلقة (76)

60 - قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا (94)
* سبب النزول:

1 - أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) قال: كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه فأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك إلى قوله: (تبتغون عرض الحياة الدنيا): تلك الغنيمة.
ولفظ أحمد والترمذي: مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسوق غنما له، فسلم عليهم، فقالوا: ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا. فعمدوا إليه فقتلوه، وأتوا بغنمه النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا).
2 - أخرج أحمد عن عبد الله بن أبي حدرد - رضي الله عنه - بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إضم فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن قيس فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مر بنا عامر الأشجعي على قعود له متيع ووطب من لبن فلما مر بنا سلم علينا فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله بشيء كان بينه وبينه وأخذ بعيره ومتيعه فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا).
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة وقد أورد بعض المفسرين هذين الحديثين كالطبري وابن كثير واقتصر بعضهم على إيراد حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - ومن هؤلاء البغوي وابن العربي والقرطبي وابن عاشور، واقتصر ابن عطية على حديث ابن أبي حدرد.
وقد ورد في سبب نزول الآية غير ما تقدم فعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: (قال بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فيها المقداد بن الأسود، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح فقال: أشهد أن لا إله إلا الله فأهوى إليه المقداد فقتله، فقال له رجل من أصحابه: أقتلت رجلا يشهد أن لا إله إلا الله لأذكرن ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله، إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد، فقال: (ادع لي المقداد. يا مقداد، أقتلت رجلا يقول: لا إله إلا الله، فكيف لك بلا إله إلا الله غدا؟) قال: فأنزل الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمقداد: (كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة من قبل) اهـ.
وإذا كان الأمر كذلك فهل يمكن الجمع بين هذه الأحاديث؟ ابن حجر - رحمه الله - لما شرح حديث ابن عباس الثابت في الصحيح قالوروى البزار في سبب نزول هذه الآية قصة أخرى ثم ساق حديث المقداد باختصار، ثم قال: وهذه القصة يمكن الجمع بينها وبين التي قبلها ويستفاد منها تسمية القائل.
وأما حديث عبد الله بن أبي حدرد - رضي الله عنه - فقال عنه: وورد في سبب نزولها عن غير ابن عباس شيء آخر ثم ساق الحديث وقال: وهذه عندي قصة أخرى ولا مانع أن تنزل الآية في الأمرين معا) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الجمع بين الأدلة لا يستقيم هنا لأن الأحاديث غير متكافئة في أسانيدها فحديث عبد الله بن أبي حدرد لم يصح سنده كما تقدم.
وفي شيء من متنه مخالفة للآية، فإن الله بين في الآية أن العلة من قتله ابتغاء عرض الحياة الدنيا بقوله: (تبتغون عرض الحياة الدنيا) وفي الحديث أن محلما قتله لشيء كان بينه وبينه في الجاهلية.
ثم هذا أيضا يخالف ما ذكره ابن عباس في الحديث الصحيح فإنه قال: (فلحقه المسلمون)، وهذا يعني أنه ليس محلما فقط هو الذي لحقه ومما يؤيد هذا من الآية أن الله أتى بضمير الجمع من أولها في قوله: (يا أيها الذين آمنوا) إلى آخرها بقوله: (إن الله كان بما تعملون خبيرا)، وبعيد أن يأتي الله بضمائر الجمع الكثيرة هذه وهو يتحدث عن واحد.
أما حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في قصة المقداد فإسناده لم يصح مرفوعا بل الصحيح فيه أنه مرسل وقد تقدم تفصيل ذلك.
ثم هو يخالف حديث ابن عباس الصحيح فقد جاء فيه: (فلحقه المسلمون)، وفي الحديث الآخر وبقي رجل لم يبرح، فإذا كان قد بقي فكيف يلحق؟
ثم ضمائر الجمع الكثيرة هذه يقال فيها ما قيل في قصة محلم.
وبناء على ما تقدم يكون الراجح في سبب نزولها حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين وغيرهما لعدم وجود المعارض الصحيح الصريح.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة ما ذكره ابن عباس - رضي الله عنهما - في الحديث: (كان رجل في غنيمة له) وذلك لصحة سنده وصراحة ألفاظه وموافقته لسياق الآيات القرآني، واعتماده من أكثر المفسرين والله أعلم.
* * * * *


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #77  
قديم 29-06-2022, 12:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 424 الى صـ 429
الحلقة (77)

61 - قال الله تعالى: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما (95)
* سبب النزول:

أخرج الترمذي والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) عن بدر والخارجون إلى بدر لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم: إنا أعميان يا رسول الله، فهل لنا من رخصة؟ فنزلت: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ... فضل الله المجاهدين ... على القاعدين درجة) فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه) على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد ورد هذا الحديث عند الطبري وابن كثير ولم يتعقباه بشيء.
وقد تبين من دراسة سند الحديث أن ما زاد على قوله: (والخارجون إلى بدر ... ) مدرج من كلام ابن جريج، وعلى هذا ينتفي الاحتجاج به على السببية.
وقوله في المتن أيضا: لما نزلت غزوة بدر، لم ينزل في شأن الغزوة قبل ابتدائها شيء بل المعروف أن الله وعدهم إحدى الطائفتين فلو نزل في الغزو شيء لم يكن لوعده بالعير معنى.
وأيضا فإن سياق الآية المذكور في الحديث ليس كاملا بل قد سقط منه عدد من الجمل.
ومما يؤيد ضعف هذا الحديث إعراض أكثر المفسرين عن ذكره، بل لم يذكره إلا من له عناية بسرد ما ورد في الآية من روايات.
* النتيجة:
أن السبب المذكور لا يصح في نزول الآية لاعتلاله سندا وغرابته متنا.
* * * * *

62 - قال الله تعالى: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما (95)

* سبب النزول:
أخرج البخاري وأحمد والدارمي ومسلم والترمذي والنسائي عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: لما نزلت: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ادعوا فلانا). فجاءه ومعه الدواة واللوح، أو الكتف فقال: (اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله). وخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله أنا ضرير، فنزلت مكانها: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله).
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أملى عليه: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) قال فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان رجلا أعمى، فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله - عز وجل -: (غير أولي الضرر).
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذا المقطع من الآية وعلى هذا القول جمهور أهل التفسير كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور وغيرهم.
قال الطبري: (أي لا يعتدل المتخلفون عن الجهاد في سبيل الله من أهل الإيمان بالله ورسوله المؤثرون الدعة والخفض والقعود في منازلهم على مقاساة حزونة الأسفار والسير في الأرض، ومشقة ملاقاة أعداء الله بجهادهم في ذات الله وقتالهم في طاعة الله، إلا أهل العذر منهم بذهاب أبصارهم، وغير ذلك من العلل التي لا سبيل لأهلها للضرر الذي بهم إلى قتالهم وجهادهم في سبيل الله والمجاهدون في سبيل الله، ومنهاج دينه لتكون كلمة الله هي العليا) اهـ.
وقال البغوي: (أي ليس المؤمنون القاعدون عن الجهاد من غير عذر والمؤمنون والمجاهدون سواء، غير أولي الضرر فإنهم يساوون المجاهدين لأن العذر أقعدهم) اهـ.
وقال السعدي: (أي لا يستوي من جاهد من المؤمنين بنفسه وماله، ومن لم يخرج للجهاد ولم يقاتل أعداء الله.
ففيه الحث على الخروج للجهاد، والترغيب في ذلك، والترهيب من التكاسل والقعود عنه من غير عذر.
وأما أهل الضرر كالمريض، والأعمى، والأعرج، والذي لا يجد ما يتجهز به فإنهم ليسوا بمنزلة القاعدين من غير عذر.
فمن كان من أولي الضرر، راضيا بقعوده، لا ينوي الخروج في سبيل ألله، لولا وجود المانع ولا يحدث نفسه بذلك فإنه بمنزلة القاعد لغير عذر.
ومن كان عازما على الخروج في سبيل الله، لولا وجود المانع يتمنى ذلك ويحدث به نفسه فإنه بمنزلة من خرج للجهاد، لأن النية الجازمة إذا اقترن بها مقدورها من القول أو الفعل ينزل صاحبها منزلة الفاعل) اهـ.
* النتيجة:
أن سبب نزول قوله تعالى: (غير أولي الضرر) شكاية ابن أم مكتوم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرارته وعجزه عن الجهاد وذلك لصحة سند الحديث وصراحة اللفظ وموافقة السياق القرآني واتفاق المفسرين على ذلك والله أعلم.
* * * * *


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #78  
قديم 29-06-2022, 12:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 430 الى صـ 437
الحلقة (78)


63 - قال الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا (97)
* سبب النزول:

أخرج البخاري والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: إن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين، يكثرون سواد المشركين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأتي السهم فيرمى فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضربه فيقتله، فأنزل الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم).
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد هذا الحديث في سبب نزولها الطبري والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
والناظر المتأمل في الآية والحديث يجد أن الآية تتحدث عن الهجرة فقط بقوله: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) بينما الحديث يزيد على ذلك ذكر القتال لقوله: فيأتي السهم، إلى آخره.
ولهذا قصر السعدي الوعيد في الآية على ترك الهجرة موافقة للآية فقال: (هذا الوعيد الشديد لمن ترك الهجرة مع قدرته عليها حتى مات، فإن الملائكة الذين يقبضون روحه، يوبخونه بهذا التوبيخ العظيم ويقولون لهم: على أي حال كنتم؟ وبأي شيء تميزتم عن المشركين؟ بل كثرتم سوادهم، وربما ظاهرتموهم على المؤمنين، وفاتكم الخير الكثير والجهاد مع رسوله، والكون مع المسلمين، ومعاونتهم على أعدائهم، فحيثما كان العبد في محل، لا يتمكن فيه من إظهار دينه، فإن له متسعا وفسحة من الأرض، يتمكن فيها من عبادة الله كما قال تعالى: (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) اهـ بتصرف.
وذهب أكثر المفسرين إلى أن الآية نازلة في قوم آمنوا بمكة ولم يهاجروا إلى المدينة مع قدرتهم على ذلك فمنهم من مات بمكة ومنهم من خرج به المشركون إلى بدر قهرا فقتل هناك.
قال الطبري: (وذكر أن هاتين الآيتين (يعني الآية التي معنا والتي بعدها) والتي بعدهما نزلت في أقوام من أهل مكة كانوا قد أسلموا، وآمنوا بالله ورسوله، وتخلفوا عن الهجرة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين هاجر، وعرض بعضهم على الفتنة فافتتن، وشهد مع المشركين حرب المسلمين فأبى الله قبول معذرتهم التي اعتذروا بها التي بينها في قوله خبرا عنهم: (قالوا كنا مستضعفين في الأرض) اهـ.
وقال البغوي: (نزلت في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا منهم فلان وفلان، فلما خرج المشركون إلى بدر خرجوا معهم فقتلوا مع الكفار) اهـ بتصرف.
وقال ابن عطية: (المراد بهذه الآية جماعة من أهل مكة كانوا قد أسلموا وأظهروا للنبي - صلى الله عليه وسلم - الإيمان به، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقاموا مع قومهم، وفتن منهم جماعة فافتتنوا، فلما كان أمر بدر خرج منهم قوم مع الكفار فقتلوا ببدر فنزلت الآية فيهم) اهـ.
وهذا الكلام المتقدم يتفق مع سبب النزول.
والظاهر - والله أعلم - أن في سبب النزول اختصارا ومحل هذا الاختصار قصة خروجهم (أعني المسلمين) مع المشركين يوم بدرة لأن الحديث نص في أن السهم يرمى فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل، والقسمة العقلية في مثل هذا لا تحتمل إلا طرفين لا وسط بينهما فإما أن يكون هؤلاء القتلى المذكورون في الحديث مسلمين يقاتلون في جيش المسلمين فهم شهداء لا يستحقون التثريب والعتاب بل حقهم الثناء والثواب، وهذا لم تدل عليه الآية.
وإما أن يكون هؤلاء مسلمين خرجوا في جيش المشركين فقتلوا فاستحقوا التقريع والتوبيخ. وهذا الذي دلت عليه الآية بقوله: (ظالمي أنفسهم) وبقوله: (فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا).
فإن قيل: الآية لم تتحدث عن خروجهم مع المشركين إلى بدر وإنما تحدثت عن تركهم الهجرة.
فالجواب: أن هذا صحيح لأن أصل المعصية هو تركهم الهجرة فلو كانوا قد هاجروا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة ما استطاع المشركون إكراههم على الخروج معهم ولم يكن لهم سبيل إلى ذلك، فالآية تحدثت عن أصل الذنب وتركت ما ترتب عليه.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة حديث ابن عباس المذكور لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، واتفاق جمهور المفسرين على القول به، وعدم اختلافه مع لفظ الآية. والله أعلم.
* * * * *

64 - قال الله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا (102)
* سبب النزول:

أخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعسفان، فاستقبلنا المشركون، عليهم خالد بن الوليد، وهم بيننا وبين القبلة، فصلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر، فقالوا: قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم. قال: فنزل جبريل - عليه السلام - بهذه الآيات بين الظهر والعصر: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) قال: فحضرت، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فأخذوا السلاح، قال: فصففنا خلفه صفين، قال: ثم ركع وركعنا جميعا، ثم رفع، فرفعنا جميعا، ثم سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وقاموا، جلس الآخرون، فسجدوا في مكانهم، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، قال: ثم ركع، فركعوا جميعا، ثم رفع، فرفعوا جميعا، ثم سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - والصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلما جلس، جلس الآخرون فسجدوا ثم سلم عليهم، ثم انصرف، قال: فصلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين: مرة بعسفان، ومرة بأرض بني سليم.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرهم لهذه الآية لكن منهم من ساق الحديث باعتباره صفة من صفات صلاة الخوف كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية دون إشارة واضحة إلى أنه سبب نزول الآية.
ومنهم من ساق الحديث باعتباره سبب نزولها كالقرطبي فإنه ذكر الحديث عند تفسيره للآية إلى أن قال: (فنزل جبريل - عليه السلام - بهذه الآية بين الظهر والعصر (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) وقال: وهذا كان سبب إسلام خالد - رضي الله عنه -) اهـ.
وابن كثير فإنه قال: (ولنذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة أولا قبل ذكر صفتها ثم ساق حديثا عن علي - رضي الله عنه - في نزولها وقال في آخره وهذا سياق غريب جدا، ولكن لبعضه شاهد من رواية أبي عياش الزرقي واسمه زيد بن الصامت. ثم ساق الحديث إلى أن قال في آخره، وهذا إسناد صحيح وله شواهد كثيرة) اهـ.
وابن عاشور فقد قال: (إن سببها (يعني الآية) أن المشركين لما رأوا حرص المسلمين على الصلاة قالوا: هذه الصلاة فرصة لنا لو أغرنا عليهم لأصبناهم على غرة فأنبأ الله بذلك نبيه - صلى الله عليه وسلم - ونزلت الآية) اهـ.
والحديث كما تبين من دراسة إسناده معلول بعلتين:
الأولى: الانقطاع بين مجاهد وأبي عياش، الثانية: إعلاله بالإرسال فمن نظر إلى هاتين العلتين جزم بضعفه، ومن نظر إلى تصحيح الحديث من قبل بعض الأئمة الكبار واشتهاره عند أئمة التفسير ورواة الأخبار والسير كاد يجزم بأنه صحيح.
والظاهر - والله أعلم - أن الحديث من مراسيل مجاهد ولا يمنع هذا أن يكون للحديث أصلا إذا علمنا أن مجاهدا ممن قرأ التفسير على ابن عباس - رضي الله عنهما - ووقفه عند كل آية، مع ما يحتف بهذا من تصحيح الأئمة الكبار له واشتهاره عند المفسرين وأهل السير.
* النتيجة:
أن الحديث سبب نزول الآية الكريمة وإن كان من مراسيل مجاهد لكنه يعتضد بإمامته في التفسير وتلقيه عن ابن عباس وموافقته لسياق القرآن واشتهاره عند المفسرين وأهل السير والمغازي، مع تصحيح بعض الأئمة الكبار له مما يشعر أن للحديث أصلا، والله أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #79  
قديم 01-08-2022, 10:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 438 الى صـ 444
الحلقة (79)

65 - قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الترمذي عن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كان أهل بيت منا يُقال لهم: بنو أُبيرقٍ بشر وبُشير ومبشر، وكان بُشير رجلاً منافقاً يقول الشعر، يهجو به أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيتِ حاجةٍ وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافِطَة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافِطَة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حِمْلاً من الدرمك فجعله في مَشْرُبَة له، وفي المشربة سلاح، درع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنُقِّبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نُرى فيما نُرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أُبيرق قالوا:ونحن نسأل في الدار، والله ما نُرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال:
أنا أسرق؟ فواللَّه ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيت منا أهلُ جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مَشْرُبَةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (سآمر في ذلك) فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يُقال له أُسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول اللَّه إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بيِّنة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلمته، فقال: (عمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه) قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أُكلم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآن: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) بني أُبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ) أي مما قلت لقتادة: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) إلى قوله (غَفورًا رَّحِيمًا) أي: لو استغمْروا اللَّه لغفر لهم: (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إلى قوله (وَإِثْمًا مُبِينًا) قولهم للبيد: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) إلى قوله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) فلما نزل القرآن أتى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فرده إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال:
يا ابن أخي، هو في سبيل اللَّه، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللَّه: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116). فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت:أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث في سبب نزولها، وأورده بعضهم بسياق مقارب للمذكور، لكن الجميع اتفقوا على أن نزولها كان في بني أبيرق، كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال ابن العربي: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ .. ) الآية: (هذه الآية نزلت في شأن بني أُبيرق سرقوا طعام رفاعة بن زيد واعتذر عنهم قومهم بأنهم أهل خير فذكره مختصرًا إلى أن قال نهى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة). اهـ.
وقال ابن عطية: (سببها باتفاق من المتأولين أمر بني أُبيرق وكانوا إخوة ... فساق الحديث). اهـ.
وقال القرطبي: (في هذه الآية تشريف للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكريم وتعظيم وتفويض إليه وتقويم أيضًا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق). اهـ.
وقال ابن كثير: (وقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أُبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة. ثم ساق الحديث) اهـ.
وقال ابن عاشور: (جمهور المفسرين على أن هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها أن إخوة ثلاثة يُقال لهم: بشر وبُشير ومبشر أبناء أُبيرق .. فساق الحديث). اهـ.
هذه أقوال المفسرين في شأن نزول الآيات. وقد تبين من دراسة سند الحديث أنه مرسل، وهو وإن كان ضعيفًا من جهة إسناده لكنه يعتضد بأمرين:الأول: موافقته للسياق القرآني موافقة تامة، ومن المعلوم أن المطابقة بين سياق الآيات وسبب النزول قرينة تعضد السبب وتقويه.
الثاني: اعتماد المفسرين من السلف والمتأخرين له وتعويلهم عليه مما يدل على أن له أصلاً، ومن البعيد جدًا أن يعتمد المفسرون قديمًا وحديثًا على سبب ليس له أصل.
* النتيجة:
أن السبب المذكور في نزول تلك الآيات معلول بالإرسال ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات واللَّه أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #80  
قديم 01-08-2022, 10:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد




المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 445 الى صـ 452
الحلقة (80)

66- قال الله تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنَّسَائِي عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة - رضي الله عنها -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ). قالت: هي اليتيمة في حجر وليها، فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها فنهوا عن نكاحهن، إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأُمروا بنكاح من سواهن من النساء.
قالت عائشة: ثم استفتى الناس رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدُ، فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) قالت: فبين الله في هذه أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها، ولم يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق، فإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء قال: فكما يتركونها حين يرغبون عنها، فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها، إلا أن يقسطوا لها الأوفى من الصداق ويعطوها حقها.
2 - وفي لفظ لمسلم عن عائشة - رضي الله عنها - في قوله: (وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ).
قالت: أُنزلت في اليتيمة تكون عند الرجل فتشركه في ماله فيرغب عنها أن يتزوجها ويكره أن يزوجها غيره فيشركه في ماله. فيعضلها فلا يتزوجها ولا يزوجها غيره.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والشنقيطي وابن عاشور مع اختلاف بينهم في تفسيرها.
قال الطبري بعد سياق حديث عائشة - رضي الله عنها - وغيره: (وأولى هذه الأقوال بالصواب وأشبهها بظاهر التنزيل قول من قال: معنى قوله: (وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) أي ما يتلى عليكم من آيات الفرائض في أول هذه السورة وآخرها.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب؛ لأن الصداق ليس مما كتب للنساء إلا بالنكاح، فما لم تنكح فلا صداق لها قِبَل أحد، وإذا لم يكن ذلك لها قِبَل أحد لم يكن مما كتب لها، وإذا لم يكن مما كتب لها لم يكن لقول قائل عنى بقوله: (وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) الإقساط في صدقات يتامى النساء وجه) اهـ.
وابن العربي لما ساق حديث عائشة قال: (وفي ذلك من الحشو روايات لا فائدة في ذكرها هاهنا، يرجع معناها إلى قول عائشة - رضي الله عنها -) اهـ.
والإشكال الذي يَرِدُ هنا أن يُقال: ما هي الإضافة التي جاءت بها آية النساء الثانية؟ أو قل ما الفرق بين الآيتين؟
فالجواب: ابن كثير - رحمه الله - قال: (والمقصود أن الرجل إذا كان في حجره يتيمة يحل له تزويجها، فتارة يرغب في أن يتزوجها فأمره الله أن يمهرها أسوة أمثالها من النساء فإن لم يفعل فليعدل إلى غيرها من النساء فقد وسع اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - وهذا المعنى في الآية الأولى التي في أول السورة.
وتارة لا يكون فيها رغبة لدمامتها عنده أو في نفس الأمر فنهاه الله - عَزَّ وَجَلَّ - أن يعضلها عن الأزواج خشية أن يشركوه في ماله الذي بينه وبينها) اهـ.
وقال السعدي: (قوله: (وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ) هذا إخبار عن الحالة الموجودة الواقعة في ذلك الوقت، فإن اليتيمة إذا كانت تحت ولاية الرجل بخسها حقها، وظلمها، إما بأكل مالها الذي لها، أو بعضه، أو منعها من التزوج لينتفع بمالها، خوفًا من استخراجه من يده إن زوّجها، أو يأخذ من مهرها الذي تتزوج به، بشرط أو غيره، هذا إذا كان راغبًا عنها.
أو يرغب فيها وهي ذات جمال ومال، ولا يقسط في مهرها بل يعطيها دون ما تستحق) اهـ.
والظاهر والله أعلم أن ما ذكره ابن كثير والسعدي - رحمهما اللَّه - هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه، والقول بغيره.
وبيان ذلك أن يقال إن اللَّه تحدث عن نكاح اليتامى من النساء في آيتين من نفس سورة النساء هما قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ .. ) وقوله: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ .. ) وبعيدٌ عن بلاغة القرآن وفصاحته أن يكون حديثُ الآيتين عن معنى واحد يتكرر فيهما، فإن هذا نقص في كلام البشر فكيف بكلام الله جلَّ وعلا؟
فإن قيل: الثاني مؤكد للأول، فما الجواب؟
فالجواب أن يقال: إن كلام اللَّه إذا دار بين التوكيد والتأسيس تعين حمله على التأسيس لأنه يحمل معنى زائدًا على مجرد التوكيد.
وعلى هذا يكون حديث الآية الأولى عن الرجل تكون عنده اليتيمة ذات مال وجمال يريد أن يتزوجها بدون أن يقسط في صداقها، ولفظ الآية الأولى يدل على ذلك كما تقدم في أول سورة النساء.
وحديث الآية الثانية في الرجل تكون عنده اليتيمة تشاركه في ماله وليست ذات جمال، فيرغب عن نكاحها، ويكره أن يزوجها غيره لئلا يشاركه في مالها، فيعضلها لأجل ذلك، ولفظ الآية الثانية يدل على ذلك فإن اللَّه قال: (فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ) أي من حقوقهن وأموالهن اللاتي يملكنها ولهذا قال في آخر الآية (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ) (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) أي ترغبون عن نكاحهن.
ولفظ مسلم عن عائشة - رعِنها - يدل على هذا الفهم.
وأما قول الطبري: إن ذلك في المواريث، فسياق الآيات لا يسعفه.
وهنا سؤال: قالت عائشة - رضي الله عنها - ثم استفتى الناس رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدُ فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ) فعن أيِّ شيء كانوا يستفتون؟ عائشة لم تبين هذا في حديثها، ولعل سبب سكوتها عن السؤال ظهوره في الجواب، فإن السؤال عادةً يظهر في الجواب.
فإذا كان الله قد أجابهم عمن يرغب عن نكاح اليتيمة ولا يؤتيها ما كتب لها، فحتماً كان سؤالهم عن ذلك، لأن اللَّه لما نهاهم عن نكاح من يرغبوا في جمالهن ومالهن بدون أن يقسطوا في صداقهن، فلم يبق إلا السؤال عمن لا يرغب في جمالهن ونكاحهن مع إمساكهن على أموالهن، وهذا ما بينته الآية.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة ما كان يجري في عهده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث كان بعض الناس يعضل اليتيمة عن النكاح لئلا يُشرك في مالها ويرغب هو عن نكاحها لقلة جمالها فاستفتى بعض الصحابة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك فأنزل اللَّه الآية، وذلك لصحة السند وصراحة اللفظ وموافقة السياق.
******************

67 - قال الله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج البخاري ومسلم والنَّسَائِي عن عائشة - رضي الله عنها -: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا). قالت: الرجل تكون عنده المرأة، ليس بمستكثر منها، يريد أن يفارقها، فتقول: أجعلك من شأني في حِلِّ فنزلت هذه الآية في ذلك.
ولفظ ابن ماجه: عن عائشة أنها قالت: نزلت هذه الآية: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) في رجل كانت تحته امرأة قد طالت صحبتها. وولدت منه أولادًا. فأراد أن يستبدل بها فراضته على أن تقيم عنده ولا يقسم لها.
2 - أخرج أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: يا ابن أُختي كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعًا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفَرِقت أن يفارقها رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يا رسول اللَّه، يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منها. قالت: نقول في ذلك أنزل اللَّه تعالى وفي أشباهها أراه قال: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا).
3 - وأخرج الترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة ففعل فنزلت: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ).
فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين الأحاديث المتقدمة جميعاً أو بعضها على اختلاف بينهم كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (إذا علمت المرأة من زوجها استعلاء بنفسه عنها إلى غيرها أَثَرَة عليها، وارتفاعًا بها عنها، إما لبغضة وإما لكراهة منه بعض أشياء بها، إما دمامتها، وإما سنها وكبرها أو غير ذلك من أمورها فلا جناح على المرأة الخائفة نشوز بعلها أو إعراضه عنها، أن يصلحا بينهما صلحاً وهو أن تترك له يومها، أو تضع عنه بعض الواجب لها من حق عليه، تستعطفه بذلك، وتستديم المقام في حباله والتمسك بالعقد الذي بينها وبينه من النكاح، والصلح بترك بعض الحق استدامة للحرمة، وتماسكاً بعقد النكاح خير من طلب الفرقة والطلاق) اهـ.
وقال ابن كثير نحواً من قول الطبري وزاد: (وكذا فسرها ابن عبَّاسٍ وعبيدة السلماني ومجاهد ابن جبر والشعبي وسعيد بن جبير وعطاء وعطية العوفي ومكحول والحسن والحكم بن عتبة وقتادة وغير واحد من السلف والأئمة ولا أعلم في ذلك خلافاً أن المراد بهذه الآية هذا واللَّه أعلم) اهـ.
وهذا الكلام المتقدم يتفق بحمد اللَّه مع ما رواه الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها - في الحديث الأول، وإذا اجتمع في سبب النزول صحة سنده، وموافقته لسياق الآيات، صحت رئاسته، واستقامت قوامته.
أما ما رواه أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - وأن الآية نزلت في سودة حين أراد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فراقها فقد تبين من دراسة سنده أنه غير محفوظ.
وأما ما رواه الترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في شأن سودة أيضاً فهو حديث ضعيف لا تقوم به حجة.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة ما ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - من قولها الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها ويريد أن يفارقها فتقول: أجعلك من شأني في حلِّ. فنزلت الآية وذلك لصحة سنده وموافقته للفظ الآية وتصريحه بالنزول واللَّه أعلم.
* * * * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 259.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 253.81 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (2.27%)]