القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد" - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         كيفية التعامل مع الأعداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 1164 )           »          التربية على الإيجابية ودورها في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          زخرفة المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 70 - عددالزوار : 16841 )           »          لماذا نحن هنا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          يغيب الصالحون وتبقى آثارهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الهواتف الذكية تحترف سرقة الأوقات الممتعة في حياة الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          استشراف المستقبل من المنظور الشرعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 26 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم «أن تحويل القبلة أنهى مكانـة المسـجد الأقصى عند المسلمين»!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر

ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 29-07-2021, 03:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"


ويزداد أمر المحافظة والتجديد من خلال قول عزيز أباظة، الذي يفصح عن هذه الازدواجية، بعد أنْ يؤكد كون عالَمِنا الشعري في أمَسِّ الحاجة لمثل هذا الدَّمْج الرَّصين؛ يقول: "فمن لمحاتِه الشائقة المتناسقة نستطيع أنْ نتبين طلاوةَ البيان عند السلف، وشفافية الإبداع عند الخلف، ما أحْوجَنا وأحوج الحياة الأدبية إلى هذا الشعر الرصين"[29].

كما يؤكد "علي الصراطي" (من ليبيا) كونَ "غنيم" يمثل المدرسة المحافظة، التي تَهتم بالقيم الأصيلة، والأخلاق الرفيعة؛ يقول: "محمود غنيم من أبناء المدرسة المحافظة، التي تغار على القيم الشرعية غَيْرَتَها على القيم الأخلاقية"[30].

المطلب الرابع: اللغة:
لغة "غنيم" تبتعد بُعْدًا كاملاً عن الإسفاف والحذلقة والسفسطة، بل يتميَّز باللغة الرَّصينة المتسامية، التي احتضنت كثيرًا من الكلمات القُرآنية، فكانت - حَقًّا - نموذجًا للكتابة الشِّعْرِية، ولعل هذا هو السرُّ في تنصيب "غنيم" مفتشًا للغة العربية، وتظهر مكانته اللغوية في أن العصر عرف رابع النكبات التي أصابت اللغة العربية، بَدْءًا بنكبة التتار عند تقويضهم للعرش العباسي ببغداد سنة 606هـ - 1251م، إلى النكبة الرابعة؛ حيث تقاسُم الاستخراب الفَرَنسي والإنجليزي لعدد من الدول الإسلامية.

وتحكُّم "غنيم" في اللغة، جعله يَجول بين القواميس؛ ليختار المناسب من الألفاظ، والمتناسق من العبارات، والرائع من الصور، يربط كُلَّ ذلك أسلوبٌ منتظم بديع؛ مِمَّا يَجعلنا نذهب مدًى بعيدًا لتقرير أنَّ "غنيمًا" يُمثل النموذجَ المتكامل، أو القريبَ من المتكامل؛ مِنْ حَيْثُ لغة نظمه، وجَوْدتها وسبكها، وقوة أسرها.

المطلب الخامس: طول النفس:
إنَّ من أهم مميزات الشاعر الفذ المُفْلِق أن يكون طويلَ النفس، مُتعَدِّدَ الأغراض، متنوعَ التعابير، مُلِمًّا بالفكرة من كل جوانبها، فيشبعها معالَجَةً وتَحليلاً، وقصيدة واحدة كقصيدة "الهلال الأحمر" كفيلةٌ بأنْ تفصح عن هذه الخِصِّيصة، فقد بلغت أبياتها مائة وخمسةَ أبياتٍ، تناولت موضوعَ الحرب دون أن تتعداه إلى غيره، وجعلها تدور حولَ نقاطٍ ست:
1- الحديث عن الهلال باعتباره رمزًا للتجدد.
2- ذكر ويلات الحرب وعواقبها.
3- الحديث عن "موسوليني"، والحرب الإيطالية الحبشية، وما نجم عن ذلك من تقتيل للأبرياء، وسطوة على الضعفاء.
4- تفصيل بعض أحداث الحرب العالمية الثانية.
5- علاقة هذه الحرب بالأقطار الإسلامية، والأضرار التي عانتها من جَرَّائها.
6- التحذير من أعداء الإسلام، وأنَّ وُعُودَهم بالتآزُر مع المسلمين تلفيقٌ ومكيدة، ثم خرج في النِّهاية بجملة تصوُّرات حول الحرب، كان من الممكن أن تفصل في قصائد عديدة، لكن "حبكة" غنيم جعلتها بالغةً في التركيز، دونَما حشو أو معاضلة، مع الاعتناء بترتيب الأحداث.

المطلب السادس: بناء القصيدة:
وقد سلك "غنيم" بالبناء الفني للقصيدة مَسْلَكَ الشعراء المحافظين، الذين يقدرون القصيدةَ العمودية، ويجلون نظامَها وطريقة بنائها؛ ولذلك كان الديوان كلُّه قصائد عمودية إلا قصائد شَذَّت، واتَّفق أن تكون هذه القصائد الست، الوحيدة التي نشرت في مجلة "أبولو" إلا قصيدة "في إستالين"[31] التي نشرت في مجلة "الرسالة".

ويُمكن - في يُسر - استنتاجُ السبب في تنكُّب "غنيم" في هذه القصائد الطريقة العمودية، وهو أن جماعة "أبولو" عُرِفَت بنزعتها الجامحة نحو "التجديد"، والمناداة الصارخة بالخروج عن أوزان الشعر العربي، فكأنَّ غنيمًا أحس بهذا الجانب، فنظم هذه القصائد مُشاكِلاً بذلك مذهبهم في التحرر.

ويسجل "لغنيم" تقسيمه الجديد للقصيدة تقسيمًا هندسِيًّا بديعًا؛ حيث إنَّها تبدأ بمقدمة تَشْمَلُ الإطارَ العام الذي توضع فيه الفكرة تَمهيدًا للدُّخُول في صلب الموضوع، ثم يشرع في الحديث عن الغرض الأساس، ثم يَختم القصيدة بأبيات غالبًا ما تكون حكمة مفيدة، أو تحذيرًا من مكروه، أو نصحًا وجيهًا، على أنه يُمكن ملاحظةُ أن قصائدَ الديوان كلها قد سارت على هذا النمط.

وقد أعانت هذه الطريقة "غنيمًا" على الاعتناء بالمطلع؛ ليكونَ جذابًا مستدرجًا لقراءة ما يليه، وعلى الخاتمة بأن تكون حسنةً رائقة، فحسُن بذلك استهلالُه، وبرَع تَخلُّصه.

وطبعي أن الشاعرَ إذا أُشرب حب الصياغة القديمة، ورأى فيها الجمالَ الشعري الحقيقي، لا يستطيع أن ينزاحَ عنها، بل في الغالب ما يفصح عن كُرْهِه لما يعارض هذا الاتجاه، وبخاصة في عصرنا الحديث، الذي ضج بما يعرف بـ"الشعر الحر"، والذي وجد تحفظًا من عديد من الدارسين والنُّقَّاد، وكثير من الأدباء والشعراء، وكان "غنيم" من هؤلاء الذين كانوا يَرَوْنَ هذا الضَّرْبَ من الكلام عبثًا لا يستحق الوقوفَ عنده؛ يقول: "وعلى ذكر الشعر الحر، لا أراني في حاجة إلى إطالة الوقوف عنده؛ لأسبابٍ، أقلُّها أنَّه لا رواة له، وأنه يُوءَدُ يَوْمَ يُولد، وشَتَّان بين هرم من صخر، يصارع الزَّمان، وكومة من قش لا تلبث أن تذروها الرياح، ولو سلمنا بأنَّ هذا الضربَ من الكلام يُسَمَّى شعرًا، ما كان في العربية ناطقٌ غَيْرَ شاعر"[32].


المطلب الثامن: الوحدة الموضوعية:
والقراءة الاستقرائية لقصائد الديوان تُوضِّح أنَّ "غنيمًا" قد اعتنى بوحدة الموضوع داخلَ القصيدة الواحدة، لا يزيغ عنه إلى الاستطرادات النابية، ولا يقصد إلى حُوشِيِّ الكلام، وإنَّما يَعْمِد إلى الفكرة بطريقة مباشرة، واضعًا تَخْطِيطًا سابقًا لطريقة التناوُل، ثم يشرع في التحليل والتشريح.

وقد مَرَّ بنا أنَّ قصيدته "الهلال الأحمر" مع طولها اقتصر فيها على غَرَضٍ واحد، وهو الحديث عن "الحرب"، ولم يتجاوز ذلك إلى الحديث عن شيء آخر، وإن كان الهدفُ توجيهًا إرشاديًّا، وهو ما يستخلص من تصوير "الحرب" من جوانبها البشعة، ثُمَّ يضاف إلى ذلك قوةُ الأسر التي تنتظم أبيات القصيدة؛ مِمَّا يُبْعِدها عن التفكك، ويَجعل البيتَ لا ينهض إلا بأخيه، ولا يستخلص كنهه إلاَّ بِمَعرفة ما تقدمه وما يليه، إلاَّ ما كان من "حكمة" أو "مثل"، وإذا نظرنا إلى قوله - مثلاً - عند حديثه عن "هيكل باشا":
"أَقْسَمْتُ مَا نَسِيَتْ لَكَ الْفُصْحَى يَدًا
بَيْضَاءَ صَانَتْ حَقَّهَا أَنْ يُهْضَمَا

أَعْلَنْتَ رَأْيَكَ فِيهِ غَيْرَ مُوَارِبٍ
وَوَقَفْتَ تَزْأَرُ خَلْفَ رَأْيِكَ ضَيْغَمَا

كَوَّرْتَهُ وَحَصِبْتَ أَقْوَامًا بِهِ
جَمَّ الصَّرَاحَةِ بِالدَّلِيلِ مُدَعَّمَا"[33]



فأنت ترى أن هذه الأبيات متآزرة متآخية، لا يقوم بيت مكان الآخر.

المطلب التاسع: شعر المناسبات:
إنَّ "غنيمًا" يأبى أن يكون الشعر كله غزلاً لا يَخرج عن ذكر الحِسَان، أو أن تستبدَّ به العواطف والتنازُعات النفسية، فيكرس الشاعر لهذه الخِدْمة هذه العواطف، باعتبارها تتحكم في "الشاعرية"، وإنَّما الشعرُ عند "غنيم" اقتناصُ مناسبات الضعف، التي تَحتاج إلى علاجٍ عاجل، فيندفع بموهبته "يضع الهناء موضع النقب"، ويروم الموضوعات التي يراها كفيلةً بأنْ تدفع بعجلة الشعور إلى الأمام؛ ولذلك نراه يردُّ على الذين وصفوا شعره بأنَّه "شعر المناسبات" بأنَّهم "متحذلقون"؛ لأَنَّ الشعر الرصين - كما أكَّد ذلك في مقدمة ديوانه: "في ظلال الثورة" - هو "ما ارتبط بأحداث معينة"، ثُمَّ ضَرَبَ أمثلةً لفطاحل الشعراء، من أمثال عمرو بن كلثوم في معلقته، وأبي تمام في بائيته "فتح عمورية"، وشوقي في نونيته "توت عنخ آمون"، والمتنبي في كل أشعاره، بل والإلياذة والأوديسا؛ ليبرهن أن ذلك كُلَّه كان من جراء مناسباتٍ دعت إلى هذا الإنتاج.

وبعد هذا، فإنَّنا نستطيع القولَ بأنَّ "غنيمًا" كان موفَّقًا في صياغته، وتعابيره، وطريقة أسلوبه، وكان مثالاً حيًّا للصياغة الجيدة، التي جمعت بين ملكة "الموهبة"، وامتلاك اللغة الأصيلة.

المبحث الثالث: التصوير البياني والخيال:
وقد أبدع "غنيم" في تناوُل الصورة البيانية، بما يثبت جدارته، واتِّساعَ أفقه، فقد استغل الأساليب البيانية في توضيح الغامض، وتقريب البعيد، وتفصيل المجمل... وتآزر ذلك مع طواعية اللغة له، فاكتملت صورتُه، وبَعُد تَحليقه؛ يقول متحدثًا عن نفسه، وقد دخله اليأس، وأحَسَّ بنفسه كالجامد في مكانه، في حين يظن أنَّه يتقدم به المسير:
"كَأَنِّي إِطَارٌ دَائِرٌ حَوْلَ نَفْسِهِ
يَطُولُ بِهِ الْمَسْعَى وَلاَ يَتَقَدَّمُ [34]



ويُحسن "غنيم" في تصويرِ حالتي الخوف والرعب، اللَّذَيْنِ انتابا الناسَ من جراء الحروب الطاحنة، حتى انحشر الناس في دُورهم، وكتموا أنفاسَهم:
"لاَ نُورَ فِي الْآفَاقِ إِلاَّ أَنْ تَرَى
طَيَّارَةً قَدْ طَارَدَتْهَا أَسْهُمُ

أَوْ طَيْفَ مِصْبَاحٍ بَدَا وَكَأَنَّهُ
يَخْشَى مِنْ الْغَارَاتِ وَهْوَ مُلَثَّمُ"[35]



فالجو جَوُّ شدة وفَرَقٍ، والعالم الخارجي لا يعرف إلاَّ الطائرات الحربية، التي تَمُرُّ كلمح البصر، وقد طاردتْها السِّهام من كل الجوانب، حتى المصابيح من هول الواقعة، وتناثر الفقع، كادت أن تأفل ويَعْتِمُ نورُها، حتى كأنها تلثمت؛ خشيةً من الغارات، وهذا تصوير بديع بحق، وخيال بعيد غائر.

وصورة أخرى، يتمُّ فيها تشبيهُ التيجان، وقد تناثرت وتطايرت عن رؤوس أصحابها - بالبخار الذي يَنفِثه القِدر:
"تَتَطَايَرُ التِّيجَانُ عَنْ أَرْبَابِهَا
كَالْقِدْرِ تَنْفِثُ فِي الْفَضَاءِ بُخَارَهَا"



وقد كان يكفي لتأدية المعنى أنْ يُبادر بالقول المباشر في أنَّ ذوي المكانة من عِلْيَةِ القوم، قد اضمحل نفوذهم، وتهاوت أقدارهم... لكنَّ هذا التصوير يَجعل ذلك المعنى نفسه بعيدَ التأثير في النفس، شديدَ الوقع على الحس.

وبالغ "غنيمٌ" - أحيانًا - في هذا التصوير، لكن لم يَخرج عن إطار المقبول، إذا ما استحضرنا الغايةَ النبيلة، التي من أجلها تَمَّت هذه المبالغة، كقوله:
"فِي كُلِّ دَارٍ ثَوْرَةٌ مَشْبُوبَةٌ
لاَ يُطْفِئُ الْبَحْرُ الْخِضَمُّ شَرَارَهَا" [36]



فقد دلَّل على اشتعال النيران في كل مكان، وقيام الثورات في كل الأرجاء - بأنَّها بلغت مبلغًا يتعسر إطفاؤه، حتى ولو بماء البحر، ويبقى لهذا الأسلوب غرضه في تَبشيع صُوَرِ الحرب، وتنفير الناس منها، والمبالغة في هذا تكون مقبولة جيدة.

المبحث الرابع: العاطفة:
عرفنا أنَّ الصورة البيانية في شعر غنيم كانت مُطَعَّمة بخيالٍ واسع ناضج، قد توافرت له أسبابُه من كثرة الاطلاع، واتِّساع الثقافة، وخبرته بأشعار الحرب، يضاف إليه مَوهبته الفطرية، وحِسُّه المرهف، فكان ينتقل بالقارئ إلى أجواءٍ شاسعة، ويطوف به آفاقًا بعيدة، وتضافر ذلك مع العاطفة القويَّة التي مَيَّزت "غنيمًا"، الذي كان ينطلق في صرخاته ونداءاتِه منطلَقًا صادقًا، يدفع إلى التغيير والإصلاح، واتَّضح ذلك بشكلٍ جليٍّ في شعره القومي، الذي تناول موضوعًا عن الحرب، ودعوته الشعوب الإسلامِيَّة إلى نبذها، وعدم الانشغالِ بها، دعوته لقريب حميم، يرى من الواجب توجيهَه وإرشاده، وكانت هذه سِمَة الشعراء القوميِّين في هذه الحقبة، "لقد كانت العواطفُ في شعر القومِيَّة صادقة، لا نفاقَ فيها، ولا زَيْفَ، ولا مَيْنَ؛ لأنَّ مصدرها شعور عميق"[37].

ويظهر صدقها في تَحريك الأشجان، وبعث اللَّوعة على هذا الواقع المُرِّ الأليم، تشرك القراء مع الشاعر في الفرح والحزن، والرِّضَا والسخط.[38]

وذلك ما أكَّده "توفيق ضعون" في مناطِ إثبات الدَّلائل على جَوْدَة شعره، في أنَّه كالشعر "الواضح المعنى، المؤدي صورةً صادقة عن عاطفة ناظمه وهدفه في الوجود".

وانظر كيف تَمازج الخيالُ الواسع، والعاطفة الصادقة في تصويرِ مُلْكِ الطُّغاة، وأنه يقوم على القهر، والغلبة، والاستبداد، وعدم النَّصَفَة، فهُم يَستطيعون إحصاءَ عدد النُّجوم، ولكن عن إحصاء الضَّحايا عاجزون، هؤلاء الذين جُعِلَت هاماتُهم لَبِنَاتِ ذلك المُلك، وكانت دماؤهم الطلاءَ المختار لجوانبه:
"يَا رَبُّ مُلْكٌ بَنَتْهُ كَفُّ طَاغِيَةٍ
تُحْصَى النُّجُومُ وَلاَ تُحْصَى ضَحَايَاهُ

دَمُ الضَّحَايَا طِلاَءٌ فِي جَوَانِبِهِ
وَهَامُهُمْ لَبِنَاتٌ فِي زَوَايَاهُ"



والنماذج من هذا اللَّون مُتعدِّدة، واستيفاؤها مُتعَسِّر، ويَكفي شعرَ غنيم فخرًا أنَّه وجد الآذان المصغية، وحَرَّك الشجون، وأحدث ما كان ينشده من تغيير، حتى سارت قصائدُه على الألسن سير الأمثال.

خـاتمة


هذا، وأحْمَد الله - تعالى - على توفيقه ومِنَّته بانتهاء هذا البحث، وأسأله - تعالى - الانتفاعَ بما ورد فيه من فوائدَ، أختزلها فيما يلي:
1- إنَّ الأدبَ الإسلامي في طريقه إلى النضج والكمال، بفضل الله - تعالى - أولاً، ثم بفضل مَجهودات المخلصين، وذَوي الهمة العالية، في إيجاد أدبٍ يُعَبِّر عن كِياننا، وينطلق من عقيدتنا.

2- مقدرة "محمود غنيم" على الصياغة الجيدة، والفكرة الهادفة؛ مما جعلني أستحسنُ شعره، وأختاره نموذجًا تطبيقيًّا، يُمكن اقتفاءُ أثَرِه، والسير على منواله، بعد أن أوضحت ما علق بديوانه من شوائب كان الواجبُ التنزُّه عنها.

3- شمولية شعر غنيم لأهمِّ الأغراض البلاغية، مع لطافة التناوُل، وحسن الأداء، وهي مَيْزَة كان حقًّا على الشُّداة أن يَعْدُوا بها وينتهجوها، إضافةً إلى النقاط الدقيقة المتعددة، التي حصلت منها الإفادة المطلوبة، ونسأل الله - تعالى - أن يَجعل أعمالَنا خالصةً لوجهه، إنَّه سميع مجيب.

ثبت المصادر والمراجع:
1- الأدبُ الديني لدراسات أدبية عن القرآن والحديث، د. زكي المحاسني.
2- الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال.
3- الأدب اليوناني القديم، د. عبدالواحد وافي.
4- الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، عبدالقادر شيبة الحمد.
5- الإسلامية والمذاهب الأدبية، د. نجيب الكيلاني.
6- تاريخ آداب اللغة العربية، جورجي زيدان.
7- تاريخ الأدب الروماني، ج.و.د.ف. - ترجمة: د. محمد سليم سالم.
8- تاريخ الأدب السرياني من نشأته إلى الفتح الإسلامي، د. مراد كامل و د. محمد البكري.
9- تاريخ الأدب الفارسي، د. رضا زاده شغف - ترجمة: موسى هنداوي.
10- تاريخ الأدب العربي، كارل بروكلمان.
11- تاريخ الأدب العربي، حنا الفاخوري.
12- تاريخ الأدب العربي، أحمد حسن الزيات، وتاريخ الأدب اليوناني، د. محمد صقر خفاجة.
13- الأدبية في عصر الجاهلية والإسلام، عبدالغني خفاجي و د. صلاح عبدالتواب.
14- دراسات في أدب الدعوة الإسلامية، د. محمد حسن زيني.
15- السيرة النبوية، ابن إسحاق.
16- شعراء الدعوة الإسلامية، ج 20، أحمد عبداللطيف الجدع و حسني أدهم جرار.
17- صحيح مسلم.
18- صرخة في وادٍ، محمود غنيم.
19- في التاريخ... فكرة ومنهاج، سيد قطب.
20- فتح القدير، الشوكاني.
21- في ظلال الثورة، محمود غنيم.
22- محاضرات عن الشعر الفارسي والحضارة الإسلامية في إيران، د. علي أكبر فياض.
23- القومية العربية في الشعر الحديث، د. أحمد محمد الحوفي.
24- مختصر سيرة ابن هشام، محمد عفيف الزغبي.
25- مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، د. ناصر الدين الأسد.
26- مقدمة في دراسة الأدب الإسلامي، د. مصطفى عليان.
27- مقدمة لنظرية الأدب الإسلامي، د. عبدالباسط بدر.
28- من قضايا الأدب الإسلامي، د. آدم صالح بيلو.
29- منهج التربية الإسلامية، محمد قطب.
30- منهج الفن الإسلامي، محمد قطب.
31- النقد الأدبي عند اليونان، د. بدوي طبانة.


[1] "صرخة في وادٍ"، ص: 77.

[2] "صرخة في وادٍ"، ص: 67.

[3] نفسه، ص: 56.

[4] تراجع القصة في قصيدة: الهلال الأحمر، وهامش ص: 49، من الديوان.

[5] "صرخة في وادٍ"، ص: 56.

[6] نفسه، ص: 103.

[7] نفسه، ص: 98.

[8] "صرخة في وادٍ"، ص: 98.

[9] "نفسه"، ص: 135.

[10] "صرخة في وادٍ"، ص: 34.

[11] "صرخة في وادٍ"، ص: 46.

[12] "صرخة في وادٍ"، ص: 238.

[13] نفسه.

[14] نفسه، ص: 239.

[15] "صرخة في وادٍ"، ص: 240.

[16] نفسه، ص: 114.

[17] نفسه، ص: 139.

[18] "صرخة في وادٍ"، ص: 208.

[19] نفسه، ص: 181.

[20] نفسه، ص: 183.

[21] نفسه، ص: 187 - 188.

[22] نفسه، ص: 144.

[23] "صرخة في وادٍ"، ص: 297.

[24] انظر بحث "توفيق ضعون" في مقدمة الديوان ص: 24.

[25] "صرخة في وادٍ"، ص: 118.

[26] "صرخة في وادٍ"، ص: 59.

[27] "في ظلال الثورة"، ص: 7.

[28] "صرخة في وادٍ"، ص: 177.

[29] "في ظلال الثورة"، ص: 5.

[30] نفسه، ص: 299.

[31] "صرخة في وادٍ"، ص: 148.

[32] "في ظلال الثورة"، ص: 16 - 17.

[33] "صرخة في وادٍ"، ص: 240.

[34] "صرخة في وادٍ"، ص: 244.

[35] نفسه، ص: 63.

[36] نفسه، ص: 40.

[37] القومية العربية، ص: 364.

[38] نفسه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 79.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 77.11 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.44%)]