القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد" - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4417 - عددالزوار : 853559 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3948 - عددالزوار : 388667 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 214081 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر

ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 28-07-2021, 03:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"


اللَّهُ بِالْجُمُعَاتِ وَحَّدَ بَيْنَهُمْ
وَبِحَجِّ بَيْتٍ فِي الْحِجَازِ حَرَامِ

دِينُ ابْنِ عَبْدِاللَّهِ دِينٌ بِاسْمِهِ
قَبَضَ الرَّشِيدُ عَلَى الْوَرَى بِزِمَامِ

هُوَ دَوْلَةٌ كُبْرَى وَمُلْكٌ شَامِخٌ
لاَ مَحْضَ تَكْبِيرٍ وَمَحْضَ صِيَامِ"[126]


ويركز "غنيم" على حَثِّه المسلمين على الجهاد، في كل مناسبة، وهو دليلُ إحساسه بهجوع أبناء جلدته، وتفاعله مع مُجريات الأحداث؛ لأن المسلم قويٌّ بغيره، وثنائية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تُصاحِبُه أينما حل وارتحل، وتعظم قيمتها حين يَملك هذا المسلم أداةً كفيلة بإيصال دَعوته إلى أقاصي الدُّنيا، كأداة الشعر فلا يبخل بالتنديد بكل نقيصة، والإشادة بكُلِّ خصلة مَحمودة، وهذا دأبه، كأنَّه طبيب الأمة، يتحسس نبضها في كل حين، ويزودها بالدَّواء الناجع.

"أَبْنَاءُ يَعْرُبَ لاَ حَيَاةَ لِأُمَّةٍ
بِالذِّكْرَيَاتِ بَلِ الْحَيَاةُ مَسَاعِ

فَثِبُوا إِلَى الْأَحْدَاثِ وَثْبَ مُغَامِرٍ
لاَ وَاجِبٍ قَلْبًا وَلاَ مُرْتَاعِ

لاَ تَطْلُبُوا بِالضَّعْفِ حَقًّا ضَائِعًا
مَا لِلضَّعِيفِ الْحَوْلِ مِنْ أَشْيَاعِ

مَنْ عَالَجَ الْبَابَ الْقَصِيَّ فَلَمْ يَلِنْ
لِيَدَيْهِ حَطَّمَ جَانِبَ الْمِصْرَاعِ

الشِّرْكُ فِي الْأَوْطَانِ شِرْكٌ آخَرٌ
وَطَنُ الْكَرِيمِ الْحُرِّ غَيْرُ مُشَاعِ

فِيمَ الْجُمُودُ وَدِينُكُمْ مُسْتَصْرَفٌ
وَزَمَانُكُمْ مُتَغَيِّرُ الْأَوْضَاعِ

وَلَقَدْ تَطَوَّرَتِ الْحَيَاةُ وَفُلْكُكُمْ
مَا زَالَ يَمْخُرُ مَاءَهُ بِشِرَاعِ

تَرْضَى الْحَنِيفَةُ بِالْعُيُوبِ وَإِنَّمَا
عَيْبُ الْحَنِيفَةِ غَفْوَةُ الْأَتْبَاعِ"[127]



وكم استاء "غنيم" من مواقف المسلمين الضَّعيفة، والْتجائهم إلى العدو نفسه متمثلاً في "عصبة الأمم"، وفي "محكمة العدل الدولية"، كيف نرضى بهذا الذُّلِّ والهوان، كيف تسنى لأناسٍ فرغوا من الإنسانية، وتشبعوا بحقدهم للدُّول الإسلامية، كيف يجعل العدو حكمًا في قضايا عدوه؟ إنَّ هذا لَمِن دَواعي الأسف والكمد؛ الأسف على هذه الأمة المسكينة الضَّائعة، والكمد على ما تسامه من هوان كل يوم، دون أن ترعوي أو تُفيق من السبات.

ها هو "غنيم" يتحدث عن "عصبة الأمم" مُوضِّحًا خداعَها وخُبْثَها، كيف أنَّها مُحكمة بلا مقومات، بل إن جُلَّ مقوماتها أن تؤلب القويَّ ضِدَّ الفقير تأليبَ الذئب بالغنم، وكيف أن القاضي نفسه هو قائد الاعتداء، والداعي إليه:
"يَحْيَا عَلَى مَحْكَمَةِ السَّلاَمِ

مَحْكَمَةٌ لَكِنْ بِلاَ أَحْكَامِ


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 28-07-2021, 03:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"


أَلَمْ تَرَ الْعُصْبَةَ فِي الْمَنَامِ

تُحَرِّشُ الذِّئَابَ بِالْأَغْنَامِ

إِنْ رَضِيَ الْقَاضِي عَنِ الْإِجْرَامِ

فَإِنَّهُ أَوْلَى بِالِاتِّهَامِ"[128]

ثم ينتفض في وجه هذه العصبة، ويصرخ ألاَّ فصل ولا عدل إلا بالحسام،فهو الكفيل بوضع الأمور في نصابها:
"لاَ فَصْلَ إِلاَّ بِالْحَدِيدِ الدَّامِي

فَالْحَقُّ فِي أَسِنَّةِ السِّهَامِ"[129]


وتَحدَّث "غنيمٌ" كثيرًا عن هذا السراب الواهم، الذي يسمونه "السلام"، واعتبره حلمًا تلهج به الألسنة الكليلة:
"قَالُوا السَّلاَمُ فَقُلْتُ مَا
عِيُّ اللِّسَانِ عَنِ الْكَلاَمِ"[130]



ثم يبالغ في تأكيد حقيقة السلام، وهي أنَّه أداة تَملكها يد الغربيِّين، تسلس بها مَقاد المسلمين، وتُضلِّلهم برفع شعارها، فالغنيُّ القوي في حقيقة الأمر هو المستفيد من ألعوبة "السلام"، في حين بَقِيَ الضعيف يطلب في الحبالة مركضًا:
"وَيْحَ السَّلاَمِ جَنَى الْقَوِيُّ ثِمَارَهُ
وَكَوَى الضَّعِيفَ بِجَمْرِهِ اللَّذَّاعِ"[131]



ولذلك، فالسلم في حقِّ هذا الضَّعيف فتكٌ بطيء، من دون سلاح ولا صِراع:
"الْحَرْبُ يَفْتِكُ بِالنُّفُوسِ صِرَاعُهَا
وَالسِّلْمُ فَاتِكَةٌ بِغَيْرِ صِرَاعِ"[132]





ولكن، إذا كانت هذه هي الآمال المنشودة، والدَّعوات المثالية إلى تَحقيق جهاد إسلامي يكسر الغرب، ويسترجع قمةَ الأَمْجاد، فما موقفنا من حروب هذا العصر، من هذه الأفواه القاذفة للشرر كأَنَّ نَسْغَ حياتِها هو هذا القذف المرعب، والنيران الهائجة.



لا شَكَّ أنَّ العاقلَ يقف مَشدوهًا أمامَ هذا الفتك والدَّمار، يسعى كلَّ جهده أنْ يوقف هذه الحروبَ التي لم تُوقِّر الشيخَ الْهَرَم، ولا الطفلَ الرَّضيع اللَّذَيْنِ لا يَملكان من الأمر شيئًا، لقد طال بكاء "غنيم" على الجثث المترامية على ميادين العراك، على الهامات المتقاذفة تَحت السنابك، على الأبرياء الذين يُخطَفون خطفًا، أو يُسْحَقون سحقًا، بلا سابق ذنب، أو فارط زلة:



"مَا لِلشُّيُوخِ وَلِلْوَغَى

الشَّيْخُ مَأْفُونٌ عَدَاؤُهْ




مَا لِلرَّضِيعِ بِمَهْدِهِ

يَشْتَدُّ بِالْهَيْجَا بَلاَؤُهْ




لاَ ثَغْرَ يَفْتَحُهُ وَلاَ

عَرْشٌ يُتَاحُ لَهُ اعْتِلاَؤُهْ




يَكْفِيهِ مُلْكًا ثَدْيُ أُمْ

مٍ زَادُهُ فِيهِ وَمَاؤُهْ"[133]








إنَّ القلبَ لَيُمَزَّقُ حَسْرةً وكمدًا على هذا الضَّياع، على هذه العقول السَّخيفة التي ترشد الأقوامَ إلى حتفها، الحرب ليس لَها من سِرٍّ سوى الدَّمار والطحن، أضرارها عائدة على الغالب والمغلوب، فماذا جنَيْنا - إذًا - من هذه الحروب الطِّوَال، أذهبًا مُسبكًا، أم كنوزًا تقر بها العيون، أم أكبادًا وقلوبًا وجسومًا وهامات؟



"لَمْ يَبْقَ فِي مَجْرَى الدِّمَاءِ بَقِيَّةٌ

شَكَتِ الْعُرُوقُ مِنَ الدِّمَاءِ نُضُوبَا




طَحَنَتْ فَرِيقَيْهَا الْحُرُوبُ بِضِرْسِهَا

لاَ غَالِبًا رَحِمَتْ وَلاَ مَغْلُوبَا



يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 28-07-2021, 03:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"


ثُمَّ اسْأَلِ النِّيرَانَ مَاذَا أَنْضَجَتْ

أَسْبَاكًا امْ أَكْبَادَهُمْ وَقُلُوبَا"[134]







وجميل أن يلفتنا الشاعر إلى سِرِّ ذلك، لماذا هذه الغارات على الأبرياء؟ ولماذا هذه السطوة من القوي على الضعيف؟ إنَّه ضعف الإيمان، إنه ضعف الاعتقاد في وجود شرائع مُنَظِّمة، وقوانين إلهيَّة موجِّهة، إنَّ كثيرًا من الناس نَسُوا - أو تناسَوا - سَبَبَ وجودِهم في الحياة، فصاروا يتكالَبُون على الحطام، ويَتقاتلون من أجل التفاهات والمُغريات وحُبِّ السطو والبطش، فلا وازعَ يرتدع به، ولا أخلاقَ تتحكم في السلوك:



ذُنُوبُ الضِّعَافِ الْعَاجِزِينَ كَثِيرَةٌ

وَمَا لِقَوِيٍّ إِذْ تُحَاسِبُهُ ذَنْبُ




كَأَنْ لَيْسَ بَيْنَ الْعَالَمِينَ شَرَائِعٌ

وَلاَ خَلْفَهُمْ بَعْثٌ وَلاَ فَوْقَهُمْ رَبُّ"[135]








فلا بارك الله هذه الحروب، ولا بارك أهلها، ولا من يدعو إليها، فحسبنا ما أذاقَتْناه من ويلات ودواهٍ:



"فَلاَ بَارَكَ اللَّهُ الْحُرُوبَ وَأَهْلَهَا

فَإِنَّا لَقِينَا بِالْحُرُوبِ الدَّوَاهِيَا"[136]








هذا موقف "غنيم" من الحرب، وذاك أمله من الجهاد.



وقفة إنصاف:

إنَّ اختيارَ "محمود غنيم" نَموذجًا تطبيقِيًّا لمظاهر الإسلامية كما سبق عرضها - ليس يعني أنَّ "غنيمًا" قد استقل بمركز الكمال، وأنَّ ديوانه قد تَمَثَّل تلك المظاهر في كل بيت من أبياته، فهذا مما يصعُب تَحقيقه في زماننا الذي تُعَدُّ فيه المناداة بأدبٍ إسلامي صَيْحَةً جديدةً بالمقارنة مع الاتِّجاهات والتيارات الأخرى التي وطأت قدمها، ورسخت منهجها، وحسبنا أن نقنع بتنامي هذا الاتِّجاه، وأنه في طريقه إلى الكمال.



فكان جانب الموضوعية يتطلب منا أن نقف عند بعض اللحظات غير المرْضية في ديوان محمود غنيم، وهي عبارة عن مؤاخذات نَحتاط لها فيما يستقبل من الأيام.



وأقسم المؤاخذات إلى ثلاث ملحوظات:

1- أما الملحوظة الأولى: فهي المغالاة في التشبيه إلى درجة الغُلُوِّ وبُعْد النَّصَفة، ربَّما كان الشاعر في حالةٍ من الانفعال متوقدة، لكن هذا لا يَطغى على الأديب المسلم، الذي جعل عَقيدته حارسًا له من الطُّغيان النفسي، والهيام العاطفي، فالشاعر معرض لنزواتِ هذه الشاعرية، وبخاصة إذا كان - كغنيم - شديدَ الحساسية، مُرْهَف العاطفة، قوي الموهبة، ولَعَلَّ هذا ما اعتراه وهو في أثناء حديثه عن الغدير، وما يوحي به من جمال في الطبيعة، وعرج على منظر "الغيد" وهن يسقين الماء، ثم يشبه إحداهن انحنت لملء جرتها بركوع "البتول" في المحراب:



"رَكَعَتْ كُلُّ غَادَةٍ هَيْفَاءَ

كَرُكُوعِ الْبَتُولِ فِي الْمِحْرَابِ"[137]








ومناط المؤاخذة يرجع إلى أمر موضوعي، وآخر فني: أمَّا الأول فهو وجوب احترام المقدسات الدينية، وما يتصل بها من أسماء وأحداث توجب أن تكونَ مَحطَّ تقديس وتقدير، وتشبيه "غادة" هيفاء بالبَتُول يُوحي باقتراب العلاقة بينهما، وشتان بينهما، والشاعر في حالة تغزل وهوى، ما كان له أن يقحم صورةَ البتُول في أثناء الصلاة؛ لِمَا في الأمر من قداسةٍ يَجب احترامُها وتنزيهها عند اقترانها بحالاتٍ عاطفيَّة خاصة.



وأمَّا الأمر الفني، فهو عدم التوفيق في تَحقيق التشبيه، فاستعمالُ لفظ البتول ولفظ المحراب يقتضي أن التشبيهَ لَم يقتصر على مُجرد ظاهرة الصورة، وإلاَّ جاء التشبيه بأيَّةِ حالة انحناء أخرى، وكذلك حيث دقة الصورة، ليس هناك تكافؤ بين الركوعين.



ويعجب الشاعر "بآنسة تركية" فازت بلقب "ملكة الجمال"، ثم لا يجد صورة يستوحيها، يعبر بها عن مدى جمال هذه الآنسة سوى الحور العين التي أعدها الله - تعالى - للمؤمنين في الجنة:



"إِنْسِيَّةٌ أَمْ تِلْكَ بَعْضُ الْحُورِ

مِنْ عَدْنٍ انْطَلَقَتْ إِلَى السِّنُّورِ"








ثم يقول:



"لَمَّا تَجَلَّى لِلْمُقَطَّمِ وَجْهُهَا

أَشْفَقْنَ أَنْ يَنْدَكَّ مِثْلَ الطُّورِ"[138]








فالموضوع من ناحية "شرعية" تافه؛ لأنه مقتصر على الإشادة بما يجب ستره، وما يستهوي أصحاب القلوب المريضة؛ ليتيهوا وراء كل جمال، ويتغَنَّوا بكل ما يُحِبُّه الشيطان، وفي ذلك مضار كثيرة على حياة المسلم التي يَجب أن تكون مشحوذة بكل ما يقرب من الله، ثم يضاف إلى هذه المسألة مدى المبالغة الشديدة في الوصف والتقدير؛ لأَنَّه زعم أن جمالها يكاد يندك له المقطّم، مع أنه لا جمالَ هناك ولا انْدِكَاك، والأدهى من هذا أن يشبه اندكاكَ المقطم باندكاك الطُّور الذي قال فيه تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: 143]، والحق أنَّ مثل هذه المغالاة، والخطأ في التصوير مما يَجب على الأديب المسلم أن يتنزه عنه.



وبصدد الحديث عن المرأة كذلك، نجد أنَّ المبالغة بلغت درجةَ الإجحاف والمقت، واقتراف ما إثْمه واضح، فلست أدري كيف طاش عقل "غنيم"، حتى جعل إحدى "الحسان" ملكةَ الدُّنيا، وسيدة الكون، التي إذا أمرتْ، هُرع الكون كله لتنفيذ الأمر، ومتى ما أمرت العالمين، فالناس كلهم آذان مصغية:



"مُرِي بِمَا شِئْتِ كُلُّ النَّاسِ آذَانٌ

مَا نَالَ قَبْلَكِ مُلْكَ الْكَوْنِ إِنْسَانُ"[139]








ثم يرى أن الدنيا برُمَّتِها قد خضعت لوجهها الوضاء، وجمالِها البَرَّاق، حتى إنَّ هذا الوجه قد أشْكَلَ على الناس: أهو وجه بلقيس أم وجه سليمان؟



"مَنْ ذَا الَّذِي عَنَتِ الدُّنْيَا لِطَلْعَتِهِ

أَتِلْكَ "بِلْقِيسُ" أَمْ هَذَا "سُلَيْمَانُ""[140]








وهذا - لعمري - من السفاسف الوضيعة، التي تأنف منها نفس المسلم.



وليت الأمرَ اقتصر على ذلك، بل يعد الشاعر أنَّ هذا الوجه الذي قامت الدُّنيا لجلاله وقعدت، قد نشأ في إحدى جنات الخلد، وأنَّه أفلت منها وطلع على الدنيا البشرية:



"فِي أَيِّ جَنَّةِ خُلْدٍ أَنْتِ نَاشِئَةٌ

وَكَيْفَ أَفْلَتَ هَذَا الْوَجْهَ رِضْوَانُ"[141]








ثم نراه يَخرج عن قاعدة شرعية واضحة المعالم جلية، وهي تَحريم الحلف بغير الله، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: ((مَنْ كَانَ حَالِفًا، فليحلف بالله أو ليصمت))[142]، فنجد غنيمًا، قد أقسم بالنيل في قوله:



"أَقْسَمْتُ بِالنِّيلِ لَيْسَ النِّيلُ أَطْهَرُ مِنْ

تِلْكَ الدِّمَاءِ وَمَا بَالَغْتُ فِي الْقَسَمِ"[143]








2- أمَّا الملحوظة الثانية: فهي "الغلو في المدح" غلوًّا يَجعلنا نستحضر "المتنبي" وأمداحه لسيف الدولة الحمداني، ولكن أين "المتنبي" من "غنيم"؟ هذا متشبع بالإيمان، يتأجح صدره بدفقات الإسلام وتعاليمه، وذاك متملق طامع في الملك والسيادة، حتى قتل بسبب تكبُّره وغروره، ومن ثَمَّ فإنا لا نقبل من غنيم مثل هذا الإجحاف في المدح، والمغالاة في طرح مناقب الممدوح.



فمن ذلك ما قاله في بيان خصال "محمد محمود باشا" بعد وفاته:



"سَارَ بَيْنَ الدُّمُوعِ وَالزَّفَرَاتِ

خَيْرُ نَعْشٍ يُقِلُّ خَيْرَ رُفَاتِ"[144]




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 28-07-2021, 03:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"





والحق أنه ليس بخير نعش، ولا خير رفات.



وكذا قوله في مدح "الفاروق" تحية له عند توليه العرش:



"النِّيلُ[145] يَحْمِلُ سِبْطَ إِسْمَاعِيلَ

أَرَأَيْتَ نِيلاً جَاءَ يَحْمِلُ نِيلاَ"




"لَوْ كَانَتِ الْأَمْلاَكُ تَحْدُو مَرْكَبًا

لَرَأَيْتَ بَيْنَ حُدَاتِهَا جِبْرِيلاَ"[146]








وهذا - بلا شَكٍّ - مرفوض؛ لما فيه من رفع لمكانة الممدوح إلى درجةٍ تَجاوزت القدر والحد، ووضع من قيمة جبريل - عليه السَّلام - وهو متوجب النزاهة.



وكذلك لما يعبِّر عن إعجابه بالبدوي وصبره وشدة نفعه، يشبه صبره بصبر أيوب:



"أَكْبَرْتُ فِي الْقَرَوِيِّ حِدَّةَ عَزْمِهِ

وَحَسِبْتُهُ فِي صَبْرِهِ أَيُّوبَا"[147]








وقد نلمس لغنيم عذرًا في أمداحه لفاروق، فالشاعر الموهوب والمشهور معرض لأَنْ يطالب بمثل ذلك، وخاصة وهو يشغل وظيفةً رَسْمية، فيعد ذلك نوعَ تزلُّف؛ للحفاظ على العيش، ويترجح أنه لم يكن على كامل رضًا حين كان ينشد هذه القصائد الطِّوال بين يدي الملك؛ لأنه كان يَختم كُلَّ قَصيدة بوَعْظٍ ونصح لهذا الملك، ويَجعله صاحبَ القوة في مصر، والذي يُمكن أن يُحققَ على يديه النصر، ومن ثَمَّ فالتقرب إليه بالمبالغة في مدحه في مطلع القصيدة تَمهيد لقبول اقتراحاته ونصحه الذي يقصده من وراء القصيدة.



ومع ذلك، فالإسلام يُحدِّد المواقف، ويحجم النفس عن التسيُّب والانسياب دون قيود أو ضوابط، والواجب على الأديب المسلم ألاَّ يعزف عن هذه المعايير بأي حال من الأحوال.



3- الملحوظة الثالثة: موقفه من المرأة:

الذي يستنتج من خلال حديث الشاعر عن المرأة أنَّه لَم يستغل هذه النقطة الحساسة في توجيه المرأة، وإظهار دَوْرِها في الحياة، مع الإشادة بكل حقوقها التي منحها الإسلام إيَّاها، والرد على كثير من الدعوات العاصفة، التي تطلب من المرأة أن تخرج عن إطارها الشرعي، لكنَّ "غنيمًا" قصر نظره على وصف مَحاسنها، ونقل صورتها وهي تغشى دُور الرقص، وإطالة الوقوف على شاطئ البحر؛ للاستمتاع بالنظر إلى النساء عاريات، ثم الاهتمام بأخبار ملكات الجمال، والحديث عن كل ذلك بنوع من الحماس والارتياح، فمرة يصف راقصة:



"هُنَا الْغَرَامُ وَالْوَلَهْ

يَا مَنْظَرًا مَا أَجْمَلَهْ




أَتِلْكَ أُنْثَى خَطَرَتْ

أَمْ فِتْنَةٌ مُتَنَقِّلَةْ




مُقْبِلَةٌ مُدْبِرَةٌ

مَائِلَةٌ مُعْتَدِلَةْ




كَأَنَّ تَحْتَ أَخْمُصَيْ

هَا جَمْرَةً مُشْتَعِلَةْ"[148]








ثم يقول عن ملكة الجمال:



"كَمْ تَحْتَ حُكْمِكِ ذَاتِ لَحْظٍ إِنْ رَنَا

تَرَكَ الْمُهَنَّدَ لاَ يُسَاوِي خَنْجَرَا




جُنْدٌ أَغَرُّ مِنَ الْحِسَانِ الْحُورِ لَوْ

لاَقَيْتِ أُسْطُولاً بِهِ لَتَقَهْقَرَا"[149]








ويقول في حديثه عنهن وهن حول الغدير:



"جَنِّبَانِي خَلِيجَ بَحْرِ الرُّومِ

وَقِفَا بِي عَلَى ضِفَافِ الْغَدِيرِ




هَا هُنَا الْغِيدُ فِي ائْتِلاَفِ النُّجُومِ

حُمْنَ حَوْلَ الْحَيَاةِ مِثْلَ الطُّيُورِ"[150]









هذا ما انتظمته موضوعاتُ "غنيم" حولَ المرأة، ولا نَجد لذلك من مسوغات سوى التشبُّث ببعض العوارض، منها:

1- أنَّ الشاعر - عمومًا - مُعَرَّضٌ للانزلاق وراءَ البواعث النفسيَّة، التي يلعب فيها الخيالُ دَوْرَه البارز، والمرأة من أهمِّ هذه المثيرات.



2- إنَّ الإنسانَ بعامَّة لا يكاد يَسْلَم من المغريات التي تكتنفه من كل جهة.



3- إنَّ القصائد التي قالها "غنيم" في "المرأة" قد امتد تاريخُ نظمها في المدَّة ما بين 1929م و1933م، إضافةً إلى قصيدةٍ فردية، نظمها سنة 1937م، وأخرى في شكر طابعة الديوان سنة 1931م، وقد يستنتج من هذا أنَّ الشاعر لا يزال في حالة العزوبة، فتتداعى دَواعي الحديث عن المرأة، كما أنَّ هذا التاريخ يُعَدُّ مقتبل عمر الشاعر، فيكون أكثرَ تعرُّضًا للأهواء والنَّزغات النفسية والعاطفية.



ومع ذلك، فإنَّ التشبع بالمبدأ يقتضي العمل به، على الرَّغْم من كل الصوارف الأخرى، والتعِلاَّت المقدمة التي لا تنهض للإقناع.



هذه هي النِّقاط الثلاث التي أردت التنبيهَ إلى ما حوتْه من مُؤاخذات تُخالف مَبادئ "الإسلامية في الأدب"، وهي - كما يلاحظ - ليست بالكثيرة، ولَم تستقطب اهتمامَ الشاعر، وإنَّما هي لحظات قد تَعْرِض لكل شاعر، وإن كنا نطالب - وبصرامة - من الشاعر المسلم أن يعزف عنها، ويستنكف عن الحديث فيها.





[1] شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث - الجزء 2، ص: 49 - 50.




[2] نفسه، ص: 50.




[3] انظر: "مقدمة الديوان: صرخة في وادٍ (الإهداء)"، مطبعة الاعتماد - مصر - 1937.




[4] "ديوان محمود غنيم: في ظلال الثورة (التقديم)"، دار المعارف - مصر - 1961.




[5] "مقدمة ديوان في ظلال الثورة"، ص: 398.




[6] "مقدمة ديوان صرخة في وادٍ"، ص: 9.




[7] "مقدمة ديوان صرخة في وادٍ"، ص: 24.




[8] نفسه، ص: 23.




[9] "مقدمة ديوان صرخة في وادٍ"، ص: 23.




[10] "ديوان في ظلال الثورة"، ص: 192.




[11] "ديوان صرخة في وادٍ"، ص: 131.




[12] "صرخة في وادٍ"، ص: 234.




[13] نفسه، ص: 279.




[14] هو التقسيم نفسه الذي آثره جامع الديوان.




[15] "صرخة في وادٍ"، ص: 100.




[16] نفسه، ص: 90.




[17] "صرخة في وادٍ"، ص: 89.




[18] "صحيح مسلم"، كتاب: الإيمان، باب: جامع أوصاف الإسلام، رقم الحديث: 38.




[19] "صرخة في وادٍ"، ص: 77.




[20] نفسه، ص: 76.




[21] "صرخة في وادٍ"، ص: 290.




[22] نفسه، ص: 114.




[23] "صرخة في وادٍ"، ص: 81.




[24] نفسه، ص: 81.




[25] "المستدرك على الصحيحين"، للحاكم النيسابوري، ج: 1، ص: 160.




[26] "صرخة في وادٍ"، ص: 108.




[27] نفسه، ص: 108.




[28] نفسه، ص: 103.




[29] نفسه، ص: 106.




[30] "صرخة في وادٍ"، ص: 49.




[31] "القومية العربية في الشعر الحديث"، ص: 81.




[32] ديوان: "في ظلال الثورة"، ص: 291.




[33] تحديد "الأوان" هو الجيل الماضي؛ حيث إنَّ هذا الرأي صدر سنة 1368 هـ.




[34] "في ظلال الثورة"، ص: 297.




[35] نفسه/ ص: 298.




[36] "في ظلال الثورة"، ص: 10.




[37] نفسه، ص: 9.




[38] انظر: ص: 33 من هذا البحث.




[39] "صرخة في وادٍ"،ص: 236.




[40] "صرخة في وادٍ"، / ص: 235.




[41] نفسه، ص: 288.




[42] نفسه، ص: 252.




[43] نفسه، ص: 244.




[44] نفسه، ص: 244.




[45] "صرخة في وادٍ"، ص: 136.




[46] نفسه، ص: 37.




[47] نفسه، ص: 244.




[48] "صرخة في وادٍ"، ص: 76.




[49] "صرخة في وادٍ"، ص: 77.




[50] "صرخة في وادٍ" مقدمة "دسوقي أباظة"، ص: 9.




[51] "صرخة في وادٍ"، ص: 91 - 92.




[52] "صرخة في وادٍ"، ص: 92.




[53] نفسه.




[54] نفسه، ص: 91.




[55] "صرخة في وادٍ"، ص: 72.




[56] نفسه، ص: 116.




[57] "صرخة في وادٍ"، ص: 61.




[58] "صرخة في وادٍ"، ص: 128.




[59] نفسه، ص: 73.




[60] نفسه، ص: 203.




[61] نفسه، ص: 61.




[62] نفسه، ص: 74.




[63] "صرخة في وادٍ"، ص: 73.




[64] نفسه.




[65] نفسه، ص: 105.




[66] نفسه، ص: 97.




[67] "صرخة في وادٍ"، ص: 97.




[68] نفسه، ص: 94.




[69] نفسه، ص: 98.




[70] نفسه، ص: 97




[71] "صرخة في وادٍ"، ص: 134.




[72] نفسه، ص: 121 - 122.




[73] نفسه، ص: 73.




[74] نفسه، ص: 57.




[75] "صرخة في وادٍ"، ص: 73.




[76] نفسه، ص: 182




[77] نفسه، ص: 96.




[78] "صرخة في وادٍ"، ص: 252.




[79] نفسه، ص: 103




[80] نفسه، ص: 168.




[81] نفسه، ص: 168




[82] نفسه.




[83] "صرخة في وادٍ"، ص: 166.




[84] نفسه، ص: 161.




[85] "مقدمة في دراسة الأدب الإسلامي"، د. مصطفى عليان، ص: 21.




[86] "صرخة في وادٍ"، ص: 118 - 119.




[87] نفسه.




[88] نفسه، ص: 118 - 119.




[89] "صرخة في وادٍ"، ص: 218.




[90] نفسه، ص: 171.




[91] "صرخة في وادٍ".




[92] نفسه، ص: 172.




[93] "مقدمة في دراسة الأدب الإسلامي"، ص: 36.




[94] "صرخة في وادٍ"، ص: 208.




[95] "جبريل اسم للمفقود".




[96] "صرخة في وادٍ"، ص: 208.




[97] نفسه.




[98] "صحيح البخاري"، كتاب: أبواب المساجد، باب: تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، رقم الحديث: 467، و"صحيح مسلم"، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم الحديث: 2585.




[99] "صرخة في وادٍ"، ص: 62.




[100] "صرخة في وادٍ"، ص: 45.




[101] نفسه.




[102] نفسه، ص: 232.




[103] "صرخة في وادٍ"، ص: 50.




[104] "الجمالي" وزير المعارف العراقية، ألقيت القصيدة في حفلة تكريم له.




[105] "صرخة في وادٍ"، ص: 226.




[106] نفسه.




[107] "صرخة في وادٍ"، ص: 226.




[108] نفسه، ص: 78.




[109] نفسه، ص: 203.




[110] "مقدمة ديوان في ظلال الثورة"، ص: 299 - 300.




[111] "صرخة في وادٍ"، ص: 81.




[112] نفسه، ص: 76.




[113] نفسه، ص: 80.




[114] نفسه.




[115] "صرخة في وادٍ"، ص: 78.




[116] نفسه، ص: 82.




[117] ينظر: هامش ص: 67 من الجزء 2 من سلسلة "شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث".




[118] نفسه.




[119] "في ظلال الثورة"، ص: 6.




[120] "صرخة في وادٍ"، ص: 282.




[121] نفسه، ص: 271 - 242.




[122] نفسه.




[123] "صرخة في وادٍ"، ص: 67 - 68.




[124] نفسه، ص: 202.




[125] نفسه، ص: 37 - 38.




[126] "صرخة في وادٍ"، ص: 100.




[127] "صرخة في وادٍ"، ص: 39.




[128] نفسه، ص: 64.




[129] "صرخة في وادٍ"، ص: 65.




[130] نفسه، ص: 68.




[131] نفسه، ص: 36.




[132] نفسه.




[133] "صرخة في وادٍ"، ص: 47 - 48.




[134] نفسه، ص: 47 - 48.




[135] نفسه، ص: 61.




[136] نفسه، ص: 178.




[137] "صرخة في وادٍ"، ص: 153.




[138] "صرخة في وادٍ"، ص: 166.




[139] "صرخة في وادٍ"، ص: 163.




[140] "صرخة في وادٍ"، ص: 163.




[141] نفسه.




[142] البخاري: كتاب الشهادات، باب كيف يستحلف، رقم الحديث: 2533، ومسلم: كتاب الإيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله، رقم الحديث: 1646.




[143] "صرخة في وادٍ"، ص: 182.




[144] نفسه، ص: 180.




[145] المراد بـ "النيل" السفينة التي أقلته من رحلته إلى أوروبا.




[146] "صرخة في وادٍ"، ص: 210.




[147]"صرخة في وادٍ"، ص: 217.




[148] "صرخة في وادٍ"، ص: 155.




[149] نفسه، ص: 163.




[150] نفسه، ص: 102.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 29-07-2021, 03:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"

القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد" 2
محمد ويلالي



الفصل الثالث


القضايا الفنية في شعر "محمود غنيم"




من الجدير بديوان "محمود غنيم" أن يكون مخبرًا للتَّجارِب النقدية التي عرفها تاريخُ النقد العربي، فهو مليء بالأفكار المتنوعة، والمعاني المتعددة، مع تَميُّز طريقة التعبير، وجودة الصياغة، مشفوع ذلك كله باتِّساع في الخيال، وبُعد في النظر، ومصدر عاطفي متأجج يقظ، في صور بيانية رائعة.



فالإلمام بكُلِّ ما ورد في الديوان من هذه المواقف والقضايا الفنية مُتعسِّرٌ، وإشباع كل قضية بالدراسة والتحليل مُتعذِّر؛ ولذلك سيقتصر البحث على بعض القضايا، كما أنَّ المعالجة ستكون لَمحًا رامزًا.



وآثرت أن تكون الدراسة شاملة لقضايا أربع:

1- المعاني والأفكار.

2- التعبير والصياغة.

3- الخيال والتصوير البياني.

4- العاطفة.



المبحث الأول: المعاني والأفكار:

أوَّل ما يستوقفنا في ديوان "محمود غنيم" - ونحن في معرض البحث عن الأفكار والمعاني التي تطلعنا على مكانة الشاعر الفكريَّة، وحسن طرقه للموضوعات - هي "الحكمة" التي تناثرت بين أرجاء الدِّيوان، سواء منها الحكمة المستقاة من تَجربته داخل المجتمع، وكانت هذه الغالبة، أو الحكمة التي ترسبت في ذهنه بعد الممارسة الثقافية، ونَماء الموروث الفكري، وعلى رأسه القرآن الكريم، والحديث النبوي، على أنَّ الملاحظ في تناوُله للحكمة نزوعُه إلى أن تكون حكمة بالغة الجدوى، شديدة الوقع والزجر، قريبة من حياة المخاطبين، حتى كأنَّها علاج لقضيةٍ ما، ثم حصولها في وقت مُعيَّن.



فغنيم - مثلاً - عمل على مُحاربة التواكل، الذي عرفه المجتمع المصري بعد أن انتشرت وسائلُ الكسب بالباطل من رِشْوة وسرقة وغيرهما؛ بحيث إنَّه يرى أنَّ التواكل لم يجلب لصاحبه رزقًا، بل لو كان الرِّزْق يساق إلى الناس، وكانت السماء تُمطر الذَّهب والفضة، لانحرف نظامُ الكون، ولما سعى إلى رزقه أحد، وهذا المعنى أوجزه "غنيم" في قوله:



"هَلْ كُنْتَ تَلْقَى فِي الْوَرَى سَاعِيًا

لَوْ كَانَ يَسْعَى الرِّزْقُ لِلْقَاعِدِ" [1]






ويتناول قضية اجتماعية أخرى تَفَشَّت في كل المجتمعات، وكان ضررُها على المسلمين بالغًا، ومن ثَمَّ احتاجت إلى علاج، وإلى إيقاظ الناس من الغفلة، وهي قضية الطبقية بمفهومها المادي؛ حَيْثُ ينقسم المجتمع قسمين: طبقة الأغنياء المحتكرين المستغلين، وطبقة الفقراء المعدومين المنهوكين، وليس مناط الضرر هو وجود هذا الفارق، بل إنَّ وجوده حكمة إلهية محتمة، كما قال تعالى: ï´؟ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ï´¾ [الرعد: 26]، وكما قال - عزَّ وجلَّ -: ï´؟ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ï´¾ [النحل: 71]، ولكنَّ الضرر في أن الناس لم يعرفوا حكمةَ التفاوت في الأرزاق، فبدل أن يفكر الغنيُّ في حال الفقير، فيكثر من الصدقات، وأن يقنع الفقير، فيزداد إيمانًا وتقوى، ينقلب الأمر إلى استغلال ثم إلى ثورة، ومن هنا يدعو الشاعر الناس إلى عدم الالتفات إلى هذا الصراع، وأنَّ الناس ناس في كل زمان وفي كل مكان، في عصر النور وفي عصر الظلام، سكنوا القصور أم سكنوا الخيام:



"مَا النَّاسُ إِلاَّ النَّاسُ فِي

عَصْرِ الضِّيَاءِ أَوِ الظَّلاَمْ




سِيَّانِ مَنْ سَكَنَ الْقُصُو

رَ الشُّمَّ أَوْ سَكَنَ الْخِيَامْ" [2]






ثم يعالج "غنيم" قضيةَ الحسد، وهذه يجدها لائطةً بالكبراء، ويَجعلها من شأن العظماء، باعتبار أنَّ كل عظيم لا يَخلو من حسد وأعداء:



"حَسَدٌ مَنِيتَ بِهِ وَهَلْ

يَخْلُو عَظِيمٌ مِنْ حَسُودْ" [3]






على أنَّ "غنيمًا" يسوق هذا البيتَ في مَعرض التهكُّم "بموسوليني" والازدراء به، بعد أن لم يَجد من أنصاره هتافًا ولا تكليلاً بالورود، من جراء ما ذاقه من ويلات في غَزوِه للحبشة، وهي بلاد قليلة الغناء[4].



ودعوة أخرى إلى الاجتهاد، والعمل على بناء المجد دون تواكُل أو اعتماد على الماضي، فما فات ليس بعائد، كم ذهب من الأجيال عرفت العظماء، الذين خلدوا ذكرهم، فأصبحوا رُفاتًا وترابًا، وهنا تُطرح قضيةٌ حقيقية، طرفاها البحث عن المجد والعِزَّة، ولو بإنفاق النفوس، أو التذلُّل والمسكنة والغموط، كزهاد الهنود، الذين لم يعرفوا قيمةَ الحياة فيعملوا، ولا طريقةَ الدين فيحسنوا التزهد:



"مَا فَاتَ لَيْسَ بِعَائِدٍ

أَيْنَ اللُّحُودُ مِنَ الْمُهُودْ




فَاذْهَبْ صَرِيعَ الْمَجْدِ أَوْ

عِشْ عَيْشَ زُهَّادِ الْهُنُودْ"[5]






ثم إنَّ دعوة الازدراء بالمرأة قد اتَّسَع نطاقها، فكان "غنيم" ينبهر حين يرى أنَّ امرأة قد تفوَّقت في ميدانٍ ما، فيرد هذه الدعوة قائلاً:



"وَلاَ تَقُلْ هَذِهِ أُنْثَى وَإِنْ ضَعُفَتْ

أَمَا تُدَبِّرُ مُلْكَ النَّحْلِ أُنْثَاهُ" [6]






ويركز "غنيم" على قضيتي الأخلاق واللُّغة، وأنَّهما الركيزتان الأساس في الانتصار، وعدم خوف الجهاد والحروب، ومواجهة كل شديدة:



"وَالشَّعْبُ إِنْ سَلِمَتْ لَهُ أَخْلاَقُهُ

وَلِسَانُهُ لَمْ يَخْشَ مِنْ قَطْعِ السِّهَامْ" [7]






ولم ينس "غنيم" التركيزَ على الشباب (أبناء الحمى)، وأنَّ دَوْرَهم كبير في دفع عجلة الشعب إلى الأمام، والنهوض به، ومن ثَمَّ وجب إخلاص هؤلاء الأبناء لشعوبهم وحِمَاهم، ومتى ما تنكروا لها كانوا أضَرَّ عليها من الأعداء والخصوم:



"وَإِذَا تَنَكَّرَ لِلْحِمَى أَبْنَاؤُهُ

فَهُمُ أَضَرُّ لَهُ مِنَ الْأَخْصَامِ" [8]






وهكذا شملت حكمةُ "غنيم" أطرافًا مُتعددة، تضافرت في تَحميس الناس للبناء الفَعَّال، والاجتهاد الذي يدفع الضَّيم ويُحقق المجد، ولو تتبعنا جُلَّ الموضوعات المطروحة في هذا الإطار، لطال بنا الأمد.



ثم نرى "غنيمًا" قد شفع موضوعاتِه بالاقتباس من القرآن الكريم، وهذا أمرٌ مهم وبناء؛ لأن الموضوعات القرآنية، بما فيها من أفكار جليلة، ومَعانٍ رفيعة - هي الزادُ الأساس للداعية المسلم، والكلمة القرآنية لها دَوْرُها البالغ في استمالة السامع، وإقناع المتردد أو المنكر.



يقول غنيم مخاطبًا الطبيعة التي عبست؛ حيث البرد القارس، والأمطار الهاطلة، وقد غربت الشمس، واحتضنت الأرض المياه، وذبلت الأزهار وصَوَّحَت:



"وَيْحَكِ يَا أَيَّتُهَا الشَّمْسُ اطْلَعِي

يَا أَرْضُ غِيضِي يَا سَمَاءُ أَقْلِعِي" [9]








يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 29-07-2021, 03:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"






ولا شَكَّ أن الشاعر قد استحضر قوله - تعالى -: ï´؟ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ ï´¾ [هود: 44].



وكذلك قوله في استنهاض المسلمين، وحثهم على تَحكيم كتاب الله في إنصاف الشعوب، على أن يكون الله على ذلك شاهدًا:



"اسْتَشْهِدُوا الرَّحْمَنَ فِيهِ عَلَيْكُمُ

وَكَفَى بِرَبِّكَ شَاهِدًا وَحَسِيبَا" [10]







وهو من قوله - تعالى -: ï´؟ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ï´¾ [النساء: 79]، وقوله - عزَّ وجلَّ -: ï´؟ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ï´¾ [النساء: 6].



ويقول في معرض وصفه لحالةِ الناس المتردية من جَرَّاء الحروب، وما تُحدثه من ويلات وكروب، حتى غدا الغنيُّ المترف طاويَ الحشا.



"وَطَوَى الْحَشَا مَنْ كَانَ مِنْ

مَنٍّ وَمِنْ سَلْوَى غِذَاؤُه"[11]







وهو من قوله - تعالى -: ï´؟ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ï´¾ [البقرة: 57].



وهكذا تزين الديوان بهذه الاقتباسات القرآنية، وغيرها من الاقتباسات من كلام النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذا يؤكِّد صلةَ غنيم الوثيقة بكتاب الله، وأنَّ هذا الأخير كان بمثابة الزاد الذي يندفع به "غنيم" لترسيخ آرائه وأفكاره، وإيضاح معانيه وموضوعاته.



وفي إطار الأغراض، يتناولُ "غنيم" المدحَ فيسخِّره في خدمة عقيدته، لا يبغي به مادةً زائلة، أو مَنصبًا مزورًا، وإنَّما يَمدح من كان وثيقَ الصِّلة بدينه، عالِمًا بأحكام شريعته، فهو يقول في مدح "هيكل باشا":



"رَجُلُ الْعَقِيدَةِ لاَ يُقَدِّسُ غَيْرَهَا

إِنْ قَدَّسَ الْمُتَلَوِّنُونَ الدِّرْهَمَا




بِيعَتْ مَبَادِئُنَا فَمَا أَبْصَرْتُهُ

فِي السُّوقِ سَاوَمَ حَرَّةً أَوْ سُووِمَا" [12]







وإذ يمدح فيه طريقته في الكتابة، يَجعل قلمَه كضميره عفيفًا نقيًّا، سواء في حالة هجومه على خصمه، أو هجوم خصمه عليه:



"عَفَّ الْيَرَاعَةِ وَالضَّمِيرِ كِلَيْهِمَا

سِيَّانِ هَاجَمَ خَصْمَهُ أَوْ هُوجِمَا" [13]







كما يَمدح فيه كتابتَه في السيرة النبوية: "حياة محمد"؛ لِمَا له من نفع يعود على الناس بفَهْمِ سيرة نبيهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما ذكر ما تَميز به هذا الكتاب من سهولة في التناوُل، ووضوح في العرض:



"خَلَّدْتَ لِلْإِسْلاَمِ سِيرَةَ أَحْمَدٍ

فَحَلَلْتَهَا لِلنَّاسِ لُغْزًا مُبْهَمَا" [14]







وذكر من صفاته: الشهامة والشجاعة، حتى كأنه جيش يواجه الأعداء:



"مَا كُنْتَ فَرْدًا إِذْ وَقَفْتَ مُنَافِحًا

بِلْ كُنْتَ جَيْشًا لاَ يُفَلُّ عَرَمْرَمَا" [15]







كما أنه جعل الوطنَ سبيلاً إلى إرساء العقيدة، ولو كان الموضوع يتعلَّق بمجال المرأة، يقول مخاطبًا "الريف":



"حَيَّيْتُ فِيكَ الثَّابِتِينَ عَقَائِدًا

وَالطَّاهِرِينَ سَرَائِرًا وَقُلُوبَا




وَالذَّاهِبَاتِ إِلَى الْحُقُولِ حَوَاسِرًا

يَمْشِي الْعَفَافُ وَرَاءَهُنَّ رَقِيبَا"[16]







وهو في معرض وصفه لجمال الطبيعة، واستمتاعه بأُنْسها، لم ينسَ أن يعزوَ ذلك الجمال إلى قدرة البديع - سبحانه - دون أن يستغلَّها في وصف ملاهيه ولياليه الحمراء، وأن يَجعل منها أداةَ مشاركة في الأنس المذموم، والمتعة الحرام:



"وَلَمْ أَرَ كَالطَّبِيعَةِ ذَاتَ حُسْنٍ

مُبَاحٍ تَشْتَرِيهِ بِغَيْرِ مَالِ

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 29-07-2021, 03:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"

لَئِنْ يَكُ تَحْتَ بَطْنِ الْأَرْضِ كَنْزٌ

فَكَمْ كَنْزٍ عَلَى قِمَمِ الْجِبَالِ




وَإِنْ يَكُ فِي قَرَارِ الْبَحْرِ دُرٌّ

فَكَمْ فِي سَطْحِهِ دُرَرٌ غَوَالِي




ظَوَاهِرُ ذَاتُ أَلْسِنَةٍ فِصَاحٍ

تُحَدِّثُنَا بِقُدْرَةِ ذِي الْجَلاَلِ"[17]






أمَّا غرضُ "الرِّثَاء"، فهو منبع ثَرٌّ للأديب المسلم، ومرتع خصب لزرع المبادئ الإسلامية، التي تكاد تتلاشى في أيامنا؛ لتستَقِرَّ مكانَها الولولة وشق الجيوب، مما يحدث عند وفاة مَن كُتِبَت عليه الوفاة، فينطلق قلم الشاعر؛ ليُسجل في هذا الإطار مبدأين مهمين يراهما واجبين لاستغلال غرض الرثاء: أما الأول، فهو تضميد الجراح عن طريق الأسلوب الحكيم، والموعظة الحسنة، وأمَّا الثاني، فهو تَخليد الآثار الحميدة التي مَيَّزت المفقود، وكان حَقًّا أن تخلد؛ إذ المسلمُ جدير به أن يذكر الأصدقاء ذوي الأيادي البيضاء، والحسنات النافعات، والثناء في هذا الموقف مطلوب، والشعر - إلى جانب وظيفته الكبرى في الوعظ والتوعية والتسلية النقية - إشهار وتخليد.



ومن المبدأ الأول قولُ غنيم في تعزية أحد الأصدقاء وقد توفي شقيقه:



"تَرَى هَلْ أَسُوقُ إِلَيْكَ الْعَزَاءَ

وَكَيْفَ يُعَزِّي حَزِينٌ حَزِينَا




إِذَا مَا أَلَمَّ بِجِبْرِيلَ خَطْبٌ

فَإِنَّ لِجِبْرِيلَ عَقْلاً وَدِينَا




وَهَلْ كُنْتَ تَرْجُو خُلُودَ أَخِيكَ

وَلَوْ أَنَّهُ كَانَ رُوحًا أَمِينَا




إِذَا نَحْنُ فِي إِثْرِ كُلِّ عَزِيزٍ

بَكَيْنَا قَضَيْنَا الْحَيَاةَ أَنِينَا"[18]







ومن المبدأ الثاني قوله في رثاء "محمد محمود باشا":



"فُجِعَتْ مِصْرُ وَهْيَ أَكْرَمُ أُمٍّ

فِي أَبَرِّ الْبَنِينَ بِالْأُمَّهَاتِ




فِي فَتًى طَاهِرِ السَّرِيرَةِ عَفٍّ

بَرِئَتْ نَفْسُهُ مِنَ الْعِلاَّتِ




لَمْ تَحُمْ رِيبَةٌ حَوَالَيْهِ يَوْمًا

لاَ وَلاَ الشَّيْبُ حَوْضُهُ بِقَدَاةِ"[19]




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 29-07-2021, 03:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"

وقوله في "أحمد ماهر باشا":



"عَفُّ الْيَدَيْنِ شَرِيفٌ فِي خُصُومَتِهِ

عَفُّ اللِّسَانِ نَزِيهٌ طَاهِرُ الْقَلَمِ"[20]







وينتهز فرصةَ الرثاء ليشيدَ بالأخلاق الطيبة، والسلوك الحسن، الذي يكون مَدعاة لتخليد الذكر؛ قال في رثاء أحمد ماهر كذلك:



"زَعِيمٌ بَلَوْنَاهُ خَطِيبًا وَكَاتِبًا

فَمَا خَطَّ هَجْرًا أَوْ تَكَلَّمَ نَابِيَا




إِذَا قَرَّبَ النَّاسُ الْوُشَاةَ وَجَدْتَهُ

وَلَمْ يَخْشَ جَبَّارًا مِنَ النَّاسِ عَاتِيَا"[21]







ولَمْ ينسَ "غنيم" أنْ يهتمَّ بالمعاني التي تعين على تربيةِ الأطفال، والأفكار التي تزرع فيهم حُبَّ الإسلام، وحب المطالعة والدِّراسة، إلى جانب ما تضمنته هذه المعاني من روح فكاهة ظريفة، من ذلك أرجوزته "الفأر" التي قال فيها:



"يَا قَارِضَ الْفِرَاشِ وَالثِّيَابِ

وَفَاجِعَ الْقَارِئِ فِي الْكِتَابِ




وَمَالِئَ الْمَنْزِلِ بِالْأَسْرَابِ

وَنَاقِدًا مِنْ أَحْكَمِ الْأَبْوَابِ




بِأَيِّ ظُفْرٍ أَمْ بِأَيِّ نَابِ

تَعْمَلُ فِي الْجُدْرَانِ وَالْأَخْشَابِ؟




سِنُّكَ مِنْ أَسِنَّةِ الْحِرَابِ

لاَ كُنْتَ يَا أَحْذَرَ مِنْ غُرَابِ




كَمْ وُضِعَ الْفَخُّ عَلَى الْأَعْتَابِ

وَالسُّمُّ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ




فَمَا نَجَا الْبَيْتُ مِنَ الْخَرَابِ

رُمِيتَ يَا مُحْلَوْلِكَ الْإِهَابِ




بِكُلِّ قِطٍّ مِثْلِ لَيْثِ الْغَابِ[22]"











يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 29-07-2021, 03:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"

القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد" 2
محمد ويلالي




ولئن كان الهدفُ من هذه الأقاصيص التسليةَ والمرحَ، فإنَّ الأهدافَ الأساس تستكن وَراء الألفاظ؛ ليمعن فيها ذو النظر الثاقب، والعقل الحصيف، من ذلك قوله في مقطوعته "الراعي والقطيع":
"مَرَّ الْقَطِيعُ بِأَرْضٍ طَابَ مَنْهَلُهَا
وَعُشْبُهَا فَاسْتَقَى مِنْ مَائِهَا وَرَعَى

فَصَاحَ رَاعِيهِ: هَيَّا يَا قَطِيعُ بِنَا
نَفْلِتْ مِنَ اللِّصِّ إِنْ ذَا اللِّصُّ قَدْ طَلَعَا

فَقَالَ كَبْشٌ لَهُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمَا؟
كِلاَكُمَا يَبْتَغِي مِنْ لَحْمِنَا شِبَعَا

دَعْنَا لَهُ وَانْجُ إِنْ أَحْبَبْتَ مُنْفَرِدًا
فَلَسْتَ أَكْثَرَ زُهْدًا مِنْهُ أَوْ وَرَعَا

نِعْمَ الْفِرَارُ الَّذِي أَقْبَلْتَ تُنْشِدُهُ
لَوْ كَانَ يُنْقِذُنَا مِنْهُ وَمِنْكَ مَعَا"[23]



وفي الجملة، فإنَّ مَعانِيَ "غنيم" مُستقاة بالدرجة الأولى من كتاب الله - عزَّ وجلَّ - تَجلَّى ذلك في كثرة الاقتباسات منه من جهة، ثم استقاء المعاني القرآنية من حَثٍّ على سلوك حسن، وأخلاقٍ رفيعة، ومن عدم الغلو والإجحاف في المدح، أو التذمُّر في الرثاء، أو الميوعة في الوصف، من جهة ثانية.

وأفكاره ملائمة تمامًا للعقليَّة التي امتزج بها مُجتمعه؛ ولذلك انعدمت الأفكارُ الفلسفية أو "الماورائية" في الديوان - مما سنزيده تفصيلاً عند الحديث عن "التعبير والصياغة"، كما أنَّها لم تتخذْ موضوعًا بعينه أو موضوعاتٍ معدودة، إنَّما شَمِلَت ميادينَ متعددة، وعالجت قضايا عديدة.

المبحث الثاني: التعبير والصياغة:
يتجلى ابتكارُ "غنيم" الشعري، في طريقة تعبيره، وحُسن صياغته، والناظر إلى ديوانه، يرى لأول وهلة، أنَّه ينزع إلى القصيد العمودي العربي؛ مِمَّا يَجعل طابعَ التجديد يسيرًا، لكن ملكة غنيم، وطبعه الفياض جعلاه ينحو بالقصيدةِ العربية نَحْوًا يَجمع بين فحولة القديم، وسهولة الجديد، بين رصانة القديم وأناقة الجديد، ثُمَّ بين قالب القديم وأفكار الجديد.

وتتجلى أهميةُ هذه الازدواجِيَّة، إذا ما نظرنا إلى الحركةِ الأدبية التي عرفها عصرُ غنيم؛ لنَعْرِفَ أنَّه عصر كان يُجلِّي المعركةَ بين مدرسة الديوان وبين حافظ وشوقي، بين مدرسةٍ تدعو إلى التجديد في المعاني، ونبذ ما يُسَمَّى بشعر المناسبات، والدعوة إلى أن يكونَ الشِّعْرُ ترجمةً عما يَختلج في النفس، والدعوة إلى التحرُّر من الوزن والقافية، وتطوير نَمط التشبيهات الحسية... إلخ، وبين شاعرين عُرِفَا بالشعر المحافظ، الذي يُمثِّل في أغلبه الروحَ العربية القديمة؛ من حيث مبنى القصيدة، ونَمَط الصياغة والتعبير، واستعمال الألفاظ... إلخ، ويكون "غنيم" بذلك قد احتل مركزًا وسطًا بين الطرفين، بل إنَّه بطريقته هاتِه قد أرضى الطرفين، ولا أدل على ذلك من أن العقَّاد نفسَه يحكم لديوانه بالسبق والفوز بجائزة الشعر الأولى في مسابقة مجمع فؤاد الأول للغة العربية، على ما فيه من حفاظ على العمود الشعري، ووحدة الوزن والقافية.

وحتى تكون الدراسةُ أشْمَلَ وأكثر تفصيلاً، فسوف أتطرق إلى مَناحٍ تسعة هي: الأسلوب، والألفاظ، وقضية المحافظة والتجديد، واللغة والحبكة، وطول النفس، وبناء القصيدة، ومدة الموضوع، وموقف غنيم من الشعر الحر، وموقفه من شعر المناسبات.

المطلب الأول: الأسلوب:
الذي يأخذ بلُبِّ قارئ الديوان هو هذا الأسلوب الذي يَجمع بين المتانة والتآزُر، وبين السهولة المطلقة، التي لا تُحوجك إلى قواميس، ولا إلى كتب اللغة، تقرأ القصيدة، فتحس بانسيابِ الأسلوب، كأنَّه النهر الرَّقْرَاق الهادئ المتلألئ، ويتناول الموضوع المشهور المعروف المطروق، وبطريقته الأسلوبية الجذَّابة، يَجعل منه موضوعًا جديدًا بديعًا، قد أُلقيتْ عليه هالةٌ من الصور البيانية، والعاطفة القويَّة، والخيال الواسع، والألفاظ المناسبة المتخيرة[24].

ولعل قصيدتَه "أنا وابناي" تُمثل تمامًا هذا الاتجاه، وإن كانت كلُّ قصائد الديوان كذلك، فالفكرة جليلة، وهي حديث العاطفة التي تشمل الآباءَ والأبناء، والأسلوب نقي سهل مصقول متلألئ، تُحِسُّ وكأنَّك تقرأ عباراتٍ مَنثورة، لكن في قالب شعري؛ مِمَّا يَدُلُّ على تَمكُّن غنيم من ناصية اللغة، وأنَّها لينة الطواعية لديه، يشير على اللفظ، فتنهال عليه ألفاظ؛ ليُميِّز بعد ذلك منها ما يوائم المقام؛ قال في القصيدة المذكورة:
"وَأَطْيَبُ سَاعِ الْحَيَاةِ لَدَيَّا
عَشِيَّةَ أَخْلُو إِلَى وَلَدَيَّا

إِذَا أَنَا أَقْبَلْتُ يَهْتِفُ بِاسْمِي الْ
فَطِيمُ وَيَحْبُو الرَّضِيعُ إِلَيَّا

فَأُجْلِسُ هَذَا إِلَى جَانِبي
وَأُجْلِسُ ذَاكَ عَلَى رُكْبَتَيَّا

وَأَغْزُو الشِّتَاءَ بِمَوْقِدِ فَحْمٍ
وَأَبْسُطُ مِنْ فَوْقِهِ رَاحَتَيَّا

هُنَالِكَ أَنْسَى مَتَاعِبَ يَوْمِي
كَأَنِّيَ لَمْ أَلْقَ فِي الْيَوْمِ شَيَّا

وَأَحْسَبُنِي بَيْنَ طِفْلَيَّ "شَاهًا"
وَأَحْسَبُ كُوخِيَ قَصْرًا عَلِيَّا



ويقول:
وَأَيَّةُ نَجْوَى كَنَجْوَايَ طِفْلِي
يَقُولُ: أَبِي وَأَقُولُ: بُنَيَّا

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 29-07-2021, 03:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"

ويقول:
أَيَا ابْنَيَّ أَحْبِبْ بِمَا تُتْلِفَانِ
وَأَهْوِنْ بِمَا تَكْسِرَانِ عَلَيَّا


ويقول:
أَمِنْ كَبِدِي أَنْتُمَا فَلْذَتَا
نِ أَمْ أَنْتُمَا حَبَّتَا مُقْلَتَيَّا"[25]



فأنت ترى في هذه الأبياتِ الفكرةَ وقد تدثَّرت بدثار الأساليب الموحية الصادقة، من غير شطط أو إغراق، أو تفيهُق، أو مُعاظلة، أو وحشي من الكلام.

المطلب الثاني: الألفاظ:
يشبه "غنيم" حافظ إبراهيم - إلى حد بعيد - من حيث استعمال الألفاظ، إلاَّ أنَّ الملاحظ في شعر غنيم كثرةُ استعماله للألفاظ السهلة، كثيرة التداوُل، التي تفصح عن المعنى من أول وَهْلة، ليست معماة ولا غامضة، ولا غريبة ولا رامزة، كأنِّي بـ"غنيم" يريد أن يقولَ: إنَّ الشعر ليس هو المغرق في الغموض، الذَّاهب مذهب الرَّمْزيِّين، الذي يطرح أمامَك ألفاظًا عائمة غائمة، ثُمَّ يطلب منك أنْ تَصول وتَجول؛ لتَحْصُل على المعنى المراد، كلاَّ، إنَّ المجتمعَ في حاجة إلى الخطاب المباشر، إلى الفهم الحاضر، والعبارة الجلية، والفكرة الواضحة.

والمدهش أنَّ "غنيمًا" وهو يُعالِج موضوعًا كموضوع الحرب؛ حيث صليل السلاح، وصراخ الجنود، وحيث الطعن وإزهاق الأرواح - لا يَخرج عن استعمالِ الألفاظ التي هي في ذاتِها جَزْلَة رصينة، لكنَّها - عند التركيب - في مطلق السهولة والانسياب؛ يقول في وصف الحرب:
"وَغًى لاَ الدُّرُوعُ السَّابِغَاتُ مَوَانِعٌ
أَذَاهَا وَلاَ مُجْدٍ بِهَا الصَّارِمُ الْعَضْبُ

تَثَلَّمَ حَدُّ السَّيْفِ وَانْقَصَفَ الْقَنَا
وَأَصْبَحَ لاَ طَعْنٌ هُنَاكَ وَلاَ ضَرْبُ

كَأَنِّي بِهَا تَرْمِي مَدَافِعُهَا فَلاَ
يَطِيشُ لَهَا سَهْمٌ وَلاَ مَضْرِبٌ يَنْبُو

تُدَمِّرُ مَا تَأْتِي عَلَيْهِ لَوَ انَّهَا
تُصَوَّبُ نَحْوَ الْأَلْبِ "دُكَّ بِهَا الْأَلْبُ"[26]



فالألفاظ الرصينة الجزلة المستعملة هي: وغى - الدروع السابغات - الصارم العضب - السيف - القنا - انقصف - طعن - ضرب - مدافعها - يطيش - تدمر - دك - وهي ألفاظ اشتملت على قدر كبير من حروف الاستعلاء، وحروف التفخيم، مع شديد الحروف، وكأنَّك تشاهد حربًا بين هذه الحروف، وهذا التشديد، الذي ينمُّ على مراحل الشدة التي يذوق الناس مرارتها.

وعند الحديثِ عن موضوعٍ هادئ مُنساب، نَجِد الألفاظَ تتآزَرُ مع هذا الموضوع، فتُحِس بخفة ولطافة تطوفان على الأسلوب، تنسابانِ انسيابَ الغدير المصقول، كقوله في وصف الطبيعة:
جَلَسْتُ عَلَى بُسَاطٍ مِنْ رِمَالٍ
خِلاَلَ الْعُشْبِ وَالْمَاءِ الزُّلاَلِ

وَقَدْ رَقَّ النَّسِيمُ فَكَانَ أَشْهَى
إِلَى قَلْبِ الْمُحِبِّ مِنَ الْوِصَالِ

طُيُورُ الْأَيْكِ تَصْدَحُ عَنْ يَمِينِي
وَمَاءُ النَّهْرِ يَهْمِسُ عَنْ شِمَالِي



وهنا نرى الألفاظَ مُلائمة تمامًا لموضوع الوصف؛ حيث إنَّ هذه الأبيات الثلاثة قد حوت من الألفاظ ما يَجمع مُعظمَ ما يستعمله شاعِرٌ في وصف الطبيعة وهي: بساط الرمل، العشب، الماء الزلال، رق النسيم، طيور الأيك تصدح، ماء النهر يهمس، وكلها ألفاظٌ سلسة تتدفق عذوبةً ولذَّة، ولقد صدق عزيز أباظة حين قال: "فشعره (أي: محمود غنيم) يَتَّسِم بالجزالة دون تكلُّف، وبالسلاسة دون هبوط، يُحِسُّ بهاتين الميزتين مَن يتذَوَّق موسيقا الشعر العربي، ولا يُنكرهما من تنكب السبيل"[27].

المطلب الثالث: بين المحافظة والتجديد:
يُمكن أن نسطِّر منذ البداية أنَّ شعر "غنيم" ينزع إلى الاتِّجاه المحافظ أكثرَ من نزوعه إلى ظاهرة التجديد، التي ضَجَّ بِهَا العَصْرُ الحديث، وإذا عرفنا أنَّ "غنيمًا" كان مالكًا لناصية اللغة، عالِمًا بمذاهب الشعر المختلفة، مُعايشًا للتيارات الفكرية التي عاصرها، إذا عرفنا كُلَّ ذلك، تبيَّن أن "غنيمًا" قد اختار لنفسه طريقةً في الشعر رآها - بعد التمحيص والتدقيق - أسلمَ طريقة، وأكثرَها استيفاء لأغراضه ومراميه، وهي الجمع بين قالب القديم، والفكرة المستحدثة، لم يغرق في القديم مطلقًا، يتنقل شعره بين وصف الناقة والصحراء، ولجاج القبائل، وعصبية العشائر، ويستعمل حُوشِيَّ الكلام ومعاضلة القول، ولَم يَغُصْ في الجديد مُطلقًا، فيتخلى عن عمود الشعر العربي، وعن بعض صوره البلاغِيَّة، وأساليبه الرائعة، وألفاظه المتناسقة الدالة الموحية، وإنَّما جمع بين الأمرين، فأحسن الصنع.

وتتمثَّل هذه الازدواجية في تأثُّره ببعض الشعراء القُدامى، كالبحتري والمتنبي، وبعض الشعراء المحدثين الذين تَمَيَّزوا بنهج الاتِّجاه المحافظ، كشوقي الذي اقتبس منه بيتًا كاملاً، في قصيدته "ذكرى فريد" حين قال:
"قَالُوا لَهُمْ "حِزْبُ الْجَلاَءِ" وَإِنَّهُ
لَقَبٌ يَزِيدُ مَقَامَهُمْ تَمْجِيدَا

وَاللَّهِ مَا دُونَ الْجَلاَءِ وَيَوْمِهِ
يَوْمٌ تُسَمِّيهِ الْكِنَانَةُ عِيدَا

اللَّهُ يَعْلَمُ لَسْتُ أَبْخَسُ عَامِلاً
حَقًّا وَلاَ أَجْزِي الْجَمِيلَ جُحُودَا [28]

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 200.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 194.87 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (3.02%)]