جدي (قصة قصيرة) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4376 - عددالزوار : 826469 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3907 - عددالزوار : 374372 )           »          سحور 9 رمضان.. حواوشي البيض بالخضار لكسر الروتين والتجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 285 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 362 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 483 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 381 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 378 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 384 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-07-2021, 04:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,345
الدولة : Egypt
افتراضي جدي (قصة قصيرة)

جدي (قصة قصيرة)
طارق البرغوثي






في قرية صغيرة على الساحل الفلسطيني، في قرية حالمة وادعة حيث جمال الطبيعة الساحر، كان مَولدي، كان إذا صدح المؤذن إيذانًا بفجر جديد، توضَّأ جدي ثم دَلَفنا إلى المسجد، كنت أرى الغَمام وكأنه يمشي في حَضرة جدي، نصلي حتى يتعالى النهار، ثم نقطع المسافات بين الجبال؛ حيث حقلُ جدي.

كان يُمسك الفأس وكأنه قلم يَحفِر صفحة الأرض، ثم يأتي بالبِذار يغرسها في قلب الأرض، ثم يُداعب حبات الرمال ويتعاهد الغَرْس وكأنها من أفراد عائلته، كان يتعاهدني جدي كما يتعاهد غَرْسه، فكان يُعلِّمني شموخ الشمس قبل قراءة الكتب، كان يقول لي: إن شجرة الزيتون فيها صَلابة الفلسطيني، فيها عمق التاريخ، إذا قرأت الأرض وحافظت عليها، أتى العلم تباعًا، كان عندما يتحدث عن التاريخ أشعر بأنَّ المستقبل حديقةُ ورود يَفرُشها جدي بأنامله، ويسقيها بدموع عينيه، لم أطرَب لشِعرٍ كشِعر جدي، ولم أنتشِ بنثرٍ كنَثْرِه!

في المساء نودِّع الحقول، يغتسل الماءُ بجسد جدي، ثم يأوي إلى كهفه، تجلس جدَّتي بين يدي جدي، يُضاحكها وتضاحكه كطفلين يتعلمان الغرام في سِنِيهم الأولى، يَرتشف قهوته المسائية ثم يعتكف مع كتبه، بعد صلاة العشاء كان يجلس للدرس في مسجد الحي، يتحلَّق الناس حوله، فإذا رأيتَ القمر ومِن حوله الكواكب، وإذا سمعتَ الدر يتناثر، حسبتَ أنك في حضرة الملائكة، في حلقة ذكر أو تسبيح.

كان جدي طويلًا، أزهرَ، وضيءَ الوجه، سبحان من جعله مهوى القلوب، يَبحث الناس عن مجلسه؛ فهو حلو الحديث، صادق اللهجة، حَسَن المعشر، سَمح الخلائق، تجمَّع فيه ما تفرَّق في غيره من حَسَن الصفات وجميل المكرمات.

عندما دخل الصهاينة فلسطين، أصاب جدي مرضٌ خطير، فأقعدَه المرض وظن الناس أن جدي يودِّع الحياة، قال الناس حينها: إن الشيخ لم يتحمَّل دخول اليهود فلسطين، كان يقول لي: عليك أن تذهب يا ولدي إلى الحقل، لا يُترَك الحقلُ وحيدًا.

بدأ جدي يتعافى، لم تقل له جَدَّتي ما حدث في مرضه؛ خوفًا على صحته!

في أحد الصباحات الباردة، صلَّيْتُ أنا وجَدِّي الفجر، ثم بدأنا نُغِذُّ السير حيث حقل جدي، وهناك كانت المصيبة عندما رأى جدي حقلَه وقد أصبح يَبابًا؛ فقد ذَرَعَته جرارات الصهاينة ذَهابًا وإيابًا، وقطَّعت أشجار الزيتون، تلك الأشجار الموغلة في القِدَم، تلك الأشجار الضاربة في أعماق التاريخ، تلك الأشجار التي وَرِثها كما يرث الإنسانُ العلمَ عن شيوخه، أو يرث أغلى ما يَملِك؛ فيصبح الماضي حاضرًا، ويُسلِّم الأجداد الرايةَ للأحفاد، رأى كل ذلك يَبابًا أمام ناظرَيْه، ويا لعِظَم المُصاب، ويا لسُمو قامات الرجال حينما يَلهجون بالحمد على عظيم مُصاب!

قَفَلْنا راجعين، قالت لي جدتي يومها: لقد وارى جدك كثيرًا من أقربائه بيدَيْه الثرى، حتى إنه وارى أخاه، وقد كان تِربَه ورفيق دَرْبه، ولم تَنِدَّ دمعةٌ واحدة من عينيه، ولكن كم كان ألمُه على أشجار الزيتون، فقد كان يرى فيها شموخَه وشموخ أجداده، وكأنه اليوم يشعر وكأن ظهره انحنى، وانكشف جسمه للريح، إن جدك يا بني جبل، إن جدك يا بني جبل.

جاء المساء ثقيلًا، خرج جدي من كهفه يُرتل آيات الصبر، ويُعزي روحه التي ثقلت، ويرفع ظهره، ويَشمَخ برأسه، استند إلى سارية المسجد، صَدَح المؤذن: الله أكبر الله أكبر، في لحظات الوهن يُعيدنا هذا النداءُ العُلْوي السَّرْمَدي إلى أنفسنا، فترتدُّ الروح إلى الجسد، ويعود الإيمان وكأنه طازج، وكأن التكبير يتنزل بلسمًا شافيًا، يمسح جراحاتنا، ويواسي آلامنا.

الله أكبر الله أكبر، فإذا كان الباطل يصول ويَشمَخ، وإذا كان الحق يضمحل ويترنَّح، فهي إرادة الله، وليس لنا إلا أن نُكبِر هذه الإرادة، وإرادة الله في العقبى للباطل أن يَزهَق، وللحق أن يَظهر.

جلس جدي عقب الصلاة للدرس كما اعتاد الناس، بدأت الأعناق تَشرئِب، تريد أن تسمع ما سيقول رجلٌ مكلوم، شَمَخَ جدي برأسه، وقدم كَلْكَلَه، وأخذ الهواء فجعله في رئتَيْه، ثم مسح بنظراته الوجوه، وأطرق هُنَيْهةً وقد أغرى السامعين صمتُه، فشقَّ الصمتَ بسيف الحمد والثناء على الله، ثم قال: لقد علَّمني والدي: أن الله ربما أعطاكَ فمنعك، وربما منعك فأعطاك، ومتى فتح لك باب الفَهم في المنع، صار المنعُ عينَ العطاء.

وتعلَّمتُ قبلها من رسول الله أن ما أصابك لم يكن ليخطِئَك، وما أخطأك لم يكن ليصيبَك، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا، وأن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام وجفَّت الصحف.

ضج المسجد بالإكبار بصبر جدي وتجلُّده، وأخذوا يعانقونه، وأخذ هو يواسيهم ويربت على أكتافهم.

خرجنا وجدي يُمسك بيدي، نظرت إلى وجهه كأنه غَيْمة مثقلة بالبكاء، ولكن صَحْو روحه وكبرياء نفسه تمنع المطر من الانهمار!

هجم الليل، والليل يهيج المحزون، فأقام جدي ليلَه بالصلاة والدعاء والاستغفار، غَفَتْ عينُه على القذى، وقلبه على الجراح، نهض من نومه فَزِعًا كأن الرؤيا تطارده، جاءت جدتي فَزِعةً تمسح جبينه، ربت على كَتِفها، لبس عباءته واعتمر طاقيته، وأخذ يعدو في الشارع كأنه يُطارِد أحدهم، فعَدَوت أنا وجدتي خلفه، حتى وصل إلى مكتبته حيث كتبه التي عاش معها سنينَ بين قارئ ومؤلف، وجاءت سَكْرة الرؤيا بالحق عندما وجد النار تلتهم مِداد قلبه، وجنود الاحتلال يُعربدون على حروف النور، ويطؤون بأرجلهم شَغافَ قلبه!

بدأ جدي يُطفئ النيران بجسده العاري وبكفَّيْه، ويأخذ بعض كتبه، وما بين مشادة بينه وبين الجنود وإذا بطلقة تخترق صدره، جثا حينها على ركبتَيْه وخارت قواه! هي المرة الأولى التي أرى فيها جدي يجثو على ركبتيه، إلا ما كان منه في الصلاة، كان دائمًا يقول لي: نحن لا نركع، نظل كأشجار الزيتون؛ نموت واقفين ولا نركع! جثا جدي على ركبتَيْه، ثم انحنى والدم يثعب من جسمه، سندتُه بيديَّ الصغيرتين، وقال لي وكأنه يوصي بأغلى ما يملك: المحتل عدوُّه العلمُ والعمل والإخلاص، فإذا أردتَ أن تكون نِدًّا، فعليك بهذه الثلاثة، ولا تنسَ الأرض وأشجار الزيتون، جاءت جدتي تصرخ: وامصيبتاه وامصيبتاه! قال لها وهو في النزع الأخير: لا تقولي: وامصيبتاه، بل قولي: إلى جنة عرضها السموات والأرض مَثْواه، ثم تشهَّدَ وابتسم، فطَبَعَتْ جدتي قُبلَتَها الأخيرة على جبهته العريضة.


غادرَنَا جدي، ولكنه ما يزال يسكن أعماقي، والأرضُ التي عشقها ما تزال تسكن وِجداني.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 56.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 54.14 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (3.36%)]