اللغة وأصلها عند ابن جني - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 25 )           »          تعظيم خطاب الله عزوجل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          رسـائـل الإصـلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النحو وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-07-2021, 03:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي اللغة وأصلها عند ابن جني

اللغة وأصلها عند ابن جني
أ. د. عبدالله أحمد جاد الكريم حسن






لقد فرق فرديناند دي سوسير بين اللغة والكلام قائلاً: "إن اللغة والكلام عندنا ليسا بشيء واحد، فإنما هي منه بمثابة قسم معين وإن كان أساسيًا، والحق يقال، فهي في الآن نفسه نتاج اجتماعي لملكة الكلام ومجموعة من المواضعات يتبناها الكيان الاجتماعي؛ ليمكن الأفراد من ممارسة هذه الملكة. واذا أخذنا الكلام جملة بدا لنا متعدد الأشكال متباين المقومات موزعًا في الآن نفسه، إلى ما هو فردي، وإلى ما هو اجتماعي... أما اللغة فهي على عكس ذلك، كل بذاته ومبدأ من مبادي التبويب ".[1]

ولقد ميز ابن جني أيضًا بين اللغة والكلام، ومن ذلك ما يأتي:
أولاً: اللغة عند ابن جني:
لقد درس ابن جني في الخصائص الكثير من المسائل المتعلقة باللغة العربية، فعرفها وتعرض لوضعها وتطورها، وقدم دراسات كانت ولا تزال لها فاعليتها في الثقافة اللغوية، والنشاط الفكري، إن على المستوى النظري المنهجي أو على المستوى الإجرائي التطبيقي. ولذلك يعد ابن جني من أعظم العلماء الذين قدمـوا نموذجاً مشرقاً لمباحث اللغة في التراث العربي المعرفي، فبدت اللغة العربية في "خصائصه" لغة لا تدانيها لغة؛ لما اشتملت عليه من سمات حسن تصريف الكلام، والإبانة عن المعاني بأحسن وجـوه الأداء.

كما ناقش ابن جني مسألة نشأة اللغة التي كانت تشغل مكانًا مهمًا في البحوث اللغوية آنذاك، وأوضح بتعليل منطقي أن اللغة أكثرها مجاز صار في حكم الحقيقة، وتحدث عن لغات العرب وغيرهم ـ وقد أشرنا إلى أهم موضوعات الخصائص في الفصل السابق ـ ونتعرف هنا على رأي ابن جني في اللغة وأهم مسائلها، وذلك على النحو الآتي:
تعريف ابن جني للغة:
عرف ابن جني اللغة، ومن ذلك قوله في (باب القول على اللغة وما هي):" أما حدها: فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، هذا حدها"[2].

وهذا التعريف يتفق إلى حد كبير مع آراء الوظيفيين الغرب، كما أن هذا التعريف غني بالقيم التداولية، وأهمها: أن اللغة ذات قيمة نفعية , تعبيرية، أي: إن تعريف ابن جني للغة يتشابه مع آراء المدرسة التداولية (Pragmatique) في الدرس اللساني الغربي الحديث، وهو دراسة اللغة حال الاستعمال؛ أي: حينما تكون متداولة بين مستخدميها.

أصل اللغة عند ابن جني:
ما يجدر ملاحظته هو أن موضوع نشأة اللغة كان من ضمن المواضيع التي أسهب علماء اللغة المحدثون البحث فيها، وجدوا في تقديم العلل الراجحة لذلك، ولقد سبقهم ابن جني إلى دراسة هذا الموضوع، وذلك في باب (القول على أصل اللغة أإلهام هي أم اصطلاح)[3]، حيث ذكر ابن جني ثلاثة مذاهب لتفسير أصل اللغة، تتلخص في الآتي:
(1) مذهب الوحي والتوقيف: وهو مذهب من يرى أن اللغة وضعت عن طريق الوحي والتوقيف، وأن الله ألهم آدم عليه السلام أن يضع لها أسماء فوضعها، وعن ذلك يقول ابن جني: " وذلك أنه قد يجوز أن يكون تأويله أقدر آدم على أن واضع عليها، وهذا المعنى من عند الله سبحانه لا محالة".[4] ويقول أيضًا:" إنني إذا تأملت حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة وجدت فيها من الحكمة والدقة والإرهاف والرقة؛ ما يملك على جانب الفكر، حتى يكاد يطمح به أمام غلوة السحر، فمن ذلك ما نبه عليه أصحابنا رحمهم الله، ومنه ما حذوته على أمثلتهم، فعرفت بتتابعه وانقياده وبعد مراميه وآماده صحة ما وفقوا لتقديمه منه، ولطف ما أسعدوا به، وفرق لهم عنه، وانضاف إلى ذلك وارد الأخبار المأثورة بأنها من عند الله جل وعز، فقوى في نفسى اعتقاد كونها توفيقاً من الله سبحانه، وأنها وحي".[5]

ويعترض الرافضون لهذا المذهب بأنه لا يصح إذا كانت اللغة من عند الله تعالى وقوع التضاد في اللغة؛ كـ(الجون) الذي يدل على الأبيض والأسود؛ لأن هذا التضاد تناقض يتنافى والحكمة الإلهية، كما أنها لو كانت من عند الله " لما كان للشيء الواحد أسماء متعددة، وللاسم الواحد معان كثيرة"[6]؛ ولذلك وغيره لم يؤيد ابن جني هذا المذهب بصورة مطلقة، وقد اتفق موقفه مع موقف دي سوسير في هذا الشأن، حيث يرى أنه لو كانت اللغة من عند الله لما كانت " عاجزة جذرياً عن الدفاع عن نفسها ضد العوامل التي تنقل من لحظة إلى أخرى العلاقة بين الدال والمدلول، وهذه إحدى نتائج اعتباطية العلامة"[7].

(2) مذهب التواضع والاصطلاح: وهو أن اللغة قد وضعت نتيجة تواضع بين أهلها، أو أن اللغة اصطلاح وتواضع يتم بين أفراد المجتمع، ومن ثم ليس لألفاظ اللغة أية علاقة بمسمياتها.

وعن هذا المذهب يقول ابن جني:" لنعد فلنقل في الاعتدال لمن قال بأن اللغة لا تكون وحياً، وذلك أنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لا بد فيه من المواضعة، قالوا: وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعدًا؛ فيحتاجوا إلى الإنابة عن الأشياء المعلومات، فيضعوا لكل واحد منها سمة ولفظاً، إذا ذكر عرف به ما مسماه؛ ليمتاز من غيره، وليغنى بذكره عن إحضاره إلى مرآة العين".[8]

وتابعت هذه النظرية في العصور الحديثة استمراريتها، حيث لاقت قبولاً عند الأب الروحي للدراسات اللغوية الحديثة فردينان دوسوسير، فهو يقرر منذ البداية أن "الرابط الجامع بين الدال والمدلول هو اعتباطي"[9]، ويبرر ذلك بقوله:" وحجتنا في ذلك إنما هي الاختلافات القائمة بين اللغات ووجود اللغات المختلفة"[10]، ولكن دوسوسير ما لبث أن أقر بوجود شيء من العلاقة بين الدال والمدلول، إذ يرى أن "هناك بعض من ملامح الرابط الطبيعي بين الدال والمدلول"[11]، ثم يرى أن الفرد ليس لديه" القدرة على تغيير أي شيء في علامة ما، وذلك عند ثبوتها وتمكنها في مجموعة لغوية" [12].

وخلاصة موقف ابن جني من نشأة اللغة أنه وقف موقفاً وسطاً، فقال بالإلهام والاصطلاح معاً، حيث يقول:" تقدم في أول الكتاب القول على اللغة: أتواضع هي أم إلهام. وحكينا وجوزنا فيها الأمرين جميعًا "[13]. ويوضح ذلك أيضًا ما ختم به هذا الباب حيث افترض أن يكون الله تعالى قد خلق قبلنا أقواماً كانت لهم القدرة التي مكنتهم على الاصطلاح والتواضع في تسمية الأشياء، يقول ابن جني موضحاً موقفه ومعبراً في ذات الوقت عن حيرته بين القول بعرفية اللغة أو القول بالإلهام:" فأقف بين تين الخلتين الإلهام والعرف حسيراً، وأكاثرهما فأنكفئ مكثوراً وإن خطر خاطر فيما بعد، يعلق الكف بإحدى الجهتين ويكفها أو يفكها عن صاحبتها قلنا به".[14]

(3) مذهب المحاكاة: وملخص هذه النظرية أن اللغة نشأت عن محاكاة الإنسان لأصوات الطبيعة المحيطة به، وأقدم الأقوال حول هذه النظرية كانت للفراهيدي وتلميذه سيبويه، فقد نقل لنا ابن جني في الخصائص ما نصه:" قال الخليل: كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومداً، فقالوا: صر، وتوهموا في صوت البازي تقطيعاً، فقالوا: صرصر، وقال سيبويه في المصادر التي جاءت على (فعلان): إنها تأتي للاضطراب والحركة؛ نحو: النقزان والغليان، فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال" [15]، وقبل ابن جني بهذا الرأي ورجحـه بقوله:"وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات؛ كدوي الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء، وشحيج الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي، ونحو ذلك، ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد. وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل"[16].

وتابعت هذه النظرية ظهورها في العصور الحديثة، فتبنى العالم (وتني) ما ذهب إليه ابن جني بحرفيته تقريباً، إذ رأى" أن اللغة نشأت عن طريق محاكاة الإنسان للأصوات الطبيعية التي كان يسمعها حوله" [17]. والحق أن هذه النظرية فيها من المبالغة ما يجاوز حد المعقول، فلو كانت اللغة بكاملها محاكاة للطبيعة لما تعددت لغات العالم، ولكان للعالم لغة واحدة لا غير. إلا أن هذه النظرية تحمل شيئاً من الصواب، فبعض الألفاظ هي صدى لأصوات الطبيعة؛ كالحفيف والخرير والزفير والصهيل والعواء، كما أن بعض الألفاظ قد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالدلالات فـي بعض الحالات النفسية، كالكلمات التي تعبر عن الغضب أو النفـور أو الكره، كما أنه غدا معروفاً في العربية أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، وهذا ما أشار إليه سيبويه والخليل آنفاً [18].

والخلاصة: أننا لا نستطيع أن نرد كل ألفاظ اللغة إلى محاكاة الطبيعة، كما أننا لا نستطيع أن نهمل هذه النظرية إهمالاً تاماً، فهناك قسط لا بأس به من ألفاظ العربية يمت بصلة وثيقة إلى أصوات الطبيعة.

ويقول ابن جني في (باب في هذه اللغة، أفي وقت واحد وضعت أم تلاحق تابع منها بفارط): "اعلم أن أبا علي رحمه الله كان يذهب إلى أن هذه اللغة ـ أعني: ما سبق منها ثم ما لحق به بعده ـ إنما وقع كل صدر منها في زمان واحد. وإن كان تقدم شيء منها على صاحبه فليس بواجب أن يكون المتقدم على الفعل الاسم، ولا أن يكون المتقدم على الحرف الفعل... وإنما يعني القوم بقولهم: "إن الاسم أسبق من الفعل" أنه أقوى في النفس، وأسبق في الاعتقاد من الفعل؛ لا في الزمان؛ أما الزمان فيجوز أن يكونوا عند التواضع قدموا الاسم قبل الفعل، ويجوز أن يكونوا قدموا الفعل في الوضع قبل الاسم، وكذلك الحرف. وذلك لأنهم وزنوا حينئذ أحوالهم، وعرفوا مصاير أمورهم، فعلموا أنهم محتاجون إلى العبارات عن المعاني، وأنها لا بد لها من الأسماء والأفعال والحروف؛ فلا عليهم بأيها بدؤوا؛ أبالاسم أم بالفعل أم بالحرف؛ لأنهم أوجبوا على أنفسهم أن يأتوا بهن جمع؛ إذ المعاني لا تستغني عن واحد منهن،هذا مذهب أبي علي، وبه كان يأخذ ويفتي"[19].


ويقول:" فلهذا ذهب أبو علي ـ رحمه الله ـ إلى أن هذه اللغة وقعت طبقة واحدة كالرقم تضعه على المرقوم والميسم يباشر به صفحة الموسوم لا يحكم لشيء منه بتقدم في الزمان؛ وإن اختلفت بما فيه من الصنعة القوة والضعف في الأحوال"[20]. ويقول:" اعلم أن واضع اللغة لما أراد صوغها وترتيب أحوالها هجم بفكره على جميعها، ورأى بعين تصوره وجوه جملها وتفاصيلها ".[21] ويرى ابن جني أن العربية نشأت وتطورت بالتدريج، وأكد على ذلك بقوله:" فإنها لا بد أن يكون وقع في أول الأمر بعضها ثم احتيج فيما بعد الى الزيادة عليه؛ لحضور الداعي إليه فزيد فيها شيئًا فشيئًا"[22]. ومن ذلك قوله:" مما يدلك على تنقل الأحوال بهذه اللغة، واعتراض الأحداث عليها، وكثرة تغولها وتغيرها"[23].

فبعد أن عرض ابن جني لآراء من سبقه في وضع اللغة أكد على أن اللغة وضعت بالتدريج حسب حاجة أهلها إليها وساق أدلته على ذلك وأوافقه في ذلك.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19-07-2021, 03:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اللغة وأصلها عند ابن جني

وضع العربية يتفق مع وضع غيرها من اللغات:
يرى ابن جني أن تفسيره لأصل اللغة العربية ونشأتها وتطورها وتعلمها قد يتفق مع أصل وضع اللغات الأخرى، ومن ذلك قوله:"وكذلك لو بدئت اللغة الفارسية فوقعت المواضعة عليها لجاز أن تنقل ويولـد منها لغات كثيرة من الرومية والزنجية وغيرهما، وعلى هذا ما نشاهده الآن من اختراعات الصناع لآلات صنائعهم من الأسماء كالنجار والصائغ والحائك والبناء وكذلك الملاح". [24]

سبب بقاء بعض اللغات وعدم اندثارها:
تعرض ابن جني لسبب حفاظ بعض اللغات على حياتها وعدم اندثارها، وضرب مثالاً على ذلك بانتشار لغة الحجاز ولغة تميم مقارنًا بينهما؛ حيث يقول:" فإن أهل كل واحدة من اللغتين عدد كثير وخلق من الله عظيم، وكل واحد منهم محافظ على لغته لا يخالف شيئا منها، ولا يوجد عنده تعاد فيها، فهل ذلك إلا لأنهم يحتاطون ويقتاسون ولا يفرطون ولا يخلطون، ومع هذا فليس شيء مما يختلفون فيه على قلته وخفته إلا له من القياس وجه يؤخذ به" [25].

وتعرص ابن جني لمسألة تعلم اللغة وانتقالها عبر الأجيال المتعاقبة؛ حيث يقول:" وليس أحد من العرب الفصحاء إلا يقول إنه يحكى كلام أبيه، وسلفه يتوارثونه آخر عن أول وتابع عن متبع، وليس كذلك أهل الحضر؛ لأنهم يتظاهرون بينهم بأنهم قد تركوا وخالفوا كلام من ينتسب إلى اللغة العربية الفصيحة، غير أن كلام أهل الحضر مضاه لكلام فصحاء العرب في حروفهم وتأليفهم إلا أنهم أخلوا بأشياء من إعراب الكلام الفصيح، وهذا رأى أبى الحسن، وهو الصواب".[26]

موقف العربي من لغات غيره:
تحدث ابن جني عن موقف العربي من لغات غيره، ويقول في هذا الشأن:" واعلم أن العرب تختلف أحوالها في تلقي الواحد منها لغة غيره، فمنهم من يخف ويسرع في قبول ما يسمعه، ومنهم من يستعصم فيقيم على لغته البتة، ومنهم من إذا طال تكرر لغة غيره عليه لصقت به ووجدت في كلامه".[27] ويقول:" آخذ إلى لغته لغة غيره قد يجوز أن يقتصر على بعض اللغة التي أضافها إلى لغته دون بعض"[28]. وقوله:" بعضهم قد ينطق بحضرته بكثير من اللغات فلا ينكرها "[29].

ويعلل ابن جني لإتقان المتكلم لأكثر من لغة، وذلك في (باب في العربي الفصيح ينتقل لسانه)[30]؛ ويقول في موضع آخر: "وقد يجوز أن تكون لغته في الأصل إحداهما، ثم إنه استفاد الأخرى من قبيلة أخرى، وطال بها عهده وكثر استعماله لها؛ فلحقت لطول المدة واتصال استعمالها بلغته الأولى، وإن كانت إحدى اللفظتين أكثر في كلامه من صاحبتها فأخلق الحالين به في ذلك أن تكون القليلة في الاستعمال هي المفادة، والكثيرة هي الأولى الأصلية، نعم، وقد يمكن في هذا أيضًا أن تكون القلى منهما إنما قلت في استعماله؛ لضعفها في نفسه وشذوذها عن قياسه، وإن كانتا جميعا لغتين له ولقبيلته".[31]

وتحدث ابن جني عن حال أصحاب اللغات مع لغاتهم، ومن ذلك قوله:" والمروي عنهم في شغفهم بلغتهم وتعظيمهم لها، واعتقادهم أجمل الجميل فيها؛ أكثر من أن يورد أو جزء من أجزاء كثيرة منه، فإن قلت فإن العجم أيضًا بلغتهم مشغوفون، ولها مؤثرون، ولأن يدخلها شيء من العربي كارهون، ألا ترى أنهم إذا أورد الشاعر منهم شعرًا فيه ألفاظ من العربي عيب به، وطعن لأجل ذلك عليه، فقد تساوت حال اللغتين في ذلك فأية فضيلة للعربية على العجمية؟ قيل: لو أحست العجم بلطف صناعة العرب في هذه اللغة، وما فيها من الغموض والرقة والدقة؛ لاعتذرت من اعترافها بلغتها، فضلاً عن التقديم لها والتنويه منها، فإن قيل: لا. بل لو عرفت العرب مذاهب العجم في حسن لغتها وسداد تصرفها وعذوبة طرائقها لم تبوء بلغتها، ولا رفعت من رؤوسها باستحسانها وتقديمها" [32]. وهذا يؤكـد اعتزاز كل قوم بلغتهم.

كما تحدث ابن جني عن اللفظ العربي وشروطه حيث يقول:" عربي لكونه في لغة العرب غير منقول إليها، وإنما هو وفاق وقع، ولو كان منقولاً إلى اللغة العربية من غيرها لوجب أن يكون أيضًا وفاقًا بين جميع اللغات غيرها، ومعلوم سعة اللغات غير العربية ، فإن جاز أن يكون مشتركًا في جميع اللغات ما عدا العربية جاز أيضًا أن يكون وفاقًا وقع فيها. ويبعد في نفسي أن يكون في الأصل للغة واحدة ثم نقل إلى جميع اللغات، لأنا لا نعرف له في ذلك نظيرًا. وقد يجوز أيضًا أن يكون وفاقًا وقع بين لغتين أو ثلاث أو نحو ذلك، ثم انتشر بالنقل في جميعها. وما أقرب هذا في نفسي؛ لأنا لا نعرف شيئًا من الكلام وقع الاتفاق عليه في كل لغة وعند كل أمة، هذا كله إن كان في جميع اللغات هكذا، وإن لم يكن كذلك كان الخطب فيه أيسر".[33]

ودرس ابن جني أهم لغات العرب؛ كلغة الحجاز، ولغة تميم، وغيرهما، ومن ذلك قوله:" لغة أهل الحجاز وهي اللغة الفصحى القدمى".[34]، وقوله:" وهي اللغة الحجازية القوية"[35]. ومنه قوله:" من ذلك اللغة التميمية في (ما) هي أقوى قياسًا؛ وإن كانت الحجازية أسير استعمالاً، وإنما كانت التميمية أقوى قياسًا من حيث كانت عندهم".[36]


[1] دي سوسير، دروس في الألسنية العامة، ترجمة: مجموعة من المؤلفين التونسيين. (ص29). وينظر: فردينان دي سوسور، محاضرات في الألسنية العامة، ترجمة يوسف الغزي، الجزائر، المؤسسة الجزائرية للطباعة، 1986م، وكاترين فوك و بيارلي قوفيك، مبادئ في قضايا اللسانيات المعاصرة، ترجمة: المنصف عاشور، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1984م، وعامر الحلواني، في القراءة السيميائية، الطبعة الأولى، تونس، كلية الآداب و العلوم الانسانية، 2005م.

[2] الخصائص (1/ 33 ).

[3] المرجع السابق (1/ 40) وما بعدها.

[4] المرجع السابق (1/ 40ـ41).

[5] المرجع السابق (1/ 40).

[6] محمد الأنطاكي، الوجيز في فقه اللغة، الطبعة الثانية، بيروت، مكتبة دار الشرق، (ص368).

[7] دوسوسير، محاضرات في الألسنية العامة، ترجمة: يوسف غازي ومجيد النصر، لبنان، دار نعمان للثقافة، دون تاريخ ودون طبعة، (ص97ـ98).

[8] الخصائص (1/ 44).

[9] دوسوسير، محاضرات في الألسنية العامة، (ص89).

[10] المرج المرجع السابق، (ص90).

[11] المرجع المرجع السابق (ص91).

[12] المرجع المرجع السابق (ص91).

[13] الخصائص (2/ 28).

[14] المرجع المرجع السابق (1/ 47).

[15] المرجع المرجع السابق (2/ 152).

[16] المرجع المرجع السابق (1/ 46 ـ 47).

[17] محمد الأنطاكي، الوجيز في فقه اللغة، (ص63).

[18] ينظر: إبراهيم أنيس، الألفاظ ومعانيها كانت رموزاً لدلالاتها، الكويت، مجلة العربي الكويتية، العدد (100)، آذار 1967م، (ص134).

[19] الخصائص (2/ 30).‏

[20] المرجع السابق (2/ 40).

[21] المرجع السابق (1/ 64).

[22] المرجع السابق (2/ 28).

[23] المرجع السابق (1/ 387 ).

[24] المرجع السابق (1/ 46 ـ47).

[25] المرجع السابق (1/ 244).

[26] المرجع السابق (2/ 29).

[27] المرجع السابق(1/ 383).

[28] المرجع السابق (1/ 380).

[29] المرجع السابق (2/ 26).

[30] المرجع السابق (2/ 12).

[31] المرجع السابق (1/ 372).

[32] المرجع السابق (1/ 242).

[33] المرجع السابق (3/ 286).

[34] المرجع السابق (1/ 260).

[35] المرجع السابق (2/ 335).

[36] المرجع السابق (1/ 125).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.64 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (3.03%)]