جثث حية (قصة) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         علاقة القرآن بشهر رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          ماهية الاعتصام بالله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          فوائد مختصرة منتقاة من المجلد الأول من الشرح الممتع على زاد المستقنع للعلامة العثيمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          سحر صلاة العشاء في رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          من أقوال السلف في السفر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          أساليب التعذيب النفسي في السجون الإسرائيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          حق اليقين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          آل عمران.. المرابطون ببيت المقدس!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 51 - عددالزوار : 25024 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-07-2021, 04:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 130,367
الدولة : Egypt
افتراضي جثث حية (قصة)

جثث حية (قصة)
محمد كساح







اعتاد الحاج أبو عطا الذي بلغ السنة الخامسة والخمسين من خريف عمره التجوُّلَ يوميًّا في البلدة (س)، التي تقع ضمن الريف الغربي لدمشق.

كان يخرج من بيته كل صباح فيتمشَّى مشيته البطيئة التي غدا معروفًا بها لدى أبناء بلدته، ويزور إخوانه ومعارفه، ويستطلع أنباء الناس، ويتعرف على أحوالهم، وكان يفعل ذلك مرة أخرى عند حلول المساء، اعتاد هذه الحال منذ أكثر من مائتي يوم، وهو يطابق تاريخ حصار البلدة وحشر أربعين ألفًا من أبنائها بين جدرانها دون غذاء أو دواء.
أهلًا أبو عطا، كيف الحال؟

صاح أحد الجيران ويُدعى "أبا معروف" بعد أن لمح الحاج من نافذة بيته:
الحمد لله.. تمام، عال العال.

ردَّ الحاج أبو عطا، ثم سكت قليلًا، وأردف قائلًا:
انزل لنسلِّم عليك، إن لم يكن هنالك ما يشغلك!
وماذا يشغلني في هذه الأيام يا سيِّدي؟ من يسمعك يظن أن لدي أعمالًا كثيرة متراكمة بعضها فوق بعض.
قلت في نفسي: ربما أكون أزعجتك!
لا تقل ذلك يا حاج "أبو عطا"، أنت صديقي منذ الطفولة، على كل حال انتظر قليلًا سوف أنزل إليك، وسأحضر معي هدية بسيطة لولدك الصغير مصطفى.

نظر الحاج حواليه فرأى دكَّةً مُعدَّةً للجلوس بالقرب من بيت صديقه أبي معروف فجلس عليها.

وبعد لحظات كان أبو معروف قد نزل من بيته، فصافح الحاج، وجلس الاثنان يتحدثان حديثهما المعتاد الذي تكرَّر بحذافيره صيغةً ومضمونًا العشرات والعشرات من المرات.

كيف حال مصطفى؟ هل تحسَّن قليلًا؟
آمل أن يستردَّ بعض عافيته وصحته؟

فرد أبو عطا الذي بدت عليه علامات اليأس مشوبة بنوع من الحزن المكبوت:
إن حالته تزداد سوءًا يا صاحبي، الحصار لم يُبقِ لدَينا حبَّةَ أرز واحدة لنُطعمه إياها، ما هي إلا المياه المغلية مع البهارات.
لا حول ولا قوة إلا بالله! ماذا نفعل؟ وأنا والله ليس لديَّ شيء أقدمه لك، الحصار أكل الأخضر واليابس، ومائتا يوم كفيلة بنفاد كل شيء.
لقد زاره الطبيب البارحة، واطَّلع على حاله.
وماذا قال لك الطبيب؟ آمل أن يكون بخير!

استنشق أبو عطا الهواء بمنخريه ثم زفر كالمصاب بالحمَّى، فتطلع إليه أبو معروف بنوع من الشفقة والحزن، لقد كان يرثي لحال صديقه، ويودُّ لو يواسيه بشيء ما، أي شيء يؤكل، آه لو أن بإمكانه أن يقدم له شيئًا يشدُّ من عضد ابنه ويُحسِّن حالته! ولكن...

وتذكر أبو معروف الشيء الذي أحضره للحاج فقدمه له وابتسامة الرضا تلوح على وجهه
ما هذا؟ قطعة تمر!
من أين حصلت عليها يا أبا معروف؟

اليوم كنت أبحث في خزانة المطبخ فوجدتها على أحد الرفوف، وأحببت تقديمها لابنك مصطفى، إنه لم يتذوق طعامًا حلوًا منذ أشهر!

شكرًا لك، لا تعلم يا صاحبي كم هي مأساتي كبيرة، إن ابني لم يذق طعامًا منذ عشرة أيام، اليوم صباحًا سقيته كأسًا من الماء المغلي بالبهارات لتُكسبه شيئًا من الطاقة، أنت لا تتصور مقدار الحزن الذي يعتصر قلبي وأنا أُكلِّمك عن فلذة كبدي، لقد قال لي الطبيب: إنه يعاني من سوء امتصاص، وعلمت منه أن حالته متدهورة جدًّا، للأسف، وقد لا يعيش...

وهنا انهمرت دموع الحاج أبي عطا على خدَّيه، فارتبك أبو معروف الكهل ذو الشعر الأبيض واللباس الأنيق والذقن الحليقة، ثم صاحب القلب الطيب والمرهَف الإحساس.

هدئ من روعك، وكلها لله، إنه لن ينساك، وابنك سوف يَعيش بإذن الله، خذها مني يا صاحبي إنه سيعيش.

حسبنا الله ونعم الوكيل، ما باليد حيلة... أنا سأُتابع جولتي، هل تريد مني شيئًا؟

قال ذلك وهو يقوم من مجلسه وينفض ما علق من تراب المصطبة عن ثيابه.

في أمان الله.
قال أبو معروف وبقي جالسًا على حالته تلك يتابع بنظرات يَملؤها الحزن والأسى صديقه الحاج وهو يتمشى متمهل الخطى واضعًا يديه وراء ظهره.

بعد زيارة الطبيب لابنه اسودَّت الدنيا في عيني أبي عطا، ولم يعد بإمكانه التحدُّث سوى عن ابنه المصاب بسوء الامتصاص، والمعرَّض للموت في أي لحظة.

كان يمشي كالتائه، بعينين حزينتين غائرتين، ووجه مغضن مملوء بالأخاديد، لقد كبره الحصار عشرة أعوام، بينما زاده كلام الطبيب عشرة أعوام أخرى.

والآن كان أبو عطا يتابع جولته الصباحية تلك، نظر حواليه فرأى الناس مختلفة عما كانت عليه في السابق، لقد شاهد حركات بطيئة آلية لأناس غائري العيون نحاف الوجوه، ذوي عظام ناتئة واضحة من تحت الثياب التي بدت فضفاضة وواسعة أكثر مما ينبغي!

ما بال الناس تغيَّرت ملامحها؟

قال في نفسه، ثم أجاب في همس أقرَبَ إلى الصمت:
لعنة الله على الحصار، بل ألف لعنة عليه!

وبصق عن يساره، ثم ارتجف جسده الذي تمشَّى في أوصاله الغضب كتيار الكهرباء مردفًا بصوت مسموع:
ما هذه الحال يا ناس؟ نموت من الجوع ولا أحد يشعر بنا! لا أحد يفك الحصار عنا! ابني اقتربت نهايته وهو يعيش الآن آخر أيامه ولا يهتزُّ جفن أحد؟!

وتوقف أبو عطا عند هذا الحد، ثم صمت متابعًا سيره.

فكَّر وهو يمشي في الحارة المفضية إلى منزله..

ليس هؤلاء الذين يسكنون المدينة بأحياء، إن أحدهم لم يتذوق الطعام منذ عشرة أيام، هؤلاء الذين يعيشون على الماء وعلى أوراق الشجر ليسوا بأحياء، إنهم أموات.

ثم صمت قليلًا كأنه يبحث عن كلمة تفي بتوصيف الحالة التي يتحدَّث عنها، وتُعلن عن المشاعر المريعة التي يحسُّ بها.

إنهم جثث، أجل جثث... لكنها من نوع آخر، ليست كالجثث التي تموت فتُدفن في التراب وترتاح، إنهم أربعون ألف جثة حيَّة!

وفي هذه اللحظة كان أبو عطا قد دخل عتبة البيت، أمسك بالتمرة التي وضعها في جيبه، وخطرت بباله فكرة أن ابنه سيفرح بها، ومن يدري... ربما يشعر ببعض التحسن إن أكلها.

وعندما دخل غرفة الجلوس لمح الحاج أبو عطا هيكلًا عظميًّا ممددًا على سرير في زاوية الغرفة... لقد كان ابنه مصطفى، لكن جو الغرفة كان ملبدًا بغيوم الحزن، مكتظًّا بمشاعر البؤس.

وسرعان ما دق قلب الحاج بشدة..

لقد شعر كأن خطبًا ما حدث في غيابه..

تقدم ناحية ابنه فنظرت إليه أم عطا والدموع تنهمر من عينيها، لم تستطع أن تتفوه بكلمة واحدة، مع أنها حاولت فتح فمها، والتحدث إلى زوجها...

ألقى أبو عطا نظرة على ابنه الشاب الذي كان في مقتبل العمر، وكان كالوردة الناضرة... رحماك يا رب، إنه الآن مجرد هيكل عظمي، مجرد جثة حية!

وبعد لحظات رأى الوالدان ابنهما الذي كان يملأ عليهما جنبات المنزل صخبًا ومرحًا وسعادة، ينظر إليهما بعينيه الغارقتين في جمجمة رأسه، كانتا عينين بائستين موجعتين، كانتا تقولان الكثير عن الظلم الفظيع الذي حاق بصاحبهما، وتحكيان عن فواجعَ وآلام يصعب على المخيلة البشرية تصورها وتخيل تفاصيلها.

وما هي إلا لحظة واحدة حتى فتح مصطفى فمه الذي لم يذق طعامًا مُشبِعًا لأسابيع طويلة، ثم لفظ أنفاسه وغاب في نوم عميق.

لقد أضحى جثة ميتة، ولعل هذا كان أفضل له على كل حال.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.46 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]