قراءة أولى في ثلاث مسرحيات للدكتور سلطان القاسمي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854737 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389619 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-06-2021, 03:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي قراءة أولى في ثلاث مسرحيات للدكتور سلطان القاسمي

قراءة أولى في ثلاث مسرحيات للدكتور سلطان القاسمي


د. عبدالقادر مرزاق




قراءة أولى في ثلاث مسرحيات[1]

رؤية الواقع، واستحضار الغيب والتاريخ


1- على خطى المنهج القرآني:
يُعَلِّمنا المنهجُ العرفي في القرآنِ أنَّ قيمَ الهدم والتخريب والعصيان، وقيم البناء والتعمير والاستجابة؛ ليمكن أن تطلَّ برأسِها، بل وتذيع في الأممِ والشعوب على مدى التاريخ البشري.

يعني هذا أنها مجموعةُ قيم لا تقفُ عند لحظةٍ تاريخية ولَّت، وإنما تعاد عبر الأزمنة والأمكنة، كلما تهيأت شروطُها، ومهدت سُبلها؛ لأنها قيم ثابتة وإن تغيرت أشكالُ معتنقيها وأسماؤهم، ووسائلهم إليها، من هذه الأمة أو تلك.

هذا الفَهْم يَجْعَلُنا دومًا متحفِّزين لإدراكِ الخلفيات التي تحرك السلوكَ البشري، ويمنحنا الوعي الكافي من أجلِ النفاذ إلى عمق القضايا وصلبها، فلا نقف عند الجزئياتِ والتفريعات التي قد يكون ظاهرها خداعًا وتلبيسًا، فيه الخير كما يوهمنا الداعون إليها، والحاملون لواءها، وباطنها إنما ينطوي على الشرِّ، إن لم نقل: هو الشر نفسه، متى وقفنا وقفةً للتأمل والتمحيص، فنتأكد تدبرًا، من قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد : 17].

2- المسرحيات مضامين وإيحاءات:
لقد بدا لي أن هذا هو الإطارُ الكلي الذي تتحركُ على هديه مسرحياتُ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الثلاث: (عودة هولاكو - القضية - الواقع، صورة طبق الأصل).

فنراه يقول - مثلاً - في مقدمةِ المسرحية الأولى: "من قراءاتي لتاريخ الأمة العربية، وجدت أن ما جرى للدولةِ العباسية قبل سقوطِها مشابهًا لما يجري الآن على الساحةِ العربية، وكأنما التاريخ يعيدُ نفسَه"[2]، وكرَّر العبارة: "وكأنما التاريخ يعيد نفسه" في مقدمةِ المسرحية الثانية[3]، ثم ذكرها بما يقاربُها في مقدمةِ المسرحية الثالثة؛ إذ قال: "لقد مرت بالأمةِ الإسلامية فتراتٌ أشد قسوة مما نحن فيه"[4]، وهذا يتضحُ لنا منه أنَّ اسم التفضيل "أشد قسوة" المصوغ صياغة غير مباشرة من الفعل "قسا" - يوحي بمشاركةِ المفضَّل والمفضَّلِ عليه في صفةٍ واحدة، وزيادة أولهما على ثانيهما فيها، كما نعلمُ من أسلوب التفضيل.

إنَّ "هولاكو" العائد لهو تلك القيم الهدامة التي تنخرُ جسمَ أمتنا اليوم، هو قوى الاستكبارِ العالمي التي تزيِّنُ لمسؤولينا الباطلَ على أنه الحق؛ أي: تلبس عليهم بلغةِ القرآن.

أفليس هذا "هولاكو" القديم/ الجديد، الذي يقول عن "مسلمي القلاع" الصامدين: إنهم "الملاحدة والطغاة"، في رسالتِه إلى المستعصم[5]؟! ثم أليس هذا "ابن العلقمي"؛ أحد القوى المدْسوسة التي باعتْ نفسَها للشيطانِ كما فعل "فاوست" - يخمدُ ثورةَ الخليفة المستعصم قديمًا/ حديثًا، حينما استحضر الخليفة الرؤية العقدية في قوله: "أنا الخليفة العباسي أتذلل لهذا الكافر؟"[6]، فيقنعه ابنُ العلقمي وزيره بأن لا أحد يعلمُ هذا الاعتذارَ المقدم، وخاصة قائد الجيش "دويدار" أحد الرافضين للذلِ والخنوع؟!

ثم يبلغ الأمر ذروته، فيطلب الأميرُ المغولي؛ القديم/ الجديد، المأخوذ بنشوةِ الانتصار تغييرَ كثيرٍ من آياتِ القرآن؛ لأنها "لا تناسبنا؛ مثل: كفار ملحدين، آيات كثيرة يجب أن تشطبَ من القرآن"[7].

فنستنتج: أنها محاولةٌ لطمسِ المرجعية الكامنة التي تحددُ رؤيتنا لأنفسنا ولغيرنا وللوجود، أو هكذا يفترضُ أن تكون، فيختلط علينا كلُّ شيء؛ العدو بالصديق، والمقاوم بالمتخاذل، فنجني الشوكَ، ونتجرع المرارات، وتنقلب موازينُ التمييزِ ومعايير المفاضلة، وتضيع الوجهة؛ إذ لكلٍّ وجهةٌ هو مولِّيها، فنتخبط في العماءِ المعرفي والوجودي، فيُطرد الشبان الذين يرغبون في مقاومةِ الغُزاة من بابِ القصر ويُسمون بالغوغاء، ويعلو صوتُ الموسيقا وقهقهات النساء[8].

قد (يندم) المسؤول: "ليتني قابلتُ الشبان"[9]، كما يصرخُ الخليفة حينما أُسقط في يديه، ولكن هل يجدي الندمُ وحده في مثلِ هذه الحالات نفعًا؟!


والغريب أنَّ المتسلط نفسَه - هذا الذي قد يلبس علينا، كما مرت الإشارة - هو هو عينه من قد (يفتح) بصرَنا على الحقيقةِ المفجعة، ولكن زيادة في تبكيتنا، وانتشاءً بقوتِه التي لا تُقهر كما يظن؛ فهي الحقُّ، وهي شعارنا، كما يردِّد هولاكو[10]؛ فقد قال للخليفة: "لأي يوم جمعت هذا المال، كان الأجدر بك أن تصرفَ هذه الأموالَ على تكوينِ الجيوش للدفاع عنك وعن ملكك"[11].

إننا نلفي هذا الناصحَ غير الأمين حتى في "نصحه" هذا، إنما يركِّزُ على القوةِ الأرضية مقطوعة الأوصال عن أسبابِها الحقيقية، وأنَّى له أن يستوعب ذلك؟! وكيف يستساغ أن نثقَ في وعودِه، ونتخذه مثلاً أعلى يحدد لنا نماذجَنا المعرفية قديمًا وحديثًا؟! ألم نقل: إنَّ تغييبَ الرؤية القرآنية هو الذي يجعلنا نقفُ عند الجزئيات وظاهرها، ونخال الخير كله فيه، وننسى، أو نعمى، بتعبيرٍ أدق، عن باطنِها الذي هو شر مستطير؟!
هناك أمر آخر ذو شأن في المسرحيةِ يسيرُ في خط الإطارِ الكلي نفسه كما سطرنا من قبل؛ ذلك هو: "قل هو من عند أنفسكم"؛ إذ عدونا يتقوَّى بضعفِنا، فهولاكو القديم/ الجديد، المتجبر، إنما هو كذلك يمثل ابن العلقمي القديم/ الجديد الذي يزرعُ فينا الخورَ، ويفت في عضدِنا؛ لذلك وجدنا عبارة: "الرجل البغدادي"، كما يصرخُ في آخرِ المسرحية تجوبُ الآفاق: "يا عربُ، يا مسلمون، أخرجوا ابنَ العلقمي من ديارِكم؛ فهولاكو راجع"[12].

يمكن أن نلمحَ بعد هذه الومضات المضمونية إلى نوعٍ من غيابِ البعد الدرامي على مستوى اللغة، بل يمكن القول: إنها كانت مباشرة بشكلٍ لافت.

ولكن ما يشفعُ لها إلى حدٍّ ما - على الأقل - هو "درامية" الأحداث نفسها؛ إذ الحالُ أبلغ من المقال، كما ذكر قدماؤنا بحق، ثم أي "درامية" إذا كان صاحبُها إنما يسبح في عالمِ اللغة التجريدية، فيجعله عالمًا بديلاً عن العالم الأرضي/ الوجودي، المعطى، فيعيش أجواءً من "الفانتازيا" والغيبوبة الحضارية؟ في حين أنَّ الأديبَ العظيم هو مَن يكونُ لديه ما يقوله لأبناء وطنِه على اختلافِ مستويات ثقافتهم، وذلك عندما تكون حضارةٌ ما في وضعٍ صحي، كما يرى "ت.س. إليوت".

في مسرحيةِ "القضية" هناك إشاراتٌ ذات دلالات عميقة، بدءًا بالعنوان، وانتهاءً بصرخةِ صاحب القضية، إحدى الشخصيات المحورية فيها.

إنَّ المتلقِّي عندما يقرأُ العنوان ينجذب، يتساءل عن ماهيةِ تلك القضية؟ وما تلويناتها؟ وهل تمسه من قريبٍ أو من بعيد؟ وهذه الانشغالاتُ التي يثيرها العنوانُ هي ما جعلَ المؤلف ينجح في ما نحسبُ في انتقاء أولِ عتباتها: العنوان، وقد لا نكون في حاجةٍ في هذا المقام إلى التذكيرِ بمدى أهميةِ هذا "المؤشر" الأول، وتكفينا العبارةُ الشهيرة: "الكتاب يتضحُ من عنوانه"، ونحن نعلم أنَّ تأليفَ أي كتاب إنما يرتبطُ بالتسمية؛ لذلك وجب أن يكونَ العنوانُ مثيرًا، وجامعًا مانعًا بلغةِ القدماء؛ لذلك كان عنوان المسرحية: القضية.

والقضية إذًا هي هذا الامتدادُ بين الحاضرِ والماضي، هذا الجسرُ الواصل بين ماضٍ ذي أحداث عاشها أصحابها، وطواها الزَّمن وطواهم، وبين حاضر وحاضرين لا شكَّ يسترجعون، ولا شكَّ يستحضرون، ولا شكَّ يقرؤون هذا الماضي.
من هنا نجد "الشاهد على التاريخ" قسَّم قراء التاريخ ثلاثَ فئات[13]، وتهمنا الفئةُ التي هي: "أناس قرؤوه وفهموه وعملوا به، وهؤلاء يستفيدون من التاريخ"[14].

إنَّ هذه "التيمة"؛ أي: موضوعية التاريخ، هي التي تؤطرُ فكرةَ المؤلفِ في هذه المسرحية، وهي التي ستحدثُ تغييرًا جذريًّا، وتطورًا بنائيًّا في شخصية "صاحب القضية"؛ بمعنى: هي التي ستؤكِّدُ لنا مقولتَنا الأولى: الانتقال من ظاهرِ الأشياء والقضايا، والغوص في باطنِها وخلفياتها الأصلية.

ها نحن نجد "صاحب القضية" يصرخُ مبتهجًا، بعد ما ذكر الشاهد عدة تواريخ؛ ومنها "تاريخ العرب في الأندلس"، قال: "الله، الله، يالله نسمع المغنيات والموشحات"[15].
وتلك لعمرك هي النكبة! وذاك هو الداء الدوي، فحضارة بأكملِها تضيع، وفردوس مفقود يزول؛ وبأيدينا، ثم نتذكَّر، وماذا نتذكر؟ لا شيءَ سوى: "الموشحات والمغنيات"!

ولْنتأمل هذا التقاطعَ هنا مع مسرحية "هولاكو": طرد الشبابِ الراغب في المقاومة، والإبقاء على الموسيقا والمغنياتِ وقهقهة النِّساء!

لذلك حُقَّ لـ"الشاهد" أن يغضبَ، و"يدق على الكتاب"، ويعلنها بلا أدنى مواربة: "هذا تاريخُ شعب، ومعاناة شعب"[16]!

فمتى ندركُ هذه الحقيقةَ الناصعة؟ ومتى نَعْلم ونعلم، قديمًا وحديثًا، أنَّ التاريخ ليس هو تاريخ الفئاتِ الحاكمة فحسب، وإنما هو تاريخُ أمةٍ بأكملها؟! ثم لِمَ هذا الفصل النَّكِد؟ أليس هؤلاء الحاكمون من الشَّعبِ؟ أفليس هولاكو قد قتل الخليفةَ وأعوانه شرَّ قِتلة، وأباد من الشَّعبِ ما استطاع؟ بل حتى الذي باع نفسَه، وخان أهلَه ووطنه؛ كابن العلقمي القديم/الجديد، لم تشفع له خيانتُه، بل نُكِّل به، وبُحث عن غيره؛ لأنه أدى مهمةً ما انتُدب لها، وغَدَا غير مرغوب فيه، ومن يهن يسهل الهوانُ عليه على كلِّ حال!
تُعرض الأحداثُ على عينِ "صاحب القضية"، وشيئًا فشيئًا يستفيق من غَيْبوبتِه، ويسترجع عافيةَ بَصيرتِه، بل يستعيد "منهجيته" المعرفية في قراءة الظواهرِ والمظاهر، وأخيرًا يتعافى ويشفى، فيصرح: "نعم، الآن قرأته إذ شاهدته، نعم فهمت، بإذن الله عائدون، عائدون"[17].
ويفهم المتلقِّي حقًّا أنَّ القضيةَ "هنا، هنا"، كما يشيرُ "الشَّاهد على التاريخ" إلى رأسِ "صاحب القضية"[18]، وتؤدي المسرحيةُ رسالتَها، وينجحُ المؤلِّفُ في اختيارِ العنوان، ولا تثريبَ علينا من التنويهِ به ثانية.

على هذا النمط، وبهذا الوجه، ينبغي للنموذجِ البشري في القصةِ، أو الرواية، أو المسرحية أن يتغيَّر: من وعيٍ زائف، سطحيٍّ، مستحمَر، إلى وعي حقيقيٍّ، يتحرَّر من ربقةِ اللهو والعبث، والقضايا الصغيرة التافهة، إلى المسؤوليةِ والقضايا الجوهرية والكيانية، من ذاتٍ مَرَضيَّة تغرقُ في مستنقعِ صغائرِ الأمور وحقاراتها إلى ذاتٍ سوية، تَعْلم أنَّ الحملَ ثقيل، وأنَّ العَقبةَ كؤود، وأنَّ أخطاءنا وتفاهاتنا ليست قَدَرًا مقدورًا لا نستطيعُ منه فِكاكًا كما تُوهمنا كثيرٌ من الكتابات.

لهذا السبب فعلاً "فلتكن هذه المسرحية - واسم الإشارةِ لا يشيرُ إلى المسرحية موطنِ الاستشهاد فحسب - دافعًا لعدمِ اليأس، وحافزًا نحو التوحيدِ والنِّضال"[19].

وكأنني بعناوين "الثلاثية"، تعرف هذا النوعَ من التدرجِ نحو الوعي: إدراك، فتحول، فعدم يأس! والعجيبُ أنني توصلتُ إلى هذه النتيجة بُعيْد قراءةِ المسرحيات، وعندما عدت إلى تاريخِ صدورها ظفرتُ بضالتي وبغيتي، وهذا - فيما يبدو - أحدُ أضربِ الوعي التوحيدي كما يتطلعُ إليه المؤلف، فصدور "عودة هولاكو" (الطبعة الأولى عام 1998م) تمثل: الإدراك، و"القضية" (الطبعة الأولى سنة 2000م) تمثل: التحول، و"الواقع، صورة طبق الأصل" (الطبعة الأولى عام 2001م) تمثل: عدم اليأس من الفعل الباني.
هناك نموذجٌ آخر في المسرحية؛ هو ذو فعالية ويعكسُ فعلاً قمةَ الوعي الحقيقي، ويجسدُ مثالاً للنموذجِ المعرفي الكامن الذي تتحركُ على هديه المسرحيات كما أسلفت.

إنه نموذج "سيدة البشرات"؛ امرأة! نَعَم، ولكنَّها نِعم المرأةُ هي! حضنُ دفءٍ للمقاومين، ومَعين لمدِّ رجالِ المقاومة بالسِّلاح، وشجاعةٌ نادرة لا يخامرها الخذلان، تقول: "سأحتفظ بهذه السكين لأدافعَ بها عن نفسي"[20]، "وهل سيقوى جسمك على التعذيب؟! أو أنك ستفشين أسرارَنا؟[21]، يعلقُ أحدُ المقاومين بعدما أمدتهم بالسِّلاح، فتحسم: والله لئن قطعوني إربًا لن أفشي سرَّكم"[22].

قلت: إنَّ تلك المرأة حضن دافئ، ومعين لا ينضب، وقلبٌ لا يعرفُ الخوف، وهي فوق هذا وذاك مثل أعلى في التضحية بالنفس، يقول قائدُ الاحتلال: "قطعتْ لسانها حتى لا تفشي أسرارَ المقاومة"[23]، بعدما أوهمت العدوَّ أنها ستعترف، وطلبت سكينًا.

فأية امرأة قديمة/ حديثة هذه؟! أم البشرات البارحة، وأم شهداء فلسطين، أو زوجهم، أو أختهم، اليوم!
.
ألا إنَّ هذه الأُمَّةَ لولاَّدة! ولكن يا مثقفينا وحكامنا خاصة، انشروا، واكتبوا، وأذيعوا، ما يرفع الهمم شامخات، وما يستحضر من التاريخِ ما يحيي، لا ما يميت.

هذه مواقفنا حتى في حالةِ استرجاعِ حقوقنا، تعلو مناراتٍ حُقَّ للتاريخ أن يزهوَ بها ويتزين.

انظر وتأمَّل لحظة "بيان" صلاح الدِّين إلى جنودِه في القدسِ بعد تحريرها، كيف يستلهمُها المؤلف، وكأني به يلقمُ فمَ كلِّ متنطعٍ حجرًا، ويلجم صوت كل دعي متشدق: "عليكم بالحفاظِ على كلِّ بيت من النهب، وألا يصيب أي إنسان أذًى، وعليكم حراسة الطرقِ وأبواب المدينة، وعليكم حماية المسيحيين من أي اعتداءٍ قد يصيبهم، وعلى قادةِ الفرق توزيع المال والدواب على المرضى والمسنِّين والمحتاجين من الفِرِنجة، أوصيكم برعايةِ الضُّعفاء وإكرام النِّساء والرأفة بالأطفال"[24].

قلت: تأمَّلْ ثم قلِّب النظرَ في موقفِه مع "إيراكلوس" البطريرك اللاتيني، ومع الفتاةِ الفرنسية[25]!

لكن، هل يكفي أن نتغنى بهذه المواقفِ لنرضي نرجسيتَنا فحسب؟ أو نتخذ من الماضي زادًا يحركنا نحو الفعل، والفعل الأفضل والمسؤول، ولا "نسلِّمُ المفاتيحَ عند أول اتفاقية"[26]، فتَقْلب لَنا ظهرَ المجنِّ، ويقال لنا: "على أهلها جنت براقش".

الحق، إنَّ المسرحيةَ الثالثة "القضية" سارت بنا في خطِّ الفعل، والفعل المسؤول، كيف ذلك؟


إنَّ خطَّ الفعلِ الذي تسند ظهره رجعية واضحة، هي تلك الرؤية المعرفية القرآنية التي سبقَ التأكيدُ على أنَّها تؤطِّرُ المسرحيات الثلاث، هل تردَّد المؤلف في التصريحِ بها؟ ألبس علينا كما تفعل مئاتُ الكتابات، يا للأسف، في العالم العربي عندما توهمنا بأنَّ "الدين بمعزلٍ عن الفن".

كلا، ما فعل المؤلف ذلك، بل نراه يرتبطُ بين نقطِ الإضاءة؛ فيمتد التاريخُ إلى الحاضرِ، ويصل الحاضرُ إلى التاريخ؛ ذاك يفيضُ بالأحداثِ والمواقف المعطاءة، وهذا يتزود، ينهل، يشمر، يبتدر الفرص، ثم يفعل، ولا يكون كَلاًّ على مولاه أبدًا، فيغرس الفنُّ جذورَه في التربةِ الصالحة، تمتد عروقُها في عمقِ أعماقِها، وتسمق أغصانُها إلى عنانِ السَّماء؛ طيِّبةَ الأريج؛ يردد أهالي القدس قديمًا/ حديثًا: "الله أكبر كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلا الله وحده، صدق وعدَه، ونصر عبده، وأعزَّ جندَه، وهزم الأحزابَ وحده، لا شيء قبله، ولا شيء بعده"[27].

قلت: إضاءة من "يوم فتح مكة"، تعبر المسافات، تطوي القرون، تضيء حلكةَ الحاضر؛ لتخلقَ التواصلَ حتى لا يموتُ الإنسان ولا ينبتُّ؛ إذ "المنبت لا ظهرًا أبقى ولا أرضًا قطع"، وحتى لا يقبر الفن.

الخاتمة:
هذا ما سنح للخاطر، وجاد به التواصل مع هذه المسرحياتِ، وأرجو أن أكونَ قد وفقتُ بعضَ التوفيق في قراءةٍ هي أُولى كما وسمتُها، وقد تكون بعدها ثانية، وثالثة، أكثر عمقًا، فيها وفي أعمالٍ أخرى؛ إذ الفنُّ الأصيل كلما زرتَه يكرمك بقدر مكوثِك عنده.


[1] - هي مسرحيات: د/ سلطان بن محمد القاسمي:
أ) "عودة هولاكو"، منشورات دائرة الثقافة والإعلام، حكومة الشارقة، دولة الإمارات العربية المتحدة، ط1، 1998م.
ب) "القضية"، مداد للطباعة، الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، ط1، ذو القعدة 1420هـ/ فبراير 200م.
ج) "الواقع، صورة طبق الأصل"، مداد للطباعة، الشارقة، ط2، ذو القعدة 1421هـ/ فبراير 2001م. كما أن له روايتين: الشيخ الأبيض، والأمير الثائر.

[2]- عودة هولاكو (ص5)، والتوكيد من وضعي.

[3]- القضية (ص7).

[4]- الواقع، صورة طبق الأصل (ص5).

[5] - عودة هولاكو (ص30).

[6] - نفسه (ص13).

[7] - نفسه (ص 59).

[8] - عودة هولاكو (ص15-16).

[9] - نفسه (43).

[10] - نفسه (ص49-56).

[11] - نفسه (ص46).

[12] - عودة هولاكو (ص 62).

[13] - راجع مسرحية: القضية (ص16).

[14] - نفسه، وكذلك الصفحة.

[15] - نفسه (ص17).

[16] - نفسه (ص17).

[17] - القضية (ص56-57).

[18] - نفسه (ص56).

[19] - الواقع، صورة طبق الأصل، المقدمة (ص5).

[20] - القضية (ص46).

[21] - نفسه (ص46).

[22] - نفسه، وكذلك الصفحة.

[23] - نفسه (ص49).

[24] - الواقع، صورة طبق الأصل(ص43).

[25] - راجع: نفسه، من (ص44) إلى (46).

[26] - راجع: نفسه، من (ص48) إلى (51).

[27] - الواقع، صورة طبق الأصل، ص من (53) إلى (55).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.60 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]