خواطر قرآنية" سورة السجدة" - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 650 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 915 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1078 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 844 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 828 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 909 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92746 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11935 - عددالزوار : 190975 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 114 - عددالزوار : 56909 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 78 - عددالزوار : 26181 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 02-07-2021, 03:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 21-30 )
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
ولما كان المؤمنون الآن يتمنون إصابتهم بشيء من الهوان في هذه الدار، لأن نفوس البشر مطبوعة على العجلة، بشرهم بذلك على وجه يشمل عذاب القبر، فقال مؤكداً له لما عندهم من الإنكار لعذاب ما بعد الموت وللإصابة في الدنيا بما هم من الكثرة والقوة: {ولنذيقنهم} أي أجمعين بالمباشرة والتسبيب، بما لنا من العظمة التي تتلاشى عندها كثرتهم وقوتهم {من العذاب الأدنى} أي قبل يوم القيامة، بأيديكم وغيرها.[1]
( دون ) بمعنى قبل.
ثم بين أن عذاب الآخرة له مقدمات في الدنيا، لأن الذنب مستوجب لنتائجه عاجلا أو آجلا، قال تعالى( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ).
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي بِالْعَذَابِ الْأَدْنَى مَصَائِبَ الدُّنْيَا وَأَسْقَامَهَا وَآفَاتِهَا، وَمَا يَحِلُّ بِأَهْلِهَا مِمَّا يَبْتَلِي اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ لِيَتُوبُوا إِلَيْهِ.
وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي بِهِ عَذَابَ الْقَبْرِ.[2]
أي ولنبتلينهم بمصايب الدنيا وأسقامها وآفاتها من المجاعات والقتل، ونحو ذلك، عظة لهم ليقلعوا عن ذنوبهم قبل العذاب الأكبر، وهو عذاب يوم القيامة.[3]
{لعلهم يرجعون*} أي ليكون حالهم حال من يرجى رجوعه عن فسقه عند من ينظره، وقد كان ذلك، رجع كثير منهم خوفاً من السيف، فلما رأوا محاسن الإسلام كانوا من أشد الناس فيه رغبة وله حباً.[4]
إنذار رباني في صيغة التوكيد بأن الله سيصيب الكفار بالبلاء القريب قبل البلاء الأخروي الأكبر لعلّهم يتراجعون عن غيّهم وموقفهم.[5]
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى فِي مُقَابَلَتِهِ الْعَذَابُ الْأَقْصَى وَالْعَذَابُ الْأَكْبَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ الْعَذَابُ الْأَصْغَرُ، فَمَا الْحِكْمَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْأَدْنَى بِالْأَكْبَرِ؟ فَنَقُولُ حَصَلَ فِي عَذَابِ الدُّنْيَا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا:أَنَّهُ قَرِيبٌ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَلِيلٌ صَغِيرٌ وَحَصَلَ فِي عَذَابِ الْآخِرَةِ أَيْضًا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَعِيدٌ وَالْآخَرُ أَنَّهُ عَظِيمٌ كَثِيرٌ، لَكِنَّ الْقُرْبَ فِي عَذَابِ الدُّنْيَا هُوَ الَّذِي يَصْلُحُ لِلتَّخْوِيفِ بِهِ، فَإِنَّ الْعَذَابَ الْعَاجِلَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا قَدْ يَحْتَرِزُ مِنْهُ بَعْضُ النَّاسِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَرِزُ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ إِذَا كَانَ آجِلًا، وَكَذَا الثَّوَابُ الْعَاجِلُ قَدْ يَرْغَبُ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ وَيَسْتَبْعِدُ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ الْآجِلَ، وَأَمَّا فِي عَذَابِ الْآخِرَةِ فَالَّذِي يَصْلُحُ لِلتَّخْوِيفِ بِهِ هُوَ الْعَظِيمُ وَالْكَبِيرُ لَا الْبَعِيدُ لِمَا بَيَّنَّا فَقَالَ فِي عَذَابِ الدُّنْيَا الْعَذابِ الْأَدْنى لِيَحْتَرِزَ الْعَاقِلُ عَنْهُ وَلَوْ قَالَ: (لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأصغر) ماكَانَ يَحْتَرِزُ عَنْهُ لِصِغَرِهِ وَعَدَمِ فَهْمِ كَوْنِهِ عَاجِلًا وَقَالَ فِي عَذَابِ الْآخِرَةِ الْأَكْبَرِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلَوْ قَالَ دُونَ الْعَذَابِ الْأَبْعَدِ الْأَقْصَى لَمَا حَصَلَ التَّخْوِيفُ بِهِ مِثْلَ مَا يَحْصُلُ بِوَصْفِهِ بِالْكِبَرِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدِ اخْتَارَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَذَابَيْنِ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ أَصْلَحُ لِلتَّخْوِيفِ مِنَ الْوَصْفَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِيهِمَا لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ.[6]
فإن قيل: ما الحكمة في هذا الترجي وهو على الله تعالى محال؟
فالجواب: فيه وجهان:
أحدهما: معناه لنذيقنهم إذاقة الراجين كقوله: «إنَّا نَسِنَاكُمْ» يعني تركناكم كما يترك الناس (حيث لا يلتفت إليه) أَصْلاً كَذلِكَ ههنا.
والثاني: نذيقهم العذاب إذاقة يقول القائل: لعلهم يرجعون بسببه.[7]
وَالله لَنُذِيقَنَّهُمْ ولنصبن عليهم في دار الابتلاء مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى الأنزل الأسهل مثل القحط والطاعون والوباء والقتل والسبي والزلزلة وانواع المحن والبليات التي هي أسهل وأيسر بمراحل دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ عند عذاب الآخرة الذي هو في غاية الشدة ونهاية الألم والفظاعة وانما أخذناهم بما أخذناهم في النشأة الاولى لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ مما هم عليه من الكفر والشقاق ويتفطنون عنها الى كمال قدرتنا واقتدارنا على اضعافها وآلافها ومع ذلك لم يتفطنوا ولم يرجعوا عن غيهم وضلالهم بل قد أصروا واستكبروا عدوانا وظلما.[8]
ومن معاني العذاب الأدنى والأكبر:
في حقائق البقلي العذاب الأدنى: حرمان المعرفة، والعذاب الأكبر: الاحتجاب عن مشاهدة المعروف.
وقال ابو الحسن الوراق الأدنى الحرص على الدنيا والأكبر العذاب عليه.[9]
ومن هداية الآية:
فى التأويلات النجمية: يشير الى ارباب الطلب واصحاب السلوك إذا وقعت لاحدهم فى أثناء السلوك وقفة لعجب تداخله او لملالة وسآمة نفس او لحسبان وغرور قبول او وقعت له فترة بالتفاته الى شىء من الدنيا وزينتها وشهواتها فابتلاه الله اما ببلاء فى نفسه او ماله او بيته من أهاليه وأقربائه وأحبائه لعلهم بإذاقة عذاب البلاء والمحن انتبهوا من نوم الغفلة وتداركوا ايام العطلة قبل ان يذيقهم العذاب الأكبر بالخذلان والهجران وقسوة القلب كما قال تعالى (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ).[10]
في الآية إشارة إلى أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، قال تعالى ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ )[11].
ما يصيب الكافر أو المسلم في الدنيا من بلاء فهو مظهر من مظاهر رحمة الله، حتى يعودوا ويتوبوا ويستيقظوا من غفلتهم.
قال ابن عباس: مصائب الدنيا وأسقامها وبلائها مما يبتلي به الله العباد حتى يتوبوا.
وهذا أيضا مما يولد اليقين في القلب ويكسر النفس ويوقظها من غفلتها.
إذا أصيب الإنسان بمرض بوفاة قريب، يتيقن أن هذا أمر الله فيصبر ويرجع إلى الله.

مهما تنعم الكافر في هذه الدنيا وملذاتها النعيم الزائل، فلا شك ولا ريب سيتعرف لفتن وعذاب ومصائب، وهذا ما يبينه الفهم العميق الدقيق لقوله عليه الصلاة والسلام( الدُّنيا سِجنُ المؤمنِ وجنةُ الكافرِ )[12].
حكى القرطبي في كتاب (قمع الحرص بالقناعة )عن سهل الصعلوكي الفقيه الخراساني وكان ممن جمع رياسة الدين والدنيا أنه كان في بعض مواكبه ذات يوم إذ خرج عليه يهودي من إيوان حمام وهو بثياب دنسة وصفة نجسة فقال أنتم تزعمون أن نبيكم قال: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر؟» وأنا عبد كافر وترى حالي. وأنت مؤمن وترى حالك فقال له على الفور: إذا صرت غداً إلى عذاب الله كانت هذه الجنة لك وإذا صرت أنا إلى النعيم ورضوان الله صار هذا سجني، فعجب الخلق من فهمه وسرعة جوابه .
من هداية الآية في قوله تعالى ( لعلهم يرجعون ) أن تكون النصيحة لأجل الهداية والإصلاح والحرص على الخير للناس، ( لتخرج الناس من الظلمات إلى النور )، لا أن تكون فضيحة وتنقُّص وتعالي ورياء، وتظاهر بالعلم والمعرفة والتقوى والصلاح، وإظهار الآخرين بالجهل والانحراف!
وهذه الآية من الأدلة على إثبات عذاب القبر، ودلالتها ظاهرة، فإنه قال: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى} أي: بعض وجزء منه، فدل على أن ثم عذابا أدنى قبل العذاب الأكبر، وهو عذاب النار.[13]
ولما كانت الإذاقة من العذاب الأدنى في الدنيا، قد لا يتصل بها الموت، فأخبر تعالى أنه يذيقهم ذلك لعلهم يرجعون إليه ويتوبون من ذنوبهم كما قال تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}.[14]
في الدنيا لابد وأن يعذب الله الكافر بما يبتليه من مصائب بحرمان .. وعدم الاطمئنان وانعدام الراحة والركون الى الله .. لا يستريح مهما حصل من مال وبنين وفي قلبه عدم الراحة.

---------------------------------------------
[1]تفسير البقاعي.
[2]ابن كثير.
[3]المراغي.
[4]تفسير البقاعي.
[5]التفسير الحديث.
[6]مفاتيح الغيب.
[7]اللباب في علوم الكتاب.
[8]الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية.
[9]روح البيان.
[10]روح البيان.
[11]( الشورى:30).
[12]صحيح مسلم.
[13]السعدي.
[14]السعدي.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 19-07-2021, 02:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 21-22 )
أيمن الشعبان


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
قال تعالى( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )[1].
وَالله لَنُذِيقَنَّهُمْ ولنصبن عليهم في دار الابتلاء مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى الأنزل الأسهل مثل القحط والطاعون والوباء والقتل والسبي والزلزلة وانواع المحن والبليات التي هي أسهل وأيسر بمراحل دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ عند عذاب الآخرة الذي هو في غاية الشدة ونهاية الألم والفظاعة وانما أخذناهم بما أخذناهم في النشأة الاولى لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ مما هم عليه من الكفر والشقاق ويتفطنون عنها الى كمال قدرتنا واقتدارنا على اضعافها وآلافها ومع ذلك لم يتفطنوا ولم يرجعوا عن غيهم وضلالهم بل قد أصروا واستكبروا عدوانا وظلما.[2]
ومن هداية الآية:
فى التأويلات النجمية: يشير الى ارباب الطلب واصحاب السلوك إذا وقعت لاحدهم فى أثناء السلوك وقفة لعجب تداخله او لملالة وسآمة نفس او لحسبان وغرور قبول او وقعت له فترة بالتفاته الى شىء من الدنيا وزينتها وشهواتها فابتلاه الله اما ببلاء فى نفسه او ماله او بيته من أهاليه وأقربائه وأحبائه لعلهم بإذاقة عذاب البلاء والمحن انتبهوا من نوم الغفلة وتداركوا ايام العطلة قبل ان يذيقهم العذاب الأكبر بالخذلان والهجران وقسوة القلب كما قال تعالى (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ).[3]
في الآية إشارة إلى أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، قال تعالى ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ )[4].
ما يصيب الكافر أو المسلم في الدنيا من بلاء فهو مظهر من مظاهر رحمة الله، حتى يعودوا ويتوبوا ويستيقظوا من غفلتهم.
قال ابن عباس: مصائب الدنيا وأسقامها وبلائها مما يبتلي به الله العباد حتى يتوبوا.
وهذا أيضا مما يولد اليقين في القلب ويكسر النفس ويوقظها من غفلتها.
إذا أصيب الإنسان بمرض بوفاة قريب، يتيقن أن هذا أمر الله فيصبر ويرجع إلى الله.
مهما تنعم الكافر في هذه الدنيا وملذاتها النعيم الزائل، فلا شك ولا ريب سيتعرض لفتن وعذاب ومصائب، وهذا ما يبينه الفهم العميق الدقيق لقوله عليه الصلاة والسلام( الدُّنيا سِجنُ المؤمنِ وجنةُ الكافرِ )[5].
من هداية الآية في قوله تعالى ( لعلهم يرجعون ) أن تكون النصيحة لأجل الهداية والإصلاح والحرص على الخير للناس، ( لتخرج الناس من الظلمات إلى النور )، لا أن تكون فضيحة وتنقُّص وتعالي ورياء، وتظاهر بالعلم والمعرفة والتقوى والصلاح، وإظهار الآخرين بالجهل والانحراف!
وهذه الآية من الأدلة على إثبات عذاب القبر، ودلالتها ظاهرة، فإنه قال: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى} أي: بعض وجزء منه، فدل على أن ثم عذابا أدنى قبل العذاب الأكبر، وهو عذاب النار.[6]
ولما كانت الإذاقة من العذاب الأدنى في الدنيا، قد لا يتصل بها الموت، فأخبر تعالى أنه يذيقهم ذلك لعلهم يرجعون إليه ويتوبون من ذنوبهم كما قال تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}.[7]
في الدنيا لابد وأن يعذب الله الكافر بما يبتليه من مصائب بحرمان .. وعدم الاطمئنان وانعدام الراحة والركون الى الله .. لا يستريح مهما حصل من مال وبنين وفي قلبه عدم الراحة.
قال تعالى( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ )[8].
ومن للاستفهام الإنكاري، وكأن الله سبحانه يعرض علينا القضية في صورة السؤال التقريري.
بعد أن بين ربنا سبحانه صنف الكفار وما يصيبهم من محن ولئواء وعذاب في الدنيا، مع ذلك يصرون على استكبارهم وعنادهم وعدم انتفاعهم من تلك المُخَوِّفات؛ أشار إلى أن هذا الصنف من أقبح الناس وأكثرهم جرما وظلما لعدم استجابتهم لآيات الله الكونية والشرعية.
ونحن مقبلون على شهر القرآن نكثر من تلاوته وتمر علينا آياته من القصص والعبر والمواعظ والحلال والحرام، فهل اتعظنا وتذكرنا؟!! أم أنها مرت دون أن تلقى حسن استماع وتدبر وتأمل ثم انتفاع وعمل!!
( إنا من المجرمين منتقمون ) أي: إنا من مقام قهرنا وقوتنا وجلالنا وعظمتنا وجبروتنا من المجرمين المصرين على كفرهم وظلمهم وجرائمهم وآثامهم؛ منتقمون منهم على أبلغ وجه وأشد الانتقام من عموم المجرمين الظالمين.
من هداية الآية:
أن سماع آيات الله وقيام الحجة على الخلق، ثم عنادهم واستكبارهم من أعظم الظلم وجريمة ما بعدها جريمة.
ينبغي لمن سمع التذكير والحجج والبراهين الاستجابة بسرعة أيا كان مصدر التذكير، بخلاف الكفار الذين قالوا تكبرا وهوى وعنادا ( لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ )[9].
الآية فيها مبالغة في التخويف من قوله ( إنا من المجرمين منتقمون ) فالله سبحانه ينتقم من جميع المجرمين الظالمين، فكيف بمن هم أشد ظلما وجرما منهم؟!
الله سبحانه وتعالى سمى تارك الصلاة مجرم فقال سبحانه(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ . إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ الْمُجْرِمِينَ . مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ )[10]، فلست أنا ولا الهيئة الفلانية أو المجمع الفقهي أو الإفتاء من أطلق هذا الوصف، بل غلام الغيوب، فهل من مدكر؟!
فكل من ذكر بآيات ربه ثم أعرض مستكبرا ونسيها ولم يتدبرها أو يعمل بمقتضاها فهو مجرم بنص هذه الآية!
الظلم من أقبح الأمور لذلك حرمه الله على نفسه وجعله بيننا محرما، فينبغي للعاقل أن يتذكر أحوال الظالمين ومآلهم ومصيرهم حتى يكون له مانع من اقترافه!
( ذكر بآيات ربه ) فالقرآن أعظم مُذكِّر فهو نور مبين وهداية للعالمين، قال تعالى ( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ).
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

--------------------------------------
[1] ( السجدة:21 ).
[2]الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية.
[3]روح البيان.
[4]( الشورى:30).
[5]صحيح مسلم.
[6]السعدي.
[7]السعدي.
[8] ( السجدة:22 ).
[9]( الزخرف: 31).
[10]( المدثر: 38-43 ).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 02-08-2021, 04:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 23 )
أيمن الشعبان


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
قال تعالى( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ )[1].
لما كان مقصود السورة نفي الريب عن تنزيل هذا الكتاب المبين في أنه من عند رب العالمين، ودل على أن الإعراض عنه إنما هو ظلم وعناد بما ختمه بالتهديد على الإعراض عن الآيات بالانتقام، وكان قد انتقم سبحانه ممن استخف بموسى عليه السلام قبل إنزال الكتاب عليه وبعد إنزاله، وكان أول من أنزل عليه كتاب من بني إسرائيل بعد فترة كبيرة من الأنبياء بينه وبين يوسف عليهما السلام وآمن به جميعهم وألفهم الله به وأنقذهم من أسر القبط على يده، ذكر بحالة تسلية وتأسية لمن أقبل وتهديداً لمن أعرض، وبشارة بإيمان العرب كلهم وتأليفهم به وخلاص أهل اليمن منهم من أسر الفرس بسببه.[2]
ذكر الله سبحانه في القرآن أنه أعطى موسى التوراة في عشرة مواضع، لكن في الآية التي معنا أسلوب مختلف يتطابق ويتناسق مع مادة وغرض سورة السجدة وهو اليقين، فقال سبحانه ( فلا تكن في مرية من لقاءه ).
والفرق بين التوراة والإنجيل، أن التوراة فيه شرائع وأحكام، أما الإنجيل فقد نزل متمما للتوراة وفيه مواعظ وحكم، والقرآن كتاب عظيم شامل جمع الله فيه الشريعة والمواعظ والحكم والقصص والأخبار، ونبأ ما بعدنا والنار والجنة والأحكام في الدنيا، فهو كتاب مفصل كما قال تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ).
فيها إشارة أنك يا محمد عليه الصلاة والسلام كما أنزلنا الكتاب على موسى وتعرض للأذى فإنك ستتعرض للأذى الذي تعرض له لأننا أنزلنا عليك الكتاب، وفيها تنبيه وتوجيه وتثبيت وتسلية.

من هداية الآية:
أن طريق الدعوة إلى الله وهداية الناس محفوف بالمكاره والصعوبات والابتلاءات، فلابد من الصبر وتحمل المشاق وعدم اليأس والقنوط والتراجع.
سأل رجل الشافعي فقال: يا أبا عبد الله! أيما أفضل للرجل أن يمكَّن أو يُبتلَى؟ فقال الشافعي: لا يمكن حتى يبتلى، فان الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامُه عليهم أجمعين، فلما صبروا مكَّنَهم، فلا يظن أحدٌ أن يخلص من الألم البتَّهَ.[3]
أن الداعية إلى الله ومعلم الناس الخير، يعمل بوظيفة الأنبياء وهي من أفضل القربات سيما في وقت الفتن.
عند تعرض المسلم عموما والداعية خصوصا إلى محنة وابتلاء، ينبغي عليه أن يستذكر ويتأمل بسير من قبله من الأنبياء والصحابة وأتباعهم، إذ فيها تسلية وتثبيت لتجاوز الصعوبات.
لقاء القدوات من الرموز والعلماء والدعاة وطلاب العلم والقادة، مهم جدا سيما في أوقات الفتن والظروف العصيبة، ومما يبعث اليقين في النفس ويجدد العزيمة والنشاط، فقصة موسى مع بني إسرائيل من أكثر القصص ذكرا في القرآن، ومع ذلك ليست المسألة مجرد سماع أخباره بالقرآن، بل ستراه وتلقاه فيزداد اليقين!
وفائدة لقاء القدوات، التناصح والتشاور وتثبيت بعضهم البعض وتذكيرهم بأحوال من قبلهم، وتحقيق الصبر والتسلية ورفع معنويات الجماهير، واختيار الأنفع والأفضل للأمة.
يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن: أولياءُ اللهِ تعالى، الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ اللهُ تعالى.[4]
قال جعفر: كنت إذا وجدت من قلبي قسوة نظرت إلى وجه محمد بن واسع نظرة، وكنت إذا رأيت وجه محمد بن واسع حسبت أن وجهه وجه ثكلى. [5]
النبي أرسل للخلق جميعا بشيرا ونذيرا، بخلاف بقية الانبياء كل واحد منهم لقومه خاصة.

اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

------------------------------------
[1] ( السجدة:23 ).
[2]البقاعي.
[3]جامع المسائل لابن تيمية.
[4]صحيح الجامع برقم
[5]صفة الصفوة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 02-08-2021, 04:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 24 )
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
قال تعالى( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ )[1].
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً قادة في الخير يقتدى بهم يَهْدُونَ يدعون بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا.[2]
( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا )هداة مهتدين، كيف كانوا أئمة في الدين قال ( لما صبروا ) هذا فيه تكميل القوة العملية، ثم قال ( وكانوا بآياتنا يوقنون ) تكميل القوة العلمية.
يقول ابن تيمية: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
يقول سفيان الثوري: لا ينبغي للرجل أن يكون إماماً يقتدى به حتى يتحامى عن الدنيا.
أَئِمَّةً أمناء هادون مهديون مهتدون مقتدون يَهْدُونَ الناس بِأَمْرِنا ووحينا إياهم والهامنا إليهم الى ديننا وتوحيدنا وانما أعطيناهم ما أعطيناهم من الكرامات لَمَّا صَبَرُوا وحين وطّنوا أنفسهم على تحمل ما لحقهم في إعلاء كلمة الحق وافشاء اعلام الدين ومعالم التوحيد واليقين وانتشارها في الأقطار من المتاعب والمكروهات المؤدية الى إتلاف النفس وبذل المهج وانواع المصيبة وَهم قد كانُوا في أنفسهم بِآياتِنا النازلة إياهم الدالة على كمال قدرتنا الواردة في إيجاد اىّ شيء أردناه يُوقِنُونَ يذعنون لا يترددون فيها ولا يتذبذبون وأنت يا أكمل الرسل اولى وأحق منهم بإيقان آياتنا واذعانها.[3]
{أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} أي: علماء بالشرع، وطرق الهداية، مهتدين في أنفسهم، يهدون غيرهم بذلك الهدى، فالكتاب الذي أنزل إليهم، هدى، والمؤمنون به منهم، على قسمين: أئمة يهدون بأمر الله، وأتباع مهتدون بهم.
والقسم الأول أرفع الدرجات بعد درجة النبوة والرسالة، وهي درجة الصديقين، وإنما نالوا هذه الدرجة العالية بالصبر على التعلم والتعليم، والدعوة إلى الله، والأذى في سبيله، وكفوا أنفسهم عن جماحها في المعاصي، واسترسالها في الشهوات.[4]
( لما صبروا ) عن الدنيا وعلى الحق وعلى الأذى والابتلاء.
لَمَّا صَبَرُوا على مشاق تعليم العلم والعمل به. أو: على طاعة الله وترك معصيته.
وفيه دليل على أنَّ الصبر ثمرته إمامة الناس والتقدم في الخير. وَكانُوا بِآياتِنا التوراة يُوقِنُونَ .[5]
(وكانوا بآياتنا يوقنون) يقول: وكانوا أهل يقين بما دلهم عليه حججنا، وأهل تصديق بما تبين لهم من الحق، وإيمان برسلنا، وآيات كتابنا وتنزيلنا.[6]
(وكانوا بآياتنا يوقنون) أي بحججنا وكتابنا يصدقون.[7]
{وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} أي: وصلوا في الإيمان بآيات الله، إلى درجة اليقين، وهو العلم التام، الموجب للعمل، وإنما وصلوا إلى درجة اليقين، لأنهم تعلموا تعلمًا صحيحًا، وأخذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين.
فما زالوا يتعلمون المسائل، ويستدلون عليها بكثرة الدلائل، حتى وصلوا لذاك، فبالصبر واليقين، تُنَالُ الإمامة في الدين.[8]
في الآية معنى المجازاة أي جعلهم أئمة جزاء على صبرهم عن الدنيا وكونهم موقنين بآيات الله وأوامره وجميع ما تورده الشريعة.[9]
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا فَحَيْثُ جَعَلَ اللَّهُ كِتَابَ مُوسَى هَدًى وَجَعَلَ مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ كَذَلِكَ يَجْعَلُ كِتَابَكَ هَدًى وَيَجْعَلُ مِنْ أُمَّتِكَ صَحَابَةٌ يَهْدُونَ.[10]
أَيْ: لَمَّا كَانُوا صَابِرِينَ عَلَى أَوَامِرِ اللَّهِ وَتَرْكِ نَوَاهِيهِ وَزَوَاجِرِهِ وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ وَاتِّبَاعِهِمْ فِيمَا جَاؤُوهُمْ بِهِ، كَانَ مِنْهُمْ أَئِمَّةٌ يَهْدُونَ إِلَى الْحَقِّ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَيَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ، وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. ثُمَّ لَمَّا بَدَّلُوا وحَرَّفوا وأوَّلوا، سُلِبُوا ذَلِكَ الْمَقَامَ، وَصَارَتْ قُلُوبُهُمْ قَاسِيَةً، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، فَلَا عَمَلَ صَالِحًا، وَلَا اعْتِقَادَ صَحِيحًا.[11]
ويؤخذ من فحوى الآية، أن بني إسرائيل لما نبذوا الاعتصام بالكتاب، ونبذوا الصبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفقدوا الاستيقان بحقيّة الإيمان، فغيروا وبدلوا، سلبوا ذلك المقام، وأديل عليهم انتقاما منهم. وتلك سنته تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ، ففي طي هذا الترغيب، ترهيب وأي ترهيب. [12]
وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِالْبِشَارَةِ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ أَيِمَّةً لِدِينِ الْإِسْلَامِ وَهُدَاةً لِلْمُسْلِمِينَ إِذْ صَبَرُوا عَلَى مَا لَحِقَهُمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ مِنْ أَذَى قَوْمِهِمْ وَصَبَرُوا عَلَى مَشَاقِّ التَّكْلِيفِ وَمُعَادَاةِ أَهْلِهِمْ وَقَوْمِهِمْ وَظُلْمِهِمْ إِيَّاهُمْ.
وَتَقْدِيمُ بِآياتِنا عَلَى يُوقِنُونَ لِلِاهْتِمَامِ بِالْآيَاتِ.[13]

من هداية الآية:
هنالك تلازم كبير في الآية، بين القدوة والقيادة والرمز، وبين تحقيق الصبر واليقين، فمن صبر وأيقن صار إماما، ومن يطلب مرتبة الأئمة والريادة، لابد من الصبر عن الدنيا ومشاقها، واليقين بآيات الله والعمل بمقتضاها.
الآية فيها بشرى وتفاؤل، إذ تشير بأنه سيأتي من أتباع موسى من يصبح قدوة لمن بعده، لأنهم اهتدوا بالكتاب الذي نزل على موسى، فمن باب أولى تحقق ذلك لدى أتباع محمد عليه الصلاة والسلام فتأمل!
هذا توجيه رباني ورسالة مستعجلة، إلى كل قدوة ورمز ورائد في العمل الدعوي والخيري، إذا أردت التميز والتفوق والنجاح فعليك بالصبر واليقين.
أهمية الدعوة على علم وبصيرة والاستفادة من وسائل وطرق الأنبياء والسلف الصالح( يهدون بأمرنا ).
كل نجاح دعوي تحققه فهو بتوفيق من الله سبحانه ( بأمرنا ).
عدم الاستعجال وقطف الثمار بسرعة، فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه!
الداعية والقدوة الحق الذي لا يربط الناس بشخصه ولا بنفسه ولا جماعته ومؤسسته، بل يدعونهم إلى الله والاستقامة على طريقه.
من يريد الإمامة من أهل العلم وأن يكون قدوة يقتدي به الناس في ترك المعاصي والمنكرات، والزهد والإيمان والورع، فعليه بالصبر واليقين.
أهمية الصبر في حياة الداعية خصوصا والمسلم عموما.
يقول عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الصَّبْرُ صَبْرَانِ: صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ الصَّبْرُ عَنْ محارم الله.[14]
يقول علي رضي الله عنه: ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له.
وعن ميمون بن مهران قال: ما نال عبد شيئًا من جسم الخير من نبي أو غيره إلا بالصبر.
ولأهمية الصبر في الدنيا والآخرة أنهم يوفون أجورهم دون حساب( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ).[15]
أهمية الرسوخ في الإيمان والثبات في الصدق والاستقامة على أوامر الله.
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.



-------------------------------
[1]( السجدة:24).
[2]تفسير الثعلبي.
[3] الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية.
[4] السعدي.
[5] تفسير ابن عجيبة.
[6]الطبري.
[7]الهداية إلى بلوغ النهاية.
[8] السعدي.
[9]تفسير ابن عطية.
[10]مفاتيح الغيب.
[11] ابن كثير.
[12] محاسن التأويل.
[13] ابن عاشور.
[14] تفسير ابن كثير.
[15] ( الزمر:10).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 12-08-2021, 02:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"


خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 25 )
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
بعد أن ذكر الله سبحانه حال الفريقين في الدنيا، المؤمنين والمشركين من حيث الإيمان بأمور الغيب من البعث والحساب، فيقضي بينهم القضاء الحق فيدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار، يقول سبحانه( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )[1]، من الاعتقادات والأعمال.[2]
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} الآية فيها وجهان: أحدهما: يعني بين الأنبياء وبين قومهم , حكاه النقاش. الثاني: يقضي بين المؤمنين والمشركين فيما اختلفوا فيه من الإيمان والكفر , قاله يحيى بن سلام.[3]
وكلمة هو للتخصيص والتأكيد وان ذلك الفصل يوم القيامة ليس الا اليه وحده لا يقدر عليه أحد سواه ولا يفوّض الى من عداه.[4]
وتأمل هنا أن الله تعالى ذكر لفظ الربوبية فقال {إِنَّ رَبَّكَ. .} [السجدة: 25] ولم يقُلْ: إن الله، والربوبية كما قُلْنا عطاء وتربية، وكأنه سبحانه يقول: اطمئنوا فالذي سيتولَّى مسألة الفصل هو ربكم.[5]
فلا منظمات ومحافل دولية تتدخل، ولا رؤساء ووجهاء وغيرهم، ولا حتى أنبياء وملائكة مقربون( فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ )[6].
يحكم بينهم، وعند ذلك يتبين المردود من المقبول، والمهجور من الموصول، والرضي من الغوي، والعدو من الوليّ ... فكم من بهجة دامت هنالك! وكم من مهجة ذابت عند ذلك![7]
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يقضي فيميز الحق من الباطل بتمييز المحق من المبطل. فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من أمر الدين.[8]
وهذا باعث آخر على الإيمان الصحيح والعمل الصالح، وتهديد ضمني لمن يعرض عن هداية الله التي صارت متمثلة بالقرآن بعد فقد التوراة وافتقاد الأصل الصحيح للإنجيل.[9]
قَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ هَذَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ: وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ كَانَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَيْفَ كَانُوا يَهْدُونَ وَهُمُ اخْتَلَفُوا وَصَارُوا فِرَقًا وَسَبِيلُ الْحَقِّ وَاحِدٌ، فَقَالَ فِيهِمْ هُدَاةٌ وَاللَّهُ بَيَّنَ الْمُبْتَدِعَ مِنَ الْمُتَّبِعِ كَمَا يُبَيِّنُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ أُمَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنَ الْأُمَمِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْمَنَ مَنْ آمَنَ وَإِنْ لَمْ يَجْتَهِدْ، فَإِنَّ الْمُبْتَدِعَ مُعَذَّبٌ كَالْكَافِرِ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ، أَنَّ عَذَابَ الْكَافِرِ أَشُدُّ وَآلَمُ وَأَمَدُّ وَأَدْوَمُ.[10]
والخطاب للنبي والمراد أمته تحذيرا من ذلك وإيماء إلى وجوب تجنب الاختلاف الذي لا يدعو إليه داع في مصلحة الأمة وفهم الدين.[11]
والفصل: القضاء والحكم، وهو يقتضي أن اختلافهم أوقعهم في إبطال ما جاءهم من الهدى فهو اختلاف غير مستند إلى أدلة ولا جار في مهيع أصل الشريعة ولكنه متابعة للهوى وميل لأعراض الدنيا كما وصفه القرآن في آيات كثيرة في سورة البقرة وغيرها كقوله تعالى: ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) [آل عمران: 105] .[12]
الفرق بين الحكم والفصل، الحكم القضاء والفصل أشد لأنه يكون بَوْن أحدهما، أن يكون بينهما فاصل حاجز إذن الفصل أشد فإذن لما يقول في القرآن يفصل بينهم تكون المسافة أبعد كأن يذهب أحدهم إلى الجنة والآخر إلى النار أما الحكم فلا وقد يكون في ملة واحدة، نضرب أمثلة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هؤلاء يذهبون معاً إلى جهة واحدة اليهود والنصارى كلاهما ليس أحدهما إلى الجنة والآخر إلى النار فليس فيه فصل. (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل) اختلاف في ملة واحدة وهم اليهود، وكلهم يذهبون معاً إلى جهة واحدة مع بعض. (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) الزمر) كلهم يذهبون إلى جهة واحدة. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) الحج) هؤلاء لا يذهبون إلى جهة واحدة فهم فئات مختلفة إذن يفصل. الفصل يتضمن الحكم حكم وفصل فيكون أشد. ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) قالوا الفصل بين الأنبياء وأممهم وبين المؤمنين والمشركين. فإذن الفصل حكم لكن فيه بَوْن كل جهة تذهب إلى مكان لذا قال في سورة ص (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ (22)) هذا حكم قضاء.[13]

من هداية الآية:
إن الله سبحانه هو القاضي العدل والحاكم المطلق بحق بين المؤمنين والكفار، فيجازي كلا بما يستحق، ويفصل بين المختلفين من أمة واحدة، كما يفصل بين المختلفين من الأمم.[14]
تقرير تطميني للنبي والمؤمنين وإنذاري للكفار بأن الله سيفصل بين الناس يوم القيامة في ما اختاروه من الطرق المختلفة حيث يحقّ الحقّ ويؤيد أهله ويزهق الباطل ويخذل أصحابه.[15]
فيها تخويف ووعيد شديد للناس كافة، بضرورة وأهمية الإيمان بالغيبيات، لأن من لم يؤمن سيقضي الله بينهم وبين المؤمنين يوم القيامة ثم يكبهم في جهنم.
فيها تخويف من خطورة الظلم، فمن ظلم وظن أنه لم يعاقب في الدنيا، فليعلم أن هنالك يوم آخر، سيفصل الله بين الخلائق جميعا.
الحذر من البدع والفرق والتسلح بالعلم، لأن الله يظهر المحق من المبطل يوم القيامة.
من أهم دلالات الآية ضرورة تجنب الاختلاف والفرقة حتى لا نتصف بأخلاق وصفات بني إسرائيل، الذين تميزوا بذلك.
أهمية تقديم مصلحة الدين العامة الشرعية، على المصالح الفئوية والفردية، من خلال فهم القواعد الكلية ومعرفة المقاصد الشرعية، وتقديم الأهم فالمهم وترتيب الأولويات.
من الأهمية بمكان على طالب العلم، معرفة الزمان الذي يعيش فيه، بالتالي تقوده تلك المعرفة، لتعامل أمثل وتحقيق مراد الله بحسب الأولويات، بغض النظر عن مجرد العلم النظري البعيد عن مراعاة الحال والزمان والمكان.
المذموم هنا الاختلاف الذي يضاد الدين وأصوله، أما الخلاف في فرعيات فقهية لها مسوغات واجتهادات فلا يدخل فيه فانتبه.

اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.
---------------------------
[1]( السجدة:25).
[2]ابن كثير.
[3]النكت والعيون للماوردي.
[4]روح البيان.
[5]الشعراوي.
[6]( غافر:12).
[7]تفسير القشيري.
[8]تفسير البيضاوي.
[9]المنير للزحيلي.
[10]مفاتيح الغيب.
[11]ابن عاشور.
[12]ابن عاشور.
[13]د. فاضل السامرائي.
[14]المنير للزحيلي.
[15]التفسير الحديث.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 31-08-2021, 04:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 26 )
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
قال تعالى( أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ ).[1]
بعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى الأصول الثلاثة في بداية السورة؛ الرسالة والتوحيد والمعاد، ثم كرر ذكر الرسالة مرة أخرى تقريرا لرسالة محمد عليه الصلاة والسلام كما في قوله (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ )، ناسب إعادة ذكر التوحيد فقال سبحانه ( أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ ).[2]
ما سيذكره الله أمر متعلق بالسمع، بالتالي يحتاج لمزيد تدبر للانتفاع به، وهذا لا يحصل إلا بإعمال القلب وهدايته، لذلك قال ( أولم يهد لهم )، وهذا يتناسق ويتناسب مع موضوع السورة الخضوع ومادتها اليقين فتأمل.
ولما كان قرب شيء في الزمان أو المكان أدل، بين قربهم بإدخال الجار فقال: {من قبلهم} أي لأجل معاندة الرسل {من القرون} الماضين من المعرضين عن الآيات، ونجينا من آمن بها، وربما كان قرب المكان منزلاً قرب الزمان لكثرة التذكير بالآثار، والتردد خلال الديار.
ولما كان انهماكهم في الدنيا الزائلة قد شغلهم عن التفكر فيما ينفعهم عن المواعظ بالأفعال والأقوال، أشار إلى ذلك بتصوير اطلاعهم على ما لهم من الأحوال، بقوله: {يمشون} أي أنهم ليسوا بأهل للتفكر إلا حال المشي {في مساكنهم} لشدة ارتباطهم مع المحسوسات، وذلك كمساكن عاد وثمود وقوم لوط ونحوهم. ولما كان في هذا أتم عبرة وأعظم عظة، قال منبهاً عليه مؤكداً تنبيهاً على أن من لم يعتبر منكر لما فيه من العبر: {إن في ذلك} أي الأمر العظيم {لآيات} أي دلالات ظاهرات جداً، مرئيات في الديار وغيرها من الآثار، ومسموعات في الأخبار.[3]
من هداية الآية:
ينبغي على المسلم أن ينظر لمن حوله ويتعظ ممن أهلكهم الله وعاقبهم، بسبب ظلمهم ومخالفتهم أوامر الله، من سفك للدماء وانتهاك للحرمات والأعراض وترك الفرائض وغيرها.
بعض الناس إذا أصيب من لا يحبه ببلاء أو مصيبة يقول هذا عذاب من الله لأنه كذا وكذا!! وإذا أصيب من يحبه يقول: هذا ابتلاء لأنه مؤمن!! فلا ينبغي تقسيم الناس بحسب الأهواء وما تشتهيه الأنفس!!
الظلم من أعظم الأسباب والدوافع لزوال الأمم ونزول النقم!
فيها تذكرة وعبرة بالموت، من خلال إهلاك الأمم والقضاء عليهم وإفنائهم، وأن هذه الدنيا زائلة لا تدوم لمخلوق أبدا.
أهمية الاستفادة من قصص من مضى من الأمم والوقوف على أحوالهم وما صنعوا ومآلهم.
من الضروري عند سماع أخبار السابقين ومصارع الغابرين، تدبرها وتأملها واستخراج الفوائد واستنباط العبر والانتفاع منها في حياتنا عسى أن تكون لنا واعظ ومنزجر.
ينبغي معرفة أحوال الأقوام التي أهلكها الله لتجنب فعالهم والابتعاد عما يوصل إلى غضب الله ومقته.
الإنسان في هذه الدنيا سيرحل، وأفسد معتقد للإنسان أن يظن أن وجوده أصليا دائما في الدنيا، والصحيح هو وماله وذريته وكل ما يملك هو سيزول إذن هو مستخلف في الأرض كما قال تعالى( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ).
من مصلحتنا أن يُبيِّن الله لنا عاقبة المكذبين؛ لأنه ينبهنا إلى الخطر قبل أنْ نقع فيه.[4]
مما يصلح حال الناس أنْ يستمعوا إلى حكايات عن الظالمين وعن نهايتهم، وما ينزل بهم من الانتقام الذي لا ينتظر الآخرة، بل يُعَجِّل لهم في الدنيا.[5]
النظر في ديار الهالكين مما يورث اليقين في القلب والخضوع لله تعالى.
لابد من تعاهد القلب وتذكيره وعظته بأن هذه الدنيا فانية، حتى يبقى رقيقا ولا يغفل عن الله.
كان ابن عمر إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها فينادي بصوت حزين فيقول: أين أهلك؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول )كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ).
ثمود قوم صالح وهود قوم عاد مدن اندثرت وحضارات اندحرت، طواها التراب وما زالت الآثار شاهدة وما زالت سطور مكتوبة تحكي قصة هؤلاء الذين دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها .
فكم من قوم كانت آمالهم لا نهاية لها، وأعمالهم وأفكارهم كثيرة، ثم أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
في كل بلد ومدينة قصة، ومطلوب منا أن نسير في الأرض وأن ننظر ونبحث ونتحرى ونتقصى ونتعلم ونتعرف (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ).
من دلالات الآية أن الضر والنفع بيد الله، فيهلك ما يشاء من القرى بعد تحقق أسباب ذلك، ويبقي غيرها دون عذاب.
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

--------------------------------
[1] (السجدة:26).
[2]( السجدة:26).
[3]تفسير البقاعي.
[4]الشعراوي.
[5]الشعراوي.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 26-09-2021, 04:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 27 )
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
أَقَامَ تَعَالَى الْحُجَّةَ عَلَى الْكَفَرَةِ بِالْأُمَمِ السَّالِفَةِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُهْلِكُوا، ثُمَّ أَقَامَهَا عَلَيْهِمْ بِإِظْهَارِ قُدْرَتِهِ وَتَنْبِيهِهِمْ عَلَى الْبَعْثِ.[1]
في الآية السابقة حدثنا الله عن الخراب والدمار والانتقام والإهلاك، وفي هذه التي معنا الحديث عن وجه رحمته ونعمته ومنته وآلائه وفضائله العظيمة.
وحين ذكر الإهلاك والتخريب أتبعه ذكر الإحياء والعمارة[2]، فقال سبحانه ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ لَمَّا بَيَّنَ الْإِهْلَاكَ وَهُوَ الْإِمَاتَةُ بَيْنَ الْإِحْيَاءِ لِيَكُونَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الضُّرَّ وَالنَّفْعَ بِيَدِ اللَّهِ، وَالْجُرُزُ الْأَرْضُ الْيَابِسَةُ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا.[3]
وَقَوْلُهُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ} : يُبَيِّنُ تَعَالَى لُطْفَهُ بِخَلْقِهِ، وَإِحْسَانَهُ إِلَيْهِمْ فِي إِرْسَالِهِ الْمَاءَ إِمَّا مِنَ السَّمَاءِ أَوْ مِنَ السَّيْحِ، وَهُوَ: مَا تَحْمِلُهُ الْأَنْهَارُ وَيَنْحَدِرُ مِنَ الْجِبَالِ إِلَى الْأَرَاضِي الْمُحْتَاجَةِ إِلَيْهِ فِي أَوْقَاتِهِ.[4]
يقول ربنا سبحانه { فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ. أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقًّا. فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا. وَزَيْتُونًا وَنَخْلا. وَحَدَائِقَ غُلْبًا. وَفَاكِهَةً وَأَبًّا. مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ }.[5]
وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ. وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ. لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ} [يس: 33-35] .
أَوَلَمْ يَرَوْا الهمزة للانكار والواو للعطف على محذوف تقديره الم يتفكروا ولم يروا اى لم يعلموا بل قد علموا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ.[6]
{أو لم} أي أيقولون في إنكار البعث: إذا ضللنا في الأرض، ولم {يروا أنا} بما لنا من العظمة {نسوق الماء} من السماء أو الأرض.[7]
{نَسُوقُ الْمَآءَ} بالمطر والثلج أو بالأنهار والعيون.[8]
واختير المضارع في قوله نسوق لاستحضار الصورة العجيبة الدالة على القدرة الباهرة[9]، الدالّ على التجدّد والاستمرار، ففي كل الأوقات يسوق الله السحب، فينزل منها المطر على الأرض (الجرز).[10]
السَّوْق: حَثٌّ بسرعة .. ومعلوم أن السَّوْق يكون من الوراء، على خلاف القيادة، فهي من الأمام، فالذي تسوقه تسوقه وهو أمامك.[11]
والسوق يكون تارة للسحاب كما في قوله سبحانه ( والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ )، إذ تسوق الرياح السحاب فتنقله إلى حيث يأمرها الله، ثم يسوق الماء من السحاب بإنزاله إلى الأرض، ثم يساق إلى الأنهار، ويسلكه ينابيع في الأرض.
والْجُرُزِ الأرض العاطشة التي قد أكلت نباتها من العطش والغيظ، ومنه قيل للأكول جروز.[12]
ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ جرز.[13]
وكلمة جرز فيها قوة، تتناسب مع مادة السورة وموضوعها اليقين والخضوع.
والماء: ماء المزن، وسوقه إلى الأرض هو سوق السحاب الحاملة إياه بالرياح التي تنقل السحاب من جو إلى جو فشبهت هيئة الرياح والسحاب بهيئة السائق للدابة.[14]
تَأْكُلُ مِنْهُ من الزرع. أَنْعامُهُمْ كالتين والورق.
وَأَنْفُسُهُمْ كالحب والثمر. أَفَلا يُبْصِرُونَ فيستدلون به على كمال قدرته وفضله.[15]
{زرعاً} أي نبتاً لا ساق له باختلاط الماء بالتراب الذي كان زرعاً قبل هذا.[16]
وَخَصَّ الزَّرْعَ بِالذِّكْرِ، وَإِنْ كَانَ يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً مِنَ الْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ وَالْعُشْبِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ فِي الطِّبِّ وَغَيْرِهِ، تَشْرِيفًا لِلزَّرْعِ، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَا يُقْصَدُ مِنَ النَّبَاتِ، وَأَوْقَعَ الزَّرْعَ مَوْقِعَ النَّبَاتِ.[17]
قَدَّمَ الْأَنْعَامَ عَلَى الْأَنْفُسِ فِي الْأَكْلِ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الزَّرْعَ أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ يَصْلُحُ لِلدَّوَابِّ وَلَا يَصْلُحُ لِلْإِنْسَانِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ الزَّرْعَ غِذَاءُ الدَّوَابِّ وَهُوَ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَأَمَّا غِذَاءُ الْإِنْسَانِ فَقَدْ يَحْصُلُ مِنَ الْحَيَوَانِ، فَكَأَنَّ الْحَيَوَانَ يَأْكُلُ الزَّرْعَ، ثُمَّ الْإِنْسَانُ يَأْكُلُ مِنَ الْحَيَوَانِ.
الثَّالِثُ: إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَكْلَ مِنْ ذَوَاتِ الدَّوَابِّ وَالْإِنْسَانُ يَأْكُلُ بِحَيَوَانِيَّتِهِ أَوْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فَكَمَالُهُ بِالْعِبَادَةِ.[18]
أَوْ بَدَأَ بِالْأَدْنَى ثُمَّ تَرَقَّى إِلَى الْأَشْرَفِ، وَهُمْ بَنُو آدَمَ.[19]
وَجَاءَتِ الْفَاصِلَةُ: أَفَلا يُبْصِرُونَ، لِأَنَّ مَا سَبَقَ مَرْئِيٌّ، وَفِي الْآيَةِ قَبْلَهُ مَسْمُوعٌ، فَنَاسَبَ: أَفَلا يَسْمَعُونَ.[20]
ولما كانت هذه الآية مبصرة، وكانت في وضوحها في الدلالة على البعث لا يحتاج الجاهل به في الإقرار سوى رؤيتها قل: {أفلا يبصرون} إشارة إلى أن من رآها وتبه على ما فيها من الدلالة وأصر على الإنكار لا بصر له ولا بصيرة.[21]
أَفَلا يُبْصِرُونَ الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره الا يلقون انظارهم فلا يبصرون ما ذكرنا فيستدلون به على كمال قدرتنا وفضلنا وعلى انا قادرون على بعثهم بعد الموت.[22]
أَوَلَمْ يَرَوْا ولم يبصروا أولئك المعاندون المنكرون على كمال قدرتنا ووفور حكمتنا واختيارنا أَنَّا من مقام لطفنا وجودنا كيف نَسُوقُ الْماءَ بالتدابير العجيبة والحكم البديعة في تصعيد الابخرة والادخنة وتراكم السحب منها وتقاطر المطر من فتوقها وخلالها إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ التي قد انقطع نباتها من غاية يبسها وجمودها فَنُخْرِجُ بِهِ اى بالماء الذي سقنا إليها منها زَرْعاً وأنواعا من الأوراق والحبوب تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ أوراقه وتبنه وَأَنْفُسُهُمْ حبوبه وثمرته أَفَلا يُبْصِرُونَ أولئك المصرون المنكرون هذه القدرة العجيبة فيستدلوا بها على قدرتنا الكاملة وحكمتنا البديعة البليغة البالغة.[23]
أَفَلا يُبْصِرُونَ أي ألا ينظرون فلا يبصرون ذلك فيستدلون به على وحدته وكمال قدرته وفضله تعالى وانه الحقيق بالعبادة وان لا يشرك به بعض خلقه من ملك وانسان فضلا عن جماد لا يضر ولا ينفع وايضا فيعلمون انا نقدر على اعادتهم واحيائهم.[24]
أَفَلا يُبْصِرُونَ، فيستدلون به على قدرته على إحياء الموتى؟[25]
أفلا يبصرون هذه النعم ويشكرون المنعم، ويوحدونه لكونه المنفرد بإيجاد ذلك.[26]
{أفلا يبصرون} تلك المنة، التي أحيا الله بها البلاد والعباد، فيستبصرون فيهتدون بذلك البصر، وتلك البصيرة، إلى الصراط المستقيم، ولكن غلب عليهم العمى، واستولت عليهم الغفلة، فلم يبصروا في ذلك، بصر الرجال، وإنما نظروا إلى ذلك، نظر الغفلة، ومجرد العادة، فلم يوفقوا للخير.[27]

من هداية الآية:
كمال وعظيم قدرة الله سبحانه وتعالى، وقيوميته على الخلق من قوله " نسوق".
هذه آية نشاهدها جميعاً، لكن المراد هنا مشاهدة تمعُّن وتذكّر وعظة وتعقُّل، نهتدي من خلالها إلى قدرة الخالق عَزَّ وَجَلَّ.[28]
في الآية السابقة والتي معنا تذكرة بليغة في الموت والحياة، فكما أن الأرض تموت ثم تحيا بالماء، كذلك أنت يا إنسان ستموت وتفارق الدنيا، ثم يبعثك الله مرة أخرى لتقف بين يدي الله سبحانه في مشهد عظيم للحساب.
يصور لنا ربنا سبحانه وتعالى في هذه الآية مشهد عجيب لكمال قدرته وتمام تدبيره، فكأن الرياح تسوق السحاب كالسائق للدابة، ثم ينزل الماء منها إلى الأرض الجرز!
نعم الله ومننه علينا كثيرة وعظيمة، وهنا يذكرنا منها إحياء الأرض التي مات نباتها أو يبس، للنتفع من ثمرها وحبها.
في الآية إشارة وتشبيه القلوب القاسية التي لا تنتفع بالمواعظ والآيات، بالأرض الجرز التي لا نبات فيها فهي ميتة كالقلب القاسي ميت.
قال ابن عطاء فى الآية نوصل بركات المواعظ الى القلوب القاسية المعرضة عن الحق فتتعظ بتلك المواعظ.[29]
من تمام رحمة الله بنا أن جعل الأرض عبارة عن خزان كبير للماء، حتى نجده عند فقده لا أن نفقده عن وجوده!
ينبغي لطالب الحق ومنشد الاستقامة الاجتهاد في العبادات والطاعات، فكما أن الأرض الميتة تحتاج للماء باستمرار حتى تنبت وتحيا، كذلك القلب يحتاج للعبادة الدائمة حتى ينتعش ويحيا.
فرق بين قلب ميت لا تنفع فيه موعظة ولا تذكرة، كالأرض السبخة التي لا تنبت نباتا البتة، وهنا مصداق قوله تعالى( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )، وبين قلب ضعيف الإيمان لو ذكرته ذكر، وزجرته انزجر، وكررت عليه الموعظة استجاب وتذكر، كالأرض الجرز.
أهمية تخول الناس بالموعظة وعدم تركهم غافلون لاهون ساهون، فكما أن الأرض الجرز تحتاج للماء، فالعصاة والمبتعدون عن صراط الله يحتاجون للموعظة من العلماء والدعاء والوعاظ.
تشير الآية إلى أهمية شكر النعم، بعد مشاهدتها والنظر إليها والاعتبار الذي ينتج عنه بصيرة، ثم شكر لله على نعمائه، بطاعته وامتثال أوامره.
أهمية النظر لنعم الله المشاهدة وعجيب صنعه ومخلوقاته وإتقانه، فإنها ترقق القلب وتثبت الإيمان بعد التأمل والتفكر والتدبر.

-------------------------------
[1] البحر المحيط.
[2] تفسير النيسابوري.
[3] مفاتيح الغيب.
[4] ابن كثير.
[5] ( عبس:24-32).
[6] التفسير المظهري.
[7] تفسير البقاعي.
[8] تفسير العز بن عبد السلام.
[9] ابن عاشور.
[10] الشعراوي.
[11] الشعراوي.
[12] تفسير ابن عطية.
[13] القرطبي.
[14] ابن عاشور.
[15] تفسير البيضاوي.
[16] البقاعي.
[17] البحر المحيط.
[18] مفاتيح الغيب.
[19] البحر المحيط.
[20] البحر المحيط.
[21] البقاعي.
[22] التفسير المظهري.
[23] الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية.
[24] روح البيان.
[25] تفسير ابن عجيبة.
[26] فتح القدير.
[27] السعدي.
[28] الشعراوي.
[29] روح البيان.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 03-10-2021, 12:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 28 )
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
بعد أن أقام الله سبحانه وتعالى الحجج الباهرات والبراهين الواضحات والأدلة البينات، على الكافرين وتوعدهم بالعذاب الأدنى في الدنيا قبل العذاب الأكبر عند جمعهم وحشرهم ( لعلهم يرجعون )، ناسب أن يذكر الله سبحانه إحدى أبرز مقولات الكفار لأنبيائهم، فقال سبحانه( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )[1].
أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ الْكَفَرَةِ، بِاسْتِعْجَالِ فَصْلِ الْقَضَاءِ بينهم وبين الرسول عَلَى مَعْنَى الْهُزْءِ وَالتَّكْذِيبِ.[2]
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ اسْتِعْجَالِ الْكَفَّارِ وقوعَ بَأْسِ اللَّهِ بِهِمْ، وَحُلُولِ غَضَبِهِ وَنِقْمَتِهِ عَلَيْهِمْ، اسْتِبْعَادًا وَتَكْذِيبًا وَعِنَادًا: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ} ؟ أَيْ: مَتَى تُنْصَرُ عَلَيْنَا يَا مُحَمَّدُ؟ كَمَا تَزْعُمُ أَنَّ لَكَ وَقْتًا تُدَال عَلَيْنَا، ويُنْتَقم لَكَ مِنَّا، فَمَتَى يَكُونُ هَذَا؟ مَا نَرَاكَ أَنْتَ وَأَصْحَابَكَ إِلَّا مُخْتَفِينَ خَائِفِينَ ذَلِيلِينَ![3]
وَبعد ما سمعوا منك يا أكمل الرسل ان ربك يفصل بينهم فيما كانوا فيه يختلفون يَقُولُونَ مستهزئين معك متهكمين مَتى هذَا الْفَتْحُ والفصل الذي قد وعدتم به أخبرونا وقته إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم نتهيأ له ونتزود لأجله ونؤمن به كما آمنتم.[4]
هذه مقولة فيها بشاعة وقبح وعناد واستكبار، لذلك كررها ربنا سبحانه وتعالى في القرآن في سبع مواضع لبيان جرمهم وعظيم كفرهم، في ست مواضع لفظ مطابق وهو قوله سبحانه( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )، وفقط في الآية التي معنا ( متى هذا الفتح ).
لأن السورة مادتها اليقين، والفتح هو وعد وزيادة، بمعنى زيادة معنى ويقين على باقي الآيات فتأمل! فيطلب الكفار ما في الوعد من نتيجة، وهو الفتح والقضاء والفصل.
( ويقولون ) أي مشركو مكة أو المشركون عموما، مستهزئين ومستبعدين ومكذبين، وقوع النصر والفتح عليهم الذي كان يتوعدهم به المؤمنون، إذ كانوا يقولون لهم: إن لنا يوما يقضي الله ويفصل ويحكم بيننا وبينكم، في يوم القيامة، أو أن الله سينصرنا عليكم في الدنيا بفتحه المبين.
إذ بعد أن بين الله للكفار الأدلة الكونية، من خلق السماوات والأرض وإحياء الأرض بعد موتها، وأحوال الأمم السابقة التي أهلكها، مع ذلك أصروا على الكفر والجحود والتكذيب والاستكبار لهذه الأدلة.
( ويقولون ) في صيغة الجمع في إشارة إلى أن أهل الباطل من الكفار اجتمعوا واتحدوا جميعا على هذه المقولة!
ومع أن مقولة الكفار تلك وقعت وحصلت سابقا، فلماذا وردت بصيغة المضارع ( يقولون )؟! في إشارة إلى أنهم استمروا عليها وتوارثوها جيلا عن جيل ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ )[5].
( متى هذا ) الاستفهام فيه استهزاء وازدراء وتهكم، بالنبي عليه الصلاة والسلام أو من ينوب محله من المؤمنين، لا سؤال.
واسم الإشارة في هذا الفتح مع إمكان الاستغناء عنه بذكر مبينه مقصود منه التحقير وقلة الاكتراث به.[6]
( الفتح ) القضاء والفصل والحكم والنصر، ويقال للحاكم فاتح، لأن الأشياء تنفتح على يديه وتنفصل.
وهذا حال أهل الباطل من الكفار وغيرهم، دائما وأبدا يستهئزون بالمؤمنين، ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ )[7].
عندما قال ربنا سبحانه في آية سابقة متوعدا المشركين ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )، هنا قالوا: ( متى هذا ) يريدون موعدا زمانيا لتحقيق ذلك وحصوله! وهذا فيه إشارة إلى أن أهل الباطل لا يردون الحجة بالحجة ولا البرهان بالبرهان ولا الدليل بالدليل!
الله سبحانه وتعالى بين لهم بالحجج والبراهين الأدلة الكونية لعظيم قدرته على إحياء الموتى من جديد، وهذا يقتضي عقلا أن يمتثلوا لأوامر النبي فيطيعوه ويتبعوه، وبدلا من التأمل والتفكر وإعمال النظر في تلك الحجج، تركوها وانتقلوا لأمر لا يقدم ولا يؤخر .. لا يضر ولا ينفع، فلو كان يوم الفصل الآن أو بعد آلاف السنين فما الذي سيتغير بالنسبة لتلك الحجج؟!! لا شيء.
( إن كنتم صادقين ) وكأنهم هم الأتقياء الأنقياء! والمؤمنون بخلاف ذلك حاشاهم! كما قال سلفهم( أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) موازين مقلوبة عند هؤلاء.
وقد بين عليه الصلاة والسلام أن هذا سيقع، إذ يقول( سَيأتي على الناسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فيها الكَاذِبُ، و يُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ، و يُؤْتَمَنُ فيها الخَائِنُ، و يُخَوَّنُ فيها الأَمِينُ، و يَنْطِقُ فيها الرُّوَيْبِضَةُ. قيل: و ما الرُّوَيْبِضَةُ؟ قال: الرجلُ التَّافِهُ، يتكلَّمُ في أَمْرِ العَامَّةِ ).[8]
تجد كثيرا ممن ليس لهم علم ولا أصل ولا تاريخ ولا تجارب بل حتى ولا شهادة، يتحدثون في أمور الأمة المهمة وينظر لها، وقد يترتب على تلك القضايا مصير شعوب بأكملها، وهذا زمان العولمة والانفتاح الإعلامي فتجدون ذلك والله المستعان.
وهؤلاء أنفسهم ينتقصون أهل الحق بأنهم على ضلال وهم الصادقون، مع أن الأمر بالعكس!
ينبغي على المسلم أن لا ينظر إلى القائل، أيا كانت قبيلته أو جنسيته أو لونه وعرقه أو اسمه ونسبه، بل ينظر لما معه من الحق، لذلك قيل: اعرف الحق تعرف أهله! استدل ثم اعتقد!
ولا ينبغي أن تأخذ موقفا من إنسان أو جماعة أو فئة أو مؤسسة أو هيئة، حتى تسمع ما عندهم من الحق والباطل والحجج، ثم تأخذ الحق منهم حتى لو كان خصما لك، كما أخذ عليه الصلاة والسلام الحق من الشيطان، صدقك وهو كذوب.
أهل الباطل دائما وأبدا عندما تأتي له بالدليل ينصرف لأشياء خارجة عن موضوع النقاش.
وحصلت مناظرة بين ملحد ومسلم، فقال الملحد: أنا لا أؤمن إلا بما أرى؟!
فقال المسلم: هل لديك عقل؟! فقال: طبعا.
فقال المسلم: كيف تؤمن بالعقل ولم تره؟!!
فنحتاج للأدلة العقلية لنستدل على أمثال هؤلاء، وعندما جاء ملحد لأبي حنيفة رحمه الله وقال له: أنا لا أؤمن بأن هذا الكون له خالق ومدبر ومسير!! قال له أبو حنيفة: هل رأيت السفينة المحملة بالبضائع تأتي إلى هذا الميناء ثم تحمل حمولتها ثم تنتقل إلى غيره وتفرغ الشحنات وهكذا، فهل تتوقع أن ما يحصل من تلقاء نفسه؟!!
قال: لابد من قبطان ومن يقودها!! فقال أبو حنيفة: من باب أولى هذا الكون يدبرها خالق.
كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح، استعجالا منهم عن وجه التكذيب والاستهزاء.[9]
وَيَقُولُونَ وذلك ان المؤمنين كانوا يقولون لكفار مكة ان لنا يوما يفتح الله فيه بيننا اى يحكم ويقضى يريدون يوم القيامة او ان الله سيفتح لنا على المشركين ويفصل بيننا وبينهم وكان اهل مكة إذا سمعوه يقولون بطريق الاستعجال تكذيبا واستهزاء مَتى هذَا الْفَتْحُ اى فى أي وقت يكون الحكم والفصل او النصر والظفر إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى انه كائن.[10]
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين بُعِث أخبر قومه أنه مُرْسَل إليهم بمنهج من الله، وقد أيده الله بالمعجزات، وأخبرهم بمصير مَن اتبعه ومصير مَنْ خالفه، وأن ربه - عَزَّ وَجَلَّ - ما كان ليرسله إليهم، ثم يُسلْمه أو يتخلى عنه، فهو لا بُدَّ منتصر عليهم، فهذه سنة الله في أنبيائه ورسله، حيث قال سبحانه: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} [الصافات: 171 - 173].[11]
هنا إشارة إلى أن الله ناصر عباده المؤمنين، ولكن بشرط تحقيق الإيمان المطلوب منهم، من خلال أسباب النصر التي بينها الله سبحانه في كتابه وكلها معنوية! ولو تخلف النصر لعلمنا يقينا أن خللا في تلك الأسباب قد حصل، كما هو في أحد.


-------------------------------
[1] ( السجدة:28).
[2] البحر المحيط.
[3] ابن كثير.
[4] الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية.
[5] ( الزخرف: 23).
[6] ابن عاشور.
[7] ( المطففين:29-31).
[8] السلسلة الصحيحة برقم 1887.
[9] الكشاف.
[10] روح البيان.
[11] الشعراوي.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 21-10-2021, 12:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"

خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 29 )
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
ثم يجيب الحق تبارك وتعالى عن سؤالهم {متى هذا الفتح. .} [السجدة: 28] بما يفيد أنه سؤال استبعاد واستهزاء، فيقول سبحانه: {قُلْ يَوْمَ الفتح ... } .
أي: لِمَ تسألون عن يوم الفتح؟ وماذا ينفعكم العلم به؟ إن يوم الفتح إذا جاء أُسْدل الستار على جرائمكم، ولن تنفعكم فيه توبة أو إيمان، ولن يُنْظِرَكم الله إلى وقت آخر.[1]
أحال النبي عليه الصلاة والسلام الجواب بشيء مغاير ومختلف عما سأل الكفار، فهم طلبوا معرفة وقت وقوع الساعة والقيامة والعذاب والفصل بينهم، ولما كان سؤالهم سؤال استهزاء ومماطلة وتكبر، فالأحكم معهم تغيير الجواب!
ومعلوم أن الإيمان لا ينفع صاحبه إلا إذا كان لديه وقت اختياري وعنده فسحة ليعمل، أما حال الكفار يوم القيامة فقد فات وقت العمل، ففي الدنيا عمل ولا حساب ويوم القيامة حساب ولا عمل، فإيمانهم اضطراري فلن ينفعهم أبدا، وهذا مشابه لقوله سبحانه مبينا حال الصنفين من الناس ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا . وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )[2].
أمر الله الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يجيبهم على طريقة الأسلوب الحكيم بأن يوم الفتح الحق هو يوم القيامة وهو يوم الفصل وحينئذ ينقطع أمل الكفار في النجاة والاستفادة من الندامة والتوبة ولا يجدون إنظارا لتدارك ما فاتهم، أي إفادتهم هذه الموعظة خير لهم من تطلبهم معرفة وقت حلول يوم الفتح لأنهم يقولون يومئذ ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون [السجدة: 12] مع ما في هذا الجواب من الإيماء إلى أن زمن حلوله غير معلوم للناس وأنه مما استأثر الله به فعلى من يحتاط لنجاة نفسه أن يعمل له من الآن فإنه لا يدري متى يحل به لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا.[3]
{قل يوم الفتح} الذي يحصل به عقابكم، لا تستفيدون به شيئا، فلو كان إذا حصل، حصل إمهالكم، لتستدركوا ما فاتكم، حين صار الأمر عندكم يقينا، لكان لذلك وجه، ولكن إذا جاء يوم الفتح، انقضى الأمر، ولم يبق للمحنة محل فـ {لا ينفع الذين كفروا إيمانهم} لأنه صار إيمان ضرورة، {ولا هم ينظرون} أي: يمهلون، فيؤخر عنهم العذاب، فيستدركون أمرهم.[4]
وذكر لنا ربنا سبحانه بطلان إيمان فرعون بعد أن أيقن بالغرق، {قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ المسلمين} [يونس: 90] فردَّ الله عليه هذا الإيمان {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ المفسدين} [يونس: 91].
هنا يأمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يرد عليهم بما يخرسهم فيقول: قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ. أى: قل- أيها الرسول- في الرد على هؤلاء الجاهلين المغرورين: إن يوم الفصل بيننا وبينكم قريب، وهو آت لا محالة في الوقت الذي يحدده الله- تعالى- ويختاره، سواء أكان هذا اليوم في الدنيا، عند ما تموتون على الكفر، أم في الآخرة عند ما يحل بكم العذاب، ولا ينفعكم إيمانكم، ولا أنتم تمهلون أو تنظرون، بل سينزل بكم العذاب سريعا وبدون مهلة.[5]
( ولا هم ينظرون ) ليس لكم الآن إمهال؛ لأن الذي خلقكم يعلم سرائركم، ويعلم أنه سبحانه لو أمهلكم لَعُدْتم لما كنتم عليه {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.[6]
لفداحة وبشاعة وشناعة وقبح سؤالهم، أمر ربنا سبحانه النبي عليه الصلاة والسلام إجابتهم، وفيها أيضا إنذار وتوكيد معا بأن ذلك آت في اليوم الذي هو في علم الله وأن إيمان الكافرين في ذلك اليوم وندمهم لن يجدياهم ولن يكون لهم إمهال وفرصة أخرى.[7]
والخلاصة: لا تستعجلوه ولا تستهزئوا، فكأنى بكم وقد حل ذلك اليوم وآمنتم فلم ينفعكم الإيمان، واستنظرتم حلول العذاب، فلم تنظروا.[8]
قُلْ تبكيتا لهم وتحقيقا للحق لا تستعجلوا ولا تستهزئوا فان يَوْمَ الْفَتْحِ يوم ازالة الشبهة باقامة القيامة فان أصله ازالة الاغلاق والاشكال او يوم الغلبة على الأعداء لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ.[9]
ففي هذا الجواب سلوك الأسلوب الحكيم من وجهين: من وجه العدول عن تعيين يوم الفتح، ومن وجه العدول بهم إلى يوم الفتح الحق، وهم إنما أرادوا بالفتح نصر المسلمين عليهم في الحياة الدنيا.[10]
وإظهار وصف الذين كفروا بدل الإضمار، لبيان أن سبب خيبتهم وشقائهم وخسارتهم هي كفرهم.
{ لا ينفع الذين كفروا } أي غطوا آيات ربهم التي لا خفاء بها سواء في ذلك أنتم وغيركم ممن اتصف بهذا الوصف.[11]
{قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ} أَيْ: إِذَا حَلَّ بِكُمْ بَأْسُ اللَّهِ وسَخَطه وَغَضَبُهُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْأُخْرَى، {لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غَافِرٍ: 83-85].[12]
الخلاصة: قُلْ يا أكمل الرسل في جوابهم يَوْمَ الْفَتْحِ هو يوم القيامة المعدة لتنقيد الأعمال والحساب فيومئذ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا في النشأة الاولى مدة اعمارهم إِيمانُهُمْ فيها وَلا هُمْ يومئذ يُنْظَرُونَ ولا يمهلون حتى يتداركوا ما فوّتوا على أنفسهم طول عمرهم من الايمان بالله والامتثال بأوامره والاجتناب عن نواهيه وتصديق الرسل والكتب وجميع معالم الدين وشعائر الإسلام وبعد ما قد تمادوا في الغفلة والضلال وبالغوا في العتو والعناد.[13]
من هداية الآية:
لا ينبغي الرد على أهل الباطل ومجاراتهم بكل ما يريدون، فهنا الكفار سألوا بمتى؟ فأجابهم الله بجواب بليغ حكيم، يتعلق بحقيقة ما يحصل وما فيه عظة ومنفعة لو كانوا يعقلون!
على الإنسان أن يحتاط ويقدم لنفسه من العمل الصالح في الدنيا، قبل فوات الأوان وعندها ولات حين مندم!
الدنيا دار عمل وابتلاء واختبار، أما الآخرة فهي دار حساب وثواب أو عقاب.
إذا سألك سائل على وجه العناد والاستهزاء والتكذيب، فلك أن تجيبه بجواب حكيم بعيد عن ما يريد من السؤال، ولا تجاريه لما يريد.
علم وقوع الساعة يوم القيامة مما اختصه الله عنده، فلا نبي مرسل ولا ملك مقرب يعلم وقت حدوثها، وعندما سئل عليه الصلاة والسلام عنها قال: ما المسؤول عنها لابأعلم من السائل.
مع ذلك لما استيقنا بأن الساعة ستقع وتأتي، وكل آت قريب، كما قال سبحانه ( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ )[14]، لابد من الاستعداد لها على أتم وجه.
سئل عليه الصلاة والسلام عن أشياء فلم يجب، ( ويسألونك عن الروح ... ).
ومن دلالة الآية أن الله سبحانه أثبت بشرية النبي عليه الصلاة والسلام، ( قل إنما أنا بشر مثلكم .. ).
وظيفة النبي عليه الصلاة والسلام التخويف والنذارة، من خلال جوابه ( قل يوم الفصل لا ينفع الذين كفروا إيمانهم )، إذ فيها معنى التخويف والتهديد والوعيد بهذا اليوم.
على المسلم أن يشغل وقته وفكره بالعلم النافع والشيء المفيد، فلا يسأل أسئلة تعنت وجدال لا تنفعه لا في الدنيا ولا في الآخرة.
لا ينبغي لمن لا يعلم أن يتكلم بلا علم، فأعلم الخلق نبينا عليه الصلاة والسلام، عندما سئل عن وقت وقوع الساعة، فما أجاب عليه الصلاة والسلام، لأنها ليست من تخصصه، ووصية كثير من السلف الصالح يقولون: ينبغي على العالم أن يعلم جلسائه كلمة" الله أعلم"، لذلك ثبت عن بعض الصحابة والتابعين أن كلمة" لا أدري" نصف العلم!
وعن محمد بن عجلان يقول: إذا ترك العالم " لا أدري " أصيبت مقاتله!
وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: العلم ثلاثة كتاب ناطق، وسنة ماضية، ولا أدري.
قال الشعبي لا أدري نصف العلم .
وعن الاثرم : سَمِعت أحمد بن حنبل يُكْثِر أن يقول : لا أدري.
وعن الهيثم بن جميل: شَهِدْت مالكا سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في ثنتين وثلاثين منها لا أدري .
من المعيب جدا أن يتكلم الإنسان بلا علم خصوصا من يحسن الظن به في العبادة والزهد والورع، ويقول بذلك عمر بن عبد العزيز: العابد الجاهل ما يفسد أكثر مما يصلح.
ينبغي للعالم أو الداعية أن يصرف الناس إلى ما فيه نفعهم وخيرا لهم حتى لو سألوا عن أشياء لا فائدة منها.
اللهم انفعنا بالقرآن وارفعنا بالقرآن، واجهلنا حجة لنا يوم نلقاك.


---------------------------
[1] الشعراوي.
[2] ( النساء:17-18).
[3] ابن عاشور.
[4] السعدي.
[5] التفسير الوسيط.
[6] الشعراوي.
[7] التفسير الحديث.
[8] المراغي.
[9] روح البيان.
[10] ابن عاشور.
[11] البقاعي.
[12] ابن كثير.
[13] الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية.
[14] ( النحل:77).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 29-10-2021, 01:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر قرآنية" سورة السجدة"


خواطر قرآنية" سورة السجدة" ( 30)
أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله منزلَ الكتاب، ومجريَ السحاب، ومعلمَ العلوم والآداب، خالقَ الناس من تراب، ناصر المؤمنين العزيزِ الوهاب، والصلاة والسلام على خير من صلى وتاب، وجميع الآل والأصحاب ومن تبعهم إلى يوم المئاب، وبعد:
مع آخر آية من سورة السجدة، تلك السورة التي تبعث الطمأنينة، وتحقق اليقين في القلب، وتدفع إلى الخضوع للعزيز الحكيم، إذ يختمها الله سبحانه وتعالى بخاتمة قوية، بتوجيه رباني فيه تسلية وزيادة يقين وثقة بموعود الله ونصره، (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ ).
الفاء هنا سببية، أي بسبب تعنتهم واستكبارهم وعدم خضوعهم وانتفاعهم، من الآيات البيات والحجج الدامغات، سيحل عليهم العذاب فانتظر ذلك كما هم يتربصون بك الدوائر، واترك جدالهم وابتعد عنهم.
كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لشدة حرصه على نفعهم ربما أحب إعلامهم بما طلبوا وإن كان يعلم أن ذلك منهم استهزاء رجاء أن ينفعهم نفعاً ما، سبب سبحانه عن إعراضه عن إجابتهم، أمره لهذا الداعي الرفيق والهادي الشفيق بالإعراض عنهم أيضاً، فقال مسلياً له مهدداً لهم: {فأعرض عنهم} أي غير مبال بهم وإن اشتد أذاهم {وانتظر} أي ما نفعل بهم مما فيه إظهار أمرك وإعلاء دينك، ولما كان الحال مقتضياً لتردد السامع في حالهم هل هو الانتظار، أجيب على سبيل التأكيد بقوله: {إنهم منتظرون } أي ما يفعل بك وما يكون من عاقبة أمرك فيما تتوعدهم به وفي غيره، وقد انطبق آخرها على أولها بالإنذار بهذا الكتاب.[1]
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ الفاء للسببية يعنى إذا عرفت حالهم وما لهم فاعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم.[2]
لا تحزن يا محمد – عليه الصلاة والسلام-، مهما قالوا وفعلوا وأعرضوا وكذبوا واستكبروا؛ فإنا سنظهرك وننصرك عليهم، فانتظر النصرة عليهم والقضاء والفتح وهلاكهم لصدق وعدي، في الدنيا والآخرة، فهم ينتظرون الغلبة عليك، وحوادث الزمان بك، من موت أو قتل فيستريحوا منك، وأنى لهم ذلك فأنت مؤيد ومنصور ومحفوظ بحفظ الله، والله لا يخلف الميعاد.
وَانْتَظِرْ هَلَاكَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ هَلَاكَكَ، وَعَلَى هَذَا فَرَّقَ بَيَّنَ الِانْتِظَارَيْنِ، لِأَنَّ انْتِظَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ وَعْدِهِ وَانْتِظَارَهُمْ بِتَسْوِيلِ أَنْفُسِهِمْ وَالتَّعْوِيلِ عَلَى الشَّيْطَانِ وَثَانِيهَا: وَانْتَظِرِ النَّصْرَ مِنَ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ النَّصْرَ مِنْ آلِهَتِهِمْ وَفَرَّقَ بَيْنَ الِانْتِظَارَيْنِ وَثَالِثُهَا: وَانْتَظِرْ عَذَابَهُمْ بِنَفْسِكَ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ بِلَفْظِهِمُ اسْتِهْزَاءً.[3]
(فأعرض عنهم) قيل: معناه فأعرض عن سفههم ولا تجبهم إلا بما أمرت به.[4]
سَتَرَى أَنْتَ عَاقِبَةَ صَبْرِكَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَدَاءِ رِسَالَةِ اللَّهِ، فِي نُصْرَتِكَ وَتَأْيِيدِكَ، وَسَيَجِدُونَ غِبَّ مَا يَنْتَظِرُونَهُ فِيكَ وَفِي أَصْحَابِكَ، مِنْ وَبِيلِ عِقَابِ اللَّهِ لَهُمْ، وَحُلُولِ عَذَابِهِ بِهِمْ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.[5]
هذا الإعراض مؤقت وليس دائم، فلابد من البلاغ وإقامة الحجة ودعوة الناس لدين الله، وهذه من أعظم الوظائف والمهام.

من هداية الآية:
الاشتغال بما ينفع وترك ما ليس فيه فائدة أو من وراءه نفع.
ترك الجدال والمراء لمن هذه صفات لازمة له ولا يريد الحق ولا يطلبه.
وفى الآية حث على الانتظار والصبر.[6]
على المسلم أن يعرض عن المشركين والجاهلين والمعاندين والمستهزئين، الذين لا يرجى انتفاعهم ولا استجابتهم.
ما مضى معنا من خواطر، هي تأملات في سورة السجدة ترسخ العديد من الحقائق وقد اشتملت على عدة موضوعات من أبرزها:
اليقين بالقرآن، ( لا ريب فيه ).
تأملوا كيف رجعت السورة إلى أولها لما قال( وانتظر إنهم منتظرون )، لأن هذا الوعد جاء بهذا الكتاب الذي لا ريب فيه.
إثبات رسالة النبي عليه الصلاة والسلام.
إثبات وحدانية الله تعالى، وأنه المتصرف في الكون، المدبر له على أتم نظام وأحكم وجه.
إثبات البعث والنشور والمعاد.
تفصيل خلق الإنسان في النشأة الأولى، وبيان الأطوار التي مرت به، حتى صار بشرا سويا.
وصف الذلة والمهانة التي يكون عليها المجرمون يوم القيامة، وطلبهم الرجوع إلى الدنيا لإصلاح أحوالهم، ورفض ذلك لأنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون.
تفصيل أحوال المؤمنين في الدنيا، وما أعده الله لهم من الثواب العظيم والنعيم المقيم في الآخرة.
استعجال الكفار لمجيء يوم القيامة، استبعادا منهم لحصوله.
كم نحن بحاجة لتدبر كلام ربنا، والوقوف على فرائده وفوائده ومواعظه، كي ننتفع عمليا وينعكس ذلك في سلوكنا، ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )، فالقلب الذي لا يتدبر كلام الله فهو مقفل مؤصد مغلق عياذا بالله.
فمن أراد الرفعة والعزة والمكانة والعلو والسؤدد، فعليه بالقرآن، فهو نور الله المبين وحبله المتين، من حكم به عدل، ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم.
أخرج مسلم في صحيحه، أنَّ نافعَ بنَ عبدِ الحارثِ لقِيَ عمرَ بعُسْفانَ. وكان عمرُ يستعملُه على مكةَ. فقال: من استعملتَ على أهلِ الوادي؟ فقال: ابنَ أبْزَى. قال : ومنِ ابنُ أبْزَى؟ قال: مولى من موالينا. قال: فاستخلفتُ عليهم مولًى؟ قال: إنه قارئٌ لكتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ. وإنه عالمٌ بالفرائضِ. قال عمرُ: أما إنَّ نبيَّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد قال" إنَّ اللهَ يرفعُ بهذا الكتابِ أقوامًا ويضعُ به آخرِينَ.
ومن رفعة هذا القرآن لأصحابه الارتقاء بمنازل الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها.[7]
اللهمَّ اقسِمْ لنا من خَشيتِك ما يحولُ بيننا وبين معاصِيك, ومن طاعتك وما تُبَلِّغُنا به جنَّتَك, ومن اليقينِ ما يُهوِّنُ علينا مُصيباتِ الدُّنيا, ومَتِّعْنا بأسماعِنا وأبصارِنا وقوَّتِنا ما أحيَيتَنا, واجعلْه الوارثَ منا, واجعلْ ثأْرَنا على مَن ظلمَنا , وانصُرْنا على من عادانا, ولا تجعلْ مُصيبتَنا في دِينِنا, ولا تجعلِ الدُّنيا أكبرَ همِّنا, ولا مَبلغَ عِلمِنا, ولا تُسلِّطْ علينا من لا يَرحمُنا.
اللهم إنا عبيدك، بنو عبيدك، بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا.
اللهم علمنا منه ما جهلنا، وذكرنا منه ما نسينا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، على الوجه الذي يرضيك عنا.
اللهم اجعلنا ممن يحفظ حروفه ويقيم حدوده، ولا تجعلنا ممن يحفظ حروفه ويضيع حدوده.
اللهم زينا بالقرآن، وجملنا بالقرآن، وانفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله حجة لنا لا علينا، واجعله شافعا لنا يوم نلقاك.

------------------------------
[1] البقاعي.
[2] التفسير المظهري.
[3] مفاتيح الغيب.
[4] القرطبي.
[5] ابن كثير.
[6] روح البيان.
[7] صحيح الجامع برقم 8121.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 180.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 174.80 كيلو بايت... تم توفير 6.08 كيلو بايت...بمعدل (3.36%)]