الاستفادة من منهج ابن كثير في كيفية الدعوة في العصر الحاضر - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12495 - عددالزوار : 213433 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-07-2021, 08:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي الاستفادة من منهج ابن كثير في كيفية الدعوة في العصر الحاضر

الاستفادة من منهج ابن كثير في كيفية الدعوة في العصر الحاضر
مبارك بن حمد الحامد الشريف



إن منهج ابن كثير الدعويَّ في كيفية الدعوة إلى الله من خلال توجيهاته السديدة، ونصائحه المفيدة، ومن خلال استخدامه لأساليب ووسائل الدعوة المختلفة، يمكن للداعية المعاصر أن يستفيد منه، لا سيما في هذا الزمن الذي تعدَّدت فيه وسائلُ وأساليب للدعوة لم تكن معروفة من قبل؛ كالإذاعة والتلفاز، والأقمار الصناعية، والتسجيلات الصوتية والهاتف، والشبكة العالمية "النت"، وأقراص الليزر الممغنطة (cd)، والسينما والمسرح، والصحف والمجلات، والملصقات وغيرها من الوسائل والأساليب الكثيرة.

والذي يتعين على الداعية استخدامها، والاستفادة منها وتطويرها، وتوجيهها وفق الضوابط والمقاصد الشرعية لهذه الأساليب والوسائل، ووفق المنهج الدعوي الصحيح الذي دعا إليه ابن كثير، وهو الدعوة إلى الله على بصيرة وبرهان، كما هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن سار على دربهم.

فالداعية المعاصر يستفيد من منهج ابن كثير الدعوي في كيفية الدعوة إلى الله في استخدام وتطبيق الأساليب والوسائل التي استخدمها ابن كثير في نشر الخير والعلم والدعوة إلى الله، وكذلك باستخدام الوسائل والأساليب الحديثة والجديدة وتطويرها وتوجيهها وفق الضوابط والقواعد والمقاصد الشرعية التي بيَّنها ابن كثير ورسمها ودعا إليها، فيمكن للداعية المعاصر أن يستفيد من ذلك في دعوته في الوقت الحاضر من عدة جوانب، منها:
1- اعتناء ابن كثير رحمه الله بإبراز المنهج الدعويِّ الصحيح الذي يلزم الداعيةَ إلى الله سلوكُه، والسير على نهجه، وعدم الخروج عنه، وهذا المنهج هو الذي سلكه وسار عليه قدوة الدعاة وسيدُهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، ومن جاء بعدهم وسلك منهجهم من الدعاة والمصلحين، بل هو المنهج الذي أمر الله رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يسلكه ويلتزم به هو ومن اتبَعه، وهو أن يدعو إلى الله على بصيرة وبرهان، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]، فالله سبحانه وتعالى أمَر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبيِّن المنهج الذي يسير عليه في دعوته هو ومن اتبعه، وأن هذه سبيله؛ أي: طريقه ومسلكه وسنته... يدعو إلى الله على بصيرة من ذلك ويقين وبرهان هو وكلُّ من اتبعه[1].

فالدعاة إلى الله في هذا العصر عليهم أن يلتزموا في دعوتهم إلى الله بسلامة المنهج وصحته، وهو ما دعا إليه ابن كثير رحمه الله، لا سيما ونحن في عصر قد كثُر فيه الخلاف والتباين حول منهج الدعوة وطرقها وأساليبها بين الدعاة إلى الله، فمثلًا اضطراب كثير من المنتسبين إلى العمل الإسلامي في تحديد مدلول جماعة المسلمين الواجبة اضطرابًا عظيمًا، وتفاوتت اجتهاداتهم في ذلك ما بين من يرى الجماعة أصلًا من أصول الدين لا تثبُت صفةُ الإسلام ابتداءً إلا باستيفائه، وما بين مبدِّع لكافة صور التجمعات الإسلامية المعاصرة، قاصرًا معنى الجماعة على الاجتماع على الخليفة المتمكن الذي يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق، ويردُّ المظالم، وما بين من يرى نفسه أو القلة القليلة التي حذَتْ حذوه هم الجماعة، فأنزل عليها النصوص الواردة في لزوم الجماعة والتحذير من مفارقتها، فمن تبعه كان من الجماعة، ومن خالفه فقد خرج عن الطاعة وفارق الجماعة، مع ما يستتبعه ذلك من التكفير أو التبديع في أحسن الأحوال، إلى من يرى أنه لا وجود للجماعة على الإطلاق إلا بعد قيام الدولة ونصب الإمام وانقياد الأمَّة له، فنتج عن ذلك ما نتج من آفات التعصب والتدابر وفسادِ ذات البَين.

2- ومن ملامح المنهج الدعويِّ الصحيح الذي دعا إليه ابن كثير في كيفية الدعوة إلى الله: أن يدرِك الداعية أن مهمته البلاغ كما أرشَدَ الله سبحانه وتعالى رسوله إلى ذلك، وبيَّن له أن مهمته البلاغ، وأن الواجب عليه دعوة الناس وتبليغهم هذا الدِّين، أما هدايتهم فهي إليه سبحانه؛ لأنه كما قال ابن كثير مَن "كتب الله عليه الشقاوة فلا مسعد له، ومن أضَلَّه فلا هادي له، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وبلِّغْهم الرسالة، فمن استجاب لك فله الحظ الأوفر، ومن تولى فلا تحزنْ عليهم، فلا يهمنك ذلك ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ﴾ [الرعد: 40]،وقال: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7]"[2].

وحيث إنه صلى الله عليه وسلم "يحرص أن يؤمن جميعُ الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذِّكر الأول، ولا يضل إلا من سبق له الشقاوةُ في الذِّكر الأول"[3].

فالدعاة إلى الله في هذا العصر يجب أن يتنبهوا لذلك، ويستفيدوا من هذا المنهج الذي دعا إليه ابن كثير؛ لأن اعتقاد بعض الدعاة في هذا العصر أن هداية الناس هي من مسؤوليته وواجبه أوقَعَ بعضهم في تبنِّي الفتاوى الشاذة، أو الأقوال المرجوحة والضعيفة؛ رغبة في التيسير على الناس - كما يتصوره ويظنه - وهو في الواقع استجابة ومسايرة لشهوات الناس ورغباتهم وأهوائهم ولو كانت مخالفة للشرع، كل ذلك باسم المنهج الوسطي والوسطية وتقديم الإسلام للآخرين بصورة محبَّبة ومقبولة[4]، وما درى أولئك أن موافقة الشرع واتباع النصوص هي اليسرُ والوسط، كما قال سبحانه: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وقال سبحانه: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقال سبحانه: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143].

فاتباع الشرع والالتزام به هو المنهج الوسط، وهو اليسر وعدم العنت، بينما مخالفة النصوص وتحريفها، واتباع الأقوال الشاذة والآراء المرجوعة هو الزيغ والهلاك، والانحراف ومخالفة مقصود الشريعة، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: "من تأمَّل موارد الأحكام عرَف أن الشريعة حملٌ على التوسط، وليس ميلًا إلى الرخص في الفتيا؛ لأن بعض أهل العلم يتحرى الفتوى بالقول الذي يوافق هوى المستفتي، بناء على أن الفتوى بالقول المخالف لهواه تشديدٌ عليه وحرج في حقه، وأن الخلاف إنما كان رحمةً لهذا المعنى، وليس بين التشديد والتخفيف واسطة، وهذا قلبٌ للمعنى المقصود في الشريعة"[5].

3- ومن الملامح أيضًا أنه لا يسوغ للدعاة إلى الله أن يُكرِهوا أحدًا على الدخول في دين الله؛ لأن المُكرَهَ لا يفيده الدخولُ في دين الله وهو مكرَه مقصور، يقول ابن كثير عند تفسير الآية: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256]: "لا تكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام؛ فإنه بيِّنٌ واضح جلي دلائله وبراهينه، ولا يحتاج أن يُكرَهَ أحدٌ على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوَّر بصيرته، دخل فيه على بيِّنة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهًا مقصورًا"[6].

ومن الخطأ عند الإمام ابن كثير رحمه الله أن يدعو الإنسان ويحاجَّ فيما لا علم له به، فكما أن الداعية مطالب أن يدعو إلى الله على بصيرة، فكذلك لا يجوز له أن يدعو ويحاجَّ فيما لا علم له به، فيقول عند تفسير الآية: ﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [آل عمران: 66]: "هذا إنكار على من يحاجُّ فيما لا علم له به، فإن اليهود والنصارى تَحاجُّوا في إبراهيم بلا علم، ولو تحاجُّوا فيما بأيديهم منه علم مما يتعلق بأديانهم التي شرعت لهم إلى حين بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، لكان أولى بهم، وإنما تكلموا فيما لم يعلموا، فأنكَر الله عليهم ذلك"[7].

وأمر آخَر لفت ابن كثير النظر إليه وهو مما يستفيد الداعية في قيامه بالدعوة، وهو أن يحرص الداعية على صلاح نفسه، وفعل الخير والدعوة إلى الله، ولا ينظر إلى فساد الناس بحيث يكون ذلك عائقًا ومثبطًا له في طريق دعوته، فيقول رحمه الله عند تفسير الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]: "يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين أن يصلِحوا أنفسَهم، ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم، ويخبرهم أنه من أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس، سواء كان قريبًا أو بعيدًا"[8].

4- ومن الجوانب التي يمكن للداعية المعاصر أن يستفيد منها في منهج ابن كثير في كيفية الدعوة إلى الله: استخدامه رحمه الله لأسلوب المناظرة والحوار والمجادلة، وأنه يجب على من يقوم بذلك أن يكون على علم ومعرفة، وأن تكون بالتي هي أحسن، والناظر في منهج ابن كثير رحمه الله الدعويِّ يجد أنه حاوَر العلماء[9]، وحاوَر الحكام[10]، كما حاوَر أهل البدع من الرافضة ونحوهم، وكذلك حاور غير المسلمين من النصارى، ولكل حوار من ذلك طريقته وأسلوبه وأدبه.

والدعاة إلى الله في هذا العصر يتعين عليهم "أن يكون لهم حوار مع أنفسهم أولًا، يناقشون فيه قضاياهم، ويَحُلُّون فيه كثيرًا من خلافاتهم ومشاكلهم، ويضعون الأسس فيما يُقبَل الخلاف فيه وما لا يُقبل، وحوار مع مشايخهم وعلمائهم يناصحون فيه، ويستفيد الصغير من الكبير، ويُعرف فيه لأهل العلم والفضل حقُّهم، ملتزمين في ذلك أدب العلماء وطريقة السلف الصالح في مناقشة الأمور المختلف فيها، وبيان الخطأ الذي ربما وقع فيه أحدهم، فالخطأ والنسيان لا يسلم منهما أحد من الناس، وأهل السنة لا يعتقدون العصمة لعلمائهم ومشايخهم"[11].


وكذلك يكون للدعاة في هذا العصر حوارٌ مع أهل البدع والضلال، يدعونهم إلى الحق، ويقيمون عليهم الحجة، ويكشفون زيفهم وضلالهم؛ حتى يكونوا على بينة من أمرهم[12].

وكذلك حوار بعض الدعاة مع غير المسلمين لدعوتهم إلى الإسلام، وإقامة الحجة عليهم بصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصدق ما جاء به من القرآن الكريم، ورد الشبهات التي تثار حول الإسلام ونَبِّيه والقرآن الكريم، وفي نفس الوقت كشف وتوضيح ما حصل في كتبهم المقدسة من التحريف والتبديل والتغيير[13].

وهكذا فالدعاة إلى الله اليوم هم بأمسِّ الحاجة إلى الحوار المفيد البناء، القائم على العلم والمعرفة، الملتزم بأدب الإسلام، المتأسَّى فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحابته الكرام ومن سار على نهجهم من الدعاة والمصلحين.

5- ومن الجوانب التي يمكن للداعية المعاصر أن يستفيد منها في منهج ابن كثير الدعوي في كيفية الدعوة: نظرة ابن كثير للعقل واعتباره أشرف ما في الإنسان، وتحديد علاقته بالنقل وأن العقل لا يمكن أن يستقل عن النقل بمعرفة الحق والباطل والحسن والقبيح، وأن النقل الصحيح لا يتعارض مع العقل الصريح، وكذلك إنكاره رحمه الله على من عارض النصوص بالرأي، وأن الغلو في تقديس العقل يؤدي إلى الانحراف والضلال ونحو ذلك مما بيَّنه ابن كثير حول العقل ومكانته ومنزلته وحدوده.

فالدعاة إلى الله يتعين عليهم أن يستفيدوا من هذا المنهج الذي أشار إليه ابن كثير تجاه العقل، خصوصًا ونحن في هذا العصر الذي وُجد فيه اتجاه "يمجِّد العقل الإنساني، ويغالي في تقديمه على الدِّين، وتحكيمه في عالمَي الغيب والشهادة، ويعطي العقل وأحكامه اعتبارًا فوق اعتبار النصوص الشرعية الثابتة عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويجعل العقل وسيلة الإثبات وأساس الحكم على الأشياء وطريق القَبول لها"[14].

وبتأثير هذا الاتجاه قام بعض الدعاة في هذا العصر إلى "تفسير الإسلام في مصادره وأصوله تفسيرًا عقلانيًّا ماديًّا، دون اعتبار لدلالات اللغة، وأصول الدين، ومفاهيم النصوص، وعمل المسلمين وإجماعهم، وتفسير الوحي والدين والنبوات والغيب والمعجزات والقدَر على مقتضى المفاهيم العقلانية البشرية المحدودة، والكشوفات العلمية المحسوسة، والنظريات الغربية المادية، والتجديد والنظر في الإسلام - بحسب مقتضيات العصر الحديث - عقديًّا وتشريعيًّا وتاريخيًّا؛ ليساير الفكر الغربي والحياة الغربية المتقدمة، وإخضاعه للسيادة العقلانية كما فعل الغرب بالكنيسة ودينها المحرَّف"[15].

6- ومن الجوانب أيضًا التي يمكن للداعية المعاصر أن يستفيد منها من منهج ابن كثير الدعوي في كيفية الدعوة إلى الله: أن طرق المعرفة ومصادرها تشمل الوحي والكون، خلافًا للتصورات الغربية التي قصَرتْ ثبوت مصادر المعرفة وحقائق العلم على ما يثبُت عن طريق الحس والتجربة والعقل فحسب، وأن ما وراء ذلك إنما هو خرافة، فما يثبت بطريق الوحي والدِّين أيًّا كان فهو خرافة ومفهومات غير علمية، وقد تأثَّر بهذه التصورات الخاطئة بعض الدعاة من المفكرين والباحثين، فظنوا أن الوحي المنزَّل من الله سبحانه كالقرآن الكريم والسُّنة المطهرة، والأخبار التي وردت في الوحي عن اليوم الآخر والجنة والنار وعذاب القبر والملائكة، بل وجميع الحقائق الدينية، كل ذلك لا يعتبر ثبوتها عن طريق مصادرَ علمية يقينية، بل تسمى مصادرها دينية أشبه ما تكون بالظن والخرافة.

7- ومن الجوانب التي يمكن أن يستفيد منها الداعية المعاصر من منهج ابن كثير الدعوي في كيفية الدعوة إلى الله: عناية ابن كثير بضبط المصطلحات والألفاظ ومعانيها، وحرصه رحمه الله على اتباع المنقول من المصطلحات، وأثر مخالفة المصطلحات في اللغة والشرع على الاختلاف العلمي والعملي على الأمَّة، وقد أشرنا إلى ذلك بالتفصيل عند الحديث عن عناية ابن كثير بالمصطلحات، فيمكن للداعية المعاصر أن يستفيد من ذلك بتحرير المصطلحات والألفاظ والوقوف عندها، ورفض بعضها، أو إعادة تفسيرها بما يناسب الشرع والدين، وألا يقعوا في خطأ تأويل النصوص الشرعية بقصد التوفيق بينها وبين تلك المصطلحات التي استهوت العقول دون أن يدركوا واقعها وحقيقة أمرها، وخطورة ما تحمل من مفاهيم وأفكار مناقضة للإسلام بل هادمة له.

فمثلًا تصوُّرُ بعض الدعاة إلى الله في هذا العصر لمصطلح الديمقراطية بأنها تعني الممارسة الشورية، ونبذ الاستبداد والتسلط والدكتاتورية - تصوُّرٌ قاصر؛ لأن الديمقراطية في مفهومها الصحيح "تقف من الدين موقفًا محايدًا[16]، وتعزله عن الحياة الاجتماعية والسياسية، فهي تترك الناس أحرارًا فيما يعتقدون، لكن تقول لهم: لا دخل لذلك كلِّه في السياسة ولا في القانون، وقد نشأت هذه الفكرة نتيجة الصراع بين الكنيسة والأمراء الذين يدَّعون لأنفسهم حقًّا إلهيًّا في الحكم وبين المحكومين، فتوصَّل المفكرون إلى حل وسط يترك الناس وما يدينون، لكنه يبعد الدين والوحي عن التأثير في الحياة، ولا يُعترف به مصدرًا ومرتكزًا للحقوق والقيم، وإنما يكون الشَّعب هو مصدر ذلك كلِّه، وينطق عنه نوَّابُه الذين يختارهم حسب مبدأ الأكثرية في التصويت"[17]، وحتى لو أضيف إلى هذا المصطلح كلمة (إسلامية)، فيصبح المسمى ديمقراطية إسلامية، فيتعين على الدعاة ويجب عليهم أن يرفضوا ذلك، ولا يغتروا به، ولايدعوا الناسَ إليه؛ "لأن المشرِّع الحكيم نهانا أن نستخدم عبارات وكلمات يوظِّفها خصومنا توظيفات مشبوهة، ويحاربون بها مبادئنا، فنرفض ذلك لأننا حينما نقول: (ديمقراطية إسلامية) نكون قد أحدَثْنا مزجًا ومواءمة بين الإسلام وغيره، وإن نظام الإسلام لا يقبل المزج بغيره؛ لأنه كامل وغير محتاج للاستدراك، وكل إضافة عليه ابتداعٌ آثمٌ فاعلُها"[18].

8- ومما يمكن أن يستفيده الداعية المعاصر من منهج ابن كثير الدعوي في كيفية الدعوة إلى الله: استخدام ابن كثير لأساليب الدعوة ووسائلها الممكنة في عصره؛ كالتدريس والإفتاء، والردود العلمية، والاتصالات والمراسلات الشخصية ونحوها، مما يمكن للداعية أن يستخدمها مستثمرًا ومستفيدًا من التطور التقني في هذا العصر، وملتزمًا بالضوابط والقواعد الشرعية التي بيَّنها ابن كثير في سلامة المنهج، وصحة الوسائل والأساليب.

فإذا كان التأليف مثلًا في عصر ابن كثير يتم على نطاق ضيِّق ومحدود، فإنه الآن، وبسبب وجود الآلات الحديثة من المطابع ونحوها، يستطيع الداعية أن يُدَبِّجَ المقالات، ويكتب الرسائل والمؤلَّفات الكثيرة، ويتمكن من قراءتها والاطلاع عليها عددٌ كبير من الناس.

وكذلك الاتصال الشخصي أو المراسلات الشخصية، إذا كانت في ذلك الوقت لا تتم إلا بشكل محدود، وأحيانًا قد يصعب الاتصال، أو يستغرق الوصول إلى بعض الناس زمنًا طويلًا، فإنه في هذا العصر يتم التواصل - كما هو معلوم - خلال دقائق معدودة، سواء كان اتصالًا مباشرًا أو غير مباشر، من خلال الفضائيات والهاتف والفاكس والإنترنت ونحو ذلك من الوسائل الكثيرة والمتعددة.

فالدعاة إلى الله في هذا العصر إذا لم يُسخِّروا هذه الوسائل والأساليب والأدوات الحديثة، ويستفيدوا منها في نشر الخير والفضيلة، والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا فستكون وسائلَ وأدواتٍ وطرقًا لنشر الفساد والكفر والإباحية والأفكار الضالة، كما هو الحال في وسائل الإعلام اليوم التي تمثِّل أكبر تحدٍّ يواجهه المسلمون في هذا العصر[19].

وأخيرًا فيمكن أن يستفيد الداعية المعاصر من منهج ابن كثير الدعوي في كيفية الدعوة إلى الله من بعض الجوانب التي ذكرناها، والتي هي بمثابة التوجيه السديد، والنصائح المفيدة للدعاة في هذا العصر؛ كتوجيه ابن كثير رحمه الله الداعية بانتهاز الفرص واستغلال المناسبات، وترتيب الأولويات والعناية بما هو أهم وبما يحتاجه المدعوُّ، وكذلك تنويع أوقات الدعوة وأساليبها، وأن تعم دعْوتُه جميع الناس، وغير ذلك[20] من المجالات والطرق والأساليب والوسائل، وغيرها من المناهج الدعوية المختلفة التي استخدمها ابن كثير رحمه الله في الدعوة إلى الله بجميع أركانها، سواء كانت من المناهج العاطفية التي تثير الجوانب الروحية والإيمانية، أو المناهج العقلية التي تعتمد على الحُجة والمنطق والحوار والعقل، أو المناهج الحسية التي تلفت النظر إلى ما هو موجود ومشاهَد في الحياة والكون والأنفس.

[1] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 610.

[2] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 61.

[3] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 61.

[4] ولذلك نجد أن بعض الدعاة إذا قال للإنسان كلامًا، أو دعاهم إلى أمر، فإنه يحب ويرغب أن يقبل منه الناس هذا الكلام وهذه الدعوة، ويستعجل النتيجة في قبول الآخرين لما يدعوهم إليه من الحق والخير، فإذا لم يفعلوا هذا غرَّه شياطين الإنس والجن على أن يُغَيِّر هو في دعوته كي تناسب ما عندهم هم؛ ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى حذَّر رسوله صلى الله عليه وسلم من أمثال هؤلاء، فقال: ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 73 - 75]، وقوله سبحانه: ﴿ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ﴾ هذا كلام في غاية الأهمية؛ وذلك لأن دعاة الباطل والكفار يغرُّون الداعية بأنه إذا غيَّر هنا أو غيَّر هناك، أو أوَّل الدين، أو فسَّره بما يناسب أهواءهم، فإنهم يحبُّونه ويعظِّمونه.
وهذا ما يحدث الآن في واقعنا، فإن المستشرقين وأمثالهم كثيرًا ما يمدحون الدعاة أو المنتسبين إلى الإسلام الذين يعمدون إلى مثل هذا التغيير، فيصفونهم بسَعة الأفق، وفهمهم العصر، ويصفونهم بأنهم يجعلون الدِّين للناس يسرًا، ويصفونهم بأنهم أذكياء، وبأنهم متحررون، وهذا يغرُّ الإنسان فيتمادى في التحريف، وهم لا يريدون لهذا التحريف أن يقف عند حد، فكلما وجدوا إنسانًا أكثر تحريفًا عظَّموه عمن هو أقل منه تحريفًا؛ لأنهم لم يرضوا عنه ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120]، هذه الغاية التي يريدون للإنسان الداعية أن يصل إليها.
وإذا كان هذا قد حدث في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه موجود عندنا الآن، فتجد أن المجتمع والمنحرفين فيه كثيرًا ما يضغطون على الدعاة بأن يفسِّروا الدِّين وأن يؤوِّلوه بما يناسب أهواءهم، والداعية المخلص يظن أنه إذا استجاب لكلامهم فإن هذا مما يدعوهم لأن يقبلوا كلام الله سبحانه وتعالى، ويقبلوا دعوته، ولكن الله سبحانه وتعالى يحذِّر الرسول صلى الله عليه وسلم ويبيِّن له أن الإنسان الصالح الذي يريد الهدى يكفيه هذا الذي أنزلناه إليه، وأما الذي يقترح عليه ويطلب منه أن يُغَيِّر هنا أو يبدِّل هناك لكي يستجاب لدعوته، فإنه لن يستجاب له أبدًا؛ ولهذا يقول سبحانه للرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأنعام: 35] (انظر جعفر شيخ إدريس، مهمة الداعية البلاغ، مجلة التوعية الإسلامية، تصدرها الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، العدد الثاني عشر 18 ذو الحجة 1402هـ السنة الثامنة ص 23-28، بتصرف واختصار).

[5] الموافقات للشاطبي 4/ 259، وانظر عبدالله الطويل: منهج التيسير المعاصر دراسة تحليلية، أسباب ظهور منهج التيسير المعاصر، ص 235 طبعة دار الهدي النبوي بمصر، الطبعة الأولى 1426هـ.

[6] المرجع نفسه 1/ 385.

[7] انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 456.

[8] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 141-142.

[9] انظر مثلًا البداية والنهاية 18/ 688 في حواره مع العلماء والقضاة في أمر المدرسة التدمرية وقرابة الواقف، في أحداث سنة 765هـ، وانظر البداية والنهاية 18/ 708 في حواره مع العلماء في أمر تقي الدين السبكي في أحداث سنة 767هـ.

[10] انظر مثلًا البداية والنهاية 18/ 106 في حواره مع نائب السلطنة في شأن النصارى في أحداث سنة 767هـ.

[11] منهج علي بن أبي طالب في الدعوة إلى الله، د. سليمان العيد، مرجع سابق.

[12] فمثلًا الحوارات والمناظرات التي تعقد في قناة المستقلة الفضائية بين فريق من علماء أهل السنة وبين غيرهم من علماء الشيعة، كان له أثر في معرفة كثير من الناس أمورًا كانوا يجهلونها عن مثل هذه الطوائف والفرق.

[13] سبق أن أشرنا إلى جهود الداعية الإسلامي أحمد ديدات رحمه الله في مناظرة النصارى وإقامة الحجة عليهم، وكشف التحريف والتبديل الذي حصل في أناجيلهم، مما كان لذلك أثر في دخول بعضهم في الإسلام.

[14] الموقف المعاصر من المنهج السلفي في البلاد العربية، للدكتور مفرح القوسي ص 33 طبعة دار الفضيلة، الطبعة الأولى 1423هـ.

[15] الموقف المعاصر من المنهج السلفي في البلاد العربية، للدكتور مفرح القوسي ص 34، وانظر ناصر العقل: المدرسة العقلية الحديثة وعلاقتها بالقديمة، بحث منشور في مجلة كلية أصول الدين بجامعة الإمام بالرياض العدد 3 عام 1400 - 1401هـ ص 251.

[16] بل في الحقيقة مغايرًا ومعاديًا.

[17] رؤية إسلامية للديمقراطية الغربية، عبدالمجيد الحافظ ص 12، 13 طبعة دار وحي القلم، بيروت، الطبعة الأولى 1425هـ.

[18] المرجع نفسه ص 37.

[19] لمعرفة الآثار السيئة والخطيرة لوسائل الإعلام على المجتمعات الإسلامية يمكن الرجوع إلى كتاب (قلاع المسلمين مهددة من داخلها وخارجها) للدكتور محمد عبدالقادر هنادي، ص71، التحديات الإعلامية، مرجع سابق.

[20] للاستزادة في موضوع كيفية الدعوة ينصح بالرجوع إلى ما كتبه شيخنا الدكتور محمد زين الهادي في كتابه (فن نشر الدعوة زمانًا ومكانًا) طبعة دار العاصمة بالرياض، ط1 1409هـ.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.91 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]