تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         لمسات بيانية الجديد 12 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أسئلة بيانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 26 - عددالزوار : 637 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 269 )           »          معنى حديث «من ستر مسلماً ستره الله..» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          صلاة التراويح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          ركعتا تحية المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          حكم صيام من دخل بعض الماء إلى جوفه دون قصد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          دروس رمضانية محمد بن سند الزهراني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 368 )           »          قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 06-07-2020, 05:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (4)
الحلقة (11)




تفسير سورة البقرة (101)

بعد أن استتب الأمر للمؤمنين في المدينة وأمنوا على أنفسهم من أذى الكفار كتب الله عليهم القتال في سبيله سبحانه، فأرسل النبي سرية بقيادة عبد الله بن جحش للاطلاع على أحوال المشركين، فرأى المسلمون عيراً لقريش وكان النبي لم يأمرهم بقتال؛ لأنهم كانوا في شهر من الأشهر الحرم، فقدر الله عز وجل أن يحصل بين الطرفين قتال، فأنكر كفار قريش ذلك من النبي والمؤمنين، فأنزل الله عز وجل عذره للمؤمنين مبيناً أن ما يفعله الكفار من كفر وصد للمؤمنين وإيذاء لهم أشد من إراقة الدماء في الأشهر الحرم، وأنزل سبحانه بشارته لأفراد السرية المؤمنة وبيان معذرته لهم وتجاوزه عنهم فعلتهم.


تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. والآيات التي ندرسها بإذن الله هي قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:217-218]، هاتان آيتان من كتاب الله عز وجل من سورة البقرة.

سبب نزول الآية الكريمة

الآية الأولى لها سبب نزلت به، ومعرفة أسباب النزول تعين على فهم المقصود، يقول تعالى: يَسْأَلُونَكَ [البقرة:217] من المسئول؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألونك يا رسولنا، من السائلون؟ الله أعلم، وهؤلاء السائلون منهم المنافقون، منهم اليهود، منهم ضعفة الإيمان؛ لأن حادثة وقعت بلبلت أفكارهم، ما هذه الحادثة؟ لما استقر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المدينة وقبل وقعة بدر حين أصبح قادراً على الجهاد بعد نزول آية: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ [البقرة:216]، فبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم ينفذ مراد الله، فانتخب سرية من سرايا الإسلام على رأسها عبد الله بن جحش رضي الله عنه، هذا أخو أم المؤمنين زينب بنت جحش ، ومعه بعض أفراد، وقال باسم الله، ابحثوا عن قوافل قريش وتتبعوا تحركاتها، وتعرفوا أحوالها، فذهبوا إلى بطن نخلة، أو بطن وادي نخل بين الطائف ومكة، فعثروا على عير، والعير: القافلة من إبل وغيرها تحمل بضائع، وعلى رأسها عمرو بن الحضرمي ، فاشتبكوا معه، فقتلوا عمرو بن الحضرمي، وأسروا اثنين وأخذوا القافلة، وجاءوا بها إلى المدينة، متى كانت الوقعة؟ كانت آخر يوم من جمادى الثانية، وآخر يوم من جمادى ليس من الشهر الحرام، وأول ليلة هي ليلة رجب، وهو من الشهر الحرم، بل هو أعظم الأشهر الحرم، ما إن سمعت قريش بالحادثة حتى اختنقت وأخذت تصيح: انظروا إلى محمد يستبيح القتال في الشهر الحرام، أين الدين الذين يدعو إليه، وأين الإسلام كما يقول، كيف يستبيح القتال في الأشهر الحرم؟ وجاء الخبر إلى المدينة، وأوقف الرسول الأسرى، ما تصرف فيهم، والغنيمة كذلك، وأخذ المنافقون واليهود والمرضى في هيجان؛ لأن هذه أول سرية في الإسلام، وكثرت التساؤلات، وأبواق المجرمين والمنافقين لا تهدأ، فنزلت هذه الآية فيصلاً: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ[البقرة:217]، أي: يسألونك عن القتال في الشهر الحرام؟ فـ(قتال) بدل، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ[البقرة:217] أي: عن القتال فيه.


معنى قوله تعالى: (قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله)

قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [البقرة:217] إثم كبير، لكن عبد الله رئيس السرية ما قاتل في رجب، قاتل في آخر يوم من جمادى، وأنتم تشنعون وتقولون وهو في آخر يوم من جمادى وما هو في رجب، ثم قد نسلم بأنه: قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [البقرة:217] ولكن وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة:217]، تتبجحون في قضية تافهة، وما تم القتال في الشهر الحرام، لكن نحن نعم نعترف بأن القتال في هذا الشهر الحرام حرام، لكن أنتم الآن خفتم من هذا الإثم، وهو إثم عظيم، ولكن تعالوا ندلكم على ذنوبكم:أولاً: صد عن سبيل الله، وصرف للناس عن الإسلام بالقتال وبالدعاية وبكل وسيلة، هذا الصد هل هو حلال؟ أي إثم أعظم من هذا؟ وَكُفْرٌ بِهِ [البقرة:217] أي: بالله، والشرك به، هل هذا أيضاً شيء قليل؟ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:217] أي: والصد عن المسجد الحرام ومنع المسلمين من دخوله، أهذا أيضاً لا بأس؟ هو أعظم ذنب. وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ [البقرة:217] أي: من المسجد الحرام بطرد المؤمنين حتى هاجروا، هذا أكبر عند الله من كون القتال وقع خطأ في آخر يوم. وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:217]، فتنة المؤمنين حتى يخرجوا من دينهم بالضرب والإحراق بالنار أكبر، هل عرفتم الآن المعنى؟ اسمع الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:217] فأسكتهم.

معنى قوله تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ...)

ثم قال تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:217] لن يفرغوا أبداً من قتالكم ولن ينتهوا حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ [البقرة:217] حسبما يرون وما يزعمون، وهذا كشف عن نيات الكفار، وما يدور في خلدهم، وما هم عليه إلى اليوم. وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:217] لعلة ماذا؟ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، وهذه الجملة تبشرنا بخير، أنهم لا يستطيعون، فقوله تعالى: إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] معناه: لا يستطيعون، لكن تصوراتهم ..فهومهم.. أعمالهم.. تدبيرهم كله على أن لا يبقى إسلام وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].


معنى قوله تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ...)

ثم قال تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ [البقرة:217]، وفي قراءة سبعية: (ومن يرتدّ) بدون فك، مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [البقرة:217] أي: الإسلام فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217] أي: لم يتب ولم يرجع؛ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، حتى لا يفكر مؤمن في أن يرتد، لا لدنيا ولا لغيرها؛ لأنه هبوط لا حد له، فانتبهوا. وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217]، أما إن ارتد وتاب ومات على الإسلام فقد نجا، لكن فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217].

حكم العمل الصالح قبل الردة إذا تاب المرتد

هنا مسألة فقهية: هل العبد إذا ارتد عن الإسلام ولم يمضِ عليه زمان طويل أو قصير حتى تاب، هل أعماله الصالحة التي عملها من الحج والعمرة والصالحات والجهاد تعود له أو يحرمها ويستأنف العمل من جديد؟أعيد القضية: فلان ارتد بعدما عاش عشرين سنة في الإسلام، أصبحت البرنيطة على رأسه والصليب في عنقه، قضى فترة من الزمان تطول أو تقصر ثم تراجع، وندم وعاد إلى الإسلام، هل أعماله الصالحة التي عملها أيام إسلامه تمسح وتنسخ وتحبط بكفره أو لا؟ الجمهور وأكثرية الأئمة على أن أعماله الصالحة لا تعود إليه، إلا الشافعي فإنه يقول: تعود إليه.الجمهور احتجوا بقول الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، والشافعي رحمه الله قال: هذا اللفظ عام، نقيده بقوله: فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217].ونتيجة هذا أن هذا الذي كان قد حج واعتمر وارتد ثم عاد هل يجب عليه الحج مرة ثانية أو يعتبر حجه الأول عملاً صالحاً له؟ الجمهور يرون أن عليه أن يعيد الحج؛ لأن الشرك محبط للعمل مبطل، ما بقي له شيء. ورأي الجمهور أصوب، لقوله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، وبالإجماع أن الشرك مبطل للأعمال محبط لها.يبقى إذا عاد إلى الإسلام، هل أعماله الأولى ترد له ويثاب عليها وقد محاها بكفره؟ الصواب: أنها لا تعود، يستأنف العمل من جديد، فيحج، ويعتمر.

حكم استتابة المرتد

وسؤال ثان في هذه القضية: هل المرتد يقتل فوراً أو يستتاب؟ هل من ارتد يستتاب ثلاثة أيام أو على الفور يساق إلى المشنقة؟ الجواب: يستتاب ثلاثة أيام، ففي الهيئة، أو في مركز الشرطة يعرضون عليه التوبة: تتوب أو لا؟ أتوا بالماء فقالوا: توضأ وصلّ. فقال: ما أنا بمصل، لن أزكي، وهكذا إلى اليوم الثالث، يقولون: ستتوضأ وتصلي أو لا؟ فإذا بقي على المغرب قدر ما يتوضأ ويصلي يقال له: صل. فإن قال: لا ضرب رأسه، ومات كافراً إلى جهنم، ارتد ومات كافراً، فإن هو رجع وقال: أتوب إلى الله وصلى ردوه إلى أهله.


حكم قتل المرأة المرتدة

وهنا سؤال آخر: هل المرأة تقتل بالردة أو لا؟الجمهور على أنها لا تقتل بالردة، تسجن وتعزر حتى تتوب، لِم؟ قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم في قتاله ما قتل النساء ولا الأطفال، وحرم قتل النساء والأطفال في الحرب، لا يحل لمؤمن أن يقتل امرأة إلا إذا حملت السلاح ودخلت المعركة، فهذه مقاتلة، والأطفال كذلك.قالوا: إذاً: وهنا المرأة لِم تقتل؟ ما دام الرسول قد عفا عن قتلها وهي كافرة إذاً: يعفى عنها الآن وهي كافرة، لكن لا بد من تعزير، إن كانت متزوجة يفسخ نكاحها على الفور، فهي حرام لا تحل له.

حكم استتابة المرتد بسبِّ النبي صلى الله عليه وسلم

وهل هناك من يقتل إذا ارتد دون استتابة؟ مالك يقول: نعم، الذي يسب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل على الفور، لا تقبل له توبة ولا يستتاب. ما دليلك يا مالك ؟ قال: إن امرأة في المدينة لها خادم منافق يسب الرسول صلى الله عليه وسلم أمامها، فجاءت بالليل بحديدة وهو نائم، فاعتمدت عليه وقتلته، وذهبت إلى الرسول تخبره، فلم ينكر عليها فعلها، أقرها على ما فعلته؛ لأن سب الرسول صلى الله عليه وسلم ما يطاق، قد يسبون الله، نسبوا إليه العجز والولد، والله عز وجل شأنه عظيم، فيعفى عنهم إن تابوا، لكن سب الرسول معناه: خداع وغش وضرب الإسلام. والجمهور يقولون: يستتاب كغيره فإن تاب وإلا قتل. والأمر واسع، وكله خير.

حبوط أعمال الميت على الردة وخلوده في النار

فهذا دل عليه قوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ [البقرة:217] البعداء حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [البقرة:217] أي: بطلت فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، أهل جهنم، خالدون فيها لا يموتون ولا يخرجون، ملايين السنين، حياة غير قابلة للفناء، وهل للحياة غير القابلة للفناء صور أو لا؟ هذه الشمس كم سنة لها، هل طال عمرها أو لا؟ أهل النار يدخلون في النار ما يموتون، ولا تنتهي، فيها صنوف العذاب وألوان الشقاء وحياة لا تسأل عن مرارتها، ولا موت ولا خروج، أين يخرجون، أجسامهم غير قابلة للموت، فما يموتون.وأهل الجنة فوق أيضاً في عالم كامل، عالمنا هذا ليس قطرة من بحر، أهلها دائماً أحياء لا يموتون ولا يمرضون، هكذا خلقهم الله على صورة غير قابلة للفناء والتحلل والتبخر. وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، هذه الآية خير لكم من عشرين ألف ريال، أما الذين حفظوها وفهموها فوالله! لخير لهم من مائة ألف ريال، فمائة ألف ريال ممكن أن توقعك في البلاء والشقاء، ما تستفيد، في أكثر ما أن تأكل وتلبس؟ ثوب واحد وقرص عيشك لك طول حياتك.

تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله ...)

الآية الثانية قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ [البقرة:218] السامون الأعلون يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ [البقرة:218] لهم رَحِيمٌ [البقرة:218] بهم. هذه نزلت أيضاً في عبد الله بن جحش صهر النبي صلى الله عليه وسلم، إذ هو الذي قاد السرية أو لا؟ هو الذي قتل عمرو بن الحضرمي، وأصبح هو أيضاً الآن خائفاً مع أصحابه، والرسول صلى الله عليه وسلم ما بت في القضية، ما زال الأسرى على ما هم عليه والغنيمة كذلك حتى يجيء حكم الله، فكان في كرب مع أصحابه ينتظرون حكم الله فيهم، بل وحتى جيرانهم والناس كلهم، فقال تعالى مخبراً مؤكداً الخبر: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:218]، عبد الله بن جحش أما آمن ؟ ورفقته أما آمنوا من قبل؟ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا [البقرة:218] أما هاجروا من مكة إلى المدينة؟ وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:218] لا في سبيل الدنيا ولا المال، أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ [البقرة:218]، ورجاء الرحمة: انتظارها برغبة مع حسن الظن بأنها واقعة، ترقب للخير وانتظاره مع الظن للغالب، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:218]، إذاً: غفر لهم ورحمهم فباتوا في هدوء وعاشوا سعداء.هكذا يعامل الله أولياءه من عباده المؤمنين، هذه الآية نزلت في عبد الله بن جحش تساوي الدنيا بما فيها، من هو أو أنا حتى ينزل القرآن فيه ويطمئنه ربه ويبشره بالمغفرة والرحمة؟ فالحمد لله. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:218] ويبقى هذا إلى يوم القيامة: كل من آمن أولاً ثم هاجر من بلاد الشرك والكفر، ثم جاهد مع المجاهدين في سبيل الله، فالكل يرجون رحمة الله .


قراءة في أيسر التفاسير

معنى الآيات

الآن تسمعون شرح الآيتين من الكتاب.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

حرمة دين الله
[معنى الآيتين:لما أخبر تعالى أنه كتب على المؤمنين القتال أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة يتعرف على أحوال الكفار ]؛ لأن الكفار -كما سمعتم- أعطوا جائزة مائة بعير لمن يأتيهم برأس محمد، ما إن خرجوا حتى عرفوا أن الحالة تغيرت، فلا بد -إذاً- من تخطيط عمل وحركات، فأراد الحبيب صلى الله عليه وسلم أن يتعرف على أحوالهم، فبعث سرية بقيادة عبد الله بن جحش رضي الله عنه.قال: [ فشاء الله تعالى أن يلقى عبد الله ورجاله عيراً لقريش، فقاتلوهم، فقتلوا منهم رجلاً يدعى عمرو بن الحضرمي وأسروا اثنين، وأخذوا العير، وقفلوا راجعين إلى المدينة، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة، وهي أول ليلة من رجب، فثارت ثائرة قريش، وقالت: محمد يحل الشهر الحرام بالقتال فيه! وردد صوتها اليهود والمنافقون بالمدينة ]، كما تعرفون المغرضين وأهل الأهواء والأطماع، استجابوا.وهل بقي القتال في الشهر الحرام محرماً إلى اليوم أو نسخ؟ الجواب: نسخ بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ [التوبة:5]، فالشهر الحرام بقيت حرمته وجلاله وقدسيته، لكن إذا قاتلنا المشركون فالله تعالى يقول: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ [البقرة:194]، وإذا اضطررنا إلى قتالهم نقاتلهم في الشهر الحرام، إذ قاتل الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف في آخر شوال وأول العقدة، في غزوة حنين وثقيف.ثم لا تنسوا: أن الذي حرم هذه الأشهر هو الله، وقرر هذا، وألقاه في قلوب العرب في الجاهلية قروناً ليفسح لهم المجال لأن يتنقلوا في الجزيرة تجاراً وعمالاً ويتراحموا، عهود ربانية، والله! ما تستطيعها الأمم المتحدة، إذا دخل الشهر الحرام وقف السلاح فلا إغارات، لا غزو، لا سطو أبداً.فعل هذا من خلق القلوب وهو يقلبها، والعلة: أن يعيشوا في هذه الأشهر حتى يتمكنوا من حياتهم، قال تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ [المائدة:97]، لتقوم حياتهم على هذه الأشهر الآمنة التي لا قلق فيها ولا خوف. جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة:97]، (قياماً للناس) يعني: حياتهم تقوم على هذه الأشهر، يبيعون ويسافرون، ويعودون، كما قال تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5].إذاً: فلهذا تعجبت قريش بالفعل: كيف يقاتل الرسول صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام وهو رسول الله؟ ووجدوا فرصة للتشنيع والتهويل، واسمع ما قالوا.قال: [ وأخذوا العير وقفلوا راجعين، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الثانية، وهي أول ليلة من رجب، فثارت ثائرة قريش وقالت: محمد يحل الشهر الحرام بالقتال فيه، وردد صوتها اليهود بالمدينة والمنافقون بالمدينة؛ حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف العير والأسيرين ولم يقضِ فيهما بشيء حتى ينزل حكم الله، وتعرض عبد الله بن جحش ورفاقه لنقد ولوم عظيمين من أكثر الناس ] يلومونهم: لِم تقاتلون في الشهر الحرام؟قال: [ وما زال الأمر كذلك ] اللوم والعتاب والصياح والضجيج [ حتى أنزل الله تعالى هاتين الآيتين: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ [البقرة:217] أي: أي عن القتال فيه، أجبهم يا رسولنا وقل لهم: القتال فيه وزر كبير، بيد أن الصد عن دين الله والكفر به تعالى، وكذا الصد عن المسجد الحرام، وكذا إخراج الرسول منه والمؤمنين وهم أهله وولاته بحق أعظم وزراً في حكم الله تعالى ].هناك مثل عامي يقول: يحرم الإبرة ويستبيح الجمل! يقول: أخذ الإبرة حرام، كيف تسرق إبرة مؤمن؟ والجمل لا بأس به؛ لأنه ربما يحتاج إليه! فهم يحرمون القتال في الشهر الحرام ويفعلون كل الأباطيل والشرور، من القتل والتهجير والكفر وما إلى ذلك.قال: [ أجبهم يا رسولنا، وقل لهم: القتال فيه وزر كبير ]، أي: إثم كبير، [ بيد أن الصد عن دين الله، والكفر به تعالى، وكذا الصد عن المسجد الحرام وإخراج الرسول منه والمؤمنين وهم أهله وولاته بحق أعظم وزراً في حكم الله تعالى، كما أن شرك المشركين في الحرم وفتنة المؤمنين فيه لإرجاعهم عن دينهم الحق إلى الكفر بشتى أنواع التعذيب أعظم من القتل في الشهر الحرام، مضافاً إلى كل ذلك عزمهم على قتال المؤمنين إلى أن يردوهم عن دينهم إن استطاعوا.ثم أخبر تعالى المؤمنين محذراً إياهم من الارتداد مهما كان العذاب ] يصب عليهم، يحذرهم [ أن من يرتد عن دينه ولم يتب بأن مات كافراً؛ فإن أعماله الصالحة كلها تبطل، ويصبح من أهل النار الخالدين فيها أبداً ].فلا ينبغي للمؤمن إذا عذب يسيراً أن يلبس برنيطة على الفور ويقول: أنا مسيحي، بل يصبر، لكن إذا كان العذاب شديداً بحيث يغمسونه في الماء أو يكوونه بالنار في تلك الحالة يعطيهم ما طلبوا منه، إذ كان عمار ووالده وأمه سمية يعذبون بالغمس في الماء، يجرونهم على الأرض الحارة، فيأتي عمار الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول له: أعطهم، هم يطالبون فيقولون: امدح آلهتنا وسب الرسول ودينه، أو نبقى نعذبك، ونزل في ذلك قول الله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ [النحل:106]، أي: على الكفر وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106]، فلا حرج.قال: [ مضافاً إلى كل ذلك عزمهم على قتال المؤمنين إلى أن يردوهم عن دينهم إن استطاعوا، إذ قال تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].ثم أخبر تعالى المؤمنين محذراً إياهم من الارتداد مهما كان العذاب أن من يرتد عن دينه ولم يتب بأن مات كافراً فإن أعماله الصالحة كلها تبطل ]، سواء كانت جهاداً أو حجاً أو صلاة أو صياماً، [ ويصبح من أهل النار الخالدين فيها أبداً. هذا ما تضمنته الآية الأولى ] ما هي الآية الأولى؟ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، هذه هي الآية الأولى.
بشارة الله عز وجل لعبد الله بن جحش ومن معه وتجاوزه عنهم قتالهم في الشهر الحرام
[ أما الآية الثانية إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا [البقرة:218] فقد نزلت في عبد الله بن جحش ]، من عبد الله بن جحش هذا؟ هذا صهر النبي صلى الله عليه وسلم، هذا أخو زينب ، أما تعرفون عن زينب شيئاً؟ لو جمعت نساء العالم اليوم والجامعيات على الخصوص فلا يصلحن حذاء لـزينب ، هذه زينب تولى الله تعالى عقد نكاحها لرسول صلى الله عليه وسلم في السماء، وكانت تفاخر نساء الرسول: ما منكن واحدة إلا وتولى عقد نكاحها أبوها أو أخوها، وأنا تولى الله تعالى عقد نكاحي. ما سبب هذا الفضل والشرف، كيف فازت به؟ من أجل اطراحها بين يدي الله ورسوله، لما نزل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]؛ لأن زينب بنت عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، زينب لما جاءت مهاجرة مع أخيها عبد الله أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يزوجها مولاه زيد بن حارثة الكلبي رضي الله عنه، فخطبها والرسول يستحيي، والله! لو جمعت حياء الأمة كلها ما بلغ حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما يخاطب الشخص في وجهه هكذا من حيائه، فلما خطبها لـزيد فهمت أنه خطبها له هو لتصبح أم المؤمنين، وبعد ساعات أو ليل أو نهار قال لها النساء: ما لك! أنت مخطوبة لـزيد العبد؟! لن يكون هذا أبداً، فشرفنا قبل كل شيء! وأخوها عبد الله وقف إلى جنبها: كيف بشريفة قرشية تتزوج عبداً من العبيد مملوكاً، لن يكون هذا أبداً.ولكن الله أراد أن يكون هذا ليهدم به بناء بنته الأيدي الكافرة، وهو أن من تبنى ولداً يصبح كولده، لا ينكح ابنته، إذاً: وزيد كان متبنىً للنبي صلى الله عليه وسلم، اشترته خديجة ووهبته للرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول أعتقه وتبناه أيضاً، فكان يعرف بـزيد بن محمد، فأراد الله أن يبطل هذا التبني من أساسه، إذاً: فماذا صنع الجبار وهو ذو التدبير الحكيم؟ أمر رسوله أن يخطب زينب لمولاه، ففهمت أنها خطبت للرسول ففرحت وقرت عيناها، وبعد يوم أو ساعات تبين لها أنها مخطوبة لـزيد ، فقالت: لن يكون هذا، كيف يسمع الأشراف والدنيا أن فلانة تزوجها مولى؟! فأنزل الله تعالى هذه الآية التي سنتلوها، ولو تليت في بلاد فيها محال تبيع الخمر فوالله! ما يبقى واحد يبيع الخمر، فيكيف بالذين على سطوحهم الدشوش، ويبيتون مع عواهر العالم ومجرميه يتفرجون، لو يحضرون ويفهمون فوالله! ما بات ذلك في بيوتهم.اسمع، يقول تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ [الأحزاب:36] وحكما أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، والله ما إن نزلت الآية وتليت في البيوت وعلى ألسنة النساء والرجال حتى اطرحت زينب بين يدي رسول الله: زوجني كما أمرك الله يا رسول الله، وتنازل عبد الله البطل قائد أول سرية في الإسلام، ورضي بقضاء الله، وتزوجت زينب المولى زيد بن حارثة ، وتمضي الأيام وزينب نفسها ما هي بمرتاحة لهذا الزوج، مرغمة مكرهة، فكان زيد يشاهد هذا منها، يرى كأنه يؤذيها، فيشكو إلى رسول الله مولاه: يا رسول الله! هذه آذيتها نريد أن نفارقها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: اصبر، كما قال تعالى: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:37] امسك يا زيد عليك زوجك، لِم لم يقل: (زوجتك)؟ الفصيح أن (الزوج) للذكر والأنثى، والعامة تقول: زوج للرجل للفصل بين الرجل والمرأة، وإلا فالزوج واحد، كلاهما زوج، أنت كنت فرداً فزوجناك فأصبحت زوجاً، والمرأة أصبحت زوجاً، لكن إذا خفت اللبس والاختلاط فقل: (الزوجة) بالهاء، ولا تقل: هذه زوجي، لأنهم ما يفهمون هذا.قال تعالى عن نبيه وهو يخاطب زيداً : أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [الأحزاب:37]، وتخفي يا رسول الله ما في نفسك ما الله سيظهره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خائف أن يطلقها زيد ويتزوجها هو ويقول الناس: انظروا إلى محمد يتزوج امرأة ابنه، من يطيق هذا؟ مع حيائه وكماله، فكان يخفي هذا، والله يعاتبه، فماذا قال له؟ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [الأحزاب:37]. فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37] من زوجه إياها؟ الله، فكانت تفاخر فتقول: ما منكن يا نساء إلا وتولى عقد نكاحها وليها، وتولى عقد نكاحي ربي! وما إن نزلت الآية حتى أقام الرسول صلى الله عليه وسلم الاحتفال بالوليمة والناس يدخلون يأكلون، لا عقد في الأرض ولا شهود، تولى الله زواجها.أما زيد فقد خلد الله ذكره في الأرض والسماء، ولم يظفر بهذا أي واحد غير الرسول صلى الله عليه وسلم، أعطوني مؤمناً ذكر الله اسمه في القرآن سوى رسول الله وزيد. فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37] لِم؟ لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا [الأحزاب:37]، فالذي كنت تبنيته إذا طلق امرأته لك أن تتزوجها، ما هو بابنك حقيقة، بدعة جاهلية أبطلها الله، لكن من تحمل حملها الثقيل؟ رسول الله وزينب وزيد ، رضي الله عن صحابة رسول الله، وصلى الله وسلم على نبيه ومصطفاه.قال: [أما الآية الثانية إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا [البقرة:218] فقد نزلت في عبد الله بن جحش وأصحابه، طمأنهم الله تعالى على أنهم غير آثمين لقتالهم في الشهر الحرام، كما شن عليهم الناس بذلك، وأنهم يرجون رحمة الله ] أي: الجنة [ وأنه تعالى غفور لذنوبهم رحيم بهم؛ وذلك لإيمانهم وهجرتهم وجهادهم في سبيل الله، وقال تعالى فيهم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ [البقرة:218] ].


هداية الآيات

هل لهاتين الآيتين من هداية وأنوار نقتبسها لنعيش عليها أياماً؟ وهل القرآن نور؟ والله! إنه لنور، أما قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]؟ هل يستطيع إنسان أن يمشي في حياته بغير القرآن ويستقيم؟ والله ما كان، أقسم بالله على أنه لا بد أن يتخبط في الذنوب، في الآثام، في الجهالات، يمشي في الظلام، وإن شككتم فافتحوا أعينكم على العالم الإسلامي، فمنذ كم قرناً وهو يتخبط، من يوم أن أعرضوا عن كتاب الله وحولوه إلى الموتى والقبور وهم يتخبطون، إذاً: للآيتين هداية.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيتين:من هداية الآيتين:[ حرمة الشهر الحرام والبلد الحرام ]، يجب أن نحترم الشهر الحرام ومكة إلى يوم القيامة. [ ثانياً: نسخ القتال في الشهر الحرام ]، القتال في الشهر الحرام نسخ، فيجوز، إذا احتاج المسلمون إلى القتال فيه يقاتلون، ومع هذا فإذا أرادوا أن يغزوا فقال قائدهم: نترك هذا الشهر حتى يدخل الشهر الآخر فلا بأس، لكن إذا فوجئوا فلا ينتظرون.قال: [ نسخ القتال في الشهر الحرام بدليل قتال الرسول صلى الله عليه وسلم هوازن وثقيف في شوال وأول القعدة، وهما في الأشهر الحرم ].قاتل ثقيف وهوازن في الأشهر الحرم، ومعنى هذا أن القتال في الشهر الحرام جائز للمسلمين، لكن يبقى الشهر الحرام معظماً، لا يعصى فيه الجبار، يتقرب فيه إلى الله بالطاعات؛ لأنه أفضل الشهور وأعظمها.[ ثالثاً: الكشف عن نفسية الكافرين، وهي عزمهم الدائم على قتال المسلمين إلى أن يردوهم عن الإسلام ويخرجونهم منه ]، والآن هل فرغوا من هذه أو ما زالوا؟ الجواب: ما زالوا.[ رابعاً: الردة ]، وهي هيئة الارتداد،










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 06-07-2020, 05:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (5)
الحلقة (12)




تفسير سورة البقرة (102)

كان العرب في الجاهلية يشربون الخمر ويقامرون، فلما جاء الإسلام وقامت دولته في المدينة بدأت الأحكام الشرعية تنزل شيئاً فشيئاً، ومن ذلك حكم الخمر حيث تدرج الحكم فيها حتى نزل تحريمها أخيراً، كما نزل الأمر بالإنفاق مطلقاً حتى تساءل الصحابة عن كيفية الإنفاق وأبوابه، فجاء التفصيل في ذلك ببيان النفقات الواجبة على كل مسلم، ثم ما يستحب له من النفقات في وجوه الخير والبر.

تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ...)


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل، وقد انتهى بنا الدرس إلى هاتين الآيتين الكريمتين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:219-220].هاتان الآيتان المباركتان اشتملتا على ثلاثة أسئلة والإجابة عنها، فمن السائل ومن المسئول؟ لا بد من المعرفة، فالسائل: المؤمنون، والمسئول: رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعلم بسؤالهم المخبر نبيه به: الله جل جلاله وعظم سلطانه.

تدرج الأحكام التشريعية


أول سؤال: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [البقرة:219]، هل هما جائزان أو ممنوعان، ما حكم الله فيهما؟ اذكروا: أن الأحكام الشرعية نزلت تدريجياً حكماً بعد حكم، إذ أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة، في عشر سنين ما شرع شيء سوى الإيمان بالله ورسوله والدار الآخرة، ثم فرضت الصلاة في السنة العاشرة بعد الرحلة إلى السماء والملكوت الأعلى، فصلى المؤمنون ثلاث سنوات، ولم تكن أحكام تنزل، ولما حل صلى الله عليه وسلم بالمدينة النبوية أخذ التشريع ينزل يوماً فيوماً، وكلما نزل أمر نهضوا به، وكلما نزل نهي تركوا المنهي وابتعدوا عنه، وأخذوا يكملون ويصعدون في سلم الكمال حتى أصبحوا أفضل من وجد على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين.

اشتقاق اسم الخمر في اللغة


ها هم يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخمر والميسر، أما الخمر فكل مسكر سمه خمراً ولا تبال، إذ هذا اللفظ مشتق من (خمرت الإناء): غطيته، وفي الحديث الصحيح: ( خمروا الآنية ) أي: غطوها بالليل خشية أن تقع فيها حشرة أو يشرب منها حيوان أو كذا، من عنده إناء فيه لبن أو عسل أو طعام أو ماء فليخمره بالليل، إرشاد الطبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم: ( خمروا الآنية ) يعني إناء فيه ما يطعم ويشرب. وسميت الخمر خمراً أيضاً من التغطية؛ لأن المؤمنة يقال لها: خمري وجهك، فالخمار ما هو؟ ما تغطي به رأسها ووجهها، والخمار يعرفه النساء، ما تستر به وتغطي رأسها ووجهها ذلكم الخمار.وأصل الخمر: العنب يطبخ ويستخرج منه المادة المسكرة، ثم أصبح يطلق على كل ما يخمر العقل ويستره فيصبح الرجل يهذي ويقول ما لا يعرف، وقد يغشى كبائر المعاصي؛ لأن عقله غطي واستتر، فلهذا كل مسكر خمر وحرام.

سبب السؤال عن الخمر والميسر

هذا السؤال في الآية الكريمة ما الدافع إليه؟لقد حصل أن حمزة بن عبد المطلب عم الحبيب صلى الله عليه وسلم شرب الخمر فقال كلاماً بذيئاً، ثم شربها غيره في نفر، وحضرت الصلاة فقام أحدهم ليصلي بهم فما أحسن القراءة فخلط، فنزلت الآية من سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43]. فمن ثم أوقفوا عن شرب الخمر أوقات الصلاة، فلا يشربونها إلا في الوقت الواسع، من بعد صلاة العشاء إلى آخر الليل، أو من بعد صلاة الصبح إلى الظهر، لكن بعد العصر يكون المغرب، وبعد المغرب يكون العشاء، فأخذوا بتعاليم الله، لا يشربونها في الأوقات التي يبقى السكر معهم حتى يدخل وقت الصلاة، فمن هنا أخذت التساؤلات، ومن يسألون؟ رسول الله هو معلمهم وهاديهم، ومرشدهم، والواسطة بينهم وبين ربهم.

الإثم الكائن في الخمر والميسر

هنا قال: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [البقرة:219]، أجبهم يا رسولنا، قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، هذا الجواب الحكيم.والميسر ما هو؟ الميسر: يطلق على آلات القمار، سواء بالكعاب أو غيرها، كل ما يعلب به، والآن معروف الورق، وكانوا يلعبون بالكعاب والنردشير، فلم سمي هذا ميسراً؟ لأنه يحصل صاحبه على المال بيسر ولا كلفة، عاكف على رجليه جالس ويلعب، وإذا ظفر وفاز أخذ المال، مأخوذ من اليسر، من يسر ييسر العبد: إذا حصل على منفعة بدون كلفة ولا ضرر. قُلْ [البقرة:219] يا رسولنا صلى الله عليه وسلم فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة:219]، ما الإثم هذا؟ الإثم حقيقته: كل ضار مفسد، كل ما يضر بالعقل أو العرض أو المال أو الدين أو النسل فهو إثم؛ لأنه ضار، ومن حيث هو فاسد، فكل ما يضر العبد في عرضه، في ماله، في دينه، في عقله فهو إثم، والعرب كانوا يطلقون في الجاهلية على الخمر اسم: الإثم، يسمونها: الإثم، يقولون: هيا نشرب الإثم، قال شاعرهم:شربت الإثم حتى ضل عقليكذلك الإثم يذهب بالعقوليقول: (شربت الإثم حتى ضل عقلي) وتاه، (كذلك الإثم يذهب بالعقول)، عرفوا أنها ضارة وفاسدة، وسموها لذلك الإثم قبل التشريع وبيان الإثم وغيره.

المنافع المتحصلة من الخمر والميسر


إذاً: أجابهم الرحمن جل جلاله بهذه الجواب: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة:219]، ما هذه المنافع للناس؟ أولاً: الخمر كانوا يستوردونها من الشام بلاد العنب، وهم تجار، وخاصة أشراف مكة وساداتها، ويبيعونها فيكسبون أموالاً طائلة، إذ كانوا يعتقونها، وكانت لها منزلة، فهؤلاء التجار استفادوا، ربحوا، كذلك شاربها يجد تخفيفاً عن نفسه من الكآبة أو الحزن وينشرح صدره، ويحصل على سرور وفرح وبهجة بسكرته، هذه هي المنافع. وأما الميسر ففيه منافع، ما هي؟ كانوا يشترون الجمل وينيخونه عند الصفا ويلعبون، فالذين ينجحون لا شيء عليهم، والذين خابوا وخسروا في اللعبة يسددون قيمة الجمل، ويذبحونه للفقراء والمساكين فقط؛ لأنهم أشراف ما يأكلون هذا اللحم الذي أخذوا بالقمار، فيذبح ويوزع لحمه، هذا معنى: وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة:219].


معنى قوله تعالى: (وإثمهما أكبر من نفعهما)



وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، وما دام الإثم أكبر من النفع فمعناه: اتركوهما، لكن لا في صراحة، ومن هنا أخذ عمر يلح على الله: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً.. اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، يلح في الدعاء ليلاً ونهاراً؛ لأنه لما نزلت هذه الآية بعضهم كف عن القمار وعن شرب الخمر، وبعضهم قال: ما هناك نص صريح، ما قال: لا تشربوا أو لا تلعبوا، فعمر اضطرب فأخذ يدعو الله ويلح في دعائه، واستجاب الله له، فجاء نص التحريم من سورة المائدة بعد سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:90-91]، ومن قال: لا فقد كفر، فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، قال عمر : انتهينا ربنا! وهذه واحدة مما استجاب الله فيها لـعمر ، واحدة من أربع استجاب الله لـعمر فيها، من هذه الأربع: مقام إبراهيم، قال: يا رسول الله! لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ [البقرة:125]، فقال: وافقت ربي في كذا، وعدها، وما ذلك إلا لصفاء روحه وطهارتها، إذا صفت روح العبد وزكت وطابت وطهرت؛ فيصبح قريباً من الملائكة، قريباً من الله.

مراحل تحريم الخمر


إذاً: فحرم الله الخمر بآية المائدة، وقبل آية النساء والبقرة نزلت آية تعلن جوازها، وامتن الله تعالى على الناس بها في سورة النحل المكية: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا [النحل:67]، هذه أصل الإباحة: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا [النحل:67].ثم لما حدث ما حدث في الصلاة وقال ما قال إمامهم حرم الله شربها عند الصلاة، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يقربها وهو يصلي أو يريد الصلاة، فخف شربها واضطربوا، فأخذوا يتساءلون؛ فنزلت هذه الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، فكف من كف، وانقطع من انقطع عن شرب الخمر ولعب الميسر، حتى نزلت آية المائدة، بعد أن كان عمر يلح على الله: ربنا بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فلما نزلت: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، قال عمر : انتهينا ربنا، انتهينا يا ربنا. وأريقت من قلالها في أزقة المدينة حتى جرت كالمطر إذا سال في الأزقة الصغيرة، وما بقي مؤمن يشربها. هذا معنى قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، فهذه فيها الترغيب في البعد عن الخمر والميسر وفي تركهما، ولكن ليست نصاً في التحريم، وإنما حرمت بآية المائدة، السورة الآتية بعد النساء، حرمت بقوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، هذه الصيغة للتهديد، فقالوا: انتهينا يا ربنا، وفي آية المائدة بين الله تعالى مضار الخمر والميسر، فقال: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ [المائدة:90] أولاً، وسخ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة:90-91]، عرفنا أن اللاعبين أحياناً -والله- يتسابون، وأحياناً يتضاربون، وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المائدة:91]، والله! ما بلغنا أن جماعة يلعبون الكيرم وهم يذكرون الله عز وجل، وَعَنِ الصَّلاةِ [المائدة:91]، يؤذن المؤذن، ويدعو الداعي إلى الصلاة وهم مكبون على اللعبة حتى تنتهي وقد صلى الناس وانتهت الصلاة.إذاً: فنعود إلى الخمر، من الله على الناس بأنهم يستخدمونها ويستخرجونها من التمر والعنب، ثم نزلت حرمة شربها عند الصلاة، ثم بين تعالى مضارها، وأن إثمها أكبر من نفعها، ثم نزلت آية المائدة فحرمتها على الإطلاق، وأراقوها عند أبوابهم، والرسول صلى الله عليه وسلم جلد من شربها، وجلد المؤمنون مع رسول الله، ثم قرر علي باستنباطه: أن شاربها يجلد ثمانين جلدة، قياساً على القذف، فالقاذف الذي يقذف مؤمناً بالفاحشة، يقول: يا زاني أو يا كذا؛ إن لم يأت بأربعة شهود على صحة ما رمى به المؤمن فإنه يكشف عن ظهره ويجلد ثمانين جلدة، فـعلي قال: ما دام القاذف يجلد فشارب الخمر السكران يقول أسوأ من القذف، فأجمعت الأمة بعد علي على أن شارب الخمر إذا ثبت شربه يجلد ثمانين جلدة على ظهره. هذا السؤال الأول.

معنى قوله تعالى: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو)


الثاني: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:219]، لما نزل الأمر بالإنفاق: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:195]، قالوا: كيف؟ وكم؟ ومتى؟ وما الذي ننفق؟ بين لنا يا رسول الله، فجاءوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم وتساءلوا فأنزل الله تعالى: قُلِ الْعَفْوَ [البقرة:219]، أنفقوا العفو، أي: الفضل والزائد عن قوتكم وحاجتكم، أنفقوا في سبيل الله للجهاد، للفقراء، للمساكين، لليتامى، ما زاد عن حاجتكم، أما ما أنتم في حاجة إليه فأنتم أولى، هذا العفو الفضل الزائد عن الحاجة، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا بقوله: ( أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى )، ما معنى: (غنى)؟ عن كفاية، ما أغناك الله به لتسد حاجتك أنت وأسرتك من الطعام والشراب واللباس، فالزائد هو الذي تنفق منه، أما أن تترك أسرتك جياعاً وتخرج طعامك فلا؛ تريد أن تسد جوعة شخص وفي بيتك جائع، تريد أن تستر عورة شخص ومن معك قد تبدو عوراتهم، فمن رحمة الله وإحسانه لأوليائه أن أجاب عن هذا بقوله: قُلِ الْعَفْوَ [البقرة:219]، قل لهم يا رسولنا: العفو هو الذي تنفقونه، ( أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى ).

معنى قوله تعالى: (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة)

قال تعالى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ [البقرة:219]، أي: كما بين لكم هذه الأحكام الشرعية، ما زال القرآن ينزل يبين الآيات الحاوية للتشريع الإلهي من الذرة إلى المجرة، كل الحياة لها قوانينها وشرائعها، وما تتبعه، وما تتركه في هذا الكتاب الكريم، ما مات الرسول صلى الله عليه وسلم وبقي شيء ما عرفوا حكم الله فيه. كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ [البقرة:219]، أي: رجاء أنكم تَتَفَكَّرُونَ [البقرة:219]، فتذكروا وتعرفوا ما هو النافع وما هو الضار، ما ينفعكم في دنياكم الفانية، وما ينفعكم في آخرتكم الباقية، بهذا العلم يوماً بعد يوم والآيات تنزل بالأحكام والتشريع، به تصبحون متفكرين عقلاء، واعين، بصراء، فتعرفون ما ينفعكم في دنياكم الفانية، وما تتطلب هذه الدنيا الفانية، وما ينفعكم في الدار الآخرة الباقية، ومعنى هذا: إذا كانت الدنيا فانية والآخرة باقية فليكن عملكم للباقية أعظم وأكثر من عملكم للفانية، وهذا أمر معقول.
تفسير قوله تعالى: (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ...)

يتبع‏

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 06-07-2020, 05:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

سبب نزول الآية الكريمة

السؤال الثالث في هاتين الآيتين: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى [البقرة:220]، هذا السؤال سببه قوله تعالى من سورة النساء: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]، هذه دوختهم، إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ [النساء:10] يوم القيامة أو بعد الموت سَعِيرًا [النساء:10] ملتهباً؛ من أجل أكلهم أموال اليتامى. لما نزلت هذه الآية ارتبك المؤمنون، واضطرب الصالحون، وبعضهم على الفور فصل يتيمه عنه، صارت المرأة تطبخ غداء ليتيمها وغداء لزوجها وأولادها، ولا تخلط طعام يتاماها مع طعام أولادها وزوجها، وفيه مشقة، حتى الماء، هذه القربة فيها ماء اليتامى؛ لأن الماء كان يشترى، ويأتي الخادم به من مكان بعيد، والطعام كالشراب، كاللباس، كالنوم، فوقعوا في ورطة عظيمة أتعبتهم، فالمرأة تطبخ مرتين، ومن أين يوجد القدران والثلاثة؟ كيف نفصل هذا؟ فبكوا لقوة إيمانهم وبصيرتهم، ومن هنا بدأت التساؤلات: كيف نفعل يا رسول الله؟ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى [البقرة:220]، أجبهم يا رسولنا، قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220]، بدلاً من أن تفصلوا طعامهم وشرابهم وكل أمورهم عنكم، وفيه مشقة عظيمة، فالعبرة ما هي بالفصل، العبرة بالمنفعة، فخلطهم أنفع لهم من فصلهم، لم؟ إذا كان طعام الأسرة بسبعة ريالات، واليتيم بريال، فإذا طبخنا له وحده ما ينفع الريال، يحتاج إلى أكثر، فالفلفل والملح والخبز على حسابه، لكن إذا كان مع مجموعتنا، معنا يتيمان وأهل البيت عشرة أنفار، فلأن يكون معنا في القدر أخف عليه.

معنى قوله تعالى: (وإن تخالطوهم فإخوانكم)


قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [البقرة:220]، فهم إخوانكم، والأخ لا يفصل عن أخيه ولا يبتعد عنه، ما فيه غرابة ولا عجب.إذاً: المهم أن تحافظوا على أموالهم، فلا تأكلوها بالباطل، وهنا لطف الله بهم ورحمهم بهذه الكلمة، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ [البقرة:220] يا رسولنا: إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ [البقرة:220] في الطعام والشراب، والكساء والمنزل؛ فهم إخوانكم، والأخ لا يطلب لأخيه إلا ما ينفعه، ويبعده عما يضره، فلا حرج، إذاً: فاخلطوا طعامكم مع طعامهم؛ لأن ذلك أرفق بكم من حيث التعب والمشقة، وأرفق بالمال لليتامى، فإذا كانت تطبخ طعامين: طعاماً لليتامى وآخر لأولادها وزوجها فهذا العمل شاق أو لا؟ ثم لو بقي اليتيم معهم فسيأكل كفايته بالريال إذا كان الثمن سبعة أو ثمانية، لكن إذا طبخ له طعام خاص فسيكلف طعام الأسرة كاملة، أو يقاربه أو يكاد.

معنى قوله تعالى: (والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم)

قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220]، أي: يا أولياء اليتامى! خالطوا يتامكم، والله عز وجل يعلم المصلح منكم لأموال اليتامى والمفسد لها، فاتقوا الله وخافوه واخشوه، فإياكم والإضرار بيتاماكم. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ [البقرة:220] إعناتكم لَأَعْنَتَكُمْ [البقرة:220]، لو شاء الله مشقتكم وإتعابكم لفعل، ولكن خفف عنكم ذلك، إذ لو فرض فصل أموال اليتامى عن أموال الأوصياء لكانت مشقة لا شك فيها، بدل أن نحرث قطعة أرض وهو معنا وله فيها على قدر نحرث له أرضاً خاصة به، فكيف نستطيع؟ نشتري شاة نحلبها لأهل البيت يشربون، إذاً: هو يحتاج إلى شاة أخرى، فدعه يشرب معنا كأسه، والنفقة جزء من سبعة مثلاً. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ [البقرة:220] قوي قادر لا يمانع فيما يريد، حَكِيمٌ [البقرة:220] في شرعه وتدبيره لعباده، فليتق الله وليحذر.

ملخص لما جاء في تفسير الآيات

هذه ثلاثة أسئلة في آيتين، هكذا يعلمهم يوماً بعد يوم، ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا والإسلام وقد اكتمل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، ما ترك شيئاً يحتاج إليه المسلمون إلا بينه، في الأموال في الأعراض، في العقيدة في السلوك في التجارة وفي السياسية، في كل شئون الحياة، فإذا أقبل المؤمنون على كتاب الله وهدي رسوله فلن يضلوا أبداً، ومتى أدبروا وأعرضوا والتفتوا إلى غير الكتاب والسنة أكلتهم الطوام كما هو الواقع.اسمعوا الآية الأولى وتأملوا: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، هذا الجواب، فمتى حرمت الخمر؟ بعد هذا التساؤل، وفيه إشارة إلى تركهما، لم؟ لأن الضر أكبر من النفع، إذاً: فاتركوهما، فتساءلوا فنزلت آية المائدة: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91].ثم يقول تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:219]، لما أمرهم الله بالإنفاق فقال: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:195]، فقالوا: ماذا ننفق؟ وكم ننفق؟ ففسر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقول الله تعالى له: قُلِ الْعَفْوَ [البقرة:219]، أنفقوا العفو أي: الزائد عن حاجتكم، فقال صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى )، والغنى ليس معناه: أن تملك الملايين، الغنى: ما أغناك عن سؤال الناس، ما سد حاجتك وحاجة أهل بيتك.وقوله تعالى في الآية الثانية: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى [البقرة:220]، كيف نتعامل معهم؟ ماذا نصنع؟ وقد هددهم الرحمن بقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [النساء:10]، أي: بغير حق، فما المصير؟ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]، اضطربت المدينة وأهلها: ماذا نصنع؟ فنزل قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220]، أما فصل طعامهم وشرابهم ومنامهم، فكل هذا فيه ضرر من جهتين: من جهة: أنه مشقة كبيرة على المرأة التي تقوم بهذا، ومن جهة أخرى: أننا إذا طبخنا لهم طعاماً خاصاً فإنه يكلفهم أكثر من أن يكونوا مختلطين مع الأسرة بما فيها، لكن راعوا دائماً الصالح لليتامى. وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ [البقرة:220]، أي: ولو شاء الله إعناتكم لأعنتكم، أي: أوقعكم في العنت، والعنت: المشقة الضارة القوية.إذاً: فسلموا لله قضاءه وحكمه وتدبيره فإنه (عَزِيزٌ) لا يمانع، إذا أراد الشيء كان، فلا تخرجوا عن طاعته، (حَكِيمٌ) يضع كل شيء في موضعه، الذي يتهيأ للصلاح ويطلبه يصلح، والذي يتهيأ للفساد ويريده يتركه وفساده حتى يهلك.أعيد تلاوة الآية مرة أخيرة، وسنقرأ شرحها إن شاء الله زيادة في الفهم.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [البقرة:219]، وهو ما زاد عن الحاجة، كَذَلِكَ [البقرة:219]، أي: كهذا التبيين يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة:219] في أمور دينكم ودنياكم، فتعملوا لدنياكم ولآخرتكم بحسب حالهما، الدنيا فانية والآخرة باقية، فلو أنفقنا نصف ما نملك على الآخرة أفضل من أن ننفق نصفه على الدنيا الفانية.وقوله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220]، لا فصلهم، القضية قضية الحفاظ على أموالهم وتنميتها لهم، حتى إذا بلغوا رشدهم وامتحنوا ونجحوا يجدون أموالهم وافية محفوظة لهم، وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [البقرة:220]، لا حرج، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220]. ‏

ما يصنعه الوصي العاجز لتنمية مال اليتيم


وقد يقول قائل: إذا كنت عاجزاً ولا أستطيع أن أنمي مال اليتيم وهو خمسة آلاف ريال، فماذا نصنع؟ الجواب: تأخذ من تلك الخمسة آلاف على قدر حاجة اليتيم، وإنما إذا كان المال أكثر من خمسة آلاف فهو صالح للعمل، فعمر كان يقول: اتجروا في أموال يتاماكم حتى لا تأكلها الزكاة، فهذه الخمسة الآلاف لا تضعها في بنك ربا تنميها لليتامى فتحرقهم وتحرق نفسك، انظر إلى تاجر صادق أمين كما كنا قبل، وقل: هذه خمسة آلاف اتجر بها وأعطنا ربحها ليتيمنا، وفي كل شهر توفر له شيئاً، وبعد أربع سنين بلغ هذا اليتيم فتعطيه ماله هكذا.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيتين:كان العرب في الجاهلية ]، ما معنى: في الجاهلية؟ في عهد الجاهلية، والجاهلية هي ظلمة الكفر والشرك والجهل، [ كان العرب في الجاهلية يشربون الخمور، ويقامرون ]، يلعبون القمار بأي شكل كان، [ وجاء الإسلام فبدأ دعوتهم إلى التوحيد والإيمان بالبعث الآخر، إذ هما الباعث القوي على الاستقامة في الحياة ]، بم بدأ الإسلام؟ بالإيمان بالله واليوم الآخر، عشر سنين لا عبادة، وفي السنة العاشرة فرض الله الصلوات الخمس.قال: [ ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم والعديد من أصحابه ] من مكة إلى المدينة، [ وأصبحت المدينة تمثل مجتمعاً إسلامياً ]؛ لكثرة المسلمين فيها، [ وأخذت الأحكام تنزل شيئاً فشيئاً، فحدث يوماً أن صلى أحد الصحابة بجماعة وهو ثملان ]، سكران، عقله ملتبس عليه مغطى، [ فخلط في القراءة ] فيما يقرأه، وقدم وأخر، بل قال كلمة أخرى، [ فنزلت آية النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43]، فكانوا لا يشربونها إلا في أوقات معينة، وهنا كثرت التساؤلات حول شرب الخمر فنزلت هذه الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [البقرة:219]، فأجابهم الله تعالى بقوله: قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، فترك الكثير كلاً من شرب الخمر ولعب القمار؛ لهذه الآية الكريمة، وبقي آخرون على ما كانوا عليه، فكان عمر يتطلع إلى منعهما منعاً باتاً ويقول: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ]، أي: لقلوبنا. [ فاستجاب الله تعالى له، ونزلت آية المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [المائدة:90] إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] ]، هذه الآية هل فهمها الذين يلعبون الكيرم ويقضون الساعة والساعتين ويقولون: نحن ما بيننا ميسر ولا مال، وإنما للتسلية؟ نحن نقول: وإن كنتم لا تتقاضون شيئاً، بل لو كان هناك من يعطيكم المال لتلعبوا فوالله! لا يحل، لم؟ لقوله تعالى في بيان العلة: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ [المائدة:91] من لعبكم وقماركم وشربكم الخمر، يريد ماذا؟ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ [المائدة:91]، هل يصح أن يتعادى المؤمنون، أو يبغض بعضهم بعضاً؟ الشيطان هنا وجد طريقاً لإيقاعكم في العداوة والبغضاء، وبذلك يفرح، مزق شملكم واجتماعكم، وقال تعالى: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المائدة:91]، فأي عمل يصد المؤمن عن ذكر الله ليقضي الساعة والساعتين لا يذكر الله فهو حرام، وَيَصُدَّكُمْ عَنْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ [المائدة:91] أيضاً، وأخيراً: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، قالوا: انتهينا ربنا.قال: [ فأجابهم الله تعالى بقوله: قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، فترك الكثير كلاً من شرب الخمر ولعب القمار؛ لهذه الآية الكريمة، وبقي آخرون ] أي: يشربون ويعلبون، [ فكان عمر يتطلع إلى منعهما منعاً باتاً ويقول: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فاستجاب الله تعالى له، ونزلت آية المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [المائدة:90] إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، فقال عمر : انتهينا ربنا، وبذلك حرمت الخمر وحرم الميسر تحريماً قطعياً كاملاً، ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم حد الخمر وهو الجلد، وحذر من شربها وسماها أم الخبائث وقال: ( مدمن الخمر لا يكلمه الله يوم القيامة ولا يزكيه )، في ثلاثة نفر وهم: العاق لوالديه ] لا يكلمه الله يوم القيامة ولا يزكيه، [ ومسبل إزاره ] للخيلاء والفخر لا يكلمه الله ولا يزكيه، ومدمن شرب الخمر المواصل لها.[ وقوله تعالى: فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة:219]، فهو كما قال تعالى، فقد بين في سورة المائدة منشأ الإثم، وهو أنهما يسببان العداوة والبغضاء بين المسلمين ويصدان عن ذكر الله وعن الصلاة، وأي إثم أكبر في زرع العداوة والبغضاء بين أفراد المسلمين، والإعراض عن ذكر الله، وتضييع الصلاة؟ حقاً إن فيهما لإثماً كبيراً، وأما المنافع فهي إلى جانب هذا الإثم قليلة، ومنها: الربح في تجارة الخمر وصنعها، وما تكسب شاربها من النشوة والفرح والسخاء والشجاعة، وأما الميسر فمن منافعه الحصول على المال بلا كد ولا تعب، وانتفاع بعض الفقراء، إذ كانوا يقامرون على الجزور من الإبل ثم يذبح ويعطى للفقراء والمساكين.أما قوله تعالى في الآية: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:215]، فهو سؤال نشأ عن استجابتهم لقول الله تعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:195]، فأرادوا أن يعرفوا الجزء الذي ينفقونه من أموالهم في سبيل الله، فأجابهم الله تبارك وتعالى بقوله: قُلِ الْعَفْوَ [البقرة:219]، أي: ما زاد على حاجتكم وفضل عن نفقتكم على أنفسكم، ومن هنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى )، رواه البخاري . وقوله: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:219-220]، أي: مثل هذا البيان يبين الله لكم الشرائع والأحكام والحلال ليعدكم بذلك إلى التفكير الواعي البصير في أمر الدنيا والآخرة، فتعملون لدنياكم على حسب حاجتكم إليها وتعملون لآخرتكم التي مردكم إليها وبقاؤكم فيها على حسب ذلك. هذا ما تضمنته الآية الأولى.أما الآية الثانية: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى [البقرة:220]، فإنه لما نزل قوله تعالى من سورة النساء: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] خاف المؤمنون والمؤمنات من هذا الوعيد الشديد، وفصل من كان في بيته يتيم يكفله، فصل طعامه عن طعامه، وشرابه عن شرابه، وحصل بذلك عنت ومشقة كبيرة، وتساءلوا عن المخرج، فنزلت هذه الآية، وبينت لهم أن المقصود هو إصلاح مال اليتامى وليس هو فصله أو خلطه، فقال تعالى: قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ [البقرة:220] مع الخلط خير من الفصل مع عدم الإصلاح، ودفع الحرج في الخلط فقال تعالى: وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [البقرة:220]، والأخ يخالط أخاه في ماله، وأعلمهم أنه تعالى يعلم المفسد لمال اليتيم من المصلح له؛ ليكونوا دائماً على حذر، وكل هذا حماية لمال اليتيم الذي فقد والده، ثم زاد الله في منته عليهم برفع الحرج في المخالطة فقال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ [البقرة:220]، أي: أبقاكم في المشقة المترتبة على فصل أموالكم عن أموال يتاماكم. وقوله: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:220]، أي: غالب على ما يريده، حكيم فيما يفعله ويقضي به ].وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 06-07-2020, 05:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (6)
الحلقة (13)




تفسير سورة البقرة (103)

نهى الله عز وجل عباده المؤمنين عن أن يتزوجوا المشركات حتى يؤمنّ بالله ورسوله، وبين سبحانه أن الأمة المؤمنة خير من الحرة المشركة، فضلاً عن كون الحرة المؤمنة خير من المشركة، حتى لو كانت المشركة ذات حسن وجمال ومال، كما نهاهم عز وجل عن أن يزوجوا المؤمنات من مشركين، وبين أن العبد المؤمن خير من الحر المشرك، فضلاً عن كون الحر المؤمن خير من المشرك، والسبب في ذلك أن مخالطتهم مضرة ومفسدة للمؤمن وعقيدته، فما بالك إذا كانت العلاقة بهم علاقة زواج.

تفسير قوله تعالى: (ولا تَنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).ولا ننس تلك العطية الإلهية التي بينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال وقوله حق: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله )، من أتى هذا المسجد النبوي الشريف، لا يأتيه إلا لخير يعلمه غيره أو يتعلمه من غيره، كان في الأجر كالمجاهد في سبيل الله، فالحمد لله الذي وهبناه وحرم منه غيرنا، والله ذو فضل عظيم.وها نحن مع هذه الآية الكريمة من سورة البقرة، سورة الأحكام: يقول تعالى: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221] أي: ولا تتزوجوا أيها المؤمنون المشركات اللائي يعبدن مع الله غيره إلى غاية أن يؤمن بالله رباً لا رب غيره، وإلهاً لا إله سواه، ويعبدنه بما شرع من العبادات، هذه الغاية: حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221]. ‏


معنى قوله تعالى: (ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم)

ثم قال تعالى: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ [البقرة:221]، أمة غير حرة مؤمنة خير من حرة مشركة، أمة مؤمنة بالله ولقائه، مملوكة، رقيقة، خير من حرة جميلة حسناء وهي مشركة وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221]، الأمة الرمصاء.. العمشاء.. قل ما شئت، أمة خير من حرة حسناء جميلة مشركة كيف ما كانت، لم؟ أولاً: لقد أغلق الباب، لا يحل لمؤمن أن يتزوج كافرة مشركة، ومع هذا زيادة في البيان والتوضيح، يقول تعالى: وَلَأَمَةٌ [البقرة:221]، والله! لأمة مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221] لحسنها وجمالها أو ثرائها أو ما شاء الله.

معنى قوله تعالى: (ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم)

ثم قال تعالى: وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221]، أي: لا تزوجوا بناتكم، أخواتكم المؤمنات من مشرك حتى يؤمن، فإن آمن فعلى الرحب والسعة، فإذا كان مشركاً وإن كان ابن عم أو ابن أخ أو كان من كان لا يزوج بمؤمنة، وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221].ومن باب الترغيب: وَلَعَبْدٌ [البقرة:221]، وعزة الله وجلاله! لعبد مؤمن خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة:221]، عبد رقيق مملوك أسود مؤمن خير من مشرك ولو أعجبك شرفه، ماله، جماله، قل ما شئت.

معنى قوله تعالى: (أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ...)

ثم قال تعالى: أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [البقرة:221]، أي: الكفار، المشركون، الذين حذرناكم من إنكاحهم ونكاحهم، أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [البقرة:221]، يدعون من؟ يدعونكم، الذي يتزوج مشركة سوف ينغمس في بؤرة الشرك ويدخل جهنم، أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [البقرة:221]، إلى دخولها، يدعون من أجابهم وحقق رغباتهم. وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة:221]، شتان ما بين دعاة الشرك والكفر ودعوة الله عز وجل إلى الجنة لتدخلوها، وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة:221]، بأن يتوب عليكم ويدخلكم الجنة. وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [البقرة:221]، فيتعظون ويفهمون ويعملون.
ذكر الأحكام المضمنة في الآية الكريمة

حرمة نكاح المشركة

هيا الآن أسمعكم الآية: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [البقرة:221]، هذه آية احتوت على هذه الأحكام:أولاً: حرام على المؤمنين أن يتزوجوا المشركات، لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتزوج مشركة، ويمتنع من التزوج بها إلى أن تسلم، فإذا أسلمت قلبها ووجها لله، وأصبحت من المؤمنات فتزوج بها إن شئت، أما وهي مشركة تؤله غير الله مع الله، وتعبد مع الله سواه؛ فلا يحل الاتصال بها بحال من الأحوال.


جواز نكاح الأمة بشروطه

وقوله: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ [البقرة:221]، فيه إذن بأن يتزوج المؤمن الحر الأمة للضرورة إذا كانت مؤمنة، إذ قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، بهذا القيد: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا [النساء:25] قدرة على المال ليتزوج حرة بتكاليف كثيرة، فلا بأس أن يتزوج أمة مؤمنة، هذه رخصة من الله عز وجل مبينة في سورة النساء، وعرفها المؤمنون؛ ولهذا قال هنا: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221]، وهذا أيضاً يدخل فيه امتلاك وشراء أمة مؤمنة، فهي خير من أمة مشركة، لا للنكاح، بل للعمل والخدمة، هذه علموها إخوانكم الذين بلغني أنهم يستقدمون العَمَلة الكافرين؛ لأنهم أرخص من العملة المؤمنين من الفلبين وغيرها، ويصرحون: المؤمن يطلب كذا والكافر كذا! والله! لو عرفوا هذا لما أقدموا على ذلك، ما دمت مضطراً إلى عامل، والمؤمنون متوافرون، فكيف ترضى بأن تأتي بكافر، ويعاشرك ويجالسك، وتظل وتمسي معه، لو كان هناك بصيرة؟! من أين تأتي البصيرة وهم لا يشهدون هذه الحلق، ولا يجلسون فيها ولا يفكرون في العلم والعمل به، هذا توجيه الله أو لا؟ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221].

حرمة تزويج المسلمة بكافر

وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221]، أي: لا تزوجوا مشركاً بناتكم وأخواتكم حتى يؤمن، أما وهو مشرك فلا يمكن أن نزوجه، ولهذا إجماع الأمة المسلمة على أن المؤمنة لا يتزوجها كافر، سواء كان كتابياً أو مشركاً، ولو علم المسلمون بأن امرأة مؤمنة تزوجها كافر وجب عليهم أن يغزو تلك البلاد، ويخلصوا تلك المؤمنة من ذلك الكافر، مؤمنة تؤمن بالله ولقائه يتزوجها كافر؟! كيف تعبد الله وتطيع هذا الزوج؟ تعارضت مهمتها، هي مأمورة بعبادة الله، كيف تعبد الله وهو لا يؤمن بالله؟! لا يسمح لها حتى أن تغتسل، فيكف يسمح لها أن تصوم وتصلي؟! لا يحل للمؤمنين عامة أن يروا مؤمنة يتزوجها كافر ولو كان كتابياً من اليهود والنصارى فضلاً عن المشركين؛ لتعارض حقين: حق الله، وحق الزوج، فكيف تعبد الله؟! ويجوز للمؤمن أن يتزوج كتابية؛ لأنه سلطانها وقاهر لها، لا تستطيع أن تمنعه من شيء وهو يمعنها، أما أن المرأة المؤمنة توضع تحت كافر كتابياً كان أو مشركاً فلا يمكنها أن تعبد الله عز وجل.فلهذا كان الإجماع -ولا خلاف- أنه إذا بلغنا أن مؤمنة تزوجت كافراً يجب أن نفصلها عنه وأن نبعدها، هل يفعل المسلمون هذا؟ أيام كانوا إعزة نعم، قد يغزون ذلك البلد لتخليص هذه المؤمنة، أما الآن فالمؤمنات يتزوج بهن البريطاني والفرنسي والإيطالي والأسباني ولا يتكلم أحد. وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ [البقرة:221] بناتكم أو أخواتكم أو أمهاتكم؛ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221]، حتى يدخلوا في الإسلام بالإعلان عن الشهادتين، ثم بالصلاة والاستعداد لأداء الواجبات كالزكاة الصيام والحج.

حكم نكاح الكتابية

أما الكتابية فإذا كان بيننا وبين قومها معاهدة وسلم، وعدم اعتداء وحرب، أو كانت في ذمتنا؛ فلا بأس للحاجة، للضرورة أيضاً، كيف أترك مؤمنة بلا زواج وأتزوج كافرة؟ من أحق برحمتك وإحسانك: الكافرة أو المؤمنة؟ ولكن إذا وجدت ذمية أو معاهدة فليتزوجها المؤمن بإذن الله تعالى؛ إذ قال عز وجل: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [المائدة:5] الآية، أي: وأذن لكم بنكاح المحصنات من أهل الكتاب، والمحصنة ليست العاهرة الزانية المعروفة بالعهر، لا يمكن أن يتزوجها إلا أن تكون عفيفة محصنة.إذاً: لا تقل: لم أذن لنا في نكاح الكتابية ولم يأذن في نكاح المشركة؟ للفرق الموجود بين المشركة والكتابية، فالمشركة تعبد غير الله، لا تعرف الله أبداً، والكتابية تؤمن بالله ولقائه والدار الآخرة، وتؤمن بالكتب الإلهية والوحي، وإن كانت كافرة؛ لأنها ما آمنت بالرسول الخاتم، ولا بالكتاب الناسخ لغيره.أما الحربية إذا كان بيننا وبين النصارى -بريطانيا أو إيطاليا أو فرنسا- حرب، ولا معاهدة؛ فلا يحل نكاح الحربية وإن كانت كتابية؛ لأنها تخونك وتخون بلادك والدولة، وتنقل ما شاءت أن تنقل إلى دولتها، بل وتريد أن تقتلك أيضاً؛ لأنك عدو، الحرب معلنة بيننا وبينهم والنار مشتعلة، كيف ترضى وأنت تقتل آباءها وإخوانها؟!فالحربية الكتابية لا يحل نكاحها كالمشركة، فإن كانت من أهل الذمة تحت رايتنا أو بيننا وبين قومها عهود طويلة المدى لا حرب ولا قتال، في هذه الحالة يجوز نكاحها، ما هو بمستحب أو فاضل، بل للحاجة، أما أن تترك المؤمنة الربانية وتتزوج يهودية أو نصرانية فهذا لا يليق بمؤمن أبداً، إلا في حالة عدم وجود المؤمنة، أو اضطرته الظروف إلى هذه الكافرة فلا حرج. وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221]، هنا مسألة نحوية، فقد قرأ أحد الطلبة على الشيخ: (ولا تَنكحوا المشركين حتى يؤمنوا)، فقال الشيخ: لا والله ولو آمنوا! لأن (نكح) بمعنى: تزوج، (ولا تَنكحوا): لا تتزوجوا، فلحن هو، ما فرق بين الفعل الثلاثي والرباعي، قرأ: (ولا تَنكحوا المشركين حتى يؤمنوا)، فقال: لا والله ولو آمنوا! وهل يجوز نكاح الذكور؟ حتى في الحيوانات ما يجوز، ولا وجود له. فهناك فرق بين (نكح) بمعنى: تزوج، و(أنكح) بمعنى: زوج، لا تزوجوا المشركين من إخوانكم أو أقربائكم حتى يؤمنوا، أما وهو مشرك فلا تزوجه، ولا تحضر عقد نكاحه، ولا تسمح لمؤمنة أن يتزوجها.

خلاصة أحكام الآية الكريمة

إذاً: هذه الأحكام خلاصتها -معاشر المستمعين والمستمعات- أن نكاح المشركة الكافرة لا يحل أبداً بحال من الأحوال، وأن نكاح الكتابية من يهود أو نصارى يجوز عند الحاجة إليه والضرورة.ثانياً: الكتابية إذا كانت محاربة، دولتها معلنة بيننا وبينها الحرب، كاليهودية الآن في فلسطين، والله! لا يحل أبداً نكاحها؛ لأن الحرب قائمة ما هناك سلم ولا معاهدة، المحاربة لا يحل نكاحها وإن كانت كتابية، فتلحق إذاً بالمشركة في المنع.والكافر لا يحل أن نزوجه مؤمنة أبداً، الكافر كتابياً أو مشركاً لا يحل له أن يتزوج مؤمنة، وإن بلغ ذلك المسلمين وجب أن يقوموا كلهم لتخليص هذه المؤمنة، ما هي العلة في ذلك؟ ما السر؟ العلة: أنها إذا كانت تحت كافر وله السلطة عليها -سلطة الزواج- يمنعها أن تذكر الله وتعبده وتشكره، وهي ما خلقت إلا للذكر والشكر والعبادة، فلما تعارض الحقان بطل حقه وثبت حق الله، فلا يحل للمؤمن أن يزوج ابنته كافراً كتابياً كان أو مشركاً لا فرق بينهما؛ لأن للزوج سلطة على الزوجة شرعاً، فهي تحته يأمرها وينهاها، فإذا قامت تصلي قال: لا تصلي؛ فحق الزوج أولاً، فلما تعارض حق الله وحق الزوج منع الله نكاحها للكافر.

حكم نكاح تارك الصلاة

وتاركة الصلاة هل نزوجها بالمؤمن أو نزوج المؤمنة بتارك الصلاة؟ الجواب: ما عندنا تارك صلاة أبداً، لم؟ تارك الصلاة يعدم، يؤخر من أول النهار إلى صلاة المغرب، فإن بقي لأذان المغرب القدر الذي يمكن أن يغتسل إن كان جنباً أو يتوضأ فأبى أن يصلي فإنه يعدم، يقطع رأسه، فلا يوجد في ديار المسلمين تارك للصلاة ولا تاركة، فلهذا لم يذكر هذا في الفقه أبداً؛ لأن تارك الصلاة كافر، وما دام أنه كفر فكيف إذاً نزوجه؟ كيف نبقي على حياته؟ هو مرتد، خرج من حلقة الإسلام ودائرته، فيعدم، فمن هنا ما عندنا فتيا في هذا، تارك الصلاة لا وجود له بين المسلمين، فإن وجد فلا يزوج أبداً، ولا تبقى تحته امرأة مؤمنة ولا يحل أبداً، وتاركة الصلاة ما توجد، وإن وجدت فلا يمكن أن نزوجها على مؤمن. وإن اعترض إنسان قلنا له: ما هي التكاليف التي يعجز عنها العبد في الصلاة ويحاول أن يتخلص منها؟هل كونه يغسل أطرافه ويتنظف؟ هذا كل أطباء الدنيا يأمرون به، النظافة ضرورية لبقاء الإنسان، هل كونه يقف بين يدي ربه يتكلم معه يطلب حاجاته ويسأله؟ هل هذه حال تجعله لا يستطيع، والله! إنه حينئذ لكافر، أما يريد أن يتكلم مع الله، ولا أن يجلس بين يديه، أي إيمان أو إسلام هذا؟!وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم: ( العهد بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر )، ما هي مظاهر العبادة والصلاة؟ كيف نعرف أنك مسلم؟ من العام إلى العام نقول: صام؟ وما يدرينا أنك تفطر في بيتك وتقول: أنا صائم؟ الزكاة ما هي؟ أكثر الناس لا يملكون نصابها، فما هي مظاهر الإيمان والإسلام سوى الصلاة؟ كل يوم وكل ليلة تدخل بيت الرب مع أوليائه وتناجيه وتركع وتسجد بين يديه طالباً عفوه ومغفرته، فإن رفضت هذا رفضت الإيمان بالله، ولكن لما عم الجهل، وغطى أمة الإسلام فأشركت بربها وخرجت من دينها وقع هذا، يوجد تارك صلاة، فالجيوش الإسلامية لا يكاد ربعها يصلي، باستثناء هذا الجيش السعودي، وسائر الجيوش من شاء أن يصلي ومن شاء لم يصل، نسبة المصلين عدد محدود.فلهذا إذا بلغك أن فلاناً لا يصلي فأعلم الهيئة على الفور: فلان لا يصلي، كيف نبقى ساكتين عنه؟ لا يحل لمؤمن في هذه البلاد تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله أن يرضى بامرأته لا تصلي أو بولده أو بأخيه أو عمه أو جاره، لينصح له مرة ومرتين ويوماً ويومين، فإن أبى فليعلم الهيئة أو المحكمة.أنا قلت: بلغ أنت، فإن رد عليك: لا أصلي، فامش أنت برجليك حافياً إلى الهيئة وقل: يوجد شخص كافر بيننا في المنزل أو في الدكان أو في العمل، فسكوتنا هو الذي شجع هذه الظاهرة. أنا أقول: لا يحل لك أن يترك ابنك الصلاة أو امرأتك وتسكت، المرأة ما يكفي فيها الطلاق، لا بد أن تسجن حتى تصلي، ولهذا لا يحل لك أن تنكح ابنتك كافراً تاركاً للصلاة، ولا أن تخطب لك أو لابنك امرأة كافرة لا تصلي.


قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات: وَلا تَنكِحُوا [البقرة:221]: لا تزوجوا ]، فالأولى: وَلا تَنكِحُوا [البقرة:221]، والثانية: وَلا تُنكِحُوا [البقرة:221]، إذا قرأنا: وَلا تَنكِحُوا [البقرة:221] أي: لا تتزوجوا، وَلا تُنكِحُوا [البقرة:221]: لا تزوجوا، وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ [البقرة:221]، أي: لا تتزوجوهن، وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ [البقرة:221]، أي: لا تزوجهم بنسائكم وبناتكم.[الأمة: خلاف الحرة ]، ضدها، هذه أمة وهذه حرة، ما معنى: أمة؟ كل امرأة أمة لله تعالى مملوكة له، لكن في الاصطلاح الأمة: المرأة التي تشترى وتباع، ملكت باليمين، فهي ملك لسيدها، هذه هي الأمة.[ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221]، أي: أعجبكم حسنها وجمالها. يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [البقرة:221] بحالهم ومقالهم وأفعالهم ]، أما قال تعالى: أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [البقرة:221]، بأقوالهم بأحوالهم بأفعالهم، كيف نتزوج منهم أو نزوجهم؟[ آيَاتِهِ [البقرة:221]: أحكام دينه ومسائل شرعه]، في قوله تعالى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ [البقرة:221].

معنى الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية الكريمة: ينهى الله تعالى المؤمنين أن يتزوجوا المشركات ] الكافرات اللائي يؤلهن غير الله مع الله، [ إلا أن يؤمنَّ بالله ورسوله، فإن آمنَّ ] بالله ورسوله فلا بأس، كأن الشيخ يشير إلى الجهل العام في ديار المسلمين، مؤمنة تصلي ولكن حين تريد أن تقوم تقول: يا ألله ويا سيدي عبد القادر ، حين يسقط الإناء من يدها تقول: يا رجال البلاد! فما تقولون في هذه؟ في صنف تصنفونها؟هذه مشركة، إما أن تتوب أو لا نتزوجها، إن تابت من شركها وضلالها فلا بأس، وإن استمرت على ذلك فلا تحل أبداً. وقد يقول قائل: هذا شرك أصغر؟ ونقول: أي شرك أصغر هذا؟! تقول: يا رجال البلاد، تدعوهم وتناديهم، وتنذر لسيدي عبد القادر وفلان، هذا شرك أعظم لا أعظم منه، أكثر من شرك المشركين.إذاً: هذه الظاهرة موجودة، إذا خطبت زوجة في بلد ما فاسأل عن دينها، فإن وجدتها سلفية موحدة فلا بأس، وإن قالوا: هذه جاهلة، وتنذر للأولياء، وتزور القبور وتعكف عليها؛ فلا تتزوجها أبداً، وإن وجدت كذلك فحلاً من عباد الأهواء يقول: يا سيدي عبد القادر ، ويا رسول الله ويا كذا؛ فلا تزوجه ابنتك، حرام عليك، وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221]، وإنما من باب الدعوة، فإذا خطب إليك ابنتك فقلت: بلغني أنك تؤمن بكذا وكذا، وتقول كذا وكذا، أحق هذا أو باطل؟ فإن قال: كلا أبداً، أنا أقول: لا إله إلا الله، كيف أدعو غير الله؟ كيف أنذر أو أذبح لغير الله؟ إذاً: هذا مؤمن فزوجه، وإذا قال: اسكتوا، أنتم وهابيون وأنتم كذا فوالله! ما زوجناه أبداً حتى يتوب إلى الله.ألستم تعرفون الشرك؟ إن الرجل يذكر الله: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، وحين تسقط المسبحة من يده للنوم يقول: يا سيدي فلان! لا يفزع إلى الله، يفزع إلى ولي من الأولياء، أهذا موحد؟ والله! إنه مشرك، وكونه ما عرف كالمشركين يجب عليه أن يتعلم ويسأل، ولكن كثيرين يعلمون هذا ويضحكون منكم، ويقولون: أنت لا تقول بالأولياء، وكل هذه الحقائق ستتجلى لنا يوم القيامة في عرصات الفصل والقضاء.قال: [ ينهى الله تعالى المؤمنين أن يتزوجوا المشركات إلا أن يؤمنَّ بالله ورسوله، فإذا آمنَّ جاز نكاحهن، وأعلمهم منفراً عن نكاح المشركات مرغباً في نكاح المؤمنات؛ فقال: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221] ]، هذا من باب الترغيب في المؤمنات والترهيب من المشركات.[ فقال: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ [البقرة:221] فضلاً عن حرة خير من حرة مشركة ]، يعني: مؤمنة أفضل من حرة مشركة، وخير منها.[ ولو أعجبتكم المشركة لحسنها وجمالها، كما نهاهم محرماً عليهم أن يزوجوا المؤمنات بالمشركين حتى يؤمنوا، فإن آمنوا جاز لهم أن ينكحوهم بناتهم ونساءهم، فقال تعالى: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221]، وقال منفراً مرغباً: ولعبد مؤمن خير من حرٍ مشرك ولو أعجبهم المشرك؛ لشرفه أو ماله أو سلطانه، وعلل لذلك بقوله: أُوْلَئِكَ [البقرة:221]، أي: المشركات والمشركون يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [البقرة:221]، فمخالطتهم مضرة ومفسدة لاسيما بالتزوج منهم ]، المخالطة بالكفار والمشركين فيها مفسدة وضرر، فكيف بالزواج؟ وتصبح تحتك، أو تصبح المؤمنة تحته.قال: [ فمخالطتهم مضرة ومفسدة لاسيما بالتزوج منهم، والله عز وجل يدعو إلى الجنة بالإيمان والعمل الصالح، وإلى المغفرة بالتوبة الصادقة، فاستجيبوا ]، وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ [البقرة:221]، هيا آمن واعمل صالحاً، زك نفسك وطهرها، ويدعو إلى مغفرة ذنوبنا بالتوبة إليه الصادقة، والرجعة الكاملة، حيث نتخلى عن أوضار الذنوب والآثام. قال: [ فاستجيبوا له وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه ]، ومن جملة ما نهانا عنه الآن: أن نزوج بناتنا المشركين، أو تتزوج المشركات، حرم هذا علينا، فلنطعه.قال: [ كما أنه تعالى يبين آياته للناس ليعدهم للتذكر والاتعاظ فيقبلون على طاعته الموصلة إلى رضاه وإلى الجنة ويبعدون عن معصيته تعالى المؤدية إلى سخط الله تعالى وعذابه في النار ]. هذا معنى هذه الآية الكريمة فاسمعوها: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [البقرة:221]، علمنا الآن، فلنتذكر، لنتعظ، والله! لا نفعل ما نهانا عنه ولا نقبل عليه.


هداية الآية

الآن مع هداية الآية، ما تضمنت هذه الآية وما احتوت عليه من الأحكام الشرعية والهداية الربانية، إذ كل آية كالنور، لا بد أن تهدي من طلب الهداية، كل آية تهدي إلى النور، إي والله، عرفنا بيان ذلك، فالآية إذا آمنت بها فمن أنزلها؟ الله، وعلى من نزلت؟ على رسول الله. إذاً: اهتديت إلى لا إله إلا الله، محمد رسول الله، دخلت في الإسلام، كل آية من ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية في كتاب الله، كل آية تهدي إلى الإيمان بالله ورسوله.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[هداية الآية الكريمة: من هداية الآية:أولاً: حرمة نكاح المشركات، أما الكتابيات ] من يهوديات أو نصرانيات [ فقد أباحهن الله تعالى بآية المائدة، إذ قال -تعالى-: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5] ]، من هم الذين أوتوا الكتاب من قبلنا؟ اليهود والنصارى، وإن كان النصارى مشركين، أما عبدوا مع الله سواه؟ أما كذبوا وافتروا على الله؟ ولكن الكتاب عندهم، والإيمان بلقاء الله موجود، والإنجيل بأيدهم.وإذا كانت تعتقد أن المسيح ابن الله فالله قد علم هذا منها قبل أن يقوله أحدنا، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17]، وهو الذي أنزل هذه الرخصة وقد بينها غير ما مرة، وقلنا: المشركون في مكة تعصبوا للفرس المشركين، والمؤمنون تعصبوا للروم في حربهم مع المشركين، فهناك تقارب كبير بين اليهود والنصارى والمسلمين، وبعد كما بين السماء والأرض بينهم وبين الشيوعيين ومن لا يؤمن بالله ولقائه.قال: [ حرمة نكاح المشركات، أما الكتابيات فقد أباحهن الله تعالى بآية المائدة إذ قال: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5] ]، في الإذن بنكاحهن، وقد قلنا ما قال أهل العلم: تتزوج كتابية بشرط ألا تكون حربية والحرب دائرة.[ ثانياً: حرمة نكاح المؤمنة الكافر مطلقاً مشركاً كان أو كتابياً ]، حرمة نكاح المرأة المؤمنة كافراً، سواء كان مشركاً أو بلشفياً شيوعياً لا يؤمن بالله، أو كتابياً من يهود أو نصارى مطلقاً.وقد عرفنا أننا لو كنا كما كنا، وبلغنا أن مؤمنة تزوجها كافر فإنا نغزوا تلك الديار حتى نخلصها، ولا نسمح أبداً أن يعلو كافر على مؤمنة، ولكن لما هبطنا من علياء سمائنا فالآن المؤمنات في أمريكا وأوروبا متزوجات باليهود والنصارى، من يحرك رأسه؟ ما الطريق إلى أن نسموا ونعود ونسود؟ هل ننتج الذرة؟ هل نملك الهيدروجين؟ والله! ما هو إلا أن نعود إلى حيث بدأ رسول الله والمؤمنون، فما هو؟هو أن أهل القرية أعلموهم أنه من الليلة لا يتخلف رجل ولا امرأة ولا ولد من الساعة السادسة إلى صلاة العشاء، الكل في بيوت الله في القرى، المدن، العالم الإسلامي كله سجد بين يدي الله، يطلبه أن يعزه ويسوده، كل ليلة يتعلمون الكتاب والحكمة، لم يبق جهل ولا فسق ولا ظلم ولا شر، ارتفعت الأمة إلى مستواها اللائق في أربع وعشرين ساعة، والعالم يموج لا يعرف كيف يصنع مع هذه القوة العظيمة، يعودون إلى المسجد فقط.في المسجد النبوي كم في حلقتنا هذه؟ مائتا مستمع، فأين الأمة؟ أين سكان المدينة ستمائة ألف؟ كان المفروض أنه ما يجد إنسان مكاناً، وهكذا الذل، إذاً: هذا نصيبنا.[ ثالثاً: شرط الولاية في نكاح المرأة ]، لا يصح نكاح بدون ولي لهذه الآية، أما قال تعالى: وَلا تُنكِحُوا [البقرة:221] أي: لا تزوجوا، فمن يزوج: هل الولي أم لا؟ والرسول بين هذا فقال: ( أيما امرأة تزوجت بغير ولي فنكاحها باطل .. باطل .. باطل )، وإذا قلنا: ما هناك حاجة لولي فهو الدعارة والزنا، تخرج وتتزوج من أحبت وشاءت، لا بد من ولي، ومن عدمت الولي فالسلطان ولي من لا ولي لها.الآية دلت على هذا والحديث بينه، شرط الولاية في نكاح المرأة؛ لقوله تعالى: وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ [البقرة:221] أي: لا تزوجوهم بناتكم، هذه الولاية أو لا؟ [ فهو هنا يخاطب أولياء النساء المؤمنات، ولذلك لا يصح نكاح إلا بولي ].والولي: الأب، الابن، الأخ، ابن الأخ، العم، الأقرباء العصبة، فإن فقدوا وما هناك سلطان ولا محكمة فذو الرأي -كما قال عمر- من عشيرتها، الرجل التقي المؤمن البصير من القبيلة يزوجها، فإن وجد سلطان ومحكمة فلا، السلطان ولي من لا ولي لها. [ رابعاً: التنفير من مخالطة المشركين والترغيب في البعد عنهم؛ لأنهم يدعون إلى الكفر بحالهم ومقالهم وأعمالهم، وبذلك هم يدعون إلى النار].البعد عن الكفار والمشركين أسلم حتى في المجاورة، حتى في العمل، حتى في البلاد، لم؟ أما قال تعالى: يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [البقرة:221] أو لا؟ فلا خير في القرب منهم، فكيف بأن يتزوج منهم أو يزوجهم؟[ خامساً: وجوب موالاة أهل الإيمان ومعاداة أهل الكفر والضلال؛ لأن الأولين يدعون إلى الجنة، والآخرين يدعون إلى النار ].استفدنا أنه يجب أن نوالي أهل الإيمان بالمودة والحب والنصح، ومعاداة أهل الكفر والضلال؛ لم؟ لأن الأولين يدعون إلى الجنة والآخرين يدعون إلى النار.اللهم قنا عذابك، وارض عنا كما رضيت عن صالح عبادك، آمين.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 06-07-2020, 05:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (7)
الحلقة (14)




تفسير سورة البقرة (104)


كان من عادة اليهود وبعض المشركين في الجاهلية أنهم إذا حاضت فيهم المرأة هجروها بالكلية، وكان بعض المشركين يطئون المرأة حتى في حيضتها، فجاء الإسلام مبيناً كيفية معاملة الحائض، وهو أن يمتنع الرجل عن وطء المرأة في حيضتها، ويستمتع بها فيما دون ذلك، ويؤاكلها ويشاربها وتقوم على خدمته، ثم إذا انقضت حيضتها وطهرت فله أن يأتيها كيف شاء في موضع الحرث الذي شرعه الله عز وجل له.


مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الموعود يا رب العالمين.ها نحن مع هاتين الآيتين الكريمتين من سورة البقرة، من سورة الأحكام الإلهية.وقد كنا مع الآية التي درسناها وعرفنا فيها حرمة نكاح المشركات، لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتزوج مشركة بالإجماع؛ لقوله عز وجل: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221].

ثانياً: حرمة إنكاح المشركين، لا نزوج مشركاً بمؤمنة أبداً، ولو علمنا أن مؤمنة تزوجها مشرك لغزونا تلك الديار وخلصنا تلك المؤمنة؛ لأن الزوج الكافر له حق -كالمؤمن- على الزوجة، فيتعارض حق الله الذي من أجله خلقت المرأة وحق الزوج، فلذا لا يحل السكوت أبداً عن مؤمنة يتزوجها مشرك كافر، وسواء كان كتابياً أو مشركاً.وعرفنا شرط الولاية في النكاح؛ لأن قوله تعالى: وَلا تُنكِحُوا [البقرة:221] أي: لا تزوجوا، هذا مسند إلى الولي، وفي الحديث: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل )، و( أيما امرأة نكحت بدون إذن وليها فنكاحها باطل.. باطل.. باطل ).وفي الآية من هدايتها: التنفير من مخالطة المشركين، من استطاع ألا يخالط مشركاً فليفعل، البعد أنجح، البعد أسلم؛ إذ قال تعالى: أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة:221]. هذه أنوار الآية السابقة.

تفسير قوله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً ...)


والآن مع الآيتين الآتيتين، وإليكم تلاوتهما: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:222-223] اللهم اجعلنا منهم حتى يبشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.هل هذا القرآن يقرأ على الموتى ليتعلموا الأحكام الإلهية؟ كيف يقرءونه على الموتى؟ وما زالوا إلى الآن يحفظون القرآن من ألفه إلى يائه من أجل أن يقرءوه على الموتى، أماتنا الثالوث أماتهم الله، سلبونا روحنا وأبعدونا عنها فمتنا، فسادونا وساسونا وتحكموا فينا.عرفوا أن حياة هذه الأمة متوقفة على هذا القرآن العظيم حفظاً وتعبداً، واستخراجاً للأحكام والشرائع، وعملاً وتطبيقاً، القرآن روح ولا حياة لفرد أو جماعة أو أمة بدون روح، فهذه الأحكام كيف نُسمعها الميت؟

المراد بالسؤال عن المحيض وسببه

قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة:222] ما المراد من المحيض؟ الحيض، أو زمن الحيض.هل يصح للفحل المؤمن أن يجامع امرأته وهي حائض؟ الجواب: لا، فلفظ المحيض يطلق على زمن الحيض ومكان الحيض، الفرج مكان الحيض، ويطلق على الحيض نفسه؛ فهو مصدر، حاضت تحيض حيضاً.أي: هل يجوز للرجل أن يطأ امرأته أو جاريته وهي حائض؟ سأل المؤمنون طلاب العلم والهداية، والرسول صلى الله عليه وسلم يتلقى المعارف من الله، لما سألوه أجابهم الله فعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فالأسئلة الشرعية ممدوحة محمودة، لكن لا أسئلة التنطع والإحراج، من أراد أن يعبد الله فليسأل كيف يعبده وبم يعبده، وإذا ارتبك في شيء هل هو حلال أو حرام فليوقف عمله حتى يسأل ويعلم. وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة:222] لأن الأسئلة تقدمت: يسألونك عن القتال، يسألونك عن الإنفاق، يسألونك عن اليتامى، إذاً: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ [البقرة:222] يا رسولنا والمبلغ عنا صلى الله عليك وسلم، قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222] و(أذى) نكرة، والأذى ما يؤذي الإنسان في بدنه، في عرضه، في ماله، إذاً: فنكاح المرأة وهي حائض فيه أذى يؤذي الفحل بالمرض.إذاً: فبناء على هذا فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] اعتزلوا النساء، ابتعدوا عنهن في حال الحيض. والسبب في السؤال: أن اليهود -عليهم لعائن الله- جيران الأنصار والمهاجرين عندهم في بدعتهم التي يسمونها ديناً، وأي دين لهم؟ فقد مسخوه، عندهم أن المرأة إذا حاضت لا ينام الزوج في فراشها، يطردها كالكلبة، لا تقرب منه ولا يقرب منها، فلما جاء التشريع بدأت طلائع الإيمان والإسلام، سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم: اليهود شأنهم كذا، ونحن هل نعتزل النساء كما اعتزل اليهود نساءهم أم لا؟ كان هذا سبب السؤال.

معنى قوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن)

فقال تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222] أي: بانقطاع حيضهن، اعتزلوا النساء، ليس الاعتزال بأن يربطها في غرفة ويغلق عليها، أو يقول: ما دمت في حيض فلا تأتي إلى جنبي ولا أراكِ، بل يعتزلها بألا يطأها فقط، وينام إلى جنبها وتنام إلى جنبه، ويؤاكلها ويشاربها وتؤاكله، لا يطأها، وإن احتاج إليها فقد أذن له أن يقول لها: استذفري أو شدي بشيء على فرجك ويتلذذ بكافة جسمها ولا حرج.قال: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ [البقرة:222] أي: بالجماع إلى غاية ماذا؟ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، كيف يطهرن؟أولاً: بانقطاع دم الحيض، ودم الحيض هو الدم الأسود الغليظ المتخثر، هذا الدم سنة الله عز وجل في خلقه أن الأنثى من المؤمنات تحيض إذا كانت غير حبلى، فإن حملت فالدم الزائد هو غذاء الجنين، فإذا ما كان ببطنها حمل ففي كل شهر تفرز هذا الدم الذي يتجمع بحكمة الله وإرادته في خلقه حتى تحمل، إذا حملت انقطع الدم، ونادراً ما يخرج دم وليس بحيض.والمدة أقلها يوم وليلة، وأكثرها خمسة عشر يوماً، أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، ما دام مستمراً فلا صلاة ولا صيام ولا وطء حتى ينقطع فتغتسل، فإذا بلغت خمسة عشر يوماً وما انقطع فإنها تغتسل وتصوم وتصلي وتوطأ إن شاء بعلها؛ لأن الحيض انتهى وجاء داء ومرض يسمى الاستحاضة، وقد ينقطع الحيض في اليومين، في الثلاثة، وأغلبه سبعة أيام وستة عند النساء.


معنى قوله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله)

إذاً: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222] أي: ينقطع دم الحيض منهن، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [البقرة:222] أي: اغتسلن، فالدم مانع من الجماع، وإذا انقطع يبقى المنع كذلك حتى تغتسل كغسل الجنابة، وإذا لم تجد ماء تتيمم وتصلي.قال: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [البقرة:222] أي: اغتسلن فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] ائتها يا بعلها يا فحلها من حيث أذن الله لك، وهو من فرجها، لا من دبرها؛ إذ هذا الفرج -كما سيأتي- عبارة عن أرض للحراثة والزراعة للإنبات.سبحان الله! نحرث الأرض، نبذر فيها الحب، نستره بالتراب، نسقيه بالماء وإذا بالزروع يكون، كذلك البشر كيف ينبتون؟ هل في الأرض؟ لا، الطريق الوحيد الذي لا نظير له هو أن يأتي الرجل امرأته ويبذر ماءه بويضاته حيواناته في تلك الأرض وإذا بها متى شاء الله تتفاعل ويخرج الولد. فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222]، ومن هنا لنعلم أن نكاح المرأة من دبرها هو اللواط، وقد جاء التعبير عنه باللوطية، وهو محرم بالإجماع، الذي يطأ امرأته في دبرها كالذي يطأ الفحل في دبره والعياذ بالله، نبرأ إلى الله ونعوذ به من هذه الحالة.ولذا قال تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] إذاً: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] وهو إتيانهن من قبلهن لا من دبرهن.

حكم من أتى زوجته في دبرها

وهذه القضايا ترفع إلينا، أهلها يستفتون: هل تحرم عليه المرأة وتبين بينونة كاملة أو لا تحرم؟ الجواب: لا تحرم، ولكنه ارتكب إثماً عظيماً كالقتل تقريباً، وإن حصل هذا فعلى الفاعل أن يتوب، هذه التوبة أولاً: يواصل البكاء والندم والاستغفار والصدقات حتى تمضي فترة ويشعر بطهارة روحه؛ لأنه يلوث الروح ويلطخها، لا تزول تلك التلوثات وذلك العفن إلا بالتوبة النصوح، البكاء بالدموع، الاستغفار، الندم، الصدقات حتى تمضي فترة فيشعر بأنه طاب وطهر، والصدقة على الأقل نصف دينار، وهي إن وافقت وكانت راضية فهي مثله في البكاء والصراخ والندم والتوبة والصدقة، وإن كان أكرهها فلا شيء عليها والإثم عليه، وإن أراد أن يعاودها فلتطالب بالطلاق وتشنع وتخرج، ولا ترض بهذا المنكر.

معنى قوله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] اللهم اجعلنا منهم، يجب أولاً أن نتوب إلى الله وأن نتطهر من أدراننا، من أوساخنا، من ذنوبنا، من سيئاتنا، فالله طيب لا يحب إلا طيباً، من أراد أن يحبه الله فليكن من التوابين، فإن وقعت منه نظرة فقط قال: أستغفر الله وأتوب إليه، أو كلمة فقط قال: أستغفر الله وأتوب إليه، أو تأخير الصلاة عن وقتها أو عن الجماعة فقط قال: أستغفر الله وأتوب إليه. هذا التواب كثير الرجعة إلى الله، كلما زلت القدم عاد إلى الله، وهذا يحتفظ بطهارة روحه، ما يسمح للنفس أن تخبث أبداً، دائماً الماء والصابون في يديه. وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] الذين يتكلفون الطهارة، يطلبونها ويعملون على تحقيقها.

تفسير قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ...)

وقوله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] النساء: جمع لا مفرد له، واحد النساء امرأة، بعضهم يقولون: إنسانة، ولكن النساء لا مفرد له. نِسَاؤُكُمْ [البقرة:223] أي: زوجاتكم حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] هل تعرفون الحرث؟ قطعة أرض تبذر فيها البذر وتسقيها فتنبت لك بإذن الله البر والشعير والذرة، وما إلى ذلك، فنساؤنا جعلهن الله للرجال حرثاً، أرض حراثة، ولكن لا تنبت البر والبصل والثوم، تنبت الرجال والنساء!لو كان عندك أرض تحرث فيها فتنبت لك الأولاد من بنين أو بنات فهذه الأرض ما تباع أبداً ولا تساوم بقيمة، فالحمد لله! هذا كلام الله: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] إذاً: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] في أي وقت، وكيف شئتم. ‏

حكم إتيان المرأة من دبرها في الفرج وحال الحيض والنفاس


وهنا مسألة أخرى أيضاً: بعض الرجال يأتي امرأته من ورائها، لكن لا يولج إحليله -ذكره- في دبرها، يطؤها في فرجها حيث الحرث، ولكن يطؤها وهي مدبرة، وهذا كان يفعله بعض المؤمنين، فكره بعضهم هذا النوع، تحدث بعض النساء، بمعنى أنه يأتيها من ورائها ولا يطؤها في دبرها، لكن يطؤها في فرجها الذي هو طريق الحراثة والزرع، فلما تململ بعض الناس من سماع هذا أفتاهم الله عز وجل: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] وهي قائمة، وهي قاعدة، مقبلة، مدبرة، شأنك يا عبد الله، لا إله إلا الله! فأتوا حرثكم كيف شئتم. وهل يأتي الحرث وهي حائض؟ لا، وهي نفساء؟ لا. فقوله: أنَّى بمعنى: كيف، لا بمعنى: أي وقت، نعم في أي وقت أيضاً على شرط أن تكون طاهراً ليست بحائض ولا نفساء.

معنى قوله تعالى: (وقدموا لأنفسكم)

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ [البقرة:223] لا إله إلا الله! قدموا للدار الآخرة، هذه أيام معدودة ومحدودة وأنتم ماشون، والله! لراحلون، قدموا للدار التي تنزلون بها شيكات، احجزوا في فنادق السماء قبل ضياع الوقت.ويدخل في هذا اللفظ: وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ [البقرة:223] أن تنوي ببعالك ونكاحك وإتيانك زوجك أن تنجب أولاداً وبنين يعبدون الله عز وجل.هل يستطيع إنسان أو العالم بأسره أن يوجد لنا رجلاً أو امرأة؟ مستحيل! روسيا جمعت أطباءها وصناعها وعلماء الذرة، وقالوا: لتعملوا على إنتاج الإنسان، حتى إذا استطعنا أن نوجد جيوشاً آلية فسنضع أرجلنا على العالم بأسره، ولا يأسف أحد ولا يحزن، اصنعوا من البلاستيك رجالاً وانفخوا فيهم الروح ليصبحوا كالبشر ونوجههم لفتح العالم، قالت الأخبار الصحيحة: عملوا ثمانية عشر عاماً، وهم يعملون الليل والنهار على إيجاد جيش من الآلات، بمعنى أن هناك ناساً يضعونهم في الطرقات الآن في أوروبا، إنسان واقف بهيكل كامل، فقط تنفخ فيه الروح، عملوا ثمانية عشر عاماً، ثم أعلنوا عن فشلهم، وقالوا بعد البحث المتواصل في الكون: الروح من عالم أعلى لا توجد في العالم الأسفل، قلنا: عجائزنا في القرية تخبر بهذا، ما يحتاج إلى ثمانية عشر عاماً، والله! أيما عجوز مسلمة تقول: الروح تأتي من الله، من السماء، الملك ينفخها، وهم في ثماني عشرة سنة يعملون، والرواتب ضخمة، يريدون أن يوجدوا جيشاً غير بشري يحكمون به العالم.إذاً: فيا فحل! انو بوطئك وجماعك إنتاج إنسان يذكر الله ويشكره، قدم لنفسك، ولهذا على الرجل إذا كان يملك النفقة والسكن أن يتزوج، ما يضيع الوقت، من أجل ماذا؟ من أجل أن ينتج بنين وبنات يعبدون الله عز وجل بالذكر والشكر، ماذا يكلفك؟ إنها أربعة آلاف ريال: ألفان مهر وألفان لتدبير شأنك، وسيضحك مني القوم؛ لأنهم يسمعون المهر خمسين ألفاً، ستين ألفاً، فاللهم إن هذا منكر، لم هذا؟ أبيع هذا وشراء؟ المهم أنه ما دمت قادراً على أن تنتج رجلاً وامرأة فأي فرح أعظم من هذا الفرح، لا صناعة ولا كلفة، فتح الله لك الباب، علمك، وضع بين يديك الحرث فاحرث وأنتج يا عبد الله، قدم لنفسك: وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ [البقرة:223] تشمل إنجاب البنين والبنات، وتشمل كل عمل صالح قدم، مساعدتك على الزواج -والله- تقديم، مؤمن يريد أن يتزوج فساعدته بمائة ريال أو ألف فأنت شريك في هذا الأجر، لك أجر.فقوله جل وعز: (قدموا) شامل لهذا ولكل عمل صالح تقدمه إلى الآخرة لتظفر به وتفوز، هذه وصية الله: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] من أعطانا هذا؟ الله هو الذي أذن.

ذكر بعض الأحاديث الواردة في حرمة إتيان المرأة في دبرها

إذاً: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] كيف شئتم: من قيام، من قعود، عن اليمين، عن الشمال، من وراء، من أمام، مع الاحتراز الكامل من أن يطأ في دبرها، هذا هو الموت والدمار.أسمعكم الأحاديث الواردة في هذا الباب:قال المؤلف غفر الله له ولكم في الحاشية: [ وذلك لتحريم وطء المرأة في دبرها للآية الكريمة وللأحاديث الصحاح وما أكثرها، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ( يا أيها الناس! إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهن ) أي: أدبارهن، وقوله: ( من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله إليه يوم القيامة ) ]، ووردت أحاديث كثيرة، لكن هذا يكفي، فهذه خطبة خطبها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( يا أيها الناس! إن الله لا يستحي من الحق ) لذا أقول لكم هذا، ( فلا تأتوا النساء في أعجازهن )، ( من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله إليه يوم القيامة )، ومن غضب الله عليه ولم ينظر إليه هل يدخل الجنة؟


معنى قوله تعالى: (واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين)

قال تعالى: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:223] من إتمام الوصية قال: اتقوا الله، لا تخرجوا عن طاعته فتأتوا النساء في حيضهن قبل الطهر، أو بعد الطهر وقبل الاغتسال، أو تأتوهن في أدبارهن، كل هذا داخل في قوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ [البقرة:223] اتقوا الله، ولو كان لا يأتي يوم تقف بين يديه فاضحك، قل: أمرنا بأن نتقيه فلن نتقيه، لكن اعلم أنك ستقف بين يديه، إذا حدثتك نفسك أو سولت لك باستمرارك على المعصية فاعلم أنك لست طليقاً حيث شئت، سيأتي يوم تقف بين يدي الله، تلاقيه وجهاً لوجه، ماذا تقول؟ أعوذ بالله! لو قال الله له: فعلت كذا في امرأتك فسيذوب ويتحطم. وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:223] وأخيراً يا رسولنا بشر المؤمنين، أصحاب هذه العقائد والآداب والأخلاق والعبادات والمعاملات، لم قال: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:223]؟ لأنه -والله- لا يمتثل هذه الأوامر إلا مؤمن، لا يتقيد بهذه القيود ولا يتأدب بهذه الآداب إلا مؤمن، أما الكافر فلا، فلهذا ختم بهذا: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:223]، هم الذين يمتثلون أمر الله ويجتنبون نهيه، والذي تراه بين الناس من عدم الطاعة والله! لنتيجة عدم الإيمان أو ضعفه، أما أهل الإيمان اليقيني الكامل فهيهات هيهات أن يتلوثوا بهذه الأوساخ والقاذورات!

الإعجاز القرآني في انتظام الأحكام المضمنة في الآية الكريمة

والآن نسمعكم الآيتين وتفكروا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:222-223]، والله! لو تكتب صحيفة بعشرين صفحة ما تأتي بهذا الكمال في هذه الآية، لا إله إلا الله!ّ لو تملأ عشرين صفحة ما يمكن أن تتسع لهذه، عجب هذا القرآن أو لا؟ إخواننا من الجن عرفوا هذا ونطقوا به، وصاحوا: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:1] والمؤمنون (95%) منهم ما يفهمون أنه عجب، ما تذوقوه، ما جلسوا عليه، ما فهموه، كيف يعرفون أنه عجب؟ الجن ما إن سمعوا الرسول يقرأ في صلاة الصبح حتى التفوا حوله وكادوا يكونون عليه لبداً، وقالوا: أنصتوا.. أنصتوا، ما إن سمعوه حتى قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجباً، وعادوا إلى ديارهم يبلغون دعوة الله. فالمفروض أن المستمعين يبلغون هذه الآية، يحدثون بها الليلة جلساءهم حتى تستقر في نفوسهم، بلغ ولو آية، ويوم يفتح الله وننطلق فسيحدث هذا، ولكن إلى الآن مازلنا خاملين.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيتين:يخبر تعالى رسوله بأن بعض المؤمنين سألوا عن المحيض: هل تساكن المرأة معه وتؤاكل وتشارب أو تهجر بالكلية حتى تطهر؟ إذ كان هذا من عادة أهل الجاهلية ]، وحتى اليهود أيضاً، بل اليهود هم الذين كانوا يعتزلون المرأة نهائياً.قال: [ وأمره أن يقول لهم: الحيض أذى يضر بالرجل المواقع فيه، وعليه فليعتزلوا النساء الحُيَّض في الجماع فقط لا في المعاشرة والمؤاكلة والمشاربة ] والمبيت، لا، [ وإنما في الجماع فقط أيام سيلان الدم، بل لا بأس بمباشرة الحائض في غير ما بين السرة والركبة، للحديث الصحيح بذلك في هذا، كما أكد هذا المنع بقوله تعالى لهم: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ [البقرة:222] أي: لا تجامعوهن حتى يطهرن بانقطاع دمهن والاغتسال بعده لقوله: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [البقرة:222] أي: اغتسلن فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] بإتيانهن، وهو القبل لا الدبر ]، القبل: الأمام، والدبر: الوراء، [ فإنه محرم، وأعلمهم تعالى أنه يحب التوابين من الذنوب المتطهرين من النجاسات والأقذار، فليتوبوا وليتطهروا ليفوزوا بحب مولاهم عز وجل. هذا معنى الآية الأولى ]، هل هناك أغلى من حب الله؟ لو يأتيني هاتف يهتف على شرط أن يكون ملكاً، يقول: اعلم أن الله يحبك واخرج من بيتك ومالك؛ فوالله لفرحت وخرجت، وإن قالوا: الشيخ جن، لكن نتوسل ونعمل، وكلنا رجاء أن يحبنا، من أحبه الله فلينم، من أحبه الله لا يذله، لا يخزيه، لا يهينه، لا يكله إلى غيره.والخطوة الأولى: أحبه أنت، أما أنك غير مستعد لحبه وتطلب منه أن يحبك فهذا خطأ فاحش، ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم، وأحبوني بحبه )، هذه إذا ذكرتها وكنت في خلوة وذكرت ثيابك النظيفة أو طعامك بين يديك، أو إنقاذك يوم كذا في حادثة كذا، فعلى الفور ترتعد فرائصك وتبكي وتحب الله أكثر من حبك لنفسك، والذي ما يذكر هذا لا يحب الله، أمر مفروغ منه، ( أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم ) اذكر نعمه تحبه، اذكر إحسانه إليك تحبه.أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمفطالما استعبد الإنسان إحسان.والذي يأكل ويشرب كالحمار ولا يفكر ولا يذكر الله كيف يحب الله؟قال: [ أما الآية الثانية وهي قوله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] فهي تضمنت جواب سؤال وهو: هل يجوز جماع المرأة مدبرة بأن يأتيها الرجل من ورائها؟ إذ حصل هذا السؤال من بعضهم فعلاً، فأخبر تعالى أنه لا مانع من ذلك إذا كان في القبل لا في الدبر، وكانت المرأة أيضاً طاهرة من دمي الحيض والنفاس، وسمى المرأة حرثاً لأن رحمها ينبت فيه الولد كما ينبت الزرع في الأرض الطيبة، وما دام الأمر كذلك فيأت الرجل امرأته كما شاء مقبلة أو مدبرة؛ إذ المقصود حاصل وهو الإحصان وطلب الولد ]، ما معنى الإحصان؟الحفظ من الوقوع في الزنا، الإحصان حاصل بهذا الوطء سواء من أمام أو من وراء، والولد كذلك ينبت بإذن الله.[ فقوله تعالى: أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] يريد: على أي حال من إقبال أو إدبار شئتم شرط أن يكون ذلك في القبل لا في الدبر، ثم وعظ تعالى عباده المؤمنين بقوله: وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ [البقرة:223] من الخير ما ينفعكم في آخرتكم، واعلموا أنكم ملاقوا الله تعالى فلا تغفلوا عن ذكره وطاعته؛ إذ هذا هو الزاد الذي ينفعكم يوم تقفون بين يدي ربكم ] ويسائلك: هل فعلت؟ هل فعلت؟[ وأخيراً أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبشر المؤمنين بخير الدنيا والآخرة وسعادتهما من كان إيمانه صحيحاً مثمراً التقوى مولداً العمل الصالح ].

هداية الآيات


قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيتين:من هداية الآيتين:

أولاً: حرمة الجماع أثناء الحيض والنفاس؛ لما فيه من الضرر، ولقوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222].

ثانياً: حرمة وطء المرأة إذا انقطع دم حيضها أو نفاسها ولم تغتسل بعد، لقوله تعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] .

ثالثاً: حرمة نكاح المرأة في دبرها؛ لقوله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] ] أي: أذن لكم، [ وهو القبل.

رابعاً: وجوب التطهير من الذنوب بالتوبة، والتطهير من الأقذار والنجاسات بالماء ]، تطهير النفس بالتوبة والاستغفار، وتطهير البدن بالماء العذب الصافي الطهور، فالماء الطاهر تشربه، تغسل به إناء، أما الطهور فهو الذي ترفع به الأحداث، هو الذي يتم به الغسل والوضوء.

[ خامساً: وجوب تقديم ما أمكن من العمل الصالح ليكون زاد المسلم إلى الدار الآخرة؛ لقوله تعالى: وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ [البقرة:223].

سادساً: وجوب تقوى الله تعالى بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه وزجر ]، أما قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:223] هذا أمر أو لا؟ أيعصى الله إذا قال: افعل أو لا تفعل؟[ سابعاً: بشرى الله تعالى على لسان رسوله لكل مؤمن ومؤمنة ]، وبشر يا رسولنا المؤمنين والمؤمنات.فالحمد لله.. الحمد لله، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، يا ولي المؤمنين ويا رب العالمين.رب إن بيننا من يشكو آلاماً وأمراضاً في بيته، في مستشفاه، اللهم اشف أولئك المرضى من المؤمنين والمؤمنات، اللهم شفاءك العاجل يا رب العالمين.وصل اللهم وسلم
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 06-07-2020, 05:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (8)
الحلقة (15)




تفسير سورة البقرة (105)





نهى الله عز وجل عباده المؤمنين عن الإكثار من الأيمان؛ لأن ذلك مفض إلى أن يمنع المرء عن فعل بعض الطاعات وإتيان بعض الخيرات، أما ما يجري على ألسنة الناس من الأيمان التي لا يقصد بها الحلف، وإنما تجري مجرى الكلام فهي مما لا يؤاخذ بها الإنسان، أما ما انعقد عليه القلب فيحاسب عليه المرء، ومن ذلك الإيلاء من الزوجة، فقد أمهل الله صاحبه أربعة أشهر فإما أن يرجع إلى وطء زوجه أو يطلقها فتحرم عليه.

تفسير قوله تعالى: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له إلا الله.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا إنك ربنا وولينا، ولا رب ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع هذه الآيات الأربع من سورة البقرة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:224-227].هذه الآيات اشتملت على أحكام جليلة، من ظفر بها الآن وعاد إلى بيته وجلس على فراشه واسترجعها ووجدها كما هي؛ فهي -والله- لأكبر غنيمة غنمها في هذه الليلة، والله! لخير من خمسين ألف ريال؛ لأن ما عندكم ينفد أو لا؟ وما عند الله باق، فالباقي خير من الفاني، فهل مستعدون لأن نحفظ ونفهم، لأننا أخذنا أعظم جائزة: الله يذكرنا في الملكوت الأعلى، أبعد هذا شيء؟! من نحن وما نحن حتى يذكرنا الله بين ملائكته؟ بفضل هذا العطاء الإلهي: نتلو كتابه في بيته، ونتدارسه، هذا هو السر.


سبب نزول الآية الكريمة

أولاً: لهذه الآية في نزولها سبب: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:224] هذه الآية لها سبب في نزولها، قيل: إنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لما حدثت حادثة الإفك وكرب رسول الله والصديق والمؤمنون بتلك الشائعة التي ما أكثرها اليوم، فـالصديق حلف بالله ألا يطعم ابن خالته مسطحاً ، كان الصديق يطعم ابن خالته مسطحاً صباح مساء، يأكل مع الأسرة؛ لأنه فقير، فلما ولغ في هذه الفتنة حلف ألا يطعمه في بيته، فنزلت الآية: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:224]، فما كان من الصديق إلا أن أرجعه وعاد به إلى بيته وكفر عن يمينه.وفيها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ) قاعدة عامة: ما من مؤمن يحلف بالله ألا يفعل كذا، ويكون قد حُرم ذلك الخير بيمينه؛ إذ جعلها عرضة في الطريق فامتنع بها، فعليه أن يكفر عن يمينه ويفعل ذلك الذي حلف ألا يفعله، وليأت الذي هو خير.من حلف على شيء ثم رأى أن غيره خير منه فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه. وقيل: نزلت في عبد الله بن رواحة ، فمن عبد الله بن رواحة هذا؟ شهيد مؤتة، هذا كان له ختن فغاضبه، حلف ألا يكلمه، والختن إما أخو زوجته أو أبوها، وجائز أن يكون زوج ابنته، والجمع: أختان، أقارب زوجتك هم أختانك، زوج ابنتك ختن لك أيضاً.

النهي عن جعل اليمين مانعاً من فعل الخيرات

إذاً: فكانت الآية: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224]، أي: ولا تجعلوا الحلف بالله، أما الله فما يكون عرضة، وإنما الحلف به تعالى لا تجعلوه عرضة في الطريق فيحول بينكم وبين طاعة الله وفعل الخيرات والصالحات، كأن يقول: والله لا أصلح بين اثنين بعد اليوم؛ لأنه صلح بينهما فلحقه سب أو عتاب أو آلام، ويمنع نفسه عن فعل الخير؛ إذ الإصلاح بين اثنين حسنة لا تقابلها حسنة. أو حلف ألا يكلم فلاناً، وفي تكليمه والحديث معه خير كثير، كيف يحرم نفسه من أخوة أخيه؟ إذاً: فليكفر وليفعل الذي هو خير، أو حلف ألا يعطي بعد اليوم فلساً لفلان أو فلان، فالعطاء خير من الحرمان، فليكفر وليأت الذي هو خير.وافهموا من قوله: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ [البقرة:224] أن هناك محذوفاً: ولا تجعلوا الحلف بالله عرضة في الطريق يمنعكم من الوصول إلى الخير. وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ [البقرة:224] لأن هذه مواطن الخير: فالبر فعل خير، والتقوى بترك فعل شر وفعل واجب أو مندوب خير، وتصلحوا بين الناس، هذه مواطن الخير والبر، لا تجعلوا اليمين بالله واقفة في الطريق كحجر عثرة كما يقولون، لا تجعلوا أيها المؤمنون الحلف بالله تعالى مانعاً لكم من فعل الخير، سواء كان تصدقاً، سواء كان مجالسة الصالح، أو دخول بيته.. وهكذا من أنواع البر والإحسان.

سبب تسمية الحلف يميناً

وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224] يقال: فلان عرضة للسب، فلان عرضة لكذا، المرأة عرضة للخطبة والنكاح، فالعرضة: ما يعترض الشيء ويكون في طريقه، وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224] والأيمان: جمع يمين وهو الحلف، لم سمي الحلف يميناً؟ لأن العرب كانوا إذا أراد أن يحلف يضع يمينه على يمين الثاني، وضع اليمين على اليمين، من هنا سمي الحلف يميناً، توثيقاً وتأكيداً ليحلف له ويمينه على يمينه، فهذا الحلف يقال له: يمين، لهذه الملاحظة؛ لأنهم يضعون أيمانهم على بعضها تقوية للحلف وتأكيداً له.


حكم الحلف بغير الله تعالى

(( وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ))[البقرة:224] ما قال: لإيمانكم، فالإيمان: التصديق، والأيمان: جمع يمين وهي الحلف، والحلف -كما عرفتم وبلغوا- لا يجوز إلا بالله، بأسمائه وصفاته، لا بالكعبة ولا بالأمانة ولا بالنبي ولا بفلان ولا فلان، ومن حلف بغير الله متعمداً فقد أشرك، وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) كيف أشرك؟ بينا هذا، العادة أن الإنسان يحلف بما هو عظيم عنده، فالذي تحلف به جعلت له جزءاً من عظمة الله؛ لأن الله أكبر؛ لأن الله هو العظيم، فلما حلفت بفلان وفلان أعطيته نصيباً من عظمة الله، معناه: أشركته في عظمة الله.فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) أشرك المحلوف به في عظمة الله عز وجل، وأين إخواننا المصريون الذين يقولون: والنبي.. والنبي، دائماً على ألسنتهم، وحين تنبهه في الموسم يقول: والنبي ما نزيد بعدها، قلت له: يا بني! لا تقل: والنبي، لا تحلف، انتبه، حتى ولو جرت على لسانك، جاهد نفسك، فيقول لي: والنبي ما نزيد بعدها! ولهذا لما شاهد أبو القاسم هذه الظاهرة في المؤمنين الذين عاشوا سنين يحلفون بالعزى، أو باللات أو مناة، فكونه أسلم منذ عامين لا يستطيع، تجري على لسانه، فما يقدر على التخلص منها، فقال صلى الله عليه وسلم: ( من حلف باللات أو العزى فليقل: لا إله إلا الله ) فهذه مادة الإصلاح، أيما مؤمن جرى على لسانه: وحق فلان، ورأس فلان، بدون قصد، فحين يعرف أنه وقع يقول: لا إله إلا الله، ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها )، هذا علاج لمن تعود من فطرته وصغره أن يحلف بغير الله، لا يريد أن يعظم ذلك الشيء، فما هو العلاج؟ لا إله إلا الله تمحو تلك السيئة.إذاً: (( وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ ))[البقرة:224] لأقوالكم (( عَلِيمٌ ))[البقرة:224] بنياتكم وأفعالكم، إذاً: فاحذروا، لا تجعلوا اليمين مانعة من الخير، فإذا قلت: مع الأسف؛ أنا حلفت ألا أحضر الحلقة الفلانية، فكفر عن يمينك واحضر، حيث امتنعت من الخير.

تفسير قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ...)

ثم قال تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225] ما هو اللغو في الأيمان؟ اللغو: الباطل وما لا فائدة فيه، والمؤمنون من أمثالكم عن اللغو معرضون، لا يستقبلون اللغو بل يعطونه ظهورهم، أتدرون ما ضابط اللغو؟ كل قول أو عمل أو تفكير لا ينتج لك ريالاً لمعاشك ولا حسنة لمعادك فهو لغو، ضابط عجب هذا، امرؤ يفكر، فيم تفكر؟ إذا كان ما تفكر فيه ينتج لك حسنة لأنك تفكر في عظمة الله وجلاله، أو تفكر في ذنوبك وما أصابك، هذا لا بأس، أما أن تفكر في شيء ما ينتج لك ريالاً ولا حسنة فباطل هذا التفكير، أغمض عينيك ونم أو قم فصل. وحين تتكلم بالكلمة والكلمات طيب الكلام وقصره، هل تحصل على حسنة به تدخرها ليوم القيامة؟ قال: لا، هل تحصل على ريال أو فائدة مالية؟ قال: لا. إذاً: كلامك باطل، لغو، أعرض عنه واذكر الله عز وجل.يعمل بجهد، هذا العمل يا عبد الله هل ينتج لك ريالاً أو لا لأولادك وزوجتك؟ قال: لا، هل ينتج لك حسنات عند الله؟ قال: لا، إذاً: لا تلعب، هذا لغو، كالذين يلعبون الكيرم والكرة. ‏

المراد بلغو اليمين

إذاً: يمين اللغو هي التي تحلف على شيء تظنه كذا، ويظهر بعد ذلك خلاف ما ظننت، هذه لغو يمين، مثالها: أن يقول لك أخوك: من فضلك أسلفني مائة ريال، فتقول: والله! ما عندي ولا شيء؛ لأنك تعتقد أنه ليس في جيبك شيء، بعدما رجعت البيت وجدت في جيبك ألف ريال أو مائة، فهذا لغو يمين لا تؤاخذ عليها. أو قيل لك: أين إبراهيم؟ فقلت: والله لقد سافر، وبعد أن رجعت البيت وجدته ما سافر، هل حنثت أو لا؟ لكن هذه لغو يمين، ما أنت بمتعمد، هذه صورة من لغو اليمين، أن تحلف على شيء تظنه كذا لغالب على ظنك، فيظهر خلاف ذلك، والإنسان ضعيف، فهذه اليمين التي تسمى بلغو اليمين لا إثم فيها ولا كفارة أبداً.الصورة الثانية: أن يجري على لسانك ما لا تقصده من أيمان، يقال لك: تعال: فتقول: لا والله. هيا بنا، لا والله، وهو لا يريد اليمين، تجري على لسانه فقط، فهذه هي لغو اليمين لا يؤاخذنا الله بها: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225].إذاً: لغو اليمين لها صورتان: الأولى: أن تظن الشيء كذا فتحلف عليه فيتبين خلاف ما حلفت، لا إثم فيها ولا كفارة، لقول الله تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225].الصورة الثانية: أن يجري على لسانه اليمين بدون قصد، كقول: بلى والله كذا وكذا.


أنواع اليمين المكفَّرة

واليمين المكفَّرة لها صورتان أيضاً: الأولى: أن يقول: والله! لا أمشي معك، عزم على ألا يمشي، والله! لأضربن رأسه، عازم أو لا؟ ثم لم يستطع، اضطر لأن يمشي، حلف فقال: والله! لا أسافر معك بعد اليوم أبداً، وبعد فترة اضطر إلى أن يسافر، هذه اليمين يؤاخذ عليها العبد. والثانية: أن يقول: والله! لأفعلن، ينسب القدرة إلى نفسه، والله لأضربن، والله لأعطين.. ويعجز، هنا نفسه تتلوث، تخبث، تحتاج إلى آلة تمسحها، لم تلوثت؟ لأنه نسي أنه عبد مملوك لله، لا يستطيع أن يتحرك ولا أن يسكن إلا بإذن الله، فنسي الله فقال: والله لا أفعل، هل أنت تملك هذا؟ عندك قدرة؟ أو يقول: والله لأفعلن، هل أنت قادر على أن تفعل ما تريد؟ أما تقرأ: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:30] فلما نسي جلالة وعظمة الله وملك الله ارتكب إثماً بهذا النسيان، فتلطخت نفسه بالإثم، فلا يزول إلا بما عين الحكيم مما تزول بهذه الآثام، اللهم إلا إذا اعترف فقال: والله! لا أسافر معك بعد اليوم إلا أن شاء الله، أو قال: والله! لأضربن رأسك إلا أن يشاء الله، ما دام أنه اعترف فلا إثم، وهذا ما يسمى بالاستثناء؛ لأنه أول مرة وقع في محنة حيث نسي الله، قال: والله لا أذهب، هل أنت تملك ألا تذهب؟ الذي يملك هو الله، فلما أصر وما استثنى وعجز واضطر إلى أن يفعل ما حلف عليه تلطخت نفسه بأوضار الذنب والإثم، فلا تمحى ولا يزول أثرها إلا بالمادة التي وضعها الله.ما هي المادة التي وضعها الله؟ عتق رقبة، أو كسوة عشرة مساكين، فإذا ما استطاع فصوم ثلاثة أيام، مخير، فإذا أعتق رقبة استراح، أو أن يكسو عشرة بثوب وطاقية لكل واحد، وإذا كانت لامرأة فملاءة وخمار، بحيث تصح صلاتها فيها، فإذا ما استطاع الكسوة يطعم عشرة مساكين، يجمعهم على غداء وعشاء أو يعطي كل واحد كيلو دقيق أو كيلو ونصفاً، كله واسع، فإذا ما استطاع صام ثلاثة أيام.من هو هذا الذي يكفر؟ يكفر عن ماذا؟ عن الذنب الذي علق بنفسه لما ادعى أنه يفعل، هل تملك أن تفعل أنت؟ قل: إن شاء الله أنك تفعل، أو يقول: لا أفعل ويحلف، قل: إن شاء الله؛ إنك قد تعجز فما تستطيع، استثن، فالله تعالى يقول في بيان الكفارة: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89].

اليمين الغموس وحكم الكفارة فيها

بقيت يمين تسمى الغموس، هذه تغمس صاحبها في الإثم من رأسه إلى قدميه، وتغمسه في جهنم، سماها أبو القاسم الغموس، فعول، كثيرة الغمس في الذنوب والآثام ثم في جهنم، ما هي اليمين الغموس؟ هذه التي جاءت في هذه الآية: بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225] اليمين الغموس: أن يحلف بالله كاذباً ليحصل على فائدة دنيوية، يحلف بالله كاذباً لأجل ماذا؟ ليحصل على ريال أو طعام أو منصب أو حاجة، يقول: والله! ما رأيت فلاناً، وهو كان معه، من أجل غرض يحصل عليه.هذه اليمين الغموس فقهاء الإسلام منهم من يقول: لا كفارة لها أبداً، لو تصوم ألف عام ما ينفع، إلا أن تتوب، فتقول: إني حلفت كاذباً، وخذوا ما أخذته منكم، فترد الحقوق إلى أصحابها، وتفضح نفسك أمامهم، وتستغفر الله وتتوب إليه، هذه هي الكفارة.أما أن تحلف كاذباً لفائدة دنيوية وتقول: أنا أكفر، فما ينفع ولو تصوم الدهر كله، حتى ترد الحق الذي أخذته باليمين الكاذبة. ومن أهل العلم من يقول: دعه يكفر، فهو تخفيف على الأقل، يكفر كالكفارة عن اليمين الأخرى، وإن كان هذا ما يكفي، لكن شيء خير من لا شيء.والأولون من أهل العلم من علماء الإسلام يقولون: اليمين الغموس ما فيها كفارة، بمعنى: ما تنفع حتى تعلن عن توبتك وتقول لفلان: أنا كذبت عليك لآخذ مالك أو لآخذ كذا وكذا، خذ مالك، أو: هذه رقبتي اضربها، هذا الذي يكفرها. ومع هذا فإذا ما فعل ماذا يصنع؟ على الأقل يكفر كفارة يمين: إطعام عشرة مساكين، أو عتق رقبة، أو كسوة، أو صيام.

إجمال أنواع الأيمان الأربع

فهذه هي الأيمان الأربع:أولاً: قلنا: يا عباد الله! لا تجعلوا اليمين بالله مانعة لكم عن الخير، فإذا حلفت ألا تصلح بين اثنين أو ألا تعتمر أو لا تسافر مع فلان أو لا تتصدق أو كذا، فكفر عن يمينك وافعل الخير، أخذاً بقول ربنا: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:224]، هذه اليمين فرغنا منها. ثم جئنا إلى لغو اليمين: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225] ما هو لغو اليمين؟ اليمين التي تحلف بالله على شيء تظنه أو موقن بأنه كذا ويتبين خلاف ذلك، فلا شيء، لا يؤاخذك الله عليها، ولا كفارة فيها؛ لأن النفس ما تلطخت، تحلف على شيء تظنه، تعتقد أنه كذا ويتبين خلاف ذلك، كما لو قيل لك: من فضلك أقرضني مائة ريال، فتقول: والله! ما في جيبي شيء، فلما فتشت بعد ذلك وجدت، هذه لغو يمين لا كفارة فيها ولا إثم؛ لأنك لما حلفت كنت تعتقد أنه ما يوجد عندك شيء في جيبك، هذه صورة أولى.الصورة الثانية: أن يجري على لسانك دائماً اليمين: لا والله، بلى والله. دائماً في أحاديثك، هذه لغو أيضاً، ألغها وأبطلها لا تلتفت إليها.ثم اليمين التي ينفع فيها الاستثناء، وهي: أن تقول: والله! لا أفعل، وتنسى أنك مملوك لله ضعيف، قل: إن شاء الله! فإن هو حلف ألا يفعل ثم فعل فليكفر عن يمينه، أو يقول: والله! لا أفعل، ينسب القدرة لنفسه: والله! لأفعلن كذا ثم يعجز، فليكفر عن يمينه؛ لأنه نسي الله أو لا؟ لما قال: والله! لا أقوم بينكم أو لا أفعل كذا، وعجز، لو قال: إن شاء الله كان خيراً له، لكن لما نسب القدرة لنفسه هو ونسي الله وما ذكره تلطخت نفسه بالإثم، فليكفر عن يمينه، أو يقول: والله! لأفعلن، كأنه يفعل ما يريد! ما تستطيع، قل: إلا أن يشاء الله، قل: إن شاء الله، والله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24]، فمن استثنى فلا شيء عليه، ومن أصر وحلف بدون استثناء ونسب القدرة لنفسه بالفعل أو الترك، ثم حنث فعليه الكفارة التي يغسل بها ما تلطخت به نفسه من أوضار الذنب والإثم. والكفارة عرفناها، إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، مخير في ذلك، فإذا ما استطعت فالإطعام هو الأخير: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ [المائدة:89]. وبقيت يمين واحدة سوداء مظلمة، ما هذه؟ الغموس، غمسه يغمسه في الماء، والغموس: الذي يكثر الغمس ويقدر عليه، هذه تغمس في الإثم أولاً، ثم تغمسه في جهنم، وهي اليمين الكاذبة، أقرضه ألفاً أو خمسة فقال: والله! ما أقرضتني شيئاً، والله ما أعطاني شيئاً، وهو كاذب؛ حتى يأخذ هذه الألف، هذه اليمين عرفتم رأي العلماء فيها، منهم من يقول: ما تكفر هذه أبداً إلا بالتوبة والاعتراف بكذبه ورد المال والحق لأصحابه، هذا الذي ينفع، أما أن يكفر فما ينفعه ذلك، وبذلك قال مالك رحمه الله تعالى.وآخرون يقولون: دعه يكفر على الأقل، فحسنة خير من عدمها، لكن ليس معناه: أن يصر على الباطل، ويأخذ حقوق الناس بالأيمان الكاذبة، ويكفي أنه يصوم، والله ما يكفي أبداً. فهذه الأيمان في الشريعة الإسلامية بكاملها في آيتين من كتاب الله.


تفسير قوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم)

بقيت مسألة في الآية الأخيرة، وهذه ذات شأن، وهي قوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226] ما دام أنه ذكر الأيمان ذكر بالمناسبة أن يحلف الرجل فيقول لزوجه: والله لا أطؤك كذا شهراً، فهل هذا جائز أم لا؟ يحلف الفحل لأنثاه فلانة: والله! لا أجامعك شهراً كاملاً، شهرين، ثلاثة، وفي الحقيقة هو يتألم أكثر منها، لكن العنترية. إذاً: إذا كان يحب أن يكفر عن يمينه ويرجع فالباب مفتوح، وإذا أصر فقد أذن الله له في ثلاثة أشهر، فإذا كان نهاية الشهر الرابع فإما أن يطلق وإما أن يكفر عن يمينه ويرجع.هنا عمر رضي الله عنه سأل النساء، سأل حفصة : كم تصبر المرأة عن زوجها؟ ما هي المدة التي يمكن أن تصبر؟ قالت: تصبر شهرين ولا تبالي، وفي الشهر الثالث يقل صبرها، وفي الشهر الرابع ينفد صبرها! فأصدر عمر إلى قادة الجيوش ألا يبقوا الجندي أكثر من أربعة أشهر، ويبعثوا به إلى أهله، من أين أخذ عمر هذا؟ من حفصة ، كلهم صدق وعلم ومعرفة. فالله تعالى يقول في الآية الكريمة: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226] انتظار أربعة أشهر، إذا وصل الشهر الرابع فإما أن يكفر عن يمينه ويرجع إلى امرأته، أو يطلق، فإن لم يطلق فالقاضي يطلقها رغم أنفه، امرأة حلف زوجها على ألا يطأها ستة أشهر، أو عاماً، أو خمسة أشهر؛ فإذا وصلت تمام الشهر الرابع ترفع أمرها إلى القاضي، فإما أن يرجع وإما أن يطلقها، واسمع الآية: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [البقرة:226] أزواجهم تَرَبُّصُ [البقرة:226] لهم تربص أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا [البقرة:226] أي: رجعوا إلى وطء نسائهم فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ [البقرة:226] لهم رَحِيمٌ [البقرة:226]، ولكن يكفرون أم لا؟ يكفر عن يمينه ويرجع إلى زوجته.وإذا حلف ألا يطأها أسبوعاً يجب أن يكفر إذا أراد أن يطأ قبله، كما قدمنا أنه إذا حلف على شيء فرأى خيراً منه فليكفر وليأت الذي هو خير، فإن حلف ألا يطأ لشهرين فإن شاء كفر ويعود إلى زوجته، ما هو بملزم، وإن حلف على فوق أربعة فهنا إما أن يفيء ويرجع إلى امرأته، وإلا فالقاضي يطلقها رغم أنفه. اسمع الآية: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226] ينتظرون أربعة أشهر، الزوجة تنتظر، أو أبوها أو القاضي، فَإِنْ فَاءُوا [البقرة:226] فاء يفيء الظل: رجع، فإن فاءوا بمعنى: رجعوا إلى وطء أزواجهم فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:226] يغفر لهم ويرحمهم.

تفسير قوله تعالى: (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم)

وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ [البقرة:227] فما الذي يحصل؟ وجب الطلاق، ما دام لم يطأها أربعة أشهر، كملت الأربعة أشهر فأبى أن يطأ ويكفر؛ إذاً: فالطلاق، المرأة تطالب بالطلاق، والقاضي ينفذه، لقوله: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ [البقرة:227] فليطلقوا فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:227]، أما ألا يطلق ولا يطأ بعد أربعة أشهر فهذه مؤمنة، ما يرضى الله بأذية أمته.وإذا كانت هي ما تريد الوطء، هي التي هربت، فحينئذ يدعوها أن: تعالي، فإن لم تستجب منع عنها الطعام والشراب، لا يبعث لها لا بكساء ولا بطعام، شاردة، نافرة منه؛ حتى تعود، أما أنه هو يعرض عنها ويتركها فما يجوز، يدعوها أن: تعالي ارجعي، فإن أصرت فحينئذ هي كالمعلقة لا مزوجة ولا مطلقة.وإن حلف على أسبوع فقال: والله! لا أطؤك سبعة أيام ولم يطأ فلا ما يكفر، ما حنث، لكن إذا انهزم قبل أن يكمل أسبوعاً ورجع إليها كفر، أو حلف على شهر، ثم ما استطاع أن يصبر، ماذا يصنع؟ يكفر وليفعل الذي هو خير، لكن إذا وفى شهره فلا شيء عليه، لا كفارة ولا حنث.


ما يلزم الزوج في حال غيابه عن زوجه مدة طويلة

إذا كان هناك شخص يغيب عن زوجه أربع سنوات وهو مسافر في المغرب أو في المشرق؛ فهذا الأمر يعود إلى الزوجة، إذا ترك لها نفقة تكفيها، وترك لها من يتولى أمرها أو يرعاها وهي راضية بسفره لعمله؛ فلا حرج، وإن تركها بلا نفقة فإنها تشتكيه إلى القاضي، ترفع القضية إلى المحكمة والقاضي يطلقها. وإن كانت النفقة موجودة وما أطاقت هي، ما استطاعت أن تبقى بغير زوج، ما قدرت على العزوبة؛ فإما أن يجيء أو يطلق، فقط إذا كانت راضية عنه بالبقاء في عمله خارج البلاد لعامين أو ثلاثة فشأنها، أما إذا انقطعت النفقة فمن ينفق عليها؟ يطلقها القاضي وتتزوج، وإن كانت النفقة موجودة ولكن ما أطاقت البعد عن زوجها، فليس له إلا واحدة من اثنتين: إما أن يرجع أو يطلق، إذ ( لا ضرر ولا ضرار )، ( كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه ).وقوله تعالى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224] العرضة: ما يوضع مانعاً من شيء، واليمين يحلفها المؤمن ألا يفعل خيراً.نكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 17-07-2020, 06:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (9)
الحلقة (16)



تفسير سورة البقرة (106)




شرع الله لعباده الطلاق عند استحالة استمرار الحياة بين الزوجين، وبين سبحانه وتعالى أحكامه وضبطها، حتى أنه أنزل سورة كاملة في القرآن سميت بسورة الطلاق، وذلك لأهمية هذا الموضوع وما يترتب عليه من التزامات، وقد بين سبحانه هنا أن المطلقة تعتد لنفسها بثلاثة قروء، فإن انقضت هذه العدة دون أن يقربها زوجها في الطلاق الرجعي انفسخ العقد، وحرمت عليه، أما إن طلقها في حمل فأجلها أن تضع حملها وبه ينفسخ العقد.

تابع تفسير قوله تعالى: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين المباركة- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلك الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي، وصلى الله عليه وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وأخرى: إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه؛ كان كالمجاهد في سبيل الله ).وها نحن مع هذه الآيات التي أتلوها وسبقت دراستها، وتأملوا ما فهمتم منها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:224-227].

صور لغو اليمين


أولاً: ما الذي أرشدت إليه ودلت إليه هذه الآية: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ [البقرة:224] ؟ أي: ولا تجعلوا لله عرضة لأيمانكم حتى لا تتقوا ولا تبروا ولا تصلحوا بين الناس. فدلت على أن الأيمان منها لغو اليمين، ولها صورتان: الأولى: أن يجري على لسانك ما لا تقصد، كقولك: لا والله، أو بلى والله كذا. والصورة الثانية: أن تحلف على شيء تعتقد أو تظن ويغلب على ظنك أنه كما أخبرت، ويتبين خلاف ذلك، أين فلان؟! قال: فلان سافر، قيل: ما سافر، فقال: والله! لقد سافر، وبعد ذلك يتبين أنه ما سافر، هذه لغو يمين: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225].

النهي عن اتخاذ اليمين مانعاً من أعمال البر

أما هذه الفاتحة: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224] فهذه تنهانا أن نمتنع من فعل الخير بالحلف، فنمتنع من فعل الخير أو من فعل طاعة، أو من إصلاح بين اثنين، بحجة أننا حلفنا، فيقال: يا فلان! من فضلك أقرضني كذا، تقول: لقد حلفت بالله ألا أقرض أحداً؛ حتى تمنع هذه القرض، يا فلان! إخوانك يتقاتلون، تقدم أصلح بينهم، تقول: مع الأسف؛ حلفت أن لا أصلح بين اثنين بعد حادثة معينة.يا فلان! ساعدني على فعل كذا، على بناء مسجد أو مصرف خير. يقول: لا، حلفت ألا أفعل بعد هذا! فتجعل اليمين بالله عرضة كالحجر في الطريق حتى ما يمر الناس، فتضع اليمين بالله حاجزاً عن فعل البر والخير والتقوى.وما عرفناه عن الصديق وعن ابن رواحة بذلك تتضح به هذه القضية.فـأبو بكر الصديق رضي الله عنه لما شارك ابن خالته مسطح في تلك الفتنة شارك بلسانه؛ فحلف أبو بكر ألا يطعم في بيته بعد اليوم، مع أنه كان يأكل ويشرب عنده ليلاً ونهاراً!وعبد الله بن رواحة كان له ختن -أخو زوجته- فتنازع معه، فحلف بالله ألا يكلمه.إذاً: فنزلت هذه الآية تربينا وتؤدبهم: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ [البقرة:224] أيها المؤمنون وأيتها المؤمنات عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224]، أي: لا تجعلوا الحلف بالله حاجزاً عن فعل الخير والهدى والصلاح.

الندب إلى فعل الخير وتكفير يمين تركه


وهنا من حلف ألا يطعم فقيراً، حلف ألا يصوم يوم الإثنين، حلف ألا يعتمر هذا العام؛ فماذا يجب عليه؟ عليه أن يكفر ويفعل الذي منع نفسه من الخير، حلف ألا يشهد الصلاة مع أهل القرية وأن يصلي في بيته، لا ينبغي أن يبقى علي يمينه، جعل الحلف بالله مانعاً له من الخير، من التقوى، إذاً: كفر عن يمينك وصل مع إخوانك؟ وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ [البقرة:224] أي: لا تجعلوا الحلف بالله. والعرضة: ما يقطع الطريق. أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ [البقرة:224] لأقوالكم، عَلِيمٌ [البقرة:224] بنياتكم وما في قلوبكم، فاخشوه واتقوه.والحديث الذي يقرر هذا ويوضحه: ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها؛ فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه )، افعل ذاك الذي هو خير من الأول، وكفر عن يمينك، ومن ثم كفر الصديق ورد مسطحاً إلى البيت كما كان، وعبد الله بن رواحة عاد إلى ختنه يكلمه ويسلم عليه، لا سيما وقد ختمت الآية في سورة النور بقوله تعالى: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور:22] فقال: ومن ذا الذي لا يحب أن يغفر الله له؟!

اليمين الغموس

وقوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225] عرفنا لغو اليمين بالصورتين، وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225] ما هذه؟ هذه اليمين الغموس، هذه ما هي بغامسة مرة واحدة، هذه تغمس أولاً في الإثم، ثم في نار جهنم! وهذه أعيذكم بالله أن تحلفوها، هذه يحلفها بالله كاذباً؛ ليحصل على منفعة، يعرف أنه ما أخذ ويقول: والله الذي لا إله غيره! لقد أخذت، أو أنه أخذ ويقول: والله! ما أخذت من تلك. هذه اليمين الغموس، لأن صاحبها يتعمد الكذب والحلف على الباطل؛ لمنفعة تعود عليه مالية أو بدنية، أو غير ذلك، هذه اليمين الغموس التي تغمس في الإثم ثم في النار، والعياذ بالله!

الأيمان المكفَّرة

بعد هذا بقيت اليمين المكفرة، وهي: والله لا أفعل، أو: والله لأفعلن رغم أنفك يا فلان! فهنا تأمل، حين يقول: والله! لا أفعل هذا، فهل هو حقيقة يقدر على أن يفعل أو لا يفعل؟ هذا معناه: أنه نسب القدرة لنفسه، سلبها من الله وادعى أنه قادر على أنه يفعل أو لا يفعل، هنا إذا حنث؛ حيث قال: والله! لا آتيكم بعد اليوم، واضطر بعد يومين وجاء، فهذا يكفر عن يمينه؛ لأن نفسه تلوثت بالإثم لما نسي الله أنه هو الذي يفعل ما يشاء وهو على كل شيء قدير، فلما تلطخت نفسه بالإثم وضع الله لها مادة التطهير يستعملها، وإلا فما تطهر أبداً. أو قال: والله! لأفعلن، ونسي أن الله إذا لم يرد شيئاً لا يكون، ثم عاد إليه؛ فتلطخت نفسه؛ لأنه نسي الله، نسي قدرة الله، نسي أن الأمر لله، فعليه -إذاً- أن يغسل أوضار إثمه بما وضع الحكيم من مادة التطهير. فاليمين المكفرة هي أن تقول: والله! لا أفعل، وتعجز وتفعل، أو تقول: والله! لأفعلن، وتعجز وما تستطيع، هنا تجب الكفارة؛ لم سميت كفارة؟ لأنها تغطي ذاك الإثم، تكفره، تزيله.هذه الكفارة جاءت مبينة في سورة المائدة، قال تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ [المائدة:89] عقدتم: حلفتم على علم ويقين ألا تفعلوا أو أن تفعلوا. فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ [المائدة:89]، أي: وحنثتم، أما الذي حلف وما حنث فلا كفارة عليه.

الندب إلى الاستثناء في اليمين


وما هو المطلوب حتى لا نقع في مثل هذه؟ المطلوب: أن نستثني، بأن تقول: والله! لأضربنك إلا أن يشاء الله، والله! لا أجلس معكم بعد اليوم إلا أن يشاء الله! فما دمت استثنيت فما عليك شيء، عرفت الحق لمن، وأنت عاجز، إلا أن يشاء الله ذلك فتفعله ولو لم ترده.إذاً: ما ننسى كلمة: (إن شاء الله) التي حصلت بسببها قصة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقريش وعلى رأسها حاكمها وملكها أبو سفيان كانت في اضطراب، فقبل أن يهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم لما بدأ الإسلام ينتشر في مكة بعثوا وفداً إلى علماء اليهود في المدينة وأحبارهم، فقالوا: أعطونا ما عندكم من علم عن هذا الرجل، هذا الذي كفرنا وفعل وفعل، إن كان نبياً ورسولاً كما يقول دخلنا في دينه، وإن كان مفترياً وكذاباً ودجالاً فها نحن معه في حرب وفتنة! فقال لهم علماء اليهود بالمدينة: سلوه عن ثلاث مسائل، فإن أجابكم عنها فهو نبي، إذ لا يعرفها إلا نبي، وإن فشل وما استطاع فهو دجال يكذب، وإن أجاب عن البعض وعجز عن البعض فكذلك.وجاء الوفد، فقالوا لهم: سلوه أولاً عن الروح: ما الروح؟ كيف هي؟ كيف تستقر في الجسم؟ ما شأنها؟ ثانياً: سلوه عن فتية في الزمان الأول: ما شأنهم؟ وهم أصحاب الكهف في الشام.ثالثاً: سلوه عن رجل حكم الدنيا من المشرق إلى المغرب من هو هذا الرجل؟ ورجع الوفد، لما وصل إلى مكة اجتمعوا في ناديهم فقالوا: الآن نبدأ، فسألوه صلى الله عليه وسلم: ما تقول في الروح؟ ما هي الروح؟ من هم الفتية الذين كانوا في كذا وكذا؟ من هو هذا الرجل الذي حكم الأرض وساد البشر؟ فقال لهم ببشريته وفطرته: سأجيبكم غداً، وما قال: إن شاء الله، هو على نية أنه يأتيه الوحي ولا يتخلى عنه، قال: سأجيبكم غداً، ما قال: إن شاء الله، فنسي؛ حتى نتعلم نحن.وطلع النهار فجاءوا: هات ما عندك، فماذا يقول؟ جاءوا في المساء: أعندك شيء؟ فما كان عنده شيء، فقالوا: انكشف الستار، تدجيل وكذب! وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كرب لا يعرفه إلا من أصابه، حتى إن أم جميل هرولت تغني في الشوارع، تقول: تركه ربه وتخلى عنه، هذه أمرأة أبي لهب متعاونة مع زوجها تغني في الشوارع.وبعد خمسة عشر يوماً نزلت سورة الضحى: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:1-3] كما تقول الحمقاء، أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:6-8]، الله أكبر! فكبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا يستحب لمن يقرأ القرآن إذا وصل إلى هذه السورة أن يكبر بتكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت الإجابة عن الأسئلة الثلاثة، عن الروح في سورة بني إسرائيل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85] ما هو شأني ولا شأنكم.وأما أصحاب الكهف فجاءت الآيات مفصلة مبينة، وكذلك ذو القرنين: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا [الكهف:83] فاندهشوا.وعاتب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24] إلا أن تقول: إن شاء الله، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قال بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء: سأفعل كذا إلا قال: إن شاء الله، ما قال في شيء: سأفعل، سأعطيك، سأمشي؛ إلا قال: إن شاء الله.فهل عرفتم هذه؟ فلا يفارقكم الاستثناء، فإنه خير كبير، وهل عرفتم سر الاستثناء أم لا؟ إذا قلت: أفعل، وما ذكرت أن الله أولى به فإنه يخذلك، أو يعجزك ويتركك لا تقدر، فأين عقيدتك في الله عز وجل؟ فمن الخير أن تقول: سنسافر غداً إن شاء الله، سنجيب عن هذه الأسئلة غداً إن شاء الله، سنقول كذا إن شاء الله. ودعك من مسلك العوام فما هو بمحمود، يقولون: صلينا المغرب إن شاء الله! هذا ما هو بمعقول، العوام يخبطون، يقال لأحدهم: زوجت ولدك؟ يقول: زوجته إن شاء الله! كيف تقول: إن شاء الله! لأن العوام ما علموا، تقول: إن شاء الله في المستقبل، أما الذي وقع فقد شاءه الله، لولا أن الله شاء فهل سنصلي؟ والله! ما نصلي، فلا حاجة إلى أن تقول: صلينا المغرب إن شاء الله. قل: سنصلي العشاء إن شاء الله.

حكم الإيلاء

بقيت المسألة الثانية: وهي الإيلاء، يقال: آلى يؤلي: حلف، وقالوا: تألى، يتألى بمعنى: حلف.إذاً: إذا قال الزوج صاحب الزوجة: والله! لا أطؤك أو لا أجتمع معك في فراش ثلاثة أشهر تأديباً لها؛ لأنها تمردت عليه، فأراد أن يؤدبها بشهرين أو ثلاثة، فله أن يكفر عن يمينه، ويأتي الذي هو خير إذا رأى فيه خيراً، وإذا رأى الخير في منعها حتى تتوب أو تتراجع، وأصر وما جاءها فله ذلك حتى يبلغ الأجل الذي حدده ويأتي امرأته ولا كفارة عليه.وإن أراد أن يكفر ويرجع فذاك المطلوب، لكن إذا حلف لأربعة أشهر، أو خمسة أو ستة، فلا يصح، فإذا استوفى الأربعة إما أن يطلق وإما أن يرجع ويفيء، يعود إلى زوجته.قال تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا [البقرة:226] أي: رجعوا إلى أزواجهم ووطئوهن فذاك، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ [البقرة:227] فالطلاق نافذ. وتذكرون أن عمر سأل حفصة : ما القدر الذي يمكن للمرأة أن تصبر على فراق زوجها؟ قالت: تصبر شهرين، وفي الثالث يقل صبرها، وفي الرابع ينفد صبرها، ما تطيق، فأرسل عمر إلى رجاله قادة الحروب في العالم الغزاة الفاتحين: على كل قائد ألا يبقي الجندي أكثر من أربعة أشهر، ويبعث به إلى بلاده. لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [البقرة:226] لهم الحق أن يتربصوا -يعني: ينتظرون- أربعة أشهر، إذا انتهى الشهر الرابع إما أن يعود إلى امرأته، وإلا طلقت عليه رغم أنفه.

ما يلزم الغائب عن زوجه

إذاً: بالإضافة إلى ما علمنا: الذي يسافر عن امرأته تاجراً كان أو عاملاً، ويتركها في بلده ماذا حكمه؟ الجواب: الأربعة أشهر لا حق لها أن تتكلم فيها، تصبر وتسكت، فإذا تجاوزت المدة الأربعة أشهر فإن نفدت نفقتها وما استطاعت فيجب أن يرجع أو ينفق عليها، وإن كانت النفقة موجودة لكن ما أطاقت فراقه، فإما أن يرضيها حتى ترضى وتطمئن وتسمح وتعفو عنه، وإما أن يأتي أو يطلق. فإذا كانت النفقة معدومة فترفع أمرها إلى المحكمة ويطلقها القاضي، إذ من ينفق عليها؟! لكن إذا كانت النفقة موجودة فهي بالخيار، إن شاءت أن تصبر حتى يعود زوجها بعد عامين أو عشرة؛ لأنه يكسب على أولادها، فلها ذلك، وإن لم تطق فإما أن يأتي أو يطلق، ولا حق له أن يقول: لا؛ لأنها لها حق كما أن له حقاً.والغالب أن الناس يسترضون نساءهم، ويطمئنونهن على أننا من أجلكن نعمل، فالمؤمنة تصبر وتتقي الله حتى يعود زوجها، وهذا ليس إيلاء، الإيلاء هو الحلف، يحلف بالله ألا يطأها وهو معها.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير


هداية الآيات

إليكم هداية الآيات تذكركم بما علمتم، وهي مأخوذة مستقاة من الآيات الثلاث.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات:من هداية الآيات:أولاً: كراهية منع الخير بسبب اليمين ]، (( وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ))[البقرة:224] [ فمن حلف ألا يفعل خيراً فليكفر عن يمينه وليفعل الخير ] الذي امتنع بسبب اليمين، وذلك [ لحديث الصحيح: ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير ).[ ثانياً: لغو اليمين معفو عنها، ولها صورتان: الأولى: أن يجري على لسانه لفظ اليمين وهو لا يريد أن يحلف، نحو: لا والله، بلى والله. والثانية: أن يحلف على شيء يظنه كذا فيتبين خلافه، مثل: أن يقول: والله! ما في جيبي درهم ولا دينار، وهو ظان أو جازم أنه ليس بجيبه شيء من ذلك ثم يجده، فهذه صورة لغو اليمين.ثالثاً: اليمين المؤاخذ عليها العبد: هي أن يحلف متعمداً الكذب قاصداً له؛ من أجل الحصول على منفعة دنيوية، وهي المقصودة بقوله تعالى: (( وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ))[البقرة:225]، وتسمى باليمين الغموس، وباليمين الفاجرة ]، اليمين الفاجرة واليمين الغموس واحدة، لم سميت فاجرة؟ لأنها فجرت به عن الحق إلى الباطل.[ رابعاً: اليمين التي يجب فيها الكفارة هي التي يحلف فيها العبد أن يفعل كذا، ويعجز فلا يفعل، أو يحلف ألا يفعل كذا ثم يضطر ويفعل، ولم يقل أثناء حلفه: إن شاء الله ]، أما إذا قال: إن شاء فما فيه إشكال.قال: [ والكفارة مبينة في آيات المائدة، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعة أو متفرقة ]، ما نص الله تعالى على تتابعها.[ خامساً: بيان حكم الإيلاء ]، الإيلاء: الحلف، [ وهو أن يحلف الرجل ألا يطأ امرأته مدة، فإن كانت أقل من أربعة أشهر فله ألا يحنث نفسه، ويستمر ممتنعاً عن الوطء إلى أن تنتهي مدة الحلف، إلا أن الأفضل أن يطأ ويكفر عن يمينه ]، هو غاضب وحلف، لكن يطأ ويكفر فذلك أفضل، لا يبقى الشهر والشهرين، [ وإن كانت أكثر من أربعة أشهر فإن عليه أن يفيء إلى زوجته أو تطلق عليه ]، المحكمة تطلقها [ وإن كان ساخطاً غير راض ] فلا قيمة لسخطه.وتطلق طلاق السنة، طلقة واحدة إذا كانت طاهراً، وإذا كانت حائضاً لا يطلقها حتى تنتهي الحيضة وتطهر.

تفسير قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ...)

والآن مع هذه الآية الكريمة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:228].وَالْمُطَلَّقَاتُ [البقرة:228] جمع مطلقة، والمطلقة: من انحلت عقدة النكاح معها، الرباط ذاك الذي كان انحل، وهو قوله: زوجتك على مهر كذا، انحل فانطلقت.إذاً: والمطلقات ما عليهن؟ ما لهن؟ قال تعالى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] إذا انتهت يتزوجن، المطلقات عليهن وجوباً أن يتربصن، والتربص ما هو؟ الانتظار.


المراد بالقروء في الآية الكريمة

وما المراد بثلاثة قروء؟هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، ويبدو أن الأصح أن القرء بمعنى: الطهر لا بمعنى الحيض، الطهر يسمى قرءاً، والحيضة تسمى قرءاً، من أين اشتق هذا الاسم؟ اشتق من القرء الذي هو الجمع، القرء الذي هو الجمع، قرأ الماء: جمعه.إذاً: فالحائض لا تحيض كل يوم، تحيض في الشهر مرة خمسة أيام أو سبعة أيام، فهي ذات الجمع، ذاك الدم الذي كان في بطنها يتجمع، فإذا كان الوقت أو امتلأ الحوض يفيض، يخرج الحيض؛ لأن القرء بمعنى: الجمع، ومنه القرآن لأنه مجموع السور.هذه المسألة عالية بعض الشيء، لكن لا مانع أن نصل إليها بإذن الله تعالى، فالدم الذي في بطن المرأة هو عبارة عن غذاء الولد الذي يتكون في رحمها، إذ بمجرد أن يصبح الجنين ينمو يتغذى بذلك الدم، فالتي هي حامل وفي بطنها ولد ما تحيض، ما هناك دم، الولد يأكله، يأتي ويتغذى من سرته بتدبير العليم الحكيم.إذاً: إذا كان القرء مأخوذاً من القرء الذي هو الجمع فإذا قلنا: ثلاثة أقراء أي: ثلاثة أطهار، فالوقت الذي يأخذه الدم ليتجمع ما يسيل ولا يفيض، فإذا كان متجمعاً فتلك الأيام هي أيام الطهر، فإذا فاض وسال فهذا حيض أم لا؟ فلهذا فالأقرب -وهو أرحم بالمؤمنين- أن نعتبر الأقراء بمعنى: الأطهار، واستشهد أهل العلم بقول الله تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] أي: لأول العدة، ما هو أول العدة؟ هذه يا ليتنا نعمل بها، حرام على المؤمن أن يطلق امرأته وهي حائض، فذلك طلاق محرم وبدعي، وحرام أن يطلقها في طهر جامعها فيه، فممكن أنها حملت في تلك الليلة، فتبقى مربوطة تسعة أشهر برباطه.الطلاق الذي شرعه الله في كتابه وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم إذا كنت تريد أن تطلق امرأتك فانتظرها حتى تحيض ثم تطهر، فإذا طهرت واغتسلت وصلت فحينئذ قبل أن تجامعها أشهد اثنين وطلقها، هذا هو الطلاق، أما أن تطلقها وهي حائض أو تطلقها بعدما طهرت وجامعتها فهذا طلاق بدعي محرم، وكثير من الصحابة والتابعين وأتباع مالك وأحمد -وهو خلاف قول الجمهور- يقولون: أيما طلاق وقع في حيض فهو باطل، لا يعد طلاقاً، أو طلاق جامعها فيه لا يعد طلاقاً.والدليل -والكل أخذ من وجه الحديث- أنه لما طلق عبد الله بن عمر أخبر عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عبد الله طلق وهي حائض، فقال له: ( مره فليراجعها ثم ليدعها حتى تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت فليطلقها قبل أن يجامعها أو يمسكها؛ فإنها العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء )، أمره أن يراجعها، هنا الجمهور يقولون: معناه: أنها طلقة وراجعها، ومن خالف الجمهور يقول: أرجعها إلى بيتها، ما طلقت؛ لأنه أوقع الطلاق وهي حائض، فهذا هو الخلاف.والشاهد عندنا في هذه القضية أن نرى ما هو الأخف والأرحم بالمؤمن؟ فإذا طلقها في طهر لم يمسها فيه فهذا طهر، ثم حاضت، فهذه حيضة، ثم طهرت فهذا طهر ثان، ثم حاضت فهذه حيضة ثانية، ثم طهرت فحلت، فإن قلنا: حيضة ثالثة طالت العدة بشهر آخر. فإذا طلقها في طهر ما جامعها فيه فهذا الطلاق شرعي وهو السنة، فيحسب من العدة؛ لأن الله قال: طلقوهن لعدتهن، ثم حاضت وأنهت الحيضة فدخل طهر ثان، فهذان طهران وحيضة واحدة، ثم جاءت حيضة ثانية، وجاء بعدها طهر حلت فيه، فلو أخذنا بالحيض لبقي شهر آخر. والحاصل أن ذلك كله خير، إن أخذت بالأطهار أو الأقراء فكل هذا صحيح، لكن الأرحم الأطهار.


ما يلزم الرجل والمرأة حال العدة في الطلاق الرجعي

قال تعال: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ [البقرة:228] كم؟ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] أي: فلا يتزوجن ولا يتعرضن لخطبة ثلاثة قروء وهن في بيوتهن مرتبطات بأزواجهن والنفقة على الأزواج، وللزوج الحق أن يقول: راجعتك ويبيت معها، هذا تدبير الله، تبقى في البيت، فممكن أن يندم، ممكن أن تثور شهوته فيضطر إلى أن يراجع، لا إله إلا الله! وهي في بيت زوجها لا تخرج، ولا يحل إخراجها إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ [الطلاق:1] لا يخلو بها ويتحدث معها، فهي أجنبية الآن، ولا يجامعها، وإن جامعها وهو قد طلقها فإنه يؤدب؛ إلا إذا نوى مراجعتها. فإذا انتهت الأقراء -الأطهار أو الحيض- فمع السلامة، تعطيها متاعها وتذهب إلى أهلها، فإن راجعها في العقدة فهنيئاً له، وإن قالت: لا أرجع فلا حق لها، فلو مات ورثته، ولو ماتت ورثها، ما زالت في عصمته، حتى تنتهي الأطهار الثلاثة، هذا إذا كانت تحيض. وإذا كانت صغيرة ما تحيض بنت عشرة سنين، أو كانت عجوزاً بنت سبعين سنة فكيف تعمل؟ هذه تعتد بثلاثة أشهر: وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4]كذلك، التي لا تحيض لكبر سن أو صغر فعدتها محدودة بثلاثة أشهر.

معنى قوله تعالى: (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر)

ثم قال تعالى: وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228] هذه مسائل عالية، يا مطلقة! انتبهي، أنت تؤمنين بالله واليوم الآخر أم لا؟ إياك أن تجحدي الحيض أو الحمل، تجحد الحمل فتقول: والله! لأحرمن هذا الكلب من الولد، هذا كلام النساء، فتتزوج وتنسب هذا الولد للزوج الثاني! هذا موقف خطير لا تفعله مؤمنة، أو تعجل فتقول: أنا حضت ثلاث حيضات في الشهر الماضي وهي تكذب؛ كتمت ما في رحمها.أو حاضت وتقول: ما حضت إلا حيضتين؛ حتى ترجع، المهم: بلغوهن أنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تجحد حيضها أو حملها لمصلحتها الخاصة، يا ويلها! واسمع الآية: وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ [البقرة:228] يجحدن مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228] أي: من حيض أو ولد إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:228].

أثر التجرد عن الإيمان بالله واليوم الآخر

وقد كررنا القول هنا فقلنا: لأن تنام إلى ثعبان تتوسده فمن الجائز ألا يأكلك، أما أن تنام إلى جنب شخص لا يؤمن بلقاء الله؛ فوالله إن احتاج إليك لانقض عليك، ما في الأرض شر من شخص لا يؤمن بلقاء الله يوم القيامة، هذه قضية كررناها مرات، فحيوان قد تسلم منه، والذي لا يؤمن بلقاء الله لا تسلم منه، إن احتاج إليك أخذ دمك، فلا تأمنه أبداً.ولهذا تجد قوله تعالى: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [الطلاق:2]، إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:228]، أما الكافر الملحد الذي لا يؤمن بالله ولا بلقائه فوالله ما يؤمن على رأس بصلة أبداً، ولا خير فيه بالمرة، شر من الثعالب والذئاب، بل من السباع والكلاب! قد تقول: يا شيخ! بالغت. فأقول: أما قال تعالى: أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] ؟ حكم من هذا؟ حكم خالقهم، شر الخليقة على الإطلاق! وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 17-07-2020, 06:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (10)
الحلقة (17)




تفسير سورة البقرة (107)



من أحكام الطلاق التي شرعها الله عز وجل أن المرأة تتربص بنفسها ثلاثة قروء، فإن كان طلاقها رجعياً وراجعها الزوج خلال هذه المدة فيبقى بينهما حكم الزوجية ويستمر العقد، وإن لم يراجعها انفسخ عقده واحتاج لمراجعتها إلى عقد جديد، أما إذا طلقها في مدة الحمل فإن مدتها هي وضعها لحملها، فإن راجعها في مدة الحمل وإلا انفسخ عقده كما في السابق.

تابع تفسير قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء...)


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة )، وها أنتم تشاهدونها، ( وغشيتهم الرحمة )، وهي مشاهدة، ( وحفتهم الملائكة ) وحقاً إنهم يحفون بهذه الحلقة، ( وذكرهم الله فيمن عنده )، فالحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله! ولنذكر أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله )، فالحمد لله .. الحمد لله!


وجوب الفيء أو الطلاق بعد تمام الأربعة أشهر

معشر المستمعين والمستمعات! بعد الآيات التي عرفنا بها ومنها حكم الإيلاء في الإسلام، وهو قول الله عز وجل: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227]؛ علمنا أن من حلف ألا يجامع امرأته فإن جامعها وكفر عن يمينه فخير له، وإن أصر على يمينه الشهر والشهرين والثلاثة والأربعة، فعندما يكتمل الشهر الرابع إما أن يرجع إلى زوجته يجامعها ويكفر عن يمينه، وإما تطلق عن طريق القاضي رغم أنفه.واسمع النص: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [البقرة:226] أي: يحلفون ألا يطئوهن، تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226] والمرأة صابرة، فإن تمت الأربعة فإما أن يفيء إليها ويرجع أو يطلق، لا تبقى أمة الله محرومة معذبة، فمن رحمها؟ الله مولاها ومولى المؤمنين والمؤمنات. لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا [البقرة:226] أي: رجعوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227].وتذكرون أن عمر رضي الله عنه سأل حفصة : ما هي المدة التي يمكن للمرأة أن تصبر عن زوجها؟ قالت: تصبر شهرين، وفي الثالث يقل صبرها ويضعف، وفي الرابع ينفد صبرها؛ فأصدر أمره إلى قادة الجيوش الغزاة الفاتحين في الشرق والغرب أن من أقام في المعسكر أربعة أشهر يجب أن يعود إلى أهله.هل عرفت الدنيا هذا؟! من بقي في الجهاد بعيداً عن أهله أربعة أشهر يعطى رخصة رسمية بأن يعود إلى أهله، هذه هي عدالة عمر ! سأل ابنته وأمه، وهل هي ابنته وأمه؟ حفصة بنت عمر زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، أليست أم المؤمنين؟ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، وكانت من العلم بمكان، كيف لا وجبريل يتردد على بيتها، والرسول يتكلم عندها، فكيف لا تعلم؟ فأعطته هذه الحقيقة، أن المرأة تصبر عن زوجها شهرين بلا تأزم، وفي الشهر الثالث يقل صبرها، وفي الرابع ينتهي وينفد، ومن ثم شرعها عمر وسن وقنن بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ).

وجوب اعتداد المطلقة ثلاثة قروء

بعد هذا قال تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:228].كلام من هذا؟ من يقوى ومن يقدر على أن يقول هذا؟ هذا كلام الله رب العالمين، لو تجتمع البشرية كلها على أن تقول هذه الجمل فوالله ما استطاعت، ولا وصلت إليها، فآمنا بالله! هذا هو القرآن الكريم.اسمع: وَالْمُطَلَّقَاتُ [البقرة:228] صيغة خبرية ومعناها الإنشاء، والمطلقات: جمع مطلقة، كانت مربوطة بعهد وميثاق، بعقد، فمن طلقها؟ المطلقة طلقها الفحل، الزوج، أو طلقها القاضي، إذا غاب الزوج غاب أو حرمها حقوقها وآذاها فالقاضي يطلق. يَتَرَبَّصْنَ [البقرة:228] التربص: الانتظار، كم تنتظر؟ قال: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، وهنا خذ هذه الفائدة وحافظ عليها، وجل السامعين لا إخالهم يعترضون. ففد عرفنا من الدرس السابق معنى القرء، فالقرء: مأخوذ من القرء الذي هو الجمع، فالدم يتجمع في الرحم إذا كانت المرأة غير حامل، ثم يفيض ويخرج بتدبير الله عز وجل، إذ هذا الدم تفرزه تلك الشرايين والأعضاء من أجل غذاء الجنين في رحم أمه، فإذا انعدم الجنين يتجمع الدم ويخرج في الشهر مرة.فلفظ القرء اختلف العلماء في حقيقته: هل هو الطهر أو الحيض؟ فـمالك رحمه الله ومن تابعه يرون أن الأقراء هي الأطهار، وغير مالك كـأحمد وغيره يرون أنها الحيض؛ فلفظ القرء صالح للطهر والحيض فترة معينة، فمن الفقهاء من قال: المطلقة تعتد بثلاثة أطهار.

أنموذج الطلاق الشرعي

مثلاً: حين يطلق الرجل امرأته عندما يعلم أنه آذاها وهي مؤمنة، ولا يحل لمؤمن أن يؤذي مؤمنة، أو علم بمرور الأيام أن بقاءها فيه أذى لها وضرر يصيب هذه المؤمنة وهي أخته في الإسلام، أو رأى أن بقاءها معه أدخل عليه ضرراً وأذىً ما أطاقه، وهو عبد الله ووليه ما يرضى الله له الأذى ولا الضرر، عندما يتأكد من وجود الضرر وأنه لا يدفع إلا بالطلاق فإنه يطلق. وهل المؤمنون اليوم يشعرون بهذا الشعور؟ ولا واحد في المليون! لم؟ لأننا ما ربينا في مثل هذه الحلق النورانية، لا نساؤنا ولا رجالنا، فمن أين يأتينا هذا النور ونحن مبعدون عن ساحاته إبعاداً كاملاً، يعيش الرجل ستين سنة ما يجلس جلسة كهذه ولا يعرفها! من أين يعلم؟ أيوحى إليه؟ لا والله، فقد ختمت النبوات بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.هل في الإمكان أن تعيش مع تلك المؤمنة -سواء من أقربائك أو من غيرهم- على أنها أختك في الإيمان والإسلام، وأن أذاها حرام، وأن أذاك أنت محرم، والرسول يقول: ( لا ضرر ولا ضرار )، تعيش معها، فإذا شاهدت منها الأذى قد أصابك، أضر بك، أضاع حياتك؛ فاصبر وعظها، علمها، خوفها، بين لها، فإذا وجدتها لا تدفع الضرر عنك؛ فأنت عبد الله ووليه ما يحملك مولاك على أن تبقى محروماً في أذى وضرر أبداً.إذاً: تريد أن تطلقها، انتظرها حتى تحيض، فإذا حاضت وانتهت الحيضة واغتسلت أخذت تصلي وتصوم فقبل أن تطأها قبل أن تجامعها أشهد اثنين وائت بهما إلى المنزل: أشهدكما أني طلقت فلانة. فهذه الطلقة.


لزوم بقاء المطلقة الرجعية في بيت الزوجية

وتبقى في بيتها لا تخرجها، لأن المطلقة طلاقاً رجعياً كالزوجة، بحيث لو ماتت ورثتها، لو مت أنت ورثتك، ولا يحل خطبتها ولا التزوج بها إجماعاً، هي في حكم الزوجة، تنتظر أمر الله، فإن تراجع الزوج وندم وأقبل على إرجاعها فحسبه أن يقول: يا فلان وفلان! أشهدكما أني راجعت زوجتي. لا عقد ولا مهر ولا وليمة.فإن أبى أن يراجعها فهي في بيته تنام وتأكل وتشرب وتصلي، ولا ينظر إليها، ولا يكلمها إلا بما لا بد منه، لأنها أصبحت أجنبية مطلقة، أما لو جامعها بدون نية المراجعة فلا يقام عليه الحد للشبهة، وهو آثم، إلا إذا جامعها بنية إرجاعها فلا حرج.فإن آذت أمه إخوانه أولاده أو أحدثت حدثاً سيئاً فأتت بفاحشة؛ فلا بأس أن يذهب بها إلى أهلها؛ لقوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [النساء:19] حينئذ يقول: امشي إلى أهلك فأكملي عدتك في بيت أبيك أو أمك، فإذا انقضت عدتها انتهت وبانت منه، ولو أراد أن يتزوجها فيحتاج إلى خطبة ومهر جديد ورضاها وموافقتها، نكاح كأنه أول مرة.فلم طلقها؟ دفعاً للضرر الذي أصابه ولحقه منها، أذن له مولاه في طلاقها، وإذا كانت هي المتأذية المحرومة المكروبة لما في نفسها، ما أطاقت الحياة؛ فالفحل المؤمن إذا نظر إلى ذلك وتأكد منه قال: كيف تعيش هذه المؤمنة في كرب؟ ما لي ولها؟! فيشهد اثنين على طلاقها ويطلقها؛ حتى لا تكرب ولا تحزن وهي مؤمنة تؤمن بالله ولقائه.

نظرة في المصالح المترتبة على الخلاف في معنى القرء

نعود إلى مالك حيث رأى أن تعتد بالأطهار، قال: لأن المدة تصبح قصيرة، فإذا طلقها في طهر لم يمسها فيه فهذا طهر الآن، ثم حاضت حيضة جديدة وطهرت، فهنا طهران، ثم حاضت، فهذه الحيضة الثانية، ثم طهرت، فحلت وانتهت، في ثلاثة أطهار، وبالحيض تصبح أربعة أطهار.إذا قلنا: يطلقها بالحيض فإذا أكملت ثلاث حيض طلقها، أولاً: يطلقها في طهر وهذه الفترة غير محسوبة، بعد الطهر تحيض حيضة أولى ويأتي طهر ثان، ثم تحيض حيضة ثانية، ثم يأتي طهر ثالث، ثم تحيض حيضة ثالثة وتنتهي، فهذه المدة أطول أم لا؟ والذي فتح الله به علينا أنه لا فرق بين ما رآه مالك ولا الشافعي ولا أحمد ؛ لم؟ لأن الزوج أيضاً في صالحه أن تطول المدة، ينتفع بها، قد يندم ويراجعها، فطول المدة أيضاً في صالح الزوج.والآخر رأى أن قصرها في صالح الزوجة حتى تتزوج؛ لأنه إذا تمت عدتها تتزوج من غد، فنقول: النظريتان صالحتان، ولهذا إن شئت اعتدت زوجتك بالأطهار أو بالحيض، سبحان الله العظيم! فكلام الله حمال الوجوه كما قال علي رضي الله عنه.

حرمة كتمان المطلقة ما في رحمها من حيض أو حمل

إذاً: اسمعوا الآية: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] ثلاثة حيض، ثلاثة أطهار، الكل صالح، وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228] حرام على المؤمنة المطلقة أن تجحد الحيضة الحمل في بطنها، وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ [البقرة:228] أي: يجحدن مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228] قد تكتم الحيض أم لا؟ قد تقول: حضت أربع مرات، أنا أريد أن أراجعها فقالت: انتهت العدة؛ حضت ثلاث مرات، حتى تتخلص منه، ما تعطيه فرصة، فجائز أن تكتم هذا أم لا؟ أو ما حاضت وأراد أن يراجعها فتقول: حضت أربع حيضات أو ثلاثاً. أو يكون في بطنها جنين ابن شهرين أو ثلاثة فتطلق فتجحده وتقول: ما عندها حمل، وإنها قد اعتدت بالحيض، وتتزوج وتنسب الولد إلى غير أبيه! قد تكون على اتفاق مع رجل فاسق.فقوله تعالى: وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228] من الحيض والحمل، حرام أن تكتم عدد الحيضات، أو تكتم الحمل وهو في بطنها.واللطيفة هي في قوله تعالى: إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:228] لأن هذا غيب لا يعلمه إلا الله، تستطيع أن تقول: أنا حضت أربع مرات، ومن يعرف؟! الطبيب ما له شأن في هذا، قد تقول: ما عندي حمل، ومن يدري؟ لكن الله تعالى يدري، فمن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر لا تكتم وتجحد هذا الحق لصالحها وهواها، فهذه موعظة ربانية: إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر. فقوله تعالى: وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ [البقرة:228] أي: للمطلقات أَنْ يَكْتُمْنَ [البقرة:228] أي: يجحدن ما في بطونهن، إما الحيض فتدعي أنها حاضت ثلاثاً، أو تدعي أنها ما حاضت، أو ما في بطنها من حمل شعرت به، وتنقله إلى زوج آخر والعياذ بالله!

معنى قوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً)


وقوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228] بقيد إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228] الله أكبر! والبعولة: جمع بعل، أزواجهن أحق بردهن وإرجاعهن في العدة، وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228] أي: في ذلك الزمن زمن الطلاق، وكلمة (أحق) معناه: أن لها هي حقاً أيضاً، لكن هو حقه أعظم، فإذا كانت مظلومة حيث أساء إليها ودمرها وأشقاها في حياتها فإنها تريد ألا ترجع إليه، وتطالب بعدم الرجعة؛ لأن لها حقاً، لكن حقه هو مقدم على حقها.فقوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ [البقرة:228] بماذا؟ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228] الانتظار بالحيض أو الأطهار، والقيد العجيب: إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228]، أما أن تردها فقط لتعذبها فحرام هذا، أو تريد هي أن ترجع إليك أيضاً لتكيد لك وتمكر بك فحرام هذا، لا بد عند الرجعة أن يكون الزوج يريد الخير، وهي تريد الخير أيضاً لها ولزوجها، فلا إله إلا الله! وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228]، أما إن أرادوا الأذى والضرر لبعضهم فلا يحل، لا ترجع إليه ولا ترد إليه.

معنى قوله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)

ثم قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، أي: للزوج على زوجته حق بالمعروف، وللزوجة على زوجها حق بالمعروف، من أبرز ذلك: أنك تحب من زوجتك أن تتزين لك أم لا؟ فهي أيضاً تحب أن تتزين لها، فتزين أنت لها، لا أن تكون أشعث أغبر وتريد أن تكون هي كالحور العين، فأنت اغتسل وتنظف وتطيب والبس ثوباً نظيفاً وكن ذا رائحته طيبة كما تحب منها أن تفعل ذلك. وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، تحب أن تقول لك: يا سيد! كيف أصبحت؟ فقل لها: يا سيدة! كيف أصبحت؟ تريد أن توقظك للصلاة، فأيقظها هي أيضاً للصلاة، المعروف الذي تحبه منها أعطها مثله أنت أيضاً، بالعدالة: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، والمعروف: ضد المنكر، ما أذن الله فيه وأباحه من الخير هو المعروف.

معنى قوله تعالى: (وللرجال عليهن درجة)

وأخيراً تختم الآية بقوله تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، فالذي يطالب بالمساواة بين المرأة والرجل كافر لم يبق له حظ في الإسلام، كيف؟! الله يقول: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] سامية وعالية، أليس هو الذي يحميها؟ أليس الذي هو يكسوها؟ أليس الذي يداويها؟ أليس الذي يطعمها ويسقيها؟ وهي ماذا قدمت؟ ارتفعت درجته أم لا؟ أليس هو الذي يجاهد وهي في البيت؟ أليس هو الذي يحضر الجمعة والجماعة وهي في بيتها؟ درجة ظاهرة كالشمس. وفي نفس الخَلق والخُلق أيضاً، فخَلق الرجل الفحل أقوى من خلق المرأة، قل للمرأة: ارفعي قنطاراً على رأسك أو على كتفيك فستتحطم في الأرض، والفحل يرفع القنطار، قل لها: امشي خمسين كيلو على رجليك فستعجز في الطريق، والفحل يمشي مائة كيلو، ففرق بينهما في الذات.فالذي يقول: المساواة ديوث، يهودي أو نصراني، وسبحان الله! قرأنا سورة التحريم من الطفولة منذ سبعين سنة وزيادة، ونحن نسمع قول الله عز وجل: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا [التحريم:10] الآية، فما فكرنا ولا وقع في نفوسنا شيء حتى صلى إمام المسجد الشيخ إبراهيم صلاة الصبح، فلما قال: كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ [التحريم:10] اندهشت؛ فهل قال: (تحت) أم (فوق)؟ هل تحت عبدين أو مساويتين لهما؟ فمن ثم صرخنا وقلنا: الذي يطالب بمساواة المرأة مع الرجل كافر؛ كذب الله عز وجل ورد قانونه وشرعه من أجل الهوى وتقليد الملاحدة والذين لا دين لهم ولا عقول. فالله تعالى يقول: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، فمن أعطاهم إياها؟ الله ربهم ورب النساء، ما أخذوها بالقوة.

معنى قوله تعالى: (والله عزيز حكيم)


واسمع ختام الآية: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:228]، طأطئ رأسك يا عبد الله، فالله تعالى الواهب هذا الخير عَزِيزٌ [البقرة:228] لا يغالب ولا يُغلب أبداً، فانتبه، حَكِيمٌ [البقرة:228] في تشريعه، والله! لا يخطئ، ولن يخرج من تشريعه أبداً سوى الصلاح والخير والرحمة والهدى، هذا ما هو تشريع أحمق أو جاهل، بل تشريع حكيم يضع كل شيء في موضعه.وقد قلنا ونقول آلاف المرات: أعطونا قضية من قضايا الإسلام ثبتت بالكتاب والسنة، ثم اجمع علماء البشر كلهم بفلاسفتهم لينقضوها، والله! ما تنقض، أقسم بالله! ما تنقض على مرور الزمان، فقد نزلت الآيات منذ ألف وأربعمائة سنة، وانتظر أربعة آلاف سنة، فوالله! ما ينقض كمالها ولا مراد الله منها، فقولوا: آمنا بالله.
تربص العدو بالمسلمين وسعيه في إبعادهم عن القرآن
هذا هو القرآن العظيم، هذا القرآن تعليم تشريع سياسة آداب أخلاق، فلم يقرؤه المسلمون على الموتى؟ لأنهم ماتوا، هذا القرآن هل يقرأ على الموتى؟ لا يجوز، هذا عبث، هذا كتاب هداية وتعليم تقرؤه على ميت! هل الميت يقوم يصلي ويتوب؟! عق أمه هل يقوم يقبل رأسها؟! انتهى أمره، فماذا تقرأ عليه أنت؟! من مكر بالمسلمين هذه المكرة؟الثالوث الأسود، هل تدرون أن هذا الثالوث مكون من ثلاث طوام أو عفاريت؟ أولهم: اليهود، ثانيهم: المجوس، ثالثهم: النصارى، اجتمعوا وأنتم ما تعرفون عنهم، نحلف لكم بالله، والله العظيم! لهم الذين ضربوا هذه الأمة وأنزلوها من علياء سمائها إلى الحضيض من الأرض، وما زالوا متعاونين إلى اليوم، نظروا بعد حروب خاضوها أنهم يفشلون، وبعد مكر وكيد ومؤامرات ما استطاعوا أن يفلحوا، فبحثوا عن السر، ما سر هذه العصمة والقوة التي لا تقهر؟ قالوا: السر هو القرآن، ووالله! لقد صدقوا؛ القرآن روح ولا حياة بدون الروح، أما سمعت الله تعالى يقول: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52] ين أو مساويتين َبْدَيْنِ ُم، يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [غافر:15]، فالقرآن روح.كانت هذه الأمة في ديارها ميتة فأحياها الله بالقرآن فعزت وكملت وسادت وطهرت، فقالوا: إذاً: هيا نسلب القرآن منها لتموت، فعملوا في مؤتمرات سرية على إسقاط كلمة (قل) فما استطاعوا، القرآن يحفظه النساء والرجال في البادية والحاضرة، كيف نسقط منه كلمة؟ فعجزوا.فقالوا: نحتال عليهم ونبعد القرآن من بينهم ونحوله إلى الموتى. ونجحوا، فمن إندونيسيا إلى موريتانيا قبل هذه الإفاقة الجديدة منذ خمسين سنة إذا مررت بزقاق أو شارع ضيق وسمعت القرآن يقرأ فاعلم أن الميت هناك، على طول الخط، حتى إن نقابة في بلد إسلامي كانت مختصة بهذه، تقول: يا سيد! توفي الوالد اليوم فنريد عشرة من طلبة القرآن، فيقول: من فئة المائة ليرة أو الخمسين؟ إذا كان فقيراً فمن فئة خمسين، والغني من فئة المائة! وأبعدت هذه الأمة عن القرآن بعداً كاملاً، لا يدرّس ولا يجتمع عليه، وحولوه إلى الموتى في المقابر وفي البيوت، وقبل هذه الدولة المباركة كان في الروضة يجتمع القراء يقرءون ختمة على سيدي فلان بألف ريال للواحد!وقالوا: القرآن تفسيره صوابه خطأ وخطؤه كفر، فألجموا العلماء وما أصبح من يقول: قال الله، إياك أن تقول: قال الله؛ فالقرآن فيه الناسخ والمنسوخ، وفيه الخاص والعام فلا تتكلم، فألجموا العالم الإسلامي بحيث لا يقول الرجل مستشهداً بأمر أو نهي: قال الله أبداً، ومن أراد أن يقف على هذه فعند أصحاب الفقه المالكي في حاشية الحطاب على خليل سيجدها، قالوا: التفسير صوابه خطأ، إن فسرت القرآن وأصبت فأنت مخطئ، وإن أخطأت كفرت، إذاً: من يقول قال الله؟! من يقدم على هذا؟!وأخيراً: نجحوا، وما الدليل؟ أما استعمرتنا هولندا في إندونيسيا ونحن مائة مليون؟ أما استعمرت ممالك الهند العظيمة الطويلة بريطانيا؟ والشرق الأوسط شمال أفريقيا أما استعمرته بريطانيا وفرنسا وإيطاليا؟ كيف تم هذا؟ بعدما قتلونا وسلبوا الروح، فإنا لله وإنا إليه راجعون! هل من إفاقة؟من منكم إذا فرغ من العمل مع إخوانه في المصنع في الدائرة وتوضئوا وأرادوا أن يصلوا يقول لأخيه: أسمعني شيئاً من القرآن؟ لا أحد، أو يجلس في المسجد ينتظر الصلاة فيمر به المؤمن فيقول له: أنت تحسن القرآن؟ قال: نعم، قال: من فضلك اقرأ علي شيئاً من القرآن؛ فنسمع ونبكي؟ لا أحد.ما زالت تلك الصفعة قائمة، كل ما في الأمر أنه أصبح يوجد من يفسر القرآن لا أقل ولا أكثر، يقول: قال الله وقال رسوله.


ملخص لما جاء في تفسير الآية

أعيد تلاوة الآية وننتقل إلى غيرها، فاسمع: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، ثلاثة أطهار أو ثلاث حيض، كله صالح بإذن الله، وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228] من حيض أو ولد؛ إذ الخالق هو الله، هل هناك من يخلق الجنين غير الله؟! إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:228]، فالذي لا يؤمن بالله ولقائه شر الخليقة؛ لأن تأوي إلى ثعبان وتتوسده وتنام فقد تسلم منه، وإن أنت نمت إلى جنب رجل لا يؤمن بالله ولقائه فلا تسلم منه، إذا احتاج إلى دمك فإنه يمتصه، إلى عينك فإنه يفقؤها، أما عن نزع ساعتك من يدك أو نقودك من جيبك فلا تسل، فالذي لا يؤمن بالله ولقائه هبط وأصبح شر الخليقة وإن كان أبيض أو ما كان، واسمعوا قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، من أخبر بهذا الخبر؟ الله تعالى. ومن أعلم من الله؟ لا أحد، فشر الخليقة هم الكفار والمشركون. وقوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228]، من طلق امرأته وما زالت في عدتها هل هناك من هو أحق بها منه؟ لا أحد، لا يحل خطبتها حتى بالإشارة.وقوله تعالى: إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228]، إذا كنت تريد أن تردها فيجب أن تكون على نية وعزم صادق أنك تردها لتسعد معك وتسعد بها، لا أن تشقيها بالأذى والسب والشتم والتعذيب، وهي كذلك إذا أرادت أن ترجع وطالبت بالرجوع فيجب أن تكون تريد الإصلاح والخير لزوجها وأولادها، هذا شأن المؤمنين والمؤمنات إن أرادوا إصلاحاً.وقوله: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، لهن على أزواجهن مثل الذي للأزواج عليهن، عدالة، وقد بينا مظاهرها، منها: أنك تحب أن تتجمل لك، فتجمل أنت لها. وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، من رفعهم هذه الدرجة؟ مولاهم خالقهم. وَاللَّهُ عَزِيزٌ [البقرة:228]، فخافوا ارهبوا لا تخرجوا عن طاعته وتتمردوا على قوانينيه؛ فإنه قادر على أن يشقي ويعذب، وكم فعل. حَكِيمٌ [البقرة:228] في كل ما يضع، والله! ما أباح شيئاً إلا لفائدة، ولا حرّم شيئاً إلا لنقصان وخسران، احلف بالله مليون مرة! ما فرض الله فريضة إلا لصالح الإنسان، ولا حرم حراماً إلا لصالح الإنسان في كل جزئيات الحياة.

وقفة مع قوله تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ...)

ثم قال تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، كم طلقة يطلق الفحل امرأته؟ طلقتان فقط، يطلقها المرة الأولى ثم يراجعها فهذه طلقها، ثم يطلقها الثانية ويراجعها فهذه طلقتان، وفي الأخيرة الفصل، حتى إن أحد الأصحاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: الله يقول: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]، فأين الطلقة الثالثة؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، هي الطلقة الثالثة، في الطلقة الأولى يراجعها قبل نهاية العدة وله ذلك، راجعها وعاش معها شهراً أو سنين وطلقها طلقة ثانية، فإنه يراجعها، ثم إذا راجعها وعاش معها ينتبه إن هو طلقها لا تحل له أبداً حتى تنكح زوجاً غيره.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 17-07-2020, 06:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (11)
الحلقة (18)




تفسير سورة البقرة (108)


من أحكام الطلاق التي شرعها الله أن من طلق زوجه طلقة أو طلقتين فله أن يراجعها في العدة، وهو أحق بها من غيره، أما إذا انقضت عدتها دون أن يراجعها فينفسخ عده، ويجوز له كسائر الرجال أن يتزوجها بعقد جديد مستوف للشروط، أما إن طلقها طلقة ثالثة فإنها لا تحل له حتى تتزوج برجل آخر، فإن طلقها الثاني جاز للأول الزواج بها بعقد جديد مستوف للشروط.

تفسير قوله تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيها المؤمنات المتسمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا المأمول يا ولي المؤمنين ومتولي الصالحين.وها نحن مع هذه الآية المباركة الكريمة، ولعلنا نضيف إليها أختها.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [البقرة:229-230]، اللهم اجعلنا منهم.
دلالة القرآن على عظمة الله تعالى وبيان تنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من القائل: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ؟ إنه الله تعالى الذي خلقنا ورزقنا ودبر حياتنا، الذي وهبنا عقولنا وأسماعنا وأبصارنا، الذي أوجدنا من العدم فأحيانا وغداً يميتنا وبعده يحيينا، الذي رفع السماوات الطباق وبسط الأرض ونصب عليها الجبال وأجرى فيها المياه والأنهار، هذا الذي خلق كل شيء من النملة إلى المجرة، هذا هو الله ربنا ورب العالمين، وهذا كلامه، فهو خالق الكلام فكيف لا يتكلم؟! لولاه لما تكلم متكلم أو نطق ناطق.فهذا كلامه أنزله على الرسول صلى الله عليه وسلم، أنزله على مصطفاه ومجتباه ومن اختاره وكمّله وأعده لأن يتلقى وحيه، هذا الذي أنزل عليه كتابه الحاوي لهاتين الآيتين هو محمد صلى الله عليه وسلم، أين كان يوجد هذا النبي؟ في جزيرة العرب، ما هي البلدة التي كان ولد فيها؟ مكة، وانتقل منها إلى مدينة أخرى هي المدينة النبوية، وأين هو الآن؟ هناك والله في الحجرة الشريفة، ومن أراد أن يشرف بالسلام عليه فليتفضل فيدنو من حجرته ويقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، وينصرف، فإن فعل فإنه -والله- يسمعه.والحمد لله؛ فنحن معه لا نفارقه، عندما نصلي النافلة أو الفريضة ونجلس بين يدي الله ونقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، نقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فتبلغه فيسمعها فوراً، والحمد لله؛ كان أسلافنا يؤمنون بهذا، لكن لا يدركون كيف، أنت في الشرق أو الغرب وهو في السموات العلا ويبلغه سلامك، ولما توفي صلى الله عليه وسلم قال بعض الصحابة: الآن لا نقول: السلام عليك يا أيها النبي، كنا نقول: أيها النبي ما دام بين أيدينا، الآن لا معنى لهذا، نقول: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، فقال كبار العلماء: اسكتوا! ما هو بشأنكم هذا، فقد قال لنا: قولوا، فيجب أن نقول. وتمضي الأيام ولياليها والقرون والآن أصبح الذي يكذّب هذا أحمق، بدليل أننا في بيوتنا نتكلم مع الصين واليابان ومع كندا والأمريكان وهم يسمعونك وأنت تسمعهم، فهل تكذّب؟! ما هي الخيوط هذه؟ كيف وصل هذا؟! قولوا: آمنا بالله. فاسمعوا وبلغوا: إنها -والله- لفرصة ضيقة وعما قريب لا تقبل توبة تائب؛ لأن الإيمان يكون بالغيب، أما بالشهادة فليس بإيمان، هل تقول: أنا مؤمن بأننا في المسجد النبوي؟ الذي يقول هذا مجنون، فالإيمان بما غاب عنك، فالآن -والله- إنها لفرصة ضيّقة، وسيأتي يوم المؤمن مؤمن والكافر كافر، ما تقبل توبة ولا رجوع، انتهى الأمر وختم على الكتاب؛ إذ قال تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ [الأنعام:158]، هؤلاء المتباطئون الذين يترددون، يقال: ادخلوا في الإسلام فيقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى، ما ينتظرون؟ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ [الأنعام:158] فيؤمنوا، أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158] فيؤمنوا، أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158] فيؤمنوا، يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، هذه من سورة الأنعام: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام:158]، فكم مضى على هذه الآية؟ ألف وأربعمائة سنة، والغيوب تتكشف.إذاً: معشر المستمعين! الآن الذي يكفر لا قيمة له، ما له وزن، بأي شيء تكذب؟


معنى كون الطلاق مرتين

فهيا مع الآيتين الكريمتين، يقول تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229] لا ثالثة لهما، كيف يتم هذا؟ المؤمن الفحل الواعي البصير المسلم بحق إذا تأذت منه امرأته وما طاقت وعرف أن حياتها كدر لا صفو فيها وشقاء فلا سعادة لها؛ فإنه يقول: يا مؤمنة! ما أريد لك البلاء والشقاء، وأنت أختي وأنا أخوك، فلكي ترتاح وتسعد يأتي باثنين يقول: اجلسا واشربا الشاي أو القهوة، ثم يقول: اسمعا: يا أم فلان! لقد طلقتك، واشهد يا فلان ويا فلان، وابقي في بيتك ثلاثة أقراء، فإذا فرغت فالتحقي بأهلك، وداعاً يا مؤمنة، هل عرفتم هذا الطلاق؟أو هو يتأذى من هذه المؤمنة لسوء خلقها، لفساد عشرتها، ما أطاق، كل يوم في أذى وهو ولي الله وعبده ما يرضى مولاه له بالأذى والشقاء، فحاول وحاول في عام أو عامين فما استطاع، رأى أن خلاصه من هذا البلاء والفتنة في طلاق هذه المؤمنة، لا يسيء إليها ولا يضرب ولا يكسّر رأسها، يشهد اثنين ويقول: لقد طلقت فلانة، فالزمي بيتك يا فلانة حتى تنتهي عدتك ثلاثة أقراء، فإن انتهت فما عليك إلا الذهاب إلى أهلك. فهل عرفتم الطلاق؟ هل المسلمون يفعلون هذا؟ وا حر قلباه؛ لأننا ما جلسنا هذه المجالس ولا رُبينا في حجور الصالحين، مشغولون باللهو والباطل، لو كنا مشغولين في المصانع والمزارع والإنتاج الليل والنهار لهان الأمر، لكن أوقاتنا كلها في الفراغ، مجالس الليل في اللهو، وما نستطيع أن نجلس جلسة كهذه؛ لأن الشيطان يدفع، فما يستطيع.فإذا طلق قلنا: طلقتها يا عبد الله؟ قال: نعم، هل انتهت العدة أو ما زالت؟ قال: ما زالت، هل تريد أن تراجعها حيث ندمت فما رأيت خيراً في طلاقها؟ إذاً ائت باثنين وقل: أشهدكما أني راجعت فلانة، طلقتها وراجعتها، فتبقى معك، فإن ما أطقت العذاب أو الشقاء لك أو لها بعد ذلك أيضاً وما صبرت فطلقها طلقة ثانية وانتهى الأمر.


الأمر بإمساك المطلقة الرجعية بالمعروف أو تسريحها بإحسان

الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]، وبعد المرتين فإما أن تمسكها بمعروف أو تطلقها بإحسان ومع السلامة إلى يوم القيامة. الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، فبعد المرتين أمسكها بإحسان لا بإساءة لك ولا لها؛ لأن مولاكما ما يرضى بالإساءة لكما، ألستما من أوليائه؟ إذاً: أمسكها بالمعروف، الإحسان في المعاشرة، بالأدب، بالرحمة، بالأخلاق، بالتعاون أنت وهي كذلك، وإلا فتسريح بإحسان، سرّحها بإحسان ما فيه إساءة: يا فلانة! مع السلامة، خذي متاعك وبقية مهرك وخذي أثاثك في البيت، وأستودعك الله عز وجل.وأما الإساءة فكقوله: يا كلبة! يا منتنة! يا فاجرة! وإذا سئل عنها قال: هي خبيثة. أعوذ بالله.. أعوذ بالله! أيجوز هذا من مؤمن ومؤمنة؟ وهو واقع، لأنهم ما عرفوا، فالسبب الجهل، ومتى نتعلم؟ في سنة واحدة، هيا إلى دورة تدوم سنة فقط ندرس فيها كتاب الله وهدي الرسول بنسائنا وأطفالنا، فسنة واحدة وكلنا ربانيون، ولكن ما عندنا قدرة على هذا، ما نستطيع.فالطلاق مرتان، وبعد ذلك أمسكها؛ لأنك رجعت بعد الثانية فأمسكها بمعروف لا بمنكر وباطل وشر، أو سرحها بإحسان لا بإساءة بالسب والشتم وأخذ حقها وما إلى ذلك، هكذا يقول تعالى مقرراً هذه الحقيقة في تشريعه الحكيم: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229].

معنى قوله تعالى: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ...)

ثم يقول تعالى: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا [البقرة:229]، أيها المطلقون! أيها الفحول! إذا طلقت المرأة فحرام عليك أن تأخذ مما أعطيتها شيئاً ولو قل، تسلم لها مهرها كاملاً، وما كان من أثاث لها تأخذه كاملاً، وما وهبتها من ذهب أو حرير تأخذه كاملاً، وَلا يَحِلُّ لَكُمْ [البقرة:229] أيها المطلقون أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا [البقرة:229] وإن كان إبرة؛ لأن التنكير في صيغة النهي يدل على العموم.ثم قال تعالى: إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [البقرة:229]، إلا أن يخاف الزوج وزوجه، المرأة وبعلها خافا ألا يقيما حدود الله، أي: بأن يسقطاها ويتعداها ويهلكا، فذاك شيء آخر، قال في بيانه: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، هذه المؤمنة أنت تحبها وأنت تحسن إليها وما أسأت إليها أبداً وهي كارهتك، ما أطاعتك ما أطاقت البقاء معك يا فحل، خافت من الله أن تقصر في حقك وأن تسيء عشرتك، فتقول: يا سيد! من فضلك خذ ما أعطيتنيه كاملاً وسرحني؛ لأني أخشى أن أؤذيك أن أعكر صفو حياتك، أن أنغص عيشك، ما أطيق، أنا مؤمنة وأنت أخي، إذاً: أنت أنفقت علي ما أنفقت فخذه واتركني، فهذا تشريع من هذا؟ تشريع الله، فسبحان الله العظيم!

معنى قوله تعالى: (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به)

اسمع: فَإِنْ خِفْتُمْ [البقرة:229] أيها القضاة، أيها الأولياء، أيها المسئولون، أيها العلماء، أَلَّا يُقِيمَا [البقرة:229] أي: الزوج والزوجة حُدُودَ اللَّهِ [البقرة:229] بأن يتعدياها أو يسقطاها -والله ما يريد ذلك- فعندكم رخصة من الله فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [البقرة:229] يعني: الزوجين، فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229] تفدي نفسها، الزوج يريدها وراغب فيها وأحسن إليها وما أساء وهي كرهت وما أطاقت، ماذا تصنع؟ إذاً: تفدي نفسها بأن تقول: خذ ما أعطيتني من مهر أو ما أنفقت علي وسرحني لوجه الله حتى ما أؤذيك أو أبقى شقية معك وأنت ما تريد هذا؛ لأنني مؤمنة وأنت مؤمن، فيستلم منها ذاك المبلغ ومع السلامة، هذا يسمى بالخلع، خلعها منه وفصلها، هي التي طالبت وليس هو، هو يبكي ما يريد غيرها، ولكن هي -بقضاء الله وقدره- أرادت أن تنهي هذا النكاح، وما ذنب الرجل؟ لا ذنب له، ما آذاها، لو آذاها لتطالب بالفداء فحرام عليه أن يأكل ريالاً واحداً، فالآن هذا الزوج ما آذاها أحسن إليها أكرمها فرح بها، لكن هي انصرف قلبها فما أطاقته، فتطالب بالفداء، أذن الله لها ذلك، فتأخذ منها ما أنفقت عليها وسرحها واخلعها وافصلها عنك.

حكم عدة المختلعة

فإذا خرجت من بيتك فالخلاف بين أئمة الإسلام: هل تعتد أو لا تعتد؟ بعضهم يقول: الخلع هذا انفصال لا تعتد معه، والذي هو أقرب إلى الرحمة أنها تعتد ثلاث حيض وتتزوج بعد ذلك إن شاءت؛ إذ من الجائز أن يكون في بطنها جنين.ثم هناك شيء ثان، فلو قلنا بالخلع بلا عدة لخرجت الليلة وتزوجت غداً، فأنت تموت بالهم، تقول: هذه كرهتني لهذا، فهذا الذي أفسدها علي، فخرجت مني فتزوجت به، فكيف يصبح المجتمع؟ والإسلام يعمل على أن لا تختلف كلمة المؤمنين، لا في القرية ولا العاصمة ولا في أي بلد، أمرهم واحد وشأنهم واحد، فمن هنا فالاعتداد أولى.أعيد السياق الكريم: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا [البقرة:229]، عرفنا هذا، حرام عليك أن تأخذ فلساً مما أعطيت هذه المرأة حين طلقتها، اللهم إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، افتدت نفسها، أعطتك المهر الذي أعطيت والنفقة التي أنفقت ومع السلامة.


معنى قوله تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها)

ثم قال تعالى: تِلْكَ [البقرة:229]، هذه التعاليم هذه الشرائع حُدُودُ اللَّهِ [البقرة:229]، قوانين الله فَلا تَعْتَدُوهَا [البقرة:229]، فالطلاق مرتان لا عشر، كيف يقول: أنت طالق طالق طالق سبعين مرة، أنت طالق بالثلاث؟ أتلعب أنت أو تلهو؟! أعاقل أم مجنون؟ الله يقول: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]، وتقول: لا يا رب، الطلاق سبعين! أعوذ بالله.لا تلومونا؛ لأننا جهلاء ما ربينا في حجور الصالحين، ما جلسنا مجالس العلم والنور، هذا الذي ورطنا في هذه الورطة، أنقذونا إن كنتم صادقين، هيا بنا يا أهل القرية، فمن غد لا يتخلف رجل ولا امرأة ولا ولد عن الحضور في هذا المسجد، من صلاة المغرب إلى العشاء ونحن نتعلم ونتلقى الكتاب والحكمة، وطول حياتنا، فهذا وقت فراغ، فيا فلاح! ألق المسحاة! يا نجار! ألق المنشار، وهيا إلى بيت الرب الجليل، النساء وراء الستارة والفحول جالسون والأولاد بينهم وهم يتعلمون الكتاب والحكمة، وينمون ويصفون، ويرتفعون كل يوم درجة، يوماً بعد يوم وقد أصبحت القرية كالملائكة، لا كذب، لا خيانة، لا حسد، لا غش، لا باطل، لا منطق بذيء، لا سوء، أصبحوا أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لو رفعوا أكفهم إلى الله ما ردها خائبة، هل من طريق الأموال؟ لا والله، من طريق ماذا؟ لقد أسلمنا، أعط لله قلبك ووجهك، فتقبل ما يأمرك به وينهاك عنه في صدق، هذا هو الحل وإلا فالطلاق بالثلاث.

حكم طلاق الثلاث

وهنا مسألة فقهية علمية: اعلموا أن الأئمة الأربعة أئمة أهل السنة والجماعة -أما الخوارج والروافض والخارجون عن الإسلام فما لنا بهم علاقة-، الأئمة الأربعة على أن من قال لامرأته: أنت طالق بالثلاث فقد طلقت ثلاث طلقات، ومن شك فليمش إلى المحكمة حيث المذهب حنبلي ويسألهم: طلقت امرأتي بالثلاث؟ فسيقولون: انتهت أخذاً بقول الجمهور، وتذهب إلى المغرب حيث مذهب مالك فيقولون: مع الأسف انتهى أمرك، وفي تركيا مذهب أبي حنيفة ، فإن قلت: أنت طالق بالثلاث فقد انتهى، أبت طلاقك.وعلى خلاف الجمهور من الصحابة ومن التابعين وتابعيهم ومن الأئمة وإلى اليوم يوجد من أهل العلم من يقول: هذا الطلاق بدعي، ولا يعد هذا إلا طلقة واحدة؛ لأن الله تعالى قال: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]، وهذا فسق وخرج عن طاعة الله وقال: طلقتك ثلاثاً، فلا قيمة لكلامه، وتعد طلقة واحدة، لأن الله بيّن ورسول الله بيّن، ولم يعرف المؤمنون إيقاع الطلاق بالثلاث إلا على عهد عمر ، أما على عهد الرسول وعهد أبي بكر وشطر من عهد عمر فكان الطلاق مرة؛ ولما كثر الجهل ومات الصحابة وجاء أولادهم سأل عمر من حوله: ما ترون؟ أنمضيه عليهم ثلاثاً تأديباً لهم؟ فقالوا: أمضة، فأمضاه ثلاثاً؛ ليؤدبهم، فما تأدبوا.فالآن الذي يقول: أنت طالق بالثلاث؛ فالذي يتفق مع الكتاب والسنة أنها طلقة واحدة، والأئمة الأربعة يوجد من تلامذتهم من هو على خلاف آرائهم، الأئمة الأربعة على جلالتهم يوجد من تلامذتهم من لا يقول برأيهم في هذا، ويقول بهذا الرأي؛ لأن الله قال: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]، فكيف أنت تقول: ثلاث، هل تكذب على الله؟ لأن الزوج يطلق وينتظر العدة، قد يراجعها قبل أن تنتهي العدة، يحصل ندم فيبيت يتململ، كان يعتاد زوجته فخرجت منه، فيراجعها، فهذه فرصة أم لا؟ ثم عاد إليها وطلقها مرة ثانية، فممكن أن يتململ ويتضجر ويبكي الأطفال ويمكن أن يرجعها، وهذا من رحمة الله عز وجل، فإذا أرجعها فهو بين خيارين: إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، هذا الذي أراده الله عز وجل، ولا نؤاخذ الناس بجهلهم، ونأخذ بالكتاب والسنة.

حكم طلاق الحائض والموطوءة في الطهر

هنا مسألة أخرى: أن الذي يطلق امرأته وهي حائض، أو يطلقها وهي غير حبلى فيجامعها ويطلقها، هذا الطلاق سبق أن قلت لكم: إن الجمهور على أنه نافذ وأنه بدعة وحرام، ويعاقب صاحبه، وخلاف الجمهور من أئمة العلم والبصيرة من الصحابة والتابعين وغيرهم إلى اليوم يرون هذا الطلاق بدعة ولا يعتبر طلاقاً، إذا طلقها وهي حائض أو طلقها بعد انتهاء الحيض وجامعها فممكن أن تكون حملت في تلك الليلة، فلم تطول عليها العدة تسعة أشهر؟والأصل في هذه القضية: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: يا أبت! طلقت امرأتي وهي حائض. فأخبر عمر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: إن عبد الله طلق امرأته وهي حائض، فقال له: ( مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت فليطلقها إن شاء قبل أن يجامعها أو يمسكها؛ فإنها العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء )، إذاً: فإذا أراد أن يطلق فليصبر حتى ينتهي حيضها وحتى تطهر، وعند ذلك إذا أراد الطلاق طلق، وإن كان لا يريد الطلاق أتى امرأته وانتهى الإشكال.قالوا: فالطلاق في الحيض أو في طهر جامع فيه بدعة ما شرعه الله ولا أذن به، والفقهاء يعاقبونه، قالوا: هو حرام وبدعة، ولكن نؤاخذه به حين يفعل هذا الباطل ليتأدب. وعلى خلافهم عدد من أهل البصيرة والعلم كلهم يقولون: هذا الطلاق بدعي لا يعد طلاقاً، فإذا أراد أن يطلق تركها حتى تطهر ولا يجامعها ويطلق، هذا هو الطريق، وأما إذا كانت حاملاً فيجوز أن يطلقها.والحاصل هنا أنه لا يحل لك أن تطلق امرأتك بدون رفع الضرر، حرام عليك أن تطلق بدون رفع الضرر عنك أو عنها، هذا أولاً.ثانياً: إن كنت تريد أن تطلقها فاتركها حتى تحيض وتطهر من حيضها وتصلي، وقبل أن تجامعها طلقها، هذا هو الطريق، تفعل هذا مرتين: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]، فالثالثة إن طلقتها لن تعود إليك كما سيأتي.


معنى قوله تعالى: (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)

ثم قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:229]، هذا إخبار الله تعالى، وتسجيل علامة: أولئك هم الظالمون، الذين يعبثون بشرع الله ويستهزئون به ويطلقون كما يشاءون، تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ [البقرة:229] حدّها، فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:229]، وأنتم تعرفون جزاء الظالم.

تفسير قوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ...)

الآية الأخيرة: فَإِنْ طَلَّقَهَا [البقرة:230] بعد الاثنتين؛ فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، إذا طلق الثالثة انتهى أمرها، لا يرجع إليها ولا يتزوجها إلا بعد أن يهان ويذل ويكسر أنفه، ذلك أن زوجته ينكحها فلان ويبيت يطؤها، فهل عنده قلب أن يراها مرة أخرى؟ لا إله إلا الله! هذا تشريع الحكيم العليم.إذاً: أنت تعديت وتجاوزت الحد فهذا تأديب لك، لا يحل أن تراجعها بعقد جديد حتى ينكحها زوج آخر ثم يموت عنها أو يطلقها، وإياك أن تعمل حيلة بألف ريال تقول: هيا تزوج فلانة، قلبي معها وأنا نادم وهي كذلك، فخذ عشرة آلاف ريال واخطبها وتزوجها يومين أو ثلاثة، فهذا ديوث، عرف هذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وقال: ( لعن الله المحلل والمحلل له )، وسماه التيس المستعار، وهو ذكر المعز، نطلبه ليلقح عنزنا، هذا هو المحلل، هذا التيس المستعار، فهذا أراد الله أن يذله ويكسر أنفه؛ لأنه تعدى حدود الله وظلم وطلق بدون علم وتزوج بدون علم، هنا لا يستطيع أن يراجعها إلا بعد أن ينكحها زوج آخر ويموت عنها أو يطلقها، آمنت بالله. ‏

معنى قوله تعالى: (فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله ...)

واسمع النص: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا [البقرة:230] ذلك الزوج فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا [البقرة:230] بشرط: إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [البقرة:230]، أما إذا ما كان عنده جزم في القلب أنه يحسن إليها مرة ثانية وتحسن إليه فما يجوز ذلك، إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [البقرة:230]، فهيا نعلم، هل ندخل المدارس؟ ما نفعت، فماذا نصنع حتى نعلم؟ ما هو الطريق؟الطريق هو أن نراجع التاريخ لننظر إلى الأيام التي كان يعيشها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذه المدينة لمدة عشر سنين، كيف كانوا يعيشون؟ كان صلى الله عليه وسلم يجمعهم ويجلس لهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، واقرءوا قول الله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، أقسم بالله الذي لا إله غيره! لا تتم ألفة بين المسلمين ولا محبة ولا تعاون ولا صدق ولا طهارة في أية قرية في أية مدينة في العالم بأسره، لن يتم الكمال إلا على ذلك المنهج المحمدي فقط، أن نتعلم نساءً ورجالاً بدون قلم وبدون قرطاس وورق، بدون فيديو ولا شريط، أهل القرية إذا دقت الساعة السادسة توضئوا وحملوا نساءهم وأطفالهم إلى بيت ربهم، صلوا المغرب وجلسوا كلهم جلوسنا هذا، النساء وراء الستارة والرجال أمامها، وليلة آية وأخرى حديثاً، ليلة آية من كتاب الله تحفظ وتفهم ونوطن النفس على أن نعمل بما دعت إليه وفرضته طول الحياة، هذا الطريق الوحيد وبدونه -والله- ما اجتمعت كلمة المسلمين في القرية ولا في البيت، فالخلاف والغل والغش والحسد والكبر، لا تسأل عن الخبث. وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، من يقول: ما البرهنة يا شيخ، ما الدليل؟الدليل: كيف كان أهل القرون الثلاثة الأولى؟ هل سادوا الدنيا أم لا؟ قادوا البشرية ثلاثة قرون أم لا؟ ماذا كانوا يعلمون؟ هل فلسفة الإغريق واليونان أو الكلام الباطل؟ لا، بل قال الله وقال رسوله، لما جهل المسلمون وخرجوا من هذه المدارس هبطوا إلى الأرض فاستعمروا واستذلوا وأهينوا من العالم، وإلى الآن هم فقراء محتاجون إلى الكفار.ودليل آخر: والله الذي لا إله غيره! لأعلمنا بالله أتقانا وأصلحنا، في أي بلد، أهل القرية أعلمهم بالله وبمحابه ومساخطه هو أتقى أهل القرية وأقلهم ظلماً أو خبثاً أو شراً، وأكثر الناس خبثاً وشراً هم الجهال. ونحن ما نعني بالعالم صاحب الدكتوراه والماجستير، ولا صاحب القلم، إنما المؤمن يجلس بين يدي أهل العلم يتعلم لعام وعامين ثلاثة بالسماع والتطبيق فيصبح من أعلم الناس، ما يحتاج إلى كتاب ولا قلم، هل كان أصحاب الرسول يكتبون ويقرءون؟أربعة أخماسهم لا يعرفون الكتابة ولا القراءة، إذ هذا العلم ما يحتاج إلا إلى أن يدخل في القلب ويطبقه في جوارحه، فعلم الصناعة والمادة والسياسة المادية اطلبه في المدارس، أما علم التربية الروحية وتهذيب الأخلاق وتزكية النفوس فهذا لن يتم إلا عن طريق قال الله.. قال رسوله صلى الله عليه وسلم. فلم لا نعمل؟ كأننا مسحورون تماماً، هيا نبدأ بالقرى والمدن، كل حي فيه جامع يتسع لأهل الحي، فأهل الحي يقولون: هيا نتعاهد من الليلة ألا نفارق مسجدنا بنسائنا وأطفالنا، نتعلم الكتاب والحكمة، قال الله وقال رسوله، فتنتهي المذهبية والفوارق والعصبيات والأحزاب، وكل هذا يمحى، فنحن مسلمون مؤمنون.اللهم اشهد فقد بلغنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 17-07-2020, 06:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (12)
الحلقة (19)




تفسير سورة البقرة (109)

من شرع الله عز وجل في الطلاق أن من طلق زوجه دون الثالثة فإن عليها أن تعتد، وله أن يراجعها خلال فترة عدتها، فإن علم الزوج من نفسه استقامة أمره معها راجعها وأمسكها، وإن ظن في نفسه ألا يستقيم حاله معها طلقها وسرحها سراحاً جميلاً، ولا يجوز له وهذه حاله أن يراجعها؛ لما في ذلك من الإضرار بها والاعتداء على حقها، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه، وعرض نفسه لسخط الله وعقابه.

تفسير قوله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده رسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء يا ربنا.وها نحن مع هذه الآية المباركة الكريمة من سورة البقرة، سورة الأحكام الشرعية: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنّ َ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231].هذا كلام من؟ كلام الله عز وجل، ما ادعاه أحد من الناس فقال: كلامي، لا والله، إذاً: آمنا بالله، وقولوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه آية من ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية تشهد أنه لا إله إلا الذي أنزلها، وأن الذي نزلت عليه يستحيل أن يكون غير عبد الله ورسوله، فمنزل هذه الآية أخبر عن نفسه أنه الله الذي لا إله إلا هو، وأنزلها على عبده فناداه بعنوان الرسالة: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67]، كل آية تشهد بواقعها أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.فماذا تحمل هذه الآية من الأحكام الإلهية التي حرمها العالم بأسره فشقي وخسر إلا من رحم الله عز وجل؟ ماذا يقول لنا عز وجل؟


ذكر ما عطفت عليه الجملة من أحكام الإيلاء

يقول تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [البقرة:231]، هذه الجملة معطوفة على سابقاتها، إذ تقدم بيان الإيلاء، وهو أن يحلف الرجل ألا يطأ امرأته شهراً أو شهرين أو ثلاثة أو أربعة أو عاماً ويأبى أن يحنث ويريد أن يستمر في يمينه، فأعطاه الله عز وجل مهلة أربعة أشهر ثم إما أن يفيء -أي: يرجع إلى فراشه ليطأ امرأته- أو تطلق عليه رغم أنفه، لا يرضى الله لأمته أن تهان وتحرم وتذل وهي تعبده وتذكره صباح مساء، فيقال له: إما أن تفيء وترجع وإما أن تطلق، والآية الحاملة لهذا الحكم هي قوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227].ولا ننس سؤال عمر ابنته حفصة رضي الله تعالى عنهما، ومن عمر هذا؟ هذا ابن الخطاب ، هذا صاحب الحبيب صلى الله عليه وسلم وخليفته، عمر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما سلك عمر فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجه )، ما يقوى الشيطان أن يماشي عمر ؛ يحترق، وقال فيه: ( لو كان في أمتي محدثون ) ، أي: من تحدثهم الملائكة، ( لكان منهم عمر ، ولكن لا نبي بعدي )، فـعمر كيف بلغ هذا الكمال وانتهى إلى هذا المستوى؟ عندنا قصة ثابتة: دعاه أحد ولاته على طعام بليل أو نهار وقدم الطعام فإذا به ألواناً -ولن تصل إلى ألوان طعامنا اليوم حتى طعام فقرائنا ومساكيننا- فنظر إليه عمر نظرة الأسد وفزع واضطرب وقام، فصاح الوالي: ما لك يا أمير المؤمنين؟ اجلس، اطعم، فقال: خشيت أن أكون مثل من قال الله تعالى فيهم: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُ مْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف:20]، هذا عمر صفت نفسه زكت روحه أصبحت أشبه بأرواح الملائكة، يحدث عنه ولده عبد الله ويقول: ما قال أبي في شيء: أظنه كذا إلا كان كما ظن.هذه الفراسة سببها أكل الطيبات، سببها الصيام في الهواجر، القيام في الليالي الطوال، التضحية في سبيل الله بالغالي والرخيص، هذا عمر .سأل ابنته حفصة ، ومن حفصة هذه يا جماعة؟ هذه أمنا، أم المؤمنين، هذه زوج الحبيب صلى الله عليه وسلم، توفي رسول الله وهي في عصمته، سألها عمر : أي بنيتي! كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: تصبر شهرين، وإذا دخل الثالث قل صبرها، وإذا دخل الرابع نفذ صبرها، فأصدر أمره إلى رجال جيوشه الإسلامية الغازية الفاتحة: على القادة أن يرسلوا كل مجاهد إلى أهله إذا استغرق أربعة أشهر، إذا أكمل أربعة أشهر في الجهاد أرجعه إلى أهله، من فعل هذا؟ هذا عمر ، فهذا شاهد هذه الآية الكريمة: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا [البقرة:226] رجعوا وكفروا عن أيمانهم فذاك، وإلا فالطلاق.

ذكر ما عطفت عليه الجملة من أحكام الطلاق والرجعة

ثانياً: عدة المطلقة كم هي؟ أي: ما هي المدة التي تنتظر المرأة زوجها عله يراجعها؟ طلق الفحل الليلة امرأته، فكيف طلقها يا شيخ؟ طلاقنا نحن أيها الصعاليك ما جاء في القرآن ولا حدث به الرسول صلى الله عليه وسلم، كقوله: أنت حرام علي وكذا، والله! ما هذا هو الطلاق.الطلاق الذي شرعه الله لرحمته بأوليائه: أن الرجل إذا رأى أن أخته المؤمنة في تعب في ألم ما استراحت أبداً، فشفقة عليها ورحمة بها ينتظر علها ترتاح، ينتظر الشهر والشهرين والعام والعامين، فإن وجد ألمها ما ينقضي عنها وهي تحته فإنه يشهد اثنين في البيت: أشهدكما أني طلقت أم فلان أو فلانة، وهي تسمع، ويعطيها الله فترة من الزمن عله يندم، علها هي تبكي وما تستطيع الفراق، ثلاثة قروء: ثلاثة حيض أو ثلاثة أطهار، الكل صالح، فإن راجعها في هذه الفترة فبها ونعمت، وإذا ما راجعها وانتهت هذه الأقراء فحينئذٍ يعطيها ما لها من حق، إذا كان لها مؤخر صداق أعطاها، ثم يذهب بها إلى أهلها: ابقي مع أهلك وأستودعك الله عز وجل يا أمة الله.أو هو عبد الله المؤمن ولي الله أتعبته هذه الأمة وضايقته، أساءت إليه، فصبر العام والعامين فما أطاق، حياته كلها عذاب، والله ما يرضى لوليه أن يعذب، فسمح له أن يطلقها، حيث عرف أنه لا يمكن أن يستريح أبداً مع هذه المؤمنة، إذاً: فيشهد اثنين ويقول: فلانة! قد طلقتك، فتتربص وتنتظر هذه الفترة من الزمن، إن كانت تحيض فثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار، الكل واسع، فإن انقضت أعطاها ما لها من حق وحملها إلى بيت أهلها واستودعها الله عز وجل، ولا يذكرها بسوء قط، هذا هو الطلاق الرباني، هذا هو طلاق المسلمين، هل يجري هذا الطلاق الآن؟أهكذا يطلق الفحول؟ ولا واحد في الألف، لماذا؟ ما عرفوا، ما تربوا في حجور الصالحين، ما درسوا كتاب الله ولا اجتمعوا عليه، فكيف يعرفون؟ أيوحى إليهم؟ ما هم بأنبياء ولا مرسلين، فكيف يعرفون؟ مستحيل أن نعلم إذا لم نطلب العلم، حولونا من قرون إلى المقاهي والملاهي والأباطيل والخرافات والضلالات، فكيف نتعلم؟هذا هو الطلاق، فإن طلقها وانتهت عدتها ثم تزوجها بعد أن رغب في العودة ثم طلقها مرة ثانية هنا لم يبق إلا أن يمسكها بمعروف أو يسرحها بإحسان، فإن طلق بعد ذلك فإنها لا تحل له أبداً حتى تنكح زوجاً غيره؛ لقوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، ما قال: الطلاق طلقتان، قال: مرتان، لو قلت: أنت طالق طالق طالق بالثلاث فكل هذا هراء وباطل ومنكر، ما أراد الله هذا. الطلاق: أن تريد أن ترفع الأذى عنك أيها المؤمن أو عن امرأتك المؤمنة الطاهرة، فحين تعزم عليه تأتي إلى بيتك بمن يشهد وتقول: أشهدكما أني طلقت فلانة، فإن أردت أن تراجعها وهي في العدة ما انتهت فإنك تشهد اثنين وتقول: أشهدكما أني راجعت امرأتي، هكذا الطلاق والمراجعة، فإذا طلقها مرتين ثم راجعها أو عقد عليها بعد العدة لم يبق إلا أن يستمر بإحسانه إليها، وإن طلقها بانت بينونة كبرى لا تحل له حتى يذل ويهون وينكسر أنفه ويطأ تلك المرأة فحل غيره، فإن طلقها أو مات عنها فلا جناح عليهما أن يتراجعا بشرط: إن ظنا أن يقيما حدود الله، لا بالعنت والسب والشتم والسخرية، الرجل يسب امرأته ويسخر منها كما يفعل الجهلة في الشوارع مع الناس، أهذا مؤمن هذا؟ وهي أيضاً تفعل هذا، والله! إنه يبلغنا أنها تسب وتشتم وتسخر من الزوج،و لا لوم، فهي جاهلة وهو أشد جهلاً، ماذا تريد من جاهلة أو جاهل؟


لطيفة في قوله تعالى: (فبلغن أجلهن)

الآن قال تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [البقرة:231] الطلاق الذي بيناه لكم، إذا طلقتم هذا الطلاق فَبَلَغْنَ [البقرة:231] أي: المطلقات أَجَلَهُنَّ [البقرة:231] ما أجلهن؟ انتهاء العدة. وهنا لطيفة: قوله: بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:231] ليس معناه أن الحيضات الثلاثة أو الأطهار تمت، معناه: قاربن نهاية العدة، أما إذا بلغت حقاً وانتهت العدة فما بقي إمكان لأن يراجعها، انتهى أمرها، إلا أن يعقد عليها إذا رضيت ورضي أولياؤها.

ما يجب على مراجع مطلقته المعتدة من الإمساك أو التسريح بالمعروف

فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:231] أي: أشرفن، بقي يوم أو يومان أو ثلاثة، حينئذ إن أردت إمساكها وإبقاءها فأمسكها بمعروف لا بمنكر، بعض الجهلة يمسكها ليشقيها ويهينها ويعذبها ثم يطلقها، فإذا كادت العدة تنتهي راجعها لينكل بها، كان هذا في الجاهلية، ولما عادت الجاهلية عاد هو أيضاً، هذا كان في الجاهلية، يطلق الرجل امرأته ويتركها في العدة، وقبل أن تنتهي العدة يراجعها، ويبقى يسب ويشتم ويركل ويهين، ثم يطلقها وينتظر، فيستريح منها ثلاثة أشهر، فإذا قاربت راجعها، فأبطل الله العادة الجاهلية، فقال جل جلاله: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:231] أي: قاربن نهاية العدة؛ لأن المعتدة التي لا تحيض لصغر سنها أو كبر سنها عدتها ثلاثة أشهر تسعون يوماً، فإذا أشرفن على نهاية العدة فما هو الواجب؟ أمسكها يا فحل بمعروف أو فارقها وسرحها بمعروف، أمسكها وأرجعها إلى عصمتك بالإحسان والمعاشرة الطيبة والود والتحاب والتعاون، أو سرحها أيضاً بمعروف، أعطها كامل حقوقها وأثن عليها خيراً، ولا تشوه سمعتها، ولا تسب أهلها؛ لأنك مسلم ولي الله، ما أنت بيهودي ولا نصراني ولا مجوسي، أنت رباني من أولياء الله.

معنى قوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا)

قال تعالى: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231] يا عباد الله، لا تمسكها بالمراجعة من أجل الإضرار بها، إما بإهانتها، وإما بتنغيص راحتها، وإما بحال من الأحوال، أو حتى بمنعها من الفراش، إياك أن تمسكها لتضر بها، أمسكها قبل أن تنتهي العدة إن كنت تعلم أنك تحسن إليها وتعاشرها بالمعروف، أما أن تمكر بها فترجعها ثم تهينها وتذلها،كلما أوشكت العدة أن تنتهي راجعتها من أجل أن تذلها وتضرها فهذا لن يكون بين المسلمين، كان في الجاهلية. وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231] على حدود الله وشرائعه، لا تفهم أن هذه المؤمنة صعلوكة أبوها ميت وأهلها فقراء، أو أنها غريبة في بلاد بعيدة.اسمع: يقول الله تعالى: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) تعلن الحرب على الله، ويعلن الله الحرب عليك، فهل ستنجح؟ أيربح من يدخل في حرب مع الله؟ والله! لا يفلح، فلم يذبح بعضكم بعضاً؟ لم يسرق بعضكم بعضاً؟ لم يزني بعضنا بنساء بعض؟ لم نغش بعضنا؟ لم نؤذي المؤمنين والمؤمنات؟ أواقع هذا أو هراء؟ هذا هو الواقع، فما سببه؟ هل كفرنا؟ لا، ما السبب؟ الجهل، ما علمونا، ما تربينا في حجور الصالحين، بل في الشوارع والمقاهي والملاعب، أو في مدارس كـ(لامدارس)، حتى قال بعضهم: هي مدانس، فالطلبة يلعبون أمام المدرسة ويدخنون.

التربية المسجدية طريق تهذيب أخلاق الأسر المسلمة

فإلى أين المفر؟ كيف نطبق هذا الشرع؟ ما تأهلنا له، فهيا نراجع الحياة من جديد.وقد يقال: يا شيخ! ما نستطيع، فات الزمانما نقدر؟ فأقول: وهل أنتم مطالبون ببذل أموالكم؟ بالخروج من دياركم؟ بقتل أنفسكم وأولادكم؟ لا، ما هو إلا أن تعلن عن أنك مسلم، وحينئذ أهل القرية المسلمة كأهل الحي في المدينة يلتزمون بأن لا يفارق أحدهم بيت الله هو وامرأته وأطفاله، من المغرب إلى العشاء، يجلسون كجلوسنا هذا، النساء وراءنا والفحول أمامنا، نتلقى الكتاب والحكمة، يوماً آية وآخر حديثاً، يوماً آية ويوماً حكمة، العام بعد العام، أسألكم بالله: كيف تصبح تلك المدينة في أحيائها؟ كيف تصبح تلك القرى؟ قد تقول: يا شيخ! أنت واهم. فأنا أقول: بعينيك انظر في قريتك في بلادك في مجلس في الطائرة لترى أن أعلمنا بالله أتقانا له، هل من يرد عليّ؟ في هذه الحلقة أعلمنا بالله أتقانا له، حتى لا نظن أن هذا هراء كما يقوله الغافلون الهابطون، والله! لن يستقيم أمر أمة الإسلام حتى في البيت في الأسرة إلا على نور الله، إما أن نقبل في صدق على الله نتعلم الكتاب والحكمة، ونقوي إيماننا، ونزيد في طاقة أنوارنا؛ فنسعد ونكمل، وإلا فالهبوط حتى التمزق والتلاشي والخلود في جهنم.فإذا دقت الساعة السادسة وقف دولاب العمل، أغلق الدكان، أوقف السيارة، إلى أين؟ إلى بيت الرب، أي بيت للرب هذا؟ المسجد، إنه بيت الله، ويأتي أهل القرية أو أهل الحي كلهم إلى المسجد، يصلون المغرب كما صلينا، ويجلسون كما نحن جالسون، فليلة آية وأخرى حديثاً، هذا الكتاب وهذه الحكمة، يوماً بعد يوم طول العام، والله! في السنة الأولى ستتغير حالة أهل القرية أو الحي تغيراً عجباً، فيصبحون أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.ولا تسألني، فما بقي غش ولا خداع ولا كبر ولا حسد ولا تلصص ولا فجور ولا زناً، طهر كامل، وفوق ذلك المودة والإخاء والحب والتعاون، ما يبقى بينهم عار ولا جائع ولا مظلوم ولا مريض، جسم واحد: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) من قرر هذا؟ من قعد هذه القاعدة؟ من لا يكذب ولا يمكن أن يخطئ كلامه أبداً، فلم ما نفعل هذا؟ بلغوهم، وخاصة الذين يسخرون من هذا الكلام يستهزئون، قلنا لهم: في اليهود، النصارى، أمريكا، روسيا، أوروبا، الشرق والغرب إذا دقت الساعة السادسة وقف العمل.نزلنا بالطائرة في جبل طارق الساعة الخامسة والنصف، وإذ بي أسمع رفاقي: عجل.. عجل. لماذا؟ لنشتري العشاء، فإنه إذا دقت السادسة ما يبقى دكان مفتوح ولا مطعم، لم؟ قالوا: يستريحون، فالكفار يستريحون والمسلمون ما يستريحون؟! يتمزق القلب، عجيب والله، إن لم نعد إلى هذا المنهج المحمدي فلن نتعلم، ما أجدتنا ولا نفعتنا مدارسنا؛ لأن التربية شيء والتعليم شيء.أنا أقول: إذا بعثت الطالب أمه ليدرس من أجل الوظيفة فلن ينتفع بعلمه، يقول الرجل لابنه: تعلم لتكون كذا وكذا، والله! ما سمعتهم يقولون: تعلم لتعرف الله وتحبه ويحبك، تعلم كيف تعبد الله عز وجل، وزادت المحنة فأتوا إلى البنات الآن، يقولون: تعلمي لتكوني كذا وكذا، وقد عرفنا المستقبل يا بابا! أعوذ بالله من هذا الهبوط، هذا فحل قال لابنته: درست الابتدائية فيكفيك، عودي إلى أمك أعينيها واعملي معها، فقالت: مستقبلي يا بابا! لا تمنعني، غداً أصبح مدرسة راتبي عشرة آلاف ريال، فقلت لها: اسمعي: هذه أمك تسمع وراء الستارة، من أمك هذه إلى جانب فاطمة الزهراء؟ وأكثر من ألف جدة والله! ما توظفت واحدة منهن، وعشن ومتن سعيدات، وأنت تقولين: الوظيفة للمستقبل يا بابا! لا لوم ولا عتاب؛ ما عرفنا رب الأرباب، ما أوجدنا في قلوبنا حبه، ولا الخوف منه، فكيف نستقيم؟ مستحيل.فالطريق: أن يصدر رئيس الحكومة أو وزير الداخلية قراراً: ألا يبقى بعد الآن رجل ولا امرأة خارج المسجد مع أذان المغرب، يأتون كارهين، ولكن لا يزال النور الإلهي يسري في قلوبهم يوماً بعد يوم بعد يوم، بعد أربعين يوماً لو قال لهم: لا تعودوا لقالوا: والله! لنعودن، ولا نستطيع أن ننقطع عن هذا النور.

تابع معنى قوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه)

قال تعالى: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا [البقرة:231] (ضراراً) حال من الإمساك أو مفعول لأجله، أي: للإضرار بهن، لِتَعْتَدُوا [البقرة:231]. قال تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة:231]، عرضها للبلاء الإلهي والنقمة الربانية، هذا الذي يراجع المرأة ليضر بها ويهلكها، فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة:231].


معنى قوله تعالى: (ولا تتخذوا آيات الله هزواً واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به)

وأخيراً قال لنا: وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا [البقرة:231] تسخرون منها وتضحكون، ولا تعلمون منها شيئاً ولا تعملون، ولا تطبقون، تقرءونها على الموتى، أي سخرية أكثر من هذه؟ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [البقرة:231] أنتم مؤمنون مسلمون، الرسول كأنه بين أيديكم، والله عز وجل أنزل كتابه عليكم؛ فسموتم وارتفعتم، وعبدتم الله وحده، وغيركم في الضلال والعمى والفسق والفجور والباطل، لا تنسوا هذه النعمة: أن شرع الله عندكم، والأمم الأخرى الكافرة لا تملك من هذا شيئاً، أية نعمة أعظم من هذه النعمة؟وأزيد الأمر توضيحاً فأقول: بالله الذي لا إله غيره! لو وضع مؤمن في كفة ميزان ووضع كل الكافرين من أمريكا إلى اليابان في كفة لما بالى الله بهم من أجل عبده هذا، كل الكفار بالمليارات لا يعدلون مؤمناً واحداً في قضاء الله وحكمه، ما سر هذا الكمال، كيف حصل على هذا؟ بإيمانه بالله وتقواه له. واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [البقرة:231] كنتم عبدة أوثان وأصنام، وكنتم في حالة جاهلية عمياء من شن الغارات وسفك الدماء، فرفعكم الله إلى هذا المستوى، فأنزل شرعه ووحيه وبعث رسوله، فلا تنسوا هذه النعمة، فكيف تسخرون من آيات الله ولا تطبقون أحكامه ولا شرعه؟ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ [البقرة:231]، لو كان لا كتاب ولا شرع عندنا ولا حكمة فنحن همج، فماذا نصنع؟ هذه حياتنا، أما وقد هدانا إلى الإيمان وأنزل علينا كتابه وبعث رسوله فكيف لا نهتدي؟ فكل كلمات الرسول حكمة لا يمكن أن يتخلف نتاجها ولا أثرها على طول الحياة.ولكن القرآن يقرأ على الموتى، والسنة النبوية تقرأ للبركة فقط، كثير من بلاد العالم حتى في المدينة يجتمعون على البخاري في رمضان، لم تقرءون البخاري ؟ قالوا: للبركة، هل الرسول يشرع ويقنن للبركة؟! القرآن يقرأ ليلة الموت في المقبرة وفي المنزل، أمن أجل هذا أنزله الله ليقرأ على الموتى؟ الأحياء يغلقون آذانهم فما يسمعونه، إذا قلت: قال الله غضبوا، والميت الهالك تقرأ عليه القرآن، سخرية هذه أم ماذا؟! فهذه أسباب هبوطنا من علياء السماء إلى هذه الدركات السفلى.واسمع كيف يمتن الله علينا: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [البقرة:231] نعمة الإيمان والإسلام، وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ [البقرة:231] يأمر وينهى ويربي ويحلم ويعظم من شأننا.

معنى قوله تعالى: (واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم)

وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:231] هذا التوقيع الأخير، اتقوا الله قبل أن تنزل نقمه، وقد نزلت؛ أصبح المسلمون أذل الخلق وأفقرهم وأعجزهم وأكثرهم فسوقاً وباطلاً وشراً، نزل حكم الله، ما اتقينا الله، ما خفناه، ما عرفناه حتى نخافه ونرهبه، أو نحبه ونتملقه ونتقرب إليه؛ أبعدونا عن كتابه وهدي نبيه فجهلنا، وبقيت بركة فقط لتقوم بها الحجة لله يوم القيامة، لا بد أن يبقى شيء من الدين لتقوم الحجة به لله يوم القيامة.على سبيل المثال: هبط العالم الإسلامي من إندونيسيا إلى موريتانيا، فالشرك والضلال والخرافات، فسلط الله عليهم الاستعمار الغربي، فأذلوهم وأهانوهم، فقد يقولون يوم القيامة: يا رب! ما عرفنا دينك، ما ظننا أن القرآن يسعد أو يحقق طهراً أو أمناً! فأبى الله إلا أن يوجد دولة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في صحراء قاحلة، لا زيتون ولا رمان ولا عنب، صحراء واسعة، والناس يسيرون على الجمال، لا سيارة يومها ولا طيارة، وحكم كتاب الله في هذه الأمة الموزعة هنا وهناك في ظرف محدود، وإذا بها دولة واحدة لم تكتحل عين الوجود -والله- بمثلها في الأمن والطهر إلا أيام القرون الذهبية فقط، تحققت هذه الطهارة، والله! لبيوتنا كانت مفتوحة بالليل، يمشي الرجل من نجد إلى جدة لا يخاف إلا الله، ما سبب ذلك؟ العودة إلى كتاب الله وحكمة رسوله، لا سحر ولا صواريخ.فالهيئة في القرية تأمر وتنهى، والذي يتخلف عن صلاة الصبح قد يتعرض للعقاب، ها هو الدكتور عبد الله العقيد يقول: والله! لقد أحرقوا لي عمامتي حين تخلفت عن صلاة الصبح فقط، الهيئة أحرقت العمامة، وما يحصل على العمامة في ذلك الوقت إلا بمبلغ من المال، ومن أين يجيء المال؟ ما هو إلا الشعير والمعز، فساد أمن وطهر والله ما وجد إلا في هذه البلاد بتحكيم شرع الله، لم فعل الله هذا؟ لتكون له الحجة يوم القيامة، وإلا قال الناس: يا رب! ما نفعنا كتابك. فهل تحقق الأمن والطهر أو لا؟ اشهد -يا رب- أنه تحقق، بسبب ماذا؟ لا خرافة ولا قبر يعبد ولا وثنية، بل لا إله إلا الله، بالتوحيد فقط، ثم بإقامة حدود الله، الزاني يرجم أو يجلد، والسارق تقطع يده، والقاتل يقتل، لا أقل ولا أكثر، وتجبى الزكاة وتقام الصلاة إجبارياً، فلم العالم الإسلامي ما يفعل هذا؟قد نقول في أيام الاستعمار: ما نستطيع يا رب فنحن مملوكون، محكومون، وبعد أن استقللتم بإذننا وتحررت دياركم وحكمتم بأنفسكم لم ما أقمتم الصلاة إجبارياً في الجيش وفي الأمة؟ لم ما أوجدتم جماعات يأمرون في البلاد بالمعروف وينهون عن المنكر؟ لم ما جبيتم الزكاة وعوضتموها بالضرائب الفادحة؟ ولهذا قولوا: آمنا بالله. إن مستقبلاً مظلماً ينتظر هذه الأمة، إلا أن يفرج الله عنها، فقد أعرضت عن كتاب الله، واسمع ماذا يقول: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231]، لا يخفى عليه باطلنا ولا فسادنا ولا ظلمنا ولا شرنا ولا إعراضنا عن ذكره وكتابه، والله! إننا لتحت النظارة، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد ِ [الفجر:14].

خلاصة ما أرشدت إليه الآية الكريمة

هذه الآية الكريمة من كلام الله ماذا تعلمنا منها؟ تعلمنا أنه إذا طلقت زوجتك يا عبد الله وأردت أن تراجعها فقبل أن تنتهي العدة راجعها، لكن إياك أن تراجعها لتنكل بها وتعذبها، هذه أمة الله، قال تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنّ َ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا [البقرة:231] وهي حاملة لهذا النور وهذه الأحكام والهداية. وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [البقرة:231] واشكروه، قولوا: الحمد لله أننا مؤمنون، وإضافة إلى ذلك وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ [البقرة:231] هذا مفقود عند العالم بأسره إلا عندكم معشر المسلمين، كتاب الله وسنة رسوله، وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:231] فإن لويتم رءوسكم فاعلموا أن الله بكل شيء عليم، وينزل نقمته، عياذاً بالله .. عياذاً بالله، رحماك يا ألله.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 0 والزوار 9)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 402.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 396.40 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (1.51%)]