فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام - الصفحة 10 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 369 - عددالزوار : 67563 )           »          منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 259 - عددالزوار : 86814 )           »          الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالعلوم الشرعية: رؤية أكاديمية متقدمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          قريش تكتفي بما تحقق لها في أحد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          موسى عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 52 )           »          صحابة منسيون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 62 )           »          اليسع وذو الكفل عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          مفهوم الاستشراق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          هل يجوز لنا أن ننظم بديلا هو كالاستثناء الخارج عن الأصل ونحث عليه ونطوره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #91  
قديم 24-03-2022, 08:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,672
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (91)

من صــ 401 الى صـ
ـ 408

فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ مُسْتَقِرًّا فِي فِطْرِ بَنِي آدَمَ أَنَّ الْقَاتِلَ الظَّالِمَ لِنَظِيرِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقْتَلُ وَلَيْسَ فِي الْآدَمِيِّينَ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَا يُقْتَلُ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} - أَيْ فِي التَّوْرَاةِ - {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} الْآيَةَ.
إذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الشَّرْعِ يَعْرِفُهُ الْعُقَلَاءُ كُلُّهُمْ؟. قِيلَ لَهُمْ: فَائِدَتُهُ بَيَانُ تَسَاوِي دِمَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَأَنَّ دِمَاءَهُمْ مُتَكَافِئَةٌ لَيْسَ لِشَرِيفِهِمْ مَزِيَّةٌ عَلَى ضَعِيفِهِمْ وَهَذِهِ الْفَائِدَةُ الْجَلِيلَةُ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا شَرَائِعُ الْأَنْبِيَاءِ فَأَمَّا الطَّوَائِفُ الْخَارِجُونَ عَنْ شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا؛ بَلْ قَدْ لَا يَقْتُلُونَ الشَّرِيفَ وَإِذَا كَانَ الْمَلِكُ عَادِلًا فَقَدْ يَفْعَلُ بَعْضَ ذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ تَكَافُؤِ دِمَائِهِمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ فَحَكَمَ أَيْضًا فِي الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ بِتَكَافُؤِ دِمَائِهِمْ فَالْمُسْلِمُ الْحُرُّ يُقْتَلُ بِالْمُسْلِمِ الْحُرِّ مِنْ جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
وَبِهَذَا ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ مَنْ احْتَجَّ بِآيَةِ التَّوْرَاةِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقْتَلَ بِالذِّمِّيِّ لِقَوْلِهِ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} و " شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا " فَإِنَّهُ يُقَالُ: الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنَّ النَّفْسَ مِنْهُمْ بِالنَّفْسِ مِنْهُمْ وَهُمْ كُلُّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ كَافِرٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي شَرِيعَتِهِمْ إبْقَاءُ كَافِرٍ بَيْنَهُمْ لَا بِجِزْيَةِ وَلَا غَيْرِهَا وَهَذَا مِثْلُ شَرْعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَلَيْسَ فِي الشَّرِيعَتَيْنِ أَنَّ دَمَ الْكَافِرِ يُكَافِئُ دَمَ الْمُسْلِمِ؛ بَلْ جَعْلُ الْإِيمَانِ هُوَ الْوَاجِبُ لِلْمُكَافَآتِ دَلِيلٌ عَلَى انْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي الْكَافِرِ - سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا - لِانْتِفَاءِ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ لِلْمُكَافَأَةِ فِيهِ؛ نَعَمْ يُحْتَجُّ بِعُمُومِهِ عَلَى الْعَبْدِ.
وَلَيْسَ فِي الْعَبْدِ نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ صَحِيحَةٌ كَمَا فِي الذِّمِّيِّ؛ بَلْ مَا رُوِيَ {مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ بِهِ} وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ ظَالِمًا كَانَ الْإِمَامُ وَلِيَّ دمه؛ لأن القاتل كما لا يرث المقتول إذا كان حرا فكذلك لا يكون ولي دمه إذا كان عبدا؛ بل هذا أولى كيف يكون ولي دمه وهو القاتل؟ بل لا يكون ولي دمه؛ بل ورثة القاتل السيد؛ لأنهم ورثته وهو بالحياة ولم يثبت له ولاية حتى تنتقل إليهم فيكون وليه الإمام. وحينئذ فللإمام قتله فكل من قتل عبده كان للإمام أن يقتله. و " أيضا " فقد ثبت بالسنة والآثار أنه إذا مثل بعبده عتق عليه وهذا مذهب مالك وأحمد وغيرهما وقتله أشد أنواع المثل فلا يموت إلا حرا؛ لكن حريته لم تثبت في حال الحياة حتى يرثه عصبته؛ بل حريته ثبتت حكما وهو إذا كان عتق كان ولاؤه للمسلمين فيكون الإمام هو وليه فله قتل قاتل عبده.
وقد يحتج بهذا من يقول: إن قاتل عبد غيره لسيده قتله وإذا دل الحديث على هذا كان هذا القول هو الراجح والقول الآخر ليس معه نص صريح ولا قياس صحيح وقد قال الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم: من قتل ولا ولي له كان الإمام ولي دمه فله أن يقتل وله أن يعفو على الدية؛ لا مجانا. يؤيد هذا أن من قال: لا يقتل حر بعبد يقول: إنه لا يقتل الذمي الحر بالعبد المسلم. قال الله تعالى في كتابه: {ولعبد مؤمن خير من مشرك} فالعبد المؤمن خير من الذمي المشرك فكيف لا يقتل به والعبد المؤمن مثل الحرائر المؤمنات كما دلت عليه هذه الآية وهو قول جماهير السلف والخلف وهذا قوي على قول أحمد؛ فإنه يجوز شهادة العبد كالحر؛ بخلاف الذمي فلماذا لا يقتل الحر بالعبد وكلهم مؤمنون وقد {قال النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون تتكافأ دماؤهم}.
(ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب لعلكم تتقون (179)
فصل:
والقصاص في الجراح أيضا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع بشرط المساواة؛ فإذا قطع يده اليمنى من مفصل فله أن يقطع يده كذلك. وإذا قلع سنه فله أن يقلع سنه. وإذا شجه في رأسه أو وجهه فأوضح العظم فله أن يشجه كذلك. وإذا لم تمكن المساواة: مثل أن يكسر له عظما باطنا أو يشجه دون الموضحة فلا يشرع القصاص؛ بل تجب الدية المحدودة أو الأرش.

وأما القصاص في الضرب بيده أو بعصاه أو سوطه مثل أن يلطمه أو يلكمه أو يضربه بعصا ونحو ذلك: فقد قالت طائفة من العلماء: إنه لا قصاص فيه؛ بل فيه التعزير لأنه لا تمكن المساواة فيه. والمأثور عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة والتابعين: أن القصاص مشروع في ذلك وهو نص أحمد وغيره من الفقهاء وبذلك جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصواب. قال أبو فراس: خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر حديثا قال فيه: ألا إني والله ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم؛ ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنة نبيكم.
فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إلي فوالذي نفسي بيده إذا لأقصنه منه فوثب عمرو بن العاص فقال يا أمير المؤمنين: إن كان رجل من المسلمين أمر على رعية فأدب رعيته أإنك لتقصه منه؟ قال: إي والذي نفس محمد بيده إذا لأقصنه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه. ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم. رواه الإمام أحمد وغيره. ومعنى هذا إذا ضرب الوالي رعيته ضربا غير جائز. فأما الضرب المشروع فلا قصاص فيه بالإجماع إذ هو واجب أو مستحب أو جائز.
(ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (183)
(فصل في الحكمة من تحريم بعض المفطرات)

(فصل)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:

جماع معنى الصيام في أصل اللغة: الكف والإمساك والامتناع, وذلك هو السكون, وضده الحركة, ولهذا قرن الله تعالى بين الصوم والصلاة؛ لأن الصلاة حركة إلى الحق, والصوم سكون عن الشهوات, فيعم الإمساك عن القول والعمل من الناس والدواب وغيرها.
قال أبو عبيدة: كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم.
وقال الخليل: الصيام قيام بلا عمل, والصيام الإمساك عن الطعام, وقد قال تعالى: {إني نذرت للرحمن صوما} [مريم: 26]؛ أي: صمتا, ويقال: صام الفرس: إذا قام على غير اعتلاف, ويقال: هو الذي أمسك عن الصهيل, قال النابغة الذبياني:
خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وخيل تعلك اللجما
ومصام الفرس ومصامته موقوفه, وصامت الريح إذا ركدت فلم تتحرك, وصامت البكرة إذا لم تدر, وصام النهار صوما إذا قام قائم الظهيرة واعتدل كأن الشمس سكنت عن الحركة في رأي العين.
ثم خص في لسان الشرع والعرف الغالب ببعض أنواعه, وهو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وغيرها مما ورد به الشرع في النهار على الوجه المشروع, ويتبع ذلك الإمساك عن الرفث والجهل وغيرهما من الكلام المحرم والمكروه؛ فإن الإمساك عن هذه الأشياء في زمن الصوم أوكد منه في غير زمن الصوم, وإذا كان هذا الوقت قد حظر فيه المباح في غيره؛ فالمحظور في غيره أولى؛ كالحرم والإحرام والشهر الحرام, وقد يتبعه الاعتكاف؛ لأنه حبس النفس في مكان مخصوص؛ فهو من جنس الصوم, يقال منه: صام يصوم صوما وصياما.
وسمي الصيام الصبر.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر تعدل صوم الدهر».
وقد قيل: إنه عني بقوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} [البقرة: 45]؛ لأن الصائم يصبر نفسه عن شهواتها.
وسمي أيضا السياحة.
(فصل: تحريم الجماع والفطر به لحكمة، والفطر بالحيض لحكمة)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

وتحريم الجماع والفطر به لحكمة والفطر بالحيض لحكمة فإن الحيض لا يقال فيه إنه يحرم وهذا لأن المفطرات بالنص والإجماع لما انقسمت إلى أمور اختيارية تحرم على العبد كالأكل والجماع وإلى أمور لا اختيار له فيها كدم الحيض كذلك تنقسم عللها. فنقول: أما الجماع فإنه باعتبار أنه سبب إنزال المني يجري مجرى الاستقاءة والحيض والاحتجام - كما سنبينه إن شاء الله تعالى - فإنه من نوع الاستفراغ لا الامتلاء كالأكل والشرب ومن جهة أنه إحدى الشهوتين فجرى مجرى الأكل والشرب قد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح {عن الله تعالى: قال: الصوم لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي} فترك الإنسان ما يشتهيه لله هو عبادة مقصودة يثاب عليها كما يثاب المحرم على ترك ما اعتاده من اللباس والطيب ونحو ذلك من نعيم البدن والجماع من أعظم نعيم البدن وسرور النفس وانبساطها هو يحرك الشهوة والدم والبدن أكثر من الأكل فإذا كان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
والغذاء يبسط الدم الذي هو مجاريه فإذا أكل أو شرب انبسطت نفسه إلى الشهوات وضعفت إرادتها ومحبتها للعبادات فهذا المعنى في الجماع أبلغ فإنه يبسط إرادة النفس للشهوات ويضعف إرادتها عن العبادات أعظم؛ بل الجماع هو غاية الشهوات وشهوته أعظم من شهوة الطعام والشراب ولهذا أوجب على المجامع كفارة الظهار فوجب عليه العتق أو ما يقوم مقامه بالسنة والإجماع لأن هذا أغلظ وداعيه أقوى والمفسدة به أشد. فهذا أعظم الحكمتين في تحريم الجماع.
وأما كونه يضعف البدن كالاستفراغ فذاك حكمة أخرى فصار فيهما كالأكل والحيض وهو في ذلك أبلغ منهما فكان إفساده الصوم أعظم من إفساد الأكل والحيض. فنذكر حكمة الحيض وجريان ذلك على وفق القياس فنقول: إن الشرع جاء بالعدل في كل شيء.
والإسراف في العبادات من الجور الذي نهى عنه الشارع وأمر بالاقتصاد في العبادات؛ ولهذا أمر بتعجيل الفطر وتأخير السحور ونهى عن الوصال وقال: " {أفضل الصيام وأعدل الصيام صيام داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى} فالعدل في العبادات من أكبر مقاصد الشارع؛ ولهذا قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} الآية.

فجعل تحريم الحلال من الاعتداء المخالف للعدل وقال تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا} {وأخذهم الربا وقد نهوا عنه} فلما كانوا ظالمين عوقبوا بأن حرمت عليهم الطيبات؛ بخلاف الأمة الوسط العدل فإنه أحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث. وإذا كان كذلك فالصائم قد نهي عن أخذ ما يقويه ويغذيه من الطعام والشراب فينهى عن إخراج ما يضعفه ويخرج مادته التي بها يتغذى وإلا فإذا مكن من هذا ضره وكان متعديا في عبادته لا عادلا.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #92  
قديم 24-03-2022, 08:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,672
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (92)

من صــ 409 الى صـ
ـ 416


والخارجات نوعان: نوع يخرج لا يقدر على الاحتراز منه أو على وجه لا يضره فهذا لا يمنع منه كالأخبثين فإن خروجهما لا يضره ولا يمكنه الاحتراز منه أيضا. ولو استدعى خروجهما فإن خروجهما لا يضره بل ينفعه.

وكذلك إذا ذرعه القيء لا يمكنه الاحتراز منه وكذلك الاحتلام في المنام لا يمكنه الاحتراز منه وأما إذا استقاء فالقيء يخرج ما يتغذى به من الطعام والشراب المستحيل في المعدة وكذلك الاستمناء مع ما فيه من الشهوة فهو يخرج المني الذي هو مستحيل في المعدة عن الدم فهو يخرج الدم الذي يتغذى به ولهذا كان خروج المني إذا أفرط فيه يضر الإنسان ويخرج أحمر.
والدم الذي يخرج بالحيض فيه خروج الدم والحائض يمكنها أن تصوم في غير أوقات الدم في حال لا يخرج فيها دمها فكان صومها في تلك الحال صوما معتدلا لا يخرج فيه الدم الذي يقوي البدن الذي هو مادته وصومها في الحيض يوجب أن يخرج فيه دمها الذي هو مادتها ويوجب نقصان بدنها وضعفها وخروج صومها عن الاعتدال فأمرت أن تصوم في غير أوقات الحيض. بخلاف المستحاضة؛ فإن الاستحاضة تعم أوقات الزمان وليس لها وقت تؤمر فيه بالصوم وكان ذلك لا يمكن الاحتراز منه: كذرع القيء وخروج الدم بالجراح والدمامل والاحتلام ونحو ذلك مما ليس له وقت محدد يمكن الاحتراز منه. فلم يجعل هذا منافيا للصوم كدم الحيض.
وسئل:
عن رجل باشر زوجته وهو يسمع المتسحر يتكلم فلا يدري: أهو يتسحر؟ أم يؤذن؟ ثم غلب على ظنه أنه يتسحر فوطئها وبعد يسير أضاء الصبح فما الذي يجب عليه؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب:
هذه المسألة للعلماء فيها ثلاثة أقوال: أحدها: عليه القضاء والكفارة. هذا إحدى الروايتين عن أحمد. وقال مالك: عليه القضاء لا غير وهذه الرواية الأخرى عنه وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما.
والثالث: لا قضاء ولا كفارة عليه. وهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو أظهر الأقوال؛ ولأن الله تعالى عفا عن الخطأ والنسيان وأباح سبحانه وتعالى الأكل والشرب. والجماع حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. والشاك في طلوع الفجر يجوز له الأكل والشرب والجماع بالاتفاق ولا قضاء عليه إذا استمر الشك.
وقال شيخ الإسلام - في موضع آخر -:
هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم:

أحدها: أن عليه القضاء والكفارة وهو المشهور من مذهب أحمد.
والثاني: أن عليه القضاء وهو قول ثان في مذهب أحمد وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ومالك.
والثالث: لا قضاء عليه ولا كفارة. وهذا قول طوائف من السلف: كسعيد بن جبير ومجاهد والحسن وإسحاق وداود وأصحابه والخلف. وهؤلاء يقولون: من أكل معتقدا طلوع الفجر ثم تبين له أنه لم يطلع. فلا قضاء عليه.
وهذا القول أصح الأقوال وأشبهها بأصول الشريعة ودلالة الكتاب والسنة وهو قياس أصول أحمد وغيره فإن الله رفع المؤاخذة عن الناسي والمخطئ. وهذا مخطئ وقد أباح الله الأكل والوطء حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر واستحب تأخير السحور ومن فعل ما ندب إليه وأبيح له لم يفرط فهذا أولى بالعذر من الناسي والله أعلم.
وسئل - رحمه الله -:
عن رجل أراد أن يواقع زوجته في شهر رمضان بالنهار فأفطر بالأكل قبل أن يجامع ثم جامع فهل عليه كفارة أم لا؟ وما على الذي يفطر من غير عذر؟
فأجاب:
الحمد لله، هذه المسألة فيها قولان للعلماء مشهوران: أحدهما: تجب وهو قول جمهورهم: كمالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم.
والثاني: لا تجب وهو مذهب الشافعي وهذان القولان مبناهما: على أن الكفارة سببها الفطر من الصوم أو من الصوم الصحيح بجماع أو بجماع وغيره على اختلاف المذاهب. فإن أبا حنيفة يعتبر الفطر بأعلى جنسه ومالك يعتبر الفطر مطلقا فالنزاع بينهما إذا أفطر بابتلاع حصاة أو نواة ونحو ذلك. وعن أحمد رواية أنه إذا أفطر بالحجامة كفر كغيرها من المفطرات. بجنس الوطء فأما الأكل والشرب ونحوهما فلا كفارة في ذلك. ثم تنازعوا هل يشترط الفطر من الصوم الصحيح؟
فالشافعي وغيره يشترط ذلك فلو أكل ثم جامع أو أصبح غير ناو للصوم ثم جامع أو جامع وكفر ثم جامع: لم يكن عليه كفارة؛ لأنه لم يطأ في صوم صحيح. وأحمد في ظاهر مذهبه وغيره يقول: بل عليه كفارة في هذه الصور ونحوها؛ لأنه وجب عليه الإمساك في شهر رمضان فهو صوم فاسد فأشبه الإحرام الفاسد. وكما أن المحرم بالحج إذا أفسد إحرامه لزمه المضي فيه بالإمساك عن محظوراته فإذا أتى شيئا منها كان عليه ما عليه من الإحرام الصحيح وكذلك من وجب عليه صوم شهر رمضان إذا وجب عليه الإمساك فيه وصومه فاسد لأكل أو جماع أو عدم نية فقد لزمه الإمساك عن محظورات الصيام. فإذا تناول شيئا منها كان عليه ما عليه في الصوم الصحيح.
وفي كلام الموضعين عليه القضاء. وذلك لأن هتك حرمة الشهر حاصلة في الموضعين؛ بل هي في هذا الموضع أشد؛ لأنه عاص بفطره أولا فصار عاصيا مرتين فكانت الكفارة عليه أوكد ولأنه لو لم تجب الكفارة على مثل هذا لصار ذريعة إلى ألا يكفر أحد فإنه لا يشاء أحد أن يجامع في رمضان إلا أمكنه أن يأكل ثم يجامع بل ذلك أعون له على مقصوده فيكون قبل الغدا عليه كفارة وإذا تغدى هو وامرأته ثم جامعها فلا كفارة عليه وهذا شنيع في الشريعة لا ترد بمثله.
فإنه قد استقر في العقول والأديان أنه كلما عظم الذنب كانت العقوبة أبلغ وكلما قوي الشبه قويت والكفارة فيها شوب العبادة وشوب العقوبة وشرعت زاجرة وماحية فبكل حال قوة السبب يقتضي قوة المسبب. ثم الفطر بالأكل لم يكن سببا مستقلا موجبا للكفارة. كما يقوله أبو حنيفة ومالك فلا أقل أن يكون معينا للسبب المستقل بل يكون مانعا من حكمه وهذا بعيد عن أصول الشريعة. ثم المجامع كثيرا ما يفطر قبل الإيلاج فتسقط الكفارة عنه بذلك على هذا القول وهذا ظاهر البطلان والله أعلم.
وسئل:
عما إذا قبل زوجته أو ضمها فأمذى. هل يفسد ذلك صومه؟ أم لا؟
فأجاب:
يفسد الصوم بذلك عند أكثر العلماء.
وسئل:
عن الميت في أيام مرضه أدركه شهر رمضان ولم يكن يقدر على الصيام وتوفي وعليه صيام شهر رمضان وكذلك الصلاة مدة مرضه ووالديه بالحياة. فهل تسقط الصلاة والصيام عنه إذا صاما عنه وصليا؟ إذا وصى أو لم يوص؟
فأجاب:
إذا اتصل به المرض ولم يمكنه القضاء فليس على ورثته إلا الإطعام عنه.

وأما الصلاة المكتوبة فلا يصلي أحد عن أحد ولكن إذا صلى عن الميت واحد منهما تطوعا وأهداه له أو صام عنه تطوعا وأهداه له نفعه ذلك والله أعلم.

(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون (185)

وقد أجمعت الأمة إجماعا ظاهرا على وجوب صيام شهر رمضان, وأنه الشهر التاسع من شهور العام بين شعبان وشوال, والأفضل أن يقال: جاء شهر رمضان, وصمنا شهر رمضان؛ موافقة للفظ القرآن وأكثر الأحاديث.
فأما إطلاق رمضان عليه:
فقال القاضي وغيره: يكره إطلاق هذا الاسم عليه من غير قرينة تدل على أن المراد به الشهر؛ لأن الله سبحانه قال: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} [البقرة: 185].

8 - ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «لا تقولوا جاء رمضان؛ فإن رمضان اسم الله, ولكن قولوا: جاء شهر رمضان».





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #93  
قديم 24-03-2022, 08:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,672
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (93)

من صــ 417 الى صـ
ـ 424


رواه أحمد بن عدي.
وفي رواية: «لا تقولوا جاء رمضان؛ فإن رمضان اسم من أسماء الله, ولكن قولوا: جاء شهر رمضان».
9 - وقد روي عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن شهر رمضان؟ فقال: «أرمض الله فيه ذنوب المؤمنين فغفرها لهم».
10 - وقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسموا رمضان؛ فإن رمضان اسم من أسماء الله عز وجل؛ فانسبوه إليه كما نسبه لكم في القرآن». رواه ابن شاهين.

وظاهر الأثر المذكور يقتضي كراهة إطلاق رمضان عليه بكل حال؛ لأنه نهى أن يقال: جاء رمضان, ومعلوم أن هذه قرينة, ونهى عن تسمية رمضان.

11 - وقد روى أبو سعيد الأشج وغيره عن مجاهد: أنه كره أن يقول: رمضان, ويقول: شهر رمضان؛ كما سمى الله شهر رمضان.
ولعل وجه هذا أن كان له أصل أن يكون الله سبحانه وتعالى لما كان يرمض الذنوب في هذا الشهر على الشهر فيحرقها ويفنيها؛ كان هذا من أسمائه, لكن على هذا التقدير لا يسمى الشهر رمضان, لا مطلقا ولا مقيدا؛ لأن الاسم لله سبحانه, اللهم إلا أن يقال: الاسم مشترك يسمى به الله سبحانه ويسمى به الشهر, فيجوز مع القرينة أن يعنى به الشهر؛ كما قد قيل مثل هذا في الرب والملك والسيد ونحو هذا.
وقال غيره من أصحابنا كابن الجوزي: لا يكره تسميته رمضان بحال.
12 - وهذا هو المعروف من كلام أحمد؛ فإنه دائما يطلق رمضان ولا يحترز عن ذلك؛ لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان؛ فتحت أبواب الجنة». متفق عليه.
13 - وعنه أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين؛ إلا أن يكون رجلا كان يصوم صوما؛ فليصمه». رواه الجماعة.
14 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه». متفق عليه.
15 - وعمن سمع في فلق في رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «من صام رمضان. متفق عليهما.
16 - 18 - وعن أبي أيوب وجابر وثوبان, عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان, ثم أتبعه بست من شوال ... » وذكر الحديث. رواه مسلم وغيره.
19 - وعن سلمة بن المحبق؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له حمولة تأوي إلى شبع؛ فليصم رمضان حيث أدركه». وفي لفظ: «من أدركه رمضان في السفر». رواهما أبو داوود.
20 - 21 - وعن أبي هريرة وعن عائشة: أن رجلا قال: يا رسول الله! أصبت أهلي في رمضان. متفق عليهما.
وهذا كثير في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما عن أصحابه؛ فأكثر من أن يحصى.
قالوا: ولأنه لم يذكر أحد في أسماء الله رمضان, ولا يجوز أن يسمى به إجماعا.
والحديثان المتقدمان لا أصل لهما: أما الأول؛ فإن مداره على أبي معشر, والثاني مداره على إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن هشام بن عروة.
وأما قوله سبحانه: {شهر رمضان}؛ فكقولهم: شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر, وهو من باب إضافة الاسم العام إلى الخاص؛ كما يقال: يوم الأحد ويوم الخميس.

قال بعض أهله. . .: ما كان في أوله رأس الشهور؛ فإن الغالب أن يذكر بإضافة الشهر إليه دون ما لم يكن كذلك, فيقولون: المحرم, وصفر, وشهر ربيع الأول, شهر ربيع الآخر, رجب, شعبان, شهر رمضان.

وأما اشتقاقه:
فقال القاضي: قيل: سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب؛ أي: يحرقها ويهلكها. وقد تقدم الرواية بذلك.
22 - وعن أنس؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون لأي شيء سمي شعبان؟». قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «لأنه يتشعب فيه خير كثير, وإنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب (يعني: يحرق الذنوب)». رواه ابن شاهين وغيره.
وهذا المعنى لا يخالف ما يذكره أهل اللغة؛ فإنهم يزعمون أن أسماء الشهور لما نقلوها عن اللغة القديمة؛ سموها بالأزمنة التي وقعت فيها, فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر, فسمي بذلك؛ كما سموا شوالا؛ لأن الإبل تشول بأذنابها, وسموا شعبان؛ لانشعاب القبائل فيه, وغير ذلك.
وهذا لأن الرمض شدة وقع الشمس على الرمل وغيره, والأرض رمضا, ورمض يومنا يرمض رمضا: اشتد حره, ورمضت قدمي, ورمض الفصيل: أصابه حر الرمضا.
فاجتمع في رمضان أن وقت التسمية كان زمن حر, ثم إن الله فرض صومه, والصوم فيه العطش والحرارة, ثم إنه يوجب التقوى فتحرق الذنوب وتهلكها, وقد يلهم الله خلقه أن يسموا الشيء باسم لمعنى يعلمه هو ويبينه فيما بعد وإن لم يعلموا ذلك حين الوضع والتسمية؛ كما سموا النبي صلى الله عليه وسلم محمدا.
وغير مستنكر أن يكون ما اشتق منه الاسم قد تضمن معاني كثيرة, يفطن بعض لبعضها.
وأيضا؛ فإن هذه التسمية لغوية شرعية, فجاز أن يكون له باعتبار كل واحد من التسميتين معنى غير الآخر, وقد قيل: هو اسم موضوع لغير معنى؛ كسائر الشهور.
وقيل: شرع صومه دون غيره ليوافق اسمه معناه, وقد سمي بذلك لأن الله حين فرضه كان وقت الحر. وهذا ضعيف؛ لأن تسميته رمضان متقدمة على فرضه, ولأنه لما فرض؛ كان في أوائل الربيع الذي تسميه العرب الصيف؛ فإن أول رمضان فرض كانت فيه وقعة بدر, وقد أنزل الله عليهم فيها ماء من البسماء, والقيظ العظيم لا ينزل فيه مطر.
(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون (185)
وقال شيخ الإسلام:
فصل:

قال الله تعالى {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} و " اللام " إما متعلقة بمذكور: أي {يريد الله بكم اليسر}. . . ولتكملوا العدة}. كما قال: {يريد الله ليبين لكم}. أو بمحذوف: أي ولتكملوا العدة شرع ذلك. وهذا أشهر لأنه قال: {ولعلكم تشكرون} فيجب على الأول أن يقال ويريد لعلكم تشكرون وفيه وهن.
لكن يحتج للأول بقوله تعالى في آية الوضوء: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} فإن آية الصيام وآية الطهارة متناسبتان في اللفظ والمعنى فقوله: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} بمنزلة قوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} وقوله: {ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم} كقوله: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}.
والمقصود هنا: أن الله سبحانه أراد شرعا: التكبير على ما هدانا ولهذا قال من قال من السلف: كزيد بن أسلم هو التكبير تكبير العيد واتفقت الأمة على أن صلاة العيد مخصوصة بتكبير زائد ولعله يدخل في التكبير صلاة العيد كما سميت الصلاة تسبيحا وقياما وسجودا وقرآنا وكما أدخلت صلاتا الجمع في ذكر الله في قوله: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام} وأريد الخطبة والصلاة بقوله: {فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} ويكون لأجل أن الصلاة لما سميت تكبيرا خصت بتكبير زائد كما أن صلاة الفجر لما سميت قرآنا خصت بقرآن زائد وجعل طول القراءة فيها عوضا عن الركعتين في الصلاة الرباعية.

وكذلك " صلاة الليل " لما سميت قياما بقوله: {قم الليل} خصت بطول القيام فكان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القيام والركوع والسجود بالليل ما لا يطيله بالنهار. ولهذا قال بعض السلف: إن التطويل بالليل أفضل وإن تكثير الركوع والسجود بالنهار أفضل.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #94  
قديم 24-03-2022, 09:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,672
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (94)

من صــ 425 الى صـ
ـ 432

وكان التكبير أيضا مشروعا في خطبة العيد زيادة على الخطب الجمعية وكان التكبير أيضا مشروعا عندنا وعند أكثر العلماء من حين إهلال العيد إلى انقضاء العيد إلى آخر الصلاة والخطبة؛ لكن هل يقطعه المؤتم إذا شهد المصلى لكونه مشغولا بعد ذلك بانتظار الصلاة؟ أو يقطعه بالشروع في الصلاة للاشتغال عنه بعد ذلك بالصلاة والخطبة أو لا يقطعه إلى انقضاء الخطبة؟ فيه خلاف عن أحمد وغيره.
والصحيح أنه إلى آخر العيد. وقد قال تعالى في الحج {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} فقيل: الأيام المعلومات. هي أيام الذبح وذكر اسم الله التسمية على الأضحية والهدي وهو قول مالك في رواية.
وقيل: هي أيام العشر وهو المشهور عن أحمد وقول الشافعي وغيره. ثم ذكر اسم الله فيها هو ذكره في العشر بالتكبير عندنا وقيل هو ذكره عند رؤية الهدي وأظنه مأثورا عن الشافعي. وفي صحيح البخاري أن ابن عمر وابن عباس كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. وفي الصحيح عن أنس أنهم كانوا غداة عرفة وهم ذاهبون من منى إلى عرفة يكبر منهم المكبر فلا ينكر عليه ويلبي الملبي فلا ينكر عليه وفي أمثلة الأحاديث المرفوعة مثل قوله: {فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد}.
وعلى قول أصحابنا يكون ذكر اسم الله على ما رزقهم كقوله {على ما هداكم} وكقوله: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم} وكقوله: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم} - إلى قوله - {فاذكروني أذكركم}. وعلى القول الآخر يكون مثل قوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} وقوله: {فاذكروا اسم الله عليها صواف} ويدل عليه قوله: {من بهيمة الأنعام} فيدل على أن (ما موصولة لا مصدرية بمعنى على الذي رزقهم من بهيمة الأنعام وكذلك قوله: {ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} وعلى قولنا يكون ذكر اسم الله عليها وقت الذبح ووقت السوق بالتلبية عندها وبالتكبير. يدل عليه أنه لو أراد مجرد التسمية لم يكن للأضحية بذلك اختصاص فإن اسمه مذكور عند كل ذبح لا فرق في ذلك بين الأضحية وغيرها فما وجب فيها وجب في غيرها وما لم يجب لم يجب.
(فصل في أن التحميد قرين التسبيح وأن التهليل قرين التكبير)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

ولما قال سبحانه: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} ذكر التكبير والشكر كما في قوله: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} والشكر يكون بالقول وهو الحمد ويكون بالعمل كما قال تعالى: {اعملوا آل داود شكرا} فقرن بتكبير الأعياد الحمد. فقيل: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد؛ لأنه قد طلب فيه التكبير والشكر.
ولهذا روي في الأثر أنه يقال فيه: {الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا} ليجمع بين التكبير والحمد حمد الشكر كما جمع بين التحميد تحميد الثناء والتكبير في قوله: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا} فأمر بتحميده وتكبيره. ومعلوم أن الكلمات التي هي أفضل الكلام بعد القرآن أربع " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " وهي شطران: فالتسبيح قرين التحميد ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم} أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة.
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي ذر {أفضل الكلام ما اصطفى الله لملائكته: سبحان الله وبحمده}. وفي القرآن {ونحن نسبح بحمدك} {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}. {فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن} هكذا في الصحاح عن عائشة فجعل قوله: " سبحانك اللهم وبحمدك " تأويل {فسبح بحمد ربك} وقد قال تعالى: {فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار}وقال: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} {وله الحمد في السماوات والأرض} والآثار في اقترانهما كثيرة.
وأما التهليل فهو قرين التكبير كما في كلمات الأذان: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم بعد دعاء العباد إلى الصلاة: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فهو مشتمل على التكبير والتشهد أوله وآخره. وهو ذكر لله تعالى وفي وسطه دعاء الخلق إلى الصلاة والفلاح. فالصلاة هي العمل. والفلاح هو ثواب العمل لكن جعل التكبير شفعا والتشهد وترا فمع كل تكبيرتين شهادة؛ وجعل أوله مضاعفا على آخره ففي أول الأذان يكبر أربعا ويتشهد مرتين والشهادتان جميعا باسم الشهادة وفي آخره التكبير مرتان فقط مع التهليل الذي لم يقترن به لفظ الشهادة ولا الشهادة الأخرى.
وهذا والله أعلم بمنزلة الركعتين الأوليين من الصلاة مع الركعتين الأخريين فإن الأوليين فضلتا بقراءة السورة وبالجهر في القراءة فحصل الفضل في قدر القراءة ووصفها كما أن الشطر الأول من الأذان فضل في قدر الذكر وفي وصفه لكن الوصف هنا كون التوحيد قرن به لفظ أشهد ولهذا حذف في الإقامة عند من يختار إيتارها وهي إقامة بلال - ما فضل به من القدر كما يخفض من صوت الإقامة لأن هذا المزيد من جنس الأصل فأشبه حذف الركعتين الأخريين في صلاة المسافر.
وأما الكلمات الأصول فلم يحذف منها شيء. وهكذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل وصلاة الكسوف وغيرهما تطويل أول العبادة على آخرها؛ لأسباب تقتضي ذلك. وكما جمع بين التكبير والتهليل في الأذان جمع بينهما في تكبير الأشراف فكان على الصفا والمروة وإذا علا شرفا في غزوة أو حجة أو عمرة يكبر ثلاثا. ويقول: {لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده} يفعل ذلك ثلاثا.
وهذا في الصحاح وكذلك على الدابة كبر ثلاثا وهلل ثلاثا فجمع بين التكبير والتهليل. وكذلك حديث عدي بن حاتم الذي رواه أحمد والترمذي فيه {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا عدي ما يفرك؟ أيفرك أن يقال: لا إله إلا الله فهل تعلم من لا إله إلا الله؟ يا عدي ما يفرك أيفرك أن يقال: الله أكبر؟ فهل من شيء أكبر من الله} فقرن النبي صلى الله عليه وسلم بين التهليل والتكبير.
وفي صحيح مسلم حديث أبي مالك الأشعري {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو قال تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو: فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها} فأخبر أنه يملأ ما بين السماء والأرض وهذا أعظم من ملئه للميزان. وفي الحديث الذي في الموطأ حديث طلحة بن عبد الله بن كريز أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير}.
فجمع في هذا الحديث بين " أفضل الدعاء وأفضل الثناء فإن الذكر نوعان: دعاء وثناء فقال: أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة. وأفضل ما قلت هذا الكلام ". ولم يقل أفضل ما قلت يوم عرفة هذا الكلام. وإنما هو أفضل ما قلت مطلقا. وكذلك في حديث رواه ابن أبي الدنيا {أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله}.

وأيضا ففي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق} فقد صرح بأن أعلى شعب الإيمان هي هذه الكلمة.

وأيضا ففي صحيح مسلم {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا أبي: أتدري أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهنك العلم أبا المنذر} فأخبر في هذا الحديث الصحيح أنها أعظم آية في القرآن وفي ذاك أنها أعلى شعب الإيمان وهذا غاية الفضل فإن الأمر كله مجتمع في القرآن والإيمان فإذا كانت أعظم القرآن وأعلى الإيمان ثبت لها غاية الرجحان.
وأيضا فإن التوحيد أصل الإيمان وهو الكلام الفارق بين أهل الجنة وأهل النار وهو ثمن الجنة ولا يصح إسلام أحد إلا به ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وكل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء فمنزلته منزلة الأصل ومنزلة التحميد والتسبيح منزلة الفرع.
وأيضا فإنه مشروع على وجه التعظيم والجهر وعند الأمور العظيمة مثل الأذان الذي ترفع به الأصوات وعند الصعود على الأماكن العالية لما في ذلك من العلو والرفعة ويجهر بالتكبير في الصلوات وهو المشروع في الأعياد.
{وقال جابر: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا علونا كبرنا وإذا هبطنا سبحنا فوضعت الصلاة على ذلك} رواه أبو داود وغيره. فبين أن التكبير مشروع عند العلو من الأمكنة والأفعال كما في الصلاة والأذان والتسبيح مشروع عند الانخفاض في الأمكنة والأفعال كما في السجود والركوع.

ولهذا كانت السنة في التسبيح الإخفاء حين شرع فلم يشرع من الجهر به والإعلان ما شرع من ذلك في التكبير والتهليل ومعلوم أن الزيادة في وصف الذكر إنما هو للزيادة في أمره.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #95  
قديم 24-03-2022, 09:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,672
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (95)

من صــ 433 الى صـ
ـ 440


وأما حديث أبي ذر: {أفضل الكلام ما اصطفى الله لملائكته: سبحان الله وبحمده} فيشبه والله أعلم أن يكون هذا في الكلام الذي لا يسن فيه الجهر كما في الركوع والسجود ونحوه ولا يلزم أن يكون أفضل مطلقا بدليل أن قراءة القرآن أفضل من الذكر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها في الركوع والسجود. وقال: {إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم}.

وهنا أصل ينبغي أن نعرفه. وهو أن الشيء إذا كان أفضل من حيث الجملة لم يجب أن يكون أفضل في كل حال ولا لكل أحد بل المفضول في موضعه الذي شرع فيه أفضل من الفاضل المطلق كما أن التسبيح في الركوع والسجود أفضل من قراءة القرآن ومن التهليل والتكبير والتشهد في آخر الصلاة والدعاء بعده أفضل من قراءة القرآن. وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا أو إسلاما} ثم أتبع ذلك بقوله: {ولا يؤمن الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه} فذكر الأفضل فالأفضل في الإمامة ثم بين أن صاحب المرتبة ذا السلطان مثل الإمام الراتب كأمير الحرب في العهد القديم وكأئمة المساجد ونحوهم مقدمون على غيرهم وإن كان غيرهم أفضل منهم وهذا كما أن الذهب أفضل من الحديد والنورة وقد تكون هذه المعادن مقدمة على الذهب عند الحاجة إليها دونه وهذا ظاهر.
وكذلك أيضا: أكثر الناس يعجزون عن أفضل الأعمال فلو أمروا بها لفعلوها على وجه لا ينتفعون به أو ينتفعون انتفاعا مرجوحا فيكون في حق أحد هؤلاء العمل الذي يناسبه وينتفع به أفضل له مما ليس كذلك. ولهذا يكون الذكر لكثير من الناس أفضل من قراءة القرآن؛ لأن الذكر يورثه الإيمان والقرآن يورثه العلم والعلم بعد الإيمان.

قال الله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} والقرآن يحتاج إلى فهم وتدبر وقد يكون عاجزا عن ذلك لكن هؤلاء يغلطون فيعتقد أحدهم أن الذكر أفضل مطلقا؛ وليس كذلك بل قراءة القرآن في نفس الأمر أفضل من الذكر بإجماع المسلمين؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم {أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر} رواه مسلم. {وقال له رجل: إني لا أستطيع أن أحمل من القرآن شيئا فعلمني ما يجزئني في صلاتي.

فقال: قل: سبحان الله والحمد لله ولا إلا إلا الله والله أكبر} ولهذا كان العلماء على أن الذكر في الصلاة بدل عن القراءة لا يجوز الانتقال إليه إلا عند العجز عن القراءة بمنزلة التيمم مع الوضوء وبمنزلة صيام الشهرين مع العتق والصيام مع الهدي. وفي الحديث الذي في الترمذي {ما تقرب العباد إلى الله بأفضل مما خرج منه} يعني القرآن وفي حديث ابن عباس الذي رواه أبو داود والترمذي وصححه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن لله أهلين من الناس قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته} وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقدم أهل القرآن في المواطن كما قدمهم يوم أحد في القبور فأذن لهم أن يدفنوا الرجلين والثلاثة في القبر الواحد وقال: قدموا إلى القبلة أكثرهم قرآنا.
{فقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر لما سئل: أي الكلام أفضل: فقال: سبحان الله وبحمده} هذا خرج على سؤال سائل. فربما علم من حال السائل حالا مخصوصة كما أنه لما قال: {أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله} إلى آخره. أراد بذلك من الذكر لا من القراءة فإن قراءة القرآن أفضل من جنس الذكر من حيث الجملة وإن كان هذا الكلام قد يكون أفضل من القراءة كما أن الشهادتين في وقت الدخول في الإسلام أو تجديده أو عندما يقتضي ذكرهما مثل عقب الوضوء ودبر الصلاة والأذان وغير ذلك: أفضل من القراءة.
وكذلك في موافقة المؤذن فإنه إذا كان يقرأ وسمع المؤذن فإن موافقته في ذكر الأذان أفضل له حينئذ من القراءة حتى يستحب له قطع القراءة لأجل ذلك؛ لأن هذا وقت هذه العبادة يفوت بفوتها والقراءة لا تفوت. فنقول: الأحوال ثلاثة: حال يستحب فيها الإسرار ويكره فيها الجهر؛ لأنها حال انخفاض كالركوع والسجود. فهنا التسبيح أفضل من التهليل والتكبير وكذلك في بطون الأودية وأما ما السنة فيه الجهر والإعلان كالإشراف والأذان فالسنة فيه التهليل والتكبير وأما ما يشرع فيه الأمران فقد يكون هذا.
فصل:
وإذا عرف أن التحميد قرين التسبيح وأن التهليل قرين التكبير ففي تكبير الأعياد جمع بين القرينين فجمع بين التكبير والتهليل وبين التكبير والتحميد لقوله: {ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} فإن الهداية اقتضت التكبير عليها. فضم إليه قرينه وهو التهليل. والنعمة اقتضت الشكر عليها فضم إليه أيضا التحميد وهذا كما أن ركوب الدابة لما اجتمع فيه أنه شرف من الأشراف وأنه موضع نعمة كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع عليها بين الأمرين فإنه قال سبحانه: {لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} فأمر بذكر نعمة الله عليه وذكرها بحمدها وأمر بالتسبيح الذي هو قرين الحمد {فكان النبي صلى الله عليه وسلم لما أتي بالدابة فوضع رجله في الغرز قال: بسم الله فلما استوى على ظهرها قال:
الحمد لله ثم قال: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} ثم حمد ثلاثا وكبر ثلاثا ثم قال: لا إله إلا أنت سبحانك ظلمت نفسي فاغفر لي ثم ضحك وقال: ضحكت من ضحك الرب إذا قال العبد ذلك يقول الله: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري}.
فذكر بعد ذلك ذكر الأشراف وهو التكبير مع التهليل وختمه بالاستغفار لأنه مقرون بالتوحيد كما قد رتب اقتران الاستغفار بالتوحيد في غير موضع كقوله: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} وقوله: {ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم} وقوله: {فاستقيموا إليه واستغفروه} فكان ذكره على الدابة مشتملا على الكلمات الأربع الباقيات الصالحات مع الاستغفار. فهكذا ذكر الأعياد اجتمع فيه التعظيم والنعمة فجمع بين التكبير والحمد. فالله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا. وقد روي عن ابن عمر أنه كان يكبر ثلاثا ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. فيشبهه بذكر الأشراف في تثليثه وضم التهليل إليه وهذا اختيار الشافعي.
وأما أحمد وأبو حنيفة وغيرهما فاختاروا فيه ما رووه عن طائفة من الصحابة ورواه الدارقطني من حديث جابر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الله أكبر الله أكبر لا إلا إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد} فيشفعونه مرتين ويقرنون به في إحداهما التهليل وفي الأخرى الحمد تشبيها له بذكر الأذان. فإن هذا به أشبه لأنه متعلق بالصلاة ولأنه في الأعياد التي يجتمع فيها اجتماعا عاما كما أن الأذان لاجتماع الناس فشابه الأذان في أنه تكبير اجتماع لا تكبير مكان وأنه متعلق بالصلاة لا بالشرف فشرع تكريره كما شرع تكرير تكبير الأذان وهو في كل مرة مشفوع وكل المأثور حسن. ومن الناس من يثلثه أول مرة ويشفعه ثاني مرة وطائفة من الناس تعمل بهذا.
وقاعدتنا في هذا الباب أصح القواعد أن جميع صفات العبادات من الأقوال والأفعال إذا كانت مأثورة أثرا يصح التمسك به لم يكره شيء من ذلك بل يشرع ذلك كله كما قلنا في أنواع صلاة الخوف وفي نوعي الأذان الترجيع وتركه ونوعي الإقامة شفعها وإفرادها وكما قلنا في أنواع التشهدات وأنواع الاستفتاحات وأنواع الاستعاذات وأنواع القراءات وأنواع تكبيرات العيد الزوائد وأنواع صلاة الجنازة وسجود السهو والقنوت قبل الركوع وبعده والتحميد بإثبات الواو وحذفها وغير ذلك لكن قد يستحب بعض هذه المأثورات ويفضل على بعض إذا قام دليل يوجب التفضيل ولا يكره الآخر. ومعلوم أنه لا يمكن المكلف أن يجمع في العبادة المتنوعة بين النوعين في الوقت الواحد لا يمكنه أن يأتي بتشهدين معا ولا بقراءتين معا ولا بصلاتي خوف معا وإن فعل ذلك مرتين كان ذلك منهيا عنه فالجمع بين هذه الأنواع محرم تارة ومكروه أخرى.
وسئل:
هل أراد الله - تعالى - المعصية من خلقه أم لا؟
فأجاب:
لفظ " الإرادة " مجمل له معنيان: فيقصد به المشيئة لما خلقه ويقصد به المحبة والرضا لما أمر به. فإن كان مقصود السائل: أنه أحب المعاصي ورضيها وأمر بها فلم يردها بهذا المعنى فإن الله لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر ولا يأمر بالفحشاء بل قال لما نهى عنه: {كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها}. وإن أراد أنها من جملة ما شاءه وخلقه فالله خالق كل شيء وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا يكون في الوجود إلا ما شاء.
وقد ذكر الله في موضع أنه يريدها وفي موضع أنه لا يريدها والمراد بالأول أنه شاءها خلقا وبالثاني أنه لا يحبها ولا يرضاها أمرا كما قال تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} وقال نوح: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم} وقال في الثاني: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقال تعالى: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم} {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما} {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} وقال: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم} وقال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.
(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون (186)
سئل شيخ الإسلام - قدس الله روحه -:

عن رجلين تناظرا فقال أحدهما: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله فإنا لا نقدر أن نصل إليه بغير ذلك.
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة تبلغنا أمر الله: فهذا حق. فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه وما أمر به وما نهى عنه وما أعده لأوليائه من كرامته وما وعد به أعداءه من عذابه ولا يعرفون ما يستحقه الله تعالى من أسمائه الحسنى: وصفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها وأمثال ذلك إلا بالرسل؛ الذين أرسلهم الله إلى عباده.
فالمؤمنون بالرسل المتبعون لهم هم المهتدون الذين يقربهم لديه زلفى ويرفع درجاتهم ويكرمهم في الدنيا والآخرة. وأما المخالفون للرسل: فإنهم ملعونون وهم عن ربهم ضالون محجوبون.

قال تعالى: {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} {والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} وقال تعالى: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى}{ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} {ونحشره يوم القيامة أعمى}.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #96  
قديم 24-03-2022, 09:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,672
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (96)

من صــ 441 الى صـ
ـ 448


{قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا} {قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} قال ابن عباس: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. وقال تعالى عن أهل النار: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير} {قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير} وقال تعالى:

{وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} وقال تعالى: {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} {والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون} وقال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا} {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما} {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}.
ومثل هذا في القرآن كثير. وهذا مما أجمع عليه جميع أهل الملل من المسلمين؛ واليهود؛ والنصارى؛ فإنهم يثبتون الوسائط بين الله وبين عباده وهم الرسل الذين بلغوا عن الله
أمره وخبره. قال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} ومن أنكر هذه الوسائط فهو كافر بإجماع أهل الملل. والسور التي أنزلها الله بمكة مثل: الأنعام؛ والأعراف؛ وذوات: (الر) و (حم) و (طس) ونحو ذلك؛ هي متضمنة لأصول الدين كالإيمان بالله ورسله واليوم الآخر. وقد قص الله قصص الكفار الذين كذبوا الرسل وكيف أهلكهم؛ ونصر رسله والذين آمنوا.
قال تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} {إنهم لهم المنصورون} {وإن جندنا لهم الغالبون}. وقال: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}. فهذه الوسائط: تطاع وتتبع ويقتدى بها. كما قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} وقال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} وقال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} وقال: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} وقال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}.

وإن أراد بالواسطة: أنه لا بد من واسطة في جلب المنافع ودفع المضار مثل: أن يكون واسطة في رزق العباد ونصرهم وهداهم؛ يسألونه ذلك ويرجون إليه فيه: فهذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين؛ حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء؛ يجتلبون بهم المنافع ويجتنبون المضار.

لكن الشفاعة لمن يأذن الله له فيها حتى قال: {الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون} وقال تعالى: {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} وقال: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} وقال: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير} {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}.
وقالت طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح والعزير والملائكة: فبين الله لهم أن الملائكة والأنبياء: لا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويلا وأنهم يتقربون إلى الله ويرجون رحمته ويخافون عذابه. وقال تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} فبين سبحانه:أن اتخاذ الملائكة والنبيين أربابا كفر. فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات: فهو كافر بإجماع المسلمين. وقد قال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون}
{لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون} {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون} {ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين} وقال تعالى: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا} وقال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا} {لقد جئتم شيئا إدا} {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا} {أن دعوا للرحمن ولدا} {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا} {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا} {لقد أحصاهم وعدهم عدا} {وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} وقال تعالى: {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} وقال تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}.

وقال {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله}. وقال تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده} وقال تعالى: {قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون}. ومثل هذا كثير في القرآن.

ومن سوى الأنبياء - من مشايخ العلم والدين - فمن أثبتهم وسائط بين الرسول وأمته يبلغونهم؛ ويعلمونهم؛ ويؤدبونهم؛ ويقتدون بهم؛ فقد أصاب في ذلك. وهؤلاء إذا أجمعوا فإجماعهم حجة قاطعة لا يجتمعون على ضلالة وإن تنازعوا في شيء ردوه إلى الله والرسول؛ إذ الواحد منهم ليس بمعصوم على الإطلاق؛ بل كل أحد من الناس يؤخذ من كلامه ويترك: إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {العلماء ورثة الأنبياء فإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر}.
وإن أثبتهم وسائط بين الله وبين خلقه - كالحجاب الذين بين الملك ورعيته - بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه؛ فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم؛ فالخلق يسألونهم وهم يسألون الله؛ كما أن الوسائط عند الملوك: يسألون الملوك الحوائج للناس؛ لقربهم منهم والناس يسألونهم؛ أدبا منهم أن يباشروا سؤال الملك؛ أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك؛ لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج. فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه: فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وهؤلاء مشبهون لله شبهوا المخلوق بالخالق
وجعلوا لله أندادا. وفي القرآن من الرد على هؤلاء: ما لم تتسع له هذه الفتوى. فإن الوسائط التي بين الملوك وبين الناس: يكونون على أحد وجوه ثلاثة: - إما لإخبارهم من أحوال الناس بما لا يعرفونه.
ومن قال إن الله لا يعلم أحوال عباده حتى يخبره بتلك بعض الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم: فهو كافر بل هو - سبحانه - يعلم السر وأخفى لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء {وهو السميع البصير}. يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل. ولا يتبرم بإلحاح الملحين. الوجه الثاني: أن يكون الملك عاجزا عن تدبير رعيته ودفع أعدائه - إلا بأعوان يعينونه - فلا بد له من أنصار وأعوان لذله وعجزه.
والله - سبحانه - ليس له ظهير ولا ولي من الذل. قال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير} وقال تعالى: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا}. وكل ما في الوجود من الأسباب: فهو خالقه وربه ومليكه فهو الغني عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه؛ بخلاف الملوك المحتاجين إلى ظهرائهم وهم - في الحقيقة - شركاؤهم في الملك. والله تعالى: ليس له شريك في الملك بل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
والوجه الثالث: أن يكون الملك ليس مريدا لنفع رعيته والإحسان إليهم ورحمتهم: إلا بمحرك يحركه من خارج. فإذا خاطب الملك من ينصحه ويعظمه أو من يدل عليه؛ بحيث يكون يرجوه ويخافه: تحركت إرادة الملك
وهمته في قضاء حوائج رعيته إما لما حصل في قلبه من كلام الناصح الواعظ المشير وإما لما يحصل من الرغبة أو الرهبة من كلام المدل عليه.
والله تعالى: هو رب كل شيء ومليكه وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها وكل الأشياء إنما تكون بمشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو إذا أجرى نفع العباد بعضهم على بعض: فجعل هذا يحسن إلى هذا ويدعو له ويشفع فيه ونحو ذلك فهو الذي خلق ذلك كله وهو الذي خلق في قلب هذا المحسن الداعي الشافع إرادة الإحسان والدعاء والشفاعة ولا يجوز أن يكون في الوجود من يكرهه على خلاف مراده أو يعلمه ما لم يكن يعلم أو من يرجوه الرب ويخافه. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت؛ ولكن ليعزم المسألة؛ فإنه لا مكره له}. والشفعاء الذين يشفعون عنده: لا يشفعون إلا بإذنه كما قال: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} وقال تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} وقال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير} {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}. فبين أن كل من دعي من دونه ليس له ملك ولا شرك في الملك ولا هو ظهير.

وأن شفاعتهم لا تنفع إلا لمن أذن له. وهذا بخلاف الملوك فإن الشافع عندهم قد يكون له ملك وقد يكون شريكا لهم في الملك وقد يكون مظاهرا لهم معاونا لهم على ملكهم وهؤلاء يشفعون عند الملوك بغير إذن الملوك هم وغيرهم والملك يقبل شفاعتهم: تارة بحاجته إليهم وتارة لخوفه منهم وتارة لجزاء إحسانهم إليه ومكافأتهم ولإنعامهم عليه؛ حتى إنه يقبل شفاعة ولده وزوجته لذلك فإنه محتاج إلى الزوجة وإلى الولد؛ حتى لو أعرض عنه ولده وزوجته لتضرر بذلك ويقبل شفاعة مملوكه؛ فإذا لم يقبل شفاعته؛ يخاف أن لا يطيعه أو أن يسعى في ضرره.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #97  
قديم 24-03-2022, 09:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,672
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (97)

من صــ 449 الى صـ
ـ 456

وشفاعة العباد بعضهم عند بعض: كلها من هذا الجنس. فلا يقبل أحد شفاعة أحد إلا لرغبة أو رهبة. والله تعالى: لا يرجو أحدا ولا يخافه ولا يحتاج إلى أحد بل هو الغني قال تعالى: {ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} إلى قوله: {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض}.

والمشركون: يتخذون شفعاء من جنس ما يعهدونه من الشفاعة. قال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} وقال تعالى: {فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون}.

وأخبر عن المشركين أنهم قالوا ": {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} وقال تعالى: {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} وقال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة
أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}.
فأخبر أن ما يدعي من دونه لا يملك كشف ضر ولا تحويله وأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه ويتقربون إليه. فهو - سبحانه - قد نفى ما من الملائكة والأنبياء؛ إلا من الشفاعة بإذنه والشفاعة هي الدعاء.

ولا ريب أن دعاء الخلق بعضهم لبعض نافع والله قد أمر بذلك لكن الداعي الشافع: ليس له أن يدعو ويشفع إلا بإذن الله له في ذلك فلا يشفع شفاعة نهي عنها؛ كالشفاعة للمشركين والدعاء لهم بالمغفرة. قال تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه}. وقال تعالى في حق المنافقين: {سواء عليهم أأستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم}.

وقد ثبت في الصحيح: أن الله نهى نبيه عن الاستغفار للمشركين والمنافقين وأخبر أنه لا يغفر لهم. كما في قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وقوله: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} وقد قال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} - في الدعاء - ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله. مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك. أو يسأله ما فيه معصية الله كإعانته على الكفر والفسوق والعصيان.
فالشفيع الذي أذن الله له في الشفاعة: شفاعته في الدعاء الذي ليس فيه عدوان. ولو سأل أحدهم دعاء لا يصلح له لا يقر عليه؛ فإنهم معصومون أن يقروا على ذلك. كما قال نوح: {إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين} قال تعالى: {يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين} {قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين}. وكل داع شافع دعا الله - سبحانه وتعالى - وشفع: فلا يكون دعاؤه وشفاعته إلا بقضاء الله وقدره ومشيئته وهو الذي يجيب الدعاء ويقبل الشفاعة فهو الذي خلق السبب والمسبب، والدعاء من جملة الأسباب التي قدرها الله - سبحانه وتعالى -.
وإذا كان كذلك: فالالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع؛ بل العبد يجب أن يكون توكله ودعاؤه وسؤاله ورغبته إلى الله - سبحانه وتعالى - والله يقدر له من الأسباب - من دعاء الخلق وغيرهم - ما شاء. والدعاء مشروع أن يدعو الأعلى للأدنى والأدنى للأعلى: فطلب الشفاعة والدعاء من الأنبياء كما كان المسلمون يستشفعون بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ويطلبون منه الدعاء؛ بل وكذلك بعده استسقى عمر والمسلمون بالعباس عمه والناس يطلبون الشفاعة يوم القيامة من الأنبياء

ومحمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء وله شفاعات يختص بها - ومع هذا - فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون ذلك العبد فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة} وقد {قال لعمر لما أراد أن يعتمر وودعه: يا أخي لا تنسني من دعائك}.

فالنبي صلى الله عليه وسلم قد طلب من أمته أن يدعوا له؛ ولكن ليس ذلك من باب سؤالهم، بل أمره بذلك لهم كأمره لهم بسائر الطاعات التي يثابون عليها مع أنه صلى الله عليه وسلم له مثل أجورهم في كل ما يعملونه فإنه قد صح عنه أنه قال: {من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا} وهو داعي الأمة إلى كل هدى فله مثل أجورهم في كل ما اتبعوه فيه.
وكذلك إذا صلوا عليه فإن الله يصلي على أحدهم عشرا وله مثل أجورهم مع ما يستجيبه من دعائهم له فذلك الدعاء قد أعطاهم الله أجرهم عليه وصار ما حصل له به من النفع نعمة من الله عليه وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: {ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب بدعوة إلا وكل الله به ملكا كلما دعا لأخيه بدعوة قال الملك الموكل به: آمين ولك مثل ذلك} وفي حديث آخر: {أسرع الدعاء دعوة غائب لغائب}.
فالدعاء للغير ينتفع به الداعي والمدعو له وإن كان الداعي دون المدعو له فدعاء المؤمن لأخيه ينتفع به الداعي والمدعو له. فمن قال لغيره ادع لي وقصد انتفاعهما جميعا بذلك كان هو وأخوه متعاونين على البر والتقوى فهو نبه المسئول وأشار عليه بما ينفعهما، والمسئول فعل ما ينفعهما بمنزلة من يأمر غيره ببر وتقوى؛ فيثاب المأمور على فعله والآمر أيضا يثاب مثل ثوابه؛ لكونه دعا إليه لا سيما ومن الأدعية ما يؤمر بها العبد كما قال تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} فأمره بالاستغفار ثم قال: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}.
فذكر - سبحانه - استغفارهم واستغفار الرسول لهم إذ ذاك مما أمر به الرسول حيث أمره أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولم يأمر الله مخلوقا أن يسأل مخلوقا شيئا لم يأمر الله المخلوق به بل ما أمر الله العبد أمر إيجاب أو استحباب؛ ففعله هو عبادة لله وطاعة وقربة إلى الله وصلاح لفاعله وحسنة فيه وإذا فعل ذلك كان أعظم لإحسان الله إليه وإنعامه عليه.

بل أجل نعمة أنعم الله بها على عباده أن هداهم للإيمان. والإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة والحسنات وكلما ازداد العبد عملا للخير. ازداد إيمانه. هذا هو الإنعام الحقيقي المذكور في قوله: {صراط الذين أنعمت عليهم} وفي قوله: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم}. بل نعم الدنيا بدون الدين هل هي من نعمه أم لا؟ فيه قولان مشهوران للعلماء من أصحابنا وغيرهم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #98  
قديم 24-03-2022, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,672
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (98)

من صــ 457 الى صـ
ـ 464


والتحقيق: أنها نعمة من وجه وإن لم تكن نعمة تامة من وجه وأما الإنعام بالدين الذي ينبغي طلبه فهو ما أمر الله به من واجب ومستحب فهو الخير الذي ينبغي طلبه باتفاق المسلمين وهو النعمة الحقيقية عند أهل السنة إذ عندهم أن الله هو الذي أنعم بفعل الخير. والقدرية عندهم إنما أنعم بالقدرة عليه الصالحة للضدين فقط.

والمقصود هنا: أن الله لم يأمر مخلوقا أن يسأل مخلوقا إلا ما كان مصلحة لذلك المخلوق إما واجب أو مستحب. فإنه سبحانه لا يطلب من العبد إلا ذلك فكيف يأمر غيره أن يطلب منه غير ذلك؟ بل قد حرم على العبد أن يسأل العبد ماله إلا عند الضرورة. وإن كان قصده مصلحة المأمور أو مصلحته ومصلحة المأمور فهذا يثاب على ذلك وإن كان قصده حصول مطلوبه من غير قصد منه لانتفاع المأمور فهذا من نفسه أتى ومثل هذا السؤال لا يأمر الله به قط بل قد نهى عنه إذ هذا سؤال محض للمخلوق من غير قصده لنفعه ولا لمصلحته والله يأمرنا أن نعبده ونرغب إليه، ويأمرنا أن نحسن إلى عباده وهذا لم يقصد لا هذا ولا هذا فلم يقصد الرغبة إلى الله ودعائه وهو الصلاة.
ولا قصد الإحسان إلى المخلوق الذي هو الزكاة وإن كان العبد قد لا يأثم بمثل هذا السؤال؛ لكن فرق ما بين ما يؤمر به العبد وما يؤذن له فيه ألا ترى أنه قال في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب: أنهم لا يسترقون. وإن كان الاسترقاء جائزا. وهذا قد بسطناه في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا: أن من أثبت وسائط بين الله وبين خلقه كالوسائط التي تكون بين الملوك والرعية فهو مشرك؛ بل هذا دين المشركين عباد الأوثان كانوا يقولون: إنها تماثيل الأنبياء والصالحين وإنها وسائل يتقربون بها إلى الله؛ وهو من الشرك الذي أنكره الله على النصارى حيث قال: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} وقال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} أي فليستجيبوا لي إذا دعوتهم بالأمر والنهي وليؤمنوا بي أن أجيب دعاءهم لي بالمسألة والتضرع. وقال تعالى: {فإذا فرغت فانصب}. {وإلى ربك فارغب} وقال تعالى: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه} وقال تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض}. وقال تعالى: {يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن}. وقد بين الله هذا التوحيد في كتابه وحسم مواد الإشراك به حتى لا يخاف أحد غير الله ولا يرجو سواه ولا يتوكل إلا عليه.

وقال تعالى: {فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} أي يخوفكم أولياءه {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية} وقال تعالى: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله} وقال تعالى: {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}.

فبين أن الطاعة لله ورسوله وأما الخشية فلله وحده. وقال تعالى: {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله} ونظيره قوله تعالى {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق هذا التوحيد لأمته ويحسم عنهم مواد الشرك؛ إذ هذا تحقيق قولنا لا إله إلا الله فإن الإله هو الذي تألهه القلوب؛ لكمال المحبة والتعظيم والإجلال والإكرام والرجاء والخوف حتى قال لهم: {لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد؛ ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد} {وقال له رجل: ما شاء الله وشئت.
فقال: أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله وحده} وقال: {من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت} وقال: {من حلف بغير الله فقد أشرك} وقال لابن عباس: {إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله جف القلم بما أنت لاق؛ فلو جهدت الخليقة على أن تنفعك لم تنفعك إلا بشيء كتبه الله لك ولو جهدت أن تضرك لم تضرك إلا بشيء كتبه الله عليك} وقال أيضا: {لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم وإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله} وقال: {اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد} وقال: {لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم} وقال في مرضه: {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور
أنبيائهم مساجد} يحذر ما صنعوا قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره؛ ولكن كره أن يتخذ مسجدا. وهذا باب واسع.
ومع علم المؤمن أن الله رب كل شيء ومليكه: فإنه لا ينكر ما خلقه الله من الأسباب كما جعل المطر سببا لإنبات النبات. قال الله تعالى: {وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة} وكما جعل الشمس والقمر سببا لما يخلقه بهما وكما جعل الشفاعة والدعاء سببا لما يقضيه بذلك مثل صلاة المسلمين على جنازة الميت؛ فإن ذلك من الأسباب التي يرحمه الله بها ويثيب عليها المصلين عليه؛ لكن ينبغي أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور:
أحدها: أن السبب المعين لا يستقل بالمطلوب بل لا بد معه من أسباب أخر ومع هذا فلها موانع. فإن لم يكمل الله الأسباب ويدفع الموانع: لم يحصل المقصود وهو - سبحانه - ما شاء كان - وإن لم يشأ الناس - وما شاء الناس لا يكون إلا أن يشاء الله. الثاني: أن لا يجوز أن يعتقد أن الشيء سبب إلا بعلم فمن أثبت شيئا سببا بلا علم أو يخالف الشرع: كان مبطلا مثل من يظن أن النذر سبب في دفع البلاء وحصول النعماء. وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم {: أنه نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل}.
الثالث: أن الأعمال الدينية لا يجوز أن يتخذ منها شيء سببا إلا أن تكون مشروعة؛ فإن العبادات مبناها على التوقيف؛ فلا يجوز للإنسان أن يشرك بالله فيدعو غيره - وإن ظن أن ذلك سبب في حصول بعض أغراضه -
وكذلك لا يعبد الله بالبدع المخالفة للشريعة - وإن ظن ذلك - فإن الشياطين قد تعين الإنسان على بعض مقاصده إذا أشرك وقد يحصل بالكفر والفسوق والعصيان بعض أغراض الإنسان فلا يحل له ذلك إذ المفسدة الحاصلة بذلك أعظم من المصلحة الحاصلة به إذ الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها فما أمر الله به: فمصلحته راجحة وما نهى عنه: فمفسدته راجحة وهذه الجمل: لها بسط لا تحتمله هذه الورقة. والله أعلم.

وسئل أحمد ابن تيمية - رحمه الله تعالى -:
عمن يزور القبور ويستنجد بالمقبور في مرض به أو بفرسه أو بعيره: يطلب إزالة المرض الذي بهم ويقول: يا سيدي أنا في جيرتك أنا في حسبك فلان ظلمني فلان قصد أذيتي ويقول: إن المقبور يكون واسطة بينه وبين الله تعالى وفيمن ينذر للمساجد والزوايا والمشايخ - حيهم وميتهم - الدراهم والإبل والغنم والشمع والزيت وغير ذلك يقول: إن سلم ولدي فللشيخ علي كذا وكذا وأمثال ذلك.

وفيمن يستغيث بشيخه يطلب تثبيت قلبه من ذاك الواقع؟ وفيمن يجيء إلى شيخه ويستلم القبر ويمرغ وجهه عليه ويمسح القبر بيديه ويمسح بهما وجهه وأمثال ذلك؟ وفيمن يقصده بحاجته ويقول: يا فلان ببركتك أو يقول: قضيت حاجتي ببركة الله وبركة الشيخ؟ وفيمن يعمل السماع ويجيء إلى القبر فيكشف ويحط وجهه بين يدي شيخه على الأرض ساجدا.

وفيمن قال: إن ثم قطبا غوثا جامعا في الوجود؟ أفتونا مأجورين وابسطوا القول في ذلك.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #99  
قديم 24-03-2022, 09:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,672
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (99)

من صــ 465 الى صـ
ـ 472

فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، الدين الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه هو عبادة الله وحده لا شريك له واستعانته والتوكل عليه ودعاؤه لجلب المنافع ودفع المضار كما قال تعالى: {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين} {ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون} وقال تعالى:

{وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} وقال تعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين} وقال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} قالت طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح وعزيرا والملائكة قال الله تعالى: هؤلاء الذين تدعونهم عبادي كما أنتم عبادي ويرجون رحمتي كما ترجون رحمتي ويخافون عذابي كما تخافون عذابي ويتقربون إلي كما تتقربون إلي.
فإذا كان هذا حال من يدعو الأنبياء والملائكة فكيف بمن دونهم؟. وقال تعالى: {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا} وقال تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير} {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}.
فبين سبحانه أن من دعي من دون الله من جميع المخلوقات من الملائكة والبشر وغيرهم أنهم لا يملكون مثقال ذرة في ملكه وأنه ليس له شريك في ملكه بل هو سبحانه له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأنه ليس له عون يعاونه كما يكون للملك أعوان وظهراء وأن الشفعاء عنده لا يشفعون إلا لمن ارتضى فنفى بذلك وجوه الشرك. وذلك أن من يدعون من دونه إما أن يكون مالكا وإما أن لا يكون مالكا وإذا لم يكن مالكا فإما أن يكون شريكا وإما أن لا يكون شريكا وإذا لم يكن شريكا فإما أن يكون معاونا وإما أن يكون سائلا طالبا فالأقسام الأول الثلاثة وهي: الملك والشركة والمعاونة منتفية وأما الرابع فلا يكون إلا من بعد إذنه كما قال تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} وكما قال تعالى:

{وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} وقال تعالى: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون} {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض} وقال تعالى: {الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون} وقال تعالى {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون} وقال تعالى:

{ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} فإذا جعل من اتخذ الملائكة والنبيين أربابا كافرا فكيف من اتخذ من دونهم من المشايخ وغيرهم أربابا وتفصيل القول: أن مطلوب العبد إن كان من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى: مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم أو وفاء دينه من غير جهة معينة أو عافية أهله وما به من بلاء الدنيا والآخرة وانتصاره على عدوه وهداية قلبه وغفران ذنبه أو دخوله الجنة أو نجاته من النار أو أن يتعلم العلم والقرآن أو أن يصلح قلبه ويحسن خلقه ويزكي نفسه وأمثال ذلك: فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من الله تعالى ولا يجوز أن يقول لملك ولا نبي ولا شيخ - سواء كان حيا أو ميتا - اغفر ذنبي ولا انصرني على عدوي ولا اشف مريضي ولا عافني أو عاف أهلي أو دابتي وما أشبه ذلك.
ومن سأل ذلك مخلوقا كائنا من كان فهو مشرك بربه من جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل التي يصورونها على صورهم ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه قال الله تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} الآية وقال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}.
وأما ما يقدر عليه العبد فيجوز أن يطلب منه في بعض الأحوال دون بعض؛ فإن " مسألة المخلوق " قد تكون جائزة وقد تكون منهيا عنها قال الله تعالى: {فإذا فرغت فانصب} {وإلى ربك فارغب} وأوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابن عباس: " {إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله} " وأوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم طائفة من أصحابه:

أن لا يسألوا الناس شيئا فكان سوط أحدهم يسقط من كفه فلا يقول لأحد ناولني إياه وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: " {يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون} " والاسترقاء طلب الرقية وهو من أنواع الدعاء ومع هذا فقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " {ما من رجل يدعو له أخوه بظهر الغيب دعوة إلا وكل الله بها ملكا كلما دعا لأخيه دعوة قال الملك: ولك مثل ذلك}.

ومن المشروع في الدعاء دعاء غائب لغائب ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة عليه وطلبنا الوسيلة له وأخبر بما لنا في ذلك من الأجر إذا دعونا بذلك فقال في الحديث: " {إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإن من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد. فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة}.
ويشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه وممن هو دونه فقد روي طلب الدعاء من الأعلى والأدنى؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودع عمر إلى العمرة وقال: " {لا تنسنا من دعائك يا أخي} لكن صلى الله عليه وآله وسلم لما أمرنا بالصلاة عليه وطلب الوسيلة له ذكر أن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشرا وأن من سأل له الوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة فكان طلبه منا لمنفعتنا في ذلك وفرق بين من طلب من غيره شيئا لمنفعة المطلوب منه ومن يسأل غيره لحاجته إليه فقط وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وآله وسلم ذكر أويسا القرني وقال لعمر:
" {إن استطعت أن يستغفر لك فافعل}وفي الصحيحين أنه كان بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما شيء فقال أبو بكر لعمر استغفر لي لكن في الحديث أن أبا بكر ذكر أنه حنق على عمر وثبت أن أقواما كانوا يسترقون وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرقيهم. وثبت في الصحيحين {أن الناس لما أجدبوا سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يستسقي لهم فدعا الله لهم فسقوا} وفي الصحيحين أيضا:
أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - استسقى بالعباس فدعا فقال اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون. وفي السنن {أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم جهدت الأنفس وجاع العيال وهلك المال فادع الله لنا فإنا نستشفع بالله عليك وبك على الله. فسبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه وقال: ويحك إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك}. فأقره على قوله إنا نستشفع بك على الله وأنكر عليه نستشفع بالله عليك؛ لأن الشافع يسأل المشفوع إليه والعبد يسأل ربه ويستشفع إليه والرب تعالى لا يسأل العبد ولا يستشفع به.
وأما " زيارة القبور المشروعة " فهو أن يسلم على الميت ويدعو له بمنزلة الصلاة على جنازته كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أصحابه إذا زارو القبور أن يقولوا: " {سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم} وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " {ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام}.
والله تعالى يثيب الحي إذا دعا للميت المؤمن كما يثيبه إذا صلى على جنازته: ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفعل ذلك بالمنافقين. فقال عز من قائل: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} فليس في الزيارة الشرعية حاجة الحي إلى الميت ولا مسألته ولا توسله به؛ بل فيها منفعة الحي للميت كالصلاة عليه والله تعالى يرحم هذا بدعاء هذا وإحسانه إليه ويثيب هذا على عمله فإنه ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له}.
فصل:
وأما من يأتي إلى قبر نبي أو صالح أو من يعتقد فيه أنه قبر نبي أو رجل صالح وليس كذلك ويسأله ويستنجده فهذا على ثلاث درجات:
إحداها: أن يسأله حاجته مثل أن يسأله أن يزيل مرضه أو مرض دوابه أو يقضي دينه أو ينتقم له من عدوه أو يعافي نفسه وأهله ودوابه ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل: فهذا شرك صريح يجب أن يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #100  
قديم 24-03-2022, 10:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,672
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (100)

من صــ 473 الى صـ
ـ 480

وإن قال أنا أسأله لكونه أقرب إلى الله مني ليشفع لي في هذه الأمور؛ لأني أتوسل إلى الله به كما يتوسل إلى السلطان بخواصه وأعوانه فهذا من أفعال المشركين والنصارى فإنهم يزعمون أنهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم شفعاء يستشفعون بهم في مطالبهم وكذلك أخبر الله عن المشركين أنهم قالوا:

{ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} وقال سبحانه وتعالى: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون} {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون} وقال تعالى:
{ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون} وقال تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} فبين الفرق بينه وبين خلقه. فإن من عادة الناس أن يستشفعوا إلى الكبير من كبرائهم بمن يكرم عليه فيسأله ذلك الشفيع فيقضي حاجته: إما رغبة وإما رهبة وإما حياء وإما مودة وإما غير ذلك والله سبحانه لا يشفع عنده أحد حتى يأذن هو للشافع فلا يفعل إلا ما شاء وشفاعة الشافع من إذنه فالأمر كله له. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه " {لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ولكن ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له}.
فبين أن الرب سبحانه يفعل ما يشاء لا يكرهه أحد على ما اختاره كما قد يكره الشافع المشفوع إليه وكما يكره السائل المسئول إذا ألح عليه وآذاه بالمسألة. فالرغبة يجب أن تكون إليه كما قال تعالى: {فإذا فرغت فانصب} {وإلى ربك فارغب} والرهبة تكون من الله كما قال تعالى: {وإياي فارهبون} وقال تعالى: {فلا تخشوا الناس واخشون} وقد أمرنا أن نصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدعاء وجعل ذلك من أسباب إجابة دعائنا.
وقول كثير من الضلال: هذا أقرب إلى الله مني وأنا بعيد من الله لا يمكنني أن أدعوه إلا بهذه الواسطة ونحو ذلك من أقوال المشركين فإن الله تعالى يقول: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} وقد روي: أن الصحابة قالوا يا رسول الله: ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله هذه الآية.
وفي الصحيح أنهم كانوا في سفر وكانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " {يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا بل تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته} وقد أمر الله تعالى العباد كلهم بالصلاة له ومناجاته وأمر كلا منهم أن يقول:
{إياك نعبد وإياك نستعين} وقد أخبر عن المشركين أنهم قالوا {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}. ثم يقال لهذا المشرك أنت إذا دعوت هذا فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك وأقدر على عطاء سؤالك أو أرحم بك فهذا جهل وضلال وكفر وإن كنت تعلم أن الله أعلم وأقدر وأرحم فلم عدلت عن سؤاله إلى سؤال غيره؟ ألا تسمع إلى ما خرجه البخاري وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: " {كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم: إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم:
إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به - قال - ويسمي حاجته} أمر العبد أن يقول: أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم. وإن كنت تعلم أنه أقرب إلى الله منك وأعلى درجة عند الله منك فهذا حق؛ لكن كلمة حق أريد بها باطل؛ فإنه إذا كان أقرب منك وأعلى درجة منك فإنما معناه أن يثيبه ويعطيه أكثر مما يعطيك ليس معناه أنك إذا دعوته كان الله يقضي حاجتك أعظم مما يقضيها إذا دعوت أنت الله تعالى: فإنك إن كنت مستحقا للعقاب ورد الدعاء - مثلا لما فيه من العدوان - فالنبي والصالح لا يعين على ما يكرهه الله ولا يسعى فيما يبغضه الله وإن لم يكن كذلك فالله أولى بالرحمة والقبول.
وإن قلت: هذا إذا دعا الله أجاب دعاءه أعظم مما يجيبه إذا دعوته. فهذا هو " القسم الثاني " وهو ألا تطلب منه الفعل ولا تدعوه ولكن تطلب أن يدعو لك. كما تقول للحي: ادع لي وكما كان الصحابة - رضوان الله عليهم - يطلبون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء فهذا مشروع في الحي كما تقدم وأما الميت من الأنبياء والصالحين وغيرهم فلم يشرع لنا أن نقول: ادع لنا ولا اسأل لنا ربك ولم يفعل هذا أحد من الصحابة والتابعين ولا أمر به أحد من الأئمة ولا ورد فيه حديث بل الذي ثبت في الصحيح أنهم لما أجدبوا زمن عمر - رضي الله عنه - استسقى بالعباس وقال:
اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون. ولم يجيئوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلين: يا رسول الله ادع الله لنا واستسق لنا ونحن نشكو إليك مما أصابنا ونحو ذلك. لم يفعل ذلك أحد من الصحابة قط بل هو بدعة ما أنزل الله بها من سلطان بل كانوا إذا جاءوا عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسلمون عليه فإذا أرادوا الدعاء لم يدعوا الله مستقبلي القبر الشريف بل ينحرفون ويستقبلون القبلة ويدعون الله وحده لا شريك له كما يدعونه في سائر البقاع. وذلك أن في " الموطأ " وغيره عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:

" {اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} وفي السنن عنه أنه قال " {لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني} وفي الصحيح عنه أنه قال في مرضه الذي لم يقم منه: " {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} يحذر ما فعلوا. قالت عائشة رضي الله عنها وعن أبويها:

ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال قبل أن يموت بخمس: " {إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك} وفي سنن أبي داود عنه قال: " {لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج}. ولهذا قال علماؤنا: لا يجوز بناء المسجد على القبور وقالوا:
إنه لا يجوز أن ينذر لقبر ولا للمجاورين عند القبر شيئا من الأشياء لا من درهم ولا من زيت ولا من شمع ولا من حيوان ولا غير ذلك كله نذر معصية وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " {من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه} واختلف العلماء: هل على الناذر كفارة يمين؟ على قولين ولهذا لم يقل أحد من أئمة السلف: إن الصلاة عند القبور وفي مشاهد القبور مستحبة أو فيها فضيلة ولا إن الصلاة هناك والدعاء أفضل من الصلاة في غير تلك البقعة والدعاء؛ بل اتفقوا كلهم على أن الصلاة في المساجد والبيوت أفضل من الصلاة عند القبور - قبور الأنبياء والصالحين - سواء سميت " مشاهد " أو لم تسم وقد شرع الله ورسوله في المساجد دون المشاهد أشياء. فقال تعالى {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها} ولم يقل: المشاهد.
وقال تعالى: {وأنتم عاكفون في المساجد} ولم يقل في المشاهد وقال تعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد} وقال تعالى: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} وقال تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} وقال صلى الله عليه وآله وسلم {صلاة الرجل في المسجد تفضل على صلاته في بيته وسوقه بخمس وعشرين ضعفا} وقال صلى الله عليه وآله وسلم {من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة}.
وأما القبور فقد ورد نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذها مساجد ولعن من يفعل ذلك وقد ذكره غير واحد من الصحابة والتابعين كما ذكره البخاري في صحيحه والطبري وغيره في تفاسيرهم وذكره وثيمة وغيره في " قصص الأنبياء " في قوله تعالى {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} قالوا: هذه أسماء قوم صالحين كانوا من قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم طال عليهم الأمد فاتخذوا تماثيلهم أصناما؟ وكان العكوف على القبور والتمسح بها وتقبيلها والدعاء عندها وفيها ونحو ذلك هو أصل الشرك وعبادة الأوثان؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " {اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد}.
واتفق العلماء على أن من زار قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين - الصحابة وأهل البيت وغيرهم - أنه لا يتمسح به ولا يقبله؛ بل ليس في الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود وقد ثبت في الصحيحين: أن عمر رضي الله عنه قال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك.
ولهذا لا يسن باتفاق الأئمة أن يقبل الرجل أو يستلم ركني البيت - اللذين يليان الحجر - ولا جدران البيت ولا مقام إبراهيم ولا صخرة بيت المقدس ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين. حتى تنازع الفقهاء في وضع اليد على منبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما كان موجودا فكرهه مالك وغيره؛ لأنه بدعة وذكر أن مالكا لما رأى عطاء فعل ذلك لم يأخذ عنه العلم ورخص فيه أحمد وغيره؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما فعله.
وأما التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقبيله فكلهم كره ذلك ونهى عنه؛ وذلك لأنهم علموا ما قصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حسم مادة الشرك وتحقيق التوحيد وإخلاص الدين لله رب العالمين. وهذا ما يظهر الفرق بين سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم والرجل الصالح في حياته وبين سؤاله بعد موته وفي مغيبه؛ وذلك أنه في حياته لا يعبده أحد بحضوره فإذا كان الأنبياء - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - والصالحون أحياء لا يتركون أحدا يشرك بهم بحضورهم؛
بل ينهونهم عن ذلك ويعاقبونهم عليه ولهذا قال المسيح عليه السلام {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد} {وقال رجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما شاء الله وشئت فقال: أجعلتني لله ندا ما شاء الله وحده} وقال: " {لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد} ولما قالت الجويرية: {وفينا رسول الله يعلم ما في غد.

قال: دعي هذا قولي بالذي كنت تقولين}. وقال لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله " {ولما صفوا خلفه قياما قال: لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضهم بعضا}



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 310.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 305.14 كيلو بايت... تم توفير 5.80 كيلو بايت...بمعدل (1.86%)]