زخرفة المساجد

[ابوالوليد المسلم]

زخرفة المساجد


من الأخطاء التي عمت وطمت، زخرفة المساجد، حتى إنك لتدخل المسجد فترى الزخارف الملهية والنقوش المغرية والألوان الزاهية وكأنك في قصر من قصور الدنيا، فلا تكاد تخشع في عبادة أو تتدبر في طاعة.
والمساجد ينبغي أن تذكر العبد بالآخرة، وأن تحثه على التواضع والاستكانة، والزهد في الدنيا الفانية؛ ولذلك كره سلفنا الصالح زخرفة المساجد، هذا إذا لم تبلغ إلى حد الإسراف، فإذا بلغت الزخرفة حد الإسراف فقد يصل الأمر للتحريم كما قال تعالى: {ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا} (الإسراء: 26-27)، وقال سبحانه: {وأن المسرفين هم أصحاب النار} (غافر:43).
قال الإمام البخاري رحمه الله: باب بنيان المساجد، وقال أبو سعيد: كان سقف المسجد من جريد النخل، وأمر عمر ببناء المسجد، وقال: «أكنّ الناس من المطر، وإياك أن تحمّر أو تصفّر فتفتن الناس». وقال أنس: «يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا». وقال ابن عباس: «لتزخرفنها كمازخرفت اليهود والنصارى» (2).
وعند الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء -وحسنه الألباني- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم»(3).
وروى الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد»(4).
وفي «الصحيحين» عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي» (5).
قال الحافظ: ويستنبط منه كراهية كل ما يشغل عن الصلاة من الأصباغ والنقوش ونحوها. ا هـ.
قال النووي رحمه الله: وفي هذا الحديث كراهية تزويق محراب المسجدوحائطه، ونقشه وغير ذلك من الشاغلات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العلة في إزالة الخميصة هذا المعنى. اهـ.
وسئل الإمام مالك رحمه الله: عن المساجد هل يكره أن يكتب في قبلتها بالصبغ نحو آية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين ونحوها؟
فقال: «أكره أن يكتب في القبلة أو في المسجد بشيء من القرآن والتزاويق»، وقال: «إن ذلك يشغل المصلي». ا هـ(6).
والخلاصة: أن زخرفة حوائط المسجد وسقفه بأي نوع من أنواع النقوش والخطوط والزخارف والألوان لا يجوز لأمور:
1- أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مزخرفا.
2- نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن زخرفة المساجد، وتوعّد المزخرف بالدمار في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم».(7).
3- أنها تشغل المصلين، وتشوش قلوب المتعبدين، وهذا لا يجوز.
4- أن الأموال التي يجمعها القائمون على المسجد وقف لا يجوز إنفاقها إلا في مصلحة شرعية للمسجد، كبنائه وترميمه وفرشه ونحو ذلك، والزخرفة ليست مصلحة شرعية، بل محرمة أو مكروهة على أقل الأحوال، ولا يجوز إنفاق أموال الوقف في المحرمات أو المكروهات.
سؤال: يسأل أ. أ. م يقول: أنا عضو في لجنة إدارة أحد المساجد، وقد قمنا بجمع التبرعات من المصلين وقمنا بدهان المسجد وتلوينه من الداخل وهو الآن مزخرف، وكنا لا نعلم حكم زخرفة المسجد مع العلم أننا أنفقنا على ذلك خمسة آلاف جنيه، ونحن الآن علمنا الحكم.. فماذا نصنع؟ وكيف نتوب إلى الله من هذا الفعل؟ لأنني كلما دخلت المسجد ونظرت إلى زخارفه تذكرت ذنبي هذا، وأنني كنت سببا في هذا الفعل.. أفيدونا أحسن الله إليكم.
الجواب: الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، وبعد: فإنكم قد تصرفتم في أموال الوقف تصرفا غير مشروعا فعليكم بأمور:
أولا: طمس هذه الزخارف التي في المسجد وجعل حائطه لونا واحدا لا يشغل المصلين، وذلك على نفقتكم الخاصة.
ثانيا: ضمان مبلغ الخمسة آلاف وتقسيمه على أعضاء اللجنة، فكل عضو يتحمل منها قسطا، وإرجاعه إلى خزينة المسجد مرة أخرى.
ثالثا: تعريف الناس بأن هذا الفعل غير مشروع، وأنكم أخطأتم حتى لا يقتدي بكم أحد في مساجد أخرى.
رابعا: الاستغفار والتوبة والندم على ما بدر منكم من الإقدام على عمل دون استشارة أهل العلم.
ونسأل الله أن يغفر لكم وأن يتجاوز عن فعلكم وأن يبدل سيئاتكم حسنات، إنه غافر الزلات.
هذا وصلى اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الهوامش:
1- راجع «مخالفات الطهارة والصلاة) (1/223)، «أخطاء المصلين» للمصري (25)، «أخطاء المصلين» للمنشاوي (215)، و«جامع أخطاء المصلين» (86)، و«القول المبين» (65)، و«معجم البدع» (614)، و«نيل الأوطار» (2/156).
2- «صحيح البخاري»، كتاب الطهارة، باب: بنيان المسجد.
3- «السلسلة الصحيحة» (1351).
4- صحيح: رواه أبو داود (449) وغيره وصححه الألباني.
5- صحيح: رواه البخاري (373)، ومسلم (556).
6- نقلا عن الحوادث والبدع للإمام أبي بكر الطرطوشي (223).
7- حسن: رواه الحكيم الترمذي وابن أبي شيبة، وحسنه الألباني في «الصحيحة» (1351).




اعداد: وحيد عبدالسلام بالي