ذنوب القلوب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الدروس المستفادة من غزوة حنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          من أسالبيب التربية النبوية : الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          العلم والأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          أخطاء وعثرات الأقلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 215 )           »          يا أختاه لا تكوني معولاً يهدم به الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 2194 )           »          فضائل قراءة سورة الكهف : كل الأحاديث الصحيحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          الاستعداد لمرحلة الشيخوخة ومعاناة كبار السن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          المعاصي تمحق بركة العمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4525 - عددالزوار : 1161515 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصور والغرائب والقصص > ملتقى القصة والعبرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-02-2024, 07:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,996
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذنوب القلوب

ذنوب القلوب

– الخيلاء

- وما الفرق بين العجب والكبر والخيلاء؟ - أما الكبر فقد فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «الكبر بطر الحق وغمط الناس» (مسلم). أي رد الحق، وظلم الناس والاستعلاء عليهم؛ فالكبر يحتاج إلى أناس يتكبر عليهم، وأما العجب، فلا يحتاج إلى غيره، فيعجب المرء بشيء عنده ولم يعرف به أحد، ويرجع ما يعجب به إلى نفسه ولا يرى فضل الله عليه، أما الخيلاء فهو أعلى من العجب، ودون الكبر، وهو أن يرى نفسه أفضل من غيره، فيكبر نفسه ويصغر غيره. كنت وصاحبي نتجاور في مكتبته التي تبرع بأكثر من ٩٠٪ من كتبها للجان الدعوة في أفريقيا، وأبدلها بجهاز حاسوب، فيه أكثر من عشرين ألف كتاب لا يحتاج للاتصال بالشبكة العنكبوتية، فضلا عن البحث الفوري في الشبكة. - وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الخيلاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

«جاء أهل اليمن، هم أرق أفئدة وأضعف قلوبا، والإيمان يمان والحكمة يمانية، والسكينة في أهل الغنم والفخر والخيلاء في الفدادين من أهل الوبر..». وفي الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رأس الكفر نحو المشرق، والفخر والخيلاء في أهل الخير والإبل والفدادين في أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم» (صحيح البخاري). والفدادون: هم الذين يرفعون أصواتهم وهي عادة أهل الإبل في التعامل مع إبلهم، وقيل هم رعاة الإبل والبقر والحمير، وفي رواية في الصحيحين: «في الفدادين عند أصول أذناب الإبل»، ومن هذا الحديث نفهم معنى الخيلاء، وهو عكس السكينة، التي هي الطمأنينة والتواضع. جلس صاحبي خلف جهاز الحاسوب.
دعني أقرأ لك بعض ما جمعت من هذا الموضوع: سميت الخيلاء والمختال مختالا؛ لأن المختال يتخيل في نفسه من عظمته وقدره ما لا حقيقة له، والله لا يحب كل مختال فخور. وأكثر ما يكون الخيلاء بالأفعال، كأن يتخايل في مشيته، أو في مركوبه، أو في ملبسه، أو نحو ذلك. في غزوة أحد ورد أن أبا دجانة أعلم بعصابة حمراء فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مختال في مشيته بين الصفين، «فقال إنها مشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع» (الطبراني في معجمه الكبير). وعن ابن جابر بن عتيك الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، ومن الخيلاء ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في ريبة وأما التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة وأما الخيلاء التي يحب الله أن يتخيل العبد بنفسه لله عند القتال وأن يتخيل بالصدقة» (تعليق شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره). وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء»، متفق عليه. وفي لفظ آخر عند البخاري: «من جر ثوبه مخيلة: لم ينظر الله إليه يوم القيامة».
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة». قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والأصل في ذلك قوله -تعالى-: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان:18)، وقوله -عز وجل-: {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (الحديد:23)، وقول -تعالى-: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (الأنفال:47).
فذم الله -سبحانه وتعالى- الخيلاء والمرح والبطر. قال ابن القيم عن العجب: «أصله: رؤية نفسه، وغيبته عن شهود منة ربه وتوفيقه».

والخيلاء: أن يرى نفسه فوق ما هي عليه، أو ما تستحقه، أو يرى الناس عظمة نفسه. والفخر: هو التمدح بالخصال وذكر المناقب، بتفضيل نفسه على غيره.
وهذه الخصال بينها من التداخل ما يجعلها مترابطة، ولاسيما الفخر والخيلاء؛ فلا يكاد يتصف أحد بخصلة منها، فيسلم من أختها. وكأن هذه الصفات قنوات تنبع من معين واحد وهو: الكبر، وتخيل عظمة نفسه وفضله، وإرادة تعظيم الخلق له، وحمدهم له. وقال ابن كثير: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي: مختالا في نفسه، معجبا متكبرا، فخورا على الناس، يرى أنه خير منهم، فهو في نفسه كبير، وهو عند الله حقير، وعند الناس بغيض» انتهى من تفسير ابن كثير. - وما المخرج من هذه الآثام، والحفظ منها؟ - العلاج، دائما بنقض الأسباب، فينظر إلى النقض الذي فيه وعيوبه ويرجع الخير الذي فيه لله -عز وجل-، وأن الله يختبره بما أنعم عليه، ويذكر نفسه أن الله مطلع عليه وينظر إلى قلبه، ولا ينسى أن آثام القلوب وذنوبها أعظم عند الله من ذنوب الجوارح، ويدعو الله -عز وجل- صادقا مخلصا، كما في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم .
«واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت» (رواه مسلم).



اعداد: د. أمير الحداد

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 06-07-2024 الساعة 06:07 AM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-03-2024, 12:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,996
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذنوب القلوب

ذنوب القلوب

– القنوط من رحمة الله

بعد صلاة العشاء، رافقني (أبو أحمد) مشيا إلى مساكننا. - تحدثنا عن (الأمن من مكر الله)، وأنه لا ينبغي لعبد أن يأمن مكر الله، ولاسيما إن كان معرضا عن دين الله، غارقا في معصية الله، وماذا عن (القنوط من رحمة الله).؟ - ربما نستطيع أن نقول: «إن على المؤمن ألا يأمن مكر الله»، وعلى العاصي «ألا يقنط من رحمة الله»؛ وذلك لقول الله -تعالى-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53). قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: «هذه أرجى آية في كتاب الله»؛ فالفقيه هو الذي لا يُيَئِس الناس من رحمة الله، ولا يجرئهم على معصية الله. - كلام جميل، زدنا من تفسير هذه الآية. - في تفسير ابن عاشور (يغفر الذنوب)، الألف واللام قد صيرت الجمع الذي دخلت عليه للجنس الذي يستلزم الاستغراق بمعنى إن الله يغفر كل ذنب كائنا ما كان إلا ما أخرجه النص القرآني وهو الشرك، ثم لم يكتف بذلك بل أكده بقوله (جميعا)، فيا لها من بشارة ترتاح لها النفوس! وما أحسن التعليل {إنه هو الغفور الرحيم}.! وهنا أذكر كلام ابن القيم في الأسماء الحسنى المقترنة التي تختم بها الآيات: «فإن لله -عز وجل- كمالا من اسم الغفور، وكمالا وجمالا من اسم الرحيم، وكمالا جديدا من اقتران هذين الاسمين فهو -سبحانه- (الغفور الرحيم)..»، فلا شك أن الغفور الرحيم لن يعذب عباده التائبين! - وما الفرق بين اليأس والقنوط؟ - (اليأس) و(القنوط) كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا في المعنى، وإذا تفرقتا اجتمعتا في المعنى، و(اليأس) ورد في قوله -تعالى- عن يقعوب: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف:87). وقالوا القنوط أشد اليأس، وقال آخرون بل اليأس أشد من القنوط؛ لأنه صفة الكافرين، وقالوا اليأس يكون مع المصيبة، وهو انقطاع الأمل من زوالها، والقنوط مع المعصية وهو استبعاد مغفرتها، وعلى كل حال المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من روح الله، مهما كان ذنبه، ومهما كانت مصيبته! وفي الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلا قال: «يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله واليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله» (حسنه الألباني). منازلنا تبعد سبع دقائق مشيا إلى المسجد، ومنزل (أبي حمد) قبل منزلي بمئة متر تقريبا. - ولا ينبغي أن يكون (الرجاء) برحمة الله ومغفرته سببا في التهاون في المعصية فضلا عن الدوام عليها؛ فالعبد ينبغي أن يخوف نفسه من قصد المعصية والعزم عليها؛ فإن قصدتها فليخوفها من ارتكابها، فإن غلبته فليخوفها من الإصرار عليها وليأمرها بالتوبة، وأن الله يغفر الذنوب جميعا، فإن أصرت على الذنب فليذكرها بالاستغفار وأن الله يغفر الذنوب جميعا، فإن أصرت على الذنب قنوطا من رحمة الله فليذكرها أنه لا يقنط من روح الله إلا القوم الكافرون. اقترح علي صاحبي أن نقرأ ما ذكره ابن تيمية في مسألة القنوط. - لك ذلك فالكتب كلها -ولله الحمد- محمولة في جيبي! قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الآية السابقة: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53): المقصود بها النهي عن القنوط من رحمة الله -تعالى- وإن عظمت الذنوب وكثرت، فلا يحل لأحد أن يقنط من رحمة الله، ولا أن يقنط الناس من رحمته. والقنوط من رحمة الله بمنزلة الأمن من مكر الله -تعالى- وحالهم مقابل لحال مستحلي الفواحش؛ فإن هذا أمن مكر الله بأهلها وذاك قنط أهلها من رحمة الله، والقنوط يكون بأن يعتقد أن الله لا يغفر له؛ إما لكونه إذا تاب لا يقبل الله توبته ويغفر ذنوبه، وإما بأن يقول نفسه لا تطاوعه على التوبة بل هو مغلوب معها، والشيطان قد استحوذ عليه فهو ييأس من توبة نفسه، وإن كان يعلم أنه إذا تاب غفر الله له، وهذا يعتري كثيرا من الناس، والقنوط يحصل بهذا تارة وبهذا تارة، فالأول كالراهب الذي أفتى قاتل تسعة وتسعين أن الله لا يغفر له فقتله، وكمل به مائة، ثم دل على عالم فأتاه فسأله فأفتاه بأن الله يقبل توبته والحديث في الصحيحين، والثاني كالذي يرى للتوبة شروطا كثيرة، ويقال له: لها شروط كثيرة يتعذر عليه فعلها فييأس من أن يتوب» (مجموع الفتاوى).


اعداد: د. أمير الحداد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-05-2024, 07:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,996
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذنوب القلوب

ذنوب القلوب – الحرص على الدنيا – فقيرٌ كلُّ ذي حرصٍ

مع دخول الشهر السابع من التقويم الميلادي يشتد الحر، ويطول النهار ويقصر الليل، ويفضل كثير من الناس السفر، ومن لا يستطيع يجعل نشاطاته الاجتماعية ليلية، ويصلي الفجر ثم ينام إلى الصباح، ويقيل ساعتين قبل العصر أو بعده. - الحمدلله، وبصراحة أنا من محبي أشهر الصيف، أشعر أنها صحية، ويمكن للمرء أ ن ينجز الكثير في فترة العصر الطويلة. استغرب (أبو سالم) وجهة نظر صاحبي! - أظنك تقول ذلك لأنك لا تحب السفر ابتداء. سبقت صاحبي في التعليق. - كثير من الناس يحرص حرصا شديدا على السفر، وإن اضطر إلى الاستدانة، وإن أرهق ميزانيته، وهذا النوع من الحرص ليس من التدبير الصحيح، وليس من الدين، فالحرص على الدنيا من أشد ما يضر العبد في دينه. كنا ثلاثة، نعود بعد صلاة العصر أخا لنا في المستشفى الصدري، أجرى فحوصات القلب وتبين ضرورة إجراء عملية قلب مفتوح بعد ثلاثة أيام. - ماذا لديك في موضوع الحرص؟ - الحرص نوعان أساسيان، حرص على المال، وحرص على الشرف، ولكل منهما قسمان، أما الحرص على الشرف فهو الحرص على الرئاسة والإمارة والوزارة وغيرها، والقسم الآخر هو الحرص على العلم والدين لأجل العلو والرفعة، وهذا هو الأسوأ، والحرص على المال قسمان، طلبه بشدة والاشتغال به من الوجوه المباحة؛ بحيث يشغله عن الآخرة، والثاني طلبه من الأبواب المحرمة ومنع حقوق من لهم حق فيه. قاطعني: - اسمح لي أن أعترض على القسم الثالث وهو طلب المال من الحلال وصرفه في حلال، هذا لا شيء فيه. - لعلك لم تنتبه إلى مقولتي، «بحيث يشغله عن الآخرة»، ودعني أورد لكما بعض الأحاديث في ذلك. الطريق إلى المشفى يستغرق قرابة الثلاثين دقيقة، استخرجت هاتفي وأخذت أقرأ. - عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لهما من حرص المرء على المال والشرف لدينه» (صحيح الرغيب - الترمذي). وعن زين بن ثابت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كانت الدنيا همه، فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة» (السلسلة الصحيحة). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله -تعالى- لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» (صحيح أبي داود وابن ماجه). - ما المقصود بـ(عرف الجنة)؟ - ريحها. وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من جعل الهموم هما واحدا على المعاد، كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا، لم يبال الله في أي أوديتها هلك» صحيح الجامع. فالقصد أن العبد مجبول على حب الدنيا وجمع المال، والتوسع في المباحات، وكما قال الله -تعالى-: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (آل عمران:14). والآية التي بعدها مباشر: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (15). فلا ينبغي أن تكون الدنيا هما، يشغل العبد ليل نهار، بل يعطي الدنيا ما تستحق والآخرة ما تستحق ويضع كل منهما في مكانه. وماذا عن الحديث في التحذير من طلب الإمارة؟ - نعم ، جزاك الله خيرا ذكرتي. في البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة؛ فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة !» . فهذه الغرائز جعلها الله في خلقه لتستقيم دنياهم كبقية الشهوات الأخرى، فعلى العبد أن يتعامل معها تعاملا إيجابيا، ويستفيد منها، وإلا أصبحت سببا لهلاكه، شهوة الأكل وشهوة النساء وشهوة المال، وشهوة الرئاسة، وشهوة العلو، والارتفاع، والبروز، وشهوة القوة والسيطرة، وغيرها من شهوات النفس. قال ابن القيم في (الفوائد): إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده، تحمل الله عنه -سبحانه- حوائجه كلها، وحمل عنه كل ما أهمه، وفرغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه، حمله الله همومها وغمومها وأنكادها، ووكله إلى نفسه؛ فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره.


اعداد: د. أمير الحداد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15-05-2024, 09:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,996
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذنوب القلوب

ذنوب القلوب – الطيرة

- سمعت حديثا في المذياع، وأظنني لم أسمعه كاملاً، أو ربما كان هناك خلل في الإرسال. هكذا بدأ صاحبي حديثة بعد أن انتهينا من العشاء، وكنا في طريق العودة إلى منازلنا.. - وما الحديث؟ - كان عن الطيرة، أو التشاؤم؛ لأن المحاورة كانت حول هذا الموضوع، فذكر الضيف: «أن الطيرة شرك». أنقله بالمعنى. ثم قال: « وما منا إلا... ولكن الله يذهبه بالتوكل». - نعم الحديث صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن والإمام أحمد، ونصه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا.. ولكن الله يذهبه بالتوكل». و(الطيرة) أصلها من الطير، وذلك أنهم في الجاهلية كانوا إذا أرادوا أمراً أطلقوا الطير، فإن اتجهت يميناً استبشروا وأقدموا، وإن انطلقت شمالا تشاءموا وأحجموا ! ثم توسعوا في الأمر، بأنهم إذا عزموا على أمر، فسمعوا كلمة (..ثم.. أفلح.. خير...) أقدموا على الأمر وإذا سمعوا (خاب.. انقطع.. عجز...) تشاءموا وأحجموا ! والتشاؤم ليس في دين الله، ووصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه (شرك)؛ لأنه من أعمال الجاهلية المتعارف عليها، وهو سوء ظن بالله -عز وجل-، أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: «وما منا إلا..» أي كل أحد يعتريه شيء من التشاؤم أو (فكر سلبي)، وهذا يذهبه الله بالتوكل عليه، أما من تصرف وفق ما يعتريه من تشاؤم، فقد وقع في باب من أبواب الشرك. - وما الآيات التي ذكر الله فيها الطيرة؟ - وصف الله موقف الأمم الكافرة من رسلها بقوله -سبحانه-: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} (يس:18-19). ويقول -عز وجل عن قوم فرعون-: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (الأعراف:131). وعن قوم صالح يقول الله -تعالى-: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} (النمل:47). وعن معاوية بن الحكم العلمي - رضي الله عنه - قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ عطس رجل؛ فقلت: يرحمك الله، فعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا ينبغي الكلام في الصلاة، فقال: إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالاً يأتون الكهان، قال - صلى الله عليه وسلم - فلا تأتهم، قال: ومنا رجال يتطيرون، قال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يعيدنهم» (صحيح مسلم). دعني، أخبرك بما فهمت: لا ينبغي التوقف عن عمل شيء لأجل التشاؤم؛ بسبب رؤية طائر أو حيوان أو سماع كلمة، بل يجب التوكل على الله، وعدم الالتفات إلى هذه الأمور، وربما ينتاب المرء شعور سيئ، فلا ينبغي النظر إليه؛ لأن الله يذهبه بالتوكل عليه -سبحانه. - نعم هذا هو الأمر باختصار. - وماذا عن الحديث الذي يذكر أن التشاؤم في المرأة والمركبة؟ نص الحديث: عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا عدوى، ولا طيرة والشؤم في ثلاث: في المرأة والدار، والدابة» (متفق عليه)، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة والدابة والسكن» (صحيح الجامع). ومعنى هذا الحديث: إن فرض وجود الشؤم، فيكون في هذه الثلاثة، والمقصود منه نفي صحة الشؤم ووجوده على وجه المبالغة فهو من قبيل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين»، فلا ينافيه حينئذ عموم نفي الطيرة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا عدوى ولا طيرة»، قال الخطابي هو استثناء من غير الجنس، ومعناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير؛ فكأنه قال: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس يكره سيره فليفارقه، ومنها أنه ليس المراد بالشؤم في قوله: «الشؤم في ثلاثة»، معناه الحقيقي بل المراد من شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، ومن شؤم المرأة ألا تلد وأن تحمل لسانها عليك، ومن شؤم الفرس ألا يغزى عليه، وقيل حرانها (عدم انقيادها لصاحبها) وغلاء ثمنها. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع: «يا راشد» «يا نجيح» صحيح الترمذي. وجاء في «الموسوعة الفقهية الكويتية»: إن اعتقد المكلف أن الذي شاهده من حال الطير موجب لما ظنه، مؤثر فيه، فقد كفر؛ لما في ذلك من التشريك في تدبير الأمور. أما إذا علم أن الله -سبحانه وتعالى- هو المتصرف والمدبر وحده، ولكنه في نفسه يجد شيئا من الخوف من الشر؛ لأن التجارب عنده قضت أن صوتا من أصوات الطير، أو حالا من حالاته يرادفه مكروه، فإن وطن نفسه على ذلك فقد أساء، وإن استعاذ بالله من الشر، وسأله الخير، ومضى متوكلا على الله، فلا يضره ما وجد في نفسه من ذلك، وإلا فيؤاخذ؛ لحديث معاوية بن حكيم. وقال عكرمة: كنت عند ابن عباس - رضي الله عنه - فمر طائر يصيح؛ فقال رجل من القوم خيرا خيرا. فقال ابن عباس ما عند هذا لا خير ولا شر. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا طيرة وخيرها الفأل». قالوا: وما الفأل؟ قال: «الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم» متفق عليه. عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك، قالوا يا رسول الله، ما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول أحدهم اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك». تعليق شعيب الأرنؤوط : حسن


اعداد: د. أمير الحداد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22-05-2024, 06:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,996
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذنوب القلوب

ذنوب القلوب – الغفلة

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ركيزة أساسية في الحياة اليومية للغالبية الكبرى، بل أصبح جيل الألفية الثانية، لا يمكن أن يعيشوا دون هاتف ذكي، ومشاركة في وسائل التواصل، يعرفون كل شيء عن هذه البرامج، وكلما ظهر برنامج جديد أتقنوه، وأدمنوه. - لا أدري إلى ماذا سيؤدي هذا التسارع الكبير في هذه البرامج. - والله، لا أرى إلا زيادة فساد، وانتشار للأفكار غير المنضبطة، ودون حدود، تُلقى الفكرة في أقصى الشرق فتصل إلى أقصى الغرب بلمح البصر، يطلع عليها أحفادنا، ولا ندري مدى تأثرهم. نسأل الله الحفظ والرحمة لأجيالنا القادمة. - ما أستغربه هو سرعة إتقانهم لكل جديد، مع أن جيلنا بالكاد اعتاد على الرسائل، وبعض طرائق التواصل مثل (الواتس أب). - ألم تقرأ قول الله -تعالى-: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (الروم:7). يقول الحسن البصري: «والله ليبلغ أحدهم من دنياه أن يقلب الدرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، وما يحسن أن يصلي». - والله لقد صدق، هذا حال أغلب جيل أحفادنا، يعرفون أدق تفاصيل هذه البرامج، ولا يحسنون قراءة القرآن من المصحف! - إن الغفلة عن الآخرة هي السبب الأول في الانغماس في تفاصيل الدنيا وإتقانها. - كنت وصاحبي في حفل تخرج أحفادنا، في إحدى المدارس الخاصة، وكان أحد التلاميذ يستعرض مهاراته في الهاتف الذكي ضمن برنامج حفل التخرج. قررنا الذهاب خارج المسرح لنأخذ قهوتنا بعيدا عن الضوضاء. - الغفلة عن الآخرة، ظاهرة عامة في أيامنا هذه، كل الناس مشغول، الأطفال في مدارسهم، والآباء في أعمالهم، وجميعهم في المناسبات الاجتماعية، وأصبح التوجه إلى الله، شكليا وفي المواسم، مثل رمضان، والعشر الأواخر منه، فقط، وربما موسم الحج. - لا يمكن أن نعمم، ولكن هذا ملاحظ، والغفلة عن الآخرة سببها الأساس (جهل المرء بالله -عز وجل)، وذلك أن من عرف ربه بأسمائه وصفاته، لا يمكن أن يغفل لقاءه يوم القيامة. - وأظن أن صحبة الدنيا سبب مهم في الغفلة. - نعم، من كان يصاحب أهل الدنيا، فهو منهم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل» (حسنه الألباني). ولا شك أن المجلس الذى يخلو من ذكر الله، وينشغل بالمباريات واللهو واللعب والأكل والمزاح وأحاديث الدنيا يشغل الشاب عن الآخرة، وكثير منهم يقضى الساعات الطويلة في مثل هذه المجالس، وربما لا يسمعون الأذان فلا يذهبون للمسجد، وأفضلهم من يؤدي الصلاة في المجلس ويرجع إلى لهوه. ولو أن أحدهم التزم أن يؤدي الصلوات في المسجد في أوقاتها لحفظه الله من الغفلة، كما في الحديث، عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين» (رواه ابن خزيمة وصححه الألباني). والغفلة من صفات الكافرين، كما وصفهم الله -عز وجل- {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (الأنبياء:1-2). ويقول -سبحانه-: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (الأعراف:146). والغفلة سبيل لترك الواجبات، ونتيجة لها. استغرب صاحبي مقولتي! - ماذا تعني بأنها سبيل لترك الواجبات، ونتيجة لها ؟ - من غفل عن أداء الواجبات وتهاون في الفرائض، عاقبه الله بالغفلة في قلبه، كما في الحديث عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -[-: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين) مسلم. وربما تكون الغفلة ثمرة لحب الدنيا، والحرص عليها وطول الأمل فيها؛ فالإنسان يكبر، ولكن يزداد تعلقا بالدنيا إن لم يهذب نفسه ويلجمها ويذكرها الآخرة، كما في الحديث، عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يهرم ابن آدم وتشب منه اثنتان الحرص على المال والحرص على العمر»، (مسلم)، وفي رواية، «الشيخ يكبر ويضعف جسمه وقلبه شاب على حب اثنتين: طول الحياة وحب المال» (حسن - السلسلة الصحيحة). فالعبد إن لم يرب نفسه على الالتزام بتعاليم الدين، وينشأ على ذلك، ويتمسك به، لن يجد السبيل إلى ذلك سهلاً إذا تقدم به العمر. سمعنا تصفيقاً، إيذانا ببدء توزيع الشهادات. - لذلك دلنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على أعمال نواظب عليها لنحفظ أنفسنا عن الغفلة، أولها -كما ذكرت-: المحافظة على الصلوات الخمس المكتوبات في وقتها جماعة.. والثانية كما في الحديث عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين» (رواه أبو داود وصححه الألباني). هذه والله سهلة، يعني لو قام أحدنا كل ليلة، بالفاتحة ثم سورة الإخلاص (أربع آيات) والفلق (خمس آيات) والناس (ست آيات) أي خمس عشرة آية، لم يكتب من الغافلين؟ - هذا من فضل الله وتيسيره، والحمدلله. ولا شك أن من وطن نفسه أن يقرأ كل يوم شيئاً من كتاب الله، والتزم الدعاء فإن الله -عز وجل- يوفقه لأن يحفظه من الغفلة، ومن أسباب إزالة الغفلة زيارة القبور بين فترة وأخرى كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة» ( مسلم). قال ابن القيم: فأكثر الخلق لا ينظرون في المراد من إيجادهم، ولا يتفكرون في قلة مقامهم في دار الغرور، ولا إلى أين يرحلون؟ وأين يستقرون؟ قل نصيبهم من العقل، وشملتهم الغفلة، وغرتهم الأماني، وخدعهم طول الأمل، وكأن المقيم لا يرحل. وكأن أحدهم لا يبعث ولا يسأل، وكأن مع كل مقيم توقيع من الله لفلان بن فلان، بالأمان من عذابه، والفوز بجزيل ثوابه، فأما اللذات الحسية، والشهوات النفسية، كيفما حصلت فإنهم حصلوها، ومن أي وجه لاحت أخذوها، غافلين عن المطالبة، آمنين من العاقبة، يسعون لما يدركون، ويتركون ما هم به مطالبون، ويعمرون ما هم عنه منتقلون، ويُخربون ما هم إليه صائرون، وهم عن الآخرة هم غافلون، ألهتهم شهوات نفوسهم، فلا ينظرون في مصالحها، ولا يأخذون في جمع زادها في سفرها: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أَوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ}.


اعداد: د. أمير الحداد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 08-06-2024, 11:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,996
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذنوب القلوب

ذنوب القلوب – حب المعصية

من الآيات التي تقلقني أحيانا، قوله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (الحجرات:7). - ليتك أتبعتها بالآية بعدها: {فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (الحجرات:8)، أحسنت ولكن الجزء الذي أردت التركيز عليه هو قوله -تعالى-: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}، وذلك أن نفسي «تشتهي» أحياناً ارتكاب المعصية، حتى أكون صريحاً معك، من باب التجربة، وقد تكون من الكبائر أحيانا. - وهل تقدم على ارتكابها؟ - أحاول أحياناً، ولكن الله يعصمني، ولا أقع فيها، وأحياناً أؤنب نفسي، وأحتقرها إذا ارتكبتها، وأستغفر وأتوب، ولكن أشعر أن المؤمن لا ينبغي أن يفكر في ارتكاب المعصية. دعني أبين لك أولا، حديث النفس، لا شيء فيه، إن لم يترجم إلى عمل، والشيطان لا يدع أحداً إلا ويحاول أن يغويه، والله -عز وجل- يحفظ عباده المخلصين، فمن كان صادقاً مع الله، يأتيه حديث النفس ووسوسة الشيطان، ولكنه يذكر نفسه وينتهي، وفي ذلك آيات كثيرة، منها: قوله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (الأعراف:201). وقوله -سبحانه-: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (ص)، وكذلك: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيَّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانُ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} (الحجر). وفي الحديث: عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه -عز وجل- قال: قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك: فمن هم بحسنة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها وعملها، كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها، كتبها الله له سيئة واحدة» متفق عليه. وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» تعليق شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره. وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن عبدا أصاب ذنبا، وربما قال أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت وربما قال: أصبت فاغفر لي؛ فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا، أو أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت، أو أصبت آخر فاغفره فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا وربما قال: أصاب ذنبا، قال: قال رب أصبت أو أذنبت آخر فاغفره لي؛ فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء» أخرجه البخاري. كان صاحبي -كعادته - يحدثني بما يدور في خاطره ويفكر بصوت عال، ولا يفعل ذلك إلا معي - كما يقول. - فالعبد المؤمن وإن وقع فى (الفاحشة)، لا يجاهر بها، ولا يحبها، ولا يدعو إليها، والجميع يقع في الذنب، والصالحون يستغفرون ويتوبون، وغيرهم يتمادى في الغي، ويتفاخر به ويدعو إليه، ويحب أن يرى الجميع ما يقع فيه؛ ولذلك يقول -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النور:19)، القلب المؤمن لا يحب الفاحشة، وإن وقع فيها، ولا يجب أن ينتشر، وإن ارتكبها، وذلك أن قلب المؤمن يبقى على الفطرة السليمة، كما أخبر الله -عز وجل-، يكره الكفر والفسوق العصيان، أما القلب الذي يحب هذه الأمور فقد زاغ عن درب الراشدين، وسلك طريق الخائبين. ودعنى أقرأ لك من تفسير ابن عاشور في هذه الآية - أعني آيه سورة النور: لما حذر الله المؤمنين من العود إلى مثل ما خاضوا به من الإفك على جميع أزمنة المستقبل، أعقب تحذيرهم بالوعيد على ما عسى أن يصدر منهم في المستقبل بالوعيد على محبة شيوع الفاحشة في المؤمنين، فيعم المؤمنين والمنافقين والمشركين، فهو تحذير للمؤمنين وإخبار عن المنافقين والمشركين. وجعل الوعيد على المحبة لشيوع الفاحشة في المؤمنين تنبيها على أن محبة ذلك تستحق العقوبة؛ لأن محبة ذلك دالة على خبث النية نحو المؤمنين، ومن شأن تلك الطوية ألا يلبث صاحبها إلا يسيراً حتى يصدر عنه ما هو محب له، أو يسر بصدور ذلك من غيره، وتلك المحبة شيء غير الهم بالسيئة وغير حديث النفس؛ لأنهما خاطران يمكن أن ينكف عنهما صاحبهما، وأما المحبة المستمرة فهي رغبة في حصول المحبوب، ومعنى أن تشيع الفاحشة أن يشيع خبرها؛ لأن الشيوع من صفات الأخبار والأحاديث كالفشو وهو: اشتهار التحدث بها، فتعين تقدير مضاف، أي أن يشيع خبرها؛ إذ الفاحشة هي الفعلة البالغة حدا عظيماً في الشناعة. وشاع إطلاق الفاحشة على الزنا ونحوه، وتقدم في قوله -تعالى-: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ}. في سورة النساء. وتقدم ذكر الفاحشة بمعنى الأمر المنكر في وتقدم الفحشاء قوله: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا}. في سورة الأعراف في قوله -تعالى-: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء}. في سورة البقرة ومن أدب هذه الآية أن شأن المؤمن ألا يحب لإخوانه المؤمنين إلا ما يحب لنفسه، وصلنا إلى محل الخياطة الذي أراده صاحبي، ليأخذ (الدشاديش) التي خاطها لموسم الشتاء. - العبد المؤمن إن حدثته نفسه بمعصية، تذكر عظمة الله وشدة عقابه، فإذا وقع بها، تاب إلى الله واستغفر، وأكثر من الاستغفار والحسنات، ولا يستمر فى المعاصي، ولا يتوقف عن التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله، ويبذل الأسباب بالابتعاد عن مواطن الفتن وأماكن الفاحشة وصحبة السوء، ويستعين بالله دائما صادقاً، وسوف يصل إلى بر الأمان بإذن الله -تعالى.


اعداد: د. أمير الحداد




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 102.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 98.85 كيلو بايت... تم توفير 4.04 كيلو بايت...بمعدل (3.93%)]