شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله - الصفحة 70 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         زخرفة المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 70 - عددالزوار : 16817 )           »          لماذا نحن هنا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          يغيب الصالحون وتبقى آثارهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الهواتف الذكية تحترف سرقة الأوقات الممتعة في حياة الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 34 - عددالزوار : 1150 )           »          استشراف المستقبل من المنظور الشرعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 10 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم «أن تحويل القبلة أنهى مكانـة المسـجد الأقصى عند المسلمين»!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          لماذا يكذب الأطفال؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          وأنت تقرأ القرآن أو تسمعه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #691  
قديم 11-07-2022, 08:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,989
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (المكيال مكيال أهل المدينة ...)

قوله: [ أخبرنا أحمد بن سليمان ].هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ حدثنا أبو نعيم ].
هو أبو نعيم الفضيل بن دكين الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو نعيم، وهو متقدم، وهو من كبار شيوخ البخاري، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد وصف بأن فيه تشيع، ولكن جاء عنه عبارة تدل على سلامته من التشيع، كما ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمته في مقدمة الفتح يقول: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية، يعني: الملائكة الذين يكتبون الحسنات والسيئات ما كتبوا عليه سيئة أنه سب معاوية، ومن المعلوم أن بين الشيعة والرافضة في سب معاوية قدر مشترك بينهما، يجتمعون عليه ويتفقون عليه، ولكن الفرق بينهم فيمن وراءه، فإن من الشيعة من لا يسب الشيخين أبا بكر وعمر، والرافضة يسبون الشيخين وغير الشيخين، لكن معاوية قدر مشترك، الشيعة يسبونه، والزيدية الذين هم أخف الشيعة يسبون معاوية، ومن السهل عليهم سب معاوية رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
الحاصل: أن أبا نعيم الفضل بن دكين وصف بأنه يتشيع، وقد أجاب الحافظ ابن حجر عن هذا الوصف بأنه جاء عنه هذه العبارة التي تدل على سلامته من هذا الوصف الذي هو التشيع.
يروي عن سفيان ، وسفيان هو الثوري، سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وسفيان مهمل غير منسوب، والمراد به الثوري؛ لأن أبا نعيم مكثر من الرواية عنه، ومقل من الرواية عن سفيان بن عيينة مثل وكيع؛ لأن وكيعاً مكثر من الرواية عن الثوري، ومقل من الرواية عن سفيان بن عيينة، وإذا أطلق الراوي شيخه دون أن ينسبه، يحمل على من له به كثرة اتصال، وكثرة أخذه، وكثرة رواية عنه.
ثم أيضاً أبو نعيم الفضل بن دكين هو من أهل الكوفة، وسفيان الثوري من أهل الكوفة، فالملازمة موجودة، وابن عيينة من أهل مكة، فلا يكون الاتصال به إلا عن طريق رحلة، أو عن طريق حج أو عمرة، ومن كان من أهل البلد يكون الأخذ عنه أكثر، ولهذا كان وكيع، وأبو نعيم وكل منهما كوفي يرويان عن سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة ، ولكن يهملون سفيان فيحتمل هذا ويحتمل هذا، لكن يحمل على من أكثر عنه وهو الثوري، وقد ذكر هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري وقال: إن أبا نعيم مكثر من الرواية عن سفيان الثوري ، فإذا جاء مهملاً غير منسوب يحمل عن الثوري لإكثاره عنه، وليس عن ابن عيينة لإقلاله من الرواية عنه.
[ عن حنظلة ].
هو حنظلة بن أبي سفيان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن طاوس ].
هو طاوس بن كيسان اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
وقد مر ذكره.


باب الوقت الذي يستحب أن تؤدى صدقة الفطر فيه



شرح حديث: (أن رسول الله أمر بصدقة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوقت الذي يستحب أن تؤدى صدقة الفطر فيه. أخبرنا محمد بن معدان بن عيسى حدثنا الحسن حدثنا زهير حدثنا موسى ، ح أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا الفضيل حدثنا موسى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصدقة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة )، قال ابن بزيع : بزكاة الفطر].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة، وهي الوقت الذي يستحب فيه أداء زكاة الفطر، والمراد به أنه قبل صلاة العيد، هذا هو أفضل أوقات إخراجها، لماذا؟ لأن الفقراء يستقبلون يومهم وعندهم قوتهم في ذلك اليوم، لا يحتاجون إلى السؤال، يستقبلون اليوم وعندهم الطعام الكافي لهم في ذلك اليوم، وقد جاء في الحديث: ( أغنوهم عن السؤال في ذلك اليوم )، فإذا أعطوا في ذلك الوقت، معناه: استقبلوا اليوم وعندهم الطعام الكافي لهم في يوم العيد، الذي لا يحتاجون معه إلى سؤال الناس، ولا إلى التطلع للحصول على شيء من الناس.
ثم أيضاً زكاة الفطر هي مضافة إلى الفطر، أي: الفطر من رمضان، والفطر من رمضان يكون بغروب الشمس في آخر يوم من رمضان، عند ذلك يكون الفطر، فمن ولد بعد غروب الشمس في ذلك اليوم لا زكاة عليه؛ لأنه ما كان في الوقت الذي فيه الفطر، وإنما كان بعده، ومن مات قبله لا زكاة عليه؛ لأن ما وجد كونه أفطر شهر رمضان، إذاً فالمعتبر هو الفطر، ولهذا قيل لها: زكاة الفطر؛ لأنها مضافة إلى الفطر الذي هو إنهاء شهر رمضان، وإنهاء شهر رمضان يكون بإفطار آخر يوم منه، يعني: يوجد الفطر، ولهذا يقال للزكاة: زكاة الفطر، ويقال للعيد: عيد الفطر؛ لأنه شكر لله عز وجل على إتمام النعمة، وهي صيام شهر رمضان التي آخرها إفطار آخر يوم من رمضان، التي أداؤها يكون بإفطار آخر يوم من رمضان، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأنه جاء عن الصحابة أنهم كانوا يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين، فذلك جائز، ولكن أفضل أوقات إخراجها يوم العيد قبل الصلاة كما جاء في الحديث، ولهذا جاء في بعض الأحاديث مشروعية استحباب تأخير صلاة العيد يوم الفطر بعد دخول وقتها قليلاً، واستحباب تعجيل صلاة الأضحى بعد دخول وقتها؛ لأن في تأخير صلاة عيد الفطر سعة وقت إخراج الفطرة، يكون فيه سعة للناس يخرجون زكاة الفطر، وتعجيل زكاة العيد يوم الأضحى؛ ليتسع للناس وقت الذبح؛ لأن الذبح ما يكون إلا بعد صلاة العيد، ما يجوز قبل صلاة العيد، فتعجل صلاة الأضحى؛ ليتسع للناس وقت الذبح، وتؤخر صلاة عيد الفطر قليلاً ليتسع للناس وقت إخراج الفطرة.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أمر بصدقة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)


قوله: [أخبرنا محمد بن معدان بن عيسى ].ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ حدثنا الحسن ].
هو الحسن بن محمد بن أعين ، وهو صدوق، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
[ حدثنا زهير ].
هو زهير بن معاوية ، أبو خيثمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا موسى ].
هو موسى بن عقبة المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: ح أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع ].
ثم قال: ح أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي.
[ حدثنا الفضيل ].
هو الفضيل بن سليمان، وهو صدوق له خطأ كثير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا موسى عن نافع عن ابن عمر ].
موسى ، هو ابن عقبة، عن نافع عن ابن عمر، وقد مر ذكرهما.
[ قال ابن بزيع: بزكاة الفطر ].
قال ابن بزيع: زكاة الفطر، يعني: أن الفرق بين قوله وبين قول محمد بن معدان، هو أن: محمد بن معدان قال: صدقة الفطر، يعني: ساق الحديث وقال: صدقة الفطر، ومحمد بن بزيع مثله إلا أن بدل صدقة الفطر قال: زكاة الفطر، التعبير بالزكاة بدل الصدقة، لفظ هذا مثل لفظ هذا إلا في هذه الكلمة، فإنه خالفه فيها، فقال ابن بزيع : زكاة الفطر، ومحمد بن معدان قال: صدقة الفطر؛ لأنهما شيخان، الشيخ الأول اللفظ له، والسياق له، وفيه صدقة الفطر، فأشار بعد ذلك إلى أن الشيخ الثاني في الطريق الثانية الذي هو ابن بزيع عبارته ليست صدقة الفطر كعبارة محمد بن معدان ، ولكن عبارته زكاة الفطر.


إخراج الزكاة من بلد إلى بلد


شرح حديث: (... فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فتوضع في فقرائهم...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [إخراج الزكاة من بلد إلى بلد.أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا وكيع حدثنا زكريا بن إسحاق وكان ثقة، عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، فقال: إنك تأتي قوماً أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله عز وجل افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله عز وجل قد افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فتوضع في فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله عز وجل حجاب )].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: إخراج زكاة المال من بلد إلى بلد، يعني: حكمه هل هو سائغ أو غير سائغ؟ ولهذا أطلق الترجمة، يعني: إخراج زكاة البلد، هل تخرج أو ما تخرج؟ وأورد فيه حديث ابن عباس الذي جاء في آخره [صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فتعطى لفقرائهم].
من العلماء من قال: إن الضمائر في أغنيائهم وفقرائهم ترجع إلى أهل اليمن، وعلى هذا فلا تخرج الزكاة من بلد إلى بلد؛ لأنه ما فيه دليل؛ لأنه إذا كانت تؤخذ من أغنياء أهل اليمن وترد على فقراء أهل اليمن، معناه: أنها ما تخرج من البلد، وبعض العلماء يقول: إن الضمير يرجع للمسلمين، تؤخذ من أغنياء المسلمين وترد على فقراء المسلمين، وعلى هذا يجوز إخراجها من بلد إلى بلد، وترجمة النسائي بالاحتمال؛ لأنه ما قال: مشروعية إخراجها ولا عدم إخراجها، وإنما قال: إخراج زكاة المال ..الخ، هل تخرج أو لا تخرج؟ لكن الذي يظهر في هذا أنه إذا كانت الحاجة في البلد الذي فيه الزكاة أشد، فهم أولى به ولا تخرج؛ لأن الفقراء يرون المال ، فهم أحق بزكاته ما داموا أشد حاجة من غيرهم، أما إذا كانت حاجتهم أخف، وحاجة غيرهم أشد في البلاد الأخرى التي ليس فيها المال، فيجوز إخراجها إلى ذلك البلد الذي فيه الحاجة أشد، وإذا كانت الزكاة كثيرة، وأخرج بعضها في البلد الذي فيه المال، وبعضها في البلد الذي يكون أشد، فلعل هذا هو الأحسن، بحيث لا يحرم الفقراء في البلد منها أصلاً، ولا يترك أولئك الذين هم أشد حاجة، وهم ليسوا في البلد أصلاً، فلا يعطون شيئاً، فإذا لوحظ بأن يعطى أهل البلد منها، ويعطى غيرهم ممن هو أشد، فإن هذا هو المناسب فيما يبدو، والله تعالى أعلم.
النسائي أورد حديث ابن عباس الطويل، والذي سبق أن مر بنا في أول حديث في كتاب الزكاة، وذكرت أن بعض المصنفين افتتح به كتاب الزكاة، مثل البخاري صدر به كتاب الزكاة من صحيحه، وصدر به كتاب التوحيد من صحيحه، والنسائي كذلك صدر به كتاب الزكاة، وبعض المؤلفين الذين ألفوا يعني: في الحديث فعلوا ذلك، مثل ابن حجر صدر به كتاب الزكاة من بلوغ المرام، وعبد الغني المقدسي صاحب عمدة الأحكام، صدر به كتاب الزكاة من عمدة الأحكام، فإذاً هذا الحديث يعتبر عمدة في الزكاة، وفي إخراج الزكاة؛ لأن فيه ترتيب الدعوة إلى الله عز وجل، والبدء بالأهم فالأهم، وفيه كون الزكاة تلي الصلاة، يدعا إليها بعد التوحيد وبعد الصلاة، أول شيء يدعا إليه بعد التوحيد وبعد الصلاة هو الزكاة، ولهذا قدموه على غيره في كتب الزكاة، جعلوه أول حديث في كتاب الزكاة عندهم، لدلالته بوضوح على عظم شأن الزكاة، وأنها تلي الصلاة.
وقد سبق أن مر بنا الكلام هذا الحديث، وما اشتمل عليه من الدعوة إلى الله عز وجل، وأنه أول شيء يدعى إليه التوحيد، ثم يدعى إلى الصلاة؛ لأنها هي الصلة الوثيقة بين العبد وبين ربه، وهي التي يتبين بها كون الإنسان مستقيماً أو غير مستقيم، بمصاحبة الإنسان عندما يصاحب إنساناً يستطيع أن يعرف أنه مستقيم، أو غير مستقيم بكونه يصلي، أو لا يصلي، كون أمر الصلاة عنده عظيم، أو هين، بخلاف الزكاة والصيام والحج، فهذه لا تعرف؛ لأنها لا تأتي في السنة إلا مرة واحدة، والحج لا يأتي في العمر إلا مرة واحدة، لكن الصلاة في اليوم والليلة خمس مرات، إذا صاحبت إنساناً تستطيع أن تعرف أنه من أهل الخير، أو من أهل الشر، بكونه يصلي، أو لا يصلي، في خلال أربعة وعشرين ساعة تكتشفه أو بخلال أقل من أربعة وعشرين ساعة إذا جاء أول وقت من الصلاة، لكن الزكاة ما تأتي في السنة إلا مرة واحدة وعلى الأغنياء، وإذا مسك النصاب وحال عليها الحول، والصيام يأتي في السنة شهراً، والحج يأتي في العمر مرة واحدة.
هي الصلة الوحيدة بين العبد وبين ربه، ولهذا جاء في القرآن أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ لأن الإنسان الذي يحافظ على الصلاة يرجو ثواب الله ويخشى عقاب الله إذا حدثته نفسه بسوء يتنبه ويقول: لماذا كنت أصلي؟ أخاف من العقاب، فيكون ذلك رادعاً له، ودافعاً له، وزاجراً له عن أن يقع في الأمر المحرم.
ثم بعد ذلك الزكاة التي نفعها متعدد، يستفيد منها المتصدق المزكي والمعطى الزكاة، يستفيد طهرة لماله، وتنمية لماله، وتحصيل الأجر والثواب عند الله عز وجل على أدائه زكاة ماله، والفقير يستعمل تلك الزكاة التي فرضها الله له، فيشد بها رمقه، ويقضي بها حاجته.
والرسول صلى الله عليه وسلم لما أرشد إلى أن يدعو إلى الزكاة بعد الصلاة، قال: فإن هم أجابوك، يعني: استجابوا لأن يدفعوا الزكاة، قال: [وإياك وكرائم أموالهم]، احذر أن تأخذ كرائم الأموال، وهي: النفيسة الجيدة، أنفس الأموال وأجود الأموال، إياك وكرائم الأموال، يعني: إياك أن تأخذها؛ لأن أخذها ظلم، ثم عقب ذلك بقوله: [( واتق دعوة المظلوم )]؛ لأنك إن أخذتها تأخذ بغير حق، فتكون ظالماً، فيكون ذلك سبباً في أن يدعو عليك من ظلمته، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، فيجني الإنسان على نفسه، ويتسبب بأن يجلب البلاء على نفسه بأن يأخذ ما لا يستحقه، وهو يظلم بعض الناس لبعض الناس، ويقولون في الكلمات الشائعة: شر الناس من ظلم الناس للناس، يعني: يظلم لغيره، يظلم غيره والمصلحة لغيره، وهم الفقراء والمساكين، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( إياك وكرائم أموالهم ).
وإذاً: لا تؤخذ الزكاة من الكرائم، ولا تؤخذ من الرديء، مثلما مر في الحديث، ونهى عن الرذالة في الصدقة، يعني: أن يدفع الشيء الرذيل عند قوله: ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون )، أي: الرديء، وإذاً فالذي يؤخذ هو من الوسط، لا من الجيد ولا من الرديء؛ لأن أخذ الجيد فيه إضرار بأصحاب الأموال وظلم لهم، وأخذ الرديء فيه إضرار بالفقراء، وإذا أخذ الوسط فيه الاعتدال والتوسط في الأمور بين الجودة والرداءة، وإنما يؤخذ من أوساط المال، والمقصود من إيراد الحديث: [تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم]، من قال: أن الضمير يرجع إلى أهل اليمن يقول: لا يدل الحديث على إخراج زكاة المال إلى بلد آخر، ومن قال: الضمائر ترجع للمسلمين، قال: بأنها تخرج الزكاة من بلد إلى بلد، والذي ذكرته هو التفصيل؛ لأنه إذا كان البلد الذي فيه الفقراء والمساكين أشد، فهم أولى، وإذا كان غيرهم أشد، فإن كون أولئك يعطون وهؤلاء يعطون، هذا هو المناسب، والله تعالى أعلم.


تراجم رجال إسناد حديث: (... فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فتوضع في فقرائهم...)


قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[ حدثنا وكيع عن زكريا بن إسحاق ].
عن وكيع ، وهو ابن الجراح ، وقد مر ذكره، وكيع بن الجراح الرؤاسي ، ثقة، مصنف، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حدثنا زكريا بن إسحاق المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن عبد الله بن صيفي ].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي معبد ].
هو نافذ مولى ابن عباس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
وقد مر ذكره.
وأما صدقة الفطر، فالحكم فيها كزكاة المال، في النقل من بلد إلى بلد، يمكن أن تنقل من بلد إلى بلد إذا كانت الحاجة أشد، وإن كانت الحاجة ليست أشد، بل البلد الذي فيه الإنسان أشد حاجة، فإنها لا تخرج.
ولو أن إنساناً صام تسعة وعشرين كلها في بلد، وآخر يوم سافر إلى بلد آخر، ذهب إلى مكان آخر.
فإذا كان يمكنه أن يخرج الزكاة، ويمكنه أن يوصي أهله بأن يخرجوا له معهم، وإن أخرج في بلده وهم أخرجوا في بلدهم، فهذا مناسب.


باب: إذا أعطاها غنياً وهو لا يشعر


شرح حديث: (... لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا أعطاها غنياً وهو لا يشعر. أخبرنا عمران بن بكار حدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب حدثني أبو الزناد مما حدثه عبد الرحمن الأعرج ، مما ذكر أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ( قال رجل: لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد على سارق، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني، فقال اللهم لك الحمد على زانية، وعلى سارق، وعلى غني، فأتى فقيل له: أما صدقتك فقد تقبلت، أما الزانية فلعلها أن تستعف به من زناها، ولعل السارق أن يستعف به عن سرقته، ولعل الغني أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله عز وجل )].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: إذا أعطى الصدقة لغني وهو لا يشعر، يعني: فهل تمضي أو لا تمضي أو أنه يقضيها؟ المقصود أنه: يعطيها للفقراء والمساكين، ولكن لو أعطاها لغني يظنه فقيراً، ثم تبين أنه غني فهي مجزئة، لا يقال: إنه عليه أن يقضيها؛ لأنه ما دام أنه عندما أعطاها إياه كان يظنه فقيراً، ثم تبين بعد ذلك له أنه غنياً، لا يقال: أن الصدقة عليه أن يقضيها، وأن يعطيها لفقير؛ لأن تلك أعطيت لمن لا يستحقها.
النسائي أورد هذه الترجمة، وأورد تحتها هذا الحديث، حديث أبي هريرة في قصة رجل من بني إسرائيل من الأمم المتقدمة، وقد جاء في مسند الإمام أحمد كونه من بني إسرائيل، رجل من بني إسرائيل، وقال: لأتصدق، فألزم نفسه بالصدقة، ثم خرج بصدقته فأعطاها لامرأة، فتبين أنها زانية، فجعل الناس يتحدثون: تصدق على زانية، يتعجبون، تصدق على زانية، فسمع ذلك، فقال: الحمد لله على زانية، يعني: صدقة على زانية، الحمد لله، ثم قال: لأتصدقن، فخرج بصدقته وأعطاها لسارق، شخص صار سارقاً، وما يعرف أنه سارق، ولكنه أعطاها لشخص، يظن أنه أهل لها، وتبين أنه عاصي، صاحب سرقات، وأخذ أموال الناس، فجعل الناس يتحدثون: تصدق على سارق، فقال: الحمد لله على سارق، يعني: صدقة على سارق، ثم قال: لأتصدقن، فخرج وأعطاها لغني، فجعل الناس يتحدثون: تصدق على غني، فقال: الحمد لله على زانية، صدقة على زانية، وعلى سارق، وعلى غني، فأتي في منامه فقيل له: أما صدقتك على السارق فلعله يستعف به، أو يستغني به، يعني: عن السرقة، ويكف به عن السرقة، وعن إيذاء الناس، وصدقته على الزانية لعلها تستعف به عن الزنا، وصدقته على غني لعله يتذكر ويعتبر، وأنه يكون مثل هذا الشخص الذي أغناه الله ويتصدق، فيتصدق كما تصدق هذا الذي وضع في يده صدقة، يتذكر أن الغني يتصدق، فهو نفسه يتصدق، كما وضع في يده يضع في أيدي الناس، كما يضع في يده ذلك المتصدق وضع في يده تلك الصدقة، هو يتذكر ويتنبه ويعتبر، ويتصدق على الناس، ويعطي الناس، ويضع في أيدي الناس منه صدقة.
ثم الاستدلال بالحديث، يعني: هذا فيه شرع من قبلنا، فهل هو شرع لنا أو ليس بشرع لنا؟ شرع من قبلنا فيه ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: أن يأتي في شرعنا ما يدل على أنه شرع لنا، يعني: ذكر في شرع من قبلنا، ولكن جاء في شرعنا أنه شرع لنا، فيكون شرع لنا؛ لأنه كان في شرع من قبلنا، وجاء في شرعنا أنه شرع لنا، فصار الذي علينا هو مثل الذي على من قبلنا، المثال.
قتل النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، جاء في التوراة: ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ )[المائدة:45]، وجاء في شرعنا أن هذا لنا.
الحالة الثانية: أن يأتي في شرعنا أنه ليس لنا، ذكر في شرع من قبلنا، ولكن جاء في شرعنا أنه ليس لنا، فهذا ليس لنا؛ لأنه جاء في شرعنا أنه ليس لنا، وإن كان لمن قبلنا، يعني: مثال ذلك الجمع بين الأختين، كان في الشرائع السابقة لهم، وفي شريعتنا ليس لنا، ففي بعض الشرائع السابقة الجمع بين الأختين سائغ، شريعتنا جاء أنه ليس لنا هذا، يعني: منعنا من ذلك، وحرم علينا ذلك، فإذاً كان في شرع من قبلنا، ثم جاء في شرعنا أنه ليس لنا، فإذاً لا يكون لنا.
الحالة الثالثة: أن يذكر في شرعنا أنه في شرع من قبلنا، لكن ما جاء في شرعنا، يعني: شيء يدل على إثباته ولا على نفيه، هذه الحال مختلف فيها بين العلماء، جمهور العلماء على أنه يكون لنا، وبعض العلماء يقول: إنه ليس لنا، والذين يقولون بأنه لنا يقولون: أنه ما ذكر لنا إلا لنعتبر ونتعظ ونستفيد؛ لأنه ذكر في شرعنا أنه في شرع من قبلنا، وما جاء في شيء يمنعنا، وما جاء في شيء يجعله لنا، إذاً يكون لنا.
وعلى هذا فالذي جاء في شرع من قبلنا في هذا الحديث، أن ذلك الشخص أعطاها لغني وهو لا يشعر، واعتبرت صدقته، فكذلك لو أن إنساناً في شرعنا أو في هذه الأمة أعطاها لإنسان يظنه فقيراً، فبان غنياً بعد ذلك، فإن الصدقة مجزئة وهي في محلها، وخرجت مخرجها، وليس عليه قضاؤها.


تراجم رجال إسناد حديث: (... لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني...)


قوله: [ أخبرنا عمران بن بكار ].ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا علي بن عياش ].
ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[ حدثنا شعيب ].
هو شعيب بن أبي حمزة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني أبي الزناد ].
هو عبد الله بن ذكوان المدني ، مشهور بلقبه أبو الزناد ، وهو على صيغة الكنية؛ لأنه ليس كنيته أبو الزناد، وإنما لقبه أبو الزناد على صيغة الكنية، وكنيته قيل: أبو عبد الرحمن، ولقبه: أبو الزناد، وهو مشهور بلقبه، وهو عبد الله بن ذكوان المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ مما حدثه الأعرج ]
هو عبد الرحمن بن هرمز، لقبه الأعرج المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بلقبه الأعرج، ومعرفة ألقاب المحدثين من الأمور المهمة في علم المصطلح؛ لأن فائدة معرفتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة باسمه، ومرة بلقبه.
وأبو هريرة ، عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #692  
قديم 11-07-2022, 08:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,989
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(401)





- (باب الصدقة من غلول) إلى (باب جهد المقل)

للصدقة أجر عظيم، بل هي من أفضل العبادات، فينبغي الإكثار منها، وأن ينتقي الإنسان أطيب ما يملك ليتصدق به؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
الصدقة من غلول


شرح حديث: (إن الله عز وجل لا يقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصدقة من غلول.أخبرنا الحسين بن محمد الذارع حدثنا يزيد وهو ابن زريع حدثنا شعبة أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر وهو ابن المفضل حدثنا شعبة واللفظ لـبشر عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله عز وجل لا يقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول )].
يقول النسائي رحمه الله: باب الصدقة من غلول، الغلول يطلق على ما يغل من الغنيمة، وما يؤخذ من الغنيمة قبل قسمتها من بعض الناس الذين يكونون في الجهاد، ويطلق على ما هو أعم من ذلك، وهو الخيانة، وقد جاء في الحديث ما يدل على العموم، يعني: في عدم القبول في الصدقة غير الطيبة، غير هذا الحديث الذي فيه التنصيص على الغلول، وهو ما جاء عن أبي هريرة في صحيح مسلم: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً )، فهذا عام، يعني: أن الصدقة تكون من مال حلال، وتكون من مال طيب، وإذا كانت من مال حرام فهي لا يقبلها الله عز وجل؛ لأن أخذ الإنسان لها من الحرام، يؤاخذ عليه الإنسان، ويعاقب عليه الإنسان، وإخراجها تصدقاً لا يقبله الله عز وجل؛ لأنها خبيثة، وهي مال خبيث غير طيب، والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً.
وقد أورد النسائي حديث أسامة بن عمير، والد أبي المليح، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا يقبل الله صلاةً بغير طهور، ولا صدقة من غلول )، فإن الصلاة التي يؤديها الإنسان على غير وضوء، وعلى غير طهارة فإنها غير مقبولة؛ لأنه اختل شرط من شروطها، بل هو أعظم شروطها، وهو الطهارة، وكذلك قوله: ( ولا صدقة من غلول )، لا يقبلها الله عز وجل؛ لأنها مال حرام، ليس حلالاً للإنسان، بل دخوله عليه حرام، فتصرفه فيه لا ينفعه عند الله عز وجل، ( لا يقبل الله صلاة من غير طهور، ولا صدقة من غلول ).
وقد عرفنا أن الحديث الذي جاء عن أبي هريرة يشمل الغلول وغيره، والغلول إذا فسر بالخيانة -وهي أعم من الغلول من الغنيمة- فإنه يشمل الغلول من الغنيمة وغيرها مما هو خيانة.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل لا يقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول)

قوله: [ أخبرنا الحسين بن محمد الذارع ].صدوق، أخرج له الترمذي ، والنسائي.
[ حدثنا يزيد وهو ابن زريع ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة هو ابن زريع، هذه التي زادها النسائي أو من دون النسائي؛ لأن تلميذ الحسين بن محمد الذارع لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن فلان، بل يسميه وينسبه كما يريد، ولكن التلميذ إذا ذكر لفظاً معيناً فإن من وراءه يلتزم بهذا التعيين وبهذا التحديد، وإذا أراد أن يأتي بما يوضح المراد فإنه يأتي بكلمة هو، أو بكلمة يعني، التي تدل على أنها من دون التلميذ من أجل تبيين هذا المهمل الذي لم ينسبه التلميذ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، يزيد بن زريع.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا إسماعيل بن مسعود ].
هذا إسناد آخر للنسائي ، لكن ليس فيه ح التحويل كالعادة والمتبع، فهي غير موجودة، وكلمة قال هذه، الذي قالها من دون النسائي؛ لأن (قال) مثل كلمة (يعني) فيما يتعلق بالتوضيح، يعني: ابن فلان، أي: أن قائل كلمة قال هو من دون النسائي، وفاعل كلمة قال هو النسائي، ففاعلها الذي قال حدثنا إسماعيل بن مسعود هو النسائي، الذي فعل ذلك، لكن الذي قال كلمة قال هو من دون النسائي، وقد جاء هذا الإسناد بدون التحويل، لكن واضح فـإسماعيل بن مسعود من مشايخه، والإسناد يلتقي عند شعبة.
وإسماعيل بن مسعود ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا بشر].
يروي عن بشر ، وهو ابن المفضل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
وشعبة ، هو ملتقى الإسنادين.
[ قال: واللفظ لـبشر ].
قال: واللفظ لـبشر، أي: أنه للطريق الثانية، وليس للطريق الأولى، بل للطريق الثانية التي فيها شيخ شيخه بشر بن المفضل ، فاللفظ لـابن المفضل الذي تلقاه عنه تلميذه إسماعيل بن مسعود.
[ عن قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي المليح ].
هو ابن أسامة بن عمير، واختلف في اسمه على أقوال، وهو مشهور بكنيته أبي المليح ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو أسامة بن عمير، وهو صحابي له حديث واحد كما في التقريب، وقد أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.

شرح حديث: (ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن سعيد بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله عز وجل إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن عز وجل بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فلوه، أو فصيله) ]. أورد النسائي حديث أبي هريرة : إذا تصدق الإنسان من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وهذا أشمل من الحديث الذي قبله، وهو مثل ما جاء في حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً )، وقال في آخره: ثم ذكر ( الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له ).
وهنا قال يعني: مثل تلك الجملة التي جاءت في حديث أبي هريرة : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً )، قال هنا: (ولا يقبل الله إلا الطيب)، إذا تصدق العبد من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وكلمة: ولا يقبل الله إلا الطيب، يعني: يفيد أن الذي يقبله الله عز وجل هو ما كان من حلال، وليس ما يكون من حرام، أخذها الرحمن بيمينه فيربيها، وإن كانت تمرة، أي: وإن كان شيئاً قليلاً مثل تمرة واحدة، فيربيها.
[ فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل ].
فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، يعني: هذه التي بهذا الحجم، وبهذه الصورة التي هي تمرة واحدة تعظم وتكبر عند الله عز وجل حتى تكون مثل الجبل، وهذا مثل ما جاء في الحديث الذي سبق أن مر بنا: أن سبحان الله والحمد لله تملأ الميزان، يعني: لكون الله عز وجل يجعلها على تلك الهيئة التي هي بهذا الحجم، وبهذه الضخامة، فتنمو وتربو حتى تكون مثل الجبل، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله، والفلو هو ابن الفرس، يعني: إذا رباه الإنسان ونماه شيئاً فشيئاً، فإنه ينمو ويكبر، وكان قبل ذلك صغيراً، ثم بعد ذلك يكون كبيراً، (أو فصيله)، يعني: ولد الناقة أو غيره، يربى وينمى حتى يكبر، فذكر (أو) إما للشك، أو أنها للتنويع، إما للشك، يعني: بأن الذي جاء في الحديث فلوه أو فصيله، لكن شك الراوي، هل قال هذه الكلمة، أو قال هذه الكلمة، أو قال الاثنتين معاً، ولكن أو هنا للتنويع، فيكون المعنى كما يربي صاحب الفلو فلوه، وكما يربي صاحب الفصيل فصيله، وعلى ذلك ما تكون من قبيل الشك، بل تكون من قبيل التنويع.
والحديث فيه ذكر اليمين، وصفة اليدين لله عز وجل، ووصف يده باليمين، وأخذ الله عز وجل لها، وكذلك وصفه باليد كما يليق بكماله وجلاله، يوصف الله عز وجل كما يليق بكماله وجلاله، ولكن لا يكيف، ولا يبحث عن الكيفية وعن الكنه، وإنما يثبت المعنى ويفوض الكنه والكيفية إلى الله سبحانه وتعالى، فيد الله عز وجل كنهها لا يعلمها إلا هو، وأخذها لا يعلم كنهه وكيفيته إلا هو سبحانه وتعالى، ولا يلزم أو ينقدح في الذهن تشبيه أو تمثيل، وأن ما يضاف إلى الله عز وجل مما جاء في الأحاديث يتصور أن يكون مشابهاً للخلق؛ لأنه لا يعقل إلا ما يشاهده الناس، ليس الأمر كذلك، بل ما يضاف إلى الباري يليق به سبحانه وتعالى، ولا يشبهه شيء من خلقه، وما يضاف إلى المخلوقين يليق بهم، ولا تشبه صفات الخالق صفات المخلوق، ولا صفات المخلوق صفات الخالق، بل الأمر كما قال الله عز وجل: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )[الشورى:11].
فأثبت السمع والبصر ونفى المشابهة، لكن معنى السمع معلوم، ومعنى البصر معلوم، والكيفية التي عليها سمع الله وبصره هي التي لا يعلمها الناس، ولهذا قال الإمام مالك بن أنس في الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول. الاستواء معلوم؛ لأن الناس خوطبوا بكلام يفهمونه، ولكن الكيفية التي هو عليها لا يعلمها إلا الله عز وجل، والاستواء معناه: الارتفاع والعلو، استوى على العرش ارتفع عليه، وعلا عليه، لكن كيف استوى؟ هذا هو الذي يمسك عنه السلف، فيفوضون الكيف، ولا يفوضون المعنى؛ لأنهم خوطبوا بكلام يفهمون معناه، وأما قضية التفويض بالمعنى فهذه طريقة المبتدعة الذين يطلق عليهم المؤولة المفوضة، وأنهم السلف، فالسلف سلف الأمة، الصحابة ومن تبعهم ليسوا مفوضة للمعاني، ولكنهم مفوضة للكيفية، على حد قول الإمام مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، يعني: السؤال عن الكيفية؛ لأنه قال: كيف استوى؟ قال: ما معنى استوى، وإلا كان يبين أنه الارتفاع والعلو، لكن هو سأل الإمام عن الكيفية، فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول.
فقضية الكيفية لا يبحث عنها، ولا عن كنهها، ولا يتصور أن ما يضاف إلى الله عز وجل يكون مشابهاً لما يضاف إلى غيره؛ لأن الله تعالى أثبت السمع والبصر ونفى المشابهة، ومذهب أهل السنة والجماعة وسط بين المشبهة والمعطلة؛ لأن المشبهة عندهم إثبات وعندهم تشبيه، وأهل التعطيل عندهم تنزيه، وتعطيل، وأهل السنة والجماعة عندهم إثبات، وتنزيه؛ لأن المعطلة عندهم تنزيه وتعطيل، وأهل السنة يثبتون التنزيه، ويتركون التعطيل، والمشبهة عندهم إثبات وتشبيه، وأهل السنة يأخذون بالإثبات، ويتركون التشبيه، فعندهم إثبات مع تنزيه، فكونهم مثبتة خالفوا المعطلة؛ لأن المعطلة ما يثبتون، وكونهم منزهة خالفوا المعطلة، خالفوا المشبهة الذين يثبتون ويشبهون؛ لأن عند أهل السنة إثبات مع التنزيه، وليس إثباتاً مع التشبيه، فكونهم مثبتة خالفوا المعطلة، وكونهم مع كونهم مثبتة منزهة خالفوا المثبتة المشبهة، فصار أهل السنة والجماعة وسطاً بين التعطيل والتشبيه، عندهم إثبات مع تنزيه، وكونهم أثبتوا فارقوا المعطلة الذين ما أثبتوا، وكونهم نزهوا مع الإثبات خالفوا المشبهة الذين أثبتوا على وفق التشبيه.
ولهذا جاء عن الإمام أحمد رحمة الله عليه أنه قال: التشبيه أن تقول: يده كيدي، ووجهه كوجهي، أو يد كيد، ووجه كوجه، وأما أن تثبت الصفة على ما يليق بالله فهذا ليس تشبيهاً، ولهذا كانت المعطلة يئول أمرهم إلى أن ينفوا المعبود، ولا يكون له وجود؛ لأنه لا يعقل أن يوجد ذات مجردة عن الصفات، ولهذا المشبهة أو المعطلة يصفون المثبتة بأنهم مشبهة؛ لأن الإثبات عندهم لا يتصور إلا مع التشبيه، فمن يثبت الصفات يقولون عنه: مشبه، ولهذا المبتدعة المعطلة يصفون أهل السنة بأنهم مشبهة في باب الصفات؛ لأنهم مثبتة، وهم ليسوا مشبهة؛ لأنهم ما أثبتوا مع التشبيه، بل أثبتوا مع التنزيه على ما يليق بكمال الله عز وجل جل جلاله وعظمته.
ولهذا الحافظ أبو عمر بن عبد البر، الإمام المغربي في زمانه المتوفى سنة 463هـ، قال في كتابه (التمهيد): إن الذين يعطلون الصفات، صفات الباري، يصفون المثبتة لها بأنهم مشبهة، ثم يقول ابن عبد البر راداً عليهم، أو مبيناً أنهم هم الذين وقعوا في الأمر المحرم، قال: وهم عند من أقر بها نافون للمعبود، وهم، أي: المعطلة، عند المثبتة نافون للمعبود، يعني: أنه لا وجود لمعبودهم، ولهذا يقول بعض العلماء: إن المشبه يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً، وأما المثبت على ما يليق بالله عز وجل فهو يعبد الله عز وجل المتصف بصفات الجلال والكمال على ما يليق بكماله وجلاله، فالذين يثبتون الصفات مع التشبيه الله عز وجل ليس كما يقولون، تعالى وتنزه، والذين ينفون الصفات عن الله يئول أمرهم إلى نفي وجود الله؛ لأنه لا يعقل أن توجد ذات مجردة من جميع الصفات.
ولهذا لما ذكر الذهبي رحمة الله عليه في كتابه (العلو) كلام ابن عبد البر، علق عليه بقوله: قلت: صدق والله، يعني: ابن عبد البر، صدق والله، ثم ذكر كلاماً عن حماد بن زيد، وحماد بن زيد من طبقة شيوخ شيوخ البخاري، توفي في أواخر القرن الثاني الهجري، هو من طبقة شيوخ شيوخ البخاري، وشيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة.
قال الذهبي : قلت: صدق والله، أي: ابن عبد البر في قوله: إن المعطلة نافون المعبود، قال: فإن الجهمية مثلهم، كما قال حماد بن زيد، إن جماعة قالوا: في دارنا نخلة، فقيل لهم: ألها خوص؟ قالوا: لا، ألها عسب؟ قالوا: لا، ألها ساق؟ قالوا: لا. وكل صفة من صفات النخل يسألونهم عنها يقولون: لا، ما تتصف هذه النخلة بهذه الصفات، قيل: إذاً ما في داركم نخلة، إذاً النتيجة ليس في داركم نخلة، ما دام النخلة لا توصف بأن لها ساقاً، ولا عسباً، ولا ليفاً، ولا خوصاً، ولا كذا وكل صفات النخل منفي عنها إذاً لا وجود للنخلة في دارهم، فكذلك الذي ينفي الصفات عن الله، ويقول: ليس بكذا وليس بكذا وليس بكذا، النتيجة أنه يكون معدوماً، وأنه عدم، ولهذا أهل السنة والجماعة توسطوا بين المشبهة والمعطلة، المشبهة الذين يعبدون الصنم، والمعطلة الذين معبودهم عدم، بل هم كما قال بعض أهل العلم يعني: في مذهبهم وأنهم متوسطون بين هؤلاء وهؤلاء، كاللبن الخالص السائغ للشاربين، الذي يخرج من بين فرث ودم؛ لأن المشبهة عندهم إثبات وتشبيه، والإثبات حق والتشبيه باطل، وأهل السنة عندهم الإثبات بدون التشبيه، والإثبات حق، والتشبيه باطل، والمعطلة عندهم تنزيه وعندهم تعطيل، والتنزيه حق والتعطيل باطل، فجمع أهل السنة بين الحسنيين التي هي الإثبات مع التنزيه، وتخلوا من الإساءتين التي هي التعطيل والتمثيل والتشبيه؛ إساءة المعطلة في التعطيل، وإساءة المشبهة بالتشبيه، فصار أهل السنة والجماعة وسطاً بين هؤلاء وهؤلاء، أثبتوا مع التنزيه، فليسوا معطلة، وليسوا مشبهة.
ومن المعلوم أنه لا يجوز للإنسان أن يفكر في الكيفية، وأنه يأتي في ذهنه أنه لا بد أن تكون الكيفية على ما هو مشاهد بالنسبة للمخلوقين، فالله تعالى أعظم وأجل من أن يشابهه أحد من خلقه، ثم من المعلوم أنه لا يلزم أن يكون هناك تصور المشابهة، وأن الإنسان لا يعقل لو أثبتنا لله عز وجل، وأنه يأخذ بها الصدقة، وأنه يكون كما هو مشاهد ومعاين بالنسبة للمخلوقين، لا، بل ما يضاف إلى الله عز وجل هو كما يليق به، ولهذا لا يلزم أن يقال: الله عز وجل هو الكبير المتعال، والسماوات والأرضون في قبضته كالخردلة في كف واحد منا، كما يقول ابن عباس: السماوات والأرضون كالخردلة كلها، ليست بشيء أمام عظمة الله، فإذا كان الأمر كذلك فكل شيء في قبضته، وكل شيء في يده سبحانه وتعالى، ويشبه ذلك ما جاء في قوله في الحديث الآخر: ( قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ).
يعني: لا يلزم أن تكون فيه حلول، وأن الله تعالى حال في المخلوقات، وأن السماوات والأراضين كلها في قبضته كالخردلة، فلا يلزم أن يكون هناك يعني: حلول واختلاط، كما قال الله عز وجل: ( وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ )[البقرة:164]، قيل: إنه بين السماوات والأرض، لكن لا يلزم أن يكون فيه اختلاط وأنه مخالط لها؛ لأنه بينها، فكذلك قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، ما يلزم أن يكون هناك اختلاط، أو يكون هناك مماسة، أو يكون هناك كذا، بل الأمر كما يليق بالله سبحانه وتعالى.
فالحاصل: أن هذه الأحاديث لا يجوز أن يعمل فكره فيها، وأن يبحث عن كيفية، أو يفكر عن كيفية، بل عليه أن يسلك طريقة السلف الذين يثبتون لله عز وجل ما أثبت لنفسه، وأثبته له رسوله على وجه يليق بكماله وجلاله دون تفكير في تأويل أو تعطيل، أو تشبيه أو تمثيل، بل على حد قول الله عز وجل: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )[الشورى:11].

تراجم رجال إسناد حديث: (ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب ...)

قوله: [ أخبرنا قتيبة ].هو ابن سعيد بن طريف البغلاني ، ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الليث ].
هو ابن سعد المصري، ثقة، فقيه، إمام مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن أبي سعيد ].
هو المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن يسار ].
هو سعيد بن يسار أبو الحباب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أنه سمع أبا هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.


جهد المقل


شرح حديث: (... قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [جهد المقل. قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عبد الحكم ، عن حجاج ، قال ابن جريج: أخبرني عثمان بن أبي سليمان ، عن علي الأزدي ، عن عبيد بن عمير ، عن عبد الله بن حبشي الخثعمي رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان لا شك فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجة مبرورة، قيل: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر ما حرم الله عز وجل، قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بماله ونفسه، قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: من أهريق دمه، وعقر جواده ) ].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي جهد المقل، يعني: تصدق المقل بجهده وبقدر طاقته، وعلى قدر حاله، هذا هو المقصود بالمقل، يعني: الذي لم يوسع الله عليه بالمال، ولكن عنده غنى النفس مع قلة ما عنده، وكونه غني النفس فإنه يجود بشيء مما في يده على قدر طاقته وعلى قدر حاله، وأجره عظيم عند الله عز وجل؛ لأنه أنفق ما قدر عليه، وما أمكنه إخراجه إياه على قدر طاقته، وعلى قدر حاله، هذا هو المقصود بجهد المقل، يعني: قدر طاقته، وما يقدر عليه مما أقدره الله عليه، كما قال الله عز وجل: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7].
هذا هو المقصود بالترجمة، وقد أورد حديث عبد الله بن حبشي الخثعمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل أسئلة، قال: (أي العمل أفضل؟ قال: إيمان لا شك فيه، وجهاد لا غلول فيه وحجة مبرورة).
يعني: هذه الثلاثة هي خير الأعمال، قد جاءت في هذا الحديث وجاءت في حديث آخر، وجاءت مرتبة، حيث سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: الإيمان بالله، قال: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور، فهذه الأمور الثلاثة التي جاءت -يعني: في هذا الحديث-، جاءت أيضاً مرتبة بثم، وبعضها وراء بعض، وأولها الإيمان بالله عز وجل، ثم الجهاد في سبيل الله، ثم حج مبرور، فهذه الأمور الثلاثة جاءت في حديث آخر، ومرتبة بثم، على أن كل واحد أفضل من الذي يليه، وخير من الذي يليه، فهذا هو خير العمل، وأفضل العمل، الإيمان الذي هو الأساس، وبعد ذلك الجهاد في سبيل الله الذي هو الدعوة إلى الله عز وجل، والعمل على إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وإدخالهم في هذا الدين الحنيف الذي بعث الله به رسوله الكريم محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ثم الحج المبرور، الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم لما قالت إحدى أمهات المؤمنين: (نرى أفضل العمل الجهاد أفلا نجاهد؟ قال: لكن جهاد لا قتال فيه الحج المبرور)، وهذا جوابه عليه الصلاة والسلام عن خير العمل.
[ قيل: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت ].
قيل: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، والقنوت هو القيام، يعني: كون الإنسان يطيل القيام، وهذا يكون في الصلاة الخاصة للإنسان مثل صلاة الليل يطيل القنوت الذي هو القيام، ويطيل القراءة، والرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الذي فيه أنه قرأ البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، يعني: ثلاث سور تبلغ خمسة أجزاء، وأتى بها في ركعة واحدة، فهذا هو طول القنوت، لكن هذا يكون فيما إذا كان الإنسان يصلي لنفسه، أما الذي يصلي بالناس، ويؤم الناس، فهذا يتوسط، ولهذا لما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ما حصل لذلك الرجل الذي جاء وعقل بعيره، أو دوابه عند المسجد، ثم دخل وأطال معاذ الصلاة، وهم أن يتركه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أفتان أنت يا معاذ؟! إذا أم أحدكم الناس فليخفف؛ فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء)، فطول القنوت الذي هو القيام مشروع، لكن في كون الإنسان يصلي وحده، أو يصلي صلاة الليل.
[ قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل].
وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث الطويل بهذه الترجمة: جهد المقل، يعني: صدقته على قدر طاقته؛ لأن عنده المال قليل، ولكن عنده غنى النفس، فتجده يجود بما عنده، أو بشيء مما عنده، يرجو ثواب الله عز وجل؛ لأنه وإن لم يكن عنده غنى اليد، فعنده غنى النفس، إن لم يكن عنده الغنى الظاهري فعنده الغنى الباطني، الذي هو غنى القلب وغنى النفس، والغنى في الحقيقة هو غنى النفس؛ لأن اليد تابعة للقلب، فقد يكون الإنسان غني اليد، ولكنه بخيل النفس، فلا يجود بالمال، ولا يعطي المال مع كثرته عنده، ومن الناس من يكونه غني القلب قليل ذات اليد، وإذا أعطي الشيء القليل، أو ملك الشيء القليل فإنه لا يبخل به، أو بشيء منه، فهذا هو جهد المقل؛ لأنه أنفق مع حاجته، ومع كونه ليس عنده ما يكفيه.
[ قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر ما حرم الله عز وجل ].
قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر ما حرم الله عز وجل، هذه الهجرة التي كون الإنسان يهجر المحرمات، ويترك المحرمات، يصبر عن المعاصي وإن كانت سهلة على النفوس، وتميل إليها النفوس؛ لأن العاقبة وخيمة، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات )، فهو يصبر عن المعاصي؛ لأن عواقبها وخيمة؛ لأنها مردية، يعني: لذة عاجلة تورث حسرة وندامة يوم القيامة، فالهجرة الأفضل هي هجرة من هجر ما نهى الله ورسوله عنه، وهذا الجواب يعني: الاشتقاق من قبيل الجناس؛ لأنه يتعلق بالهجرة والهجر، يعني: أن السؤال عنه الهجرة، والجواب بالهجر، وهذا مثل الحديث: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله ورسوله عنه )، فهذا مأخوذ باشتقاق، يعني: شيء من شيء؛ لأنه سئل عن هجرة فقال: من هجر، وقال في ذاك الحديث: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله ورسوله عنه )، وهذه هي الهجرة الحقيقية التي هي هجرة المعاصي، وترك المعاصي، وترك معصية الله ورسوله، والعمل بما هو طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
[ قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بماله ونفسه ].
قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بماله ونفسه، يعني: أنه جاد بنفسه وجاد بماله، يعني: جاهد بالنفس والمال، فهو بماله يجاهد، وبنفسه يجاهد، يجاهد ببدنه، ويجاهد بما أعطاه الله عز وجل من المال، فهو يجاهد في الاثنين، فهذا هو خير الجهاد؛ لأنه بذلك نفسه وماله، بخلاف الذي يبذل نفسه ولا يبذل ماله، أو يبذل ماله ولا يبذل نفسه، هذا جمع بينهما، جاهد بنفسه وماله.
[ قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: من أهريق دمه وعقر جواده ].
قيل: فأي القتل أفضل؟ يعني: القتال في سبيل الله؛ لأنه قال قبل ذلك: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بماله ونفسه.
(من جاهد المشركين بماله ونفسه)، يعني: جاهد في سبيل الله، وقاتل الكفار لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ودخولهم في هذا الدين الحنيف، ثم قال: أي القتل أفضل؟ قال: (من أهريق دمه وعقر جواده) يعني معناه: أنه خرج بنفسه وماله، ثم ذهب جواده، وذهبت نفسه، وهذا يشبه ما جاء في الحديث، حديث: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء )، يعني: هو حصل له القتل، وحصل ذهاب المال، فالذي أهريق دمه وعقر جواده، يعني معناه: أنه هذا هو الذي خرج بماله ونفسه، ذهب في سبيل الله، وفقد في سبيل الله.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #693  
قديم 11-07-2022, 08:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,989
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (... قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل ...)

قوله: [ أخبرنا عبد الوهاب بن عبد الحكم ].ثقة، أخرج له أبو داود ، والترمذي ، والنسائي.
[ عن حجاج ].
هو حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن جريج ].
هو عبد الملك بن جريج، عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، مشهور بنسبته إلى جده، وهو عبد الملك بن عبد العزيز، وهو ثقة، ويرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عثمان بن أبي سليمان ].
ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي في الشمائل ، والنسائي ، وابن ماجه.
[ عن علي الأزدي ].
هو علي بن عبد الله الأزدي، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له مسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن عبيد بن عمير ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن حبشي الخثعمي ].
صحابي له حديث واحد هو هذا الحديث، أخرج له أبو داود، والنسائي، يعني: له هذا الحديث الواحد في الكتب الستة عند أبي داود، والنسائي.
الحديث قال فيه: (إيمان لا شك فيه)، يعني: أنه إيمان يعني: معه كمال اليقين، ولا شك فيه، ولا خلل فيه، هذا هو المقصود بالشك، أو نفي الشك، لكن ينبغي أن يعلم أن ما يفعله المبتدعة وبعض المبتدعة أنهم يصفون أهل السنة والجماعة بأنهم شكاك، ويقصدون بذلك الاستثناء في الإيمان، بأن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، فيصفون من يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وهي مشهورة عن السلف يقولون: إنهم شكاك، وهي لا تأتي للشك، وإنما تأتي للبعد عن التزكية؛ لأن الإيمان هو كمال، فالإنسان يقول عندما يسأل: أنت مؤمن؟ يقول: أرجو، أو يقول: إن شاء الله، يعني: ليس إن شاء الله شك هل هو مؤمن، أو غير مؤمن؟ وإنما ابتعاداً عن تزكية النفس، وأنه يرجو أن يكون كذلك، أي: أنه عند من هو متصف بالكمال؛ لأن الإيمان أكمل من الإسلام، ولهذا جاء في القرآن الكريم: ( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ )[الحجرات:14]، فالإيمان أكمل من الإسلام، وكذلك حديث سعد بن أبي وقاص عندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم جماعة، وفيهم رجل هو في رأي سعد بن أبي وقاص أنه خيرهم وأزكاهم فأعطاهم ولم يعطه، فقال: يا رسول الله! أعطيت القوم وفيهم فلان، وهو مؤمن، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أو مسلم )، يعني: يلقنه إلى أن يقول: مسلم؛ لأن مسلم هي الحد الأدنى لما فيه تزكية، لكن المؤمن شيء وراء ذلك، ولذلك مراتب الدين: إسلام وإيمان وإحسان، وكل واحدة أكمل من التي قبلها.
فالإحسان أكمل الدرجات، والإيمان هو الذي يليه، وأقل الدرجات هو الإسلام، ولهذا لا يستثنون في الإسلام، إذا قيل: مسلم، لا يقول: إن شاء الله، وإنما يقول: مسلم، أنا من المسلمين؛ لأن هذا هو الحد الأدنى الذي إذا نفي عن الإنسان ما بقي عنده شيء، لكن الذي عنده الإسلام، أو هو من أهل الإسلام، ثم يسأل عن وصف كامل، ولا يزكي نفسه، ويقول: إنه من أهل الكمال، ولكن يقول: أرجو، أو إن شاء الله.
فالحاصل أن بعض المبتدعة يصفون أهل السنة والجماعة بأنهم مشبهة؛ لأنهم يثبتون الصفات، مثل ما قال ابن عبد البر : إن المعطلة يصفون المثبتة بأنهم مشبهة، وكذلك أيضاً يصفونهم بأنهم شكاك؛ لأنهم يستثنون في الإيمان يقولون: إن شاء الله.
فإذاً: لا شك أن المقصود بالإيمان الذي هو إيمان مع يقين وصدق، وليس المقصود من ذلك ما يضيفه بعض المبتدعة إلى أهل السنة بأنهم شكاك في الإيمان؛ لا يجزمون بإيمانهم، بل يقول واحد منهم: أنا مؤمن إن شاء الله.

شرح حديث: (سبق درهم مائة ألف درهم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة ، قال: حدثنا الليث ، عن ابن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد والقعقاع ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( سبق درهم مائة ألف درهم، قالوا: وكيف؟ قال: كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم، فتصدق بها )]. أورد النسائي هذا الحديث الذي يدل على ما ترجم له، وهو جهد المقل، يعني: كون الإنسان مقلاً، ويعطيه الله شيئاً قليلاً، ومع ذلك لغنى نفسه يجود، ولا يقول: والله أنا ما عندي شيء أتصدق به، أعطاه الله شيئاً قليلاً، ولكنه لغنى نفسه ما بخل بشيء مما أعطاه الله من ذلك القليل، فهو يتصدق على قدر حاله.
أورد النسائي حديث أبي هريرة ، قال: سبق درهم مائة ألف درهم، قالوا: كيف يا رسول الله؟! قال: رجلان، رجل عنده درهمان فتصدق بواحد منهما، ورجل عمد إلى عرض ماله، عنده الأموال الطائلة، والمقادير الهائلة، فجاء إلى الأكداس من الأموال، ووضع يده في هذا وأخذ له مائة ألف من ألوف الألوف والملايين، فهذا يعني: أخرج شيئاً قليلاً، وعنده الشيء الكثير، وهذا أخرج نصف ماله؛ لأن كل ماله درهمان، فأخرج نصف ماله، وهذا أخرج جزءاً يسيراً من ماله؛ لأن هذا أخرج مائة ألف، ولكن عنده الملايين التي ما لها حد، يعني: جاء وأخذ من عرض ماله، يعني: من جانب ماله، زاوية من الزوايا للأكداس الهائلة، أخذ يعني شيئاً يعتبر قليلاً مما أعطاه الله عز وجل، وذاك أعطاه الله درهمين، فجاد بواحد منهما، فهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم الذي فسر به كلامه عليه الصلاة والسلام: ( سبق درهم مائة درهم )؛ لأن هذا أخرج نصف ماله، وهذا يمكن أخرج واحداً بالمائة من ماله؛ لأنه عمد إلى عرض ماله، أكداس هائلة، يعني: مخزن مملوء بالنقود والدراهم، فجاء ومد يده وتناول رزمة من رزم كثيرة، فهذا أخرج شيئاً قليلاً من ماله مع أن عنده الشيء الكثير، لا يحس بفقده لكثرة المال، وأما هذا أخرج نصف ماله، هذا هو جهد المقل.

تراجم رجال إسناد حديث: (سبق درهم مائة ألف درهم ...)

قوله:[ أخبرنا قتيبة حدثنا الليث ].وقد مر ذكرهما.
[ عن ابن عجلان ].
هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن سعيد بن أبي سعيد والقعقاع ].
سعيد بن أبي سعيد ، وهو المقبري، وقد مر، والقعقاع هو ابن حكيم، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكره.

حديث: (سبق درهم مائة ألف...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( سبق درهم مائة ألف، قالوا: يا رسول الله! وكيف؟ قال رجل له درهمان، فأخذ أحدهما، فتصدق به، ورجل له مال كثير، فأخذ من عرض ماله مائة ألف فتصدق بها )]. أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
قوله: [ أخبرنا عبيد الله بن سعيد ].
هو عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري ، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
[ حدثنا صفوان بن عيسى ].
ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم ].
ابن عجلان ، قد مر ذكره.
وزيد بن أسلم ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي صالح ].
هو ذكوان السمان أو الزيات، يعني: اسمه ذكوان، ولقبه الزيات والسمان؛ لأنه قيل له: السمان ؛ لأنه كان يجلب السمن، ويقال: الزيات؛ لأنه يجلب الزيت، فيقال له: الزيات ويقال له: السمان، كل منهما صحيح، لا تنافي بينهما؛ لأنه يبيع السمن، ويبيع الزيت، واسمه ذكوان، وكنيته أبو صالح، وهو مشهور بكنيته، وهو يروي كثيراً عن أبي هريرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
عن [ أبي هريرة ].
أبو هريرة وقد مر ذكره.

شرح حديث أبي مسعود: (كان رسول الله يأمرنا بالصدقة فما يجد أحدنا شيئاً يتصدق به ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين عن منصور عن شقيق عن أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمرنا بالصدقة فما يجد أحدنا شيئاً يتصدق به حتى ينطلق إلى السوق، فيحمل على ظهره، فيجيء بالمد، فيعطيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إني لأعرف اليوم رجلاً له مائة ألف ما كان له يومئذ درهم )]. أورد النسائي حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه وأرضاه، الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحثهم على الصدقة، ويأمرهم بالصدقة، فما كان الواحد منهم عنده شيء يستطيع أن يتصدق به، فيعمد إلى السوق ليحمل على ظهره، يعني: بضائع ويأخذ عليها أجراً، حتى يكون عنده شيء يتصدق به، فيأتي بالمد، يعني: الذي هو ربع الصاع، يعني: من الشيء الذي تصدق به، يعني: جهد المقل، يعني: شيء قليل، يعني: أولاً ما كان عنده شيء، ثم ذهب ليؤجر نفسه ويحمل على ظهره البضائع، ليحصل عليها أجراً، فيتصدق بالشيء القليل مما يحصله بهذا العمل.
ثم قال: [إني لأعرف اليوم رجلاً له مائة ألف ما كان له يومئذ درهم].
يعني: في الوقت الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصدقة وحثهم عليها، وما كان الواحد عنده شيء، ما كان عنده ولا درهم واحد وإنما يذهب يؤجر نفسه، ثم إن الله تعالى أغناهم، فصار هذا الرجل الذي يعرفه عنده مائة ألف، وهذا الرجل غير مسمى، ويحتمل أن يكون يعرفه، ويحتمل أن يكون نفسه؛ لأن بعضهم كان يكني عن نفسه، يعني: بدلاً من أن يسمي نفسه يعني: يقول: قال رجل، أو فعل رجل، أو جاء رجل، أو قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون نفس الشخص، فيحتمل أن يكون هو، ويعرف نفسه أنه ما كان عنده ذلك المقدار، ثم صار عنده، ويحتمل أن يكون غيره، كل هذا محتمل.
الحاصل: أنهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، كان الواحد منهم ما يكون عنده شيء، ثم يذهب إلى السوق، ويعمل هذا العمل الشاق المضني، وهو كونه يحمل على ظهره المتاع، ويأخذ عليه أجرة، ويحصل شيئاً قليلاً يتصدق منه بالمد الذي هو ربع الصاع؛ لأن الصاع أربعة أمداد.

تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود: (كان رسول الله يأمرنا بالصدقة فما يجد أحدنا شيئاً يتصدق به ...)


قوله: [أخبرنا الحسين بن حريث ].الحسين بن حريث المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[حدثنا الفضل بن موسى المروزي].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الفضل بن موسى ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحسين ].
هو الحسين بن واقد، وهو ثقة، له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن منصور ].
هو ابن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شقيق ].
هو شقيق بن سلمة أبو وائل الكوفي، وهو ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي مسعود ].
هو عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته: أبي مسعود، مثل شهرة أبي سعيد الخدري بكنيته، هذا أيضاً مشهور بكنيته، وابن مسعود رضي الله عنه مشهور بنسبته إلى أبيه، يعني: كثيراً ما يأتي عن ابن مسعود، وهنا يأتي عن أبي مسعود، ولهذا يأتي في بعض الأحيان حصول التصحيف بين أبي مسعود وابن مسعود، مثل ما جاء في حديث أبي مسعود هذا، الحديث المشهور في صحيح مسلم : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، فإنه يأتي في بعض الكتب عن ابن مسعود، تصحيف بين أبي وابن، فحديث: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، أظنه ببلوغ المرام، أو في سبل السلام، يعني: جاء بلفظ عن ابن مسعود، وهو أبو مسعود، ولكن للتقارب بين أبي وابن يأتي التصحيف، ولكون ابن مسعود هو المشهور، وأبو مسعود يعني: لا يأتي ذكره مثلما يأتي ابن مسعود، فيحصل التصحيف بين كلمة ابن وأبي، وهو عقبة بن عمرو الأنصاري، وقريب منه في الاسم عقبة بن عامر، هذا عقبة بن عمرو، وذاك عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب.
عقبة بن عمرو الأنصاري أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وأيضاً مما قالوه عنه: أيضاً البدري، ويقولون: إنه لم يشهد بدراً، ولكنه سكنها، فنسبته إليها نسبة إلى غير ما يسبق إلى الذهن.

شرح حديث أبي مسعود: ( لما أمرنا رسول الله بالصدقة فتصدق أبو عقيل بنصف صاع ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا بشر بن خالد ، قال: حدثنا غندر ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن أبي وائل ، عن أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال: ( لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصدقة، فتصدق أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بشيء أكثر منه، فقال المنافقون: إن الله عز وجل لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياء، فنزلت: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِين َ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ [التوبة:79] )]. أورد النسائي حديث أبي مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه من طريق أخرى، وفيه أن الرسول لما حث على الصدقة تصدق رجل يقال له: أبو عقيل بنصف صاع، وتصدق آخر بشيء أكثر منه، ولكن المنافقين لا يسلم منهم لا من تصدق بالقليل الذي هو على قدر طاقته، ولا من تصدق بالكثير، فهم يلمزون هؤلاء وهؤلاء، فقالوا عن الذي تصدق بنصف صاع: إن الله لغني عن صدقة هذا، يعني: نصف صاع، هذا شيء يسير قليل، الله غني عنه، ما يسوى بهذه الصدقة، والذي تصدق بالكثير أيضاً ما سلم فهم، بل قالوا: هذا مرائي، الذي تصدق بالقيل قالوا عنه: الله غني عنه، هذه صدقة قليلة تافهة ما هي بشيء، والذي تصدق بالكثير قالوا عنه: إنه مرائي.
فالحديث جاء من أجل أن هذا تصدق بنصف صاع، يعني معناه: الذي قدر عليه، وذاك تصدق بشيء كثير، والمنافقون ما سلم منهم لا الذي تصدق بالقليل الذي هو قدر جهده جهد المقل، ولا الذي تصدق بالكثير، فقالوا عن الذي تصدق بالقليل: إن صدقته تافهة والله غني عنها، وقالوا عن الذي تصدق بالكثير: إنه مرائي، فهم يلمزون المطوعين المؤمنين في الصدقات.

تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود: ( لما أمرنا رسول الله بالصدقة فتصدق أبو عقيل بنصف صاع ...)


قوله: [ أخبرنا بشر بن خالد ].ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي .
[ حدثنا غندر ].
هو محمد بن جعفر البصري، لقبه غندر، يأتي باسمه أحياناً محمد بن جعفر، ويأتي بلقبه غندر، وألقاب المحدثين فائدتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما لو جاء في رواية عن محمد بن جعفر، ثم جاءت رواية أخرى غندر، فالذي ما يعرف أن محمد بن جعفر يلقب بـغندر ، يظن أن هذا شخص وهذا شخص، مع أن هذا هو هذا، وهذا هو هذا، إلا أن هذا اسمه وهذا لقبه، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة عن سليمان ].
شعبة ، وقد مر ذكره.
وسليمان هو الأعمش، سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويأتي باسمه كما هنا، ويأتي بلقبه كثيراً الأعمش، وفي الإسناد الأول منصور ، وفي الإسناد الثاني سليمان ، وهما قرينان.
[ عن أبي وائل ].
هو شقيق الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا؛ لأن هنا مر في الإسناد الأول شقيق بن سلمة، وجاء في هذا الإسناد أبو وائل، فجاء هناك باسمه، وجاء هنا بكنيته، ومعرفة الكنى أيضاً فائدتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، لأن من لا يعرف أن شقيق بن سلمة كنيته أبو وائل، يظن أنه إذا جاء في إسناد شقيق بن سلمة، وجاء في إسناد آخر أبو وائل أن هذا شخص وهذا شخص.
[عن أبي مسعود ].
وقد مر ذكره.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #694  
قديم 11-07-2022, 08:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,989
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(402)





- (باب اليد العليا) إلى (باب إذا تصدق وهو محتاج إليه، هل يرد عليه)

اليد العليا خير من السفلى، والعليا هي المنفقة وهي يد المعطي، وقد وضح الشرع أن خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن تصدق بشيء وهو محتاج إليه فإنه يرد عليه؛ لأنه أولى بالصدقة من غيره.
اليد العليا


شرح حديث: (... واليد العليا خير من اليد السفلى)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ اليد العلياأخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن الزهري أخبرني سعيد وعروة سمعا حكيم بن حزام رضي الله عنه يقول: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى ) ].
يقول النسائي رحمه الله: اليد العليا، أي: المقصود من ذلك هو بيان أن هناك معطياً ومعطى، متصدقاً ومتصدقاً عليه، ومحسناً ومحسناً إليه، فيد المعطي هي العليا، ويد المعطى هي السفلى، والعلو والسفول فيهما حقيقي ومعنوي، يعني: حسي ومعنوي، فهو من حيث الحسي يد المعطي فوق، ويد المعطى تحت؛ لأنه يمد يده، فذاك يضع فيها، من علو إلى سفل، فيد المعطي عالية، ويد المعطى دونها وأنزل منها وتحتها، ومن حيث المعنى: أن يد المعطي يد إحسان ويد رفعة، ويد المعطى هي دونها، لا سيما إذا كان هناك سؤال وإلحاح في السؤال، فإن فيه ذلة، ومهانة، يعني: فهناك علو حسي وعلو معنوي، وهناك سفول حسي وسفول معنوي.
أورد النسائي حديث حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه: (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم قال: إن هذا المال حلوة خضرة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى) وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة: (واليد العليا خير من اليد السفلى).
حكيم بن حزام رضي الله عنه يخبر بأنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطاه، ثم سأله وأعطاه، ثم سأله وأعطاه، ثم بعد ذلك نصحه ووعظه، وبين له أن هذا المال حلوة خضرة، يعني: أنه تشتهيه النفوس وتميل إليه، لكن هناك من يأخذه بإلحاح وبمسألة وبرغبة في التزيد، وهناك من يأخذه بطيب نفس منه وبطيب نفس من المعطي، كما أن ذاك يأخذه بإشراف وبتطلع وبعدم طيب نفس من المعطي، فيكون هذا العطاء أحياناً بطيب نفس من المعطي وبطيب نفس من المعطى، بكونه ما عنده إلحاح ولا عنده سؤال وكثرة سؤال، وإنما هو مستغن ومتعفف، وإذا أعطي شيئاً وهو محتاج إليه أخذه.
ولهذا جاء في الحديث: أن المحتاجين ينقسمون إلى قسمين: قسم سائل، وقسم غير سائل، قسم متعفف، وقسم لا يبالي بالسؤال والحصول على المال، ولهذا جاء في الحديث: ( ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، والأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي ليس عنده غنى يغنيه، ولا يفطن فيتصدق عليه )، يعني: هذا هو المسكين حقاً، وإن كان ذاك مسكين، إلا أنه مسكين سائل، ويتحصل على ما يريد عن طريق السؤال، ولكن هذا متعفف، وليس عنده ما يكفيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه.
( إن هذا المال حلوة خضرة )، الحلوة الخضرة، وجعله مؤنثاً؛ لأنه المال عام يشمل ما هو مذكر ويشمل ما هو مؤنث، يعني: يشمل الدنيا بكل ما فيها من الأشياء التي تعطى؛ ففيه ما هو مؤنث، وفيه ما هو مذكر، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه كونه غير ملحف، وكونه غير سائل، وبطيب نفس من المعطي كونه يعطي ونفسه مرتاحة منشرحة، غير الذي يعطي للإلحاح عليه والحياء من السائل.
ومن أعطي بإشراف، يعني: تطلع وحرص ورغبة لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع؛ لأنه ما في بركة فيما بيده، يأكل ولا يشبع؛ لأن المقصود من الأكل كون الإنسان يسد رمقه، ويسد حاجته ويقضي نهمته، لكن إذا كان يأكل ولا يشبع يكون أكل بدون فائدة، يأكل ومع ذلك هو بحاجة إلى الأكل؛ لأنه غير مبارك في هذا الأكل.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( واليد العليا خير من السفلى )، ثم إن الوصف بالعلو والوصف بالسفول كاف لمعرفة تفضيل اليد العليا عن اليد السفلى؛ لأنه ما دام يد وصفت بأنها عليا، ويد وصفت بأنها سفلى، فإن ذلك كافي في معرفة الفضل؛ لأنه لا يمكن أن تكون السفلى أفضل من العليا، وإنما العليا أفضل من السفلى، ولكن جاء التنصيص على الخيرية زيادة في الفضل، وزيادة في الخيرية، وزيادة في التميز، وإلا فإن مجرد الوصف بالعلو دال على الفضل وعلى التميز، ولكنه ذكر ونص على أنها خير، يعني: للتأكيد، وبيان أن كون الإنسان يكون معطياً، وأن يكون شأنه أن يكون معطياً هو الذي ينبغي أن يكون عليه، لا أن يكون سائلاً وملتمساً.
والموظف الذي يتطلع إلى قرب انتهاء الشهر ويطمع في راتبه فهذا ليس سائلاً، هذا له حق، وله أجر، وكونه ينتظر وصول حقه، أو يتحرى وصول حقه، أو يتطلع إلى وصول حقه هذا لا يقال: إنه سائل؛ لأن هذا ما فيه سؤال ولا فيه إعطاء؛ لأن هذا حق، له أمد ينتهي إليه، ويحل له في ذلك الوقت، ويستحقه في ذلك الوقت، فهذا ليس من هذا القبيل.

تراجم رجال إسناد حديث: (... واليد العليا خير من اليد السفلى)

قوله: [ أخبرنا قتيبة ].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان عن الزهري ].
سفيان، هو سفيان بن عيينة الهلالي المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء قتيبة يروي عن سفيان فالمراد به ابن عيينة وهو مهمل، وكذلك إذا جاء سفيان يروي عن الزهري فالمراد به ابن عيينة؛ لأن ابن عيينة هو المعروف بالرواية عن الزهري، وأما سفيان الثوري فإنه كما قال الحافظ ابن حجر : لا يروي عنه الزهري إلا بواسطة، وأما سفيان بن عيينة فروى عنه كثيراً، مع أن ابن عيينة متأخر عن الثوري، الثوري توفي 161هـ، وابن عيينة توفي فوق المائة والتسعين، لكنه عمر وعاش، وأدرك الزهري الذي مات سنة 124هـ أو سنة 125هـ وعاش بعده عمر طويل، يعني: فوق الستين سنة، يعني: عاش بعده، من 125هـ إلى فوق التسعين ومائة، لكن لكون الزهري في المدينة وابن عيينة بمكة، والاتصال بين مكة والمدينة سهل ميسور، بخلاف الثوري فإنه كان في العراق في الكوفة، كان كوفياً، ولم يحصل له اللقاء، اللهم إلا أن يتم ذلك بحج أو عمرة، لكن الذي ذكر الحافظ ابن حجر أنه لا يروي عنه إلا بواسطة، أي: سفيان الثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة.
وعلى هذا إذا جاء سفيان غير منسوب يروي عن الزهري، أو يروي عنه قتيبة فهو ابن عيينة؛ لأن قتيبة عمر تسعين سنة، ولد سنة مائة وخمسين ومات مائتين وأربعين، والثوري مات سنة 161هـ، يعني معناه: مات وعمر قتيبة أحد عشر سنة، يعني: فهو لم يروِ عنه، وكذلك ابن عيينة لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، فإذاً إذا جاء قتيبة يروي عن سفيان فهو ابن عيينة، وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري، فالمراد به ابن عيينة.
أما الزهري فهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه من صغار التابعين، مكثر من الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني سعيد وعروة ].
هو سعيد بن المسيب، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وعروة بن الزبير بن العوام، من فقهاء المدينة السبعة في عهد التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، فهذان الاثنان سعيد وعروة كل منهما من الفقهاء السبعة باتفاق؛ لأن الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين سبعة هم: سعيد وعروة هذان الاثنان في هذا الإسناد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسليمان بن يسار ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، قيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
الحاصل: أن هذين اللذين في هذين الإسناد يرويان عن حكيم بن حزام، وهما من الفقهاء السبعة على ما هو متفق عليه في عدهم من الفقهاء السبعة الذين كانوا في المدينة في عصر التابعين وغلب عليهم هذا اللقب، فإذا جاء في بعض المسائل يقال: وقال بها الفقهاء السبعة، قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، فهؤلاء هم الفقهاء السبعة، ولا يذكرون أسمائهم، ويكتفون باشتهارهم بهذا اللقب، فيعمونهم ويقولون: قال بها الفقهاء السبعة.
[سمعنا حكيم بن حزام].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور من المعمرين، قيل: إنه عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين سنة في الإسلام، وعمره 120 سنة، وقالوا: ومثله حسان بن ثابت فإنه كان كذلك، وحديث حكيم بن حزام أخرجه أصحاب الكتب الستة.

أيتهما اليد العليا


شرح حديث: (يد المعطي العليا...)


قال المصنف رحمه الله: [باب أيتهما اليد العلياأخبرنا يوسف بن عيسى حدثنا الفضل بن موسى حدثنا يزيد وهو ابن زياد بن أبي الجعد عن جامع بن شداد عن طارق المحاربي رضي الله عنه أنه قال: قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم على المنبر يخطب الناس، وهو يقول: ( يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول، أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك ) مختصر ].
أورد النسائي حديث طارق بن عبد الله المحاربي رضي الله تعالى عنه، والترجمة يقول النسائي: أيتهما العليا، يعني: أي اليدين هي العليا، والمقصود أنها يد المعطي؛ لأنه جاء في الحديث بأن يد المعطي هي العليا، واليد السفلى هي يد السائل الآخذ المعطى.
أورد النسائي حديث طارق بن عبد الله المحاربي رضي الله تعالى عنه أنه قال: (قدمنا المدينة وإذا الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر، وهو يقول: يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول، أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك) .
والرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: (يد المعطي العليا) أرشد إلى أن المعطي عليه أن يبدأ بمن يعول، وأن يكون إحسانه أولى الناس به أقاربه، يعني: في العطية والإحسان، فأولى الناس به أقاربه؛ لأنها صدقة وصلة، يعني: كون الإنسان ينفق على قريبه هي صدقة وصلة رحم، وفيها جمع بين أمرين، وجمع بين فائدتين ومصلحتين، وهما: الإحسان، وأن يكون على القريب صدقة.
الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يد المعطي العليا)، وهذا هو المقصود بالترجمة، حيث فسر الرسول صلى الله عليه وسلم اليد العليا بأنها يد المعطي، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر أن يد المعطي عالية أرشد من أحق الناس بالإعطاء، ومن أحق الناس بأن يبذل له المال، فقال: ( أمك وأباك، وأختك وأخاك )، يعني: أعطي، أو أبدأ بهؤلاء، أعط أمك وأباك، وأختك وأخاك؛ فهم أقرب الناس إلى الإنسان.
ومن المعلوم أن أبناء الإنسان كذلك هم من أقرب الناس إليه، ونفقتهم متعينة عليه وواجبة عليه، لكن لعله ذكر هؤلاء على سبيل التمثيل للأقارب، وأن الإنسان قد يكون معطياً وليس له أولاد، ولم يتزوج، ولكن عنده المال، فيكون له الأب والأم، والأخ والأخت، وإلا فإن الأولاد هم أحق الناس ببر الإنسان، ثم إن الزكاة الواجبة ليس للإنسان أن يعطيها لأبيه، ولا لأمه، ولا لأبنائه؛ لأن نفقتهم واجبة عليه إذا كانوا محتاجين، فلا يعطيهم من الزكاة، وإنما يعطيهم من ماله الذي هو غير الزكاة، والنفقة واجبة عليه، وكذلك يحسن إليه من غير النفقة، يحسن إليهم من ماله وليس من الزكاة، الزكاة لا تعطى للأصول ولا للفروع، لا يعطيها الإنسان لأصوله ولا لفروعه؛ لأن النفقة واجبة عليه إذا كانوا في حاجة للنفقة، فالزكاة لا تعطى لمن تجب النفقة له.
أما بالنسبة للأخ والأخت فيمكن أن يعطوا من الزكاة، لكن لا يجعل الإنسان الزكاة وقاية لماله؛ لأن بعض الناس عليه حقوق، ثم يريد أن يتخلص من الحقوق بالزكاة، يقول: أنا إذا ما أعطيتهم من الزكاة أنا أعطيهم من مالي، لكن ما دام الزكاة خارجة خارجة فأنا أعطيهم إياها، وذلك أسلم لمالي، لا ينقص منه شيء غير الزكاة، ليس للإنسان أن يجعل الزكاة وقاية للمال؛ فالأقارب لهم حق غير الزكاة، لكن إذا قل المال والإنسان لا يستطيع أن يعطي بسبب قلة المال، فإن إعطاء من يكون قريباً كالأخ والأخت أولى في إعطائه الزكاة، أما إذا كان المال فيه سعة وكثرة فإنه لا يجعل الزكاة وقاية للمال؛ لأن الله تعالى أغناه ووسع عليه، فيعطي الزكاة لمن يستحقها، وأما أقاربه فإنه يحسن إليهم من غير الزكاة إذا كان ثرياً؛ لأنه إذا فعل ذلك يجعل الزكاة وقاية لماله، يعني: سياج ومانع لماله من النقص, والزكاة يقول: خارجة خارجة، وبدل ما أعطيها لشخص بعيد ليس له علي حق أعطيها لقريب أتخلص من حقه بالزكاة.
( أمك وأباك، وأختك وأخاك )، فذكر الأم أولاً، وهي أولى الناس بالبر والإحسان، وهي أولى من الأب، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم حث على إعطائها، وعلى الإحسان إليها أكثر مما يكون للأب؛ لأنه قال: ( أمك، ثم أمك، ثم أمك )، كررها في بعض الأحاديث قال: ( ثم أباك)، يعني معناه: أن حق الأم آكد من حق الأب، لا سيما والأم تختلف عن الأب، والمرأة تختلف عن الرجل؛ الرجل قد يكون عنده اكتساب، وقد يكون عنده شيء من القدرة، بخلاف الأم أو المرأة.
ثم قال: ( وأختك وأخاك )، وقدم الأخت على الأخ؛ لأنها قد تكون في الغالب تكون أحوج من الرجل؛ لأن الرجل يكون عنده اكتساب، ويكون عنده قدرة ما لا يكون عند المرأة.
ثم قال: ( ثم أدناك أدناك )، إذا أعطيت هؤلاء الأقارب، أعط ما يليهم من الأقارب الأدنى فالأدنى، سواء كان نسباً أو سبباً، يعني: كالرضاعة، أو كالمصاهرة، أو ما إلى ذلك من القرابة التي تكون بين الشخص وغيره بسبب من الأسباب.
ثم قال: [مختصراً]، يعني: أنه هنا ذكر مختصراً، يعني: وهو أطول من هذا، وأتم من هذا، ولكنه ذكره النسائي باختصار، وقال في آخره: مختصر.

تراجم رجال إسناد حديث: (يد المعطي العليا...)

قوله: [أخبرنا يوسف بن عيسى ].ثقة، أخرج له البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
[ حدثنا الفضل بن موسى ].
هو الفضل بن موسى المروزي، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يزيد وهو ابن زياد بن أبي الجعد ].
يزيد هو ابن زياد بن أبي الجعد، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، والنسائي، وابن ماجه.
[ عن جامع بن شداد ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن طارق المحاربي ].
هو طارق بن عبد الله المحاربي، وهو صحابي له حديثان أو ثلاثة، يعني: مقل من الحديث، يعني: أحاديثه في الكتب الستة حديثان أو ثلاثة، وهذا واحد منها، وخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، وأصحاب السنن الأربعة.


اليد السفلى


شرح حديث: (واليد السفلى السائلة)


قال المصنف رحمه الله: [اليد السفلى أخبرنا قتيبة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: ( اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة، واليد السفلى السائلة ) ].
ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: اليد السفلى، يعني: من هي يده، فأورد حديث عبد الله بن عمر، وقد ذكر الصدقة والتعفف عن المسألة، فقال: ( اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة، واليد السفلى السائلة )، فهنا بين اليد السفلى، وأنها يد السائل المعطى الذي يضع المعطي المال أو الصدقة في يده، فمقصود النسائي من هذه الترجمة هو أنه جاء تفسير اليد السفلى بأنها يد السائل، وتفسير اليد العليا بأنها يد المعطي.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #695  
قديم 11-07-2022, 08:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,989
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله



تراجم رجال إسناد حديث: (... واليد السفلى السائلة)

قوله: [أخبرنا قتيبة].قد مر ذكره.
[عن مالك بن أنس].
إمام دار الهجرة، وهو المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وهو كما قال الحافظ ابن حجر : رأس المتقنين، وكبير المثبتين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن عبد الله بن عمر ].
نافع هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
يروي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا الحديث من رباعيات النسائي التي هي أعلى الأسانيد عنده؛ لأن النسائي أعلى ما عنده الرباعيات، وهو أن يكون بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص، وهنا بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيبة ومالك ونافع وعبد الله بن عمر ، فهؤلاء الأربعة هم رجال الإسناد عند النسائي في هذا الحديث، فهو إسناد عال من أعلى الأسانيد عند النسائي، وأنزل الأسانيد عند النسائي هو ما فيه عشرة أشخاص، وهو حديث واحد في فضل قل هو الله أحد، وقد مر هنا في سنن النسائي، وقال النسائي: هذا هو أطول إسناد عنده، وهو تساعي عند الإمام أحمد، وعشاري عند النسائي، يعني: بين الإمام أحمد وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تسعة أشخاص، وبين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه عشرة أشخاص، فأنزل إسناد عنده العشاري، وأعلى إسناد عنده الرباعي، وأصحاب الكتب الستة الذين هم: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، البخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً بالتكرار، وبدون تكرار ستة عشر حديث، وكذلك الترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وعند ابن ماجه خمسة أحاديث ثلاثية كلها بإسناد واحد وهو إسناد ضعيف.
وأما مسلم فأعلى ما عنده الرباعيات، وأبو داود أعلى ما عنده الرباعيات، والنسائي أعلى ما عنده الرباعيات، وهذا الذي معنا هو من أعلى الأسانيد عند النسائي.
الصدقة عن ظهر غنى


شرح حديث: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصدقة عن ظهر غنىأخبرنا قتيبة حدثنا بكر عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول ) .
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الصدقة عن ظهر غنى، يعني: كون الإنسان يتصدق وهو غير محتاج إلى ما يتصدق به، يعني: يكون عن ظهر غنى، يعني: وهو غني، يعني: زائد عن حاجته وحاجة من يعوله، عنده شيء زائد، فهو يتصدق من الزائد، وتلك الصدقة يعني: هي خير الصدقة؛ لأنها تكون مع عدم احتياجه، وعدم كونه يندم؛ لأنه إذا تصدق بما عنده وهو فقير، يعني: قد يحصل منه ندم على فعله، بخلاف الغني الذي عنده ما يكفيه ويكفي من يعول، ويتصدق بما هو زائد، وبما هو فاضل، هذا هو المقصود بالصدقة عن ظهر غنى، وقد سبق أن مر في حديث جهد المقل، ( إن خير الصدقة جهد المقل )، وهو الذي ليس عنده إلا القليل، ففسر بأن جهد المقل، يعني: بأن يكون وراء ما يحتاجه من يمونه وهو مقل، ومن الناس من يكون غنياً وعنده ما يكفيه وزيادة كثيرة وراء ذلك، فهذا يقال له: غني، وهذا يقال له: مقل، هذا يقال له: مكثر، وهذا يقال له: مقل من المال، يعني: معنى هذا أن الإنسان يتصدق بعد وجود ما يكفيه.
ثم من الناس من يتصدق وليس عنده ما يكفيه، لكن عنده غنى القلب، كما حصل لـأبي بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه فإنه تصدق بماله كله، وعمر رضي الله عنه وأرضاه لما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدقة، أراد أو فكر عمر بأنه يسبق أبا بكر هذه المرة، فجاء بنصف ماله، وأبو بكر جاء بماله كله، فإذا كان الإنسان عنده الصبر، وعنده قوة الإيمان، وقوة اليقين، وليس عنده التأثر والندم على ما يخرج منه، ثم أيضاً يروح يسأل الناس، بل عنده غنى النفس، وعنده القدرة على التحصيل، والقدرة على المال، ثم يجود بما عنده بكثير مما عنده، فهذا خير، لكن العلماء وفقوا بين جهد المقل وبين ظهر الغنى بأنه لا تنافي بينهما، وأن المقصود فيما إذا زاد عن الحاجة، يعني: عما هو ليس واجباً عليه، أما إذا كان عليه واجباً فإن الواجب مقدم على النفل، وهو مفترض عليه، والله تعالى يقول: ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه )، فكون الإنسان ينفق على أولاده وعلى من يعول هذا واجب عليه، وكونه يتصدق على الناس الأباعد، وأقربائه محتاجون، وأولاده الذين تجب عليه نفقته يذهبون ويسألون ويتكففون هذا ما يصلح، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـسعد لما أراد أن يوصي بكثير من ماله قال: ( إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس )، حتى بعد وفاة الإنسان، يعني: كونه يفكر في أولاده وفي الإحسان إليهم وغناهم، وكونهم لا يحتاجون إلى الذل وإلى السؤال هذا ملاحظ في الشريعة.
ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـسعد : ( إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة )، يعني: كونه عندما يوصي أنه يوصي بالثلث والثلث كثير، ( إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس )، فالصدقة عن ظهر غنى لا تنافي؛ لأن المقصود بعد الوجوب، لكن من الناس من يكون عنده الشيء القليل بعد أداء ما يجب، ومنهم من يكون عنده الكثير، ثم من الناس من يكون عنده القليل فيعطيه فيندم، وهذا غير محمود، والذي يكون عنده الكثير ولا يؤثر فيه ولا يحصل بسببه تأثر له هذا هو الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى )؛ لأنه ما تلحقها نفسه، ما تلحق نفسه الصدقة، أو تتعلق نفسه بها، أو يندم على حصولها.
( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول ).
(واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول) يعني: كون الإنسان يبدأ بمن يعول، ويعطي من يعول، ومن تلزمه نفقته هو الذي يتعين عليه أن يحسن إليه، وإلا فكونه يضر من تجب نفقته عليه، ويجعلهم يتكففون الناس، ويسألون الناس، فهذا مثل ما يقولون في المثل عند العوام: إن النخلة العوجاء تسقط في غير حوضها، يعني: تمرها إذا سقط يروح في مكان بعيد، بخلاف النخلة المستقيمة فإن الذي يتساقط يكون في حوضها، وتحت أصلها، فالذي يحسن إلى الأباعد ويترك الأقارب أو من تجب نفقته عليه يضيق عليهم هذا يأثم، يأثم بفعله هذا، بل الواجب أن يبدأ الإنسان بمن يعول؛ فهم أولى الناس ببره، وأولى الناس بإحسانه، ونفقتهم واجبة عليه، ثم أيضاً من تجب نفقته عليه كفاية، ولكن عنده شيء قليل بعد ذلك، فأولى الناس به أقاربه، ولهذا قال: ( ثم أدناك أدناك )، يعني: عندما يتصدق الإنسان يكون أولى الناس بصدقته أقاربه المحتاجون.

تراجم رجال إسناد حديث: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى...)

قوله: [ أخبرنا قتيبة ]. قد مر ذكره.
[ حدثنا بكر ]
هو ابن مضر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[ عن ابن عجلان ].
هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن أبيه ].
هو عجلان مولى فاطمة بنت عتبة، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، يعني: مثل ابنه.
ابن حجر قال عنه: لا بأس، وهي بمعنى صدوق، لا بأس به وهي تعادل صدوق.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق؛ لأن السبعة المعروفين بكثرة الحديث أكثرهم أبو هريرة، وهم: أبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، فهؤلاء سبعة معروفون بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر هؤلاء السبعة أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه.


تفسير ذلك


شرح حديث: (يا رسول الله! عندي دينار، قال: تصدق به على نفسك...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى حدثنا يحيى عن ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( تصدقوا، فقال رجل: يا رسول الله! عندي دينار، قال: تصدق به على نفسك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على زوجتك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر ) ]. أورد النسائي تفسير ذلك، يعني: تفسير ما تقدم من الصدقة عن ظهر غنى، وهي أنها تكون بعد الكفاية، وبعد كون الإنسان عنده ما يكفيه، يعني: عنده شيئاً زائداً عن حاجته فيتصدق به، لكن كما قلنا: الصدقة على القريب الذي لا تجب نفقته هي أولى من الصدقة على الأباعد عنه والأجانب عنه اللي هم ليسوا أقرباء له؛ لأنها تكونه صدقة وصلة على القريب إذا كان القريب محتاج، تكون صدقة وصلة، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل قال: عندي دينار قال: (تصدق به على نفسك)، يعني: كأنه معناه أن هذا هو الذي عنده، قال: أنت أحق به، أنفقه على نفسك، واستغن به عن غيرك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على زوجتك، ومن المعلوم أن الزوجة تجب نفقتها، لكن الإعطاء لأداء الواجب مع الاحتساب يؤجر عليه الإنسان، فالإنسان قد يعطي الواجب ولكنه ما يفكر في الثواب، بل من الناس من يلزم ويحكم عليه حكم بأنه ينفق على من تجب نفقته عليه، وإلا هو لا يريد أن ينفق، وإنما قد يحكم عليه حكم ويلزم بأنه يؤخذ من ماله شيء لأولاده، فهذا لا يحصل أجراً، لكن الواجب تأدى، مثل الذي أخذت منه الزكاة من غير اختياره، فإنه لا يؤجر على ذلك، لكن الوجوب سقط عنه؛ لأنه أخذ منه الواجب، لكن ما يحصل أجر؛ لأنه ما وجدت عنده النية، فكذلك الإنسان الذي ينفق على أولاده إذا احتسب ورجى الأجر والثواب فإنه يثاب على أداء الواجب، وأما إذا كان الإنسان ما يفكر في الثواب، أو من الناس من لا يريد حتى يحكم عليه، ويرفع إلى القاضي، والقاضي يحكم عليه بأنه يدفع شهرياً كذا، أو سنوياً كذا، فإنه في هذه الحالة لا يكون له أجر، لكن الوجوب تأدى، ولهذا قال: أعطه زوجتك، تصدق به على زوجتك، والزوجة نفقتها واجبة عليه، فإذاً هي أولى الناس بإحسانه، وأولى الناس بنفعه.
ثم قال: (عندي آخر، قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر)، يعني: إذا كثر عندك المال فابدأ بمن تعول، وبعد ذلك أعط، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث الذي مر: ( ثم أدناك أدناك )، يعني: أنهم أولى من غيره، أولى من غيره ببرك وإحسانك.

تراجم رجال إسناد حديث: (يا رسول الله! عندي دينار، قال: تصدق به على نفسك...)

قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى ].عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومحمد بن المثنى كذلك شيخ لأصحاب الكتب الستة، أخرجوا له وهو شيخ لهم، فهذان شيخان لأصحاب الكتب الستة: عمرو بن علي الفلاس ومحمد بن المثنى العنزي.
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عجلان ].
وقد مر ذكره.
[ عن سعيد عن أبي هريرة ].
سعيد هو سعيد بن أبي سعيد، وقد ذكر المزي هذا الحديث تحت هذه الترجمة في تحفة الأشراف.
ونص على أنه سعيد بن أبي سعيد المقبري، فهو ليس سعيد بن المسيب، بل هو كما ذكر عن المزي رحمة الله عليه سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وسعيد بن المسيب وسعيد المقبري يرويان عن أبي هريرة.


إذا تصدق وهو محتاج إليه هل يرد عليه


شرح حديث أبي سعيد في الرجل يتصدق وهو محتاج إليه


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا تصدق وهو محتاج إليه هل يرد عليه؟أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا ابن عجلان عن عياض عن أبي سعيد رضي الله عنه: ( أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب، فقال: صل ركعتين، ثم جاء الجمعة الثانية والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب، فقال: صل ركعتين، ثم جاء الجمعة الثالثة، فقال: صل ركعتين، ثم قال: تصدقوا، فتصدقوا فأعطاه ثوبين، ثم قال: تصدقوا، فطرح أحد ثوبيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألم تروا إلى هذا إنه دخل المسجد بهيئة بذة، فرجوت أن تفطنوا له فتتصدقوا عليه فلم تفعلوا، فقلت: تصدقوا فتصدقتم، فأعطيته ثوبين، ثم قلت: تصدقوا، فطرح أحد ثوبيه، خذ ثوبك، وانتهره ) ].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [باب إذا تصدق وهو محتاج إليه هل يرد عليه ].
تصدق وهو محتاج إليه، أي: إلى من تصدق به، هل يرد عليه؟ يعني: لا يمكن من الصدقة، وإنما يرد عليه ما تصدق به، أورد النسائي هذه الترجمة، وأورد تحتها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له: صل ركعتين، ثم إنه دخل الجمعة الثانية، والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له: صل ركعتين، ثم في الجمعة الثالثة دخل والرسول يخطب، فقال له: صل ركعتين، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تصدقوا، وقال: إن هذا جاء بهيئة بذة، يعني: بثياب رثة، ويظهر عليه الفقر والحاجة، فقلت: لعلكم تفطنون إليه، يعني: فتتصدقون عليه، فلم تفعلوا، فقال لهم: تصدقوا، فتصدقوا وطرحوا ثياباً، فأعطاه الرسول ثوبين من هذه الثياب التي تصدق بها، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: تصدقوا، فطرح أحد ثوبيه اللذان أعطاه إياهما، فالرسول رده إليه وانتهره، يعني: أن يعود إلى ذلك؛ لأنه ما دام هو محتاج، فهو أولى من غيره).
ثم إن هذا الحديث فيه بيان أن الإنسان إذا دخل المسجد والإمام يخطب فإن عليه أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين، لا يجلس إلا وقد صلى تحية المسجد، وأن تكون ركعتين ما يزيد عليها؛ لأن الزيادة على ركعتين فيها تشاغل عن الخطبة، ولكن يصلي ركعتين فقط التي هي تحية المسجد، ثم إن الأمر بالصلاة ركعتين لا علاقة له بالرغبة في الصدقة؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم ما قال له يقوم يصلي ركعتين من أجل الناس يرونه، فلا يعني ذلك أنه إن لم يكن محتاجا يأتي ويجلس بدون ما يصلي ركعتين، لا، الرسول صلى الله عليه وسلم شرع للناس أن الإنسان إذا دخل المسجد والإمام يخطب يصلي ركعتين، ويتجوز فيهما جاء في الحديث في الصحيحين: (لما جاء رجل ودخل المسجد فقال له: أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: صل ركعتين وتجوز فيهما)، يعني: يخففهما.
فالحديث بعض الفقهاء يقول: إن الإنسان إذا دخل المسجد لا يصلي ركعتين إذا جاء، وإنما يجلس، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما أمر الشخص حتى يراه الناس ويتصدقوا عليه، الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمره، ما قال: إنني أمرته بالصلاة حتى يتصدقوا عليه، وإنما قال: صبرت ثلاث جمع وهو يأتي وأنتم تنظرون إليه، ومع ذلك ما أحد أعطاه وتغيرت ثيابه، بل ثيابه هي هي، ما حصل له شيئاً تتغير به ثيابه، ما رأيتكم أعطيتموه شيئاً؛ لأنه لو أعطي شيئاً للبس الثياب التي هي أحسن من هذه، فلما رآه ثلاث جمع والناس ما أعطوه شيئاً قال: تصدقوا، فإذاً: لا علاقة بقوله: صل ركعتين بالصدقة، وأن الإنسان إذا دخل المسجد لا يصلي ركعتين، بل يأتي ويجلس، بل جاء في الحديث المطلق الذي جاء في البخاري ومسلم: (أنه دخل وجلس، فقال: أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين، وتجوز فيهما)، قال له: (صل ركعتين وتجوز فيهما)، وقال: (أصليت ركعتين؟) لأنه يمكن أنه صلى في مكان متأخر ثم جاء يتخطى رقاب الناس، فظن أنه ما صلى أو صلى في مكان آخر، فقال له: أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين.
فإذاً: لا علاقة لصلاة الركعتين بالحاجة أو الصدقة أو ما إلى ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصلي؛ لأنه جاء وجلس ولم يصل الركعتين والإمام يخطب، فتبين لنا بهذا أن الإنسان عليه أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس، ولا يكون الحكم منوطاً أن الرسول أراد أن يتصدق عليه كما قاله بعض الفقهاء، بل السنة أن الإنسان إذا جاء يصلي ركعتين ويخففهما حتى لا يفوته شيئاً كثير من الخطبة، بل يصلي تحية المسجد ويسمع الخطبة.
فإذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم رآه ثلاث مرات يأتي للجمعة، وثيابه رثة وسيئة، وما رآه تغيرت حاله، فما تصدق عليه، فحثهم على الصدقة فقاموا وتصدقوا، فالرسول أعطاه ثوبين مما تصدق به، فلما أمر بالصدقة طرح أحد ثوبيه، طبعاً هو محتاج، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ألم تروا إلى هذا جاء بثياب بذة، وظننت أن تفطنوا له فتتصدقوا عليه فلم تفعلوا، فأمرت بالصدقة، فأعطيته ثوبين مما تصدق به، ثم أمرت بالصدقة فطرح أحد ثوبيه، خذ ثوبك، وانتهره، يعني: أن يعود إلى مثل هذا؛ لأن هذا الإنسان هو أولى من غيره، فما دام محتاجاً فهو أولى من غيره، ولهذا مر في الحديث مثل الذي قال: عندي دينار، قال: تصدق به على نفسك، يعني: أنت أولى الناس به إذا كان ما عندك إلا هو، أنفق به على نفسك حتى لا تحتاج، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على زوجتك... الحديث الذي مر بنا قريباً.

تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد في الرجل يتصدق وهو محتاج إليه

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا ابن عجلان ]. وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.
[ عن عياض ].
هو عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد ].
هو أبو سعيد الخدري، وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري ، مشهور بكنيته أبي سعيد، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #696  
قديم 11-07-2022, 08:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,989
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(403)



- (باب صدقة العبد) إلى (باب أي الصدقة أفضل)


حاجة الملهوف، والأمر بالخير، والإمساك عن الشر، كما أنه رخص للزوجة أن تتصدق من بيت زوجها فيما يأذن به الزوج، وقد بينت السنة فضل الصدقة، وأفضل أحوالها، وأن أولى الناس ببر الإنسان هو من يعوله.
صدقة العبد

شرح حديث: (على كل مسلم صدقة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة أخبرني ابن أبي بردة سمعت أبي يحدث عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( على كل مسلم صدقة، قيل: أرأيت إن لم يجدها؟ قال: يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق، قيل: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قيل: فإن لم يفعل؟ قال: يأمر بالخير، قيل: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة ) ].أورد النسائي رحمه الله تحت ترجمة: صدقة العبد، (وضربه مولاه واشتكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم، لم ضربه، فقال) إنه الحديث الثاني وهو حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وهو في الصدقة عموماً، أي: أنه أعم من أن تكون بمال أو بغير مال، وهذه يمكن للعبد أن يقوم بها في بعض الأحوال، وذلك في غير المال، وغير الكسب الذي يكتسبه بالعمل إذا لم يكن سيده قد أذن له بذلك، فإنه يمكنه أن يتصدق بالأمور الثلاثة الأخرى الباقية التي هي: كونه يعين ذا الحاجة الملهوف، أو يأمر بالخير، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أو يمسك عن الشر، فإن هذه الأمور الثلاثة تمكن من العبد ومن غير العبد.
أما فيما يتعلق بالمال فإن العبد لا يملك، وإنما الملك لسيده، فإن أذن له إذناً صريحاً أو إذناً مفهوماً على حسب شيء يعلم من حال سيده بأنه لا يمنع العبد من مثل ذلك، وأنه في حكم المعلوم، فإنه ينفق من المال بحيث لا يضر السيد في ماله، وإذا لم يحصل شيء من هذا فإن الأمور الثلاثة هي بإمكان العبد أن يفعلها، فهذا هو وجه إيراد الحديث في صدقة العبد؛ لأن المقصود بالصدقة ما هو أعم من الشيء الذي يوضع في اليد، لأنها تكون بالقول وتكون بالفعل، تكون بالأمر بالخير، وبالإمساك عن الشر، تكون بالإعانة بالقوة البدنية.
أورد النسائي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [( على كل مسلم صدقة )] والمقصود من هذه الصدقة ما هو أعم من الواجبة، بل ما يكون على سبيل الاستحباب؛ لأن الزكاة الواجبة لا تجب على كل أحد، وإنما تجب على من ملك النصاب وحال عليه الحول، وهنا قال: [( على كل مسلم صدقة )]، يعني: أن كل مسلم يمكنه أن يتصدق بصدقة، سواء كانت مالية أو غير مالية، فالصحابة لما قال: [على كل مسلم صدقة] فهموا الصدقة المالية التي تعطى للإنسان، فقالوا: أرأيت إن لم يجدها؟ أرأيت إن لم يجد هذه الصدقة التي يتصدق بها، ما عنده مال يتصدق به فقال عليه الصلاة والسلام: [( يعتمل بيده ويتصدق )] يعني: يشتغل بيده، وينفع نفسه ويتصدق، يعمل الشيء الذي يمكن الحصول به على المال.
والصحابة رضي الله عنهم لما حثهم الرسول على الصدقة، ما كان الواحد منهم يجد شيئاً يتصدق به، قال: فيذهب إلى السوق فيحمل على ظهره بالأجرة، ويحصل الشيء اليسير فيأتي بالمد ويعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم صدقة، أي: أنه يعمل بيده حتى يحصل شيئاً ينفعه وينفع غيره، يستفيد بنفسه ويفيد غيره، فلما أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم حيث لا يوجد المال الذي يتصدق به إلى أن يأخذوا بالسبب الذي يوصل إليه وهو العمل والاكتساب.
قيل: [( أرأيت إن لم يفعل؟ )]، ما حصل منه فعل الاكتساب والعمل، فقال: [( يعين ذا الحاجة الملهوف )]، أي: إذا رأى شخصاً في لهفة وشدة فدعاه وصاح به ليساعده فإنه يأتي ويساعده، ينقذه من هلكة، أو يعينه على دفع الظلم عنه، أو ما إلى ذلك من الأشياء، يعني: مضطر يحتاج إلى إعانته بالعمل فإنه يعينه.
فالأول عنده مال، أو عمل على حصول المال، والثاني لا هذا ولا هذا، ولكنه يتصدق بقوته البدنية، بأن يعين شخصاً محتاجاً إلى إعانته، قيل: [( فإن لم يفعل؟ قال: يأمر بالخير )]، وجاء في بعض الروايات: (يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر)، أي: أنه يحسن بقوله؛ لأن الأول أحسن بفعله، والثاني أحسن بقوله، ولهذا قال: يأمر بالخير.
قيل: [( أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنه له صدقة )] يعني: إذا ما حصل منه لا هذا ولا هذا فيمسك عن الشر الذي يعود مضرته عليه وحده، فتكون صدقة منه على نفسه، وكذلك يمسك عن الشر، الذي فيه إيصال الأذى إلى الناس، فتكون صدقة منه على نفسه إذ امتنع عن فعل شيء يعود عليها بالضرر، وصدقة منه على غيره لأنه لم يفعل شيئاً فيه ضرر على الغير، فهذه أحوال خمسة أرشد إليها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي بالتدريج لمن لم يتمكن من فعلها مجتمعة، أما من يتمكن من فعلها مجتمعة فيأتي بها جميعاً، يمكن أنه يعطي إذا كان عنده مال، وكذلك يعين بقوة بدنه، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بقوله، ويمسك عن الشر فتجتمع الأولى والثالثة والرابعة والخامسة؛ لأن الثانية مبنية على عدم المال، وأنه يكتسب ليحصل المال ليتصدق به، فمن كان عنده مال تصدق، وكذلك أعان بفعله، وأعان بقوله، وأمسك عن الشر، وإذا لم يكن عنده مال، فإنه يعمل ويتصدق ويعين ذا الحاجة الملهوف، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويمسك عن الشر.
وهذا الترتيب الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم أتى به على تدرج: إن لم يجد، أو لم يفعل، لكن من تمكن من أن يفعل هذه الأمور فإنه يفعلها، وكلها خير وصدقة، والصدقة تكون بالقول، وتكون بالفعل، ولهذا جاء في الحديث: ( كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، والكلمة الطيبة صدقة ) فالصدقة تكون بالمال، وتكون بالأفعال، وتكون بالأقوال، وتكون بالإمساك عن الشر كما جاء في هذا الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث: (على كل مسلم صدقة ...)

قوله: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ]:هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، وابن ماجه.
[ حدثنا خالد ].
هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني ابن أبي بردة ].
هو سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت أبي يحدث].
أبوه هو أبو بردة هو مشهور بكنيته، واختلف في اسمه وهو أبو بردة بن أبي موسى هو مشتهر بكنيته، وأبوه مشتهر بكنيته، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي موسى الأشعري ]
وهو عبد الله بن قيس رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث فيه رواية من روى عن أبيه عن جده؛ لأن سعيداً روى عن أبيه أبي بردة وأبو بردة روى عن أبيه أبي موسى، فهي من رواية الابن عن الأب عن الجد.


صدقة المرأة من بيت زوجها


شرح حديث: (إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كان لها أجر ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ صدقة المرأة من بيت زوجها.أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت أبا وائل يحدث عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كان لها أجر، وللزوج مثل ذلك، وللخازن مثل ذلك، ولا ينقص كل واحد منهما من أجر صاحبه شيئاً، للزوج بما كسب ولها بما أنفقت ) ].
ثم أورد النسائي صدقة المرأة من بيت زوجها، يعني: كونها تتصدق من بيت زوجها من الطعام ومن الأشياء التي هي موجودة في البيت، والتي هي كسب الزوج، ومن إنفاق الزوج، فهل تتصدق المرأة من بيت زوجها؟ إذا كان هناك إذن صريح، فالأمر في ذلك واضح، تنفق على وفق الإذن، سواء كان قليلاً أو كثيراً، تنفق في حدود المأذون لها، وإذا لم يكن هناك إذن صريح، وهناك شيء مفهوم متعارف عليه تعرفه المرأة من حال زوجها، وتعلم أنه لا يمانع في الصدقة التي لا تجحف ولا تضر، فإن لها أن تنفق من مال زوجها بذلك الإذن المفهوم من حال الزوج، أي: أن من عادته أنه يحسن ويأمر بالإحسان، ويخرجون وهو ينظر ويقرهم على ذلك، فهذا سائغ، ولكنه يتوقف على الفهم من حال الزوج.
والنسائي أورد حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [( إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كان لها أجر ولزوجها أجر، وللخازن أجر، ولا ينقص من أجورهم شيء )] يعني: كل واحد له أجره، ولا ينقص كون هذا يعطى من الأجر، ينقص أجر ذاك، بل هذا له أجره، وهذا له أجره، وذلك له أجره كله فضل من الله عز وجل، للزوج بما كسب؛ لكونه تسبب في وجود المال عن طريق الاكتساب، والتحصيل، وجلبه إلى البيت، والمرأة بما أنفقت؛ لكونها باشرت وتسببت في الإحسان، وكذلك الخازن الذي هو المؤتمن على المال والذي معه الخزانة أو الذي يباشر الإعطاء عندما تعطيه شيئاً، ليعطيه للفقير، فإن هؤلاء كلهم مأجورون.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كان لها أجر ...)

قوله: [ أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار ].محمد بن المثنى هو العنزي الملقب الزمن، وكنيته أبو موسى، وهو بصري، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومحمد بن بشار هو الملقب بندار وهو بصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهذان الشيخان للنسائي وهما من صغار شيوخ البخاري، وماتا قبل البخاري بسنة واحدة، وهي سنة اثنتي وخمسين ومائتين أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وكانا متماثلين في الشيخ والتلاميذ، وفي كونهما من أهل البصرة، وكونهما ماتا في سنة واحدة، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: وكانا كفرسي رهان، يعني: كالفرسين المتسابقين الذي يريد كل واحد منهما أن يسبق فلا يسبق، فهما متماثلان ومتساويان، فهما شيخان لأصحاب الكتب الستة جميعاً، هما شيخان للبخاري، ومسلم ولـأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، رووا عنهم أصحاب الكتب الستة مباشرة وبدون واسطة.
[ عن محمد بن جعفر ].
محمد بن جعفر هو البصري، الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
وقد مر ذكره.
[ عن عمرو بن مرة ].
هو عمرو بن مرة الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي وائل ].
هو شقيق بن سلمة الكوفي، وهو مشهور بكنيته ومشهور باسمه، فاسمه شقيق بن سلمة، وكنيته أبو وائل، وهو ثقة، مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ومعرفة كنى المحدثين لها أهمية، وفائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين، إذا جاء مرة عن شقيق بن سلمة، وجاء مرة عن أبي وائل، فالذي لا يفهم يظن أن أبا وائل شخص، وأن شقيق بن سلمة شخص آخر، لكن إذا عرف أن أبا وائل هي كنية لـشقيق بن سلمة يتضح له أن الشخص شخص واحد، ولا يقع في ذهنه أن الشخص الواحد يكون شخصين، بل هما شخص واحد ذكر مرة بكنيته، ومرة باسمه.
[ عن عائشة ].
هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي حفظ الله تعالى بها كثيراً من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما فيما يتعلق بالأمور المتعلقة في البيوت، والتي تقع بين الرجل وبين أهله، فإنها حفظت الشيء الكثير من ذلك، فهي من أوعية السنة، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ستة رجال وامرأة واحدة، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، هؤلاء هم الذين تميزوا على غيرهم بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


عطية المرأة بغير إذن زوجها


شرح حديث: (لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ عطية المرأة بغير إذن زوجهاأخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد بن الحارث حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب أن أباه حدثه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم، مكة قام خطيباً فقال في خطبته: ( لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها ) مختصر ].
ثم أورد النسائي: عطية المرأة بغير إذن زوجها، وأورد فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، يوم الفتح قال في خطبته: [( لا يحل لامرأة عطية إلا بإذن زوجها )] والمقصود من ذلك من ماله، وهذا الحديث أورده النسائي في هذه الترجمة بعد الحديث المتقدم، الذي هو مطلق ليبين أن القضية تتعلق بالإذن، وأن المرأة كونها تعطي من مال زوجها تعطي بإذنه، ولهذا قال: [( لا يحل لامرأة عطية إلا بإذن زوجها)]، يعني: من مال زوجها، فالحديث الأول مطلق، وهذا الحديث فيه: بيان أنه لابد من الإذن، وقد عرفنا أن الإذن يكون صريحاً، ويكون مفهوماً ومتعارفاً عليه، يعني: في الإعطاء، لا سيما الشيء اليسير.
فالحديث يدل على أن المرأة لا تعطي عطاء إلا بإذن زوجها إما بإذن صريح، أو بإذن مفهوم متعارف عليه، يفهم من العادة، ومن حالة الرجل ومن رغبته وأمره بالإحسان، ومن كونه يحسن، وهو ينظر ويسكت ولا يمانع، فهو في حال غيبته تفعل مثل ذلك، فلا يحل لامرأة عطية إلا بإذن زوجها، وهذا إذا كان من ماله، أما إذا كان من مالها، فإن جمهور العلماء على أنها تعطي من مالها وتتصرف بمالها كيف شاءت، وبعض الفقهاء يقول: المرأة المزوجة لا تتصرف في مالها إلا بإذن زوجها، وجاء في ذلك حديث، لكنه محمول على حسن المعاملة، وعلى أخذ رأيه، وأن هذا من الأمور المستحسنة، أما كونها تتصرف في مالها تعطي، وتبيع، وتشتري، ولو لم يأذن الزوج فهذا حقها، وقد ثبتت الأحاديث في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن أدلة ذلك الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب الناس يوم العيد ذهب إلى النساء ومعه بلال وقال: ( يا معشر النساء! تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم )، فجعلن يلقين من أقراطهن وخواتيمهن، تخلع خواتمها وتضع، تخلع القرط الذي في أذنها وتضعه، ما انتظرن حتى يستأذن الأزواج، بل تصدقن، وأنفقن من أموالهن، فالمرأة تنفق أو تتصرف في مالها بغير إذن زوجها، هذا قول الجمهور.
فالحديث يدل على أن المرأة لا تنفق من مال زوجها إلا بإذنه وهذا مطلق، أما قضية إنفاقها من مالها بإذن زوجها فقال به بعض أهل العلم، وجمهورهم على القول بأنها تتصرف وأن ما جاء محمول على حسن المعاشرة والمشاورة وما إلى ذلك، وأما التصرف فإنها تتصرف وإن لم يأذن.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #697  
قديم 11-07-2022, 08:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,989
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها)

قوله: [ أخبرنا إسماعيل بن مسعود ].هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده، وكنيته أبو مسعود واسم أبيه مسعود، وهو مما وافق فيه الكنية اسم الأب، ومعرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث فائدته ألا يظن التصحيف؛ لأنه قد يذكر الاسم والكنية، وقد يذكر الاسم والنسبة فيقال: ابن مسعود ويقال: أبو مسعود، فهو إسماعيل أبو مسعود وهو إسماعيل بن مسعود، إن جاء أبو مسعود فهو صحيح، وإن جاء ابن مسعود فهو صحيح، فالذي يفهم ابن مسعود وأخذ ابن مسعود لو جاء إسماعيل أبو مسعود يظن أن (أبو) مصحفة عن (ابن) وهي ليست مصحفة، لأنه هو أبو مسعود وهو ابن مسعود، يأتي هكذا ويأتي هكذا وكله صواب.
[ حدثنا خالد بن الحارث ].
هو خالد بن الحارث البصري، وقد مر ذكره.
[ حدثنا حسين المعلم ].
هو حسين بن ذكوان المعلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن شعيب ].
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعمرو بن شعيب صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن الأربعة.
عن أبيه شعيب بن محمد، وهو صدوق، أيضاً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وفي جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة، وهنا هذه الرواية ما فيها عن أبيه عن جده، وإنما فيها أن شعيباً يحدث عن جده، يعني: جده عبد الله بن عمرو، وقد قال الحافظ في التقريب: ثبت سماعه من جده، يعني: إذاً هو متصل؛ لأن شعيباً يروي عن جده عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمرو صحابي فهو متصل.
وهذا الإسناد الذي معنا يوضح أو هو من شواهد ما ذكره الحافظ ابن حجر ممن ثبت سماعه عن جده؛ لأنه ما قال: عن أبيه عن جده حتى يظن أن أباه شعيب يروي عن جده محمد الذي حديثه مرسل لو كان كذلك، لكنه يحدث عن جده عبد الله بن عمرو، يعني: أبوه شعيب يحدث عن جده عبد الله بن عمرو يعني: معناه أنه سمع جده وروى عنه، فهذه الرواية توضح أن شعيباً يروي عن جده عبد الله، وأن قوله: عن أبيه عن جده أي: جده الذي هو جد أبيه، ليس جده هو؛ لأنه لو كان جده هو محمد الذي هو ولد شعيب، فإنه يكون مرسلاً ويكون فيه انقطاع؛ لأن محمداً لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الرواية هي عن شعيب عن عبد الله الذي هو جده، كثير من الروايات التي تأتي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فتكون محتملة، لكن هذه ما فيها احتمال؛ لأن فيها أن أباه يحدث عن جده عبد الله بن عمرو.
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم الذين هم: عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير وهم من صغار الصحابة اشتهروا بهذا اللقب، فإذا جاء: قال به العبادلة الأربعة أو روى عنه العبادلة الأربعة، المقصود من هؤلاء الصغار من الصحابة، وليس فيهم عبد الله بن مسعود كما قاله بعض أهل العلم؛ لأن ابن مسعود متقدم، توفي في سنة اثنين وثلاثين وهم ماتوا بعد الستين، أو في حدود الستين، يعني: بعده بمدة، ولهذا أدركهم من لم يدرك ابن مسعود، وروى عنهم من لم يدرك زمن ابن مسعود.
وشعيب صدوق، لكنه ليس مدلساً، وروايته بالعنعنة لا تؤثر فيه، وإنما العنعنة تؤثر من المدلس، والذي قال بالانقطاع يقول: أن فيه هنا شيء محذور بين الأب وعبد الله بن عمرو؛ لأنه لو قال: حدثه أو سمعت عبد الله بن عمرو لأصبح صريحاً.
هو الكلام على أن المقصود بالجد هو جد الأب، وليس جد عبد الله المباشر؛ لأن بعض المحدثين يرد رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ويقول: إن محمداً هو الجد الذي يروي عنه شعيب، يعني: جد عمرو، وعلى هذا يكون مرسلاً، يكون فيه انقطاع، أما هنا ما فيه إرسال؛ لأن عمراً روى عن شعيب، وشعيب روى عن جده عبد الله، والرواية بالعنعنة هي تضر في حق المدلس، أما الذي ليس عنده تدليس لا تؤثر فيه العنعنة.
وبعضهم ينفي سماع محمد عن عبد الله لأن محمداً ما له وجود الآن في الإسناد، لأن الإسناد عمرو عن شعيب عن عبد الله، ومحمد غير موجود، لكن الذين يقولون بالقول الآخر ويردون رواية عمرو بن شعيب يقولون: عمرو يروي عن شعيب وشعيب يروي عن محمد ومحمد يروي عن الرسول فيكون مرسلاً منقطعاً، أما هذا ما فيه إرسال، ما دام أن شعيباً ثبت سماعه عن جده، فروايته عن جده يكون متصلاً.
وقال في آخره [ مختصراً ].
يعني أن النسائي ذكره مختصراً ما ذكره بطوله، فأشار إلى حصول الاختصار.


فضل الصدقة

شرح حديث: (أن أزواج النبي اجتمعن عنده فقلن: أيتنا بك أسرع لحوقاً؟ قال: أطولكن يداً ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فضل الصدقةأخبرنا أبو داود حدثنا يحيى بن حماد أخبرنا أبو عوانة عن فراس عن عامر عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، اجتمعن عنده فقلن: أيتنا بك أسرع لحوقاً؟ فقال: أطولكن يداً، فأخذن قصبة فجعلن يذرعنها، فكانت سودة أسرعهن به لحوقاً، فكانت أطولهن يداً، فكان ذلك من كثرة الصدقة )].
فضل الصدقة يعني: أن كون الرجل أو المرأة يكون ذا جود وكرم وإحسان، أن ذلك شيء فاضل وشيء مرغب فيه، وأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، اجتمعن عنده وسألنه: أيهن أسرع به لحوقاً؟ فقال: أطولكن يداً، ثم إنهن فهمن أن المقصود باليد الحقيقية، فأخذن قصبة وجعلن يذرعنها، كل واحدة تذرعها، ليرين أيهن أطول، فعندما ذرعن تبين أن سودة هي أطولهن، يعني: أطولهن ذراعاً بهذا المقياس الذي صرن يقسن أذرعهن وأيديهن فيه، ففهمن أن سودة هي التي تكون أسرع، وأنها هي التي تموت بعده من نسائه اللاتي يعشن بعده، فقال: أطولكن يداً، فعملن هذا العمل.
ثم إنه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، أول امرأة ماتت من زوجاته بعده زينب بنت جحش وليست سودة، يعني: سودة متأخرة في الوفاة، وزينب بنت جحش كانت متقدمة في الوفاة، هي أول من مات بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجاته التسع اللاتي مات عنهن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج إحدى عشرة امرأة، اثنتان ماتتا في حياته خديجة أولاً، ثم زينب بنت خزيمة، أما التسع الباقية فكلهن كن بعده صلى الله عليه وسلم، لكن أول من مات منهن زينب، وتبين لهن أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم، أطولكن يداً وأن زينب هي التي ماتت، وأن الطول الحقيقي الذي هو طول اليد بالفعل لم يحصل؛ لأن سودة هي الأطول يداً بالفعل، ولم تكن أسرعهن وفاة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بل كانت أسرعهن زينب، وكانت جوادة كريمة تعطي المساكين، وتطعم، وتنفق، وتكتسب، وتصنع وتعمل، وكانت كثيرة الإعطاء فعلمن أنها أطولهن يداً يعني بالإحسان والكرم والإنفاق، فالرسول صلى الله عليه وسلم، عمل شيئاً فيه تورية يعني: يحتمل شيئين، فهن فهمن هذا الشيء وهو يريد شيئاً آخر، هن فهمن الطول الحقيقي وهو أراد الطول المعنوي الذي هو الجود والكرم.
والحديث ليس فيه ذكر زينب، وإنما فيه ذكر سودة وأن الأمر كله في سودة، لكن الواقع والذي ذكره أهل السير وأهل العلم كثير منهم، والذي أيضاً جاء في صحيح مسلم أن زينب هي أسرعهن لحوقاً به، ففهمن أن ذلك من أجل الصدقة، عرفن فيما بعد أن الطول طول صدقة وإحسان وإنفاق، وبذل وعطاء، وليس طول يد بالمقياس وبالفعل، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن هذا الحديث فيه حذف وفيه سقوط، وفي صحيح مسلم بيان ذلك وأن زينب هي أسرعهن وأنهن علمن فيما بعد أن المقصود بذلك الصدقة وطول اليد بالإحسان، وليس طولها بالفعل، يعني: كونها ذات بذل وعطاء، فقال: إن فيه اختصاراً.
وأهل السير والمؤرخون ذكروا أن زينب ماتت في خلافة عمر، وأن سودة ماتت في خلافة معاوية رضي الله عنه بعد مدة طويلة من وفاة زينب.
إذاً: فالرسول صلى الله عليه وسلم، لم يصرح بالاسم، ولكنه ذكر شيئاً فيه تورية، فهمن المراد على شيء وهو يريد شيئاً، وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم صار إلى هذا ولم ينص عليها بالاسم، لأن الآجال أخفاها الله عز وجل، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعين من الذي يموت أولاً منهن، بل أتى بشيء يدل عليه، ولكنه ليس واضحاً فيه، بحيث يكون محتملاً فهمنه على شيء وهو الطول الحقيقي لليد، وهو أراد شيئاً وهو الطول المعنوي الذي هو البذل والعطاء.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن أزواج النبي اجتمعن عنده فقلن: أيتنا بك أسرع لحوقاً؟ قال: أطولكن يداً...)


قوله: [ أخبرنا أبو داود ].هو سليمان بن سيف الحراني وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ حدثنا يحيى بن حماد ].
ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود في الناسخ، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[ أخبرنا أبو عوانة ].
هو الوضاح بن عبد الله اليشكري مشهور بكنيته أبو عوانة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شخص متقدم، وقد اشتهر بكنيته أبو عوانة شخص متأخر، وهو صاحب المستخرج على صحيح مسلم، المستخرج، ويقال له: المسند ويقال له: الصحيح، صحيح أبي عوانة، ومسند أبي عوانة، ومستخرج أبي عوانة، وهو على صحيح مسلم.
[ عن فراس ].
هو فراس بن يحيى، وهو صدوق، ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عامر ].
هو ابن شراحيل الشعبي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مسروق ].
هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
أم المؤمنين رضي الله عنها وقد مر ذكرها.


أي الصدقة أفضل


شرح حديث: (أي الصدقة أفضل؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أي الصدقة أفضلأخبرنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رجل: ( يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر ) ].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: أي الصدقة أفضل؟ وأتى بأحاديث تدل على ما هو أفضل في الصدقة وأولها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ( أي الصدقة أفضل؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر ) (أن تصدق وأنت صحيح شحيح) يعني: وأنت في صحتك وعافيتك، وعندك الطمع في المال، والحرص عليه، والرغبة فيه، (تأمل العيش) يعني: تأمل الحياة، وعندك طول الأمل، (وتخشى الفقر)، يعني: وليس هذا شأن الإنسان الذي أشرف على الموت ثم يقول: يعطى كذا، ويعطى كذا، ويعطى كذا، هو ليس بصحيح، وإنما في حال صحته وفي عافيته، وقوة بدنه يجود بالمال، وكذلك عنده الرغبة بالمال، والطمع في المال؛ لأنه يأمل في الحياة، ويخشى الفقر، خشية أنه بالإنفاق يخشى الفقر بإنفاقه، فهو ذلك يجود ولا يتأخر، ولا يمتنع من الإعطاء؛ لأن عنده غنى النفس، وعنده غنى المال الغنى الظاهري والباطني، (أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش وتخشى الفقر)، فإذا تصدق الإنسان وهو كذلك يعني: تصدق وهو محتاج، وهو يأمل الحياة وهو عنده الطمع والرغبة في العيش، ويخشى الفقر، ولهذا يقول بعض الشعراء:
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال
الجود يفقر وما كل يصبر على الجود يخشى الفقر، يخشى أن يكون ما عنده شيء، لكن من الناس من يجود ولا يخشى الفقر، بل عنده قوة الإيمان وعنده غنى النفس، نفسه غنية وإذا وجد غنى النفس فسواء وجد غنى اليد أو لم يوجد، فإن ذلك خير كثير للإنسان.

تراجم إسناد حديث: (أي الصدقة أفضل؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح...)

قوله: [ أخبرنا محمود بن غيلان ].هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
[ حدثنا وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، مصنف أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري وهو: ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وسفيان هنا غير منسوب، ولكن إذا جاء وكيع يروي عن سفيان فهو سفيان الثوري، وليس سفيان بن عيينة؛ لأن وكيعاً مكثر من الرواية عن سفيان الثوري، ومقل من الرواية عن سفيان بن عيينة، فإذا أهمل الراوي شيخه يحمل على من يكون له به كثرة اتصال وكثرة أخذ، ومن المعلوم أن وكيعاً كوفي وسفيان الثوري كوفي، وأما سفيان بن عيينة فهو مكي.
ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان في بلد، فإنه يكون على كثرة اتصال بعلماء أهل البلد، وأما الذين هم في بلد آخر، فهو لا يحصل الاتصال بهم إلا عن طريق رحلة لطلب العلم، أو حج، أو عمرة؛ لأن سفيان بن عيينة من مكة، فلا يحصله إلا إذا حج أو اعتمر أو كان في رحلة لطلب العلم، أما إذا كان في بلده فإنه يكون على اتصال به ويكثر عنه ما لا يكثر عن غيره مما لا يحصل الاتصال به إلا قليلاً.
[ عن عمارة بن القعقاع ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي زرعة ].
هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي هو مشهور بكنيته أبو زرعة، جده جرير بن عبد الله البجلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ومن يكنى بأبي زرعة عدد ولكن هذا هو أقدم من يكنى بأبي زرعة؛ لأنه تابعي يروي عن الصحابة وكنيته أبو زرعة مشهور بها، وفيه أبو زرعة الرازي وهو مشهور بكنيته وهو من علماء القرن الثالث الهجري وهو من المتكلمين في الرجال جرحاً وتعديلاً، وكلامه في الرجال جرحاً وتعديلاً كثير، وأبو زرعة الدمشقي، وكذلك من المتأخرين ولي الدين أبو زرعة العراقي ابن العراقي صاحب الألفية، وهو متأخر في القرن التاسع الهجري، وهو مشهور أيضاً بكنيته أبو زرعة، فالذي يكنى أبو زرعة عدد منهم هؤلاء الأربعة، وأقدمهم هو أبو زرعة هذا الذي معنى وآخر هؤلاء الأربعة أبو زرعة العراقي الذي هو ابن صاحب الألفية عبد الرحيم بن حسين الأثري صاحب الألفية، ابنه ولي الدين أبو زرعة العراقي توفي سنة 826هـ، يعني: في القرن التاسع.
[ عن أبي هريرة ]
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.

شرح حديث: (أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا عمرو بن عثمان سمعت موسى بن طلحة أن حكيم بن حزام حدثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول ) ]. ثم أورد النسائي حديث حكيم بن حزام الذي أورده من قبل، وكأنه أورده هناك لبيان اليد العليا، وهنا أورده لبيان أي الصدقة أفضل، حديث حكيم بن حزام يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى) يعني: كون الإنسان ينفق وهو غير محتاج إلى ما ينفقه؛ لأن الإنسان إذا كان محتاج إلى ما ينفقه قد تتعلق نفسه به وقد يندم، وقد لا يكون عنده صبر، فيحصل عنده ندم على تصدقه وإحسانه، لكن إذا كان عن ظهر غنى عنده ما يكفيه أنفق من شيء زائدة على حاجته وحاجة من يمون، ومن يعول، فهذا هو خير الصدقة.
( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى ) واليد العليا هي المنفقة واليد السفلى هي السائلة.
( وابدأ بمن تعول ) يعني: أولى الناس ببر الإنسان هو من يعوله، ولهذا الرجل الذي قال: (عندي دينار قال: تصدق به عن نفسك، قال: عندي آخر قال: تصدق به على زوجتك، قال: عندي آخر قال: تصدق على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر به) يعني: معناه أن الإنسان ينفق ويتصدق على الغير بعد أن يؤدي ما هو واجب عليه، ولهذا قال: (وابدأ بمن تعول)، فأولى الناس ببر الإنسان هو من يعولهم، ومن نفقتهم واجبة عليه، لا يعطي الناس ويجعل أقاربه وأولاده ومن تجب عليه نفقتهم يتطلعون إلى الناس ويمدون أيديهم إلى الناس، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم، أرشد حتى بعد الوفاة إلى أن الإنسان يلاحظ استغناء أولاده عن التكفف، كما في حديث سعد بن أبي وقاص لما أراد أن يوصي بماله قال: لا، حتى قال له: الثلث والثلث كثير، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ) وحديث حكيم بن حزام مر قريباً.

تراجم رجال إسناد حديث: (أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى...)

قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ].هو عمرو بن علي الفلاس البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عمرو بن عثمان ].
هو عمرو بن عثمان بن موهب، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
[ سمعت موسى بن طلحة ].
هو موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي أبوه طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن حكيم بن حزام حدثه ].
عن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة وهو من معمري الصحابة، عاش مائة وعشرين سنة؛ ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

حديث: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسنادها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو عن ابن وهب قال: أنبأنا يونس عن ابن شهاب قال: حدثنا سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول ) ].ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة وهو بمعنى حديث حكيم بن حزام المتقدم قبله، وليس فيه هنا في هذا اللفظ: ( اليد العليا خير من اليد السفلى )، ولكن فيه الجملتان الأولى والأخيرة، وهي: ( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول ).
قوله: [ أخبرنا عمرو بن سواد ].
ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
[ عن ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ أنبأنا يونس ].
هو يونس بن يزيد الأيلي، ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، من صغار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سعيد بن المسيب ].
ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ أنه سمع أبا هريرة ].
وقد مر ذكره.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #698  
قديم 11-07-2022, 08:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,989
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(404)


- (تابع باب أي الصدقة أفضل) إلى (باب القليل في الصدقة)


بين الشرع الحكيم أفضلية الصدقة، وذم البخل فيها، ونبه على ترك الإحصاء في الصدقة، ورغب في الشيء اليسير فيها، وأن المسلم لا يحتقرها مهما قلت؛ لأنها تقيه من النار، كما أنه ينتفع بها السائل، وأن من لم يجد شيئاً يعطيه السائل فليرده بكلمة طيبة.
تابع بيان أي الصدقة أفضل

شرح حديث: (إذا أنفق الرجل على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت أنه قال: سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري يحدث عن أبي مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( إذا أنفق الرجل على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة ) ].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب أي الصدقة أفضل وأورد عندها عدة أحاديث مضى بعضها، وحديث أبي مسعود رضي الله تعالى عنه هذا هو أحدها، وفيه قوله عليه الصلاة والسلام: ( إذا أنفق الرجل على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة)، أي: أن الإنسان إذا أنفق على أهله النفقة الواجبة وهو يحتسبها، يعني: يرجو أجرها وثوابها عند الله عز وجل، فهي صدقة، له أجرها، وقيد ذلك بالاحتساب؛ لأن الإنسان قد ينفق وهو كاره غير راغب، وقد يمتنع من الإنفاق، فيرفع إلى الحاكم فيفرض عليه مقداراً الذي هو النفقة الواجبة، فإنه يكون حصل تأدية الواجب، لكنه لا يحصل الثواب والأجر؛ لأنه لم يحتسب الأجر عند الله عز وجل، فهو مثل الذي يمتنع من الصدقة، أو من إخراج الزكاة، ثم تؤخذ منه قهراً، فإنه لا يحصل له أجراً عليها، ولكنه يسقط عنه الواجب، الذي أوجبه الله عز وجل عليه من وجوب الزكاة.
فكذلك هنا: النفقة على من تجب النفقة عليه، يعني: على أهله، على زوجته وأولاده، هي واجبة عليه، وإذا أدى الواجب وهو يحتسب الأجر والثواب عند الله، فإنه يؤجر على ذلك، وأما إذا كان ما يفكر في الأجر والثواب، وإنما يعطي هذه النفقة الواجبة، أو يمنعها ولكنه أجبر عليها، فإن هذا لا يحصل الأجر، ولا يحصل الثواب على هذه النفقة؛ لكونه لم يحصل منه الاحتساب.
ولهذا فإن كثيراً من الناس يحصل منهم الإنفاق على أهليهم، ومع ذلك لا يدور في خلدهم، ولا يقع في بالهم احتساب الأجر والثواب عند الله سبحانه وتعالى، وإنما يعتبرون ذلك شيئاً قد حصل، وأنه شيء لازم، ولكن لا يفكرون بأجر ولا بثواب، وهنا جاء الحديث بأنه إذا احتسبها فإنها تكون له صدقة، يعني: أنه يؤجر عليها، ويكون متصدقاً ويكون محسناً، ومن المعلوم أن الصدقة تكون من الإنسان على نفسه، يعني: حيث يحتسب الأجر والثواب، ولهذا الذي قال: عندي دينار، قال: تصدق به على نفسك، يعني: أنت أولى الناس بالانتفاع به، والإنسان عليه أن يقوم بمن يعول، وبمن تلزمه مؤنته، ويحتسب الأجر عند الله عز وجل في ذلك، وقد جاء في الحديث: (أن كل سلامى من الناس عليه صدقة)، وفي آخر الحديث يقول: وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال: (أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟).
فالإنسان عندما ينوي العفاف، والتخلص من الشر، والابتعاد منه، فإنه يؤجر على ذلك، كما أنه لو وضع النطفة في الحرام يأثم، فإذا وضعها في الحلال يؤجر، ولكن كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).
وأورد النسائي هذا الحديث تحت هذه الترجمة التي هي: أي الصدقة أفضل؟ للإشارة إلى أن الإنفاق على الأقارب، ومن تجب النفقة عليه، أن ذلك واجب، وإذا احتسبه كان له صدقة، فيكون ذلك من قبيل ما هو أهم وأفضل من غيره، وكذلك إذا أنفق على من يعول، وأعطى بعد ذلك القريب المحتاج، فإن ذلك صدقة وصلة.


تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أنفق الرجل على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة)


قوله: [ أخبرنا محمد بن بشار ]. هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا محمد].
هو محمد بن جعفر الملقب غندر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء محمد غير منسوب يروي عنه محمد بن بشار ، أو محمد بن المثنى ، وهو يروي عن شعبة فالمراد به غندر، محمد بن جعفر.
[ حدثنا شعبة ].
هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عدي بن ثابت ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري ].
صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي مسعود ]
عقبة بن عمرو الأنصاري ، مشهور بكنيته أبو مسعود، واسمه عقبة بن عمرو الأنصاري، وهو صحابي جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت من قبل أنه قد يكون هناك تصحيف بينه وبين ابن مسعود؛ لأن ابن مسعود اشتهر بنسبته إلى أبيه مسعود، فيقال له: ابن مسعود، وهو عبد الله بن مسعود، ولكن كثيراً ما يأتي ابن مسعود بدون تسميته، وهذا كثيراً ما يأتي بكنيته دون تسميته أبي مسعود، ولهذا يأتي في بعض الأحيان التصحيف بين ابن مسعود وأبي مسعود ، فحديث أبي مسعود في: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء.. )، صحف في بعض النسخ يعني: في بلوغ المرام، أو شرح سبل السلام، فقيل: عن ابن مسعود: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، وذلك للتقارب بين ابن وأبي، فيحصل التصحيف؛ لأن هذا مشهور بنسبته، وهذا مشهور بكنيته.

شرح حديث: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها ...)

قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: أعتق رجل من بني عذرة عبداً له عن دبر، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ( ألك مال غيره؟ قال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدفعها إليه، ثم قال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا، يقول: بين يديك وعن يمينك وعن شمالك ) ].ثم أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وفيه: أن رجلاً من بني عذرة أعتق عبداً له عن دبر، يعني معناه: جعل عتقه بعد وفاته، أي: كتب بأنني إذا مت، فعبدي حر، هذا يسمى المدبر، ويقال للعتق بعد الموت: العتق عن دبر، ويقال للعبد الذي جعل عتقه بعد وفاة سيده يقال له: مدبر؛ لأنه علق عتقه على الوفاة، والموت دبر الحياة، أي: بعد الحياة، فقيل له: مدبر، وقيل للفعل: التدبير، يعني: تعليق العتق على الموت، وجعل العتق يكون بعد الموت هذا تدبير، ولهذا قال: أعتق عبده عن دبر، يعني: كتب بأنه يكون عتيقاً إذا مات؛ لأن الموت دبر الحياة فقيل: عن دبر.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألك مال غيره؟ فقال: لا، ما عندي مال غيره، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقره على هذا العمل، فباعه، وقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم، فأعطاه إياها، أي: الرسول صلى الله عليه وسلم دفعها إليه، وقال: خذها وتصدق بها على نفسك، فإن فضل فتصدق به على أهلك، فإن فضل فتصدق به على قرابتك، فإن فضل فهكذا وهكذا وهكذا، يعني: أعطه لمن شئت، وأنفقه في سبيل الله، يعني: أشار إلى أمامه وإلى يمينه وشماله، يعني: بالإنفاق والإخراج في سبيل الله عز وجل، فأرشده عليه الصلاة والسلام إلى أن يحسن إلى نفسه أولاً حتى لا يحتاج إلى الناس، وقال: تصدق به على نفسك، أو أبدأ بنفسك وتصدق عليها، ونفقة الإنسان على نفسه إذا احتسبها هي صدقة، وكذلك نفقته على أهله صدقة، وعلى أقاربه صدقة، وإن كانت نفقة واجبة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى البدء بالأهم فالأهم، والأولى فالأولى، فيبدأ بنفسه، ثم بأهله الذين تجب عليه نفقتهم، ثم قرابته الذين لا تجب عليه نفقتهم، ثم بعد ذلك يعطيه ويصرفه حيث شاء في وجوه الخير، وهو ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: هكذا وهكذا وهكذا، عن يمينه وأمامه وشماله، يعني: ينفق في سبيل الله، وفي وجوه الخير، يعني: بعد أن يبدأ بمن يكون الأولى.
وإيراد الحديث هذا في الباب الذي هو: أي الصدقة أفضل، للإشارة إلى أن الإنسان ينفع نفسه، ويعف نفسه، وينفع من يعول، ثم بعد ذلك يكون أولى الناس ببره أقربائه، والصدقة عليهم: صدقة وصلة، جمعت بين خصلتين، وبين حالتين محمودتين، وهما صلة الأرحام، والتصدق، ثم بعد ذلك يصرفه في وجوه الخير.
أورد النسائي الحديث تحت: أي الصدقة أفضل؟ للإشارة إلى أن أفضل ما يصرف الإنسان ماله على نفسه، ثم على أهله، ثم على قرابته، ثم على من وراءهم، من إعطاء الناس، ومن الصرف في وجوه الخير والبر، سواء أعطاه لمساكين ومحتاجين، أو في وجوه الخير كبناء المساجد وغير ذلك ، أو في سبيل الله بالمعنى العام، وهو: ما يشمل وجوه الخير والبر.

تراجم رجال إسناد حديث: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها ...)


قوله: [ أخبرنا قتيبة ].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الليث ].
هو ابن سعد المصري ، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزبير ].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله الأنصاري].
صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم، وعن الصحابة أجمعين.
وهذا الحديث من رباعيات النسائي، وهي من أعلى الأسانيد عنده؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات التي يكون فيها بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أربعة أشخاص، وأطول الأسانيد وأنزل الأسانيد عنده العشاري، الذي يكون بين النسائي فيه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشرة أشخاص، وقد سبق أن مر بنا في فضل: قل هو الله أحد حديث عند النسائي فيه بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام عشرة أشخاص، وقال: إن هذا أطول إسناد، أي: العشاري.
والبخاري أنزل ما يكون عنده التساعي؛ لأن عنده حديث فيه تسعة أشخاص، وقال الحافظ ابن حجر يقال: إن هذا أنزل إسناد، وأطول إسناد عند البخاري، وأما أعلى ما يكون عند البخاري فهو ثلاثة، وأصحاب الكتب الستة ثلاثة منهم أعلى ما عندهم الثلاثيات، وثلاثة أعلى ما عندهم الرباعيات، فالذين أعلى ما عندهم الثلاثيات البخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية، بإسناد واحد ضعيف، وأما مسلم، وأبو داود، والنسائي، فأعلى ما عندهم الرباعيات، وليس عندهم ثلاثيات.


صدقة البخيل

شرح حديث: (إن مثل المنفق المتصدق والبخيل كمثل رجلين عليهما جبتان أو جنتان من حديد ...)


قال المصنف رحمه الله: [ صدقة البخيل.أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس أنه قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه، ثم قال: حدثناه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن مثل المنفق المتصدق والبخيل، كمثل رجلين عليهما جبتان أو جنتان من حديد من لدن ثديهما إلى تراقيهما، فإذا أراد المنفق أن ينفق اتسعت عليه الدرع، أو مرت حتى تجن بنانه، وتعفو أثره، وإذا أراد البخيل أن ينفق قلصت ولزمت كل حلقة موضعها، حتى إذا أخذته بترقوته أو برقبته، يقول أبو هريرة: أشهد أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوسعها فلا تتسع، قال طاوس : سمعت أبا هريرة يشير بيده، وهو يوسعها ولا تتوسع )].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: صدقة البخيل، ومعلوم أن البخيل لا يتصدق، ولكن المقصود من هنا أنه عندما يريد أن يتصدق، أو عندما يحاول أن يتصدق لا يفعل؛ لأن البخل والشح يحول بينه وبين ذلك؛ لأن نفسه تقول له: إنه يؤدي بك إلى الفقر، وقلة المال ونقصه، فلا يتصدق، وإذا أراد أن يحاول أن يتصدق، عنده ما يمنعه وهو الشح الذي في قلبه؛ لأنه بخيل، بخيل النفس، بخيل اليد، فلا يمد يده بإعطاء الخير، وبالصدقة.
والرسول صلى الله عليه وسلم ضرب مثلاً للبخيل والمتصدق، قال: كمثل رجلين عليهما جبتان أو جنتان، وهو شك من الراوي، ولكن الصحيح جنتان؛ لأنه جاء تفسيرها فيما بعد بأنها جنة وليست جبة؛ لأن الجبة: كساء يكون على الإنسان، وهو من الصوف.. من القطن، والجنتان هما: ما يكون من الحديد الذي يتترس به، ويكون وقاية في الجهاد من سهام الأعداء، ولهذا جاء في التفسير أنها تتقلص، وكل حلقة تمسك بالأخرى، فلا يسهل نزولها، واتساعها، بل ترتفع حتى تصل إلى رقبته أو ترقوته، فتصير يديه كالمغلولتين، ما يستطيع أن يخرج، ولا يستطيع أن ينفق.
فالرسول صلى الله عليه وسلم، ضرب مثلاً برجلين عليهما جنتان من الثدي إلى الترقوة، فكان المنفق عندما يريد أن ينفق تتسع، يعني: مثله كمثل هذا الذي عليه الجنة التي اتسعت ونزلت حتى كانت سابغة، وحتى غطت أصابعه، وأعفت أثره، بمعنى أنه صار لباسه سابق، يعني: جنة على جسده كله، فمثله مثل هذه الجنة التي تتسع وتكون سابغة، فكذلك صدقته فإنه يبذل ويعطي، ويكون خروجها سهل، كسهولة هذه الجنة التي تنزل حتى تكون سابغة.
وأما البخيل فهو الذي عليه هذه الجنة يريد أن يتصدق فترتفع حتى تلتصق بترقوته، فهو يريد أن ينزلها ولا تنزل، والرسول صلى الله عليه وسلم يضرب المثل بكونه يحرك كذا يريد أن تتسع فلا تتسع، يعني: يشير بيده، يريد أن ينزلها وهي لا تنزل؛ لأنها صعدت، وكذلك أبو هريرة أو طاوس الذي كان أيضاً يفعل.
[ قال طاوس : سمعت أبا هريرة يشير بيده ] يعني: يفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: يشير إلى أنه يريد أن ينزلها وهي صاعدة ومرتفعة، فيكون كالمغلول اليدين.
والله تعالى أرشد إلى أن الإنفاق يكون بالوسط، لا يكون بالتقتير والبخل، ولا بالإسراف والتبذير، ولكن يكون بين ذلك، ولذلك يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67]، ويقول: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ [الإسراء:29]، مغلولة إلى عنقك يعني معناه: مشدودة، ما يستطيع أن ينزلها من أجل يأخذ شيئاً؛ لأنها كالذي غلت إلى العنق وربطت بالعنق، فلا تستطيع أن تنزل وتتناول شيئاً وتعطيه، ولا تبسطها كل البسط، يعني: بأن يكون هناك تبذير، ويكون هناك إسراف، ولكن يكون هناك وسط، كما قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67].
الحاصل: أن البخيل لا يتصدق، وإذا أراد أن يتصدق عنده في قلبه ما يمنعه من الصدقة، وإن تصدق فهو يتصدق بالشيء التافه، أو بالشيء الرديء أو ما إلى ذلك.
وأما المنفق المتصدق فيبسط يده، وينفق في وجوه الخير، وفي وجوه البر.
وهذان مثلان ضربهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الأمثال التي يضربها لتوضيح المعنوي بصورة الشيء المحسوس.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن مثل المنفق المتصدق والبخيل كمثل رجلين عليهما جبتان أو جنتان من حديد ...)


قوله: [ أخبرنا محمد بن منصور ].هو الجواز المكي ، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
[ حدثنا سفيان ].
هو ابن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن جريج ].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحسن بن مسلم بن يناق المكي ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[ عن طاوس ].
هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت أبا هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً.
ثم قال بعد ذلك: وحدثناه.. يقول ابن جريج: [وحدثناه أبو الزناد]، هو عبد الله بن ذكوان المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج]
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه] وقد مر ذكره في الطريق الأولى.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #699  
قديم 11-07-2022, 08:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,989
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

حديث: (إن مثل المنفق المتصدق والبخيل مثل رجلين عليهما جنتان من حديد ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما جنتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما، فكلما هم المتصدق بصدقة اتسعت عليه حتى تعفي أثره، وكلما هم البخيل بصدقة تقبضت كل حلقة إلى صاحبتها، وتقلصت عليه، وانضمت يداه إلى تراقيه، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع ) ]. ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، يعني: ضرب المثلين للبخيل والمتصدق، وأن ذاك تنزل، وذاك ترتفع، حتى ترتفع يداه إلى تراقيه فتكون كالمغلولة، أو يكون مغلول اليدين لا يستطيع أن ينفق لكونه مغلولاً، والحديث هو مثل الذي قبله.
قوله: [ أخبرنا أحمد بن سليمان ].
هو: أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ عن عفان ].
هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا وهيب ].
هو وهيب بن خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الله بن طاوس ].
هو عبد الله بن طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبيه عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.


الإحصاء في الصدقة

شرح حديث: (يا عائشة! لا تحصي فيحصي الله عز وجل عليك)


قال المصنف رحمه الله: [ الإحصاء في الصدقة.أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب حدثنا الليث حدثنا خالد عن ابن أبي هلال عن أمية بن هند عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه أنه قال: ( كنا يوماً في المسجد جلوساً، ونفر من المهاجرين والأنصار، فأرسلنا رجلاً إلى عائشة ليستأذن، فدخلنا عليها، قالت: دخل عليّ سائل مرة وعندي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمرت له بشيء، ثم دعوت به، فنظرت إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما تريدين أن لا يدخل بيتك شيء ولا يخرج إلا بعلمك؟ قلت: نعم، قال: مهلاً يا عائشة، لا تحصي فيحصي الله عز وجل عليك )].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الإحصاء في الصدقة، وهي التدقيق فيها، وكون الإنسان يخرج الشيء وهو يعلم حصره، ويعلم عدده، بحيث يكون محصياً.
والحديث يدل على أن المتصدق يأخذ الشيء ويعطيه دون أن يعد، أي: لا يكون شأنه أن يحصي ما يخرج منه، ويعده، وهذا هو الأولى؛ لأن البذل بدون عد يدل على عدم الحرص، وأما إذا كان هناك إحصاء، وهناك تدقيق، فإنه يكون فيه حرص، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى عدم الإحصاء في الصدقة، وأن الإنسان ينفق دون أن يكون مدققاً وعاداً، أو أن يكون عنده شيء من الحرص بمعرفة ما يخرج منه، بل يأخذ مما أعطاه الله عز وجل، ويعطي دون أن يروح يعرف مقدار ما سيخرجه، هذا هو المقصود بالإحصاء.
وقد أورد النسائي حديث عائشة ، وذلك أنها جاءها سائل وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت بأن يعطى شيئاً، فأخذ الذي أراد أن يعطي، فطلبته وأخذته ونظرت فيه لتعرف قدره، يعني: هذا الذي أخذه، هذا الذي سيعطيه للفقير السائل، طلبته ودعته حتى أخذته ونظرت أيش مقداره، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: ( أتحبين أن لا يدخل عليك شيء ولا يخرج إلا بعلمك؟ قالت: نعم، قال: لا تحصي فيحصي الله عليك )، يعني: فأنت أعطي بدون عد وبدون حساب، والله عز وجل يعطيك بدون حساب وبدون إحصاء، والجزاء من جنس العمل، فمن أنفق جوداً وكرماً وإحساناً، وبذلاً وسخاء، فالله تعالى يجود عليه ويعطيه بغير حساب، ومن قتر أو أحصى فإنه يعطى كما أعطى، يعني: أحصى فيحصى عليه، وإذا بذل بدون إحصاء، فكذلك يبذل له بدون إحصاء.
الحاصل: الرسول صلى الله عليه وسلم، أرشدها أن لا تفعل مثل هذا الفعل، بل تخرج مما أعطاها الله عز وجل دون أن تنظر فيه، أو تحصيه، ولكن المهم الأمر بالإعطاء، وأن يكون بدون حساب وتدقيق.


تراجم رجال إسناد حديث: (يا عائشة! لا تحصي فيحصي الله عز وجل عليك)


قوله: [ أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ].ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[ عن شعيب ].
هو شعيب بن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[ حدثنا الليث ].
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن خالد ].
هو خالد بن يزيد الجمحي المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن أبي هلال ].
هو سعيد بن أبي هلال المصري ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أمية بن هند ].
مقبول، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
[ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ].
وهو معدود في الصحابة، وله رؤية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، التي أنزل الله تعالى براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى في سورة النور، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

حديث أسماء بنت أبي بكر: (لا تحصي فيحصي الله عز وجل عليك) وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا محمد بن آدم عن عبدة عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: ( لا تحصي فيحصي الله عز وجل عليك )].ثم أورد النسائي حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها مثل ما قال لعائشة لأختها، لا تحصي فيحصي الله عليك، وهو مثل الذي قبله في الجملة الأخيرة التي قالها رسول الله عليه الصلاة والسلام لعائشة .
قوله: [ أخبرنا محمد بن آدم ].
هو محمد بن آدم الجهني، وهو صدوق، أخرج له أبو داود ، والنسائي.
[ عن عبدة ].
هو عبدة بن سليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هشام بن عروة ].
هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن فاطمة ].
هي فاطمة بنت المنذر بن الزبير، وهي زوجة هشام بن عروة، يروي عن زوجته، وهي ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
وهي تروي عن جدتها أسماء بنت أبي بكر؛ لأنها فاطمة بنت المنذر بن الزبير، جدها الزبير، وجدتها أسماء بنت أبي بكر؛ لأن أسماء بنت أبي بكر هي زوجة الزبير، فهذا الحديث فيه رواية الزوج عن زوجته، وهو هشام بن عروة يروي عن زوجته فاطمة بنت المنذر ، يعني: ابنة عمه؛ لأنه هشام بن عروة بن الزبير يروي عن بنت عمه، زوجته التي هي فاطمة بنت المنذر بن الزبير ، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير تروي عن جدتها أسماء بنت أبي بكر الصديق.
و أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها وأرضاها حديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.


شرح حديث أسماء بنت أبي بكر: (ارضخي ما استطعت ولا توكي فيوكي الله عليك ...)

قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا الحسن بن محمد عن حجاج قال: قال ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، أنها جاءت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: ( يا نبي الله: ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير ، فهل علي جناح في أن أرضخ مما يدخل عليّ؟ فقال: ارضخي ما استطعت، ولا توكي فيوكي الله عز وجل عليك ) ].ثم أورد النسائي حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، وأنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إنني ليس عندي شيء إلا ما يدخله الزبير في بيتي، فهل عليّ جناح أن أرضخ)، يعني: أن تتصدق؛ لأن الرضخ هو: الإعطاء، العطية القليلة، قال: الرسول صلى الله عليه وسلم: (أرضخي ما استطعت، ولا توكي فيوكي الله عليك)، أي: أعطي ما استطعت، وفسر ما أذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترضخ منه، بأن يكون أعطاها إياه على أنه نفقة لها تخصها، وتملكها، فهي تعطي مما ملكها إياه الزبير بن العوام، ومعنى هذا: فإنها تعطي كيف شاءت من الذي يخصها، وإذا كان المال للزبير ، وهو ليس نفقة لها، فإنها تعطي إذا كان هناك أذن صريح أو مفهوم مما يتعارف الناس عليه، يعني: في كون المرأة تنفق من الطعام الذي في بيت زوجها، والذي وضعه للنفقة على أهله وعلى أهل بيته، فإذا كان متعارفاً أن الفقير إذا جاء يعطى من المال، فإنه يعطى بناء على هذا الإذن المفهوم.
وإذاً: هو يحتمل هذا الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أنها تعطي مما يخصها مما أعطاها إياه الزبير على أنه يخصها وهو نفقة لها، أو مما أدخله الزبير ليكون نفقة لأهل البيت، ويكون المال للزبير ، ولكن هناك إذن إما صريح أو مفهوم، مما تعارف الناس عليه في الغالب من أن صاحب البيت يسامح ويأذن بأن يعطى السائل شيئاً يسيراً مما في البيت، ثم قال: (ولا توكي فيوكي الله عليك)، والإيكا هو: ربط الشيء بالحزام، يعني: إما ربط السقاء، أو ربط الصرة، أو ربط الشيء الذي يحتفظ به، يعني معناه: أنك إذا ربطتي ومنعتي، فإنه كذلك تعاملين، والجزاء من جنس العمل، يوكي الله عليك، فكما أوكيتي لتمنعي، فالله تعالى يمنعك من أن يعطيك العطاء الواسع، ولكن إذا أعطت وبذلت، فإن الله تعالى يعطيها ويبذل لها، وإذا قترت وضيقت وأوكت وحفظت الوكاء، ولم تفتحه لتنفق منه، فالله تعالى يجازيها بالمثل؛ لأن الجزاء من جنس العمل.

تراجم رجال إسناد حديث أسماء بنت أبي بكر: (ارضخي ولا توكي فيوكي الله عليك ...)


قوله: [أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني]، وهو ثقة، أخرج له البخاري ، وأصحاب السنن.[ عن حجاج ].
هو حجاج بن محمد المصيصي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن جريج ].
هو عبد الملك بن عبد العزيز، وقد مر ذكره.
[ عن ابن أبي مليكة ].
هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عباد بن عبد الله بن الزبير ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
يروي عن جدته أسماء بنت أبي بكر، وقد مر ذكرها.


القليل في الصدقة

شرح حديث: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)


قال المصنف رحمه الله: [ القليل في الصدقة.أخبرنا نصر بن علي عن خالد قال: حدثنا شعبة عن المحل عن عدي بن حاتم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ) ].
ثم أورد النسائي: القليل في الصدقة، يعني: الصدقة القليلة، يعني: على حسب قدرة الإنسان، إذا ما استطاع الإنسان أن يعطي الكثير، فإنه يعطي القليل، قد عرفنا فيما مضى فضل جهد المقل، وأن خير الصدقة جهد المقل، يعني: كون الإنسان ينفق على قدر حاله، وعلى قدر ما أعطاه الله عز وجل، لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7].
فالمقصود بالقليل من الصدقة، يعني: أنه لا يتهاون بإخراج الصدقة ولو كانت قليلة، وإذا كان الإنسان موسعاً عليه، فليوسع في الصدقة، وإذا كان مضيقاً عليه فلينفق مما آتاه الله على قدر حاجته، ولو كان شيئاً يسيراً، ولا يحقر القليل، ولو كان تمرة واحدة، أو نصف تمرة.
وقد أورد النسائي حديث عدي بن حاتم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة )، أي: اجعلوا بينكم وبين النار وقاية تقيكم منها بالصدقة، ولو كان المتصدق به شق تمرة، أي: نصف تمرة، إذا ما وجد شيئاً أكثر منها، فلا يستهين بها الإنسان؛ لأنها تنفع الفقير المحتاج الذي هو شديد الحاجة، ويكون في ذلك وقاية وسلامة من النار، ولو كانت الصدقة قليلة، ما دام أن الإنسان هذا هو الذي يقدر عليه، ( اتقوا النار ولو بشق تمرة )، فالحديث دليل على أن الصدقة تكون سبباً في الخلاص من النار، والسلامة من عذاب النار، ( اتقوا النار )، أي: بالصدقة، (ولو بشق تمرة)، أي: ولو كان المتصدق به نصف تمرة.
ومما يدل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لما جاء إلى النساء يوم العيد ووعظهن قال: ( تصدقن يا معشر النساء فإنكن أكثر حطب جهنم )، يعني: الصدقة تخلصكن من عذاب النار، وتكون سبباً في سلامتكن من عذاب النار، ( اتقوا النار ولو بشق تمرة )، يعني: ولو كان المتصدق به شيئاً قليلاً يساوي شق تمرة، التي هي نصف تمرة.
وجاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها: أنها جاءت امرأة ومعها ابنتان، فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار ).

تراجم رجال إسناد حديث: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)

قوله: [ أخبرنا نصر بن علي ].هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن خالد ].
هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة عن المحل ].
شعبة ، قد مر ذكره، عن المحل بن خليفة، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[ عن عدي بن حاتم ].
هو عدي بن حاتم الطائي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة : أن عمرو بن مرة حدثهم عن خيثمة عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه قال: ( ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النار، فأشاح بوجهه وتعوذ منها، ذكر شعبة : أنه فعله ثلاث مرات، ثم قال: اتقوا النار ولو بشق التمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة ) ]. ثم أورد النسائي حديث عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر النار فأشاح بوجهه، يعني: مال أو صرف وجهه، أي: كأن النار أمامه، وذلك لهولها وعظم شأنها، وتعوذ. قال: أشاح وتعوذ منها، قال شعبة : ثلاث مرات، يعني: أنه يذكرها ثم يشيح بوجهه ثلاثاً، ثم قال: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد بكلمة طيبة )، الإنسان إذا سئل وكان عنده ما يعطيه فليعطي، ولو كان شيئاً قليلاً، وإذا كان ما هناك عنده شيء، ولا يستطيع أن يعطي، فليصرف السائل بكلمة حسنة، وبكلمة طيبة، ( فمن لم يجد فبكلمة طيبة )، يعني: إما يصرفه بها، أو يساعده بها عند من يحتاج، أو يدله على من يحقق له رغبته، أو يرشده إلى من ينفعه.
الحاصل: أنه إذا ما استطاع أن يعطيه، فليجبه بكلمة طيبة؛ لأن الكلمة الطيبة صدقة، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( والكلمة الطيبة صدقة )، فهي صدقة من الإنسان على نفسه وعلى غيره، على نفسه إذ تكلم بكلام طيب، وعلى غيره إذ أدخل عليه السرور بمخاطبته بالكلام الطيب.

تراجم رجال إسناد حديث: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) من طريق أخرى

قوله: [ أخبرنا إسماعيل بن مسعود ].هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ عن خالد عن شعبة ].
وقد مر ذكرهما.
[ أن عمرو بن مرة حدثهم ].
هو عمرو بن مرة الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وقوله: أنه حدثهم، يعني: كأنه حدث شعبة ومعه غيره، يعني: أن عمرو بن مرة حدث شعبة ومعه غيره، ولعل هذا هو السبب الذي جعل النسائي يقول: قال شعبة : ثلاث مرات، يعني معناه: أن هذا في رواية شعبة، وأما رواية الآخرين الذين شاركوه، فليس فيها ذكر الثلاث مرات.
[ عن خيثمة ].
هو خيثمة بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عدي بن حاتم ].
وقد مر ذكره.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #700  
قديم 11-07-2022, 08:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,989
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الزكاة

(405)

باب التحريض على الصدقة - باب الشفاعة في الصدقة



رغب الشرع في الصدقة والمبادرة إليها وذلك لما لها من أجر عظيم، ومن الأمور العظيمة التي رغب فيها الشارع الشفاعة لصاحب الحاجة، والشافع له أجر سواء قبلت شفاعته أم لا.
التحريض على الصدقة

شرح حديث: (تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التحريض على الصدقةأخبرنا أزهر بن جميل حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة قال: وذكر عون بن أبي جحيفة قال: سمعت المنذر بن جرير يحدث عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: ( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صدر النهار، فجاء قوم عراة حفاة متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن، فأقام الصلاة فصلى، ثم خطب، فقال: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )[النساء:1]، و اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]، تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً ) ].
يقول النسائي رحمه الله: التحريض على الصدقة، التحريض هو: الحث، والطلب بتأكيد وترغيب، هذا هو المقصود بالتحريض، وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه أنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أناس حفاة عراة متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى ما فيهم من الفاقة، وما فيهم من الشدة، تأثر وتغير وجهه عليه الصلاة والسلام من التأثر، فدخل بيته وخرج، يعني: دخوله من أجل أن يبحث لهم عن شيء في بيته يعطيهم إياه، فلم يجد شيئاً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فأمر بلالاً أن يؤذن، فصلى بالناس، وخطب الناس بعد الصلاة وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]، تصدق رجل من ديناره، من درهمه من ثوبه، من صاع تمره، من صاع بره، فجعلوا يتصدقون، وجاء رجل من الأنصار بصرة كادت يده أن تعجز عنها، بل عجزت، فوضعها، فتتابع الناس وراءه، وتصدقوا، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال عند ذلك، فكان هناك كومان من الطعام والثياب، فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه مذهبة)، قال جرير : ثم قال: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً).
الرسول عليه الصلاة والسلام لما جاءه هؤلاء النفر والجماعة من مضر، وكانوا بهيئة مؤثرة، قال: هم عراة حفاة، أي: أنهم أشباه الحفاة والعراة، وليس معنى ذلك أنه ليس عليهم شيء، وأن عوراتهم بادية، وإنما عليهم أسمال، وعليهم أشياء تؤثر رؤيتها؛ لأن وجودها مثل عدمها تقريباً، وليس ذلك أنهم يمشون وليس عليهم شيء، وأن عوراتهم بادية، ولكن عليهم أسمال، وعليهم أشياء هي تدل على فاقتهم وعلى فقرهم وعلى شدة حاجتهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم تأثر لهذا المرأى، لهذا الذي رآه، ودخل في بيته وخرج، دخل ليبحث عن شيء يعطيهم إياه، فلم يجد شيئاً عليه الصلاة والسلام، فأمر بلالاً أن يؤذن وأن يقيم الصلاة، وخطب الناس بعد الصلاة.
ومن المعلوم أن هذا الأذان وهذه الخطبة، وهذه الصلاة هي صلاة الظهر، وخطب الناس وحثهم على الصدقة، ورغبهم فيها، وأتى بالآيتين، الآية الأولى التي أول سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1]، قيل: ولعله أتى بهذه الآية لذكر الأرحام فيها، وأنهم لكونهم قرابة، وإن كانت قرابة بعيدة إلا أنهم يعتبرون قرابات، فصلتهم من صلة ذوي الأرحام، وهم من مضر، الفرع الذي منه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، يعني: منه تتحدر قريش وغير قريش، فهو الجد الأعلى الذي ينتسب إليه، ويأتي كثيراً ذكر ربيعة ومضر لأنهما أخوان، وهما أبنا نزار بن معد بن عدنان، ومضر هو الذي يأتي من ذريته قريش، ومن قريش بني هاشم، ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر الآية الثانية التي فيها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]، يعني: أن الإنسان يحسن في هذه الحياة، وما يحسنه فيها فإنه يقدمه ليوم غد، أي: أنه يجد ثواب ذلك، ويجد ثمرة ذلك إذا خرج من هذه الحياة الدنيا فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [الزلزلة:7]، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:8]، وقال في الحديث القدسي: ( يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]، يعني: ما قدمته من الأعمال الصالحة التي تنفعها عند الله عز وجل، ومن ذلك الصدقة، وقد جاء في الأحاديث: أن الصدقة من أسباب الوقاية من النار، كما سبق أن مر بنا بالأمس: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة )، وكما سيأتي في نفس الحديث: (ولو بشق تمرة)، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم للنساء: ( يا معشر النساء! تصدقن، فإنكن أكثر حطب جهنم).
فقال: (تصدق رجل)، يعني معناه: خبر بمعنى الأمر، من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع تمره، من صاع بره، كل على حسب ما يقدر عليه، الذي عنده دنانير يعطي دينار، والذي عنده دراهم يعطي دراهم، والذي عنده ثياب يعطي ثياب، والذي عنده تمر يعطي من التمر، والذي عنده بر يعطي من البر، وهكذا، كل ينفق مما يجد، كل ينفق مما عنده ومما أقدره الله عليه، فجعلوا يتصدقون.
ثم قال في آخره: (ولو بشق تمرة)، يعني: ولو كان شيئاً قليلاً يسيراً الذي هو نصف تمرة؛ لأنها تنفع المضطر إليها والمحتاج إليها حاجة شديدة، ثم إنه جاء رجل من الأنصار وبيده صرة، يعني: كادت يده أن تعجز عنها لثقلها، بل عجزت، فوضعها، فتتابع الناس وراءه، واقتدوا به، وائتسوا به في كثرة الإنفاق وفي الجود والكرم، فعند ذلك قال عليه الصلاة والسلام: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ).
ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن هذا الرجل الذي تصدق بهذه الصدقة العظيمة الكبيرة وتتابع الناس وائتسوا به وقلدوه في الخير، وتابعوه في الخير، له أجر صدقته وله مثل أجور الذين اقتدوا وائتسوا به؛ لأنه هو الذي سن لهم هذا الخير وسبقهم إلى هذا الخير، وصار قدوة لهم في هذا الخير، هذا هو المقصود من الحديث، وهذا هو سبب الحديث، وليس المقصود به أن من يبتدع بدعة في الدين ويسميها حسنة أنه يكون له أجرها وأجر من عمل بها؛ فإن الدين ليس فيه بدع، بل البدع محرمة، والبدع ضلالة, وليس في الإسلام بدعة حسنة، بل كل بدعة ضلالة كما قال ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكن المقصود بالسنة الحسنة، أي: الطريقة التي يأتي بها الإنسان وهي مشروعة ثم يتابع عليها؛ لأن أصل الصدقة والإكثار من الصدقة مشروع ومستحب، لكن كون الإنسان بادر وسبق الناس إلى أن يأتي بالشيء الكثير، والناس يتابعونه ويكثرون من الصدقة، يعني: أنهم ائتسوا به في الخير، وصار قدوة لهم في الخير، وصار متبوعاً لهم؛ لأنهم رأوه فعل الخير الكثير فتابعوه على ذلك، هذا هو المقصود بالحديث، وهذا هو سبب الحديث.
وليس المقصود به أن من يبتدع بدعة في الدين ويعتبرها حسنة، أو يقول: إنها حسنة، أنه يؤجر عليها، وغيره ممن يتابعه عليها يؤجر عليها، لا! بل الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )، قال: كل بدعة ضلالة، ما في بدعة حسنة، البدع كلها ضلالة؛ لأنها إحداث شيء في الدين لم يأت به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق على صحته: ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد )، فكيف يكون له الأجر ومن يتبعه يكون له أجر؟ بل قال عليه الصلاة والسلام: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، متفق عليه من حديث عائشة، وفي رواية لـمسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، يعني: مردود عليه لا يقبل؛ لأنه محدث ولأنه مبتدع، ولأنه منكر، ولأنه من محدثات الأمور، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم محدثات الأمور، والواجب هو الحذر من البدع التي لم تأت بها السنن، سواء كانت شهرية، أو أسبوعية، أو سنوية، أو تتعلق بزمن، أو تخصيص ليلة من الليالي، أو يوم من الأيام بعمل لم تأت فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بدعية الاحتفال بالإسراء والمعراج

ومن البدع المحدثة في الدين والتي هي بدعة ضلالة ما يفعله كثير من الناس من الاحتفال بالإسراء والمعراج، وبليلة الإسراء والمعراج، والتي يقولون عنها: إنها ليلة سبعة وعشرين، يعني: مثل هذه الليلة من رجب، فإن هذه من البدع المحدثة في دين الله عز وجل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما أرشد إلى ذلك؛ لأنه أولاً ما ثبت تحديد ليلة الإسراء والمعراج، ولو ثبت لم يكن لأحد أن يخصها بعمل من الأعمال وأن يخصها بعبادة، لا بصلاة ولا بغير ذلك، لو ثبت أنها معلومة وأنها هذه الليلة لم يجز لأحد أن يخصها بعمل من الأعمال، بل ليلة الإسراء والمعراج لو ثبتت فهي مثل غيرها ما دام أنه ما جاء فيها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما إذا جاءت السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم: اعملوا كذا في الليلة الفلانية، وافعلوا كذا في الليلة الفلانية، فهذا على العين والرأس؛ لأن هذه هي السنن التي يقتدى فيها بالرسول صلى الله عليه وسلم، أما ما لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء، فإن تخصيصه بعمل من الأعمال من البدع المحدثة في دين الله التي لا يستفيد صاحبها، بل يتضرر؛ لأنه قال عليه الصلاة والسلام: ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد )، أي: أن البدع المحدثة لا يجوز لأحد أن يصير إليها؛ لأن الذي أحدثها مردود عليه عمله، ومن تابعه وقلده في ذلك مردود عليه عمله، وإنما الواجب هو اتباع السنن، والبحث عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعته والسير على منهاجه، فلا تخصص ليلة الإسراء والمعراج لو ثبتت بعمل معين، وكذلك ليلة النصف من شعبان لا تخص بعمل معين، بل هن كسائر الليالي، وأيامها كسائر الأيام، لا يصار إلى فعل شيء إلا بدليل وإذا لم يثبت الدليل، فإن ذلك يكون بدعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة )، قال ذلك بعد أن حث على السنن في قوله: ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ )، ثم قال: (وإياكم ومحدثات الأمور)، ففيه حث وترغيب وترهيب، حث على اتباع السنن، وتحذير من البدع والمحدثات.
شرطا قبول العبادة

ومن المعلوم أن العمل الصالح المقبول عند الله، لا بد أن يتوفر فيه شرطان اثنان، أحدهما: أن يكون العمل لله خالصاً، والثاني: أن يكون لسنة محمد صلى الله عليه وسلم مطابقاً وموافقاً، هذان هما شرطا قبول العمل. الإخلاص والمتابعة؛ تجريد الإخلاص لله وحده، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يعبد إلا الله، ولا يعبد الله إلا طبقاً لما شرع رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا يجوز أن يعبد بالبدع والمحدثات؛ لأن هذين الشرطين إذا توافرا فإن ذلك هو شرط قبول العمل، وهذا هو معنى: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله؛ لأن معنى أشهد أن لا إله إلا الله: أن يخص بالعبادة، ومعنى أشهد أن محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام: أن يخص بالمتابعة، فلا بد من تجريد الإخلاص لله وحده، ولا بد من تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، لا بد من توحيد الله عز وجل بالعبادة، ولا بد من توحيد المرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بالمتابعة والسير على منهاجه، والحذر من أن يحدث في دينه ما ليس منه؛ لأن الإحداث في الدين معناه: اتهام للشريعة بأنها ناقصة، وأنها تحتاج إلى إضافة وتحتاج إلى تكميل، والله تعالى أكمل الشريعة وأتمها، وقال عز وجل في الآية التي أنزلها على رسوله يوم عرفة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].فالشريعة كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه؛ فما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد بين للناس كل ما يحتاجون إليه، وحذرهم من كل ما يضرهم، ما من خير إلا ودل الأمة عليه، وما من شر إلا وحذر الأمة منه.

الاكتفاء بحسن النية في صحة العمل


ولا ينفع في البدع أن يقول أو أن يعتذر صاحبها عن إحداثها أو العمل بها بأن يقول: نحن قصدنا طيب، ونحن ما أردنا إلا الخير، وإن شاء الله نؤجر على قصدنا وعلى نيتنا؛ لأن العمل الذي ينوى يجب أن يكون مشروعاً، وإذا كان غير مشروع ونوي، فإنه ينوى أمر مبتدع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )، وقال: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، وقال: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنها فهو رد ).وقد جاء أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم -الصحابي الجليل المشهور- إلى أناس قد تحلقوا في المسجد ومعهم حصى، ومعهم رجل يقول لهم: هللوا مائة، سبحوا مائة، كبروا مائة، ثم يعدون بالحصى، إذا قال: سبحوا مائة جعلوا يعدون في الحصى مائة مرة، فإذا فرغوا منها قال: هللوا مائة، فيقولون: لا إله إلا الله مائة مرة ويعدون بالحصى، ثم إذا فرغوا منها قال: كبروا مائة، فجعلوا يعدون بالحصى حتى.. فوقف على رءوسهم وقال: ما هذا؟ إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحوا باب ضلالة، واحدة من ثنتين لا ثالث لهما، إما أنكم على طريقة أهدى من طريقة أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، فهم ما فعلوا هذا العمل، إذاً أنتم الذين فعلتموه، فأنتم إما أن تكونوا أحسن منهم وخيراً منهم، وعلى طريقة أهدى منهم، أو أنكم مفتتحوا باب ضلالة، طبعاً لا يمكن أن يكونوا خيراً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، بقيت الثانية التي هي أنهم مفتتحوا باب ضلالة، هم فهموا هذا الكلام، وقالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير، قال رضي الله عنه: وكم من مريد للخير لم يصبه، وكم من مريد للخير لم يصب الخير، وإنما أصاب البدعة التي ظن أنها خير.
هذا مما يدلنا على أن الإنسان كونه يفعل الأمر المحرم، والأمر المبتدع ويقول: إن نيتي طيبة وقصدي حسن، وأنه يريد الخير، يقال كما قال عبد الله بن مسعود: كم من مريد للخير لم يصبه، كثيرون يريدون الخير ولا يصيبونه؛ لأن عملهم مبتدع، وعملهم محدث في دين الله عز وجل، ومما يوضح ذلك أيضاً أن العمل إذا كان مبتدعاً ولو كان قصد صاحبه حسناً فإنه لا يفيد ولا ينفع، فإن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى يوم العيد قبل الصلاة، وكان يريد أن الناس إذا فرغوا من الصلاة، وإذا أضحيته قد طبخت ونضجت، فتكون أول ما يؤكل؛ لأن الناس بحاجة إلى اللحم، فأحب أن يأكل الناس من أضحيته أول ما يأكلون من اللحم، فلما علم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أضحيته قبل الصلاة، ماذا قال له رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال له: ( شاتك شاة لحم )، يعني: ما هي بأضحية؛ لأنها وقعت في غير محلها، وفي غير وقتها، وهي مثل الذي يذبح في رجب وشعبان ورمضان وشوال وذي القعدة في غير أيام الذبح، (شاتك شاة لحم) مثل الشياه التي يذبحها الإنسان ليأكل اللحم، ما هي أضحية مخصصة في يوم من الأيام، أو في أيام معلومة يتقرب إلى الله عز وجل فيها على أنها أضحية، والأضاحي تبدأ يوم العيد قبل الصلاة، يبدأ بذبح الأضاحي يوم العيد بعد الصلاة، ما يجوز قبل الصلاة، ولهذا اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم شاته -أي: هذا الصحابي- شاة لحم، ما هي شاة أضحية، كما قال بعض العلماء مستدلاً بهذا الحديث، وكما نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري قال: وفي هذا الحديث دليل على أن العمل المقبول هو الذي يقع على وفق السنة، وأنه إذا وقع غير موافق للسنة فإنه لا يعتد به ولو كان قصد صاحبه حسناً؛ لأن هذا الصحابي قصده الذي أبداه للرسول صلى الله عليه وسلم حسن، حيث قال: إنني أردت أن تؤكل أضحيتي أول ما يؤكل، قال: شاتك شاة لحم.
فدل هذا أن العمل إذا وقع غير مطابق للسنة أنه لا يعتد به ولو كان قصد صاحبه حسن، فحسن القصد لا يشفع له بأن يقبل عمله، بل الرسول صلى الله عليه وسلم قال: شاتك شاة لحم.

ما يتوجب على المسلم تجاه البدع والمحدثات

وهذا يدلنا على أن البدع المحدثة في دين الله لا يجوز للإنسان أن يقدم عليها، بل عليه أن يحذر منها وأن ينفر منها، وأن يرغب في السنن ويحذر من البدع؛ لأن السنن هي التي فيها الأجر والثواب لأن فيها اتباع، والبدع فيها إثم وعقاب؛ لأن فيها ابتداع؛ ولأن فيها أيضاً اتهام للشريعة بأنها ناقصة، ولهذا جاء عن مالك رحمة الله عليه، ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، يقول: من ابتدع في الإسلام بدعة يظنها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3]، ثم قال: ما لم يكن ديناً في زمان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنه لا يكون ديناً إلى قيام الساعة.وقال أيضاً رحمة الله عليه: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، لا سبيل للآخرين أن يصلحوا إلا بالطريقة التي صلح بها الأولون، والأولون إنما صلحوا باتباع السنن، والابتعاد من البدع، وإخلاص العمل لله، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحاصل: أن الواجب على كل مسلم أن يتفقه في دين الله عز وجل، وأن يعرف الحق من الباطل، وأن يحذر من البدع التي أحدثها الناس في دين الله، ومنها ما أشرت إليه مثل: الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، والاحتفال بليلة النصف من شعبان، وكذلك الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من الأمور المحدثة التي ما جاء فيها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذه من الأمور المحدثة المبتدعة في دين الله عز وجل التي ما أنزل الله بها من سلطان.
فالواجب اتباع السنن، والبحث عنها، ومعرفتها للعمل بها، وكذلك الحذر من البدع المحدثة في دين الله، والتي هي ليست فيها سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما هي من البدع التي حذر منها رسول الله، ورهب منها رسول الله عليه ا لصلاة والسلام بقوله: ( وإياكم ومحدثات الأمور فإن محدثة بدعة ).
ثم قال: ( ومن سن في الإسلام سنة سيئة فله وزرها )، يعني: من تقدم الناس بالشر وتابعه الناس في الشر، أو أحدث لهم بدعاً وتابعه الناس فيها، فإنه عليه إثمها وإثم من عمل بها من بعده، ومثل هذا الحديث، يعني: فيما يتعلق بالحذر من البدع، واتباع السنن، قال: ( من دعا إلى هدى )، حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً )، هذا الذي يدعو إلى السنن، ( ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ).

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 323.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 317.76 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.87%)]