|
|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#611
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث: (أسرف عبد على نفسه حتى حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني ...) قوله: [أخبرنا كثير بن عبيد].هو كثير بن عبيد الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. [عن محمد]. هو محمد بن حرب الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [الزبيدي]. هو محمد بن وليد الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [الزهري]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري من صغار التابعين، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حميد بن عبد الرحمن]. هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة]. وقد مر ذكره. شرح حديث: (كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله فلما حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني ...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن منصور عن ربعي عن حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله، فلما حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم اذروني في البحر، فإن الله إن يقدر على لم يغفر لي، قال: فأمر الله عز وجل الملائكة فتلقت روحه، قال له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رب، ما فعلت إلا من مخافتك فغفر الله له)].ثم أورد النسائي من حديث حذيفة رضي الله عنه، يعني: في قصة الرجل الذي أسرف على نفسه والذي كان في الأمم السابقة، وحصل منه ما حصل وأوصى بهذه الوصية، وأهله نفذوا هذه الوصية، وفيه، أنه قال: [(فأمر الله الملائكة فتلقت روحه)]، ومن المعلوم أن الملائكة تتلقى الأرواح من الأجساد سواء كانت محسنة، أو مسيئة، وقد جاء ذلك مبيناً في أحاديث إذا كانت طيبة تخرج وتبشر قبل خروجها، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء من سهولة خروجها؛ لأنها تخرج إلى ما بشرت به، وأما إذا كانت بخلاف ذلك -والعياذ بالله- تبشر بالعذاب، فإنها تتفرق في الجسد، ويبين ما أمامها من الوعيد وما أمامها من العذاب، فتستخرج من الجسد كما يستخرج السفود من الصوف المبلول، يعني: الحديدة التي فيها أشواك، ثم تكون في صوف، فإذا جرت فإنه يتمزق من الصوف ما يكون مقابل تلك الأشواك، يعني: معناه شدة الإخراج، فهذا تشبيه لشدة الإخراج، فهي لا تريد الخروج؛ لأنها ستخرج إلى عذاب، فالملائكة تتلقى الأرواح إن كانت طيبة، فتكون في كفن من الجنة وحنوط من الجنة، وإذا كانت سيئة يؤتى بشيء من النار والعياذ بالله فتوضع فيه، كما جاء ذلك مبيناً في حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه في مسند الإمام أحمد وغيره. فقال هنا: [(تلقت الملائكة روحه)]، وأما الكلام على الحديث فهو مثل الرواية السابقة يعني: من جهة أنه أوصى بأن يحرق، وأن يطحن، وأن يذر في الهواء، وأنه إن قدر الله عز وجل عليه لا يغفر له، فالله عز وجل أمر الذرات بأن تعود كل ذرة إلى مكانها، وقال له: (ما حملك على ذلك، قال: مخافتك فغفر له). تراجم رجال إسناد حديث: (كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله فلما حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني ...) من طريق أخرى قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وهو ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه. [حدثنا جرير]. هو جرير بن عبد الحميد الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن منصور]. هو ابن المعتمر الكوفي من أقران الأعمش، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ربعي]. هو ربعي بن حراش الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن حذيفة]. هو حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. البعث شرح حديث: (إنكم ملاقو الله عز وجل حفاة عراة غرلاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [البعث. أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب على المنبر ويقول: إنكم ملاقو الله عز وجل حفاة، عراة، غرلاً)]. ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: البعث، وفي الحقيقة الأحاديث التي مرت هي ألصق بالبعث؛ لأن فيها كيفية البعث، فالأول كون الله عز وجل يعيد الجسد، وأن ابن آدم كذب الله أنه لا يعيده، والله تعالى يعيده، والثاني والثالث في قصة الذي أسرف على نفسه، والله تعالى أعاد تلك الذرات حتى رجعت كل ذرة إلى مكانها، وهذه كيفية البعث، وأن أجسادهم تعود كما كانت، لا أنه يخلق أجساداً جديدة. وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: [(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر ويقول: إنكم ملاقو الله عز وجل حفاة، عراة، غرلاً)]. سمع ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، على المنبر يقول: [(إنكم ملاقو الله حفاة، عراة، غرلاً)] فهذا فيه: البعث، وأن الناس يلاقون الله عز وجل عندما يبعثون في مكان الفصل بين الناس، ومكان الحشر، حفاة، عراة، غرلاً، حفاة ليس على أرجلهم شيء، وعراة ليس على أبدانهم شيء، وغرلاً غير مختونين، كما خلقوا أولاً يعادون، حتى أنهم لما خلقوا في الأول غير مختونين فإنه يعاد خلقهم غير مختونين على الهيئة التي كانوا عليها؛ لأن الله قال: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )[الأنبياء:104] يعني: نفس الهيئة التي كان عليها عند الإيجاد الأول، يكون عليها عند الإيجاد الثاني من جهة أنه يولد أغرل ويوجد حافياً، ويوجد غير كاس، فكذلك يعاد ويبعث على الهيئة التي كان عليها حافياً، عارياً، أغرل، وهو غير مختون، وليس على رجليه شيء، وليس على جسده شيء، فالناس يبعثون على هذه الهيئة، وعلى هذه الكيفية. وجاء خلقهم ثانياً غرل؛ لأن الله تعالى وعد بأن يعيد الخلق كما كان أول مرة، ولما كانت العزلة موجودة أول الخلق وجدت عند الخلق الثاني، فيكون الخلق الثاني مطابقاً للخلق الأول حتى في الغرلة التي كان عليها في الخلق الأول: [(إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلاً)]. تراجم رجال إسناد حديث: (إنكم ملاقو الله عز وجل حفاة عراة غرلاً) قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا سفيان]. هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عمرو]. هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد بن جبير]. ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام. شرح حديث: (يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلاً ...) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن سفيان حدثني المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلاً، وأول الخلائق يكسى إبراهيم عليه السلام، ثم قرأ: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )[الأنبياء:104])].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه [أن الناس يحشرون عراة، غرلاً، وأول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم قرأ: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )[الأنبياء:104]]، يعني: فيه توضيح لكونهم يخلقون حفاة، عراة، غرلاً، فكذلك يكون بعثهم على هذه الهيئة، وعلى هذه الكيفية. فهذا الحديث مثل الذي قبله، ولكن فيه زيادة إيضاح أن خلقهم غرلاً، ويعاد خلقهم غير مختونين حتى يكون ذلك مطابقاً لما حصل لخلقهم الأول، والله تعالى قال: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )[الأنبياء:104] يعني: على الهيئة التي كان عليها تماماً، حتى الغرلة تكون موجودة. ثم قال: [(أول من يكسى إبراهيم)] أي: بعد ما يخرجون حفاة عراة، فأول من يكسى ويستر جسده هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم يكسى الناس بعده، وقيل في تخصيص إبراهيم بهذه الميزة وتقديمه على غيره أقوال من أحسنها: أنه لما رمي في النار فتجرد لله عز وجل جازاه على صبره، وإيمانه، بأن جعله هو الذي يكسى أولاً، ومثل هذه الفضيلة لإبراهيم لا تعني أن يفضل على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، بل هذا يدل على فضله، ولا يدل على أفضليته على من هو أفضل منه، وهو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن أفضل الأنبياء والمرسلين هو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ويليه إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. تراجم رجال إسناد حديث: (يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلاً ...) من طريق ثانية قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو العنزي البصري الملقب الزمن، والمكنى بـأبي موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، ومثله في ذلك شخصان آخران، وهما: محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهؤلاء الثلاثة جميعاً ماتوا في سنة واحدة وهي سنة (252هـ) أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة (256هـ). [حدثنا يحيى]. هو ابن سعيد القطان، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن سفيان]. هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثني المغيرة بن النعمان]. هو المغيرة بن النعمان الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب إلا الترمذي فإنه لم يخرج له شيئاً. [عن سعيد بن جبير عن ابن عباس]. وقد مر ذكرهما. شرح حديث: (يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً ..) من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني عمرو بن عثمان حدثنا بقية أخبرني الزبيدي أخبرني الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، فقالت عائشة رضي الله عنها: فكيف بالعورات؟ قال: (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )[عبس:37])].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وأن الناس يبعثون [حفاة عراة غرلاً، فقالت: فكيف بالعورات] أي: كيف يحشرون حفاة، عراة، غرلاً، الرجال ينظرون للنساء والنساء ينظرن إلى الرجال، [فقال عليه الصلاة والسلام: (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )[عبس:37]] يعني: جاءهم ما يشغلهم عن أن يفكروا بالعورات، وأن ينظروا إلى العورات، فالأمر أعظم من ذلك؛ لأن عندهم ما يذهلهم من شدة الخوف، ومن شدة الفزع الذي هم فيه (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )[عبس:37] يغنيه من أن يفكر بهذه الأمور، وأن ينقدح في ذهنه شيء من هذه الأمور، بل عنده ما يشغله، وعنده ما يغنيه عن أن يفكر في ذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً..) من طريق ثالثة قوله: [عن عمرو بن عثمان].هو عمرو بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي. [حدثنا بقية]. هو بقية بن الوليد الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [أخبرني الزبيدي]. هو محمد بن الوليد الحمصي، أخرج له الجماعة إلا الترمذي. [عن الزهري]. وقد مر ذكره. [عن عروة]. هو عروة بن الزبير بن العوام، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة]. أي: خالته عائشة أم المؤمنين، وهي الصديقة بنت الصديق التي حفظ الله تعالى بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أنزل الله تعالى براءتها مما رميت به من الإثم في آيات تتلى من كتاب الله عز وجل، وكان من فضلها ونبلها أنها تحتقر نفسها وترى أنها دون هذا الذي خصت به، وأعطيت إياه، وكانت تقول رضي الله عنها: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى) قالت: كنت أتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا، يعني: يحلم في المنام على أنها بريئة، ولكن الله تعالى برأها بقرآن أنزله على رسوله، يتلو الناس فيه على مر العصور والدهور براءتها، وهذا من فضلها، ونبلها، وتواضعها لله عز وجل، تقول: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى) يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه: (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) عندما جاء ذكر الآل، وأن أمهات المؤمنين داخلات فيه، ذكر تراجم مختصرة لهن جميعاً، وذكر شيئاً من مناقب كل واحدة، ولما ذكر عائشة رضي الله عنها، ذكر من مناقبها في هذه الترجمة أنها لتواضعها ونبلها وفضلها كانت تقول هذه المقالة، فقال رحمه الله: (فأين هذا ممن يصوم يوماً، أو يصلي ليلة، ثم يقول: أنا فلان، وأنا فلان). أي: يتبجح بعمله، ويدل بعمله، وهذه الصديقة بنت الصديق يحصل لها ما يحصل من الفضل ثم تقول: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى)، وهذا شأن أولياء الله عز وجل، أنهم مع كمالهم، ومع شرفهم، ونبلهم يتواضعون لله عز وجل. شرح حديث: (إنكم تحشرون حفاة عراة ...) من طريق رابعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا أبو يونس القشيري حدثني ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم تحشرون حفاة عراة، قلت: الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: إن الأمر أشد من أن يهمهم ذلك)].ثم أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله إلا أنه قال لما قالت: [(الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض، قال: الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك)]، يعني: عندهم ما يشغلهم، وعندهم من الهول، والفزع، والذعر ما يشغلهم أن يفكر بعضهم في العورات، أو النظر إلى العورات؛ لأن عندهم ما يشغلهم عن ذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (إنكم تحشرون حفاة عراة ...) من طريق رابعة قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا يحيى]. هو يحيى القطان، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو يونس القشيري]. هو حاتم بن أبي صغيرة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
__________________
|
#612
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الجنائز (361) - (تابع باب البعث) إلى (باب نوع آخر من التعزية) ورد في السنة أن الناس يحشرون على ثلاث طرائق راغبين راهبين، وأن أول من يكسى هو إبراهيم عليه السلام. كما ورد فيها استحباب التعزية، والتي فيها دليل على الألفة والتآخي بين المسلمين وقوة الترابط فيما بينهم. تابع البعث شرح حديث: (يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب البعث.أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا أبو هشام حدثنا وهيب بن خالد أبو بكر حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق: راغبين راهبين، اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسى معهم حيث أمسوا)]. يقول النسائي رحمه الله: باب البعث. وقد مرت أحاديث في هذه الترجمة تتعلق بقضية البعث، وأن الناس يحشرون حفاة عراة غرلاً، وقد أورد النسائي أيضاً أحاديث في هذه الترجمة منها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين راهبين، اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسى معهم حيث أمسوا)]، وهذا الحديث فسر بأن المراد بالحشر فيه: حشر دنيوي، وهو ما يحصل في آخر الزمان، وفي نهاية الدنيا من اجتماع الناس في مكان واحد، وذهابهم إلى جهة واحدة، وأنهم يذهبون إلى أرض الشام، وقد جاء في ذلك أحاديث تدل على هذا، قيل: إن المراد بهذا الحشر الذي في الحديث هو هذا الحشر، حشر يكون في آخر الدنيا، ومما يدل على أنه حشر دنيوي، وليس حشراً أخروياً أن النبي عليه الصلاة والسلام بين في هذا الحديث أنهم يكونون ركباناً وأنهم يركبون اثنين، وثلاثة، وأربعة، وعشرة، وأن بقيتهم تحشرهم النار، تقيل معهم حيث قالوا وتصبح حيث أصبحوا، وتمسي حيث أمسوا، وهذا إنما يكون في الدنيا، وهذه قرائن، وأدلة تدل على أن الحشر إنما هو دنيوي، ومن العلماء من قال: إنه حشر أخروي، وأقرب الأقوال في هذه المسألة: أنه الأول، وأنه حشر دنيوي، وأن ذلك حيث يكون الناس في آخر الزمان يحشرون إلى المحشر، وأن النار تسوقهم حيث يجتمعون في أرض الشام، وفيها يخرج الدجال، وفيها ينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء، ويقتل الدجال، وأنه يخرج نار من عدن تحشر الناس إلى المحشر، وتسوقهم، وتقيل معهم حيث قالوا، والأحاديث يفسر بعضها بعضاً ويبين بعضها بعضاً، فأظهر القولين في المسألة أنه حشر دنيوي، وليس حشراً أخروياً. والثلاثة الطرائق التي جاءت في الحديث جاء في صحيح البخاري أنهم راغبون راهبون، واثنان على بعير، فعلى هذا تكون الأولى من هذه الطرائق الثلاث: راغبين راهبين، والثانية: أنهم يكونون على هذه المركوبات، التي هي: اثنان، وثلاثة، وأربعة، وعشرة، والثالثة: النار التي تحشر بقيتهم، تقيل معهم حيث قالوا، وتصبح حيث أصبحوا، وتمسي حيث أمسوا. تراجم رجال إسناد حديث: (يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق ...) قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي. [حدثنا أبو هشام]. هو المغيرة بن سلمة وهو ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، أي: ما أخرج له البخاري في الأصول، وإنما خرج له تعليقاً، ولم يخرج له أبو داود. [حدثنا وهيب]. هو وهيب بن خالد أبو بكر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا ابن طاوس]. هو عبد الله بن طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه على الإطلاق حديثاً رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث: (إن الصادق المصدوق حدثني أن الناس يحشرون ثلاثة أفواج ...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى عن الوليد بن جميع حدثنا أبو الطفيل عن حذيفة بن أسيد عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: (إن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حدثني أن الناس يحشرون ثلاثة أفواج: فوج راكبين، طاعمين، كاسين، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم النار، وفوج يمشون ويسعون يلقي الله الآفة على الظهر فلا يبقى، حتى إن الرجل لتكون له الحديقة يعطيها بذات القتب لا يقدر عليها)].أورد النسائي حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، وفيه: أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج: فوج راكبين، طاعمين، كاسين، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم، وفوج يمشون، ويسعون يلقي الله الآفة على الظهر أي: على ما يركب، حتى إن الرجل ليعطي الحديقة لذات القتب لا يقدر عليها، يعني: يدفع الحديقة في مقابل ناقة عليها قتب، وهو الرحل الذي يجلس عليه الراكب، والذي يشد فيه المتاع، والحمل الذي يحمل عليها، معناه: أنه تحصل الآفة، ويحصل المرض الذي فيه يقل الظهر، والمراد بالظهر: الدواب التي يركب عليها وهي الإبل، حتى إن الإنسان ليدفع الحديقة في مقابل الناقة ذات القتب الذي هو الرحل الذي يوضع عليها لركوب الراكب، ولشد المتاع عليها، وهذا أيضاً حشر دنيوي، وهذا مثل الحديث الذي قبله هو حشر دنيوي. ومما يوضحه أن قوله فيهم: (فوج راكبين، طاعمين، كاسين)، ومن المعلوم: أن الناس يوم القيامة يحشرون حفاة، عراة، غرلاً؛ يعني: ليس على أجسامهم شيء، وليس على أرجلهم شيء، ويبعثون وهم غرل كما ولدوا غير مختونين، وفي الحديث هنا أنهم راكبون طاعمون كاسون، ثم في آخر الحديث أن الآفة تصيب الظهر، فيقل حتى إن الإنسان يدفع الحديقة، وهذا إنما يكون في الدنيا لذات القتب؛ ليشتري بها ناقة يركب عليها، إنما هذا يناسب الدنيا، ولا يتفق مع الآخرة، فأوله: كونهم طاعمين كاسين، والناس إنما يبعثون يوم القيامة عراة، وفي آخرها أنهم يركبون، وأنهم يقل فيهم الظهر، وأن الواحد يدفع الحديقة التي يملكها في مقابل ناقة عليها قتب يركب عليها، فلا يستطيع أن يحصلها لقلة الظهر، وهذا واضح أنه في الدنيا وليس في الآخرة. تراجم رجال إسناد حديث: (إن الصادق المصدوق حدثني أن الناس يحشرون ثلاثة أفواج ...) من طريق أخرى قوله: [قال: أخبرنا عمرو بن علي].هو الفلاس، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا يحيى]. هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، ناقد، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن الوليد بن جميع]. هو الوليد بن عبد الله بن جميع، وهو صدوق يهم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. [حدثنا أبو الطفيل]. هو عامر بن واثلة صحابي من صغار الصحابة، قيل: إنه ولد عام أحد، ورأى النبي عليه الصلاة والسلام، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي سنة مائة وعشر، قيل: إنه آخر من مات من الصحابة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن حذيفة بن أسيد]. صحابي، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن. [عن أبي ذر]. هو جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والإسناد فيه ثلاثة صحابة يروي بعضهم عن بعض: أبو الطفيل عامر بن واثلة، وحذيفة بن أسيد، وأبو ذر الغفاري جندب بن جنادة رضي الله تعالى عنهم، ففيه ثلاثة صحابة يروي بعضهم عن بعض. ذكر أول ما يكسى شرح حديث: (أول ما يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمود بن غيلان أخبرنا وكيع، ووهب بن جرير وأبو داود عن شعبة عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموعظة فقال: يا أيها الناس! إنكم محشورون إلى الله عز وجل عراة، قال أبو داود: حفاة غرلاً، وقال وكيع، ووهب: عراة غرلاً كما بدأنا أول خلق نعيده، قال: أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام وإنه سيؤتى، قال أبو داود: يجاء، وقال وهب ووكيع: سيؤتى برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: رب! أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي [المائدة:117] إلى قوله: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ [المائدة:118] الآية، فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مدبرين، قال أبو داود: مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)].هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: أول من يكسى، أي: أن أول من يكسى هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقد مر الحديث من بعض الطرق، وأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو أول من يكسى بعدما يحشر الناس حفاة عراة غرلاً، وسبق أن مر أنه علل بتعليلات، ووجه بتوجيهات، من أقربها أنه لما ألقي في النار جرد وصبر وكان في ذات الله عز وجل، فالله تعالى جازاه على ذلك بأن جعله أول من يكسى بعدما يحشر الناس حفاة، عراة، غرلاً، فهو أول من تحصل له الكسوة وأول من يوارى جسده بالكسوة عليه الصلاة والسلام. وأورد حديث ابن عباس الذي سبق أن تقدم من بعض الطرق، وأن النبي عليه الصلاة والسلام قام بموعظة في أصحابه وقال: [أيها الناس! إنكم محشورون إلى الله حفاة، عراة، غرلاً]، وقد ذكر النسائي أن بعض الرواة رواه بلفظ (عراة)، وبعضهم رواه (عراة غرلاً)، وبعضهم (حفاة غرلاً)، وأشار إلى الاختلاف في بعض الروايات في هذا الإسناد، وأن بعضهم رواه على صفة، وبعضهم على صفتين، وبعضهم على صفتين أيضاً فيها التفاوت مع الصفة السابقة، و(أن أول من يكسى إبراهيم)، هذا هو محل الشاهد للترجمة الذي أورد الحديث من أجله، وإلا فإنه قد مر في الحشر وكيفية الحشر، ثم إنه جاء في آخر الحديث: (أنه يؤتى بأناس فيذهب بهم ذات الشمال) يعني: إلى النار، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعرفهم، وهم من أصحابه، فيقول: [أي رب، أصحابي، فيقال: إنهم لم يزالوا مدبرين]، وفي بعض الروايات: [لم يزالوا مرتدين منذ فارقتهم]، والمقصود من هذا بلا شك هم الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وماتوا على الردة، وقاتلهم الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وماتوا قتلى على أيدي الغزاة الفاتحين الذين أرسلهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، هؤلاء هم المعنيون بهذا الحديث، وليس المقصود بهم ما تقوله الرافضة المخذولون من أن المقصود بذلك: الصحابة، وأنهم ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن هذا لا يقوله من يؤمن بالله واليوم الآخر، وإنما يقوله من خذله الله، وإنما المقصود من ذلك: هم الذين ارتدوا وماتوا على الردة بأيدي الجيوش المظفرة التي بعثها الصديق رضي الله عنه وأرضاه، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرفهم، وفي هذا دليل على أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب ولا يطلع، وأنه ما يجري بعده، وما يحصل بعده لا يعلمه عليه الصلاة والسلام وهو في قبره؛ لأنه قال: [فأقول أصحابي]، وهو لا يعرف الذي حصل لهم، وأنهم ارتدوا وماتوا على الردة، فهو من الأدلة التي يستدل بها على أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يطلع من الغيوب إلا على ما أطلعه الله عليه، وأن هذا من الغيوب التي أخفاها الله عنه، ولم يطلعه عليها صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يعرف أنهم كانوا مسلمين، وأنهم كانوا من أصحابه، ولكنهم غيروا وبدلوا بعده، وارتدوا، وماتوا على الردة، فأخذ بهم إلى النار. يتبع.
__________________
|
#613
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث: (أول ما يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام) قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود. [أخبرنا وكيع]. هو وكيع بن الجراح الكوفي الرؤاسي، وهو ثقة، مصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ووهب بن جرير]. هو ابن حازم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [وأبو داود]. هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. [عن شعبة]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن المغيرة بن النعمان]. هو المغيرة بن النعمان الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. [عن سعيد بن جبير]. ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن ابن عباس]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام. في التعزية شرح حديث: (... فلقيه النبي فسأله عن بنيه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التعزية.أخبرنا هارون بن زيد وهو: ابن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا خالد بن ميسرة سمعت معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه، فهلك، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي لا أرى فلاناً؟ قالوا: يا رسول الله! بنيه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه فأخبره أنه هلك، فعزاه عليه، ثم قال: يا فلان! أيما كان أحب إليك أن تمتع به عمرك أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ قال: يا نبي الله! بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إلي، قال: فذاك لك)]. أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التعزية، والمراد بها: تهوين المصاب بالميت، وذكر الكلام الذي يؤنسه، ويخفف عليه مصابه، هذا هو المراد بالتعزية، وليس لها وقت محدد يعني: بثلاثة أيام، أو أقل، أو أكثر، ولكنها لا تستمر وتكون مع طول الوقت بعد الموت، وفي حال المصيبة، وفي الأيام التي تكون بعد المصيبة، أما إذا مضى زمن طويل، وحصل السلوان، وذهبت الشدة التي حصلت للإنسان والمصيبة التي حلت بالإنسان فإنه لا يعزى في تلك الحال، ولكنه إذا ذكر الميت يدعى له، وأما أن يعزى بعد وقت طويل، وقد حصل السلوان، وذهب ما في النفس من الشدة، وما حصل للإنسان من المصيبة، فإن هذا لا يناسب التعزية، وليس لها تحديد بثلاثة أيام، بل يمكن أن تكون بعد ثلاثة أيام ويمكن أن تكون أقل، لكن بعد دهر طويل ووقت طويل حصل معها السلوان لا يناسب ذلك. وقد أورد النسائي حديث قرة بن إياس رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا جلس، جلس معه نفر من أصحابه يحدثهم، ويتلقون الحديث منه عليه الصلاة والسلام، وكان فيهم رجل له ولد صغير يأتي من ورائه، ويجلسه في حجره، فهلك ذلك الابن الصغير، فتخلف ذلك الرجل عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يتذكر ابنه، وما يحصل له، فلم يأت، ففقده النبي عليه الصلاة والسلام فسأل عنه فقال: بني، الذي كان يأتي معه، ويجلس في حجره هلك، فالنبي عليه الصلاة والسلام لقيه وعزاه بكلام حسن لطيف أدخل السرور عليه، وقال له: أيما أحب إليك أن تمتع به عمرك؟ يعني: يكون معك في الحياة، ويخدمك، وتستفيد منه، أو يكون أمامك، فلا تأتي إلى باب من أبواب الجنة إلا وتجده أمامك يريد أن يفتح لك الباب، قال: بل أريد أن يفتح لي باب الجنة، فالرسول عليه الصلاة والسلام هون مصيبته وبين أن فقده إياه سيعود عليه بالخير، وأنه يكون فرطاً له، ويكون شفيعاً له، ويفتح له باب الجنة، فعند ذلك سر ذلك الرجل من كونه يحصل نفعه أمامه، فإن كان فاته النفع الدنيوي الذي يكون معه في حياته فإن ذلك النفع الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو النفع الأتم، وهو النفع الأعظم حيث يجده أمامه، ويفتح له باب الجنة، فهذا كلام فيه تعزية، وفيه تسلية، وفيه جبر للمصيبة، وأن الإنسان على خير، بل هذا الرجل فضل هذه الحالة التي حصلت، وهي: أن يكون أمامه يفتح له باب الجنة على أن يمتع به عمره في هذه الحياة الدنيا بأن يخدمه، ويستفيد منه، وتقر عينه به في هذه الحياة، ففضل تلك الحالة على هذه الحالة. ومن خير ما يعزى به ذكر الموت، وأن الموت لا بد منه، وأنه مهما طال الأمد لا بد أن يموت الإنسان، وأن هذا الطريق طريق مسلوك، لا مفر منه، إن عاجلاً أو آجلاً، وكذلك أن يقال في التعزية: (لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى)، وكذلك التذكير بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو خير البشر، وخير الناس، وأنفع الناس إلى الناس، ولو كان البقاء لأحد لكان أحق الناس به رسول الله عليه الصلاة والسلام. فالحاصل: أن التعزية تكون بالكلام الذي يلقي السرور على المصاب الذي أصيب بذلك الميت يؤتى بالكلام اللطيف الذي يهون مصابه، ويخفف عليه ما حصل له من المصيبة. ثم في الحديث ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام من اللطف بأصحابه، ومن تفقدهم، وسؤاله عن حال من يتخلف منهم حيث يحصل منه شيء على خلاف ما اعتاده؛ والنبي عليه الصلاة والسلام قد ألف واعتاد أن هذا الرجل يأتي، ففقده، ويشبه هذا ما حصل لـثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، كما في صحيح مسلم، (أنه لما نزل قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ )[الحجرات:2]، وكان جهوري الصوت، خلقة وجبلة -يعني: يتكلم كلامه المعتاد، فيرتفع صوته- فلما نزلت هذه الآية خشي أن يكون ممن عنته الآية، وأن يكون حبط عمله، فجلس في بيته يبكي، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل سعد بن معاذ سيد الأوس، وقال: يا أبا عمرو، ما حال ثابت بن قيس؟ قال: أنا آتيك بخبره يا رسول الله، فذهب يبحث عنه، ووجده في منزله يبكي، فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأخبره بالذي جعله يتخلف فقال له: إنه من أهل الجنة، إنه ليس من هؤلاء إنه من أهل الجنة). يعني: ليس ممن تعنيهم الآية، وإنما هو من أهل الجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فشهد له النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة. فالحاصل: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتفقد أصحابه، وإذا تغيب أحد منهم أو تخلف سأل عنه، كما حصل في قصة والد هذا الابن الصغير الذي هلك وتخلف ابنه؛ لأنه يجد في نفسه عندما يذكره في تلك الحلقة، وذلك المجلس، وقد ألف أنه يأتي، ويجلسه في حجره فكان يتذكر ابنه فيتأثر فلم يأتِ إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم وسأل عنه حتى علم خبره، ثم عزاه بهذه الكلمات اللطيفة التي أختار فيها ما هو أمامه على ما هو في هذه الحياة الدنيا. تراجم رجال إسناد حديث: (... فلقيه النبي فسأله عن بنيه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ...) قوله: [أخبرنا هارون بن زيد وهو: ابن أبي الزرقاء].هو ابن أبي الزرقاء وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وكلمة: (هو: ابن أبي الزرقاء) هذه الذي قالها من دون النسائي؛ لأن النسائي ما يقول (هو: ابن أبي الزرقاء)، بل يقول ابن أبي الزرقاء رأساً دون (هو)؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول (هو)، وإنما الذي يحتاج إلى أن يقول هو من دون التلميذ، وهذا دليل واضح على أن من دون النسائي قد يزيد، يعني: في الإسناد شيء على ما عند النسائي؛ لأن النسائي ما قال: (هو ابن أبي الزرقاء) ولا قال: ابن أبي الزرقاء وإنما هارون بن زيد فقط، فأتى من دون النسائي بكلمة ابن أبي الزرقاء وكلمه (هو) قبلها حتى يبين من هو هارون بن زيد هذا، فهو من شيوخ النسائي، ولا يحتاج النسائي إلى أن يقول (هو فلان)، الذي احتاج إليه من دون النسائي، وهذا مثال من الأمثلة التي يستدل بها على أن من دون النسائي يمكن أن يزيد في الإسناد شيئاً يوضح به رجلاً في الإسناد؛ وذلك بأن يأتي بما فيه الإيضاح والبيان مسبوقاً بـ(هو) أو بكلمة (يعني). [حدثنا أبي]. أبوه هو زيد بن أبي الزرقاء، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي. [حدثنا خالد بن ميسرة]. قال عنه في التقريب: صالح الحديث، وقد أخرج حديثه أبو داود، والنسائي أيضاً. [سمعت معاوية بن قرة]. ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه]. هو قرة بن إياس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة. نوع آخر شرح حديث: (أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [نوع آخر.أخبرنا محمد بن رافع عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عز وجل إليه عينه وقال: ارجع إليه فقل له: يضع يده على متن ثور، فله بكل ما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب، ثم مه؟ قال: الموت، قال: فالآن، فسأل الله عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر)]. ثم أورد النسائي نوع آخر أي: من التعزية تحت هذه الترجمة، وأورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في قصة مجيء ملك الموت في صورة آدمي إلى موسى عليه الصلاة والسلام، وأنه صكه، أو دفعه ففقع عينه، فرجع إلى ربه وقال: إنك أرسلتني إلى رجل لا يريد الموت، قال: فأعاد إليه عينه، وقال: اذهب إليه، وقل له: يضع يده على متن ثور، يعني: على ظهر ثور، ثم إن له بكل شعرة مما غطت يده سنة، قال: ثم مه؟ قال: الموت، قال: فالآن، وسأل الله عز وجل أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية حجر، قال عليه الصلاة والسلام: [(لو كنت، ثم لأريتكم قبره عند الطريق تحت الكثيب الأحمر)]. والمقصود من إيراد الحديث في التعزية من جهة أنه قال في الحديث لما قال: إذا وضع يده على متن ثور، وأن له في كل شعرة سنة قال له: ثم مه؟ قال: الموت، يعني: أنه مهما يكن من شيء فإن الموت لا بد منه، طال الأمد أو قصر، فالموت هو النهاية التي لا بد منها، وما دام أن الموت آتٍ، وأنه هو النهاية، وأنه لا بد من وجوده، فإذاً: إذا جاء الموت في أي وقت فقد جاء الأجل، وفي ذلك تعزية وسلوى. فالموت لا بد من حصوله، وفي ذلك تعزية لأي إنسان تصيبه مصيبة الموت يصاب بموت قريبه، أو من يعز عليه، فإن الكل سيسلك هذا الطريق، والكل سيصل إلى هذه النهاية، إذاً هذا هو المقصود من إيراد الحديث تحت هذه الترجمة؛ يعني: من العزاء الذي يعزى به الإنسان: أن الموت لا بد منه طال الأمد أو قصر، وليس البقاء لأحد، بل البقاء لله سبحانه وتعالى. وفي الحديث: أن الملائكة تتشكل وتأتي على صور مختلفة؛ فتأتي الملائكة على صور الآدميين، كما جاء في هذا الحديث، وأنه جاء على صورة بشر، وكذلك في قصة إبراهيم ولوط جاءتهم الملائكة على صورة بشر حسان الوجوه، وكذلك جبريل كان يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام على صورة دحية بن خليفة الكلبي، وأحياناً يأتي على صورة رجل غير معروف، كما في حديث جبريل المشهور، (أنهم كانوا في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء إليهم رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسند ركبته إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه، وقال: أخبرني على الإسلام وسأله الأسئلة، وفي آخرها قال النبي عليه الصلاة والسلام: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)، فالله تعالى جعل الملائكة ذوي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء، وجبريل له ستمائة جناح، وقد رآه النبي عليه الصلاة والسلام على هيئته التي خلقه الله عليها مرتين؛ مرة في السماء عندما عرج به إلى السماء فوق السماوات رآه على هيئته التي خلقه الله عليها، ومرة وهو في الأرض قد سد الأفق لكبر خلقه. وهذه الهيئة الكبيرة من الملائكة يتحول فيها إلى صورة رجل، وإلى صورة بشر، فموسى عليه الصلاة والسلام جاءه بصورة بشر، وفاجأه بالموت فدفعه وفقع عينه، وذهب ملك الموت إلى الله عز وجل وقال: إنك أرسلتني إلى رجل لا يريد الموت، فقال: اذهب إليه، وأخبره بكذا وكذا، فذهب إليه وقال: ثم مه؟ يعني: بعد هذه السنين، قال: الموت، قال: فالآن، أي: ما دام أن الموت لا بد منه، وأنه آت فالآن، ثم سأل الله عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة فمات هنالك، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: [لو كنت ثمّ]، يعني: لو كنت هناك [لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر]، الكثيب الذي هو: الرمل الأحمر. والحديث رواه البخاري وغيره، ووجه إيراده هنا كما ذكرت فيما يتعلق بالتعزية من جهة أن الموت لا بد منه، وأن هذا فيه عزاه. تراجم رجال إسناد حديث: (أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام ...) قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].هو محمد بن رافع القشيري النيسابوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وهو مثل الإمام مسلم وطناً ونسباً، الإمام مسلم قشيري من بني قشير ونيسابوري من نيسابور، وشيخه محمد بن رافع من بلده وقبيلته، فهو من نيسابور وهو من بني قشير الذين منهم الإمام مسلم، ولهذا بعض العلماء عندما يذكر البخاري، ومسلم ويذكر نسبته، نسبة هذا وهذا، فيقول: البخاري الجعفي مولاهم، يعني: ينسب إلى الجعفيين ولاءً، ومسلم القشيري من أنفسهم يعني: منهم أصلاً ونسباً، وكلمة من أنفسهم ليست ولاءً وإنما هو منهم ومن هذه القبيلة، وقد أكثر عنه الإمام مسلم في صحيحه. [أخبرنا عبد الرزاق]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، مصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن معمر]. هو ابن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو شيخ عبد الرزاق، وقد أكثر عبد الرزاق من الرواية عنه بل هو شيخه في صحيفة همام بن منبه الطويلة التي تبلغ مائة وأربعين حديثاً، فالبخاري أورد بعضها، ومسلم أورد بعضها واتفق البخاري، ومسلم على إخراج بعضها وترك أشياء منها، فمعمر هو شيخ عبد الرزاق فيها، ومسلم يروي تلك الصحيفة عن طريق شيخه محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة. [عن ابن طاوس]. هو عبد الله بن طاوس وقد مر ذكره. [عن أبيه]. قد مر ذكره. [عن أبي هريرة]. وقد مر ذكره.
__________________
|
#614
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) - كتاب الصيام (362) - باب وجوب الصيام تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة التي بينت أركان الإسلام الخمسة، والتي منها: صوم رمضان الذي يجب على كل مسلم ومسلمة بلغ حد التكليف. وجوب الصيام شرح حديث: (... أخبرني بما افترض الله علي من الصيام، قال: صيام شهر رمضان...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الصيام، باب وجوب الصيام.حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل وهو: ابن جعفر حدثنا أبو سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه: ( أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال: يا رسول الله! أخبرني بما افترض الله عليّ من الصلاة، قال: الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئاً، قال: أخبرني بما افترض الله عليّ من الصيام، قال: صيام شهر رمضان إلا أن تطوع شيئاً، قال: أخبرني بما افترض الله عليّ من الزكاة، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فقال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق أو: دخل الجنة إن صدق ) ]. يقول النسائي رحمه الله: كتاب الصيام، باب وجوب الصوم. أولاً: المعروف والمشهور عند العلماء من محدثين وفقهاء، أنهم عندما يذكرون أركان الإسلام، يأتون إلى العبادات فيذكرون الصلاة، ويأتون قبلها بالطهارة؛ لأنها شرط لها، ثم يأتون بعد الصلاة بالزكاة، ثم بعد الزكاة الصوم، ثم بعد الصوم الحج، هذا هو الغالب على صنيع العلماء من محدثين وفقهاء، ويأتي أحياناً تقديم شيء على شيء، وجاء على خلاف هذا الأصل المعتاد النسائي رحمه الله في هذا الكتاب، فقدم الصوم على الزكاة، وقيل في تعليل صنيع النسائي وهو تقديم الصوم على الزكاة من جهتين: التعليق الأول: أن الحديث الأول من هذا الباب قدم السؤال عن الصوم على السؤال عن الزكاة. التعليل الثاني: من حيث المعنى فهو أن الصوم جاء بعد الصلاة؛ لأن كل منهما عبادة بدنية، فالصلاة عبادة بدنية، والصوم عبادة بدنية وأما الزكاة فهي عبادة مالية تؤخذ من الأغنياء وتعطى للفقراء، والأصل المعروف أو الغالب في الاستعمال هو تقديم الزكاة على الصوم، وأنها تلي الصلاة وقد جاء في كثير من الأحاديث تقديم الزكاة على الصوم، بل قد جاء في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة الجمع بين الصلاة والزكاة، وأنها عندما تذكر الصلاة تقرن بها الزكاة، يقول الله عز وجل: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ )[البينة:5] ويقول: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ )[الحج:41] وغير ذلك من الآيات التي فيها الجمع بين الصلاة والزكاة، وقرن الصلاة بالزكاة. ثم أيضاً ما جاء في كثير من الأحاديث، ومنها حديث ابن عباس في قصة بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، وفيه قوله: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، فإن هم أجابوا بكذا، ويذكر له الذي يليه، وهذا هو المشهور كما أسلفت، هذا من حيث الترتيب أو كون الزكاة تقدم على الصيام، أو الصيام يقدم على الزكاة. أما الصيام من حيث اللغة هو: مطلق الإمساك، فالإمساك يقال له صيام، يقول الشاعر: خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وخيل تهلك اللجما يعني: خيل صيام أي: ممسكة عن الأكل، وخيل غير صائمة أي: غير ممسكة، فأطلق على الإمساك عن الأكل صيام، وخيل غير صائمة تحت العجاج وخيل تعلك اللجما. أما من حيث الشرع فإنه صيام مخصوص ليس مطلقاً، الإمساك عن الأكل، والإمساك عن الكلام كل ذلك يقال له: صيام، لكن في الشرع يطلق الصوم على إمساك مخصوص، وهو الإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا هو الصيام الشرعي. إذاً: المعنى اللغوي عام، والمعنى الشرعي خاص، وهو جزء من جزئيات المعنى اللغوي؛ لأن المعنى اللغوي للصيام مطلق وواسع، وأما في الشرع فهو إمساك مخصوص محدد وكثيراً ما تأتي المعاني الشرعية جزئيات من جزئيات المعاني اللغوية، بمعنى أن المعنى اللغوي يكون واسعاً، والمعنى الشرعي يكون خاصاً، ويعتبر داخلاً في بعض أجزائه، ومثل هذا الحج والعمرة، فإن الحج في اللغة القصد مطلقاً، وفي الشرع قصد مكة والمشاعر لأداء مناسك معينة، فهو قصد مخصوص، والمعنى اللغوي القصد مطلقاً يقال له: حج، كذلك العمرة يقال لغة: الزيارة مطلقاً، وأما في الشرع، فهي: زيارة أو زيارة البيت العتيق، والطواف فيه، والسعي بين الصفا والمروة، أو زيارة البيت العتيق لأداء نسك مخصوص. إذاً: هو جزء من جزئيات المعنى اللغوي، فالمعاني الشرعية تأتي خاصة، والمعاني اللغوية تأتي عامة، وهذا في الغالب، وهذا فيما يتعلق بتعريف الصيام لغة وشرعاً. أما من حيث حكم الصيام فهو فرض فرضه الله عز وجل على عباده وهو شهر واحد في السنة، وهو شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، فإن الله تعالى افترض صيامه، وسن النبي صلى الله عليه وسلم قيامه، فهو أحد أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها الدين الحنيف، وقد جاء ذلك مبيناً في أحاديث كثيرة منها حديث جبريل المشهور لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل وقال: (يا محمد! أخبرني عن الإسلام، فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً ) وكذلك في حديث عمر: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ) فصيام رمضان أحد أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها هذا الدين الحنيف. وقد فرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة، وصام النبي صلى الله عليه وسلم تسعة رمضانات؛ لأنه فرض في السنة الثانية، وتوفي عليه الصلاة والسلام في أوائل السنة الحادية عشرة، فكانت السنوات التي صام فيها تسع سنوات. النسائي رحمه الله أورد هذه الترجمة وهي وجوب الصيام، ثم أورد عدة أحاديث تتعلق بهذا، وهي مشتملة على أنه فرض واجب، وأورد في ذلك حديث طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله تعالى عنه، أن رجلاً ثائر الرأس من أهل البادية جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسأله أن يخبره عن ما فرض الله عليه من الصلوات، فقال: خمس صلوات في اليوم والليلة إلا أن يتطوع شيئاً، يعني: ليس هناك شيء وراء هذه الخمس مفروض إلا التطوع، وسأله عن الصيام فأخبره بأنه شهر واحد في السنة وهو رمضان، وأنه ليس عليه شيء إلا أن يتطوع بعد ذلك، وسأله عن الزكاة فأخبره بشرائع الإسلام وقال: لا يزيد على ذلك ولا ينقص، فلما أدبر قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق ) لأنه أدى ما عليه، أو قام بما فرضه الله عليه، وأوجب عليه من الصلاة والزكاة والصيام. فالحديث واضح الدلالة على الترجمة من حيث الوجوب؛ لأنه سأله عما افترض الله عليه وعن ما أوجب عليه من صيام فأخبره بذلك، وهذا معلوم في الدين الإسلامي بالضرورة. تراجم رجال إسناد حديث: (... أخبرني بما افترض الله علي من الصيام قال: صيام شهر رمضان...) قوله: [ حدثنا علي بن حجر ].هو ابن إياس السعدي المروزي ، وهو ثقة حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي. [ أخبرنا إسماعيل وهو ابن جعفر]. هو إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة: هو ابن جعفر هذه زادها من دون علي بن حجر إما النسائي أو من دون النسائي ، وهذا لأن علي بن حجر لما روى عن إسماعيل بن جعفر لم ينسبه، وإنما قال عن إسماعيل: أو أخبرني؟ [ حدثنا إسماعيل ]. فـعلي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل فقط، ولم يزد عليها شيئاً، وإنما أرادوا أن يوضحوا من هو إسماعيل فقال: هو: ابن جعفر فكلمة (هو ابن جعفر) القائل لها النسائي أو من دون النسائي وليس القائل لها علي بن حجر السعدي المروزي لأنه تلميذه، والتلميذ يذكر شيخه كما يريد، إن أراد أن يختصر اسمه اختصر، وإن أراد أن يطول في نسبه وصفاته وما إلى ذلك فإنه يفعل ذلك، أما غيره فهو الذي يحتاج إلى البيان، ويحتاج إلى مثل هذه العبارة وهي كلمة (هو) من أجل أن يعلم أنها زيادة ليست من التلميذ وإنما هي ممن دون التلميذ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أبو سهيل ]. هو نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه]. هو مالك بن أبي عامر المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن طلحة ]. هو طلحة بن عبيد الله التيمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة الذين بشرهم النبي عليه الصلاة والسلام في حديث واحد سردهم واحداً واحداً، وكل واحد أخبر أنه من أهل الجنة، وقال عليه الصلاة والسلام: ( أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة) ولهذا قيل لهم العشرة، ولم تكن الشهادة بالجنة مقصورة عليهم بل جاء أحاديث فيها الشهادة لأفراد آخرين سواهم كما جاء ذلك في عكاشة بن محصن، وثابت بن قيس بن شماس، والحسن، والحسين، وبلال وأشخاص كثيرين جاء فيهم أحاديث تدل على الشهادة لهم بالجنة، ولكن اشتهر لقب العشرة لهؤلاء العشرة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام سردهم في حديث واحد وأخبر عن كل واحد، منهم أنه من أهل الجنة، ما قال: فلان وفلان وفلان في الجنة، بل كل واحد يقول هو في الجنة، فلهذا يقال لهم: العشرة ويطلق عليهم لقب العشرة لهذا السبب. وحديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (... وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في كل سنة قال: صدق...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن معمر حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (نهينا في القرآن أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد! أتانا رسولك فأخبرنا أنك تزعم أن الله عز وجل أرسلك، قال: صدق، قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله، قال: فمن نصب فيها الجبال؟ قال: الله، قال: فمن جعل فيها المنافع؟ قال: الله، قال: فبالذي خلق السماء والأرض ونصب فيها الجبال، وجعل فيها المنافع، آلله أرسلك؟ قال: نعم قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في كل يوم وليلة قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة أموالنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في كل سنة قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا، قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا الحج من استطاع إليه سبيلاً، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: فوالذي بعثك بالحق لا أزيدن عليهن شيئاً ولا أنقص، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: لئن صدق ليدخلن الجنة)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأخبرهم بشرائع الإسلام بالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام يريد أن يأخذ منه، وأن يتعلم منه، وأن يتحقق وأن يتأكد من هذه الفرائض التي فرضها الله عليه، والمقصود من ذلك زيادة التثبت والتحقق، وذكر الزعم في قوله: (زعم رسولك) يراد بالزعم الخبر المحقق، يعني: أخبرنا خبراً محققاً، فإنه يأتي لهذا المعنى، وهذا هو المراد في هذا الحديث وما يشبهه من الأحاديث التي فيها ذكر التعبير بالزعم في مثل هذه الحالات التي ليس فيها تكذيب أو شك أو تردد، وإنما المقصود من ذلك هو الخبر المحقق، وهو يريد أن يتحقق زيادة، وأن يأخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة وبدون واسطة، وأن يطمئن على تلك الأشياء التي بلغ إليها بواسطة رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى الإسلام، فذكر الصلاة، ثم ذكر الزكاة، ثم ذكر الصيام، ثم ذكر الحج وفي كل واحدة منها يقول: (آلله أمرك بهذا؟) يعني: استفهام، وسأله في الأول وقال: (من خلق السماء والأرض، وجعل فيها المنافع) وكان مقصوده من ذلك أن يحلف بالذي خلقها، وجعلها كذلك وهذا توطئة وتمهيد لحلفه بربها الذي خلق السماوات، وخلق الأرض، وجعل فيها المنافع، يسأله عن هذه الأسئلة فيحلف بالله، ويتحقق أن الله تعالى أمره بهذه الأشياء، ثم إن في الحديث نفسه دلالة على قبول خبر الواحد، وعلى العمل به في العبادات والعقائد مطلقاً، وهنا جاء في العبادات في أصول الإسلام الأربعة التي هي الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وقد بلغهم رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأمور بل جاء في بعض الأحاديث أن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغون التوحيد، ويبلغون الإيمان، ويبلغون الشهادتين كما جاء ذلك في حديث معاذ بن جبل : ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك بذلك فأعلمهم أنه افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوك لذلك، فأعلمهم أنه افترض عليهم صدقة في أموالهم تخرج من أغنيائهم وترد على فقرائهم ) ففيه: الدلالة على قبول خبر الواحد والعمل به، وأنه يتعين العمل به إذا بلغت السنة الإنسان عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولو من طريق شخص واحد، فإن عليه أن يعمل بها، وهذا هو الذي جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: ( نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) فإنه يدخل فيه الشخص الواحد الذي يسمع حديثاً ثم يبلغه. فالحاصل أن خبر الواحد تقوم به الحجة، ويجب العمل بمقتضاه في العقائد، والعبادات، والمعاملات، وفي سائر أمور الدين، هذا هو الذي دلت عليه الأحاديث الكثيرة الثابتة عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. [عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (نهينا في القرآن أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء)]. يقصد بذلك قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا )[المائدة:101] المقصود في القرآن هذه الآية. قوله: [(فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله)]. أي: كان يعجبهم, ويتمنون أن يأتي الرجل العاقل من أهل البادية ليسأله، ووصف بالعقل؛ لأنه يسأل الأسئلة ذات الأهمية التي يستفيدون من إجابة النبي عليه الصلاة والسلام عليها. قوله: [(فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد! أتانا رسولك فأخبرنا أنك تزعم أن الله عز وجل أرسلك، قال: صدق، قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله، قال: فمن نصب فيها الجبال؟ قال: الله، قال: فمن جعل فيها المنافع؟ قال: الله، قال: فبالذي خلق السماء والأرض، ونصب فيها الجبال، وجعل فيها المنافع، آلله أرسلك؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في كل يوم وليلة قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة أموالنا قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في كل سنة، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا الحج من استطاع إليه سبيلاً قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: فوالذي بعثك بالحق لا أزيدن عليهن شيئاً ولا أنقص، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: لئن صدق ليدخلن الجنة)]. يتبع
__________________
|
#615
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
تراجم رجال إسناد حديث: (... وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في كل سنة، قال: صدق...) قوله: [ أخبرنا محمد بن معمر ].هو محمد بن معمر القيسي البصري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عامر العقدي ]. هو عبد الملك بن عمرو البصري أبو عامر العقدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سليمان بن المغيرة ]. هو البصري أيضاً، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت]. هو ثابت بن أسلم البناني البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أنس ]. هو أنس بن مالك صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. شرح حديث: (... آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر في السنة؟ قال رسول الله: اللهم نعم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عيسى بن حماد عن الليث عن سعيد عن شريك بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول: (بينا نحن جلوس في المسجد جاء رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله، فقال لهم: أيكم محمد؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم، قلنا له: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، فقال الرجل: إني سائلك يا محمد فمشدد عليك في المسألة فلا تجدن في نفسك، قال: سل ما بدا لك، فقال الرجل: نشدتك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله! آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله! آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله! آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر) خالفه يعقوب بن إبراهيم].أورد النسائي هذا الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه، في قصة ضمام بن ثعلبة الذي جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأناخ بعيره وعقله، وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسأله هذه الأسئلة، وأجابه النبي عليه الصلاة والسلام عليها، وأن الله تعالى أمره بهذه الشرائع التي هي الصلاة والزكاة والصيام، وعند ذلك أخبر هذا الصحابي الذي هو ضمام بن ثعلبة بأنه آمن به، وبما جاء به، ويمكن أن يكون هذا إخبار عن إيمانه، وأنه مؤمن من قبل ذلك، ويحتمل أن يكون إنشاءً، والذي يظهر أنه إخبار، وأنه قال ذلك تأكيداً، وليس أنه دخل في الإسلام يعني: من الآن، وأنه ما حصل منه الإيمان إلا في هذه اللحظة وإن كان ذلك محتملاً إلا أن الأقرب أنه كان مؤمناً من قبل، ولكنه سأل هذه الأسئلة من أجل التحقق، ومن أجل التلقي من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة ومن دون واسطة، ثم جاء في آخر الحديث أنه قال: [ أنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر ]. يعني: أنه جاء منهم، وأنه سيرجع إليهم ويخبرهم بما تلقاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمى نفسه وقال: أنا ضمام بن ثعلبة ، فالحديث دال على ما دلت عليه الأحاديث السابقة من جهة اشتماله على فرض الصيام، وأنه مما افترضه الله سبحانه وتعالى. تراجم رجال إسناد حديث: (... آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر في السنة؟ قال رسول الله: اللهم نعم...) قوله: [ أخبرنا عيسى بن حماد ].هو التجيبي المصري الملقب زغبة، وحديثه أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. [ عن الليث ]. هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن سعيد ]. هو ابن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن شريك بن أبي نمر ]. هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، وهو صدوق يخطئ، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه. [ عن أنس ]. أنس وقد مر ذكره. [ أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم ]. خالفه يعقوب بن إبراهيم فبعد أن فرغ من الحديث وذكر إسناده ومتنه قال: خالفه يعقوب بن إبراهيم، ثم ذكر الطريق التي فيها رواية يعقوب بن إبراهيم، ثم ذكر الحديث الذي يليه الطريق التي فيها رواية يعقوب بن إبراهيم. شرح حديث: (... آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال رسول الله: اللهم نعم...) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم من كتابه حدثنا عمي حدثنا الليث حدثنا ابن عجلان وغيره من إخواننا عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال: أيكم محمد وهو متكئ بين ظهرانيهم؟ فقلنا له: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، قال الرجل: يا محمد إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، قال: سل عما بدا لك، قال: أنشدك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، قال: فأنشدك الله! آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، قال فأنشدك الله! آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم نعم، فقال الرجل: إني آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر ) خالفه عبيد الله بن عمر ].أورد النسائي حديث أنس بن مالك من طريق أخرى من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف يروي عن الليث والطريق السابقة فيها الرواية عن الليث وهذه طريق أخرى من طريق يعقوب بن إبراهيم، والمتن هو مثل الذي قبله تقريباً يعني: الأسئلة التي وجهها إليه، وأجابه النبي عليه الصلاة والسلام وأخبره في آخر الأمر بأنه ضمام بن ثعلبة ، وأنه رسول من وراءه من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مثل الذي قبله، وفيه وفي الذي قبله ذكر إدخال البعير إلى المسجد وعقله، وهذا فيه: دليل على طهارة أبوال ما يؤكل لحمه وروثه؛ لأن إدخالها المسجد لا يؤمن أن تبول، وأن يحصل منها الروث، وهو طاهر إذا حصل منها ووقع، فإنه ليس بنجس؛ لأن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر وليس بنجس، والنبي صلى الله عليه وسلم أدخل البعير في المسجد الحرام وطاف على بعير عليه الصلاة والسلام، وذلك دال على طهارة أبوالها وأرواثها. وكذلك أرشد العرنيين الذين جاءوا واستوبئوا المدينة فأمرهم أن يذهبوا إلى الصدقة، ويشربوا من أبوالها وألبانها حتى صحوا، ثم حصل منهم ما حصل من قتل الراعي، وأخذ الإبل، فالحاصل أن النبي أرشدهم بأن يشربوا من أبوالها، وهذا يدل على طهارتها، وأنها ليست نجسة، وأنها إذا وقعت على الثياب، أو وقعت في المسجد، أو وقعت في بقعة أنها لا تنجس ذلك لأنها طاهرة، فإدخال البعير في المسجد، وكذلك إدخال النبي صلى الله عليه وسلم البعير في المسجد الحرام وطوافه عليه يدل على هذا، وكونه عقله يعني: حتى لا يحصل منه تشويش واضطراب، حيث لا يكون معقولاً، فإنه قد يحصل ما لا ينبغي مما فيه التشويش على الناس. تراجم رجال إسناد حديث: (... آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال رسول الله: اللهم نعم...) من طريق ثانية قوله: [ أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم ].هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي . [ حدثنا عمي ]. هو يعقوب بن إبراهيم الذي جاء ذكره في آخر الحديث الذي قبل هذا، خالفه يعقوب بن إبراهيم هو عمه حيث قال عبيد الله بن سعد بن إبراهيم يحدث عن عمه يعقوب بن إبراهيم أخو سعد ؛ لأن ذاك عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، وهذا يعقوب بن إبراهيم الذي هو عم عبيد الله، ولهذا قال عمي، أي: يعقوب بن إبراهيم، وهو الذي جاء في آخر الحديث الذي قبل هذا، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد وقد مر ذكره. [ حدثنا ابن عجلان وغيره ]. هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة. [ عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس]. وقد مر ذكرهم. شرح حديث: (... آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من اثني عشر شهراً؟ قال: اللهم نعم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا إسحاق حدثنا أبو عمارة حمزة بن الحارث بن عمير سمعت أبي يذكر عن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (بينما النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه جاء رجل من أهل البادية قال: أيكم ابن عبد المطلب؟ قالوا: هذا الأمغر المرتفق، -قال حمزة : الأمغر: الأبيض مشرب حمرة- فقال: إني سائلك فمشتد عليك في المسألة، قال: سل عما بدا لك، قال: أسألك بربك، ورب من قبلك، ورب من بعدك آلله أرسلك؟ قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك به! آلله أمرك أن تصلي خمس صلوات في كل يوم وليلة؟ قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك به! آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا؟ قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك به! آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من اثني عشر شهراً، قال: اللهم نعم، قال: فأنشدك به! آلله أمرك أن يحج هذا البيت من استطاع إليه سبيلاً؟ قال: اللهم نعم، قال: فإني آمنت وصدقت، وأنا ضمام بن ثعلبة)].أورد النسائي هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، في قصة قدوم ضمام بن ثعلبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مثل الذي قبله عن أنس رضي الله عنه، وهنا المخالفة حتى في الصحابي؛ لأن الصحابي في الطريقين السابقين أنس بن مالك وفي هذا الطريق أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، فهو مثل الذي قبله، يعني: فيما يتعلق بقصة ضمام بن ثعلبة ، وقدومه إلى رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وفي قوله: [(الأمغر المرتفق)] هو من جنس كلمة الأبيض المتكئ في الروايات السابقة؛ لأن الأمغر هو: الأبيض المشرب بحمرة، والمرتفق هي تعادل المتكئ؛ لأنها معناها: متكئ بمرفقه، ولهذا مرتفق على كذا، يعني: معتمد بمرفقه على شيء.
__________________
|
#616
|
||||
|
||||
رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله
|