«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - الصفحة 47 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4832 - عددالزوار : 1704950 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4396 - عددالزوار : 1128649 )           »          أحاديث بلاغية || أستاذ دكتور السعيد الشافعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 151 )           »          إلى من يجهله ويطعن فيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 97 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 57819 )           »          هل يقول الله (كن)؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 96 )           »          أبواب التوبة مفتوحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 98 )           »          هل جلست مع نفسك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 86 )           »          واجب المسلم في أوقات الفتن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          صعق الحيوان قبل ذبحه يجعل أكله حراماً! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 91 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #461  
قديم 14-04-2025, 11:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,120
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله



وهي أصل الكتب التي أُنزِلت على بني إسرائيل وأعظمها، وبها حكم أنبياؤهم، وهي أفضل كتب الله تعالى بعد القرآن الكريم؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].

﴿ والإنجيل ﴾: هو الكتاب الذي أنزل الله تعالى على عيسى، وهو متمم ومكمل للتوراة، قال تعالى: ﴿ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آل عمران: 50]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].

قوله تعالى: ﴿ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾.

قوله ﴿ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ «الواو»: عاطفة، و«رسولًا»: مفعول به لفعل محذوف تقديره: يجعله رسولًا إلى بني إسرائيل.

و«الرسول»: من أُوحِيَ إليه بشرع وأُمِرَ بتبليغه. فعيسى عليه السلام رسول إلى بني اسرائيل، ورسالته مكملة لرسالة موسى عليه السلام.

﴿ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾؛ أي: قائلًا لهم: ﴿ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ أي: أُرسِلت إليكم بآية، أي: بعلامة من ربكم دالة على صدقي.

﴿ قَدْ﴾: للتحقيق، والباء في قوله: ﴿ بِآيَةٍ﴾للملابسة، أي: مقارنة للآية الدالة على صدقي في هذه الرسالة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [الزخرف: 63].

﴿ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ ﴾:قرأ نافع وأبو جعفر بكسر الهمزة: «إِني» على أن الكلام استئناف لبيان « آية »، وقرأ الباقون بفتحها: ﴿ أَنِّي ﴾ على أنه بدل من قوله: ﴿ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ ﴾.

وهذا وما بعده بيان للآية التي جاء بها عيسى عليه السلام بقوله: ﴿ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ .


﴿ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ﴾: قرأ أبو جعفر بالإفراد «كهيئة الطائر»، وقرأ الباقون: ﴿ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ﴾، والطير: اسم يقع غالبًا على الجمع، وقد يقع على الواحد، والكاف بمعنى: مثل، وهي صفة لموصوف محذوف، أي: أخلق لكم شيئًا كهيئة الطير، أي: كصورة الطير.

﴿ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا ﴾: قرأ نافع وأبو جعفر ويعقوب بالإفراد «فيكون طائرًا»، أي: فيكون طائرًا تشاهدونه يطير، وقرأ الباقون: ﴿ فَيَكُونُ طَيْرًا ﴾، أي: طيرًا حيًّا بعد أن كان صورة على هيئة الطير، والمعنى: فيكون هذا الذي خلقت لكم من الطين على هيئة الطير، ونفخت فيه الروح طيرًا حياًّ يطير بجناحيه؛ لأن القراءتين بمثابة آيتين يُكمل بعضهما بعضًا.

﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ أي: بأمره الكوني الشرعي، فلولا أنَّ الله تعالى قدَّر ذلك كونًا، وأقدر عيسى عليه ما حصل ذلك، ولولا أن الله تعالى أذن لعيسى أن يُصوِّر على هيئة الطير ما فعل ذلك؛ لأن تصوير ذوات الأرواح لا يجوز؛ لما فيه من مضاهاة خلق الله تعالى؛ كما قال تعالى في الحديث القدسي: «ومَن أظلم ممَّن ذهب يَخلق كخَلْقي»[3].

وفي قول عيسى عليه السلام: ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ إظهار كمال عبوديته لله تعالى، واحتراس من أن يظن أنه يخلق استقلالًا.

﴿ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ ﴾: معطوف على ﴿ أَخْلُقُ ﴾، و«أُبرئ» من (البرء) وهو الشفاء، أي: وأشفي، قيل: يبرؤهما بالدعاء.

و﴿ الْأَكْمَهَ ﴾: الذي وُلِدَ أعمى، وقيل: الأعمى مطلقًا.

﴿ وَالْأَبْرَصَ ﴾: من به برص، وهي بقع بيضاء شديدة البياض تظهر على الجلد، وقد تنتشر حتى تعُم الجلد كله، وهو مرض مستقذر.

كما في قصة الثلاثة: الأبرص والأقرع والأعمى: «فجاء الملك للأبرص، فقال له: أي شيء أحب اليك؟ قال: «لون حسن وجلد حسن، قد قذرني الناس»[4].

وخصَّ إبراء الأكمه والأبرص؛ لأنهما أمران مُعضلان أعجزا الأطباء مع كثرتهم في زمنه وحذقهم؛ ولهذا أراهم الله تعالى المعجزة من جنس الطب، وقرن ذلك بالخلق وإحياء الموتى.

﴿ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾: معطوف على ﴿ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ ﴾، أي: وأُحيي الذين ماتوا بإذن الله الكوني، و(أل) في «الموتى» للجنس، أي: جنس «الموتى» بأن يقف على أي ميت فيأمره فيحيى، وليس المراد بذلك ميتًا بعينه كما قيل إنه أحيا سام بن نوح أو غيره من أناس بأعيانهم؛ فهذا لا دليل عليه.

﴿ وَأُنَبِّئُكُمْ ﴾ أي: أخبركم.

﴿ بِمَا تَأْكُلُونَ ﴾ «ما»: موصولة، أو مصدرية في الموضعين، أي: بالذي تأكلونه اليوم، أو بأكلكم في يومكم.

﴿ وَمَا تَدَّخِرُونَ ﴾ أي: والذي تدَّخرونه، أو ادخاركم ﴿ فِي بُيُوتِكُمْ ﴾: لغد، أو لما بعده، مما لم أطلع عليه.

وهذا من جملة الآيات التي أعطاها لعيسى؛ لأن هذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ومن ارتضى من رسله، كما قال تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴾ [الجن: 26، 27].

وكما أن في هذا آية من آيات الله التي منحها الله تعالى لعيسى؛ لأن هذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله؛ ففي ذلك حض لهم على الأكل والادخار مما أباح الله تعالى لهم، وتحذير مما حرَّمه الله عليهم؛ كما قال عيسى عليه السلام: ﴿ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آل عمران: 50].

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ ﴾: الإشارة لما سبق من قوله تعالى: ﴿ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ﴾؛ أي: إن في ذلك المذكور لآية لكم، أي: لعلامة على صدقي فيما جئتكم به من الرسالة تدعو إلى الإيمان بذلك.

﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ أي: إن كنتم مصدقين بآيات الله، منقادين لشرعه؛ ففي ذلك آية لكم؛ لأنه لا ينتفع بالآيات إلا المؤمنون بخلاف أهل العناد والمكابرة، كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 99]، وقال تعالى: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101].

قوله تعالى: ﴿ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾.

قوله: ﴿ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ﴾ «مصدقًا»: حال، أي: وحال كوني «مصدقًا لما بين يدي من التوراة»، والمصدق: المخبر بصدق غيره، واللام في قوله: ﴿ لِمَا بَيْنَ ﴾: للتقوية، أي: تصديقًا مثبتًا محققًا، والمعنى: ومصدقًا لما تقدم قبلي وسبقني من التوراة، ببيان أنها حق من عند الله، وبكوني مِصداق ما أخبرت به، فأخبرت ببعثته عليه السلام قبل مبعثه، فكان مبعثه مِصداق ما أخبرت به، وأيضًا مصدقًا لها بكون ما جاء به غالبًا موافقًا لِما جاء فيها من أخبار وأحكام.

﴿ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾ «الواو»: عاطفة، والجملة معطوفة على قوله: ﴿ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾، و«اللام»: للتعليل؛ أي: ولأجل أن أحل لكم بعض الذي حُرِّم عليكم في التوراة تخفيفًا عنكم، وقال في الآية الأخرى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [الزخرف: 63]، والمحرم عليهم ذكره الله تعالى في قوله: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [الأنعام: 146]، وقال تعالى: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾ [النساء: 160].

فبسبب بَغيهم وظلمهم، حرَّم الله تعالى عليهم هذه الطيبات، ثم أحل الله تعالى لهم بعضها على لسان عيسى؛ كما قال عليه السلام: ﴿ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾.

و﴿ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ تأكيد لقوله: ﴿ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، وليبني عليه قوله: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾.

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي: اتخذوا وقاية من عذاب الله بفعل ما أمر الله به، وترك ما
نهى الله عنه.

﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾: قرأ يعقوب بإثبات ياء المتكلم «وأطيعوني»، وقرأ الباقون بحذفها، و﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ معطوف على ما قبله، أي: وأطيعوني بفعل ما آمركم به، وترك ما أنهاكم عنه.

قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾: أمر عيسى قومه بتقوى الله تعالى وطاعته، ثم بيَّن عِلة أمره لهم بذلك، وهو أن الله عز وجل ربه وربهم، يجب عليهم جميعًا تقواه وطاعته وعبادته وحده.

قوله ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ﴾: هذه الجملة تعليل للأمر بالتقوى والطاعة، أي: لأن الله ربي وربكم، فلكونه ربهم فهو حقيق بأن يتقوه جل وعلا، ولكونه رب عيسى وأرسله يقتضي تقواه وطاعة رسوله.

﴿ فَاعْبُدُوهُ ﴾ «الفاء»: للسببية، أي: فاعبدوه وحده، وفي هذا دلالة على أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية.

وفيه أيضًا تنبيه وإشارة إلى أن عيسى مع ما أُعطيه من الآيات السابقة؛ فهو كغيره من الخلق مربوب لله تعالى، خاضع، منقاد له؛ ولهذا بدأ عليه السلام بنفسه بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي ﴾.

والعبادة في اللغة: التذلُّل والخضوع لله تعالى، وهي في الشرع: اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة؛ كالصلاة، والزكاة، وبر الوالدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإخلاص لله تعالى، والمحبة في الله تعالى والبغض في الله.. وغير ذلك.

كما تُطلق العبادة على فعل التعبُّد.

﴿ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾: الإشارة إلى ما سبق في قوله: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ﴾، أي: تقوى الله تعالى، وطاعة عيسى عليه السلام، وعبادة الله تعالى هي الصراط المستقيم.

ويُحتمل عود الإشارة إلى أقرب مذكور وهو قوله: ﴿ فَاعْبُدُوهُ ﴾.

﴿ هَذَا صِرَاطٌ ﴾ أي: هذا طريق واسع.

﴿ مُسْتَقِيمٌ ﴾: عدل، لا اعوجاج فيه، يؤدي إلى السعادة في الدنيا والآخرة، وإلى الله - عز وجل - وجنته بأقصر مسافة، وأقل وقت.

[1] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (7/ 65)، والبيهقي في «سننه» (1/ 125).

[2] أخرجه البخاري في «التفسير» تفسير سورة طه (4736)، ومسلم في «القدر» (2652)، وأبو داود في «السنة» (470)، والترمذي في «القدر» (2134)، وابن ماجه في «المقدمة» (80)، وأحمد (2/ 268) (392)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] أخرجه البخاري في «اللباس» (5953)، ومسلم في «اللباس والزينة» (2111)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[4] أخرجه البخاري في «أحاديث الأنبياء» (3464)، ومسلم في «الزهد والرقائق» (2964)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #462  
قديم 14-04-2025, 11:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,120
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




فوائد وأحكام:
﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ.... ﴾



قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [آل عمران: 45 - 51].


1- إثبات وجود الملائكة ووجوب الإيمان بهم، وتكليمهم لمريم؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ ﴾.

2- بشارة الله تعالى بعيسى عليه السلام؛ لقول الملائكة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾.

3- أن عيسى عليه السلام «كلمة» من الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ﴾، وهو «كلمة الله»، كما قال تعالى: ﴿ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ﴾ [النساء: 171]؛ لأن الله تعالى خلقه بقوله تعالى: ﴿ كُنْ ﴾ من غير أب، آية من آيات الله العظيمة، ودلائل قدرته التامة؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59].

4- تسمية عيسى عليه السلام وتلقيبه بــ﴿ الْمَسِيحُ ﴾؛ لقوله تعالى: ﴿ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾.

وفي هذا ثناء من الله تعالى عليه؛ لأنه لا يمسح ذا عاهة من عمى أو برص أو غير ذلك إلا برأ بإذن الله تعالى.

5- تكنية عيسى عليه السلام بــ﴿ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾، ونسبته إلى أمه؛ لأن الله خلقه من أم بلا أب؛ لقوله تعالى: ﴿ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾؛ ولهذا يُذ كر في القرآن منسوبًا إلى أمه كثيرًا، بينما لا يُنسب غيره من الأنبياء حتى ولا لآبائهم؛ لأن في ذِكر عيسى عليه السلام منسوبًا إلى أمه تذكيرًا بعظيم قدرة الله تعالى بخلقه من أم بلا أب، فاجتمع في قوله تعالى: ﴿ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ أنواع العَلَم الثلاثة: اللقب، وهو قوله: ﴿ الْمَسِيحُ ﴾، والاسم- وهو قوله: ﴿ عِيسَى ﴾، والكُنية- وهو قوله: ﴿ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾.

6- مكانة عيسى عليه السلام، ووجاهته عند الله، وشرفه في الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾.

7- إثبات البعث والدار الآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْآخِرَةِ ﴾.

8- قُرب عيسى عليه السلام من الله تعالى في الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾.

9- تكليم عيسى عليه السلام الناس وهو صبي في المهد آية من آيات الله تعالى العظيمة، ومِنة منَّها الله تعالى على عيسى وأمه مريم عليهما السلام؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ﴾.

10- أن تكليم عيسى عليه السلام وهو في المهد كتكليمه وهو كهل من حيث فصاحته وبيانه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَكَهْلًا ﴾، وفي هذا إعلامٌ بأنه يعيش حتى يصير كهلًا.

11- أن عيسى عليه السلام من جملة الصالحين، بل ممن بلغوا الغاية في الصلاح؛ فهو أحد أُولي العزم من الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾.

12- أن الصلاح يوصف به الأنبياء والرسل كما يوصف به غيرهم؛ لأن به وبكماله يبلغ العبد غاية الإيمان، إخلاصًا لله تعالى، ومتابعة لشرعه.

13- ربوبية الله تعالى الخاصة لمريم؛ لقولها: ﴿ رَبِّ ﴾.

14- تعجب مريم عليها السلام أن يكون لها ولد ولم يمسسها بشر؛ للتثبت وزيادة الاطمئنان، وليس من باب الاستبعاد أو الإنكار أو الشك؛ لأنها مصدقة بما بشرها الله به؛ لقوله تعالى: ﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ﴾.

15- خطاب الله تعالى لمريم عليها السلام، وفيه تشريف وتكريم لها؛ لقوله تعالى: ﴿ قَالَ كَذَلِكِ ﴾.

16- قدرة الله تعالى التامة على خلق ما يشاء، سواء كان على وفق الأسباب المعتادة المعلومة، أو على خلاف ذلك، كما خلق تعالى عيسى عليه السلام من أم بلا أب، وجعله يكلم الناس في المهد؛ لقوله تعالى: ﴿ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴾.

17- إثبات صفة الخلق لله تعالى وصفة المشيئة؛ لقوله تعالى: ﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴾.

18- نفوذ قضاء الله تعالى وأمره الكوني وحدوثه بمجرد قوله تعالى: ﴿ كُنْ ﴾ دون تأخر؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾؛ لكمال قدرته وقوته.

19- مِنة الله تعالى على عيسى عليه السلام بتعليمه الكتب السابقة، والشـريعة وأسرار التشريع، والتوراة والإنجيل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴾.

20- إثبات إرسال عيسى لبني إسرائيل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾، وفي هذا ردٌّ على اليهود الذين كذَّبوا رسالة عيسى عليه السلام.

21- عموم رسالة عيسى عليه السلام لجميع بني إسرائيل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾.

22- تأييد الله - عز وجل - عيسى بالآيات الكونية؛ حيث يخلق من الطين كمثل الطير، فينفخ فيه، فيكون طيرًا حيًّا يطير بإذن الله تعالى، ويُشفي الأعمى والأبرص، ويُحيي الموتى بإذن الله، ويُخبِر بني إسرائيل بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾.

وكما قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 110].

23- إثبات ربوبية الله تعالى العامة لبني إسرائيل وغيرهم من الخلق؛ لقوله تعالى: ﴿ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾.

24- استعطاف عيسى عليه السلام لقلوب بني إسرائيل؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾، أي: من المنعم عليكم بنعمة الربوبية مما يوجب عليكم أن تُطيعوه، وتصدَّقوا رسله، ولا تعصوه.

25- في تأييد الله - عز وجل - لعيسى بهذه الآيات الكونية العظيمة التي ليست بمقدور أحد من الخلق إلا بإذن الله - عز وجل - دلالة عظيمة على كمال قدرة الله تعالى.

26- أن الله - عز وجل - قد يُبيح لحكمة فعل أمر كان في الأصل حرامًا لمن يشاء؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ﴾، فصنع تمثال على هيئة الطير حرام في الأصل، لكن لما كان بأمر الله تعالى كان مُباحًا، ومثل هذا أمر الله - عز وجل - الملائكة بالسجود لآدم؛ مع أن السجود في الأصل لا يجوز لغير الله، ومثل أمره تعالى إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام مع تحريم قتل النفس بغير حق.

27- جواز إطلاق وصف الخلق على المخلوق؛ لقول عيسى عليه السلام: ﴿ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14]، وفي الحديث أنه يُقال للمصورين: «أحيوا ما خلقتم»[1].

والخلق إذا أُضيف إلى المخلوق فمعناه: تحويل الشيء الموجود من حال إلى حال، كتحويل الخشب والحديد إلى باب... ونحو ذلك، أما الخلق بمعنى الإيجاد من العدم فذلك خاص بالله تعالى.

28- قدرة عيسى عليه السلام بإقدار الله تعالى، وإذنه له على أن يخلق من الطين كهيئة الطير، وينفخ فيه الروح فيكون طيرًا، وعلى إبراء الأعمى والأبرص وإحياء الموتى، وإخبار قومه بما يأكلون ويدَّخِرون في بيوتهم مما هو غيب لا يعلمه إلا الله أو من ارتضى من رسله.

29- إثبات الإذن الكوني والشرعي لله - عز وجل - لقوله تعالى: ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾.

30- أن عيسى عليه السلام عبد مربوب لله تعالى، لا يملك من الربوبية شيئًا كغيره من الرسل وسائر الخلق؛ لقوله تعالى: ﴿ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾، وقوله: ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ مرتين، وقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي ﴾.

وفي هذا ردٌّ على النصارى الذين يزعمون فيه المشاركة لله تعالى في الربوبية والألوهية؛ قال تعالى: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الزخرف: 59]، وقال تعالى عنه- عليه السلام- أنه قال لقومه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 51].

31- في إطلاع الله - عز وجل - عيسى عليه السلام- على ما يأكله بنو إسرائيل وما يدَّخِرونه في بيوتهم ما يُوجِب عليهم الحذر أن يأكلوا ما لا يجوز أكله، أو يدَّخِروا ما لا يجوز ادخاره.

32- تأكيد أن ما جاء به عيسى آية عظيمة، وبخاصة للمؤمنين؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾.

33- أن من شرط الإيمان التصديق بآيات الله تعالى الكونية والشرعية، وذلك أيضًا سبب للإيمان.

34- فضل الإيمان وأهله؛ لأنهم المنتفعون بالآيات دون غيرهم؛ لهذا خصَّهم بالذكر، فقال: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾.

35- تصديق عيسى عليه السلام لما سبقه من التوراة؛ فهو شاهد بصدقها، وأنها حق ومصداق ما أخبرت به من بعثته، وما جاء به موافق لما جاء فيها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ﴾.

36- تحليل عيسى عليه السلام بما جاء به من الشرع بعض ما كان محرمًا على بني إسرائيل تخفيفًا عليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ﴾.

37- جواز النسخ في الشرائع السماوية، ونسخ بعضها لبعض، فأُحِل في شريعة عيسى بعض ما كان محرمًا في شريعة موسى، وهذا من قبيل النسخ، كما نسخ بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم جميع الشرائع السابقة

38- تأكيد عيسى عليه السلام قيام الحُجة على قومه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾.

39- إثبات ربوبية الله تعالى الخاصة بأوليائه؛ لقوله تعالى: ﴿ رَبِّي ﴾.

40- تأكيد عيسى استعطاف قلوب بني إسرائيل بربوبية الله تعالى لهم؛ لقوله: ﴿ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾؛ ليتقوا الله ويطيعوه.

41- وجوب تقوى الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾.

42- وجوب طاعة الرسل عليهم السلام، وأنها من تقوى الله؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾.

43- وجوب عبادة الله تعالى وحده؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاعْبُدُوهُ ﴾.

44- أن توحيد الربوبية، والإقرار به يستلزم توحيد الألوهية؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ﴾.

45- أن عبادة الله تعالى وحده دون سواه هي الصراط المستقيم المؤدي إلى السعادة في الدنيا والآخرة، وإلى الفوز بالجنة والنجاة من النار؛ لقوله تعالى: ﴿ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الملك: 22].

[1] أخرجه البخاري في البيوع (2105)، ومسلم في اللباس والزينة (2107)، من حديث عائشة رضي الله عنها.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 88.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 86.51 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.40%)]