قوم سبأ من النعيم إلى الجحيم - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4417 - عددالزوار : 853449 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3948 - عددالزوار : 388603 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 214050 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-09-2021, 04:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي قوم سبأ من النعيم إلى الجحيم

قوم سبأ من النعيم إلى الجحيم




د. محمد جمعة الحلبوسي








الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، أحمده سبحانه وأُثني عليه الخير كلَّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبَع سنته بإحسان إلى يوم الدين.







أما بعد:



فنقف اليوم مع قصة من قصص القرآن الكريم، هذه القصة لقوم عاشوا في نعيم لم يشهده قوم قبلهم ولا بعدهم، أكرَمهم الله تعالى بنعم وخيرات لا تُعد ولا تحصى، هذه القصة خلَّدها الله تعالى في كتابه العزيز؛ لتكون عبرة موعظة ودرسًا لكل الأمة على امتداد العصور، هذه القصة تحدثت عن أهمية نعم الله تعالى وشكرها، التي قد يغفل عنها الكثير من الناس؛ ممَّا قد يؤدِّي إلى خسارتهم في الدنيا والآخرة إن لم يتداركوا أنفسهم، هذه القصة هي قصةُ قوم سبأ، ولأهميتها سَمَّى الله تعالى باسمهم سورة كاملة في القرآن الكريم، ألا وهي سورة سبأ، كل ذلك ليلفت الأنظار إليها.







فيا تُرى مَن هم قوم سبأ؟ وما قصتهم؟ وما النعم والخيرات التي أكرمهم الله بها؟ وكيف عاقبهم الله تعالى؟ هذه أسئلة أطرحها على مائدة اليوم، وسنجيب عنها بإذن الله تعالى.











أيها المسلم الكريم، قصة قوم سبأ من أشهر القصص التي ذكرت في القرآن الكريم، وتناقلتها الأجيال لما فيها من عبرة وعظة، وقوم سبأ هم قوم كانوا يعيشون في مأرب، وينتمون إلى رجل يقال له: سبأ، وهو من كبار ملوك اليمن، وهو مِن نسل قحطان، وكان رجلًا مسلمًا، وَكَانَ لَهُ شِعْرٌ بَشَّرَ فِيهِ بِوُجُودِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)[1]، وقد ذكره النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما سأله رجل عَنْ سَبَأٍ، مَا هُوَ: أَرَجُلٌ أَمِ امْرَأَةٌ أَمْ أَرْضٌ؟ فَقَالَ: "بَلْ هُوَ رَجُلٌ وَلَدَ عَشْرَةً، فَسَكَنَ الْيَمَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ، وَبِالشَّامِ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ، فَأَمَّا الْيَمَانِيُّونَ: فَمَذْحِجٌ وَكِنْدَةُ وَالْأَزْدُ وَالْأَشْعَرِيُّونَ وَأَنْمَارٌ وَحِمْيَرُ، عَرَبًا كُلَّهَا، وَأَمَّا الشَّامِيَّةُ، فَلَخْمٌ وَجُذَامُ وَعَامِلَةُ وَغَسَّانُ))[2].







وكانت أرض سبأ كانت آية من آيات الله تعالى، توصف بالجنة بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معنى، كما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [سبأ: 15].







فيا ترى ما هذه النعم التي أكرم الله تعالى بها قوم سبأ:



نعمة السد، وهذا السد يقال له: سد مَأْرِب، هذا السدُّ بُني بين جبلين عظيمين، واجتمعت فيه أودية اليمن، فصار كل شيء من السيل يأتي إلى هذا السد، ويجتمع عنده، فصار القوم يأخذون ماءهم من هذا السد العظيم الذي هداهم الله تعالى لبنائه، وصار الماء ميسورًا لهم، موجودًا في كل وقت، فمنه يشربون، ومنه يزرعون، ومنه يقضون حاجاتهم، فعندهم ماء يكفيهم طوال العام، ولا يحتاجون إلى حفر الآبار أو ينتظرون نزول الأمطار، وهذه من أعظم نعم الحياة.











نعمة الخيرات، فقد كانت أرضهم غنية بالخيرات، فهذه الزروع والثمار اليانعة، والقطوف الدانية، والفواكه الجميلة، وهذه الأنهار تجري فيها، فهم يعيشون أجمل حياة، فهي كالغابة في كثرة أشجارها وثمارها، الخير يأتيهم صباحًا ومساءً، خير لا يحتاجون للحصول عليها إلى تعب أو مشقة أو جهد كبير، لدرجة أَنَّ الْمَرْأَة كَانَتْ تَمْشِي تَحْت الْأَشْجَار وَعَلَى رَأْسهَا مِكْتَل أَوْ زِنْبِيل (السَلَّة)، فَيَتَسَاقَط مِنْ الْأَشْجَار فِي ذَلِكَ مَا يَمْلَؤُهُ مِنْ غَيْر أَنْ يَحْتَاج إِلَى كُلْفَة وَلَا قِطَاف لِكَثْرَتِهِ وَنُضْجه وَاسْتِوَائِهِ[3].











بلدة طيبة ورب غفور، ومن طيبها أن أرضها طيبة الثمار والهواء، كثيرة الخيرات والبركات، ولم تكن سبخة ولا فيها ما يؤذي، كان الهواء فيها طيبًا نقيًّا؛ حتى قال ابن الجوزي (رحمه الله) في تفسيره: "ولم يكن يُرى في بلدهم حيَّة ولا عقرب، ولا بعوضة ولا ذباب ولا برغوث، ويَمُرُّ الغريب ببلدتهم وفي ثيابه القَمْل، فيموت الْقَمْلُ لطيب هوائها"[4]، ومع كل هذه النعم التي أنعم الله بها عليهم، فهو أيضًا رب غفور؛ أي يغفر لهم ما يحصل منهم من تقصير، فقال تعالى عن هذه النعمة: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ [سبأ: 15]؛قال الامام القرطبي (رحمه الله) في تفسيره: "رَبٌّ غَفُورٌ يَسْتُرُ ذُنُوبَكُمْ، فَجَمَعَ لَهُمْ بَيْنَ مَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِمْ وَطِيبِ بَلَدِهِمْ، وَلَمْ يَجْمَعْ ذَلِكَ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ"[5].











أسفارهم سهلة وطرقهم آمنة، لاتصال العمران: كان قوم سبأ بالإضافة إلى كل هذه النعم، كانت قراهم متواصلة متقاربة، بحيث كان مسافرهم لا يحتاج في سفره إلى حمل زاد ولا ماء؛ لأنه يسير في طريق معبد يخرج من قرية ويدخل أخرى، بل حيث نزل يجد ماءً وثمرًا، ويقيل في قرية ويبيت في أخرى، فالقرى فيها متصلة، فقال الله تعالى عن هذه النعمة:﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ [سبأ: 18]، والقرى التي بورك فيها هي: بلاد الشام بإجماع المفسرين[6].











قال الامام القرطبي (رحمه الله) في تفسيره: "قال الحسن: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَخْرُجُ مَعَهَا مِغْزَلُهَا وَعَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلُهَا ثُمَّ تَلْتَهِي بِمِغْزَلِهَا، فَلَا تَأْتِي بَيْتَهَا حَتَّى يَمْتَلِئَ مِكْتَلُهَا مِنْ كُلِّ الثِّمَارِ، فَكَانَ مَا بَيْنَ الشَّامِ وَالْيَمَنِ كَذَلِكَ"[7]، فكانوا يسيرون من اليمن الى الشام التي تبعد أكثر من ألفي كليو بأمان ونعيم وجنان وطعام وشراب.








ومع كل هذه النعم والخيرات، وقرب المسافات فيما بين القرى، ويسيرون في أمن واطمئنان، إلا أنهم أعرضوا، وكفروا، وبطروا، وطغوا، فطلبوا من الله تعالى بعد أن قرب لهم قراهم أن يباعد بين أسفارهم وقالوا: ﴿ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا [سبأ: 19]، فدعوا على انفسهم، ولقد حذَّر نبينا (صلى الله عليه وسلم)، فقال: ((لا تَدْعُوا على أَنْفُسِكُمْ إلا بِخَيْرٍ، فإن المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ على ما تَقُولُونَ))[8]، وقال (صلى الله عليه وسلم): ((لا تَدْعُوا على أَنْفُسِكُمْ، ولا تَدْعُوا على أَولادِكُمْ، ولا تَدْعُوا على أَمْوَالِكُمْ؛ لا تُوَافِقُوا من الله سَاعَةً يُسْأَلُ فيها عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيب لَكُمْ))[9].







قوم سبأ سئموا الراحة، ولم يصبروا على العافية، وتمنَّوا طول الأسفار والمشقة والعذاب والكدح في المعيشة،﴿ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا [سبأ: 19]، فأرسل الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه، ويشكروه بتوحيده وعبادته، ويستقيموا على طاعته، ولكنهم أعرضوا عن توحيد الله وعبدوا الشمس من دون الله، وكذبوا الرسل، وكفروا بالنعم لدرجة أنهم كانوا يتمنون الحرمان.







فيا ترى بما عاقبهم الله تعالى؟ هل أرسل اليهم ريحًا صرصرًا عاتية؟ هل أرسل الله لهم سيدنا جبريل (عليه السلام) فجعل عاليَها سافلَها؟



لا، إنما أرسل الله تعالى إليهم الفئران بعد إن كانت قريتهم خالية من الحشرات والحيوانات المؤذية، فدخلت الفئران على السد الذي بنوه، وبدأت تنخر به وهم لا يشعرون، فقد كانوا في غفلة يلعبون ويمرحون ويتنعمون، وفجأة بدأ السد ينهار متسببًا بسيل جارف لا يقوى أحد على إيقافه، فخرب قراهم، وجناتهم، والأشجار والجداول والأنهار، وانقطعت تلك الثمار، وماتت تلك الزروع والأشجار[10]، وهذا ما قاله تعالى: ﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ [سبأ: 16].







هكذا عندما أعرَض أهل سبأ عن شكر الله تعالى وطاعته، أرسل عليهم السيل الجارف الذي اجتاح أراضيهم، فأفسد مزارعهم، وأجلاهم عن ديارهم، ومزَّقهم شر ممزق، وبدَّلهم الله تعالى بالجنان اليانعة التي كانوا يعيشون فيها، والبساتين الجميلة، والثمار الطيبة اللذيذة، بثمار مرة لا تؤكل، وتناثرت في أماكنهم الأشجار التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بدلًا من تلك الأشجار التي كانت تحمِل لهم ما لذ وما طاب، وعظُم نفعه، فالجحود والبطر يؤديان إلى الخراب والدمار، وإلى زوال النعم وتحويلها إلى نقمٍ، ثم قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ: 17].







لقد كانت قرية سبأ أحلى وأجمل وأغلى قرية في ذلك الزمان، فصارت خرابًا ودمرت تدميرًا، ومات الكثير من الرجال والنساء والأطفال، ومن بقي حيًّا ذهب في الجزيرة العربية يبحث عن مأوى، فمنهم سكن بلاد الشام، ومنهم من سكن المدينة، ومنهم في أرض فارس، تفرَّقوا وتشرَّدوا بعد الاستقرار، فصار خبرَهم أحاديثَ يتحدَّث بها الناس في مجالسهم، ويحكون ما جرى لهم.







أنا أروي هذه القصة اليوم من أجل أن أقول لكم أيها الناس: مدينة سبأ كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقُها رغدًا من كل مكان، لكنها يوم إن ابتعدت عن منهج الله تعالى، وتعدَّت حدودها، وكفرت بأنعُم الله تعالى، وخالفت شرع الله تعالى، سلب الله تعالى منها هذه النعم العظيمة.







ونحن والحمد لله اليوم مدينتنا ومحافظتنا أنعم الله علينا بالأمن والأمان، والاستقرار والإعمار، ما لم تشهده محافظة أخرى، وأصبح يُضرب بها المثل، فهذه نعم عظيمة من نعم الله علينا، يجب أن نحافظ عليها لتدوم، وذلك بالشكر لله تعالى والعمل بطاعته والابتعاد عن معصيته ومحاربته، لكن إن استخدمنا هذه النعم في محاربة الله تعالى، والجهر بمعصيته، فهي معرضة للزوال، وتذكَّروا مدينة سبأ يوم أن شكروا نعمة، أكرمهم الله بنعم عظيمة، لكنهم يوم أن كفروا بنعم الله ولم يشكروه، وتجاوز حدوده، سلب الله منهم هذه النعم، وجعلهم عبرة وعظة للناس.







فبالشكر تدوم النعم، فاشكروا الله على نعمة الأمان والاستقرار والإعمار، فتذكروا قول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7].







يقول سيدنا عمر بن عبدالعزيز: (قيِّدوا نعم الله بشكر الله)[11]، وقال الحسن البصري: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمَتِّعُ بِالنِّعْمَةِ مَا شَاءَ، فَإِذَا لَمْ يُشْكَرْ قَلَبَهَا عَلَيْهِمْ عَذَابًا)[12]، ولهذا كانوا يسمون الشكر بالحافظ؛ لأنه يحفظ النعم الموجودة، والجالب: لأنه يجلب النعم المفقودة[13].









إِذا كُنتَ في نِعمَةٍ فَاِرعَها

فَإِن المَعاصي تُزيلُ النِّعَم



وَحافِظ عَلَيها بِتَقوى الإِلَهِ

فَإِن الإِلَهَ سَريعُ النِّقَم










فلنتعاون جميعا على المحافظة على نعم الله التي أنعمها علينا، وذلك بشكرنا وطاعتنا لله تعالى، وابتعادنا عن معصيته سبحانه، أسال الله تعالى أن يحفظ مدينتنا ويجعلها مدينة مباركة تعيش برغد وأمن وأمان واستقرار، مدفوعًا عنها الوباء والفتن والمحن، وسائر أنواع البلاء، وجميع بلاد المسلمين آمين اللهم آمين.







الخطبة الثانية







الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:



فيا أيها المسلم الكريم، يستحب للمصلي أن يفصل بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال إلى مكان آخر، وأفضل الفصل هو انتقال المصلي لصلاة النافلة في بيته؛ لأن أفضل صلاة المرء في بيته؛ كما قال (صلى الله عليه وسلم): ((أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ))[14].







ودليل الفصل المذكور هو ما قال معاوية (رضي الله عنه): (إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) أَمَرَنَا بِذَلِكَ، أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ)[15].







قال الإمام النووي (رحمه الله) في شرحه لهذا الحديث: "فيه دليلٌ لِما قاله أصحابنا - يعني فقهاء الشافعية - أَنَّ النَّافِلَةَ الرَّاتِبَةَ وَغَيْرَهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ لَهَا عَنْ مَوْضِعِ الْفَرِيضَةِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَفْضَلُهُ التَّحَوُّلُ إِلَى بَيْتِهِ وَإِلَّا فموضع آخر مِنَ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِيُكْثِرَ مَوَاضِعَ سُجُودِهِ، وَلِتَنْفَصِلَ صُورَةُ النَّافِلَةِ عَنْ صُورَةِ الْفَرِيضَةِ، وَقَوْلُهُ: (حَتَّى نَتَكَلَّمَ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا يَحْصُلُ بِالْكَلَامِ أَيْضًا، وَلَكِنْ بِالِانْتِقَالِ أَفْضَلُ لِمَا ذكرناه، والله أعلم"[16].







والحِكْمَة من الفصل بين الفريضة والنافلة في الجمعة وغيرها: لتمييز إحداهما عن الأخرى، وتكثير مواضع السجود، لأجل أن تشهد له يوم القيامة، كما سبق في كلام الامام النووي (رحمه الله).







وقال الامام الرملي من فقهاء الشافعية (رحمه الله): "يُسَنُّ أَنْ يَنْتَقِلَ لِلنَّفْلِ أَوْ الْفَرْضِ مِنْ مَوْضِعِ فَرْضِهِ أَوْ نَفْلِهِ إلَى غَيْرِهِ؛ تَكْثِيرًا لِمَوَاضِعِ السُّجُودِ، فَإِنَّهَا تَشْهَدُ لَهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ الْبِقَاعِ بِالْعِبَادَةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، فَصَلَ بِكَلَامِ إنْسَانٍ"[17].







وينبغي التنبيه على أن الوصل بين ركعات صلاة التراويح لا يدخل في هذه الأمر؛ لأن المقصود به الفصل بين الفريضة وبين النافلة.







فعلى المصلي أن يفصل بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال إلى مكان آخر.







نسأل الله تعالى لنا ولكم الحفظ، والسلامة، والعافية من كل داء، وحسن الختام، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.







[1] ينظر: البداية والنهاية لابن كثير: (2/ 158).



[2] أخرجه أحمد في مسنده: (5/ 75)، برقم (2898)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.



[3] تفسير القرآن العظيم لابن كثير: (6/ 448).



[4] زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي: (3/ 494).



[5] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (14/ 284).



[6] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية: (4/ 415).



[7] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (14/ 289).



[8] صحيح مسلم، كتاب الجنائز، بَابٌ فِي إِغْمَاضِ الْمَيِّتِ وَالدُّعَاءِ لَهُ إِذَا حُضِرَ: (2/ 634)، برقم(920).



[9] صحيح مسلم، كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ، بَابُ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَقِصَّةِ أَبِي الْيَسَرِ: (4/ 2304)، برقم (3009).



[10] تفسير القرآن العظيم لابن كثير: (6/ 448).



[11] عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم: (ص: 120).



[12] الشكر لابن أبي الدنيا: (ص: 11).



[13] عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم: (ص: 120).



[14] مسند أحمد، مسند الأنصار- حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: (35/493)، برقم (21624)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.



[15] صحيح مسلم، كتاب الجمعة - بَابُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ2/ 601)، برقم (883).



[16] شرح النووي على صحيح مسلم: (6/ 170-171).



[17] نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي: (1/ 551-552).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.91 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]