معادن الناس - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213624 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-09-2021, 06:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي معادن الناس

معادن الناس (1)

د. أمير بن محمد المدري




الحمد لله مُعزِّ من أطاعه واتَّقاه، ومُذلِّ مَن خالف أمره وعصاه، قاهر الجبابرة وكاسر الأكاسرة، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له لا يذل من والاه ولا يعز من عاداه، ينصر من نصره ويغضب لغضبه ويرضى لرضاه، أحمده سبحانه وأشكره حمدًا وشكرًا يملأان أرضه وسماه، إلهي:







كُلُّ اجتهادٍ في سواك مُضيَّع

كُلُّ كلامٍ لا بذكرك آفات



وكُلُّ اشتغال لا بحبك باطلٌ

وكُلُّ سماعٍ لا لقولك زلات



وكُل وقوف لا لبابك خيبةٌ

وكل عكوف لا إليك جنايات



وكل اهتمام دون وصلك ضائعُ

وكل اتجاه لا إليك ضلالاتُ



وكل رجاء دون فضلك آيس

وكل حديث عن سواك خطيئات








وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه ومصطفاه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين ولكل من نصره ووالاه.








﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].







عباد الله، سنقف وإياكم مع معادن الناس، فالناس تختلف معادنُهم، وتختلف ميولُهم، وتختلف طبائعُهم وصفاتهم وسلوكياتهم، وصدق النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم القائل كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارُهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقِهوا، والأرواح جنودٌ مجندة، فما تعارف منها ائتلَف، وما تناكر منها اختلف».







نعم، الناس معادن، فمنهم السهل المنبسط اللين السهل، ومنهم الصعب المنقبض الشديد، منهم الشجاع الجريء المقدام، ومنهم الجبان العاجز الخوار.







منهم الكريم السخي ومنهم البخيل الشحيح، منهم السمح الصفوح ومنهم المستقصي شديد الخصومة، منهم المُتأني الصبور الحليم ومنهم الأحمق الغضوب المُتسرع، منهم المتواضع ومنهم المستكبر.







كلما استقام الإنسان على دين الله علمًا وعملًا وقولًا وفعلًا وباطنًا وظاهرًا، طابت صفاته وطبائعه وأخلاقه، وبذلك تغلب عليه صفة الملائكة طُهرًا وعفةً وصفاءً ورفعة.







كلما بعُد الإنسان عن الدين، وتمرَّد عليه وفرَّط في أحكامه، خبُثت نفسه، وساءت أخلاقه، حتى تغلب عليه صفة الوحشية؛ كالقتل والاعتداء والحقد، ويُصبح معدنه من أخبث المعادن.







وعندما ينقاد الإنسان لرغبات النفس الأمَّارة بالسوء، ويَغرق في الشهوات المحرَّمة، تَغلب عليه صفة البهائمية الحيوانية؛ كالدناءة والخِسَّة والمكر والخديعة الخيانة.







وعندما يتمكَّن من الإنسان حبِّ الشر والفساد في الأرض، ويُصبح همُّه إشاعة الفاحشة، والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، والصد عن سبيل الله، والعداوة لدينه، ومحاربة أوليائه، تغلب عليه صفة الشيطانية.







عباد الله، الناس يختلفون في توارُث الصفات والأخلاق، فمنهم الصالح الذي يأتي من ذريته الصالح والفاسد؛ كابني آدم هابيل وقابيل، ومنهم السيئ الذي يأتي من بعده خلف صالح كأزر صانع الأصنام ابنه خليل الرحمن، ومنهم الصالح يأتي من بعده خلفٌ سيئ كنوح عليه السلام، وابنه كنعان كافر، ومنهم الصالح وخلفه صالح كداود وابنه سليمان.







ومنهم السيئ يَخلُفه مثله جيلًا بعد جيل؛ كالكفار من قوم نوح؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [نوح: 27].







وهذا لوط عليه السلام، لكن زوجته معدنها خبيث وغير مؤمنة، وهذه آسية بنت مزاحم الطاهرة المؤمنة وزوجها الطاغية فرعون الذي قال: أنا ربكم الأعلى.







وهذا عكرمة بن أبي جهل صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأبوه مَن أبوه فرعون هذه الأمة أبو جهل عمرو بن هشام.







وهذا صفوان بن أمية صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أبوه أمية بن خلف، ومحمد سيد الطيبين، وعمه الهالك أبو لهب.







عباد الله، تعالوا بنا لنقف ونتأمل إلى معادن الناس في القرآن الكريم سنجدهم تسعة أصناف، ثمانية منهم رديئة خبيثة، وصنفٌ واحد هو الصنف المؤمن الطيب الطاهر النفيس.







أما المعادن الخبيثة الثمانية، فقد جاءت في القرآن في سياق الذم والتحقير والتهديد والوعيد.







لماذا؟ لأنهم حملوا الخبث في قلوبهم وأعمالهم وحياتهم، ومصيرهم دارٌ تَحمِل كلَّ خبائث الدنيا، جهنمُ وبئس القرار.







والدنيا جمع الله فيها الطيب والخبيث وهي كالمنخل لمعادن بني آدم، فيظهر ويتميز المعدن الطيب والنافع والمعدن الخبيث.







فيجمع الله الطيبين كلهم في دار الطيبين الجنة، ويجمع الله الخبيثين في دار الخبيثين النار؛ قال تعالى: ﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأنفال: 37].







أما المعادن الثمانية:



فالصنف الأول: من الناس المنافق الكاذب، من يعيش على النفاق والخداع والكذب؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة: 8 - 10].







الصنف الثاني: من الناس من هو واقع في أشد أنواع الظلم؛ حيث يساوي حبه لله سبحانه وحبه لغيره، فيكون بذلك قد اتَّخذ من دون الله أندادًا؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة: 165].







أما المؤمنون، فحبُّهم لله لا يساويه أيُّ حبٍّ، ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة: 165] أما الظالمون فسيرون عاقبة ظلمهم هذا، ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة: 165].







الصنف الثالث: من الناس مَن هو مضطرب سريع التقلب، ضعيف الإرادة، يخشى الناس أكثر من خشية الله، فلا يضحِّي من أجل ربه ولا دينه، ولا يثبت على إيمانه؛ قال تعالى:







﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت: 10].







الصنف الرابع: مِن الناس من هو مُجادل مغرور جاهل، مُعرض عن هدى الله، مُتبعٌ لكل شيطان من الإنس والجن، فهو مع شرع الله ودين الله مُجادل مماري مُخذِّل، ومع الباطل والشيطان نصيرٌ مُستجيب ومؤيدٌ؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ [الحج: 3].







﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ [الحج: 8].







الصنف الخامس: من معادن الناس من هو عبدٌ لشهوته مُتبعٌ لهواه؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [لقمان: 6].







فتراه ينشغل بذكر المخلوقين وأخبارهم عن ذكر الخالق وآياته.







يلهو بالأغاني والملاهي عن طاعة الله وعبادته، بل ربما يمضي الساعات الطويلة يُقلب الجوال أو القنوات الفضائية، لا لفائدة ولا لمنفعة، بل للهو والحرام؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لَيَبِيتَنَّ أقوامٌ من أمتي على أكل ولهو ولعب، ثم ليُصبحنَّ قردةً وخنازيرَ»؛ [صحيح الجامع].







بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.







الخطبة الثانية



الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشانه، واشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وأصحابه وجميع إخوانه.







أما بعد عباد الله، فالصنف السادس: من معادن الناس من هو عبدٌ للدنيا فالدنيا عنده الهدف والغاية وميزان السعادة والشقاوة، حتى لو أن أحدهم سأل الله أو دعاه، تراه لا يسأل إلا للدنيا ومتاعها؛ قال تعالى: ﴿ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة: 200].







وقال صلى الله عليه وسلم: «تَعِس عبدُ الدنيا، تعس عبدُ الدرهم، تعس عبدُ الخميصة، تعس عبدُ الخميلة إن أُعطي رضي، وإن لم يُعطَ سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش»؛ [رواه البخاري].







الصنف السابع: من الناس من هو ماكر مخادعٌ مغرور، ثعلبٌ ماكر وجبانٌ، حاقد يتحيَّن الفرصة؛ ليطعن من وراء الظهر، يَعشِق إثارة الفتن، ويسعى للتخريب والإفساد في الأرض، والعجيب أن يُقسم الإيمان المُغلظة أن ما يقوله بلسانه هو الذي في قلبه وكذب، قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ [البقرة: 204].







والله العليم الخبير ببواطن الأمور يَفضَح حقيقة حاله وأمره، فيقول: ﴿ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة: 204]، لا يرى الناس من معسول كلامه ووعوده سيئًا؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة: 205].







وهو في نفس الوقت مُعجبٌ بنفسه مغرور مُستكبر لا يتقبل النصح، ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ [البقرة: 206].







إلى أين مصيره ومآله: ﴿ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة: 206].







الصنف الثامن: من الناس من هو نفعي خوَّار يتلوَّن بحسب الظروف والمصالح الشخصية العاجلة، يدور مع المادة حيث دارت، تراه عند وجودها يتظاهر بالصلاح وكأنه ولي من أولياء الله، مُحب ومُؤيد للصالحين، وعند تعرُّضه للنقص والحرمان المادي، سرعان ما ينقلب على وجهه عن الدين وأهله لماذا؟







لأنه يعبد الله على حرف، فتأمل قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الحج: 11].







عباد الله، هذه هي المعادن الخبيثة التي ذكرها الله في كتابه الكريم.



ما مظاهرهم ما هي علاماتهم؟



أولًا: عقيدتهم فاسدة وأعمالهم خبيثة، وقد ضرب الله لذلك هذا المثل؛ قال تعالى: ﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ [إبراهيم: 26].







ثانيًا: قلوبهم تشمئز عند ذكر الله، وتستبشر عند ذكر غيره؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر: 45].







ثالثًا: قسوة قلوبهم وتحجُّرها، وذلك لكثرة معاصيهم وذنوبهم؛ قال تعالى: ﴿ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 16].







وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 74].







رابعًا: يَميلون مع شهواتهم المحرمة، لا يَهنؤون بالحلال الطيب، لا يرتاحون ولا يطمئنون إلا بالحرام؛ قال تعالى: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [النور: 26].







وقال تعالى: ﴿ الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور: 3].







خامسًا: نفوسهم خبيثة وقلوبهم مريضة، يكرهون الطيبات وأهلها، فيؤثرون ويُحبون الخمر النجسة والأطعمة الخبيثة، والمال الخبيث على الطيبات؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 90].







سادسًا: ومنصفاتهم أنهم يسخرون من أهل الإيمان والفضيلة، ويضحكون منهم كلما وجدوا فرصة لذلك؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين: 29].







سابعًا يعملون للهدم والفساد، فيأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويبخلون بأموالهم في الخير؛ قال تعالى: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة: 67].







ثامنًا: ينفقون الكثير من الأموال لكن للمباهاة والسهر واللهو واللعب، فأستاذهم في ذلك إبليس؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: 27].







اللهم أصلِح القلوب والأعمال، وأصلح ما ظهر منا وما بطن، واجعلنا من عبادك المخلصين.








اللهم إنا نعوذ بك من الغواية والضلالة، اللهم ثبِّتنا على دينك، اللهم آمنَّا في أوطاننا. اللهم أصلِح الأئمة وولاة الأمور، اللهم خُذ بنواصينا إلى ما تُحب وترضى، وزيِّنا برحمتك بالبر والتقوى، واجعلنا من عبادك المهتدين.

هذا وصلوا - عباد الله - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].


اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14-09-2021, 06:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معادن الناس

معادن الناس (2)


د. أمير بن محمد المدري



الحمد لله ذي الفضل والإنعام وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلاَّم.


وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيد الأنام اللهم، صلَّى وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ما تعاقبت الشهور والأعوام، أما بعد أيها المسلمون:
فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فبها تتحقق الخيرات وتحصُل المسرَّات، وتُكشف الكربات.


لا زلنا وإياكم مع معادن الناس في القرآن الكريم، وعرَفنا أنهم في القرآن تسعة أصناف، ثمانية منهم رديئة خبيثة، وصنفٌ واحد هو الصِّنف المؤمن الطيب الطاهر النفيس.


وقفنا مع أصحاب المعادن الخبيثة الرديئة، ولا زلنا مع تلك المعادن التي أصبحت قلوبهم وعقولهم أوعية للنفايات، ونفوسهم خربة مريضة، تأبى الحق وترفض الخير، وتَنفِر من سماعه، وتشمئز من ذكر الله؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر: 45].


هذه المعادن أصبحت ترى القبيح حسنًا والحسن قبيحًا، والخبيث طيبًا والطيب خبيثًا؛ قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [فاطر: 8]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 104].


وقد شبَّههم الله عز وجل بالذي يمشي مُكِبًّا على وجهه لا يدري أين المصير والمآل والمنتهى؛ قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك: 22]، وقال عنهم: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة: 18].


وقد ذكر الله في كتابه أمثلة لهذه المعادن الخبيثة، فمنهم:
أولًا: قوم لوط ومن سار على شاكلتهم الذين فسدت أخلاقهم، وخبُث معدنهم، وانقلبت موازينهم، فاعتبروا الطهر والعفاف جريمةً عقوبتُها الطرد والإبعاد، وأعلنوا الحرب على نبيهم ومَن معه، فقالوا كما قال تعالى: ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ [النمل: 56].


ما جريمتهم ما ذنبهم؟ ﴿ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [الأعراف: 82].


فنجَّى الله نبيه لوطًا والمؤمنين أهلَ الطُّهر والعفاف، وكانت عاقبة المجرمين الشواذ من جنس عملهم؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ [هود: 82].


فكل مَن نَهَجَ نَهْجَ قوم لوط، وعمِل عملهم، فهو ملعون مطرود، إلا أن يتوب ويعود إلى الله، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به»؛ [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي].

وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعَن الله مَن ذبح لغير الله، ولعن الله من غيَّر تخوم الأرض، ولعن الله مَن كَمَهَ أعمى عن السبيل، ولعن الله من سبَّ والدَيه، ولعن الله من تولَّى غيرَ مواليه، ولعن الله من عمِل عملَ قوم لوط، قالها ثلاثًا في عمل قوم لوط»؛ [صححه ابن حبان «4417»، والحاكم «4/356»، وذكره الألباني في صحيح الترغيب «2421»].


ثانيًا: قوم شعيب الذي طفَّفوا في المكيال والميزان، وبخسوا الناس أشياءهم، وغشوا في معاملاتهم؛ قال لهم نبيُّهم كما قال تعالى: ﴿ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ [الشعراء: 181].


ماذا كان رد القوم الظالمين؟ ﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ [الأعراف: 88].


عجيب فالإيمان بالله ومحبة المؤمنين جريمة في نظر الظالمين عقوبتها الطرد والإبعاد.


ثالثًا: وممن انقلبت عندهم الموازين المنافقون، فراحتهم وسعادتهم: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، والعجيب أنهم يُسمُّون إفسادهم إصلاحًا وهدمَهم بناءً؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة: 11].


والواقع مليء بالأمثلة على انتكاس القيم وقلب الحقائق، والصدق كذب والكذب صدق، والأمين خائن الخائن أمين.



فكم من عفيفٍ طاهر داعٍ إلى الفضيلة تآمر عليه أهل الرذيلة، ومنعوه حقوقَه، وحارَبوه في رزقه، واتهموه بما ليس فيه، وكذبوا إنها نفس المدرسة القارونية والفرعونية واللوطية، التاريخ يعيد نفسه.


وكم من إنسان مُنحل تاركٌ لزوجته الحلال الطيبة، مشمئزًّا منها، باحثًا عن الحرام الجيفة النتنة، مُتهمًا الناصح له بالحسد.


وكم من مُكتسب اللقمة الملوثة الحرام، تراه متلذذًا بها مُتفاخرًا أمام الآخرين بمغامراته في الاحتيال والرشوة.


وما كثُرت عصابات السرقة والاحتيال إلا لأننا ضيَّعنا حدود الله التي فيها الحياة والأمن والأمان.


وكم من إنسان - رجلًا كان أو امرأة - وهبه الله مالًا، والمال خير، فبطَر واغترَّ، وأفسد به قلبه وجوارحه ودينه ودنياه، وأصبح ماله حطبًا ووقودًا له في النار.


قال تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ [الهمزة: 1- 6].


وهؤلاء الذين جمعوا المال والثروة، ومنعوا حقَّ الله فيه، فحوَّلوه بذلك من نعمة إلى نقمة؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة: 34].


ومثل ذلك من وهبه صوتًا جميلًا، فافتتنَ به وسخَّره للشر، فأنسى به الناس عن ذكر الله، قال تعالى: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ [الإسراء: 64].


فهذا أحد المشهورين في الغناء يدخل على مسرح امتلأ بالمعجبين، وبدأ يغني وهم يستمعون ويرقصون، وبينما هو يغني ترنح قليلًا وسقط فحرَّكوه، فإذا هو قد مات؛ الله المستعان، يُبعث المرء على ما مات عليه.


﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة: 19].


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «ما من قومٍ يقومون من مجلسٍ لا يذكرون الله تعالى فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة يوم القيامة»؛ [صحيح الجامع].


الله الله عباد الله في أعماركم وأوقاتكم، اغتنموها بالطاعة والذكر والقرآن، تفوزوا في ذلك اليوم: ﴿ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 88- 89].


أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
♦♦ ♦♦ ♦♦

الخطبة الثانية
الحمد لله حمد الشاكرين لنعمه وآلائه، وأُصلي وأسلِّم على خير خلق الله الرحمة المهداة محمد صلوات ربي وسلامه عليه.


وبعد عباد الله، كم من أُناسٍ وهبهم الله قوة وشجاعة، فاستخدموها في الظلم والعدوان، وأكل أموال الناس بالباطل، أو ضحُّوا بها في سبيل شهواتهم ونزواتهم.


يا الله طهِّرنا وطهِّر قلوبنا ونفوسنا من كل سوء وفحشاء يا رب العالمين.


كم من إنسانٍ وهبه الله فطنة وذكاءً وفصاحة وقلمًا، فاستعمل كل ذلك في النفاق والتلبيس على الناس، وقلب الباطل حق والحق باطل.


كم من إنسان وهبه الله وجاهة ومنصبًا، فطغى وتجبَّر وتكبَّر وظلم، ولم يحمد الله ولم يتواضع له، بل نسي أو تناسى أن المسؤولية أمانة، وأنها حسرة وندامة يوم القيامة، إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه منها.


فهؤلاء جميعًا شوَّهوا نعمة الله ودنَّسوها، واستخدموها في الحرام، فصدق فيهم قول الله: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [إبراهيم: 28].


عباد الله، هذه المعادن الخبيثة وصفهم الله بأقبح الصفات ومثلهم بأسوأ الأمثال.


وصفهم الله بأنهم كالدواب والأنعام، همهم المأكل والمشرب والمتاع، فهم كذلك بل أضل منها، أما الدواب والأنعام، فهي لا تعصي الله ولا تنسلخ من فطرتها كما يفعل الإنسان الظلوم الجهول؛ قال تعالى: ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان: 44].


وقال تعالى: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الجمعة: 5].


ومنهم من يسمع الموعظة والذكرى فيفرُّ منها، وشبَّههم الله في ذلك كالحمير الفارَّة من الأسود.


قال تعالى: ﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً * كَلَّا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ [المدثر: 49- 53]، وشبَّههم الله جل جلاله بالكلاب في دناءتها وقذارتها، وضيق صدرها، وذلك مثَل من انسلخ من آيات الله بعد أن اهتدى بها، ولم ينتفع بعلمه، بل اتَّبع هواه، وأخلَد إلى الدنيا، فهو يلهث كالكلب وراء شهواته وأطماعه؛ قال تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف: 175، 176].


ومثَّلهم بالخُشُب المسنَّدة؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون: 4].


ومثَّلهم بالأحجار في قسوتها وانعدامها إلى الإحساس والشعور؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 74].


قال أنس بن مالكرضي الله عنه: «أربعٌ من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا».


اللهم أصلِح القلوب والأعمال، وأصلح ما ظهر منا وما بطن، واجعلنا من عبادك المخلصين.


اللهم إنَّا نعوذ بك من الغِواية والضلالة، اللهم ثبِّتنا على دينك، اللهم آمِّنَّا في أوطاننا، اللهم أصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم خُذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى، وزيِّنا برحمتك بالبر والتقوى، واجعلنا من عبادك المهتدين.



هذا وصلوا - عباد الله - على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].


اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14-09-2021, 06:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معادن الناس

معادن الناس (3)


د. أمير بن محمد المدري




الحمد لله الولي الحميد المبدئ المعيد الفعَّال لِما يريد، أحاط بكل شيءٍ علمًا وهو على كل شيء شهيد، سبحانه أقرب للإنسان من حبل الوريد، أحمَده سبحانه على فضله المديد، وأشكُره طالبًا بشكره من فضله المزيدَ، وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له، ولا ضد ولا نديد، شهادةً ندَّخرها لهول يومٍ يشيب من هوله الوليد، ونرجو بها النجاة من نار شديدة حرُّها شديد وقعرها بعيد، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، خُلاصة العبيد، أفضل داعٍ إلى الإيمان والتوحيد، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه في كل وقت وحين، أما بعد:


فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى واعلموا أنَّ المعاصي تُخرِّب الديار العامرة، وتزيل نُعماها، وتُورث الخزي في الدنيا والآخرة، فاحذَروا سوءَ عُقباها، ولا تغتروا بدار الغرور، فقد آن والله فناها، وبادروا بالتوبة الصادقة قبل أن تُؤخذ النفوس بطغواها، وزكُّوا النفوس بالأعمال الصالحة، فقد أفلح من زكَّاها، وقد خاب مَن دنَّسها بالمعاصي ودسَّاها.


عباد الله، وقَفنا مع المعادن الخبيثة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وعرَفنا صفاتهم ومظاهرهم وتوجُّهاتهم وأهدافهم، والله تعالى حكمٌ عدلٌ لا يظلم مثقال ذرة، ولكن الناس أنفسهم يظلمون.


ومن عدله جل جلاله مكافأة المحسن ومجازاته بالحسنى، وزيادة ومعاقبة المسيء على معصيته، ما لم يرجع إلى الله، ويتُب إلى الله توبةً نصوحًا قبل أن تبلغ الروح الحلقوم؛ قال تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [يونس: 26].


وقال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم: 31].


وقال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: 46].


وفي الحديث الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: «يا عبادي إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثم أُوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه»؛ [رواه مسلم عن أبي ذر].


عباد الله، تعالَوا بنا نتأمَّل في أبرز مشاهد أصحاب المعادن الخبيثة أثناء رحلتهم من الدنيا إلى الآخرة، وهي مشاهد تقشعر لها القلوبُ، ويشيب لها الولدان.


فهؤلاء الذين تراكمت عليهم أوساخ الذنوب وأدران المعاصي، فعرَّضوا أنفسهم لغضب الجبار، وأبغضهم أهل السماوات والأرض، ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان: 29].


ولقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أقسام الناس بعد الموت، فقال: «مُستريح ومُستراح منه، العبد المؤمن يستريح مِن نصَب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر تستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب»؛ [رواه مسلم عن أبي قتادة].


كيف يكون مصيرهم وما جزاؤهم؟
أولًا: يخرجون من الدنيا إلى سخط الله وغضبه، وتخرُج أرواحهم كأنتن جيفة، فيقال للنفس الخبيثة عند نزع الروح؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «اخرُجي أيتها النفس الخبيثة في الجسد الخبيث، اخرُجي ذميمةً، وأبشري بحميمٍ وغسَّاق»؛ [رواه أحمد وإسناده صحيح].


وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: «فيقولون اخرُجي ساخطة مسخوطًا عليك إلى عذاب الله عز وجل، فتخرج كأنتن ريح جيفة»؛ [رواه النسائي].


وعند الموت تضرب الملائكة وجوهَهم وأدبارهم؛ قال تعالى: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ [محمد: 27].


ما الحكمة من هذا الجمع بين الوجه والدبر؟ سبحان الله المدخل خبيث والمخرج خبيث الوجه الذي ما استحيى من الله، والفم الذي تخرج منه الكلمات الخبيثة والسب والشتم واللعن والاستهزاء والكبر، هو مثل الدبر في الخبث.


ثانيًا: وفي القبور ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد العاصي المنافق «يأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، مُنتن الريح، فيقول: أبشِر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعَد، فيقول: مَن أنت فوجهُك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث».


أنا أوزارك، أنا سيئاتك، أنا أكلك للحرام، أنا قطعك للصلاة، أنا لسانك الخبيث.


فيقول: ربِّ لا تُقم الساعة».


ثالثًا: ويوم القيامة يكون للمجرمين علامات خاصة بها يُعرفون؛ قال تعالى: ﴿ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ [الرحمن: 41].


وجوههم التي كانت بيضاءَ جميلة ناعمة، تسود وتصبح كأنها قطعٌ من الليل مظلمًا؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [يونس:27].


وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر: 60].


يحشُرهم الله تعالى يوم القيامة زُرقًا، على وجوههم غبرة ترهقها قترةٌ؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [طه: 102].


وقال تعالى: ﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس: 40 - 42].


يُسقون من طينة الخبال وما أدراكم ما طينة الخبال، إنها عصارة أهل النار، ويُسقون من ماء صديد، وهو القيح الذي يخرج من جروح أهل النار، ومن فروج الزناة والزواني؛ قال تعالى: ﴿ وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم: 15 - 17].


وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف: 29].


والزناة والزواني رآهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم في شر حال؛ قال صلى الله عليه وسلم: «ثم انطلقا بي، فإذا بقوم أشد شيء انتفاخًا، وأنتنهم ريحًا، كأن ريحهم المراحيض، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزانون والزواني»؛ [رواه النسائي والحاكم – السلسلة الصحيحة].


عباد الله، المتكبرون المستكبرون المغرورون يُقال لهم يوم القيامة: ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف: 20].


ويقول صلى الله عليه وسلم: «يُحشَرُ المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان»؛ [رواه الترمذي «9 /1203،1204» أبواب صفة القيامة وقال: هذا حديث حسن صحيح، وحسَّنه الألباني في الجامع].


وعن أَبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «احْتجَّتِ الجنَّةُ والنَّارُ، فقالت النَّارُ: فيَّ الجبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ، وقَالتِ الجَنَّةُ: فيَّ ضُعفَاءُ النَّاسِ ومسَاكِينُهُم فَقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُما: إِنَّك الجنَّةُ رحْمتِي أَرْحَمُ بِكِ مَـنْ أَشَاءُ، وَإِنَّكِ النَّارُ عَذابِي أُعذِّب بِكِ مَنْ أَشَاءُ، ولِكِلَيكُمَا عَلَيَّ مِلؤُها»؛ [رواه مسلم].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الرب العظيم، الرؤوف الرحيم، ذي الفضل العظيم، والإحسان العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الكريم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه، ومَن تبِعهم في هديهم القويم، أما بعد عباد الله:
فلا تغرَّنَّكم كثرةُ المعرضين والهالكين من المعادن الخبيثة، فالغالب من أول ما خلق الله الأرض إلى قيام الساعة خبيث غير مؤمن بالله، والمعروف لدى الجميع أنَّ المعادن النفيسة والدرر والجواهر الثمينة، قليلة بينما التراب والأحجار والنفايات كثيرة، كذلك الحال في معادن الناس.


تأملوا في كتاب الله، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف: 179].


وقال تعالى حكاية عن إبليس: ﴿ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 62].


وقال: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [الحجر: 40].


وقال: ﴿ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف: 17].


وفي المعاملات بين الناس قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ [ص: 24].


وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116].

وقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 8].


وقال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].


سبحان الله، كم عُشَّاق الأغاني والرقص والمجون والتمثيل واللهو واللعب، وكم عُشَّاق القرآن والسنة النبوية؟


كم عشاق الفروج والبطون والشهوات المحرمة؟ وكم المحبين للذكر والصلاة والطاعة؟


كم عشاق وأنصار الكرة والملاعب الرياضية بشتى أنواعها؟ ولسْنا ضد الرياضة، بل إنها أمرٌ محمود ومأمور به في ديننا، ولكننا نرفض التهويل والمبالغة، وجعلها غاية بدلًا من أن تكون أداة لبناء شباب الأمة، تُصبح أداة لتضييعهم وإلهائهم، وشغْلهم عن رسالتهم وقضايا أمتهم.


وفي المقابل عباد الله، كم روَّاد المساجد في الصلوات الخمس، وكم الحريصون على حِلَق الذكر؟


كم الدعاة إلى الله المصلحون والمدافعون عن الدين، والساعون في مجالات الخير والأعمال الصالحة؟


كم ضعفاء النفوس من المتملقين والمنافقين والمصفقين للباطل؟


ومع كل هذا فالنصر والتوفيق والسداد والراحة حليف الثلة المؤمنة الطاهرة والمعادن الطيبة؛ لأن الله عز وجل وعد بذلك، فقال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97].


والمعادن الخبيثة والنفوس الزائغة ولو علَت وارتفعت، وملَكت، فهم في معيشةٍ ضنكٍ، فلا يغرَّنَّك يا عبد الله كثرة المعرضين، فهم الهالكون وأنت بإذن الله ناجٍ.


اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول أو فعلٍ أو عملٍ، ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى، ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا نعلمه ونستغفرك لِما لا نعلَمه.



اللهم هيِّئ لنا من أمرنا رشدًا، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم اختِم بالصالحات أعمالنا واجعَل خيرَ أيامنا يوم لقائك.



اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 14-09-2021, 06:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معادن الناس

معادن الناس (4)


د. أمير بن محمد المدري



الحمد لله الرحيم الغفار مُقلِّب القلوب والأبصار، ومقدِّر الأمور كما يشاء ويختار، خلق الشمس والقمر بحسبان ومقدار، وجعلها مواقيت في هذه الدار، حكمةٌ بالغة من عليمٍ ذي اقتدار، أحمَده وأشكره، وفضله على من شكره مدرار، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له مُقدِّر الأقدار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأخيار.



﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آلعمران: 102]، أما بعد عباد الله:
فبعد أن وقفنا وتأمَّلنا المعادن الخبيثة والرديئة الهالكة في كتاب الله تعالى، نبدأ اليوم العيش مع المعادن الطيبة النفيسة، وهم على نوعين من الناس على تفاوت بينهما، حد أعلى وحد أدنى، وفي كل خير.


ففي المستوى الأول: قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [البقرة: 207].

وهذه الآية تفيد المنزلة العالية والدرجة الرفيعة التي وصل إليها من خلُص معدنهم لله عز وجل، فباعوا كل ما عندهم ليشتروا ما عنده.


والمستوى الثاني: من هذا المعدن الطيب هو الذي جمع بين حسنة الدنيا وحسنة الآخرة، وسعى لمصالح الدنيا والآخرة، وجعل همه الأكبر أولًا وأخيرًا النجاة من النار، وتأمل هذا في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].


ومثل هذا التفاوت في المستوى تجده في قوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير واحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير).


وتأملوا عباد الله حديث أطيب الناس وأصدقهم وخيرهم وأحسنهم، فيما روي عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان»، قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل، ولا حسد»؛ [ابن ماجه بإسناد صحيح].


وصاحب المعدن الطيب النفيس لا يُقاس ولا يوزن بالشكل والمظهر، وإنما بالجوهر والمخبر، وتأمل هذا في قوله صلى الله عليه وسلم: «رُب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره»، [صحيح مسلم (2622)، سنن الترمذي (3854 )].


ولأن معدن الإيمان هو أنفس المعادن، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم من يريد الزواج بأن يظفر بالمعدن الطيب المرأة ذات الدين، فقال: «تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»؛ [أخرجه البخاري في النكاح [5090]، ومسلم في كتاب الرضاع [1466].


وأطيب الناس معدنًا هو محمد صلى الله عليه وسلم، ثم الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ثم حواريهم وأنصارهم، ثم من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


عباد الله، أصحاب المعادن الطيبة هم أنفس المعادن وأزكاها، ولذلك هم قليلون كما ذكرنا في الجمعة الماضية، وتأمل هذا في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يقول: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: ابعث بعث النار، فيقول: وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحد إلى الجنة، فحينئذ يشب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها فيقال: إن فيكم أمتين، ما كانتا في شيء إلا كثرتاه، يأجوج ومأجوج »؛ [انظر صحيح البخاري مع الفتح 8 / 441 في تفسير سورة الحج، وصحيح مسلم في كتاب الإيمان، باب بعث النار].


وأصحاب المعادن الطيبة المباركة هم غرباء لقلتهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: «بدأ الدين غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء»؛ [أخرجه مسلم في كتاب الإيمان [145] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].


وفي بعض الألفاظ: قيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: « الذين يصلحون ما أفسد الناس، أو يصلحون إذا فسد الناس»؛ [هذا اللفظ أخرجه الآجري في صفة الغرباء من المؤمنين (ص19-20)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفي سنده أبو إسحاق السبيعي وقد عنعن، ولكن له شواهد يتقوى بها، انظر: تخريج بدر البدر لصفة الغرباء.]


عباد الله، معادن أهل الإيمان والطهر والعفاف والإحسان، ما أوصافهم وأخلاقهم وأحوالهم؟
لقد شبههم النبي صلى الله عليه وسلم بستة أمثلة أو تزيد:
الأول: شبههم المصطفى كالذهب في الصفاء والجودة، كما في صحيح الجامع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم: «إن مثل المؤمن كمثل القطعة من الذهب نفخ فيها صاحبها فلم تتغير ولم تنقص»؛ [أخرجه أحمد « 2 / 199 »وهو في السلسلة الصحيحة" 5 / 360].


الله أكبر هكذا المؤمن لا تزيده الفتن والابتلاءات إلا صبرًا وثباتًا وبريقًا ولمعانًا.


ثانيًا: المؤمن كالنحلة قال صلى الله عليه وسلم: « والذي نفس محمدٍ بيده، إن مثل المؤمن مثل النحلة أكلت طيبًا ووضعت طيبًا، وان وقعت لم تكسر ولم تفسد»؛ [أخرجه أحمد « 2 / 199»، وهو في السلسلة الصحيحة " 5 / 360 ].


سبحان الله المؤمن حياته كلها طيبة، أكله طيب لسانه طيب، أعماله طيبة مَيتته طيبة.


ثالثًا: المؤمن كالجمل قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن كالجمل الأنف إذا انقيد انقاد، وإذا أنخته على صخرة استناخ»؛ [السلسلة الصحيحة 2 / 648]، فالفظاظة والغلظة والجفاء, لا تتناسب أبدًا مع خيرية المسلم, ولا مع طبيعة الإيمان.


والجمل معروف عنه أنه لا يأتي أُمه، ولا يجامع أنثاه أمام الناس كما تفعل الحيوانات الأخرى، وهذا من أنفَته.


والمؤمن عزيز أنف مستعلٍ بإيمانه، متواضع صبور ينقاد للخير وأهله، ويتحمل المشاق في مرضاة الخالق سبحانه، وفي نفع العباد.


رابعًا: المؤمن كالأترجة قال صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب»؛ [صحيح الجامع].


خامسًا: المؤمن خيرٌ من أكثر من مائة مثله، فالمؤمن في وزنه وفضله ومنزلته عند الله، خيرٌ من مائة من مثله؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لا نعلم شيئًا خيرًا من مائة مثله إلا الرجل المؤمن»؛ [السلسلة الصحيحة].


سادسًا: المؤمن كالنخلة جاء في صحيح الجامع عن عمر بن رزين رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «مثَل المؤمن مثل النخلة ما أخذت منها شيء نفعك»، وهكذا المؤمن أينما حل نفع، وقال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المؤمن «قال هي النخلة».


والنخلة كلها منافع: ثمارها متنوعة، وجريدها يُصنع منه الحصير والحبال والليف، وغير ذلك، ومن جذوعها وسوقها أعمدة وسقوف للمباني.


تأمل قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم: 25].


عباد الله، تلك أمثالهم وأما أحوالهم فأربعةُ أحوال:
أولًا: مفاتيح للخير مغاليق للشر؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إن من الناس ناسًا مفاتيح للخير ومغاليق للشر، وإن من الناس ناسًا مفاتيح للشر ومغاليق، فطوبى لعبد جعله الله عز وجل مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، وويلٌ لعبد جعله الله مفتاحًا للشر مغلاقًا للخير»؛[رواه ابن ماجه وحسنه الألباني].


وقال صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم من يُرجى خيره ويُؤمن شره، وشركم من لا يُرجى خيره ولا يؤمن شره»؛ [رواه احمد من حديث أبي هريرة].


ثانيًا: حُسْن أخلاقهم أخرج الإمام أحمد وأبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي قال صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن ليُدرك بحسن خلقه درجات الصائم والقائم»، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن حسن الخلق أثقل ما يوضع في الميزان، وإن صاحبه أحب الناس إلى الله وأقربهم من النبيين مجلسًا».


وقال صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره».


ثالثًا: صبرهم على البلاء؛ روى البخاري عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح، تصرعها مرة وتعدلها مرة، حتى يأتيها الأجل، ومثل المنافق كمثل الأَرزةِ المجدية التي لا يُصيبها شيء، حتى يكون انجعافُها مرة واحدة».


رابعًا: صيتهم وذكرهم، روي في صحيح الجامع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «ما من عبدٍ إلا وله صيتٌ في السماء، فإذا كان صيته في السماء حسنًا وضع في الأرض حسنًا، وإذا كان صيته في السماء سيئًا، وضع في الأرض سيئًا».


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى آله وأصحابه وجميع إخوانه، وبعد عباد الله:
فالمعادن الطيبة الزكية تلك أمثالهم وأحوالهم أما صفاتهم:
أولًا: كلامهم طيب وقولهم سديد، اسمعوا ماذا يقول الله عنه؛ قال تعالى: ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ [الحج: 24]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون: 3]، وقال تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان: 63]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [الأحزاب: 70]، وقال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا [الإسراء: 53].


وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن باللعّان ولا بالطعّان ولا بالفاحش البذيء»؛ [رواه أحمد والترمذي وهو في السلسلة الصحيحة«320»].


ثانيًا: طابت أقوالهم وأعمالهم فطابت حياتهم؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97].


ثالثًا: طابت معيشتهم وطابت أرزاقهم؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة: 172].


رابعًا: حياتهم الزوجية طيبة؛ قال تعالى: ﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [النور: 26]، وقال تعالى: ﴿ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء: 3].


خامسًا: ذريَّتهم طيبة؛ فهذا نبي الله زكريا يدعو ربه أن يهب له ذرية طيبة؛ قال تعالى: ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران: 38].


سادسًا: إنفاقه طيب جاء من كسبٍ طيب؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة: 267].


سابعًا: تحيَّتهم طيبة، فهي السلام والله هو السلام، ومنه السلام، تبارك وتعالى ذو الجلال والإكرام.


قال تعالى: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [النور: 61].


ثامنًا: صحبتهم ومجالسهم طيبة، مجالسهم يفوح منها المسك؛ لأنها معطرة بذكر الله والصلاة على رسول الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مثلُ الجليس الصالح كمثل العطّار إن لم يعطك من عطره أصابك من ريحه»؛ [صحيح الجامع].


تاسعًا: يختارون أطايب الكلام؛ روى الإمام أحمد والطبراني بأسانيد صحيحة أن رسول الله قال صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، اسمعوا واعقلوا واعلموا أن لله عز وجل عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يَغبطهم النبيون والشهداء على منازلهم وقُربهم من الله»، فجثا رجل من الأعراب من قاصية القوم، وألوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ناسٌ من المؤمنين ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم، انْعَتهم لنا يا رسول الله، فسُرَّ وجه الرسول بسؤاله، فقال: «هم أناسٌ من بلدان شتى ومن نوازع القبائل، لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها، فيجعل وجوههم نورًا وثيابهم نورًا، يفزَع الناس ولا يفزعون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون».


وفي رواية: "يجتمعون على ذكر الله ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل التمر أطايبه»، وعنأبيمالكالأشعريرضي الله عنه عنالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنفيالجنةغُرفًا يُرىظاهرهامنباطنها، وباطنهامنظاهرها، أعدَّهااللهلمن أطاب الكلام وأطعمالطعام، وأفشىالسلام، وصلىبالليلوالناسنيام»؛ [رواه أحمد «5 /343» والبيهقي في شعب الإيمان، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم 2119].


اللهم طهِّر ألسنتنا من الكذب والغيبة والنميمة، وقلوبنا من النفاق والغل والغش، والحسد والكبر والعجب، وأعمالنا من الرياء والسمعة، وبطوننا من الحرام والشبهة، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.


هذا وصلوا عباد الله على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 14-09-2021, 06:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معادن الناس

معادن الناس (5)


د. أمير بن محمد المدري






الحمد لله رب العالمين عالم الخفيات وفاطر السماوات، يُدبر الأمر يُفصل الآيات تُسبح بحمده الأرض والسماوات، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، غِنى كل فقير، وقوة كل ضعيف، ومَفزع كلِّ ملهوف، مَن تكلَّم سمِع نُطقه، ومن سكت علمَ سرَّه، ومن عاش فعليه رزقُه، ومن مات فإليه منقلبه، من أقبل إليه تلقاه من بعيد، ومن أعرض عنه ناداه من قريب، ومَن ترك من أجله شيئًا، أعطاه فوق المزيد، ومن أراد رضاه أراد ما يريد.


وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا محمد المصطفى والرسول المجتبى صلى الله عليه وعلى آله ومن اقتفى، أما بعد:
فيا أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل القائل: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة: 281]، اتقوا يومًا الوقوف فيه طويل والحساب فيه ثقيل.


عباد الله، وقفنا وعشنا مع المعادن الطيبة، تأملنا في صفاتهم وأحوالهم، فحياتهم طيبة وأعمالهم طيبة وعيشتهم طيبة.


ما الذي طيَّبهم؟ ما الذي طهَّرهم؟ إنها الإعمال الصالحة؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97].


نعم عباد الله، إنها الأعمال الصالحة التي طيبت حياتهم، بين أيدينا ثمانية مطهرات ومكفرات، وأول هذه المُكفرات والمُطهرات:
الصلاة فهي أعظم المطهرات للإنسان من الذنوب؛ قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت: 45].


ثانيًا: الوضوء فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: «أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلى يا رسولَ اللَّهِ. قَالَ: «إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ»؛ [رواه مسلم].


واعلموا عباد الله أنه لا يحافظ على الوضوء إلا المؤمن؛ جاء في صحيح مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده حتى تخرُج من تحت أظفاره».

ثالثًا: من المطهرات والمُطيبات الزكاة، فقد جعلها الله كذلك؛ قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103].


رابعًا: الصيام، فالحكمة من الصيام هي التقوى التي هي الطهارة من كل الشرور؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183].


خامسًا: من المطهرات الحج والعمرة، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفُث ولم يفسُق، رجع كيوم ولدته أمه».


وقال صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبثَ الحديد والذهب والفضة»؛ [صحيح الجامع].


سادسًا: من المطهرات والمكفِّرات ذكر الله وتلاوة القرآن، وحضور مجالس العلم والتسبيح والتهليل، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء، قيل: وما جلاؤها يا رسول الله، قال: ذكر الموت وتلاوة القرآن».


وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ للقلوب صدأ قيل فما جلاؤها يا رسول الله، قال: جلاؤها الاستغفار»؛ [معجم الطبراني الأوسط].


سابعًا: من المُطهرات والمُكفرات الدعاء، وأفضله وأرجاه دعاء القرآن، ثم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فمن دعاء القران: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23].


﴿ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان: 66].



ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم أصلِح لي ديني الذي هو عصمةُ أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كلِّ خيرٍ، واجعل الموت راحةً لي من كل شرٍّ»؛ [أخرجه مسلم].


«اللهم اغسِل قلبي بماء الثلج والبرد، ونقِّ قلبي من الخطايا كما نقَّيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعِد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب».


ثامنًا: وأخيرًا من المطهرات والمكفرات الرضا بالقضاء، والصبر عند البلاء، فكل هذا مما يكفر الله به الخطايا ويرفع الدرجات.


قال صلى الله عليه وسلم: «ما يُصيب المسلم من وصَب ولا نصَب حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه»؛ [متفق عليه].


عباد الله، من أسماء الله الحسنى «العدل»، فالله يجازي الناس بأعمالهم، فالجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان.


فالمعادن الطيبة عاشوا عيشة طيبة، وعمِلوا أعمالًا طيبة، وغرسوا في حياتهم ثمارًا طيبة، فالله يجازيهم بأحسن ما كانوا يعملون.


قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: 46].


﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء: 7].


فرحلة المؤمنين إلى الله رحلة طيبة.


عند الموت يتوفاهم الله طيبين؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32].


قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ *فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ﴾ [الواقعة: 89].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى آله وأصحابه وجميع إخوانه.


وبعد عباد الله، أهل الإيمان، المعادن الطيبة، عند الموت يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأس المؤمن، فيقول: يا أيتها النفس الطيبة، اخرُجي إلى مغفرة من اللـه ورضوان، فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة مِن في السِّقَاء فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، فيخرج منها كأطيب نفحة مسكوجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه به في الدنيا.


أما في القبر، فيثبتهم الله تعالى، ويفتح لكل واحدٍ منهم نافذة إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجلٌ حسنُ الوجه حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشِر بالذي يسَّرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، أنا صلاتك، أنا صيامك، أنا صدقتك، أنا فعلك للخيرات، ويوم القيامة هم وفد الرحمن؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾ [مريم: 85].

وهم يوم القيامة تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله؛ كما جاء في الحديث.


وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي».

وأخيرًا الطيبون ختامهم ومآلهم ونهايتهم دار الطيبين الجنة؛ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلًا، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضًا».


أما وجوههم، فيظهر عليها علامات البشر والبهجة والفرح والسرور؛ قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23].


﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ [عبس: 38، 39].


﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ﴾ [المطففين: 22 - 25].


أمَّا استقبالهم، فتستقبلهم الملائكة بالترحيب والتهاني وتتلقاهم بالسلام والتحية، وتشهد لهم بطيب أنفسهم وأعمالهم؛ قال تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [الزمر: 73].


أما أزواجهم، فأزواجٌ طيبة مطهرة من كل سوء، وهنَّ الحور العين مع أزواجهم المؤمنات؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران: 15].


أما لباسهم، فيكسوهم الله في الجنة أطيب الثياب والحلي والأساور؛ قال تعالى: ﴿ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف: 31].


أما طعامهم، فقد قال تعالى: ﴿ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴾ [الطور: 22].

وقال تعالى: ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا [الإنسان: 21]، ومع هذا كله فالجنة ليس فيها لغوٌ ولا تأثيم ولا جزع، ولا غل ولا حسد؛ قال تعالى: ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا ﴾ [الواقعة: 25].

إنها الحياة الطيبة التي لا ينغِّصها مرضٌ ولا خصومة؛ قال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47].


عبد الله، وبعد هذا التطواف مع معادن الناس في القرآن والسنة، أقول لك أخي الحبيب:
لعل معدنك من أطيب المعادن، لكن الذي يُخفي طيب معدنك هو غفلتك وعدم اهتمامك بنفسك، أو أنك تعيش في بيئة سيئة، أو تجالس صحبة سيئة، والجوهرة مهما كانت ثمينة وجميلة وهي موضوعة في مكان خبيث، فلن تصفو ولن يظهر جمالُها ولو غسلناها بأطنان من الماء، إلا إذا أخرجناها من ذلك المكان الخبيث إلى مكان طيب.


فإن كنت حريصًا يا عبد الله على طيب معدنك، فعليك بالآتي:
أولًا: اهرب من البيئة السيئة إلى البيئة الصالحة، ولا تنسَ أخي قصة الذي قتل مائة نفس، فقيل له: اخرُج من القرية الخبيثة إلى القرية الصالحة، فغفر الله له.


ثانيًا: اهجُر رُفقة السوء واصحَب أهل الخير والصلاح.


ثالثًا: اشرب من ينابيع القرآن بالتلاوة المتدبرة، وتعلَّم السُّنة.

رابعًا: تعاهَد نفسك وقلبك وجوارحك بالتزكية والتطهر بالطاعة والذكر ومجالس الذكر.


خامسًا: أكثِر مِن ذكر الله، وحافِظ على الصلاة في أوقاتها، ولتكن في أغلب أحوالك على وضوء.


اللهم تبْ علينا توبة صادقة نصوحًا، اللهم اغفر لنا وارحَمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، سبحانك اللهم وبحمدك، نستغفرك ونتوب إليك، أشهد أن لا إله إلا أنت، وصلِّ الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 185.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 181.81 كيلو بايت... تم توفير 3.74 كيلو بايت...بمعدل (2.02%)]