الإصلاح التربوي في الوطن العربي من مقومات النهوض - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         نظرات في مقال جنون العظمة: حين ترى نفسك إله (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3921 - عددالزوار : 379843 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4388 - عددالزوار : 837552 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11970 - عددالزوار : 192244 )           »          سحور اليوم العشرين من رمضان.. سلطة فلافل سهلة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 692 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 1004 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 1159 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 883 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 869 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس

ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-09-2021, 04:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,712
الدولة : Egypt
افتراضي الإصلاح التربوي في الوطن العربي من مقومات النهوض

الإصلاح التربوي في الوطن العربي من مقومات النهوض
د. مولاي المصطفى البرجاوي





يمثل الإصلاح التربوي الواعد رؤية تعكس فلسفة وفكرًا، يراد تجسيدهما على أرض الواقع لتحقيق أهداف متفق بشأنها وغاياتها، ولسنا بحاجة إلى أن نذكر أن الإصلاح التربوي لا يمكن تصوره أو تنفيذه في فراغ؛ ففي حين أن بالإمكان إدخال بعض التجديدات الثانوية نسبيًّا، كتغيير هندسة الأبنية المدرسية، أو تغيير الجدول الدراسي اليومي، دون الحاجة إلى الرجوع إلى سياق اجتماعي أوسع، فإننا نجد أن أي إصلاح يمس جوانب أخطر شأنًا، يكون بطبيعته جزءًا من مجموعة معقدة من العلاقات المتبادلة في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنظام التعليمي.

فالتغيرات التي تمس سياسة اختيار المعلمين وتعيينهم وتدريبهم وشروط عملهم من شأنها أن تؤثر على مكانهم في سوق العمالة، مع ما يستتبعه ذلك من آثار بالنسبة إلى التنقل وتغيير الوظيفة … كذلك فإن الإصلاحات التي تتم في محتوى التعليم تعكس، سواء عن قصد أو غير قصد، التغيرات التي تطرأ على الفكرة التي يكونها المجتمع عن مستقبله، كما أن للتغيرات التي تحدث في النظم التعليمية آثارَها فيما يتصل بالانتفاع بفرص التعليم، والاختيار، والحراك المهني، ومن ثم فهي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا ببنية الوضع الاجتماعي وطموح الأفراد، ثم إن ما يحدث من تغيير في رصد الموارد لمختلف مراحل التعليم (كتخصيص مزيد من الاعتمادات للتعليم الابتدائي والأساسي، وتخصيص موارد أقل للتعليم العالي)، أمر يرتبط بالأولويات الاجتماعية العامة، وبأنماط العمالة…[1]

في هذا السياق يميز أحد الباحثين التربويين[2] بين نوعين من الإصلاح: الأول جزئي، والثاني نسقي - منظومي:
أ‌- الإصلاح الجزئي: يتجه إلى مراجعة وضعية المنهاج الدراسي، أو وضعية الشُّعب بغية ملاءمتها مع تغيرات سوق الشغل... كما يحدث في العديد من النظم التعليمية في أوربا وبلدان أخرى في آسيا واليابان.

ب‌- الإصلاحات النسقية - المنظومية: تهم هذه الإصلاحات البلدان النامية التي تعاني فيها النظم التعليمية من اختلالات بنيوية، ومن أزمات كبرى، سواء في بنيتها الداخلية من حيث الأغراض والمرامي، أو على صعيد المحتويات والمناهج الدراسية، أو من حيث مخرجاتها تشبع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بالخريجين من المعاهد والجامعات، ومستوى قدرة الاقتصاد على تشغيلهم، وبالتالي تحقيق اندماجهم الاجتماعي والثقافي.

وأن أي إصلاح تعليمي - حسب لويس لوغران[3] - ينبغي أن يتضمن خمس مراحل أساسية:
تحديد الأهداف،
تحديد افتراضي للنماذج التي تمكن من بلوغ هذه الأهداف المحددة،
تجريب وتقويم النماذج،
تقويم تكويني مستمر لتعميم النماذج.

فالإصلاح التربوي عمومًا عملية تخطيطية وفلسفة تربوية، لا تركز فقط على تغيير هندسة الأبنية والزمن البيداغوجي والقضاء على كل أشكال الهدر المدرسي، ورفع نسبة التمدرس، بل هو عملية دينامية نسقية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتحول المجتمعي الشامل بهدف تحقيق تنمية مندمجة ومنفتحة على جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بعيدة عن المزايدات والضيق الأيديولوجي، الذي يعطل كل عملية الإصلاح، كما بينت مختلف التجارب والمشاريع الإصلاحية، ويتأتى ذلك من خلال المقومات التالية:
1- التربية المجتمعية: اختلف الباحثون والمفكرون في تحديد علاقة التربية بالمجتمع، فمنهم من رأى أن التربية هي الوسيلة الوحيدة لاستقرار المجتمع وأنظمته وقيمه وأوضاعه الاجتماعية، بينما رأى فريق آخر أن التربية وسيلة لإصلاح المجتمع وتحسينه وتقدمه وتطوره [4]..

ومهما يكن هذا الاختلاف، فعملية البناء القيمي ليست مسؤولية مؤسسة اجتماعية بعينها أو منهج دراسي بعينه، ولكنها مسؤولية كل من له علاقة بعملية التربية، سواء في إطار الأسرة أو المدرسة أو أي مؤسسة في أي مجال، وعلى أي مستوى؛ فالتربية تسعى إلى تحقيق العمل النافع اجتماعيًّا، والتعامل بين أفراد المجتمع من أجل الصالح العام، كما تعمل التربية على غرس مبادئها في نفوس أفراد المجتمع، وتخطط في ضوئها أسس العلاقات الإنسانية الطيبة بين أفراد المجتمع، ويقع على عاتق التربية بناء القيم عن طريق إعداد أجيال قادرة على تحمل المسؤولية، والإسهام بإيجابية في النهوض بأنفسهم والارتقاء بمجتمعهم[5]...

والإصلاح لا ينبغي أن يظل قاصرًا على النمو الكمي للمتعلمين أو المؤسسات أو التجهيزات، بل على ما تحمله الزيادة في العدد من تطور نوعي حقيقي، ولنا في روسيا خير مثال، فإنها كانت تفاخر العالم بأنها تضم أكبر عدد من الأطباء قياسًا إلى الساكنة، إلا أنها مع ذلك تعاني النسبة المرتفعة للوفَيَات داخل مركز العلاج بسبب استفحال خطر السلوك البيروقراطي، وفساد الضمير المهني، وتفشي المحسوبية والرشوة، وهيمنة ذلك على مرافق الحياة كلها، حتى بين أسرة المرضى، مما أدى إلى ضعف فاعلية الطب، وهزم مشروع الدولة في محاربة المرضى.

في نفس الوقت حققت دول أخرى نموًّا بسرعة كبيرة، وذلك راجع في المقام الأول إلى فضائل الانضباط والإخلاص والإرادة الوطنية التي تحلى بها الأفراد، وشجعت واعتنت بها التربية، ونسوق لذلك اليابان، التي أصدر إمبراطورها عام 1890 مرسومًا حول التربية، ألح فيه على الدور الأخلاقي وفضائل الصدق والورع والاقتصاد، والنشاط الضروري من أجل ازدهار الإمبراطورية، فكانت الوظيفة الأخلاقية للتعليم أكثر أهمية من الوظيفة الاقتصادية، لكن الاثنين امتزجا معًا لكي يسهلا تحويل البلاد"[6].

2- الإرادة السياسية: فالتعليم في أغلب البلدان العربية يخضع لأهواء السياسيين، وفي ظهور العديد من المخططات ذات الطابع الاستعجالي بين الفينة والأخرى، وعلى إثر صعود كل حكومة أو إسناد مهام وزارة التربية الوطنية والتعليم لهذا الوزير أو ذاك، مما يجعلنا أمام برامج تعليمية مختلفة من حكومة إلى أخرى، ودون توحيد الرؤى والتصورات.. وكلنا - نحن المغاربة - نتذكر ما قام به وزير التربية الوطنية "محمد الوفا" بتوقيف العمل بـ "بيداغوجيا الإدماج" بجرة قلم، رغم الميزانية الضخمة التي رصدت لها! دون طرح بديل بيداغوجي وتربوي..

فالجرأة السياسية في الإصلاح تتجلى من تبني إصلاح شمولي تتقاطع فيه القمة بالقاعدة والعكس؛ إذ كيف يمكن لإصلاح أن يجد سكته الصحيحة، في ظل الشعارات: من قبيل "مدرسة النجاح"! في وقت يتم فيه التركيز على الكم بدل الكيف، وتشجيع الانتقال الميكانيكي من مستوى دراسي إلى آخر وفق ما يسمى بالخريطة المدرسية دون أن يحصل المتعلم على المعدل المتوسط، ودون أن يمتلك حتى الكفايات الأساسية (القراءة والكتابة...).

وفي هذا السياق تطرح جملة من الإشكالات العالقة:
كيف يمكن لإصلاح تربوي أن يتحقق في ظل الهجمة الشرسة على المدرس، وتشويه سمعته في المنابر الإعلامية الرسمية.. في وقت نجد دولًا أخرى - التي تتوخى الإصلاح فعلًا - تضع المدرس في قائمة السلم الاجتماعي (اليابان وألمانيا

أنى لإصلاح تربوي أن يتحقق في مشروع يجعل المدرس في الهامش، وآخر من يعلم بالتعديلات والتغيرات المزمع إدخالها على المنظومة لإخراجها من عنق الزجاجة، ليقتصر دوره فقط على تنفيذ المنهاج الدراسي؟

أنى لإصلاح تعليمي أن يتحقق في ظل "برتوكولية" وشكلية تكوين المدرسين؟

أنى لإصلاح أن يتحقق في ظل الظروف المزرية التي يعيشها المدرس في العالم القروي، مما ينعكس سلبًا على المراحل الموالية في التعليم للمتعلمين؟

في الوقت الذي نجد شروط وظروف العمل مشحونة ومتوترة (الاكتظاظ، العنف المدرسي، افتقار المدارس إلى بعض الضروريات الأساسية: التدفئة في الأقسام، تنزيل مذكرات بشكل غير معلن ودون سابق إعلان، تطبيق ما يسمى بالمواد التعليمية المتآخية لسد النقص الحاصل في بعض المواد الدراسية، رغم أن إلمام المدرس بمادة أخرى هزيل، مما ينعكس سلبًا على التحصيل الدراسي...)، نجد المسؤولين مشغولين بسجالات لا تنتهي، مثلًا مشكلة التدريس: العربية أم الدارجة أم الأمازيغية أم الفرنسية أم الإنجليزية... وغيرها من القضايا الأيديولوجية التي تفرق أكثر مما تجمع حول معالجة الأزمة في شموليتها!

إن إصلاح المنظومة التربوية يتطلب إرادة سياسية صادقة، والإرادة الصادقة تقتضي التدبير الشفاف لمختلف مشاريع الإصلاح، والتدبير الشفاف يستلزم ربط المسؤولية بالمحاسبة بإجراء تقييم لمختلف العمليات السابقة ونشرها للعموم لكي يتاح لكل مواطن الاطلاع على النتائج التي تمخضت عنها ليدرك أنه معني بالإصلاح، شأنه في ذلك شأن باقي مكونات المجتمع؛ لأن التعليم شأن مجتمعي، وليس شأنًا قطاعيًّا فحسب[7].

3- إعادة الاعتبار للمدرس وتأهيله: تعد مهنة التعليم من أرقى المهن في جميع المجتمعات، ولا شك أن المعلم هو الركيزة الأساسية لانطلاق وتطور الأمة في جميع مجالات الحياة، لكن - للأسف الشديد - في زماننا هذا تراجعت هيبة وكرامة المدرس، وأصبح أيقونة للاستهزاء والسخرية، وذليلًا مهانًا من طرف مجتمعه، فاقدًا قيمته بين متعلميه، لدرجة بلغت معها الجرأة حد الاعتداء عليه جسديًّا ولفظيًّا...


إن المدخل الأساس لأي إصلاح تعليمي لا بد أن يضع في الحسبان تأهيل المدرس، فإذا لم تقوم العملية التعليمية - التعلمية على مدرس مؤهل تأهيلًا رفيعًا، وتم تكوينه تكوينًا متينًا، ضاعت كل الجهود المبذولة؛ إذ إن المدرس الفعال هو من يجعل من المتعلم مفكرًا ومبدعًا في العلوم التي تلقاها، وبها يتفاعل مع مجتمعه ويطوره، كما يحاول المدرس أن يغرس في النشء حب المساهمة في حل مشكلات مجتمعه بطريقة فعالة مبتكرة، ويؤهله أن يصبح شخصية ذات أنماط متعددة ومتوازنة، منها القدرة على القيام بالمسؤولية، واحترام الآخر في إطار التبادل الأخوي للآراء والأفكار، بعد تنمية قدراته، وتحصيل معلوماته، وصقل مهاراته الأساسية التي تؤهله إلى القيام بهذه المهمات العملية في الواقع[8].

وإلى جانب تأهيل المدرس، ينبغي تحسين وضعيته المادية، حتى لا يشتت ذهنه وعطاؤه بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي، وقد أدركت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" أن إحدى اللبنات الأولى والأساسية في تعليم وتنشئة ألمان صالحين هي المعلم، برفع رواتبهم لتفوق رواتب الأطباء والمهندسين.. وبالرغم من تعالي أصوات معارضة ومنددة تطالب بزيادات مقابلة فإن ميركل ردت بجواب شاف واف: "كيف لي أن أساوي بينكم وبين هؤلاء الذي علموكم والذين تقع على عاتقهم مهمة تربية الأجيال الألمانية القادمة؟!".

الربط بين التربية والتعليم: في هذا المجال تبدو الهوة واسعة بين النظرية والتطبيق في موضوع إصلاح التعليم، لقد اختزلوا التربية (Education) في مجالاتها الواسعة في التمدرس (schooling) في عملياته المعرفية الضيقة، ومن ثم جفت ينابيع التربية في ثقافتها الحياتية وقيمها الاجتماعية وغاياتها الإنسانية، وأصيبت المدرسة بعلل تسللت إليها من مجتمعات مريضة، روجت لها ثقافة الميديا، وروعها العنف والترهيب (Ballying)، وتعاطي المخدرات، والتحلل الجنسي، لدرجة يغتصب فيها الكثير من الأطفال في الروض وفي المدارس، وتلد سفاحًا طالبات في التعليم الثانوي بنسب تتزايد، وتكثر في المدارس وفي المجتمع ظاهرة "الأمهات العازبات"[9].

لهذا؛ فالمدرسة التي تركز على التعليم وتغفل البعد التربوي تنهار! لذا لا بد من تضافر الجهود وتكثيف التنسيق بين مختلف الفاعلين والمتدخلين (المدرسين، والمتعلمين، وأولياء الأمور، والهيئات الإدارية، والإعلام، والأسرة...)، لإعادة الاعتبار للمدرسة التي أضحت وكرًا لإنتاج أكبر المجرمين بدل أكبر المبدعين... وهذا ليس قدحًا في مدرستنا - صحيح أنها ما تزال تخرج طاقات، ولكن في الآن نفسه تنتج المخربين والمشاغبين - بحكم المذكرات الوزارية[10] التي تقلل من شأن المدرس، وترفع من شأن المتعلم، فتقلب الموازين، وتضيع الوظائف.. فتنهار القيم السامية للمدرس، فيزداد العنف المدرسي، والبُعد اللاأخلاقي، فتهدر الكرامة، وتتراجع نكوصًا المكانة السامقة والهيبة للمعلم...

4- التطوير الذاتي للمناهج وتجاوز البيداغوجية التابعة: إن إشكاليات الأزمة التربوية تدفع إلى اقتباس النماذج التربوية دون الانتباه إلى الفروق الاجتماعية والثقافية بين المجتمعات، مما يجعله يتصور حلًّا لمشكلة غير موجودة، بل مستعارة، وهذا كثيرًا ما يقع فيه الباحثون في مجتمعات العالم الثالث، فينقلون حلولًا جاهزة لمشكلات مخالفة تمامًا عن واقعها الاجتماعي، مما يجعلها ترفض ولا تنجح[11].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-09-2021, 04:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,712
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإصلاح التربوي في الوطن العربي من مقومات النهوض


وقد شبه "حسن أوريد" (المفكر والمؤرخ المغربي) استيراد نماذج الإصلاح الأجنبية للتعليم باستيراد حافلة من الخارج، يقودها سائق وبجانبه ميكانيكي يعرف جيدًا قطع محرك الحافلة، لكنه ليس بالضرورة أن يعرف السياقة والوجهة التي تقصدها الحافلة، بينما يجب على السائق أن يتقن السياقة ويعرف الوجهة التي يريد بلوغها.

كما شبه جبران خليل جبران هذا النموذج الاستيرادي بتصوير بليغ بقوله: "قلد الغرب الشرق بحيث مضغ وحول الصالح مما اقتبسه إلى كيانه، أما الشرق فإنه اليوم يقلد الغرب فيتناول ما يطبخه الغربيون ويبتلعه دون أن يحوله إلى كيانه، بل إنه على العكس يحول كيانه إلى كيان غربي، فيبدو أشبه بشيخ هرم فقد أضراسه، أو بطفل لا أضراس له"، وهذا طبعًا ما أثر على منهاجها التربوي الذي اقتبس كل النظريات التربوية والمناهج الدراسية حذو القذة بالقذة، دون أن يطورها ويتجاوزه، بل يقف في منتصف الطريق...


5- الاهتمام بالبحوث والدراسات الميدانية - التربوية: تتنوع البحوث التي يمكن الاستعانة بها للمساهمة في تطوير المنظومة التربوية، ولعل من أبرزها:
بحوث التشخيص (Recherches - Diagonistic): وهي البحوث التي تنجز خاصة لتشخيص وضع معين، ولتحديد الحاجات أو المشاكل أو المتغيرات التي يجب الانطلاق منها في بناء برامج تكوين مستمر تستجيب لها، إما بتدعيمها أو تفاديها.

بحوث التدخل (Recherches - Action): التي يقع الاعتماد عليها في إطار التدخل أثناء القيام بإنجاز برامج تكوينية معينة، وذلك من أجل التعرف على مختلف المشكلات التي تواجه هذه البرامج عمليًّا وعلى أرض الواقع التطبيقي، وما تقدمه من إنجاز، وما تحققه من مردودية، وذلك بهدف تطوير ما هو مفيد وإيجابي فيها، وتفادي ما هو سلبي وغير مفيد؛ ولذلك تسمى أيضًا عند بعض الباحثين ببحوث التطوير (Recherches - Développement)؛ لأنها - في غايتها الأساسية - تستهدف تطوير وتنمية الممارسة.

وهذه البحوث، كما يستأنس بها في إطار التكوين المستمر، يستأنس بها أيضًا في إطار مختلف الممارسات التربوية والاجتماعية الأخرى، كأن يتدخل الباحث مثلًا في ممارسة التوجيه المدرسي والمهني، أو في ممارسة التخطيط التربوي، ليكشف عبر هذه الدراسات التدخلية عن مواطن الضعف ومواطن القوة، وعن الجوانب الإيجابية والجوانب السلبية في هذه الممارسة، بهدف تطوير هذه الجوانب الإيجابية، وتجنب الجوانب السلبية.


بحوث التقويم (Recherches - Evaluation): وهي التي ترمي إلى القيام بتقويم تتبعي تكويني، أو جزئي خاص، أو إجمالي عام، أو مؤسساتي أعم وأشمل، وذلك توخيًا لقياس مدى المردودية أو النجاعة المطلوبة في برنامج أو مخطط أو نظام تكويني ما محدد في الزمان والمكان، ومرتبط بأهداف تنموية واجتماعية معينة[12].


6- الاهتمام بالكفاءات التربوية والعلمية المحلية: إذ يتم الاعتماد على الخبرة الأجنبية في إيجاد بعض الحلول التي غالبًا ما لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية والجهوية والوطنية، لا من حيث الإمكانيات المادية والمالية المتوفرة، ولا من حيث المتغيرات السوسيو - الثقافية والسوسيو اقتصادية للمجتمع، مما يجعل الحلول المقترحة حبرًا على ورق، لا تجد طريقها نحو التنفيذ والتقويم، شأنها في ذلك شأن المقاربات البيداغوجية المعتمدة، التي في ظاهرها شيء من التربية الحديثة، وفي باطنها عمليًّا كثير من التربية التقليدية المعتمدة على الحشو والتلقين في غياب التجهيزات التربوية والمعدات الديداكتيكية [13]...

من جهة أخرى، رغم أن المغرب، يزخر بكفاءات علمية وتربوية مهمة، يتم غالبًا الاستنجاد بخبراء أجانب، كما هو الشأن بالنسبة للخبير التربوي البلجيكي "كزافيي روجيرس" الذي حاول تعميم التدريس ببيداغوجيا الإدماج بالمغرب، لكن التجربة باءت بالفشل.

7- الرفع من الدعم: حيث خلصت منظمة اليونسكو إلى أن هناك تباينًا بين الدول العربية على مستوى الإمكانيات المادية، مثلًا هناك فرق بين الدول البترولية التي تخصص ميزانية مهمة، والدول العربية الأخرى التي تتميز بمحدودية الدعم، لكن ما يعاب على الدول البترولية أنها لا تهتم ببناء نظام تعليمي - تربوي خاص بها، بل تركز على بناء فروع لمؤسسات تعليمية غربية، كما يسمى في عالم الاقتصاد بالمناولة (Sous - traitance).

وإذا كانت مثلًا دولة الكيان الصهيوني تنفق على البحث العلمي 4.7% من الناتج الوطني الإجمالي؛ أي: ما يعادل مجموع ما تنفقه الدول العربية (المغرب مثلًا ينفق 0.7% من الناتج الداخلي الخام)؛ فليس غريبًا أن نرى المؤسسات التعليمية والنظم التعليمية الصهيونية في المراكز الأولى، عكس العربية التي تتذيل القائمة!

وخلاصة القول: هذا غيض من فيض! فإصلاح التعليم لم يعد إصلاحًا آنيًّا ولحظيًّا، بل إصلاح يتسم بالسيرورة والدينامية والتطور، تماشيًا مع التغير الذي يلحق المجتمع ثقافيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا... بالموازاة مع ذلك ينبغي المساهمة في رقي كل المكونات الداعمة للمنظومة التعليمية (الأسرة، الإعلام، الاقتصاد...).

كما أن إصلاح التعليم هو الأساس، وقطب الرحى، ومركز الثقل الذي يمكن المراهنة عليه في تحقيق إصلاحات أخرى شاملة: سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وقيمية، بغية الوصول بالبلدان العربية والإسلامية إلى مصاف البلدان المتقدمة، أو البلدان الصناعية الجديدة.


[1] هانز فايلر: تخطيط الإصلاح التربوي وإدارته، التربية الجديدة، العدد الثاني عشر، آب أغسطس 1977، السنة الرابعة، ص 43.

[2] محمد فاوبار، نظام التعليم بالمغرب ورهانات الإصلاح، مجلة المدرسة المغربية، يصدرها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالرباط، العدد 1، ماي 2009، ص88.

[3] Louis Legrand , Pour une politique démocratique de l’éducation, Paris, PUF , 1977, p 226

[4] محمد لبيب النجيحي، دور التربية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ط2، دار النهضة بيروت، 1981، ص57.

[5] إبراهيم بن عبدالعزيز الدعيلج، التربية، الطبعة الأولى، دار القاهرة، القاهرة، 2007، ص34.

[6]الزبير مهداد، أزمة تعليم أو أزمة المجتمع؟، مجلة علوم التربية، العدد 43، إبريل 2010، ص59.

[7] أحمد الكناوي، إصلاح التعليم بالمغرب.. إلى أين؟ جريدة الأخبار، العدد 675، بتاريخ 26 يناير 2015، ص 7.

[8] عبدالرحمن بنويس، المعلم ودوره في تحويل الأهداف التربوية إلى سلوك عملي، جريدة المحجة، العدد: 440، بتاريخ: 04 يونيو 2015، ص 10.

[9] محمد قمبر، بانوراما الأصول العامة للتربية، دار الثقافة، الدوحة، 2001، ص251 - 252.

[10] انظر المذكرة الوزارية بتاريخ 17 أكتوبر 2014، بشأن القرارات التأديبية المتخذة من طرف مجالس الأقسام، التي شجعت المتعلمين على تطاولهم السافر على المدرسين؛ إذ سمعنا في قصاصات الأخبار عن ضرب المدرس داخل الفصل الدراسي، بل استعمال آلة حادة... دون أن تتخذ في حقه أي إجراء قانوني، مما يشجع الآخرين على ارتكاب مثل هذه السلوكات المشينة!

[11] عمر الشيباني محمد، الفكر التربوي بين النظرية والتطبيق، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، الجماهيرية الليبية، 1985، ص145، 146.

[12] رهانات التكوين المستمر بين التجديد والتطوير وتنمية الموارد البشرية، حوار مع الباحث السوسيولوجي: مصطفى محسن، مجلة عالم التربية، العدد 19، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، السنة 2010، ص80، 81.

[13] أحمد الكناوي، مرجع سابق، ص7.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.50 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.97%)]