مذكرات في علوم التفسير - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا ذبابة . .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          خذوا ما آتيناكم بقوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          فمهل الكافرين أمهلهم رويدًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          لا تشغلنكم مصيبة عن دينكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الله يصنع لدينه.. فلا تحزنوا ولا تبتئسوا ولا تتباءسوا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 822 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 850185 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386318 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-09-2021, 11:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,544
الدولة : Egypt
افتراضي مذكرات في علوم التفسير

مذكرات في علوم التفسير :


طه محمد الساكت

(1) معنى وأقسام التفسير



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
بيان معنى التفسير لغة واصطلاحًا:
التفسير لغة: مصدر فَسَّر؛ أي: بَيَّن ووضَّح؛ يقال: فسَّره تفسيرًا؛ أي: بيَّنه وكشفه، مأخوذ من الفَسْر، وهو البيان والكشف، وأكثر استعمال الفَسْر لإظهار المعنى المعقول.
واصطلاحًا: علم يُبحث فيه عن أحوال القرآن العظيم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية.

أقسام التفسير:
ينقسم التفسير إلى ثلاثة أقسام:
1- تفسير بالرواية.
2- وتفسير بالدراية.
3- وتفسير بالإشارة.
فالأول: هو التفسير بالمأثور، والثاني: هو التأويل أو التفسير بالرأي، والثالث: هو التفسير الإشاري.

الكلام على القسم الأول، وهو التفسير بالمأثور:
التفسير بالمأثور: هو بيان معنى القرآن الكريم بما ورد في القرآن أو صح وروده في السنة النبوية؛ فإن في القرآن الكريم آيات مفسِّرة للأخرى، كما أن في السنة النبوية كثيرًا مما يُبيِّن بعضَ آياته، وكذلك ما صح وروده عن الصحابة؛ فإنهم أدرى به؛ لِما شاهدوه من القرائن عند نزوله، ولما اختصُّوا به من الفهم التام والعمل الصالح، وقد بيَّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم معاني القرآن كما بيَّن لهم ألفاظه، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل؛ ولذلك كانوا يقيمون في حفظ القرآن مدة طويلة، وقد ورد أن ابن عمر أقام على حفظ البقرة ثمان سنين؛ ولهذا أطلق بعضهم القول بأن تفسير الصحابي الذي شاهَد الوحي له حكم المرفوع؛ أي: فكأنه راوٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيَّد ذلك بعضهم بما إذا كان ذلك في بيان سبب النزول ونحوه مما لا مجال للرأي فيه، وإلا كان من الموقوف عليه؛ قال السيوطي في ألفيته:
وهكذا تفسير من قد صَحِــبا *** في سبب النزول أو رأيًا أبَى
وعَمَّم الحاكم في المستـدرَكِ *** وخَصَّ في خلافه كما حُكي

وأما المنقول عن التابعين، ففيه خلاف:
• بعضهم عدَّه من المأثور؛ لأن الغالب تلقيه عن الصحابة.
• وبعضهم عده من التأويل؛ نظرًا لكثرة اختلافهم أكثر من الصحابة.

وعلى هذا؛ فمرجع التفسير بالمأثور إلى ثلاثة مصادر:
1- القرآن الكريم.
2- السنة النبوية.
3- أقوال الصحابة.

مثال تفسير القرآن بالقرآن:
• قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37]، فسَّره قولُه: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].

• وقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]، فسَّره قوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23]؛ أي: لا تحيط به.
• وقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1]، فسَّره قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3].

• وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40]:
قيل: "عهده" فُسِّر بقوله تعالى: {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [المائدة: 12].
وفُسِّر "عهدهم" بقوله: {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [المائدة: 12].
وفي القرآن الكريم أمثلة كثيرة لذلك.

ومثال تفسير القرآن بالسنة الصحيحة:
• تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الظلم الوارد في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] بالشرك.
• وتفسير الحساب اليسير الوارد في قوله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8]بالعَرْض.
• وتفسير القوة في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] بالرمي.
• ومن ذلك ما ذكر في البخاري في كتاب التفسير، وفي غير البخاري من كتب السنة الصحيحة، وهو كثير أيضًا.

ومثال تفسير القرآن بأقوال الصحابة الثابتة عنهم:
ما صح من رواية ابن عباس وغيره من الصحابة مما هو منتشر في كتب التفسير بالأسانيد الصحيحة، وأهمها تفسير ابن جرير الطبري كما سيأتي.

ولنذكر من اشتهر بالتفسير من الصحابة ثم من التابعين، فنقول:
المفسرون من الصحابة:
اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وعبدالله بن الزبير رضي الله عنهم أجمعين.

أما الثلاثة الأول الخلفاء، فالرواية عنهم قليلة جدًّا؛ وذلك بسبب تقدُّم وفاتهم واشتغالهم بمهام الخلافة والفتوحات وترتيب الجيوش؛ ولذلك كان المروي عنهم في التفسير قليلًا، حتى إن المروي عن أبي بكر مما صح لا يكاد يبلغ من الآثار عشرةً.

وأما الرابع من الخلفاء - وهو علي رضي الله عنه - فالرواية عنه كثيرة؛ وذلك بسبب تفرُّغه عن مهام الخلافة مدة طويلة إلى ما بعد الخلفاء الثلاثة، وتأخُّر وفاته عنهم، وتصدُّره في الفتيا والقضاء.

وأما الثلاثة الذين بعدهم - وهم عبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس وأبي بن كعب - فهم أيضًا من المُكْثِرين في التفسير؛ فيكون المكثرون في التفسير أربعة، وهم هؤلاء الثلاثة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

وأما زيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وعبدالله بن الزبير، فهم - مع شهرتهم في التفسير - أقل من الأربعة قبلهم؛ ولذا نقتصر على ترجمة الأربعة المكثرين فنقول:

♦ عبدالله بن عباس:
هو حبر الأمة وفقيهها وترجمان القرآن، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «اللهم فقِّههُ في الدين، وعلِّمه التأويل»، وقال ابن مسعود رضي الله عنه في الثناء عليه: "نِعْمَ ترجمان القرآن ابن عباس"، وقال عمر في مدحه: "إن له لسانًا سَؤُولًا، وقلبًا عقولًا".

ومما يدل على فضله ورفعة منزلته ما أخرجه البخاري عنه قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأنَّ بعضهم وجد في نفسه وقالوا: "لِمَ يدخل هذا معنا وإنَّ لنا أبناء مثله؟!"، فقال عمر: "إنه مَن قد عَلمتم"، فدعاهم ذات يوم فأدخَلَني معهم، فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذٍ إلَّا ليريهم، فقال: "ما تقولون في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]؟ فقال بعضهم: "أمرنا أنْ نحمدَ الله ونستغفرَه إذا نُصرنا وفتح علينا"، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال عمر: "فكذلك تقول يا بن عباس؟"، فقلت: "لا"، فقال: "ما تقول؟"، قلتُ: "هو أَجَلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلَمَه له، فقال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، فذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3]"، فقال عمر: "لا أعلمُ منها إلا ما تقول".
وقد ورد مما يدل على فضله وتبحُّره في فهم القرآن آثار كثيرة وأخبار مشهورة.

وكان من أسباب نبوغه وقوة ذاكرته أمور:
أولها: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، وملازمة ابن عباس للنبي صلى الله عليه وسلم من عهد التمييز.

ثانيها:نشأته في مهد النبوة، وملازمته لكبار الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وتعرفه منهم مواطن نزول القرآن، وتواريخ التشريع، وأسباب النزول، وغير ذلك.

ثالثها: حفظه للغة العربية، ومعرفته آدابها وخصائصها وأساليبها؛ حتى إنه كان كثيرًا ما يستشهد للمعنى الذي يريده من لفظ القرآن بالبيت والأكثر من كلام العرب.

رابعها: بلوغه مرتبة الاجتهاد، وعدم تحرُّجه منه، والإقدام على تقرير ما أداه إليه اجتهاده؛ فقد كان شجاعًا في بيان ما يعتقد أنه حق، ويجهر به أين ما كان.

هذه أهم أسباب ذيوع صيته وغزارة علمه، يضاف إلى ذلك: قريحته الوقادة، ورأيه الصائب، وعقله الراجح، ودينه المتين، فرضي الله عنه وأرضاه.

الرواية عن ابن عباس واختلاف الآراء فيها:
ورد عن ابن عباس في التفسير آراء كثيرة، وروايات متعددة، وطرق مختلفة، وهذه الروايات متفاوتة في الصحة والضعف؛ لذا تتبع العلماء سلسلة الرواة عنه تعديلًا وتجريحًا، وإليك أشهر الطرق عن ابن عباس:
1- طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي عن ابن عباس:
وهذه الرواية أصحُّ ما روي عن ابن عباس وأجودُه.

قال فيها الإمام أحمد: "إن بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة، لو رحل رجل لها إلى مصر قاصدًا، ما كان كثيرًا".

وقال فيها ابن حجر: "وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث، رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وهي عند البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في صحيحه كثيرًا فيما يعلِّقه عن ابن عباس، وكفى بتوثيق البخاري لها شاهدًا على الصحة، وإن قال بعضهم: إن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس وإنما أخذ عن مجاهد أو سعيد بن جبير عن ابن عباس؛ لأن كلًّا من المذكورين ثقة؛ فلا ضير في كونه واسطة بين ابن أبي طلحة وبين ابن عباس".

2- رواية ابن جريج عن ابن عباس:
جمع فيها الصحيح والضعيف، فلم يتميز في روايته الصحيح من غيره.
وقد روى عن ابن جريج جماعة كثيرون، منهم محمد بن ثور عن ابن جريج عن ابن عباس؛ روى نحو ثلاثة أجزاء كبار.

3- الضحاك بن المزاحم عن ابن عباس: وطريقه منقطعة.
4- العَوْفي عن ابن عباس: وهي طريق ضعيفة.

وبالجملة؛ فالذي قاله العلماء النقادون لرواية ابن عباس: إن طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - من أجود الطرق، وقد اعتمد عليها البخاري؛ وكفى به شاهدًا.

ورواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس غير مرْضية.
ورواية ابن جريج تحتاج إلى بحث وتدقيق؛ لأنه جمع ما ذكر في كل آية عن ابن عباس من الصحيح والسقيم، ولم يتحرَّ الصحة.
ورواية الكلبي عن أبي صالح: أوهى طرقه، وإن ضم إليه رواية محمد بن مروان السدي الصغير، فهي سلسلة الكذب.

عبدالله بن مسعود:
هو عبدالله بن مسعود الهُذَلِيُّ، أحد السابقين الأولين إلى الإسلام، أسلم قديمًا وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا والمشاهد كلها، ولازم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب نعليه، وحدَّث بالكثير عنه، وكان يقول: "أخذتُ من فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة"؛ أخرجه البخاري. وهو أول من جهر بالقرآن بمكة، وقال عليه الصلاة والسلام: «من سرَّه أن يقرأ القرآن غضًّا كما نزل، فليقرأه على قراءة ابن أمِّ عبد»؛ ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في "الإصابة"، وذكر السيوطي في "الإتقان" أنه ورد عن ابن مسعود أنه قال: "والله الذي لا إله غيره، ما نَزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت، ولو أعلمُ مكان أحد أعلمَ بكتاب الله مني تناله المطايا، لأتيتُه"، وقد روي عنه في التفسير أكثر من علي، وروي أنهم قالوا لعلي: "أخبِرْنا عن ابن مسعود"، قال: "عَلِمَ القرآنَ والسنةَ ثم انتهى، وكفى بذلك علمًا".

روى عنه أبو صالح كما روى عنه التابعون من أهل الكوفة، ووردت أسانيد كثيرة تنتهي إليه، وهي موجودة في كتب التفسير بالمأثور وفي كتب الحديث، وقد تتبعها العلماء كما تتبعوا غيرها من الروايات بالنقد تعديلًا وتجريحًا.
مات ابن مسعود بالمدينة سنة 32هـ، وقيل: مات سنة 30هـ، وقيل: مات بالكوفة، والأول أثبت.

علي بن أبي طالب:
هو علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي؛ رابع الخلفاء، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجتمع معه صلى الله عليه وسلم في جده، وهو صهره وزوج السيدة فاطمة رضي الله عنها، وذريته صلى الله عليه وسلم منهما، كان بحرًا في العلم، وحجة في الفهم والاستنباط، كثيرًا ما كان يرجع إليه الصحابة في فهم ما خفي، واستجلاء ما أشكل؛ حتى اشتهر: "قضية ولا أبا حسن لها"، وقضاؤه بالعدل معروف، فوق ما كان متصفًا به من الشجاعة في الحق، ونصرة الدين، والإعراض عن الدنيا وزخرفها؛ فكيف وقد تربى في مهد النبوة، ونهل منها الحكم الغالية، والأسرار النافعة، وعمَّته مشكاة أنوارها؟ فكان من أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ومعرفة التأويل، وقد ورد عن ابن عباس أنه قال: "ما أخذتُ من تفسير القرآن، فعن علي بن أبي طالب"؛ فهو صدر المفسرين والمؤيد فيهم، إلا أنه - لأسباب سيأتي بيانها - قد أكثر الناس من الدس عليه في الرواية؛ ترويجًا لمذاهبهم الباطلة؛ لذا أخذ الحذاق من النقاد في بحث تلك الروايات، واعتماد ما صح منها وتزييف غيرها، واستشهد علي رضي الله عنه في اليوم السابع عشر (17) من رمضان سنة (40) من الهجرة.

أبي بن كعب:
هو أبو المنذر أُبَيُّ بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي المدني، سيد القراء وأحد كتاب الوحي، شهد بدرًا، وقد ورد في مدحه أنَّ أقرأَهم لكتاب الله عز وجل أُبي بن كعب.

ورد عنه في التفسير نسخة كبيرة يرويها أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب، وهذا الإسناد صحيح، وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من تلك النسخة كثيرًا، وكذا أخرج الحاكم في مستدركه وأحمد في مسنده.

توفي أبي بن كعب سنة عشرين، أو اثنتين وعشرين، أو ثلاثين.
هذا، وإنما نقتصر على ترجمة هؤلاء الأصحاب الأربعة؛ لشهرتهم وكثرة الرواية عنهم.
وقد ورد عن غيرهم من الصحابة اليسير، كأنس وأبي هريرة وابن عمر وجابر، كما ورد عن عبدالله بن عمرو بن العاص أشياء تتعلق بالقصص وأخبار الفتن والآخرة، وهذه تشبه أن تكون مما تحمَّله عن أهل الكتاب.


المفسرون من التابعين:
اشتهر بعد عصر الصحابة من التابعين مفسرون كثيرون انتشروا في الأمصار، فمنهم مَن كان بمكة، ومنهم مَن كان بالمدينة، ومنهم مَن كان بالعراق.

قال ابن تيمية: "أعلمُ الناس بالتفسير أهل مكة؛ لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وغيرهم، وكذلك في الكوفة أصحاب ابن مسعود، وعلماء أهل المدينة في التفسير زيد بن أسلم الذي أخذ عنه ابنه عبدالرحمن بن زيد، ومالك بن أنس" اهـ.

فهؤلاء قدماء المفسرين، وغالب أقوالهم تلقوها عن الصحابة، وهم بذلك قد بلغوا شأوًا عظيمًا في فهم كتاب الله تعالى.
ثم حمل تفسيرَ كتاب الله تعالى عُدُولُ كل خَلَف، وقد ورد: ((يحمل هذا العلم مِن كل خَلَفٍ عُدولُه، ينفُون عنه تحريف الغالين، وانتحال المُبطِلين، وتأويل الجاهلين)).

تدوين التفسير بالمأثور، وخصائص الكتب المؤلَّفة في ذلك:
بعد طبقات التابعين الذين تلقوا أقوالهم عن الصحابة، أُلفت تفاسير تجمع أقوال الصحابة والتابعين، كتفسير سفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وشعبة بن الحجاج، ويزيد بن هارون، وعبدالرزاق، وآدم بن أبي إياس، وإسحاق بن راهويه، وروح بن عُبادة، وعبد بن حُمَيْد، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعلي بن أبي طلحة، والبخاري وغيرهم.

وبعد هذه الطبقة: ألف ابن جرير الطبري كتابه، وهو من أجل التفاسير قدرًا وأعظمها شأنًا، ثم ابن أبي حاتم وابن ماجه والحاكم وابن مردويه وأبو الشيخ بن حيان وابن المنذر وغيرهم.


وهؤلاء جميعًا ومَن قَبلهم كانت تفاسيرهم مسنَدة إلى الصحابة والتابعين وأتباعهم، وليس فيها غير ذلك، ما عدا ابن جرير؛ فإنه زاد توجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، وذِكْر الإعراب والاستنباط.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-09-2021, 02:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,544
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مذكرات في علوم التفسير

مذكرات في علوم التفسير :


طه محمد الساكت

(2) التفسير بالرأي




التعريف بابن جرير الطبري وتفسيره:
• هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، أحد علماء القرن الثالث الهجري، ولد 224هـ وتوفي سنة 310هـ، كان من القناعة والزهد بالمحل الأعظم، وهو رأس المفسرين على الإطلاق؛ جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظًا لكتاب الله تعالى، بصيرًا بالمعاني، عالمًا بالسنن وطرقها: صحيحها وسقيمها، ناسخها ومنسوخها، عالمًا بأحوال الصحابة والتابعين.

• وتفسيره من أجَلِّ التفاسير بالمأثور؛ أسنَده إلى الصحابة والتابعين، ووَجَّه الأقوال ورَجَّح بعضها على بعض، وذكر فيه كثيرًا من وجوه الإعراب واستنباط الأحكام.
• أجمع العلماء المعتبرون على أنه لم يؤلَّف في التفسير مثله.
• قال النووي في "التهذيب": "كتاب ابن جرير في التفسير لم يصنِّف أحد مثله".

وقال الشيخ أبو حامد الإسفرايني شيخ الشافعية: "لو رحل أحد إلى الصين حتى يُحصِّل تفسير ابن جرير، لم يكن ذلك كثيرًا".
وبالجملة، فإنه جَمَع أشتات التفاسير، وقَرَّب البعيد منها، وشَفى في الإسناد.

كتاب "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" للسيوطي:
قال في مقدمته أنه لخَّصه من كتابه "ترجمان القرآن"، وهو التفسير المُسنَد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر في كتابه "الإتقان" أنه شرع في تفسير جامعٍ لجميع ما يُحتاج إليه، مِن التفاسير المنقولة، والأقوال المعقولة، والاستنباط والإشارات، والأعاريب واللغات، ونكت البلاغة ومحاسن البدائع، وسماه "مجمع البحرين ومطلع البدرين"، وذكر أنه جَعل كتاب "الإتقان" مقدمة له، وذكر في خاتمة كتاب "الإتقان" نبذة صالحة من التفسير بالمأثور الذي ورد مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ابتدأ بفاتحة الكتاب، ثم بالبقرة وهكذا، ذاكرًا في كل سورة ما ورد.


تفسير البغوي:
البغوي: هو الحسين بن مسعود البغوي، الفقيه الشافعي الملقب بـ"محيي السنة وركن الدولة".
كان إمامًا في التفسير والحديث، وله التصانيف المفيدة، منها: "معالم التنزيل"، وهو من أجَلِّ التفاسير بالمأثور.

"أسباب النزول" للواحدي:
جزء متوسط، اقتصر فيه مؤلفه على بيان أسباب النزول بالمأثور، وهذا النوع من التفسير لا مجال للتأويل فيه.

"الناسخ والمنسوخ" لأبي جعفر النحاس:
هو كتاب جليل، تكلم فيه على بيان الناسخ والمنسوخ، وذكر أقوال العلماء مسنَدة، وقد استوعب فيه جميع ما قيل فيه بالنسخ من الآيات ولو لم يكن عنده صحيحًا.
وهذا القدر - كما تقدم - لا يُعلم إلا من طريق الرواية، ولا مجال للرأي والتأويل فيه.

طُرُق المفسرين بعد اختصار الأسانيد:
بعد عصر الصحابة والتابعين ومَن بعدهم ممن ألفوا في التفسير بالمأثور، ملتزمين حكاية الأسانيد كابن جرير وغيره، ألف قوم آخرون اختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال من غير أن ينسبوها لقائليها؛ والتبس بذلك الصحيح وغيره، وصار الناظر في كتبهم يظن أنها كلها صحيحة مع أنها ليست كذلك.

وكثير من المفسرين أخَذ في نقل الإسرائيليات على أنها حقائق مقرَّرة، ويذكر القصص على أنها صحيحة ولو كانت منافية لعصمة الأنبياء، ولو تأملوا قليلًا في مخالفتها للأدلة العقلية، لنَزَّهوا كتبهم عنها، أو على الأقل لنبَّهوا على وضعها بعد حكايتها.

ومن هنا، فُتِحَ بابٌ كبيرُ الضرر من أبواب الطعن لولا ما يقوم به العلماء في كل عصر من الذَّود عن الحقيقة.

ومثاله: ما أَوْردوه مما يزينون به تفاسيرهم؛ كقصة أيوب وداود، وما قالوه في بدء الخليقة والزلازل ويأجوج ومأجوج، وما قالوه في ظواهر الكون كبرودة الماء في الآبار صيفًا وحرارته شتاءً، مما لا يطابق الحقائق العلمية الثابتة، ولم يكن له أصل إلا روايات خيالية نقلوها عن حُسن نية، وليتهم إذ فعلوا ذلك نبَّهوا على أصل وضعه.

وقد عُنِيَ بعضهم بذكر شتات الأقوال، حتى إنه ذكر في تفسير قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] نحو عشرة أقوال، مع أنَّ الوارد الصحيح تفسيرُه باليهود والنصارى؛ ولكنه الولع بكثرة الأقوال أوقع في الحيرة.

واعلم أنه قد صنَّف في التفسير خلائق كثيرون، اقتصر كل منهم على الفن الذي برع فيه.

فصاحب العلوم العقلية عني بأقوال الحكماء والفلاسفة وشُبَههم والرد عليهم، كالفخر الرازي في تفسيره الكبير المسمى بـ"مفاتيح الغيب".

وصاحب الفقه كانت عنايته شديدةً بتقرير الأدلة للفروع الفقهية، والرد على أدلة المخالفين، وذلك كالقرطبي في تفسير "الجامع لأحكام القرآن".

وصاحب النحو كان اهتمامه شديدًا بالإعراب ووجوه وقواعد النحو وفروعه، وذلك مثل الواحدي في "البسيط"، وأبي حيان في "البحر المحيط".

وأصحاب المذاهب الفاسدة والآراء المبتدعة قصدوا إلى تأويل القرآن طبق مذاهبهم وبدعهم.

والأخباريون وأصحاب التواريخ قصدوا استيفاء القصص والأخبار عمَّن سلف، ونقلوا في ذلك كل ما ورد، سواء كان صحيحًا أو فاسدًا.

والإشاريون وأرباب التصوف قصدوا ناحية الترغيب والترهيب والزهد والقناعة والرضا، وفسروا القرآن بما يطابق أذواقهم ومشاربهم.

وبالجملة، فإن صاحب كل فنٍّ تكلَّمَ في التفسير بما يوافق فنَّه ولو كان بمعزل عن التفسير وعن الغرض الذي من أجله نزل القرآن.

ولقد غالى بعض العلماء، فحاول أن يجعل القرآن الكريم مشتملًا على جميع الفنون والعلوم؛ فحَمَّلوه من التأويل ما لم ينزل الله به من سلطان، وتعسَّفوا في ذلك حتى جعلوه مشتملًا على علوم الطبيعة والكيمياء والرياضة وتقويم البلدان والتاريخ، وهلم جرًّا مما أملاه عليهم خيالهم، فإن كان غرضهم اشتماله على قواعد العلوم كلها، فذلك غير ظاهر، وإن كان الغرض ذكر بعض المسائل العلمية المختلفة مما هو مفيد في مواطن العظة والاعتبار، فذلك ما لا خلاف فيه، ولا يحتاج إلى تعسف؛ لأن القرآن الكريم ما نزل إلا للهداية وما يتعلق بها، لا ليكون كتاب فلسفة وتشريح؛ وإنما يذكر فيه ما يتعلق بالكائنات على اختلافها للعبرة والعظة والهداية فحسب، وذلك من آيات إعجازه، وهذا لا ينافي أن العلوم الشرعية جميعها مستنبَطة من القرآن الكريم، وبها كان للقرآن العظيم الفضل الأول على العلماء وتمت به الهداية؛ قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، وقال سبحانه وتعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تنبه إلى الغرض المقصود من إنزال القرآن، وهو الموعظة والهداية.

نعم، إن معرفة العلوم العربية وقواعدها وعلوم أصول الدين والفقه مما يساعد كثيرًا على فهم بعض الآيات ويبين المراد؛ فالمفسر في حاجة إليها لتكون عونًا له على فهم الغرض المقصود من القرآن، لا لتكون هي المقصود الأول كما فعله بعض من المفسرين.

طبقات المفسرين:
طبقات المفسرين أربعة:
الطبقة الأولى: المفسرون من الصحابة والتابعين وأتباعهم.
الطبقة الثانية: المفسرون من المحدِّثين؛ وهم الذين صنفوا التفاسير مسنَدة، مورِدين فيها أقوال الصحابة والتابعين بالأسانيد، كابن جرير الطبري.
الطبقة الثالثة: المفسرون من أهل السنة؛ وهم الذين ضموا إلى التفسير التأويلَ، وحذفوا الأسانيد، وتكلموا على معاني القرآن وأحكامه وغير ذلك، وهو الذي به الاعتناء في هذا الزمن.
الطبقة الرابعة: من أهل البدع والأهواء؛ كالمعتزلة والشيعة وأضرابهم.

والذي يستحق أن يسمى مفسرًا مِن هذه الأربعة هما الطبقتان: الأولى والثانية.
وأما الطبقة الثالثة، فالجدير بأصحابها أن يسموا مؤوِّلين لا مفسرين؛ ولذا كانت كتبهم في الغالب بالتأويل.
وأما الطبقة الرابعة، فهم متكلمون في القرآن بالرأي المذموم، ومن أشهرهم: الرماني والجبائي والقاضي عبدالجبار والزمخشري، وكثير لا يعد الزمخشري منهم؛ لأن كتابه وإن كان فيه مناحٍ من الاعتزال إلا أنه لا يخلو من فوائد مهمة.
ومن هذه الطبقة مفسرو الشيعة والباطنية.

وأما الذين تكلموا في القرآن من جهة العلوم، فهم من أهل الطبقة الثالثة أيضًا؛ لأن كتبهم لا تخلو من تفسير وتأويل، وإن كان الغالب عليهم ناحية من العلوم التي تكلموا فيها.

الضعف في رواية التفسير بالمأثور وأسباب ذلك:
قد كثرت الروايات الضعيفة في التفسير بالمأثور، وقد علمتَ فيما سبق أن كثرة الرواة عن ابن عباس لفتت أنظار النقاد إلى البحث والتمحيص والنقد والتعديل والتجريح، حتى ورد عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه لم يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أكثر من مائة أثر في التفسير، بل قد وُضعت روايات كثيرة نُسبت إلى ابن عباس وغيره من الصحابة، غير أن ما نسب منها إلى ابن عباس وعلي رضي الله عنهما - أكثر مما نسب إلى غيرهما.


وأسباب ذلك:
1- أن نسبة الرواية إلى أحد الصحابة تُوجب مِن الثقة والقبول ما لا يحصل إذا نسبت إلى غيره، وبخاصة إذا نسبت إلى عليٍّ وابن عباس؛ لكونهما من بيت النبوة.
2- المذاهب الدينية والسياسية كانت من أهم الأسباب في وضع التفسير؛ فالشيعة كانوا ينسبون إلى علي رضي الله عنه من الروايات ما هو منه بريء، والمتزلِّفون إلى الخلفاء العباسيين كانوا يتقربون بكثرة المروي عن جدهم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، وكلما ذُكرت آية ذكروا له فيها رواية.
3- كثرة الرواية عن أهل الكتاب الذين أسلموا وقد بقي في أذهانهم من الأخبار ما لا تعلُّق له بالأحكام الشرعية؛ كأخبار بدء الخليقة، وأسرار الوجود، وأسباب الكائنات، وكثير من القصص، فقد تساهَل الناس في النقل عنهم ولم يقصدوا إلى التحري، وبخاصة فيما لا يترتب عليه استنباط أحكام شرعية، وأكثر من رُوي عنه من أهل الكتاب الذين أسلموا: كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبدالله بن سلام. وقد شُرح التفسير بهذه الروايات الإسرائيلية وكثرت الأقوال وتضاربت الآراء، حتى قام المحققون من العلماء فتحروا الصحة وزَيَّفوا ما لا يستند على نقل صحيح.
4- حذف الأسانيد بعد عصر التابعين ونقل الأقوال من غير نسبتها إلى قائليها؛ وبذلك الْتبس الصحيح بالعليل، وصار كل من يسنح له قول يورده، وما يخطر بباله يعتمده، فمَن جاء بعده نَقَل عنه؛ ظانًّا أن له أصلًا، غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح ومَن يرجع إليهم في التفسير.


التفسير بالرأي والاختلاف في جوازه:
الرأي: يطلق على الاعتقاد، وعلى الاجتهاد، وعلى القياس.
ومنه: أصحاب الرأي؛ أي: أصحاب القياس.
والتفسير بالرأي: هو تفسير القرآن بالاجتهاد، بعد معرفة المفسر كلام العرب وأساليبهم في القول، ومعرفته بالألفاظ العربية ووجوه دلالتها، واستعانته في ذلك بالشعر الجاهلي، ووقوفه على أسباب النزول، ونحو ذلك.
وقد اختلف العلماء في التفسير بالرأي؛ فقال بعضهم: إن التفسير بالرأي غير جائز، وقال آخرون: إنه جائز.

استدل المانعون بأدلة:
1- أن التفسير بالرأي قولٌ على الله بغير علم، والقول على الله بغير علم لا يجوز؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].

وأجيب عن هذا الاستدلال: بأن المفسر بالرأي لا يقول على الله بغير علم، بل هو يعتمد على ما يعطيه ظاهر القرآن استنادًا إلى أساليب اللغة.

2- روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اتقوا الحديث عليَّ إلا ما علمتم، فمَن كذب عليَّ متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال في القرآن برأيه، فليتبوأ مقعده من النار».

وأخرج أبو داود عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ».

وأجيب عن حديث ابن عباس بما يأتي:
أ- أنه محمول على مَن قال برأيه في مُشْكل القرآن ومتشابهه ونحوه مما لا يُعلَم إلا من طريق النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين، وهذا متعرِّض لسخط الله؛ لاجترائه على ما لا يُعلَم إلا من قِبَل رسوله.
ب- أنه محمول على مَن قال في القرآن قولًا وهو يعلم أن الحق غيره، بل أن يكون له في الشيء رأي وإليه مَيْل مِن طَبْعه وهواه، فيتأول القرآن على وفق هواه؛ ليحتج به على تصحيح غرضه، ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى، لَما لاح له المعنى الذي حَمل القرآن عليه[1].

أو: هو يجهل الحق، فيحمل الآية - إذ كانت محتملة لأكثر من وجه - على ما يوافق غرضه، ثم يرجح - برأيه وهواه - ذلك الوجه، ولولا رأيُه لما ترجح عنده ذلك الوجه[2].

ومِثلُ مَن يعلم أن الحق خلاف قوله، ومن يجهل الحق ولكن يرجح برأيه الذي يوافق غرضه - من له غرض صحيح، فيطلب له دليلًا من القرآن يعلم أنه ليس مقصودًا به ما أراد، كالداعي إلى مجاهدة النفس فيقول: المراد بقوله تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [النازعات: 17] - المراد به النفس، فهذا أيضًا قائل في القرآن برأيه[3].

ج- أن حديث ابن عباس محمول على من يقول في القرآن بظاهر العربية، مِن غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغريب القرآن، وما فيه من الألفاظ المبهمة، والاختصار والحذف والإضمار، والتقديم والتأخير؛ إذ النقل لا بد منه في التفسير أولًا لاجتناب مواضع الغلط، وبعد ذلك يكون التوسع في الفهم والاستنباط، فالنظر إلى ظاهر العربية وحده غير كافٍ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} [الإسراء: 59]، فإن معناه: وآتينا ثمود الناقة آية مبصرة: بينة واضحة على صدق صالح عليه السلام، فظلموا بقتلها أنفسهم أو فجحدوا. ولكن الناظر إلى ظاهر العربية يظن أن {مُبْصِرَةً} حال من الناقة، وهي وصف لها في المعنى، ولا يدري بمَ ظلموا؟ وهل ظلموا غيرهم أو أنفسهم؟
وإذا صح حمْل الحديث على أحد هذه الأوجه، لا يصح دليلًا للقائلين بالمنع.

هذا، وقد أُجيبَ عن حديث جندب بأنه لم تثبُت صحته، وعلى فرض ثبوتها، فيُجاب عنه بنحو ما أجيب به عن حديث ابن عباس.

[1] وهذا قد أخطأ في رأيه، وأخطأ في حمل الآية عليه.
[2] وهذا قد أخطأ في قصر الآية على أحد احتمالاتها.
[3] وهذا قد أخطأ في التطبيق.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 91.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 89.43 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]