الأدب الإسلامي... مقاربات تأصيل وتعريف - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         كيفية التعامل مع الأعداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 1155 )           »          التربية على الإيجابية ودورها في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          زخرفة المساجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 70 - عددالزوار : 16825 )           »          لماذا نحن هنا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          يغيب الصالحون وتبقى آثارهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الهواتف الذكية تحترف سرقة الأوقات الممتعة في حياة الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          استشراف المستقبل من المنظور الشرعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 13 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم «أن تحويل القبلة أنهى مكانـة المسـجد الأقصى عند المسلمين»!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-08-2021, 12:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي الأدب الإسلامي... مقاربات تأصيل وتعريف

الأدب الإسلامي... مقاربات تأصيل وتعريف


مصطفى بن عمور






1- تعريف الأدب:

وهل يوجد للأدب تعريف شامل كامل؟ إنَّ هذا السؤال يفتح الأفق النقدي أمامنا بكل شساعته وضروب مَذاهبه، واشتباك سُبُلِه، وضجة اختلافاته، التي تَجعل الناقِدَ أو المتأمِّلَ في حاجة إلى سَعَة نظر، وعُمْقِ بَصَر، وانشراح صدر؛ حتى يوفِّر لنفسه فرصةً ما؛ ليُلملم ذلك الشملَ المتناثر شَذَرَ مَذَرَ، ولينتقي - نعم لينتقي - ما يبني به صَرْحَ تعريف راسخ للأدب ومعناه... وهو ما يتطلب ليونةً في غير ميوعة، وصبرًا طويلَ النفس؛ حتى يستطيعَ الناقدُ اقتناصَ تلك الخيوط الهشة التي يتكون منها نسيجُ ذلك التعريف، وإلا أفلتت من بين أصابع ذهنه وفكره ولغته... ورُبَّما تتفتت وتتلاشى أسرع من تلاشي خيوط العنكبوت، وإن أوهنَ الخيوط لَخيطُ العنكبوت.



لقد ضربنا هذا التشبيهَ مثلاً للوعي بخطورة تعريف الأدب، وهي خطورةٌ لا تكمُن في الأدب ذاته، بل في أسلوب النَّظر إليه والشعور به وفهمه، والتشرُّب بمعانيه والتمكُّن من مادته، وهي حقائق تُحيلنا في آخر المطاف على المجال أو الموقع الذي ينظر منه الباحث، ويقفُ على قاعدته، ومنه يكون منطلقه؛ إذ إنَّ "ما يُعَدُّ أدبًا رفيعًا عند أمة ما قد لا يُعَدُّ أدبًا أصلاً عند أمة أخرى؛ لهذا لم يستطع بعضُ المستشرقين أنْ يفهمَ عبقرية المتنبي مثلاً، ولا سر المكانة التي يتبوَّؤها عند العرب، حتى إنَّه رمى أمته كلها - أي الأمة العربية - بفساد الذَّوق، وأمام مثل هذا الموقف اضطر سلفستر دو ساسي إلى أن يكتب عن أهمية الأدب العربي، ويشرح لأبناء حضارته الغربية مظاهر تلك الأهمية، منبهًا إلى أنَّه لا ينبغي أن نطالبَ الشعر العربي بأكثرَ مِمَّا نطالب به الشعر الإغريقي أو اللاتيني"[1]، ومن ثم يصبح من الصعب أن يقوم أحدٌ اليوم؛ ليفصلَ بين ما هو أدب وبين ما لا يَمُتُّ بصلة إليه[2]، خصوصًا إذا أريد على قاعدة هذا التعريف الفاصل المانع إنشاءُ نظرية تضُمُّ كلَّ الآداب الإنسانية، كما يسعى الغرب اليوم في ظل رغبته الطاغية لتأميم كل ما يُخالفه حضاريًّا وثقافيًّا، ومن ثَمَّة يَجب أن نسلم ونعترف بأنَّ كل أمة أولى من غيرها بتعريف أدبها، ومعناه ونظريته الأساسية؛ لأنه من رحمها انبثق، فهي أدرى به من غيرها، وإذا كانت هناك تعاريف لأمم أخرى، فلا تُؤخذ إلا على سبيل الاستئناس لا التبني المطلق، وإلا على أساس امتلاك قاعدة نظرية تستطيع هَضْمَ ما هو متوافق مع مفاهيمها وآليات اشتغالها الخاصة، وتذر ما سوى ذلك مخالِفًا كان أو مما لا فائدة ترجى منه، بهذا فقط نضمن لكل أدب أمة ما فرصةَ التشابه والاختلاف مع الآداب الأخرى، ونضمن له عالميته التي لا تتجلى وتتحقق إلا بذلك الاختلاف والتفرد، أمَّا إذا كانت العالمية هي التماهي والفناء، فهي خدعة مردودة ودعوى ممجوجة لا تنطلي إلا على اثنين أحدهما جاهل والآخر ماكر.



من هنا نجد أنفسنا على موعد مع تراثنا اللغوي والنقدي؛ لننبش ذاكرته برفق، ونستحثه الكشف عن معنى كلمة الأدب ومفهومها وجذورها الضاربة في اللغة ومعاني استعمالها وتداوُلها منذ أمدٍ قديم؛ حتى نكونَ على وعي بانطلاقها واغتناء مدلولها مع مرور الزَّمن، وثراء معانيها، ودور ذلك كله في بناء تعريف متين لمعنى كلمة أدب يساعدنا على إنشاء نظريتنا الأدبية، أو على كشف مداخلها الرئيسة الموصولة بتُراثنا وحضارتنا، كما أسَّسهما الإسلام، ثم نستأنس بعد ذلك بتراث الآخرين للمقارنة والإفادة المتبصرة، وعودتنا إلى تراثنا تفتح أبوابًا واسعة على معنى هذه الكلمة، وتشعُّب دلالاتِها وعُمقها تشعبًا يربط ما هو عمل بالجوارح إلى ما هو عمل باللسان، وما هو باطن تدُلُّ عليه مكارم الأخلاق إلى ما هو ظاهر تدل عليه ثمرات العقول، وفيوض الألسنة، وأسنان الأقلام، كما يربط بين الإحسان واللياقة وحسن المعاملة وجمال السلوك، الذي تتميز أبرزُ آثاره في الكرم وحُسن الضيافة والقرى، مقابل جفاف الصحراء وضنك الفقر، وبهذا المعنى كانت دلالة هذه الكلمة عند العرب قبل الإسلام؛ (يقال: أدب القوم يأدبهم أدبًا: إذا دعاهم إلى طعامه، وصنع لهم مأدبة)[3]، وهو - كما نرى - فعل مادي، ولكن تكمُن خلفه خصائص نفسية تُعَدُّ من أجمل المفاخر وأمثل الشِّيَم والأخلاق، خصائص الكرم والانبساط والضيافة وحسن السلوك والعشرة، فعلاً وقولاً، وهي معاني رفيعة المستوى جعلت العرب يطبعون بها شهادات بعضهم على بعض، فإذا قيل: أدب، فمعناه حسن الخلق، وجمال السلوك، وإذا قيل: أديب، فمعناه: طيب النفس، حلو المعشر، جميل الظاهر والباطن، وقد طبع النعمان بن المنذر مثل هذه الشهادة لوفده المرسل إلى كسرى، فقال في كتاب له: "قد أوفدت إليك أيها الملك رهطًا من العرب، لهم فضل في أحسابهم وأنسابهم وأدبهم"[4]، وقال سعد الغنوي الشاعر في رثاء أخيه:



حَبِيبٌ إِلَى الْخِلاَّنِ غِشْيَانُ بَيْتِهِ

جَمِيلُ الْمُحَيَّا وَهْوَ أَدِيبُ






فانظر كيف وصل بين أدب أخيه وجماله الظاهر بغِشْيان الآخرين بيته، وتنعمهم بفضله، وكرمه، وحسن خلقه، كذلك قولُ علقمة بن علاثة يصف قومَه من العرب: "وكلُّهم إلى الفضل منسوب، وبالرأي الفاضل والأدب النافد معروف"[5].



كذلك استعملت هذه الكلمة في عهد الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجمعت بين كلِّ الصفات الحميدة، والمعاني الجليلة، والدلالات الأخلاقية، سلوكية أو لغوية، كما استعملها الصحابة بالحمولة نفسها والمعنى، وإليك جملة من هذه الاستعمالات، روي عن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قوله: ((أدبني ربي، فأحسن تأديبي))، وهذا الكلامُ جاء ردًّا عن سؤال علي - رضي الله عنه - حين قال: يا رسولَ الله، نحن بنو أب واحد، ونشأنا في بني سعد بن بكر، ونراك تُكلِّم وفودَ العرب بكلام لا نفهم أكثرَه... فقال رسول الله: ((أدبني ربي، فأحسن تأديبي))، وهذا الحديث يكشف بجلاء ارتباطَ دلالة الأدب بالفعل اللُّغوي، ورغم ما يقال عن ضعف هذا الحديث سندًا، فإنَّ هناك أحاديثَ مصححة السند كثيرة تقوي عضده، وتدفع بالمتلقي إلى قبوله بارتياح، ومنها قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أيما رجل كانت عنده وليدة، فعلمها فأحسن تعليمَها، وأدَّبَها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران))[6]؛ حيث نرى ارتباطَ التعليم بالأدب ارتباطًا قويًّا يساعد أحدهما الآخر في بناء شخصية المسلم.



أمَّا الصحابة فقد رُوِيَت عن بعضهم أحاديثُ استعملت فيها كلمة الأدب بدلالاتِها السابقة من مثل ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعن غيره: "يجب على الرجل تأديبُ ولده، والشعر أعلى مراتب الأدب"، وينسب هذا القول إلى معاوية بن أبي سفيان كذلك، وكذلك ((اجعلوا الشعر أكبر همكم، وأكثر آدابكم))[7]، وفي نهج البلاغة نجد عدة نصوص منسوبة إلى علي - رضي الله عنه - يذكر فيها الأدب كقوله: "الآداب حلل مجددة"، وقوله: "لا ميراث كالأدب"، وقوله: "ذكِّ قلبَك بالأدب، كما تُذَكَّى النارُ بالحطب"[8].



إذًا فقد كانت كلمة أدب تدل منذ العهد الأول على الخلق السليم، والتعليم، ومكارم الأخلاق، وحسن السلوك، كما استعملت للدلالة على الفعل اللغوي شعرًا أو نثرًا، ومع نشاط الحركة العلمية والأدبية وبداية تدوين العلوم والآداب والأخبار منذ أواخر العصر الأموي، أخذت تضاف كلمة "علم" إلى الأدب؛ ليدل "علم الأدب" على العناية برواية الآثار الأدبية خاصَّة، فقال محمد بن علي بن عبدالله بن عباس: "كفاك من علم الدين أن تعرف ما لا يسع جهله، وكفاك من علم الأدب أن تروي الشاهد والمثل"، ووظفها عبدالحميد الكاتب في رسالته عدة مرات بمعانٍ مختلفة من خلق وثقافة وإبداع أدبي، ثم أصبح الأدب حرفةً متميزة... وفي العصر العباسي فشت هذه الكلمة بهذا المعنى، وأصبحت تدُلُّ على رواة الأدب والمؤلفين فيه بعد أن صار الأدب حرفة متقنة لها أصولها وعدة اشتغالها، بل حرفة يتكسب بها؛ قال الأصمعي: "سألني أعرابي: ما حرفتك؟ قلت: الأدب"... وقال الجاحظ: "الأدب أدبان: أدب خلق وأدب رواية، ولا تكتمل أمور صاحب الأدب إلا بهما"، وصاحب الأدب هذا قد يكون مؤلفًا وراوية للأدب، كما قد يكون شاعرًا أو كاتبًا أو خطيبًا خاطبه الجاحظ في قوله ناصحًا: "فإن أردت أن تتكلف هذه الصناعة، وتنسب إلى هذا الأدب، فقرضت قصيدة أو حبرت خطبة، أو ألفت رسالة... فاعْرِضْه على العلماء"[9].



وقد قام العلامة الأستاذ عباس محمود العقاد بالرَّبط بين كلمة أدب وكلمة هدب وهذب بقوله: "يقال: هذَّب الشجرة، إذا أزال أشواكها وفضولَ أوراقها، وسوَّى فروعَها وغصونَها، ومن هنا يستعار التهذيبُ للإنسان الذي تزال عيوبُه وتنتظم أحواله"، ثم قام - رحمه الله - بمقارنة لفظة أدب بهذا المعنى في اللغة العربية ومقابلها في اللغات الأجنبية، خاصَّة الإنجليزية والفرنسية؛ ليؤكد وجودَ هذا التقابُل بين الأدب والتمدن الدال على التهذيب، "فالمقصود من التأديب في مصطلح اللغات كافَّة أن يصلحَ الإنسان للمعاشرة والتفاهُم بين أهل المعرفة والكياسة، ووسائل ذلك في التربية العربية بإجماع الروايات أن يلقن النَّاشئ صفوةَ الأشعار والأمثال والحكم وأيام العرب وأصول الأنساب، وأن يتفقه في دينه، وأن يقوم لسانه وفكره، ويحترز من الخطأ في عباراته وإشاراته، فهو بلغة المجاز - إذن - شجرة مثمرة بغير أشواك وبغير قشور، وهو مؤدب أو مثقف بمعنى واحد في الأصل والمجاز"[10].



لعل هذه الجولة اليسيرة في تراثنا اللغوي والنقدي تكشف لنا ولو بعجالة عن مفهوم خاص للأدب، بما أنه سلوك حسن، وقول حسن، وهو ما يتوافق مع أحد أهم القواعد الإسلامية التي تدعو إلى اتحاد القول بالفعل؛ يقول - عزَّ وجلَّ -: ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 3]، فالشخصيةُ الإسلامية تنبني على السلوك الصالح، والقول الطيب؛ من أجل بناء مجتمع منسجم، واضح العلاقة، مترابط الصلة، موحد الأهداف، فلا بدع أن ينعكس ذلك على مفهوم الأدب ولو نظريًّا؛ لتصبحَ الرسالةُ الأدبيةُ ذاتَ مقصد خاص هو الإسهام في بناء الفرد والجماعة المسلمة نفسيًّا وسلوكيًّا وعقليًّا ولغويًّا... وقد قال الجاحظ كما ذكر قبلاً: "الأدبُ أدبان: أدب خلق، وأدبُ رواية، ولا تكتمل أمورُ صاحب الأدب إلا بهما".



ويُمكن توضيحُ هذه القاعدة بهذا الرسم:





الأدب = الشكل الفني + المضمون الأخلاقي.



وحين نذكر الشكل الفني، فإننا نعني به العناصر الفنية التي يتشكل بها الإبداع الأدبي من مثل: اللغة المركبة تركيبًا فنيًّا، الصور الفنية، الخيال/التخييل، الإيقاع... القافية... انتقاء الكلمات ذات الدلالات الفنية...



هذا الشكل الفني لا ينطلق وحْدَه هائمًا على وجهه، بل هو مسؤول عما يحمله من مضمون، وعما يحضنه من تصوُّرات، وعما يلوح به من معاني ورؤى، فهو ليس كل شيء في العملية الإبداعية، وإنَّما وجه من وجهي عملتها المتحدين:

العملية الإبداعية = الشكل الفني + المضمون الأخلاقي.



وقد يلاحظ القارئ أنَّنا استعملنا مفهوم المضمون الأخلاقي، وحتى لا ينحصر هذا المفهوم في ذهن القارئ، فإنَّني أسارع بتوضيح معناه الذي أقصده منه؛ ذلك أنَّنا لا نعني بالأخلاق هنا مستواها الإلزامي المتمثل في الحلال والحرام، والأمر والنهي، والصواب والخطأ... فقط، بل نشير إلى مستواها الشعوري، ذلك المستوى الذي يحتضن مشاعر الحب والبُغض، والرغبة والرهبة، والتقارُب والتباعُد، والإعجاب والنفور... والانشراح والانقباض، ومشاعر الأخوة والأبوة والأمومة... والمشاعر التي تُفرِزُها العلاقات بالمجتمع والأفراد، والعلاقات القائمة مع ظواهر الكون بأحيائه وأمواته وجماداته... والعلاقات القائمة بين الذَّات وخالقها... فكلُّ تلك المشاعر لها نصيب في نفس كل إنسان بنسبة أو بأخرى، وعن مجموعها تتبيَّن نفسيتُه وعقليته التي تطفو على سطح سلوكه، ومن جملته سلوكُه اللغوي.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-08-2021, 12:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأدب الإسلامي... مقاربات تأصيل وتعريف

ذلك ما نعنيه من مفهوم المضمون الأخلاقي الذي هو تشرب تلك المشاعر وسيلانها من خلال شكل فني يضمن لها الانتشار والتغلغل عبر كل المنافذ والشقوق إلى ذات المتلقي، للتأثير فيه بوعي أو بغير وعي.



وهنا وقبل تقديم تعريف شامل للأدب الإسلامي لا بد أن نعرج للإجابة عن سؤال إشكالي؛ ليسهل على القارئ فهمُ ذلك التعريف وتبنيه بعد ذلك، والسؤال هو: ما العلاقةُ المحتملة بين الأدب كفن، والإسلام كدين زاخر بالقيم والمبادئ والرُّؤى؟



2- علاقة الأدب بالإسلام:

سبق في مقال نشر في "المجلة العربية " ع 403، شعبان بعنوان: "الدين وأصول الفن" أن كشفنا عن العلاقة التي تربط بين الفنون عامة، والآداب خاصَّة، وبين الأديان التي يؤمن بها الناس، ويتشربون تصوراتها، ويحتضنون معتقداتها بين تلافيف قلوبهم، ومسارب نفوسهم وعقولهم، كما تأكدنا أنَّ الفن والشعر (الأدب) خاصَّة خرج من رحم المعابد الدينية الأولى، وقد حمل تلك التصوُّرات بحقها وباطلها في أثناء لغة ذات خصائص فنيَّة عالية (مقدسة)، وأشاعها بين الناس، وتُغني بما تبعثه من أشواق ورُؤى، وما تفرزه من مشاعر ومواقف حتى غدا أساسًا شديد المراس من أسس المعرفة عند كُلِّ الشعوب والحضارات المجهولة والمعلومة على السواء.



إنَّ الدينَ باعتباره معتقداتٍ وتصوُّرات خاصة، وما تنتجه وتُفرزه من مشاعر تَهضم كلَّ ذلك وتغذي وجودَه، وتساعد على توطيده سلوكيًّا في علاقات الأفراد داخل المجتمع الواحد - إن الدين بهذا المعنى يَحتاج إلى لغة خاصة؛ ليخلد بها ذاته بوصفه معتقدًا وتصورًا وموقفًا من الكون والحياة والإنسان والغيب... ذلك أنَّ اللغة هي العضو الأكثر ضمانًا لبقائه داخل المجتمع وفي أعماق الأفراد، كأنَّ الدين يعلم يقينًا أو حدسًا أن اللغة مهيأة لذلك كأنَّها جبلت عليه... وكأنه يعي مهمتها الخطيرة في حياة الإنسان، ظاهره وباطنه، حياته ومماته، نعم إن للغة رحمًا يستطيع استقبالَ بذور التصورات والمعتقدات وتربيتها تربية خاصَّة وبأسلوب يفي بإخراجها في حُلَّة جمالية، وتوشيتها بسحر خاص؛ لتستساغ عند الناس... كما أنَّها تمتلك رحمًا للتاريخ... والعلوم... ورحمًا خاصًّا بمستوى تفاهات الإنسان وعزماته، وشؤون حياته حقرت أو عظمت... إنَّها تلبي كل ذلك؛ لأن كيانها خلق لأداء تلك المهمات جميعها بكل مستوياتها المتفاوتة... والدين بحدسه يفهم ذلك ويستثمره لصالحه، ولو كان باطلاً عاطلاً.



وأظنني لا أضيف للقارئ علمًا إذا قلت: إنَّ المذاهبَ المستحدثة والأيديولوجيات المتناسلة، سواء تلك التي تريد الحلول محلَّ الدين أو هاتيك التي تناقضه وتحاربه، إنَّ تلك المذاهب والأيديولوجيات قديمها وجديدها وما سيتوالد منها - ظلَّت مُحتفظة بذلك الحدس الشعوري أو اللاشعوري بخطورة اللغة في مستواها الأدبي الإبداعي ومدى أهميتها، ليس فقط في حمل التصوُّرات والمعتقدات والمواقف الشاملة، بل كما قلنا قبلُ: بتخليدها وتربيتها جماليًّا؛ لتستساغ عند الناس، وتنال إعجابهم وقبولهم لتشربها واحتضانها والفناء في قيمها.



وهكذا نعلم بيقين أنَّ الأديانَ والمذاهب صالحها وطالحها محقها ومبطلها - تستثمر اللغة خاصة في مستواها الأدبي الإبداعي ومهاراتها وخصائص البقاء والديمومة فيها لمصلحتها، كأنَّ ذلك عرفٌ إنساني متوارث، تواضع الناس عليه وأقروه في دستور حياتهم وتاريخهم وحضاراتهم إلى الآن... ولا يزال.



فإذا كانت الأديان والمذاهب جميعها... استطاعت أن تبعث في أَنَاسِيِّها والمؤمنين بها مشاعِرَ رغبة ورهبة وأحاسيس النفس واضطرابها بكل حركاتها، وأشواق الروح وخلجات القلب بكل تجلياتِها، وكل ذلك عنينا به قبلُ المضمونَ الأخلاقي للأدب، كما استطاعت تسريب ذلك وإعلانه وترسيخه من خلال لغة خاصة، تَمتلك مميزات فنية وجمالية، وقدرة على التأثير الخفي، والتغلغل إلى أعمق غور في كيان الإنسان... إذا كانت تلك الأديان والمذاهب قد استطاعت ذلك، فما بالك بالإسلام الذي ظهرت فيه الحقائقُ جلية مشرقة بجمالها الرسالي، متوهجة بجلالها الرباني، وشموليتها الواسعة، وأبعادها العميقة الغور في النفس والمجتمع والحياة؟ فقد ظهرت من خلاله معاني الإله الحق الذي ليس كمثل ذاته ذات، ولا جماله جمال، ولا جلاله جلال، إله موصوف بكل صفات الرحمة والقوة واللطف والجبروت والعظمة والقدرة... كما ظهرت بأنوار الإسلام حقيقة الإنسان، ككائن تتواشج قبضة الطين فيه بنفخة الروح المقدسة، فيه نوازع الخير التي يزكيها الإسلام وينميها، ويدعو إلى سلوك سُبُلها، وفيه نوازع من الشر عليه تطهير نفسه منها، وبذلك فهو كائن مسؤول عن فعله وقوله وسلوكه، ومن ثمة فهو حر في هذه الحياة له أن يتبع طريق العلو والرشاد، أو يسفل نحو هاوية الهبوط والغي، كما ظهرت بفضل الإسلام ورسالته حقيقة الكون، بصورة أكثر سطوعًا وأنور دلالة، وأروع مظهرًا، لا كمادة ميتة، بل كتجل لعظمة الخالق، ففيه جمال يبعث الشوق والبهجة والانبساط في النُّفوس، وفيه جلال يبعث على الرهبة والخشوع والتعظيم، إنه كون حي، تحس الروح الإنسانية الصافية مظاهرَ الحيوية فيه إذا ارتبطت معه برباط الاحترام والحفظ والتقارب، كونٌ في صورة صديق شفاف رقيق وحساس، وليس بعدو متربِّص غامض مفزع، أمَّا حقيقة الحياة، فنحن إذا استجلينا صورتَها كما انطبعت على مرآة الإسلام، أو كما يكشف عنها ويُصورها، فسنجدها اكتسبت معاني زاخرة الدلالة، واسعةَ الأفق، عميقة الأبعاد، وافرة الغنى بإيحاءاتِها وأسرارها، إنَّها ليست مَحصورة في ظواهر جامدة، أو في مُدَّة من الزمن مَحدودة بحدود الأفراد والمجتمعات، إنَّها أشسع مساحة؛ لأنَّها هبة من الله الأول الآخر، إنَّها أرحب من أن يحصرها ضيقُ الأفق الذي تصطنعه كثير من المذاهب والمناهج، وتحده بعض الأيديولوجيات والأفكار، إنَّها أكبر من أن تسعَها الظواهرُ الملموسة المحسوسة، التي يظنها الناس أو أكثرهم هي مساحة الحياة الحقيقية، ولا مساحة بعدها ولا أبعاد، والإسلام من خلال هذه الصورة التي يقدمها عن الحياة إنَّما يدعو الإنسان ليتشرب روحها وينتعش بنسغها، فينشرح صدرًا، بعدما ضاقت عليه الدنيا بظلمها، وطغيان بعض أهلها، وجشع المترفين فيها، وذل المستكينين في رحابها، ويدفعه إلى تجديد معنى حياته بربطها بالخالق العظيم الكريم، فلا يعدها هوة من العدم ستبتلعه، أو إلهًا جبارًا عابثًا سيشقيه، وإنَّما يكشف له عن حياة من نوع آخر هو الذي يُحدد مسارَها في حياته الأولى، ثم سيجني ثمارها خيرًا أو نكدًا في حياته الآخرة...



هذه باختصار بعض القيم الرُّوحية التي يقدمها الإسلام من خلال تصوُّره للخالق والإنسان والكون والحياة، وهي قيمٌ ذات درجة عالية من السمو الروحي والوجداني والعقلي... لو أنَّها سكبت في نفس حساسة، يقظة، لأدهشنا التفاعُل الذي سيحدث، ولأبهرتنا المشاعرُ التي ستفيض، والأشواق التي ستنبثق طرية غضَّة... وبعد هذا كلِّه تلك اللغة الشاعرة التي ستنفجر، وتعلو أشجارها، وتشمخ أفنانُها، وتتشاسع ظلالُها، وتتساقط ثمارها ندية حلوة...



3- تعريف الأدب الإسلامي:

وعند هذا الملتقى نكتشف الدائرة والمساحة التي يصافح فيها الأدبُ الإسلامَ، إنَّ غنيمة الأدب ولغة الأدب ستكون ثرية غنية إذا وُجد الأديب الذي يمتلك رؤيةً عميقة وشفافية حساسة، وأدوات استقبال صافية، من قلب حي متألق رحب، ومن عقل متفكر متدبر واسع الأفق، ومن خيال يُحلِّق بجناحيه إلى كل أبعاد الحياة، ومن عاطفة طافحة بحب الكون والإنسانية والحياة والخالق العظيم، ومن أسلوب تمحض عن تجارب مستمرة ومداوَمة ممدودة وخبرة رزينة... فإذا وجد هذا الأديب، فستكون غنيمة الأدب من الإسلام ذات شأن عظيم.



وهنا نكون قد وصلنا إلى رَبْوة عالية نستطيع أن نشرف منها على تعريف شامل للأدب الإسلامي، كما يلي: الأدبُ الإسلاميُّ هو تلك المادة اللغوية التي تتميز بإبداعية خاصَّة تنسجم مع التقاليد المؤسسة لمعنى الأدبية، وهو مادة ذات شكلٍ مَرِن يساير حركةَ الإبداع بما يُغنيه ويُحقق جمالياته وديمومته، وشَكْلٍ يحتوي مضامين وجدانية وشعورية مرتبطة بالإسلام رؤيةً وتصوُّرًا لا بمعنى القواعد والقوانين، ولكن بمعنى الإحساس الذي يُفرزه الوجدان من خلال تَمثُّله لتلك الرؤية، وذلك التصور وتشكيله لغة في مستواها الإبداعي الجمالي.





[1] د. حسن الأمراني، مجلة المشكاة، الملتقى الدولي للأدب الإسلامي، ص 34، ط 1، 1998م.



[2] تيزفيطان تودوروف، مفهوم الأدب، ت: منذر عياشي، ص 45، مركز الإنماء الحضاري، ط1، 1993.



[3] مادة أدب، القاموس المحيط، تاج العروس، لسان العرب.



[4] العقد الفريد، ج 2 ص 10، عن مجلة علامات في النقد، ص 281 ج 20 مج 5، 1996.



[5] العقد الفريد، ج2 ص 16، نفسه.



[6] صحيح البخاري.



[7] العمدة، ص 29 ج 1، تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد، دار الرشاد الحديثة، دون ت.



[8] عن مجلة علامات م س، ص 282.



[9] ن م ص: 283 - 284 - 285.



[10] العقاد، عيد القلم، ص 25 - 26 - 27 بتصرف، منشورات المكتبة العصرية، بدون ت.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 80.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 78.32 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.92%)]