|
|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
اختيار الزوج في عرف الحرائر: ماوية بنت عفزر نموذجا
اختيار الزوج في عرف الحرائر: ماوية بنت عفزر نموذجا محمد فريد فرج فراج كيف تزوج حاتم ماوية؟ بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين صلى الله عليه وسلم. ألا إن الحياة ليست إلا مجموعة من المحطات للإنسان، والمفارق للطرق، وبناءً على اختيار الإنسان للطريق الذي يسلكه في كل مَفرق من مفارقها، ينبني على هذا الاختيار سعادته أو شقاؤه في الدنيا والآخرة، نسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من السعداء في الدارين، ونعوذ برحمته من الشقاء فيهما، أو في إحداهما. من أهم مفارق الطرق التي تقابل الإنسان - سواء أكان ذكرًا أم أنثى - اختيار الزوج، وهو من أعظم الدلائل على عقل المختار ودينه وفَهمه، وتصوُّره للحياة ومفهومه عنها! وفي هذا الصفحة الذهبية من تراثنا العربي الزاخر تَضرب لنا ماوية بنت عفزر مثلًا رائعًا للحرة الشريفة في اختيار بعلها ورجلها الذي تأتَمنه على نفسها. وذلك عندما ذهب حاتم الطائي لخِطبتها - وهو مَن هو في السيادة والشرف والكرم - ولكن ماوية ليست كغيرها من النساء الخاملات، فهي من بنات ملوك اليمن، وحَرِيٌّ بمثلها أن تعطينا نموذجًا مشرِّفًا عمن في مثل حسبها ورَجاحة عقلها، باهِرِ الاتِّزان. فلا عجب إذًا ممن كانت مثل ماوية أن يتكاثر الخُطَّاب على بابها، وهذا ما حدث عندما أتى حاتم ماوية بنت عفزر يَخطبها، فوجد عندها النابغة الذبياني ورجلًا من النَّبيت يَخطبانِها! وكان عليها حينئذ أن تكشف لنا عن نصيبها من العقل والحكمة والفطانة بفقه الاختيار لمن تُسلس له زمامَ أمرها، وتنقاد إليه بطوعها! فقالت لهم معلنة الاختبار: انقلبوا إلى رِحالكم، وليقل كل رجل منكم شعرًا يذكر فيه فِعاله ومنصبه، فإني متزوجةٌ أكرمَكم وأشعرَكم، فانطلقوا ونحر كل رجل منهم جزورًا. ثم لبست ماوية ثيابًا بالية لأَمَةٍ لها واتَّبعتْهم، فأتت النبيتيَّ فاستطعمتْه، فأطعمها ذنبَ جزوره، فأخذتْه، وأتت النابغة فأطعمها مثل ذلك، فأخذته، وأتت حاتمًا وقد نصَب قُدُوره، فاستطعمته، فقال: انتظري حتى تبلغ القدر إناها، فانتظرت حتى بلغت، فأطعمها أعظمًا من العَجُز وقطعةً من الحارك، ثم انصرفت، وأهدى إليها النابغة والنبيتي ظهرَي جزوريهما، وأهدى إليها حاتم مثل ما أهدى إلى امرأة من جاراته، وصبَّحوها، فاستنشدتهم، فأنشدها النبيتيُّ: هلَّا سألتِ هداكِ الله ما حسَبي عند الشتاءِ إذا ما هبَّتِ الريحُ وردَّ جازِرُهم حرفًا مُصرَّمةً في الرأسِ منها وفي الأنقاءِ تَمليحُ إذا اللقاحُ غدتْ مُلقًى أَصِرَّتُها ولا كريمَ مِن الوِلدان مَصْبوحُ ثم استنشدت النابغة فأنشدها: هلَّا سألتِ بَني ذبيانَ ما حسَبي إذا الدُّخَانُ تَغشَّى الأشْمطَ البَرَمَا وهبَّت الريحُ مِن تِلقاء ذي أُرُلٍ تُزجى مع الصُّبح مِن صُرَّادِها صِرَمَا إني أُتَمِّمُ أَيساري وأمْنَحُهمْ مَثنى الأيادي وأكْسو الجَفْنةَ الأُدُمَا ثم استنشدت حاتمًا فأنشدها: أَماويَّ إن المال غادٍ ورائحُ ويَبقى مِن المال الأحاديثُ والذكرُ أماويَّ إني لا أقول لسائلٍ إذا جاء يومًا: حلَّ في مالِنا نَذرُ أماويَّ إما مانعٌ فمُبَيِّنٌ وإما عطاءٌ لا يُنَهْنِهُه الزَّجرُ أماويَّ ما يُغني الثراء عن الفتى إذا حشرَجت يومًا وضاق بها الصدرُ أماويَّ إن يُصبح صداي بقَفرةٍ من الأرضِ لا ماءٌ لديَّ ولا خَمرُ ترى أن ما أنفقتُ لَم يكُ ضرَّني وأن يديْ مِمَّا بخِلتُ به صِفرُ يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: اختيار الزوج في عرف الحرائر: ماوية بنت عفزر نموذجا
وقد علِم الأقوامُ لو أن حاتمًا أراد ثراءَ المال كان له وَفْرُ فلما فرغ من إنشاده دعت ماوية بالغداء، فقدمت إلى كل رجل ما كان أطعمها، فنكَّس النبيتيُّ والنابغة رأسيهما، فلما رأى حاتم ذلك رمى بالذي قدِّم إليهما، وأطعمهما مما قدِّم إليه، فتسللا لواذًا، فتزوجت حاتمًا. وفيها يقول: وإني لَمِزْجاءُ الْمَطيِّ على الوجَا وما أنا مِن خُلَّانك ابْنةَ عَفْزَرَا فلا تَسأليني واسْألي: أيُّ فارس إذا الخيلُ جالَت في قَنًا قد تكسَّرَا؟! وإني لوهَّابٌ قَطُوعي وناقتي إذا ما انْتَشَيْتُ والكُميتَ المُصدَّرَا وإني كأشلاءِ اللجامِ ولن ترى أخا الحربِ إلا ساهِمَ الوجهِ أغبَرَا أخو الحربِ إن عضَّت به الحربُ عضَّها وإن شمَّرتْ يومًا به الحربُ شمَّرَا[1] فتأمل كيف كانت هذه الفتاة البكر الأريبة اللبيبة ميمونة النقيبة راجحة العقل! 1- لقد أدركت ماوية أن الجود والكرم أهم سمات الزوج؛ لأن كرم النفس وجودها يدل على أصالة معدنها، خلاف البخل والشح، فهو علامة اللؤم، وأمارة الخسة، وبرهان الدناءة. 2- كما علمت أن حقيقة الكرم لا يكون إلا لمن لا يعرفه الكريم، ولا يرجو ثوابه أو جزاءه على كرمه. فليس الكريم الذي يسخو بالعطاء على مَن يعرفهم، أو يرجو شكرهم، ويبغي ثناءهم، وينتظر جزاءهم له على كرمه، فإنما ذلك تاجر مستثمر يعطي ليأخذ، وليس كريمًا يعطي للكرم وسمو النفس. أما الكريم الجواد هو من يعطي الفقير المغمور الذي لا يرجو نواله، ولا ينتظر مكافأته وإحسانه، ولذلك ذهبت في هيئة رثة، وثياب بالية، وفي مِسلاخ أَمةٍ، وهي حالة لا يُكرمها إلا كريم النفس، ولا يجود عليها إلا جواد الطبع. 3- كما علمت ماوية أن حقيقة الكرم ليس العطاء المجرد، فلا يكون المرء كريمًا إلا أن يعطي مما يحبه وتهواه نفسه، أما أن يعطي الإنسان شيئًا حقيرًا، فلا يدل به إلا على حقارة نفسه. 4- تأمل كيف أخبرت ماوية الناس بقرارها الأخير، وكيف كشفت لكل منهم حقيقة نفسه، وخبثَها ودناءتها. وأخيرًا: اذكروا أن هذه أخلاق ماوية وهي امرأة وليست رجلًا، وأن هذا سَمت حاتم وهو كافر، وليس مسلمًا. لقد تأثرت بهذه الصفحة المشرقة من صفحات تراثنا العربي القديم، ولا سيما في عصر قد تزور فيه صديقَك فلا تجود نفسه بكوب من الشراب البارد! لعلها تُحرك فينا كرم الإسلام، أو نخوة العرب، أو شهامة الرجولة، أو تستدعي أي معنى من المعاني الجميلة التي افتقدناها في حياتنا المعاصرة الحزينة! وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول: ﴿ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |