الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         فتنة التفرق والاختلاف المذموم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          رغبة المؤمنين ورهبتهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          رسالة إلى الأبناء – مدرستك هي مجتمعك الصغير.. فمن أنت في المجتمع؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          فانتقِ منهم أطيب ثمارهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          اهتمام سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز بالحديث النبوي وأثره في العقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          السر وقانون الجذب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          فوائد البنوك.. ومخالفة رب العالمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أبرز صفات المعلم السلوكية في الفكر التربوي الإسلامي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          ابحث عن مكان مغلق لحل الخلافات -حتى لا يكون الأبناء ضحية المشكلات الزوجية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 3130 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-09-2021, 08:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,594
الدولة : Egypt
افتراضي الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم



الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم (1)


مدخل إلى حفظ القرآن الكريم

الشيخ عبدالله محمد الطوالة



الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا، ويسَّره للعالمين تلاوةً وفهمًا وحفظًا وتدبرًا وتفسيرًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 45]، والصلاةُ والسلامُ على من بعثهُ اللهُ تباركَ وتعالى هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا منيرًا، وعلى آله وصحبهِ وأتباعه، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

وبعد:
أخي الكريم.. أختي الكريمة..
فهل راودك حلمٌ أن تكون من حفَّاظِ كتاب الله تعالى؟
هل فكرت يومًا أن تكون من أهل القرآن الكريم؟

هل سألت نفسك (بإلحاح): ماذا يتطلَّبُ مني حِفظُ كتابِ الله جلَّ وعلا؟
هل حاولتَ سابقًا أن تحفظَ القرآنَ الكريم ولم تستمر؟
كيف يكونُ القرآنُ ميسرًا للحفظ والكثيرُ من الناس لم يستطيعوا أن يحفظوه؟
كيف يمكن للشخص العادي أن يحفظَ كتاب اللهِ كاملًا وبإتقانٍ شديد؟
هل هناك طريقةٌ نموذجيةٌ أفضلَ من غيرها لحفظ القرآنِ الكريم؟
هل هناك أساليبَ وأدواتٍ تُسهِّلُ عملية الحفظِ وتقوي تثبيتهُ؟


تساؤلاتٌ كثيرةٌ.. سنحاولُ بإذن اللهِ أن نجيبَ عليها في هذه السلسلة من المقالات، وأن نقدمَ فيها الكثيرَ من النصائحِ والتوجيهات، وأن نُحركَ بعون اللهِ ما تجمَّدَ من الهمم والطاقاتِ، وأن نُزيلَ بحول اللهِ ما قد يُعيقُ البعضَ من أوهامٍ ومُثبطات.. فاستعن بالله وتابع القراءة.

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]:
ابتداءً أقول: إنَّ أكثرَ الناسِ (وللأسف الشديد) لم يتبينوا مقدارَ ما منحهم اللهُ تعالى من قُدراتٍ هائلةٍ، وطاقاتٍ ضخمةٍ، ومواهِبَ فائقةٍ.. تؤكدُ الكثيرُ من الدراساتِ والأبحاثِ أنَّ الانسانَ (العادي) لا يُفعِّلُ منها إلا مِقدارًا ضئيلًا جدًّا، وأنهُ لو تمكنَ من تفعيلِها بالشكل الصحيحِ فسيحقِّقُ نتائج كبيرةً، وإنجازاتٍ مميزة.

وتؤكدُ الدراساتُ أيضًا أنَّ الذين يحققونَ الإنجازاتِ المتميزة، إنما هم في الحقيقةِ بشرٌ عاديون.. لكنهم يبذلونَ من الجهد كُلَّ ما يستطيعون.. ولديهم من الإصرار (والعناد) وتكرارِ المحاولةِ ما يجعلهم يُصرون على المواصلة حتى يحققوا ما يُريدون.. قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت : 69]..

وفي المقابل فغالبيةُ الناسِ مع الأسفِ الشديدِ يقعونَ تحتَ تأثيرِ كمٍّ هائلٍ من الرسائلِ السلبيةِ المحبِطةِ المحطِّمةِ، عايشوها أو سمِعوها ممن حولهم.. تراكمت في وعيِهم عبرَ السنيين، فشكَّلت عندهم قناعةً سلبيةً مُحطِّمة، أقعدتهم عن مواصلةِ المحاولة..

نعم ربما عانوا من تجاربَ سابقةٍ لم يُحالِفهم فيها النجاح..
ربما أنَّ أسبابَ النجاحِ لم تكتمل لهم في تلك التجربة التي لم يوفقوا فيها..
ربما سلكوا طريقًا خاطئًا.. ربما أخفقوا مرةً أو مرتين..
ربما أصابهم شيءٌ من الكسل وضعفِ الهمَّةِ فتوقفوا ولم يكملوا..
ربما انشغلوا بأشياء أخرى صرفتهم عن المواصلة والاستمرار..
خلاصة الأمر: أنهم توقفوا قبل أن يصلوا إلى أهدافهم..

القاسم المشترك الأكبر بين الناجحين:
لقد تبينَ من دراسة حياةِ كبارِ الناجحين وذوي الإنجازاتِ المتميزةِ.. أنَّ هناك صفاتٍ كثيرةٍ مُشتركة بينهم.. كقوة الإرادةِ، وروح المثابرةِ.. وحُسن التَّخطيطِ.. وامتلاكِ المهاراتِ المساعدةِ على بلوغ الهدفِ.. وتكوينِ العلاقاتِ المفيدةِ.. وحُسنِ إدارةِ الوقتِ وتنظيمهِ بالشكل السليم.. وغيرها كثير..

إلا إنَّ الصفةَ الأهمَّ والأقوى من بين جميعِ تلك الصفاتِ المشتركة: هي وضوحُ الهدفِ بدقةٍ وكونهِ مُلهِمًا.. يُلهبُ الحماسَ، ويرفعُ الهِمَّةَ، ويُحفزُ العزيمةَ للمُضيِّ قُدُمًا حتى يتحقَّقَ الهدفُ بإذن الله..


تلك هي الصفةُ الأولى والأهمُّ: (وضوحُ الهدفِ بدقةٍ)، أما الصفةُ الثانيةُ فهي التخطيطُ الجيد (على الورق) لبلوغ الهدفِ، وتقسيمِ العملِ إلى مراحل مُتتابعةٍ يسهلُ تنفيذها مرحلةً بعد أخرى..

والصفةُ الثالثةُ هي التركيز.. والتركيزُ هو حصرُ الذِّهنِ (بوعيٍ) على هدفٍ مُحددٍ.. جاء في الحديث "إن المنبت لا ظهرًا أبقى ولا أرضًا قطع".. والمنبتُ هو المشتَّتُ الذي يتنقلُ بين البرامج والأعمالِ دونَ أن يُكملَ أيَّ منها.. أرأيتَ إلى من يتسلقُ الجبلَ.. إنهُ لا يُفكرُ إلا في القِمَّة.. والقِمَّةُ فقط.. فركِّز تُنجِز..

ولكي يكونَ الهدفُ واضحًا ومحددًا فلا بدَّ أن نُجيبَ بدقةٍ على السؤال التالي:
لماذا أحفظُ كتابَ الله تعالى.. والجوابُ بإسهابٍ:
أحفظُ كتابَ الله تعالى.. لأنَّه حبلُ اللهِ المتين.. وصِراطهُ المستقيم.. ومنهجهُ القويم.. ونورهُ المبين.. وذكرهُ الحكيم.. من قالَ به صدق.. ومن حكمَ به عدل.. ومن عَمِلَ به أُجر.. ومن دعا إليه هُدي إلى صراطٍ مستقيم.. لا تنقضي عجائبهُ.. ولا يخلقُ عن كثرة الرد.. ولا يشبعُ منه العلماء..

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. اقتداءً بالنبي الحبيب صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة والتابعين وعلماءُ الأمَّة وأئمتها رضوان الله عليهم أجمعين..

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. لأنَّ الذي ليس في جوفه شيءٌ من القرآن الكريم كالبيت الخرب..

أحفظُ كتابَ اللهِ تعالى.. لأنَّ الذي يحفظهُ يقالُ له يوم القيامة أقرأ وارتقي ورتل كما كنت ترتلُ في الدنيا، فإن منزلتك عند آخرِ آيةٍ تقرأها..

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. لأنَّهُ سببٌ للنجاة من عذاب جهنّم؛ ففي الحديث: قال صلّى الله عليه وسلّم: "لو جُمِعَ القرآنُ في إِهابٍ، ما أحرقهُ اللهُ بالنَّارِ"..

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. لأنَّ الماهرَ بالقرآن مع السفرة الكرامِ البررة..

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. لأنَّ اللهَ يرفعُ بهذا القرآنِ أقوامًا ويضعُ به آخرين..

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. لأنالَ به مقامَ الخيريةِ.. ففي صحيح البخاري: "خيركم من تعلَّم القرآنَ وعلَّمه"..

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. لأنَّ القرآنَ الكريم يشفعُ لصاحبه يومَ القيامةِ فيُلبسُ تاجَ الكرامةِ وحُلَّة الكرامةِ، ويرضى عنه الربُّ تبارك وتعالى..

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. لأفوز بهداياته وبركاتهِ.. ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]..

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. لأنالَ من بركته العظيمة: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].. ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155].. ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 50]..

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. ليكونَ لي نورًا ورحمةً وشفاءً.. ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52] ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]..

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. ليكونَ لي ذكرًا في الدنيا والآخرة.. ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10].

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. لأنَّه ثبت أنَّ أهلَ القرآنِ هم أهلُ اللهِ وخاصتهُ.. وكفى بهذا شرفًا وفضلًا وعلو منزلة.

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. لأنَّ حِفظهُ من أقوى أسبابِ الثبات على الهداية.. ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32].

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. حتى لا أكونَ من الذين يهجرونَه عياذًا بالله.. ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].

أحفظُ كتابَ الله تعالى.. لأستعينَ بذلك على تلاوته وفهمهِ وتدبرهِ.. ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 49].

أحفظُ كتابَ اللهِ تعالى.. لأنَّه ما مِنْ خيرٍ عاجلٍ ولا آجلٍ إلا والقرآنُ مُوصلٌ إليهِ مُعينٌ بإذنِ اللهِ عليهِ.. ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسراء: 79].

أحفظُ كتابَ اللهِ تعالى.. لأنَّ حفظهُ طُمأنينةٌ في القلب، ونُورٌ في الصدر، وَبصيرةٌ في العقل، واستقامةٌ في اللسان، وفصاحةٌ في البيان..

إلى غير ذلك من فوائد حفظِ القرآن العظيم وثمراته..

﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 22].
ثم إنَّ القرآنَ العظيمَ رغم أنهُ غزيرُ المعاني.. بليغُ الأسلوبِ.. قويُ الحبكِ والتركيبِ.. شديدُ الوقعِ والتأثير.. إلا أنهُ قريبُ الفهمِ والاستيعاب.. سهلُ الحفظِ والتَّذكر.. جميلُ النغمةِ والجرْسِ.. ترتاحُ النفوسُ لسماعةِ، وتنشرحُ الصدور بتلاوته، وتطمئنُ القلوبُ بذكره.. تأمَّل قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾[القمر: 22].. ثم تأمَّل كيف تكرَّر ورودُ هذه الآيةِ الكريمةِ في نفس السورةِ أربعَ مراتٍ.. وفي هذا دِلالةٌ واضحةٌ أنَّ القرآنَ العظيمَ مُيسرٌ جدًا لكُلِّ من أرادَ حِفظهُ (بصدق).. وأنه لا عُذرَ لأحدٍ في ترك ذلك.. فلا يُعذرُ بضعف الإمكانياتِ، ولا بكثرة الانشغالات، ولا بغيرها من الأعذار الواهيات.. فالله تعالى يقول: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾[القمر: 22]..

يقول الشيخ ابن بازٍ رحمه الله: والمعنى أنَّ اللهَ يسَّرَ هذا القرآنَ للحفظ والفهمِ والتدبرِ والتلاوةِ.. فجديرٌ بالمؤمن والمؤمنةِ العنايةُ بهِ حِفظًا وتلاوةً، وتدبرًا ومُذاكرةً.. ثمَّ يقولُ رحمهُ الله: ومن صَدَقَ اللهَ في طلب ذلك يسَّرَ اللهُ لهُ حِفظهُ, فاللهُ يقول: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 22].. (انتهي كلامه رحمه الله)..

ولا أدلَ على شِدَّة تيسِيرهِ من كثرة من يحفظُ القرآنَ الكريمَ كاملًا.. حِفظًا قويًا راسخًا.. رغمَ تواضُعِ مستواهم العلمي، ورغم عدمِ تميُزهم العقلي، بل إنَّ بعضهم قد تقدمت به السنُّ كثيرًا.. بل إنَّ منهم من تجاوزَ السبعين والثمانين.. وهناك من حفظَ القرآنَ وهو في التسعين.. كما أنَّ هناك من الاعاجِم من يحفظُ القرآنَ الكريمَ حفظًا مُتقنًا، رغم أنه لا يعرفُ من العربية شيئًا.. وكُلُّ ذلك يؤكدُ أنَّ القرآنَ الكريم مُيسرٌ تيسيرًا عظيمًا لكل من صدق في طلبه، وأمتلك عزيمةً ورغبةً جادةً في حفظه.. وأنَّ اللهَ بفضله وكرمِهِ هو الذي سيُعينُه ويُيسرُ لهُ مُرادهُ.. فهو القائل سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾[القمر: 22] ..

وإلى اللقاء في الجزء الثاني..










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-09-2021, 08:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,594
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم

الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم (2)

الشيخ عبدالله محمد الطوالة




أسس حفظ القرآن الكريم


التقوى هي أساس التوفيق والهدى:
حين يتأمَّل المؤمن آياتِ التقوى في كتاب الله جل وعلا؛ كقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282]، وقوله جل وعلا: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28]، وقوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].

يعلم أنه بغير التقوى لن يقوى، وأن التقوى هي أساس التوفيق والهدى، وأنها هي سبب القَبول والرضا، قال جل وعلا: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27].

وبعد التقوى، تأتي الاستعانة بالله جل وعلا؛ ففي الحديث الصحيح: ((استعن بالله ولا تَعجِزْ))، والمعنى أنه إذا صحَّتِ استعانتُك بالله جل وعلا، فلن يأتيك العجزُ بإذن الله.

وما جعل الله هذه الآية العظيمة: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] واسطة العقد في أعظم سور القرآن الكريم، ولا أوجَبَ على المسلم أن يدعو الله بها في كل ركعة من صلاته، وبما لا يقل عن سبعة عشر مرةً في اليوم والليلة، يقول: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، إلا لأن الاستعانة أمرٌ في غاية الأهمية، وضروري جدًّا لبلوغ كل ما يريده الإنسان من خيرَي الدنيا والآخرة؛ ولذا أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم معاذَ بن جبل رضي الله عنه أن يقول دبر كل صلاة: ((اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)).

ثم ليحذر المسلم من الذنوب والمعاصي؛ فإنها شؤم ومآسٍ:
خَلِّ الذنوبَ صغيرَها
وكبيرَها ذاك التُّقى
واصنَعْ كماشٍ فوق أر
ضِ الشوكِ يَحذَرُ ما يرى
لا تحقرنَّ صغيرةً
إنَّ الجبال من الحصى


ومن شؤم الذنوب والمعاصي حرمانُ التوفيق ونسيان العلم:
شكوتُ إلى وكيعٍ سوء حفظي
فأرشَدَني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور
ونورُ الله لا يُهدى لعاصي


ومن غلبتْه نفسُه الأمارة بالسوء، فتلوَّث بشيء من أدران الذنوب والمعاصي، فعليه بكثرة الاستغفار؛ ففي الحديث القدسي: ((يا بنَ آدم، لو بلَغتْ ذنوبُك عَنانَ السماء ثم استغفرتَني، غفرتُ لك ولا أبالي))، وفي محكم التنزيل يقول العزيز الغفور: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، وفي صحيح البخاري يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرةً)).

إذًا فأساس التوفيق لكل خيرٍ تقوى الله جل وعلا، والاستعانةُ به تبارك وتعالى، وكثرة الاستغفار.

غيِّر قناعاتك تتغيَّر حياتك ومنجزاتك:
حين يتأمل المسلم قولَ الحق تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، يتساءل: ما هو الشيء الذي إذا تغيَّر في نفس الإنسان، تتغيَّر معه حياتُه ونتائجه ومنجزاته؟ والجواب: إنه القناعات، نعم أيها المبارك، غيِّر قناعاتِك، تتغير حياتك ونتائجك ومنجزاتك، وتأمَّلْ قولَ الحق جل وعلا: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]؛ لتعلم أن الأصل في الإنسان أنه خلق لينجح (قناعة إيجابية)، إلا إذا استسلم للفشل ورضي به (قناعة سلبية).

ذُكِر أن عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه سئل: يا إمام، كيف تغلب خصومَك؟ فقال: ذلك أني أقدِّر أني أهزم خصمي، ويقدِّر هو أني أهزمه، فأكون أنا ونفسُه عليه، والمعنى أن لديه (قناعةً إيجابية)، بينما خصمه لديه (قناعة سلبية).

وهناك مقولة جميلة لأحد مفكري الغرب تقول: "إن كنت تعتقد أنك تستطيع (قناعة إيجابية)، أو كنت تعتقد أنك لا تستطيع (قناعة سلبية)، فأنت على حقٍّ في كلا الحالين"، من فضلك أعد قراءة العبارتين.

ثم تذكَّر جيدًا: أن النجاح في أي مجال (ومن ذلك حفظ القرآن الكريم) يحتاج إلى أمرين أساسين:
الأمر الأول: الثقة والاقتناع النفسي التام بأنَّ الله تبارك وتعالى قد منح كلَّ إنسان من الطاقات والقدرات ما يكفي (وزيادة) لكي يحقِّق كلَّ ما يريده من أهداف وغايات، ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4].

فمثلًا في مجال الحفظ: هناك دلائلُ كثيرة، ومؤشرات قوية، تدل على أن الله تبارك وتعالى قد منح الإنسان (العادي) طاقات عقلية هائلة جدًّا، يستطيع بها أن يحفظ كتاب الله كاملًا بكل سهولة ويقين، وبإتقان شديد.

من هذه الدلائل والمؤشرات: حفظُ الإنسان لما لا يحصى من النصوص، والقصائد، والقصص، والأحداث، والمشاهد، والعناوين، والمعلومات، والأشكال، والوجوه، والأسماء، والصفات، والكلمات، والمعاني، والتعابير، والأفكار، والتراكيب البيانية، والصور البلاغية، والشواهد الأدبية، والكم الهائل جدًّا من الذكريات القديمة والحديثة، (ولا شك أن من يحفظ كل هذا لا بد أن يكون لديه ذاكرة ضخمة جدًّا).

ومن الدلائل: قدرة الإنسان المذهلة على فهم المعاني بدقة، والربط بين الأشياء المتناسقة، والتمييز بين الألوان المتقاربة، والتفريق بين الأصوات المتشابهة، والروائح المتداخلة، والقدرة على تخمين الأبعاد والأوزان والأحجام والمسافات، والقدرة على تحديد الاختلافات المكانية والزمانية، وكذلك توقُّع واستنتاج بعض الأشياء الغائبة، (وكل واحدة من هذه القدرات تحتاج إلى مخزون هائل من المعلومات).

ومن الدلائل: إتقان الإنسان للكثير من المهارات المعقدة؛ كالكلام والقراءة والكتابة، والرسم والإنشاد والإلقاء، وسائر أنواع الألعاب العقلية والبدنية، وهي كثيرة جدًّا، (وكل مهارة منها تحتاج إلى مخزون هائل من المعلومات).

ومن الدلائل أيضًا: قدرة الإنسان العجيبة على تكوين الأحلام أو الخيالات ورؤيتها كمَشاهِدَ حقيقة، تقول الدراسات: إن حلمًا قصيرًا (لعدة ثوانٍ) يحتاج في تكوينه إلى مساحة تخزينية هائلة جدًّا.


وغير ذلك من الدلائل والمؤشرات الكثيرة والمتنوعة، كلٌّ منها يدل على أن الله تبارك وتعالى قد منح الإنسان (العادي) طاقاتٍ وقدرات عقليةً هائلة وضخمة جدًّا.

كما أن هناك قواعدَ عامة ومسلَّمات (قناعات) يؤمن بها الجميع، يحسُنُ التذكير بها، من ذلك على سبيل المثال:
ما هو ممكن لغيرك ممكن لك إذا بذَلتَ نفس الأسباب.
كل من سار على الدرب وصل.
إذا بذَلَ الإنسان كل ما في وُسعه، فستذهله النتائج.

هذا فيما يتعلق بالثقة والاقتناع النفسي (تكوُّن القناعات)، فلا بد أن يمتلك الإنسان قناعةً نفسيةً إيجابيةً قويةً، وثقةً ويقينًا تامًّا بأنه وبما أعطاه الله من طاقات وإمكانيات (كثيرة)، يستطيع بإذن الله أن يصل إلى هدفه (الحفظ المتقن لكامل القرآن).

والأمر الثاني: أن يتقن المهارات والسلوكيات العملية الخاصة بالمجال الذي يريد النجاح فيه؛ إذ إن لكل مجال مهاراتٍ خاصة به، وسلوكيات عملية تساعد على بلوغه ينبغي إتقانها جيدًا، وذلك من خلال التدريب المكثف، والممارسة الجادة ولفترة تدريبية كافية.

ففي مجال الحفظ: لا بد من اتقان المهارات الخاصة بالحفظ النموذجي، وكذلك المهارات الخاصة بالمراجعة المثالية، وهذا ما سنفصله (في الجزء الثالث) بإذن الله.

فمن فضلك لا تكمل القراءة حتى تفهم جيدًا ذانك الأمرين الأساسين جيدًا.

الهمة طريق القمة:
ثم اعلم أخي الكريم: أنك في طريق مبارك، ومشروع عظيم، ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10]، فاستفرِغِ الجهد والطاقة، وعليك بعلوِّ الهمة، وقوة الإرادة، فـــ
على قَدْرِ أهلِ العزم تأتي العزائمُ *** وتأتي على قدر الكرامِ المكارمُ
♦ ♦ ♦
ومَن تكنِ العلياءُ همَّةَ نفسِه *** فكلُّ الذي يلقاه فيها محبَّبُ

ومن كانت له نفسٌ توَّاقة، طارت به نحو المعالي، ومن طلب العلا سهر الليالي، وبقدر الكد تُكتسب المعالي، ومن يتهيب صعود الجبال، يعش أبد الدهر بين الحفر، فكن رجلًا إن أتوا بعده، يقولون: مَرَّ وهذا الأثرُ، وما لم تكن قد وهبت نفسك لغاية عظيمة وأهداف جليلة، فحياتك لم تبدأ بعد.

فسابق نحو العلا، ونافس في المكرمات، وزاحم قوافل العظماء، فبقدر ما تتعنَّى، تنال ما تتمنَّى، وعلى قدر المؤونة، تأتي من الله المعونة، و﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، واعلم أن من ثبَت نبَت، ومن صبر ظفر، ومن جدَّ وجَد، ومن سار على الدرب وصل، ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].

وتيقن أخي المبارك: أنك لستَ بأقلَّ من غيرك، ولا أبطأ ممن سبقك، ولا أدنى ممن فاقك، فجهِّز أدواتك، ونظِّم أوقاتك، وحدِّد أولوياتك، وغيِّر قناعاتك؛ لتتغير حياتك ومنجزاتك، وركز تنجز، واستعن بالله ولا تَعجِزْ، وقم وانطلق إلى حيث تستحق، وهيا لتكون، أفضل ما يمكنك أن تكون، ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].

ثم اعلم - وفَّقك الله - أن الهمة هي طريق القمة، وهي طليعة الأعمال وبدايتها، وهي الباعث عليها والمحرك لها، والناس إنما يتفاوتون بتفاوت هممهم وعزائمهم ﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾ [الليل: 4]، وكلما عظُمت الهمة، وارتفعت العزيمة، اقترب الإنسان من النجاح أكثر.

نعم أيها المبارك: كلُّ إنسان بحسَبِ همته وعزيمته، فمن اجتهد ورفع نفسه، علَت وارتفعت، ومن قصَّر بها وأهملها، سفُلت وانحدرت؛ ولذا ينبغي للعاقل اللبيب أن يهتم غاية الاهتمام بتقوية همته، ورفع عزيمته، ووالله إن الأمر يستحق أن يضع له الإنسان جدولًا خاصًّا، يملؤه بالطاعات والقربات، والنوافل والأذكار والصدقات، وغيرها من الأعمال الصالحات، يتوسل بها إلى فاطر الأرض والسموات؛ عسى أن يُكرِمَه ربُّه، ويرزقه همةً في الخير عالية، وعزيمةً في معالي الأمور ماضية.

فمتى صلَحتْ همة المرء وعزيمته، صلَح له ما وراء ذلك من الأعمال، وزاد حظُّه من المعالي والخيرات، وحقَّق ما يصبو إليه من أهداف وغايات.

كما أن من الأمور التي ترفع الهمة وتزيد الدافعية لحفظ كتاب الله تعالى:
الحفظ على يد شيخ قارئ مربٍّ: حيث إن كل من له تجرِبة ناجحة في حفظ القرآن يتفق على أن قراءة القرآن وحفظه على يد شيخ متقن مربٍّ أمرٌ في غاية الأهمية، ليس فقط لتصحيح القراءة والتأكد من سلامة المحفوظ لغةً وتجويدًا، بل هو كذلك من أهم وسائل الثبات وتقوية الدافعية والاستمرارية؛ فالارتباط يقوي الانضباط.

ومن حسنات الشيخ أنه يتابعك ويراعيك، وينصح لك ويشير عليك، ويفيدك من خبراته وتجاربه وعلومه، يقوِّم أخطاءك، ويصحِّح قراءتك، يشجعك إذا تقدمت، ويدفعك إذا تراخيت، ويعاتبك إذا تماديت، فلا غنى لطالب القرآن عن شيخ يتابعه ويهتم به، جزى الله مشايخنا عنا كل خير، وبارك في أعمارهم وأعمالهم، ورفع قدرَهم ومقامهم في الدنيا والآخرة، وتقبَّل الله منا ومنهم.

ومن الأمور التي ترفع الهمة وتزيد الدافعية لحفظ كتاب الله تعالى:
التنافس مع الأقران؛ يقول الحق جل وعلا عن نعيم الجنة: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]، ويقول جل وعلا: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148]، وفي الحديث المتفق عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسدَ إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله مالًا، فسلَّطه على هلكته في الحق، ورجلٌ آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلِّمها)).

وقد أظهرت دراسات عدة أن للمنافسة النزيهة دورًا محفزًا في رفع معدل الانضباط والتركيز، وأنها تدفع الإنسانَ لبذل المزيد من الجهد والعطاء، وتمنحه شعورًا إيجابيًّا يساعده على تحقيق المزيد من الأداء الأفضل، بل وتجعله أكثر تصميمًا على مواجهة التحديات والصعوبات، وتزرع فيه رغبةً قويةً مستديمة نحو التميز والتحسن.

فمتى تيسَّر للحافظ بيئةٌ تنافسية نزيهة، فسيسهم ذلك في تحقيق إنتاجية أعلى من إنتاجية البيئة التي تخلو من التنافس؛ لذا يقول الشاعر:
عن المرء لا تسألْ وسَلْ عن قرينِه *** فكلُّ قرينٍ بالمقارن يقتدي

وكل هذا يمكن أن يوجد في بيئة حلقات التحفيظ ومقارئ القرآن الكريم، حيث يجد فيها الحافظ بُغيتَه من الشيوخ المتقنين، والأقران المتعاونين.

وكم للحلقات من دور كبير في ربط المسلم بكتاب الله عز وجل، والانشغال بمعالي الأمور، واستثمار الأوقات في أحب الأعمال إلى الله!

وكم للحلقات من أثر واضح في الانضباط وتقدُّم الحفظ، وزيادة الإتقان، إضافةً إلى الأجور العظيمة، والجوائز القيمة!

جاء في صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: ((ما اجتمَعَ قومٌ في بيت من بيوت الله يَتْلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا حفَّتْهم الملائكة، وتغشتهم الرحمة، وتنزَّلتْ عليهم السَّكينة، وذكَرَهم الله فيمن عنده)).

ومن الأمور التي ترفع الهمة وتزيد الدافعية لحفظ كتاب الله تعالى:
قراءة سير العلماء والحفاظ، وما ورد عنهم من قصص وأخبار؛ يقول الله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]، فلا شك أن الاطِّلاع على سير العلماء ومناقبهم، ومعرفة أخبار الحفاظ ومنجزاتهم، لا شك أن لذلك فوائدَ متعددة، ومنافع مؤكدة؛ فهو يستنهض الهمم، ويحرِّك العزائم، ويزيل عن النفوس ما تراكَمَ عليها من غبار الغفلة والتراخي، وما عَلِقَ بها من شؤم الذنوب والمعاصي، فتنتعش بعد ذبول، وتنشط بعد خمول.
كرِّرْ عليَّ حديثَهم يا حادي *** فحديثُهم يجلو الفؤادَ الصادي

ويقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله: سِيَرُ الرجال أحبُّ إليَّ من كثير من الفقه.

ثم إن الإنسان لن يعدم أن يستفيد من تجارِبهم، وينهل من عصارة أفكارهم، ولو لم يكن في قراءة سيرهم، إلا شرف الصُّحبة لكفى، فهم القوم لا يشقى بهم جليسُهم؛ الرحمة تتنزل بذكرهم، ومن أحَبَّ قومًا حُشِر معهم.


ومن الكتب التي يُنصَح بقراءتها في هذا الباب: كتاب "صفحات من صبر العلماء" للشيخ عبدالفتاح أبو غدة، وكتاب "قيمة الزمن عند العلماء" لنفس المؤلف، وكذلك كتاب "علو الهمة" لمحمد إسماعيل المقدم، وكتاب "الهمة العالية" لمحمد إبراهيم الحمد، وكتاب "الهمة طريق إلى القمة" لمحمد موسى الشريف.

نسأل الله بمنه وكرمه أن يجزيهم عنا خير الجزاء، وأن يتقبل منا ومنهم.

وإلى اللقاء في الجزء الثالث..





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-09-2021, 07:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,594
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم


الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم (3)

الشيخ عبدالله محمد الطوالة




الحفظُ النموذجي


عِلم النمذَجة:
قبل أن ندخلَ في طريقة الحفظِ النموذجي.. من المهم أن نتعرفَ على ما يُسمى بعلم النمذجة، وهو علمٌ يقومُ على مُراقبة مجموعةٍ من الأشخاصِ المميزين في مجالهم - حفظُ القرآنِ مثلًا - بغرض معرفةِ كيفَ يؤدونَ ذلك العمل بتلك الطريقةِ المميزة.. فيتمُ مراقبتُهم وتحليلُ تصرفاتِهم من كُلِّ الجهاتِ الممكنة، كالناحية النفسيةِ والعقليةِ وآلياتِ أداءِ المهارةِ؛ وذلك من أجلِ تصميمِ نموذجٍ مثاليٍ للمهارات والإجراءاتِ والسلوكياتِ والأعمالِ المشتركةِ بينهم، لكي يحتذِي بهذا النموذجِ المصمَّمِ ويسيرُ على مِنواله من أرادَ الوصولَ لنفس النتيجةِ من المتدربينَ الجدد.

إنها القاعدة التي تحدثنا عنها سابقًا: ما هو مُمكنٌ لغيرك مُمكنٌ لك إذا بذلت نفس الأسباب.. فعلمُ النمذَجةِ يحاولُ معرفةَ هذه الأسبابِ من خلال تصميمِ نموذجٍ مثاليٍّ تتجسَّدُ فيه كلُّ المهاراتِ والإجراءاتِ والأعمالِ اللازمةِ للوصول إلى نفس النتيجةِ.

وفيما يتعلقُ بالحفظ النموذجي فقد قامَ الدكتور يحيى الغوثاني وفقه الله وهو مدربٌ متمكنٌ في علم النمذَجة بدراسة ومراقبةِ مجموعةٍ مُتميزةٍ من الحفاظ، وحدَّدَ من خلال أدائِهم المهاراتِ والإجراءاتِ والأعمالِ المتعلقةِ بالحفظ.. ثم صمَّمَ من خلال تلك المعلوماتِ التي جمعها عنهم، طريقةً نموذجيةً للحفظ، وكذلك صمَّمَ مواصفاتِ البيئةِ النموذجيةِ للحفظ، وكذلك بين كيف يُهيئُ الحافظُ نفسهُ للحفظ النموذجي، بما في ذلك تحديد العوامل المساعدة على تسهيل وتقويةِ الحفظ.. بحيث يأخذُ بها الحافظُ الجديدُ فتجعلهُ أقربَ إلى الحفظ النموذجي، والذي يتميزُ بأنهُ أسهلُ جُهدًا، وأقوى تركيزًا، وأرسخُ حِفظًا.. ثم طبقَ ذلك كله على مجموعةٍ من الحفاظ الجدد، فكانت النتائجُ مُشجعةً للغاية.

مع التنبيه الـمُهمِ على أن أيَّ مهارةٍ جديدةٍ أو طريقةٍ جديدةٍ تحتاجُ إلى فترٍة كافيةٍ من التطبيقِ والممارسةِ إلى أن يتعودَ الانسانُ عليها، وتصبحَ مألوفةً تمامًا له، ثمَّ بعدَ ذلك يبدأُ في الاستفادةِ الفعليةِ من هذه الطريقة، ولو ضربنا مثالًا بالكتابة على لوحة المفاتيح.. فهناك طُرقٌ تقليديةٌ تستخدِمُ أصبعًا أو أصبعين ورغمَ أنَّ الكتابةَ بهذه الطريقةِ تؤدي الغرضَ لكنها بطيئةٌ ومُجهِدةٌ، والطريقةُ النموذجيةُ للكتابة على لوحة المفاتيح هي باستخدام الأصابعِ العشرة، وهي طريقةٌ سريعةٌ وفعَّالةٌ وسهلةٌ جدًا لمن تدرَّبَ عليها جيدًا حتى يُتقنها ويتعوَّدَ عليها ويألفها تمامًا.. كما قال الأوائل: من ثبت نبت، ومن جدَّ وجد، ومن صبرَ ظفر، ومن سارَ على الدرب وصل.

وهكذا طريقةُ الحفظِ النموذجي التي سنوضحها في الدروس القادمةِ بإذن الله.. فهي طريقةٌ سهلةٌ وفعالةٌ جدًا في الحفظ؛ لأنها تُجبرُ الحافظَ على أن يضلَّ مُنتبهًا مُركزًا طوالَ الوقتِ.. وبذلك تتغلبُ هذه الطريقةُ على أكبر مُعوقاتِ الحفظِ لدى الكثيرين وهو التشتتُ وضعفُ التركيز، لكن هذه الطريقة (كما ذكرنا) لن تُصبحَ سهلةً وفعالةً ولن تُعطي النتائجَ المأمولة إلا بعد ممارستها وتطبيقها لفترةٍ كافيةٍ وإلى أن تتقنها وتتعوَّدَ عليها وتصبحَ مألوفةً تمامًا عندك، وذلك مثلما يفعلُ من يتعلَّمُ قيادةَ الدراجةِ أو السباحةِ أو أي طريقةٍ جديدة، فهو لن يستفيدَ منها حتى يتجاوزَ مرحلةَ التعلُّم ويألفها تمامًا إلى درجة الإتقان.

فالنصيحةُ المهمَّةُ هنا: هي الصبرُ على ممارسة هذه الطريقةِ الجديدةِ في الحفظ فترةً كافيةً من الزمن حتى تتعوَّدَ عليها وتألفها تمامًا.


تهيئةُ البيئةِ النموذجيةِ للحفظ:
حيث أن الحافظ سيبقى في مكانِ الحفظِ فتراتٍ زمنيةٍ طويلةٍ، فلا بدَّ أن تكونَ البيئةُ مُعينةٌ على راحة الحافظِ ليستمرَ على نشاطه وحيويتهِ وتركيزهِ فترةً طويلة، تمكنهُ من أداءِ مًهمتهِ على أكمل وجهٍ.. وذلك بأنْ يكونَ المكانُ المُخصصُ للحفظ مكانًا هادئًا، خاليًا من أيِ مُشتتاتٍ بصريِةٍ أو سمعيةٍ أو نفسيةٍ، وأن يكونَ مكانًا مُريحًا للجسم والنفسِ، وأن يكونَ مكانًا جيدَ الإضاءةِ، جيدَ التهويةِ، وأن تكونَ درجةُ الحرارةِ مُناسبةً ومُعتدلة، وحبذا لو أمكنَ استخدامُ أجهزةِ تنقيةِ وترطيبِ الهواءِ إذا كانَ الجو متأثرًا بشيءٍ من مُلوثاتِ البيئة، كعوادِمِ الدُّخانِ ونحوها.

وهذه الاجهزة مُتوفرةٌ بكثرةٍ وثبتت فعاليتها.. والدليلُ أنَّ من يخرجُون خارج البنيانِ حيثُ الأجواءُ الطبيعيةُ النقية، والهواءُ العليلُ، يؤكدونَ أن قُدرتهم على الحفظ والمراجعةِ تتضاعفُ مرتين أو ثلاثًا.. بل إنَّ من يخرجون إلى فناء المنزلِ أو سطوحهِ في أوقات اعتدالِ الجو وصفائهِ يذكرونَ مثل ذلك.. وهذا الأجهزةُ لها مُفعولٌ مُشابهٌ لذلك.

هذا ما يتعلق بالمكان، أما ما يتعلقُ بالزمان فأنسبُ الأوقاتِ ما يُعينُ على جودةِ الحفظِ وترسيخه، كالأوقات الهادئةِ، والتي يكونُ الجو فيها صافيًا بدرجةٍ أكبر، وكذلك ما يكونُ بعد أوقات النومِ والراحة، وحينَ يكونُ الجسمُ قد أخذَ كفايتهُ من النومِ والراحةِ، وهضمَت المعِدةُ ما بها من طعامٍ.

وهكذا سنجدُ أنَّ أفضلَ الأوقاتِ هو وقتُ السَّحرِ وما قبلَ الفجرِ، وهو الثلثُ الأخيرُ من الليل، حيث بركةُ التنزلُ الإلهي، وحيثُ الهدوءُ والصفاء، وحيثُ ترتفعُ نسبةُ الأوزون وهو الاكسجين المُشبع، والذي يزيدُ من نشاط العقلِ وعطائهِ، ثم يأتي وقتُ ما بعد الفجرِ وأولُ النهارِ. فإن لم يتيسر شيءٌ من ذلك، فليكن بعد أن يأخذَ الجسمُ كفايتَهُ من النوم والراحةِ، وبعد هضمِ الطعام، لأن المعِدة الملآى تسببُ الخمولَ وضعفَ التركيز.

يقول الامام ابن الجوزي رحمه الله: " ينبغي لمن يريدُ الحفظَ أن يتشاغلَ به في وقتِ جمعِ الهمِّ (يعني حينما يكونُ تركيزهُ عاليًا)، ومتى رأى نفسهُ مشغولَ القلبِ ترك الحفظَ، ويحفظُ قدرَ ما يمكنهُ دون تكلُّفٍ، فإن القليلَ يثبُتُ والكثيرُ لا يحصُل.. وقد مُدِحَ الحفظُ في السَّحَرِ لموضِعِ جمعِ الهمِّ، وفي أوقات البُكورِ وأولِ النهار، وفي هدوء الليلِ، ولا ينبغي أن يحفظَ على شاطئ نهرٍ، ولا بحضرةِ خُضرةٍ لئلا ينشغلَ قلبهُ ويتشتت".

ومن الأمور المتعلقةِ ببيئةِ الحفظِ أن يُخِصصَ نُسخةً ثابتةً من القرآن يحفَظُ منها ولا يُغيرَها؛ لأنَّ ممَّا يُساعدُ على رسوخ الآيةِ في الذاكرة ربطُها بمكانِها في الصفحة، فإذا تغيرت النُسخةُ تغيرَ مكانُ الآيةِ فربما تشوشت الذاكرةُ بذلك، ولذلك نوصي بأن يثبُتَ الحافظ على نُسخةٍ واحدةٍ من القرآن حتى يختمَ بإذن الله.

إذن فلا بدَّ أن يكونَ المكانُ المخصصُ للحفظ مكانًا هادئًا، خاليًا من عوامِلِ التَّشتُتِ، وأنَّ يكونَ مكانًا مُريحًا للجسم والنفسِ، وأنَّ يكونَ مكانًا جيدَ الإضاءةِ، جيدَ التهويةِ، وأن تكونَ درجةُ الحرارةِ مُناسبةً، وأنَّ يختارَ وقتًا مُناسبًا للحفظـ، وأنَّ يكونَ الجسمُ قد أخذَ كفايتَهُ من النوم والراحةِ وهضمِ الطعامِ، وأنَّ يختارَ نُسخةً ثابتةً من القرآن الكريمِ يحفظُ منها.. ثمَّ ليثبُت على هذه الاختياراتِ قدرَ الإمكانِ، فلا يُغيرَ المكانَ ولا الزمانَ ولا النُّسخةَ فلِكُلِّ اِمرِئٍ مِن دَهرِهِ ما تَعَوَّدا، إلا إذا كانَ مُضطرا مُكرها.



التهيئة النفسيةُ للحفظ:
وبعد أن هيئنا بيئةً نموذجيةً للحفظ.. آن الأوانُ لمعرفة كيفَ نُهيئُ أنفسنا للحفظ.. كيف نهيئُ عقولنا وقلوبنا وأجسادنا لجلسة الحفظِ.. وذلك على النحو التالي:

أولًا: الاهتمامُ بنظافة البدنِ وطهارتهِ ورائحتهِ.. ويمكنُ استشعارَ أهميةِ ذلك إذا عقدنا مُقارنةُ بين شخصينِ يذهبانِ لخُطبة وصلاةِ الجمعة، في نفس الوقتِ ونفسِ المسجدِ.. إلا أنَّ أحدهما اغتسلَ وتطهرَ، ولبسَ ثيابًا نظيفةً وتَطيبَ وتجمَّلَ، والآخرُ لم يفعل من ذلك شيئًا، فأيهُما الذي سيفهمُ ويستوعِبُ ويستفيدُ أكثرَ من دروس الخطبة؟ لا شكَّ أن الذي تهيئ بدنيًا وتجمّلَ وتعطَّر هو الذي سيستفيدُ أكثر، ولا شكَّ أن اللائقَ بمن يجلسُ بين يدي القرآنِ الكريمِ أن يكونَ في أفضلِ هيئةٍ ممكنة.


وثانيًا: الجلوسُ الصحيح، وذلك بأن يجلسَ الحافظُ جلسةً صِحيَّةً.. وهي الجلسةُ التي يشعرُ الجالسُ فيها بالجدِّية وعدمِ التهاونِ.. ويكونُ فيها الظهرَ والرقبةَ والرأسَ كُلها عمودِيةً مُستقيمة.. وهذا الأمر مُهمٌ جدًا لأنَّ الجلسةَ المائلةَ والقريبةَ من الاضطجاعِ تُوحي للعقل بعدم الجديةِ وتُسببُ التراخيَ والكسل، وضعفَ التركيزِ وتجلِبُ النومَ.. نعم قد يُسمحُ بشيءٍ من ذلك في المراجعة المتقدمةِ، أما الحفظُ الجديدُ والمراجعاتُ الأولى فلا بدَّ فيها من الجدِّية والجلوس جلسةً صِحيّةً مُعتدلة.


وثالثًا: تحديدُ الهدفِ من الجلسة بدقةٍ.. فلذلك فوائدُ عديدةٌ منها:
يهيئُ النفسَ والعقلَ لبذل الجُهدِ اللازم، حتى إكمالِ المُهمَّةِ..

يرفعُ مُستوى الجديةِ والتركيز، ويقضي على الحيرةِ والتردُّدِ (من أين أبدأ، وما الذي سأفعلهُ الآن)..

يُعطي شُعورًا إيجابيًا مُحفزًا، حين يرى الانسانُ نفسهُ وهو يتقدمُ بثباتٍ لإكمال مهمته..

إذن فلا بدَّ من تحديد الهدفِ من جلسة التحفيظِ بدقةٍ، فعلى سبيل المثالِ: سأحفظُ في هذه الجلسةِ نصفَ صفحةٍ حفظًا جديدًا، وسأراجعُ عشرَ صفحاتٍ مما حفظتهُ سابقًا.


ورابعًا: التنفسُ العميق: فلكي يعملَ الدماغُ بكفاءةٍ عاليةٍ فهو يحتاجُ إلى أمرين أساسين، السكرُ الأُحادي، والاُكسجين.. والغالبيةُ من الناس يعانون من زيادة الأولِ ونقصِ الثاني؛ أي من زيادة السكرِ الأُحادي، ونقصِ الاُكسجين الواصِل للدماغ، وللحصول على حفظٍ نموذجيٍ فينبغي أن نُقلَّلَ من السكرُ والنشويات، وأن نزيدَ من استنشاق الاُكسجين وذلك عن طريق التنفسِ العميقِ. والتنفسُ العميقُ: هو أن تسحبَ عن طريق الأنف كميةً كبيرةً من الهواء تجعلهُ يصِلُ إلى أسفل الرئتينِ، وتجعلُ الصدرَ يرتفعُ بوضوحٍ، ثم اكتمَ النفسَ لبضع ثوانٍ، وعندما تطلقُ الزفيرَ حاول أن تُخرجَ أكبرَ كميةٍ منهُ لكي تُفسِحَ أكبرَ مجالٍ للهواء الجديد (النقيِ).. ولهذا التنفُسِ العميقِ فوائدُ عديدةٌ، فهو يمنحُ الدماغَ ما يحتاجهُ من الاُكسجين، ويضاعفُ القدرةَ على الحفظ والتَّذكرِ، ويزيدُ من طاقة الجسمِ ونشاطهِ وحيويتهِ.

يقولُ الدكتور يحيى الغوثاني مُتحدثًا عن مردود التنفسِ العميقِ على الحفظ: "ستلاحظون من خلال التجربةِ كيف سيتضاعفُ حِفظكم للقرآن على الأقل ثلاثَ مراتٍ".


وخامسًا: تجديدُ الإخلاصِ للهِ تبارك وتعالى فهو شرطُ القبولِ.. وكذلك تكرارُ الاستعانةُ به جلَّ وعلا على إنجاز الحفظِ وتثبيتهِ، وذلك بأن يدعو المسلمُ بخشوعٍ وتضرعٍ والحاح: اللهم أعني ووفقني ويسِّر لي حفظَ كتابك.. ويكرِّرُ ذلك باستمرار. فإذا كان المسلمُ يستعينُ بالله جل وعلا في كلِّ ركعةٍ يُصليها: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، فمن باب أولى أن يستعين به تبارك وتعالى على حفظ كتابهِ الكريمِ.


وسادسًا: أن يظلَ الحافظُ في حالةٍ نفسيةٍ جيدة، ومعنوياتٍ مُرتفِعة، وأن يَشعُرَ بالراحة والرضا تجاه نفسهِ وما يقومُ به، وذلك بالمحافظة على أوراده من الأذكار، خُصوصًا أذكارَ الصباحِ والمساءِ، كما يُمكنُه أن يُحدِّثَ نفسهُ ويُرسِل لها رسائلَ إيجابيةٍ مُشجِعة، ترفعُ معنوياتها، وتُحفِزُها على أداء مُهمتها، وإتمامِها على أحسن وجهٍ، وقد وُجِدَ لذلك أثرٌ إيجابي ملموسٌ، فالشاعِرُ يقولُ:
والنفسُ راغبةٌ إذا رغبتها *** وإذا تُردُّ إلى قليلٍ تقنعُ

فعلى سبيل المثالِ يمكن أن يُذكرَ نفسهُ بقول اللهِ تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، أو بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: « استعن بالله ولا تعجز.. ».

أو يقولُ لنفسه: العملُ الجادُّ إن لم يوصلني للقمة فسيُقربُني منها كثيرًا..

أو يقولُ: يا نفسُ واصلي.. فلكُلِّ مجتهدٍ نصيب، ومن ثبت نبت، ومن صبر ظفر، ومن جَدَّ وجد، ومن سارَ على الدَّربِ وصل..

أو يقولُ: أنا قادرٌ بحول اللهِ وفضلهِ، أن أضعَ نفسي في المكان اللائقِ بها..

وقول الشاعر:
لاستسهلن الصعب أو أدرك المنى *** فما انقادت الآمال إلا لصابر

وقول الآخر:
بقدر الكدِّ تكتسب المعالي
ومن طلب العُلا سهر الليالي
ومن رامَ العُلا من غيرِ كَدٍّ
أضاع العمر في طلب المحالِ
ومن تكن العلياء همة نفسه
فكل الذي يلقاه فيها محببُ


ونحو ذلك من العبارات المحفزة المشجعة..

طريقةُ الحفظِ النَّموذجي:
وبعد أن هيئنا بيئةً نموذجيةً للحفظ، وهيئنا أنفسنا للحفظ النموذجي.. لم يبقَ إلا أن نتعلَّمَ طريقةَ الحفظِ النموذجي:
فتخيل أنك الآنَ في مكانك النَّموذجي الذي خصصتهُ للحفظ، وأنك قد تهيئتَ بدنيًا لجلسة الحفظِ، فاغتسلتَ وتطهرتَ وتطيبتَ وتجمَّلت، وجلستَ جلسةً صحيَّةً جادة، ثمَّ تنفستَ تنفسًا عميقًا عدةَ مراتٍ، ثمَّ توجهتَ إلى ربكَ تُجدِّدُ لهُ نيةَ الإخلاصِ وتسألهُ جلَّ وعلا العونَ والتوفيقَ والقبول، ثمَّ شجعتَ نفسك بشيءٍ من الرسائل الإيجابيةٍ المُحفزةٍ..

فلنفترض الآن أنك تُريدُ أن تحفظَ الصفحةَ الأولى من سورة الملكِ مثلًا:
افتح مُصحفكَ الذي خصصتهُ للحفظ، على أول سورةِ الملك..

أنتَ الآنَ تنظرُ إلى أول مقطعٍ من الآية الأولى.. ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾ [الملك: 1].. انظر فقط لهذا المقطعِ في المُصحف.. انظر نظرةً تصويريةً مُركزة.. كأنكَ تريدُ تصويرَ هذا المقطع، كأنك تريدُ طباعتهُ ورسمهُ في داخل عقلك..

وفي أثناء هذه النظرةِ التصويريةِ المركزةِ تنفس تنفُسًا عميقًا كما شرحناهُ سابقًا..

ثم أقرأ المقطعَ بصوتٍ واضحٍ مسموع.. اقرأهُ مرتينِ أو ثلاثًا.. وفي كُلِّ مرةٍ حاول أن تُغيرَ من سُرعةِ وطريقةِ قراءتِك..

ثم أغمض عينيكَ جيدًا.. واقرأ المقطعَ من حِفظِك..
كرِّر قراءتهُ وانتَ مُغمضُ العينين حتى تشعُرَ بتمكُنِك مِنهُ تمامًا..

ثمَّ افتح عينيكَ وانتقل للمقطع التَّالي من الآية: ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.. وافعل به ما فعلتهُ بالمقطع الأولِ.. النظرةُ المركزةُ.. النفسُ العميق.. القراءةُ المسموعةُ مرتينِ أو ثلاث.. اغماضُ العينين.. قراءةُ المقطعِ من الذاكرةِ عِدةَ مراتٍ.. ثمَّ وقبلَ أن تفتحَ عينيك، اقرأ المقطعينِ سويًا (الآية كاملة) عدةَ مرات.

ثم انتقل للآية الثانيةِ: وافعل معها ما فعلتهُ مع الآيةِ الأولى جزئها حسبَ طولِها إلى مقاطعَ صغيرةٍ، بحيثُ لا يتجاوزُ كلَّ مقطعٍ خمسَ كلماتٍ، ثم افعل مع كلِّ مقطعٍ كما فعلتَ في المقطع الأول، ثم اربط كلَّ مقطعٍ مع ما قبلهُ (غيبًا).. حتى تكتملَ الآية، ثم اربط الآيةَ الثانيةَ بالآية الأولى غيبًا وأنت مُغمضُ العينين.

ثم انتقل للآية الثالثة.. جزئها حسبَ طولِها إلى مقاطعَ صغيرةٍ، وافعل مع كُلِّ مقطعٍ كما فعلتَ في المقطع الأولِ، ثم اربط كلَّ مقطعٍ مع ما قبلهُ (غيبًا).. حتى تكتملَ الآيةُ الثالثة، ثم اربطها بالآيتين السابقتين أي بالآية الثانية والأولى.. تقرأها كُلها غيبًا وانت مُغمضُ العينينِ.

ثم الآيةُ الرابعة كذلك.. جزئها حسبَ طولِها إلى مقاطعَ صغيرةٍ.. وافعل مع كلِّ مقطعٍ كما فعلتَ في المقطع الأولِ.. ثم اربط كلَّ مقطعٍ مع ما قبلهُ (غيبًا).. حتى تكتملَ الآيةُ الرابعة.. ثم اربطها بالآيتين السابقتينِ لها.. أي بالآية الثالثةِ والثانية، تقرأها كُلَّها غيبًا وانت مُغمضُ العينين..

وهكذا تستمرُ إلى نهاية الصفحةِ أو المقدارِ الذي حدَّدتهُ.. تُجزءُ كُلَّ آيةٍ حسبَ طولِها إلى مقاطعَ صغيرةٍ.. وتفعلُ مع كلِّ مقطعٍ ما فعلتهُ في المقطع الأولِ.. ثم تربطُ كُلَّ مقطعٍ مع ما قبلهُ (غيبًا).. حتى تكتملَ الآيةُ.. ثم تربطها بالآيتينِ السابقتينِ لها.. تقرأُ الآياتِ الثلاثِ غيبًا وانت مُغمضُ العينينِ..

فلو فرضنا أنَّ آخرَ آيةٍ في المقدارِ الذي حدَّدتهُ هي الآيةُ العاشرةُ مثلًا.. فإنك بعدَ أنْ تحفظَها بنفس الطريقةِ، تربِطها بالآيتينِ السابقتينِ لها أي بالآية التاسعةِ والثامنة.. تقرأُ الآياتِ الثلاثِ غيبًا وانتَ مُغمضُ العينينِ..

فإذا انتهيتَ من حفظِ كاملِ المقدارِ المُحدَّدِ.. فاعد تلاوة كاملِ المقدارِ غيبًا وانتَ مُغمضُ العينينِ.. ما لا يقلُ عن عشرَ مراتٍ..


وهناك طريقةٌ جميلةٌ وفعالةٌ تُساعدُ على ربط الآياتِ ببعضِها أثناء الحفظِ الجديد، وعندَ تثبيتِ الحفظِ الضعيفِ.. وهي أن تُضيفَ لآخرِ الآيةِ التي تَحفظُها، كلمةً أو كلمتينِ من بداية الآية التي بعدها، وكأنها جُزءٌ منها.. مثال: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ ﴾ [الملك: 1، 2]

وهذه الطريقةُ تُساعِدُ أيضًا في ربط الصفحاتِ ببعضِها وهي مُشكلةٌ يُعاني منها الكثيرُ من الحُفَّاظِ..

كما سنتعرفُ على المزيد من وسائِل الربطِ والتثبيتِ في الجزء الرابع والأخير بإذن الله..

فإلي اللقاء هناك..




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-09-2021, 07:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,594
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم

الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم (4)

الشيخ عبدالله محمد الطوالة


وسائل تسهيل الحفظ وتثبيته





أولًا: وسائلُ تسهيلِ الحفظِ:
هناك عدةُ وسائلِ وأساليبِ تُسهِّلُ عمليةَ الحفظِ قبل الدخولِ فيها عمليًا؛ أولُ هذه الوسائلِ وأقربها تناولًا وأكثرها تداولًا هو:
سماعُ مقاطعِ تلاوة القرآنِ الكريم عبر اليوتيوب وهي كثيرةٌ جدًا، ومتنوعةٌ جدًا.

خصوصًا بعد أن أصبحَ الإنترنت في متناول الجميع فعلى الحافظ أن ينتقي من القُراء، القارئُ الذي يرتاحُ لصوته ولطريقةِ أدائهِ، ثم يُكرِّرُ سماعَ الدرسِ الجديدِ الذي سيحفظهُ غدًا عِدة مرات.

ولو تعودَ المسلمُ على أن ينامَ وصوتُ القرآن يصِلُ إلى مسامعهِ بكل هدوء فسيُسهِّلُ على نفسه كثيرًا، حفظَ درسهِ الجديد، وتثبيت القديم.

ومن الوسائل الفعَّالةِ جدًا التي تسهِّلُ عمليةَ الحفظِ قبلَ الدخولِ فيها عمليًا:
قراءةُ المقرَّرِ من مُصحفِ الجيب، أو مصحفِ الجوال عِدة مراتٍ، وعلى فتراتٍ مُتباعدةٍ طوالَ اليوم؛ فإن ذلك يجعلُ الآياتِ مألوفةً عندهُ تمامًا، فيسهلُ عليه حِفظُها فيما بعد ويمكنُ للحافظ أن يفعلَ ذلك بكلِّ سهولةٍ، إذا تمكنَ من استغلالِ أوقاتِ فراغهِ في يومهِ وليلتهِ وما أكثرها.

ومن أشهر الوسائلِ لتسهيل عمليةِ الحفظِ، الاستفادةُ من تطبيقاتِ الجوالِ:
فهناك العشراتُ من تطبيقات الجوالاتِ الذكيةِ الخاصةِ بتحفيظ القرآن الكريم، (تجدها في متجر التطبيقات)، وكُلٌّ منها يحوي العديدَ والعديدَ من الخصائص والمميزات، فمنها ما يُساعد على تصحيح القراءة وتجويدها، كتطبيق (أتلوها صح)، ومنها ما يُكررُ تلاوةَ المقطعِ المحدَّدِ، بالعدد المحددِ، وبصوت القارئ المفضلِ، ومنها ما يُساعدُ على الحفظ والتسميعِ، كتطبيق (تمكين)، وتطبيقِ (تسميع) وغيرها من التطبيقاتِ الرائعة التي تحتوي على مُسمّعٍ إلكتروني، يقومُ بالاستماع للحافظ وينبهه إن أخطأ، ومن التطبيقات ما يحتوي على جدولٍ خاصٍ لمتابعة الحفظ، وبإمكانه عملُ رسوماتٍ ومُنحنياتٍ بيانيةٍ تُبينُ مستوى الطالبِ ومدى تقدُمهِ وغيرها من الخصائصِ والمميزات الرائعةِ التي تُعينُ الراغبَ على الحفظ والتسميع.

كما توجدُ تطبيقاتٌ خاصةٌ بالمتابعة اليوميةِ لكل ما يتعلقُ بنشاط الحافظِ، كتطبيق (رفيق)، الذي يُساعدُ الحافظَ على تسجيل كلِّ ما يتعلقُ بمعلومات حفظهِ ومراجعته، ثم تعطيهِ إحصائياتٍ ورسوماتٍ بيانيةٍ حولَ نسبةِ ما تمَّ حفظهُ، وما جرى نسيانهُ لعدم المراجعة، كما تحتوي على عدة مُنبهاتٍ للتذكير بآخرِ ما حُفظَ أو رُوجعَ، كما تحتوى على رسائلَ محفزةٍ، وأحاديثَ مُرغبةٍ ترفعُ الهمَّةَ وتُقوي العزيمةَ وتزيدُ الدَّافعيةَ.

كما أنَّ هناك مواقِعَ تفاعُليهٍ (أُن لاين)، على الانترنت، تابعةٍ لجمعيات تحفيظِ القرآنِ، بها فصولٌ افتراضيةٌ لتعليم التلاوةِ، وأُخرى للحفظ والمراجعة، وثالثةُ للتجويد والإقراء، وكلها تسيرُ وفقَ منهجٍ مُحدَّدٍ، وتمنحُ شهاداتٍ وإجازات.

والجميلُ أن هناك مقاطعَ وشروحاتٍ كثيرةٍ في اليوتيوب وعلى شبكة الانترنت، تشرحُ بالتفصيل خصائصَ تلك المواقعِ والتطبيقاتِ وطريقةَ تشغيلها انصحُ كثيرًا بالتعرفِ عليها والاستفادةِ منها.. نسألُ الله تعالى أن يجزي كلَّ من ساهمَ في اعداد تلك المواقعِ والتطبيقات وشروحاتها خيرًا، وأن يبارك في جهودهم وينفع بها.


ثانيًا: وسائلُ تثبيتِ الحفظِ وتقويته:
وكما أنَّ هناكَ وسائلَ لتسهيل عميلةِ الحفظ، فهناك أيضًا وسائلَ وأساليبَ لتثبيتِ الحفظِ وتقويتهِ؛ حيثُ ذكرت بعضُ الاحصائياتِ أنَّ من الطبيعي أن ينسى الإنسانُ ما لا يقلُ عن 95% مما يحفظهُ خلال اليومينِ التاليين فقط هذا إذا لم يجتهد في تثبيتِ حفظِهِ وتقويتهِ ولذا فإن من ألزم ما يجبُ على الحافظ القيامُ به، أن يثبِّتَ حِفظهُ جيدًا لكي لا يضيعَ جُهدَه سُدى، وقد وردَ في صحيح البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « تعاهدوا هذا القرآن، فو الذي نفسُ محمدٍ بيده لهو أشدُّ تَفَلُّتًا من الإبل في عُقلِها».

وهناك وسائلَ كثيرةٌ ومتنوعةٌ تُعينُ على تثبيت الحفظِ وزيادةِ رُسوخهِ بإذن الله؛ أولها وأهمُّها:
التكرار فلا رسوخَ للحفظ إلا بالتكرار
كرِّر العلم يا جميل المحيا وتدبره فالمُكرَّرُ أحلا

ولا بدَّ أن يكونَ التكرارُ كثيرًا فما كُرِّر قرّ وما هُجِرَ فرّ. يقول الشيخ سعيد بن مسفر: أحضر ورقةً وقلمًا وخُطَّ فيها خطًا ثم أعد الكتابةَ فوقهُ، ستلاحظُ أنه ازدادَ وضوحًا، أعد الكتابة فوقهُ مرةً ثالثة سيزدادُ وضوحًا، وكلَّما أعدت الكتابةَ فوقهُ ازدادَ وضوحًا بشكلٍ أكبر، حتى يمزقَ الورقةَ وهكذا هو التكرار، يزداد معه الحفظُ ثباتًا كلما أكثرت، حتى ينقُشَ في الذاكرة أثرًا لا يزول.

ولقد توصَّلَ خُبراءُ الذاكرةِ إلى أنَّ أفضلَ طريقةٍ لتثبيتِ المحفوظِ الجديدِ ورسوخهِ جيدًا في الذاكرة طويلةِ المدى هي أن يكونَ التكرارُ على فتراتٍ زمنيةٍ مُتباعدةٍ، تبدأُ قريبةً من بعضِها ثمَّ تتباعدُ أكثرَ فأكثر وعلى هذا فينبغي أن تكونَ المراجعةُ الأولى بعد حفظِ الدرسِ مُباشرةً، وأن لا يقلَ التِّكرارُ فيها عن عشرِ مراتٍ مُتتاليةٍ ثم تكونُ المراجعةُ الثانيةُ بعدَ (ساعةٍ) من المراجعةِ الأولى، ويُكرِّرُ التسميعُ فيها خمسِ مراتٍ.

هاتان المراجعتان هما أهمُّ المراجعات التي تُساهم في ثباتٍ المحفوظِ ورسوخهِ بإذن الله ثم تكونُ المراجعةُ الثالثةُ بعدَ عدة ساعاتٍ من المراجعةِ الثانيةِ (ثلاثَ مراتٍ أو أكثر) ثم تكونُ المراجعةُ الرابعةُ قبل النومِ مرةً أو مرتين ولا تستكثر التكرار: فهذا أبو بكر النيسابوري يقول: لا يحصلُ إتقانُ الدرسِ حتى يُعادَ خمسينَ مرةً وبعضُ المشايخ المعروفينَ بثبات حفظهم كانوا يكررون الدرسَ الجديد إلى سبعينَ مرة وإلى مائةِ مرة وقال أبو حامد: إذا درستم فارفعوا أصواتكم، فإنه أثبتُ للحفظ وأذهبُ للنوم.

وإذا وزَّعنا برنامج الحفظِ إلى ثلاثة أقسام: (الدرسُ أو المقرر الجديد، والحزبُ الجديد، والأجزاءُ القديمة) فسيكون الدرسُ الجديد هو آخرُ ما تنشغلُ بحفظه، وأما الحزبُ الجديد فهو آخرُ عشرةِ أوجهٍ تم حِفظها، ولأنه يتغيرُ باستمرار فالدرسُ الجديدُ يحِلُ محلَ الوجهِ الأقدمِ من تلك العشرة


ونعني بالأجزاء القديمةِ: ما حُفظَ قبل ذلك.. وهكذا فالدرسُ الجديد يُكررُ كما ذكرنا في يومه ما لا يقلُ عن عشرين مرةً متفرقة، والحزبُ الجديد يراجعُ مرتين يوميًا ويُفصلُ بين المراجعتين بما لا يقلُ عن ساعةً من الزمن فهذا أفضلُ من سردها متوالية (يعني مرةً قبل القديم ومرةً بعده).

أما الأجزاءُ القديمة: فتراجعُ بمعدل جُزئين يوميًا وكلّ ما انتهت مراجعة الأجزاء كاملةً عادَ من جديد وبذلك يكونُ مجموع الوردُ اليومي لا يقلُ عن ثلاثة أجزاءٍ يوميًّا.

ومن أعظم وسائلِ تثبيتِ الحفظ: فَهمُ الآياتِ المحفوظةِ، ومعرفةُ وجهِ ارتباطِ بعضِها ببعضٍ ويمكنُ أن يستعينَ بالتفسير المُيسرِ ونحوه، وهو تفسيرٌ مُختصرٌ يهتمُ بشرح المعاني بصورةٍ مُوجزةٍ وربطِها بخواتيم الآياتِ فيسهُلُ حِفظُها ويزدادُ ثباتُها مثال ذلك في قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [آل عمران: 35] جاء في تفسيرها: فتقبَّل مني، إنك أنت وحدك السميعُ لدعائي، العليمُ بنيتي.

وفي قوله تعالى: ﴿ إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 17] جاء في تفسيرها: والله شكورٌ لأهل الإنفاق بحسن الجزاء على ما أنفقوا، حليمٌ لا يعجل بالعقوبة على مَن عصاه وهكذا في أكثر المواضع.

ومن وسائل تثبيت الحفظِ ورسوخه:
الربط البصري والسمعي والحسي:
الربطُ البصري يُركزُ على تخيُّل شكلِ الآيةِ في المصحف، وربطُ الآيةِ بمكانها في الصفحة (أعلى اليمين، وسط يسار الخ) كما يمكنُ استخدامُ الخطوطِ والألوانِ لزيادةِ تمييزِ نهاياتِ الآياتِ المتشابهة، ومناطقِ الحفظِ الضعيفةِ والربطُ السمعي يُركزُ على صوت بعضِ الكلماتِ والحروفِ المميزةِ، ذاتِ الصفيرِ والجرسِ القوي كالسين والصادِ والزاي كما يمكنُ استخدامُ حروفِ الشينِ والضادِ والخاءِ والطاءِ وغيرها من الحروف المميزةِ للربط بين الآياتِ وتثبيتِ الحفظ.

أما الربطُ الحسي فيركزُ على تفسيرِ الآياتِ والربطِ بين معانيها، كما ذكرنا سابقًا، ومن فضل اللهِ أنّ هناك العشراتُ من الشروحات ومقاطعِ اليوتيوب، كلٌّ منها يوضحُ بالأمثلة طُرقًا مُختلفةً للربط بين الآيةِ ونهايتها، أو الربطِ بين الآيةِ وما بعدها، أو للتمييز بين الآيةِ وما يُشبهُها في المواضع الأخرى.

ومن وسائل تثبيت الحفظِ أيضًا:
ربطُ أولِ السورةِ بآخرها:
فبعد أن يُتِمَّ الحافظُ حِفظُ سورةٍ كاملةٍ يُستحسنُ ألا ينتقلَ إلى حِفظِ غيرها إلا بعدَ أن يربطَ أولَ السورةِ المحفوظةِ بآخرها وذلك بأن يُسمِّعَ السورةَ كاملةً عِدة مراتٍ أو يسمَعُها من قارئه المفضلِ، عِدةَ مراتٍ مُتتالية إلى أن يَجرِيَ لسانَه بها بسهولةٍ ويُسْر، وتصبحَ في ذهنه وِحدةً مُترابطةً مُتماسكة.

ومن وسائل تثبيتِ الحفظِ الرائعةِ والسهلةِ، خصوصًا لأصحاب النمطِ الحسى استخدامُ السبورةِ البيضاءِ والأقلامِ الملونةِ لكتابةِ المحفوظِ بخط اليدِ، كما يُمكنُ تسجيلُ بعض الملاحظاتِ حولَ مواضعِ الخطأ في دفترٍ خاصٍ، ومراجعتهِ باستمرار وميزةُ هذه الوسيلةِ أنها تُفعِّل جميع الحواسِ وبذلك يَتعزَّزُ تثبيتُ المحفوظ بأكثر من وسيلةٍ في نفس الوقتِ فالذي يكتبُ ينظرُ بعينه، ويحركُ يدهُ، وإذا رفعَ صوته فقرأ ما يكتبُ، فَعَّلَ حاستي السمعِ والنُّطقِ.

ومن وسائل تثبيتِ الحفظِ: استخدامُ قلمِ الرصاصِ على هوامش المصحفِ وتحتَ أماكن الخطأِ والضعفِ وتسجيل الملاحظاتِ حول ذلك ثم محوها إذا تمَّ التأكدُ من جودة حِفظها ولا حرجَ من فعل ذلك بنسخته الخاصةِ، فهو جائزٌ بإذن الله.

ومن وسائل تثبيتِ الحفظِ الفعَّالةِ جدًا المداومةُ على قراءةِ الحفظِ الجديدِ في الصلوات المفروضةِ والنوافلِ وليكن مُصحفُك معك أو بجوارك لتتعرفَ على أخطاءِك وتصوِّبَها، وتوثِّقَها بقلم الرصاصِ على الهامش كما ذكرنا سابقًا.

نصائِحُ مهمَّةٍ:
في نهاية هذه السلسلة من المقالات، إليكم مجموعة من النصائحِ المهمَّةِ أؤكدُ فيها على أبرز النقاطِ التي ذكرتها سابقًا، وأنبهُ على أمورٍ هامَّةٍ لم أتطرق لها:

النصيحةُ 1:
كُن جادًا ومثابرًا في سيرك نحو هدفِك وغايتك وفي كلِّ يومٍ جدِّد نيتك، واشحذ همَّتك، وقوِّي عزيمتك، وشجِع نفسك واستعن بالله ولا تعجز.


النصيحةُ 2:
إذا ارتفعَ حماسُك للحفظ، فأكثر من المراجعةِ ولا تُكثر من الحفظ الجديد فإن حفظَ وجهٍ واحدٍ أو نصفَ وجهٍ يوميًا مع ثباتِ المحفوظِ ورُسوخِهِ جيدًا، خيرٌ وأفضل بكثير، من زيادةِ الحفظِ دونَ إعطاءِ المحفوظِ حقهُ من المراجعةِ والتثبيتِ والأمرُ أشبهُ بمن يَرص بِضَاعةً كثيرةً فوقَ سيارتهِ لكنهُ يُهمِلُ ربطها أو يربِطها ربطًا ضعيفًا فما أن يسيرَ في طريقةِ قليلًا حتى تبدأ أغراضهُ بالتساقطِ واحدةً بعد الأخرى فالحفظُ هو الرصُّ، والمراجعةُ هي التربيط.
العلم صيدٌ والتعَاهُد قيدهُ
قيِّد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيدَ غزالةً
من ثمَّ تتركها خلاءً طالقة



النصيحة 3:
ليس هناك من لا يُعاني من كثرة الاشغال، فالكلُ مشغولٌ بطريقة ما، بما ذلك الحفَّاظ إلا أنهم جعلوا القرآن أولويَّةً في حياتهم، يقدِمونه على كلِّ شيء، فإذا أردت أن تحفظَ القرآن، فاجعل القرآن أولويَّةً في حياتك فرِّغ لهُ نفسك وعقلك وقلبك ووقتك وجُهدك فالقرآنُ عزيز لن يُعطيكَ بعضهُ، حتى تُعطيهِ كُلَّك.


النصيحةُ 4:
إذا غُلبتَ على حفظِ الجديد، فإياك أن تُغلبَ على المُراجعة حافظ على المُراجعة ولو كثرت أشغالُك ولا تسمح لنفسك بترك المُراجعةِ أبدًا فتركُها يؤدِي لتراكُم المطلوب، ثمَّ الشعورُ بالعجز والإحباطِ، ثمَّ التراخي والانقطاع، ثمَّ الاستسلام ثمَّ الحُكمُ على النفس بعدم الاستطاعة. فلا تسمح لنفسك بالتراخي وتركِ المُراجعة بل استعن بالله وواصِل وجاهِد واستمر واعلم أنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ.


النصيحةُ 5:
إذا أشكلَ عليك أمرٌ، أو واجهتك مُعضلةٌ في مسيرتِك القرآنية، فأسأل أهلَ الخبرةِ من الحفَّاظ الذين سبقوك، فستجدُ عندهم الجوابَ الشافي بإذن الله.


النصيحةُ 6:
ابدأ بحفظ السورِ الأسهلِ، فكثيرٌ من الناس يستسهلونَ سورًا مُعينة، كسورة يوسف، والكهفِ وطه ومريم، وجزءُ عمَّ وتبارك فلو بدأتَ حِفظك من السورِ التي تراها سهلةً، فسيكونُ في ذلك تشجيعٌ للنفس، وحافزٌ على الاستمرار والمُتابعة، بإذن الله تعالى وعونه.


النصيحةُ 7:
بعد كلِّ نصفِ ساعةٍ من الحفظِ والمُراجعةِ المركَّزةِ يُفضَّلُ أن تسترخي وترتاحَ لمدةِ خمسِ دقائق فقد وجدَ العلماءُ أن قُدرةَ الدماغِ على التركيز والتَّذكرِ تتناقصُ وتقِلُّ تدريجيًا مع الوقت هذا إذا لم يُأخذ الدماغُ راحةً قصيرةً، كل نصفِ ساعةٍ تقريبًا.


النصيحةُ 8:
أكثر من شُرب الماءِ، خُصوصًا أثناء الحفظِ والمراجعةِ، فالماءُ يكوّنُ ما نسبتهُ (78 %) من مكونات الدماغ، وجاء في أحد الدراساتِ أنه كلَّما قلَّ الماءُ في الجسم كلما أصبحَ الدماغُ أكثرَ ضعفًا، وأقلَّ تركيزًا وتوصي الدراسةُ بشرب ما لا يقِلُ عن عشر كاساتٍ من الماء يوميًّا.

ومن تيسرَ له ماءُ زمزمَ فليكثر منه، فهو ماءٌ مباركٌ يساعدُ على الحفظ، جاء في الحديث الصحيح: "ماءُ زمزم لما شُربَ لهُ".


النصيحةُ 9:
واظب على مُمارسة الرياضةِ المعتدلة، كالمشي السريعِ وتمارينِ اللياقة ثلاثَ مراتٍ في الأسبوع، بمعدل (20-30) دقيقة في المرة الواحدة فقد أكدت كثيرٌ من الدراسات أنَّ الأنشطةَ الرياضيةَ المُعتدلةَ هي أفضلُ طريقةٍ لزيادة قُدرات الدماغِ على التعلُّم، كما أنها تُجددُ النشاط، وتُنعشُ الذاكرةَ، وتقضي على الملل.


النصيحةُ 10:
غذِّ عقلك جيدًا: فالتغذيةُ الجيدةُ هي التي (بإذن الله) تبني جِسمًا وعقلًا سليمًا الغذاءُ الجيدُ يُعززُ قدرات العقل، ومنها التركيزُ والحفظُ والتذكر والغذاءُ الجيد: هو الذي يوفرُ للدماغ ما يحتاجهُ من عناصرَ أساسيةٍ، كالأحماض الدهنية (المكسرات، السمك، أوميغا 3)، والأحماض الأمينية (البيض، الفول، الحليب)، والخضروات الورقية، والفيتامينات، خصوصًا (مجموعة فيتامين ب) مع التقليل من القهوة والمنبهات والحذر من التُّخمة والبِطنةِ وتخليطِ الطعام فالبطنةُ تُذهبُ الفِطنةَ وما ملأ ابن آدمُ وعاءً شرًا من بطنه.


النصيحةُ 11:
خُذ كِفايتَك من النوم، فالنومُ العميقُ المتواصِل، بمعدل 6 ساعاتٍ يوميًا، هو الذي يشحنُ العقل، ويُنشطُ الذِّهن ويقوي الذاكرة، ويُعززُ قُدرات الدماغ، ويسمحُ له أن يُرتِبَ معلوماته ويُعالجها بعكس السهرِ والنومِ المتقطِّعِ فلهُ مردودٌ سلبيٌ سيءٌ على قُدرات الدماغ، ويضعف مُستوى التركيز والحفظ.


النصيحةُ 12:
كُلما انتهيتَ من حفظِ خمسَةِ أجزاءٍ جديدةٍ، توقف عن الحفظ شهرًا أو شهرين وركز فقط على تكثيف المُراجعةِ والتثبيت حتى تصلَ إلى سردِ خمسةِ أجزاءٍ مُتواليةٍ في أقل من ساعةٍ ونصف وبدون النظرِ للمصحف مُطلقًا.


النصيحةُ 13:
عوِّد نفسكَ على استثمار الدقائقِ المُهدرة، فهو سرٌّ من أسرار الحفَّاظِ المهرةِ بل هي عادةٌ من أقوى وأفضلِ عادات الناجحين وللمتنبي بيتٌ جميلٌ حول موضوع التعود، يقول فيه: لكلِّ أمرئٍ من دهره ما تعودا وعادةُ سيفِ الدولةِ الطعنُ في العدا وقد حورته ليُلائِمَ موضوع النجاح:
لكل أمرئٍ من دهره ما تعودا ♦♦♦ وذاك سبيلٌ للنجاحِ مُؤكدا

أيها الكرام: بقليلٍ من الوعي والانتباه، مع الإرادةِ القويةِ والجادة، سيتمكنُ الانسانُ من التعود على توظيف كثيرٍ من أوقاته المُهدرة، خِدمةً لتحقيق أهدافه. فالإحصائياتُ تؤكدُ أنَّ المعدلَ اليوميَ للدقائقِ المُهدرةِ في حياة الفردِ العادي، تزيدُ عن المئةِ دقيقةٍ يوميًا فإذا تمكن الحافظُ من استثمار بعض هذه الدقائقَ المُهدرةِ في الحفظ والمراجعة فستبهرهُ النتائجُ بإذن الله.


النصيحةُ 14:
تعاهد إخلاصكَ لله تعالى باستمرار، ولا تتوقف عن الدعاء والصدقةِ والاستغفارِ وغيرها من الطاعات، بنية أن يثبِّتك اللهُ تعالى على تعاهد القرآنِ حفظًا ومراجعةً وتدبرًا حتى تموت؛ ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32].


النصيحةُ 15:
لا تتحدث عن حفظك، ولا عن مِقدارِ مراجعتك لكلِّ أحدٍ، ولا تستعرض قُدراتِك ومهارتِك فذلك أخلصُ لربك، وأسلمُ لعافيتك، نسأل الله بفضله وكرمه أن يحفظنا وإياكم بحفظه وأن يكلأنا برعايته.


اللهم يا رحيم يا رحمان اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، اللهم ارفعنا وانفعنا بالقرآن العظيم اللهم ارزقنا تلاوته وفهمه وحفظه وتدبره والعمل به على أحب الوجوه التي ترضيك عنا.


اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 139.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 136.62 كيلو بايت... تم توفير 3.31 كيلو بايت...بمعدل (2.37%)]