#1
|
||||
|
||||
قصة موسى والرجل الصالح
قصة موسى والرجل الصالح أ. د. فؤاد محمد موسى سلسلة تأملات تربوية في بعض آيات القرآن الكريم ( 2 ) قصة موسى والرجل الصالح ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 60 - 82]. إنَّ هذه القصة مِن أكثر القصص التي وردت بها العديد من المعاني التربوية المتعلقة بعملية التعلم والتعليم، والتي يمكن تصنيفها كما يلي: أولًا: خصائص المتعلم في هذه القصة: هناك مجموعة من الخصائص التي يتَّصف بها المتعلِّم في هذه القصة، نوردها كما يلي: 1- رغبة المتعلم وإصراره ودافعيته الذاتية للتعلم: فقد ظهر هذا جليًّا في قول موسى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾ [الكهف: 60]، فهو يعلن تصميمه على بلوغ مجمع البحرين مهما تكن المشقة، ومهما يكن الزمن الذي يقضيه في الوصول، وهو يعبِّر عن هذا التصميم بما حكاه القرآن من قوله: ﴿ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾ [الكهف: 60]. لقد بدأت القصة بهذا القول؛ لأهميته القصوى في عملية التعلُّم، الذي بدونه يفقد التعلُّم أهمَّ خصائصه الإنسانية التي فطر الله الإنسان عليها، فالإنسان وُلد ليكون حرًّا، وقد أُعطي الحرية مِن الله ليفعل أو لا يفعل، على أنْ يتحمل مسؤولية فعله. تعالوا بنا ننظر إلى الفطرة الإنسانية في الواقع الحياتي للإنسان في المواقف التالية: • إذا شاهد "طفل يحبو" جهاز تليفون محمول أمامه؛ ماذا سيفعل؟ بالطبع سيأخذه ويقلِّب فيه، ومِن ثمَّ سيُسرع أحد الكبار (الوالد، أو الوالدة) ويمنعه من ذلك، وقد يُعنِّفه على ذلك. • هل سمعْتَ حوار طفل أصبح قادرًا على التحدث؟ ما الأسئلة التي يطرحها على والديه؟ ألم تسمعه يسأل ويقول: "ما هذا؟ وليه؟ وعشان إيه؟..."؛ مَن عَلَّمَه هذه الأسئلة؟ • ألم تشاهد الطفل يصر على الخروج خارج المنزل كلما هَمَّ أحد الكبار بالخروج مِن المنزل؟ كل هذه الأفعال فِطْريَّةٌ مِن داخل هذا الطفل، فهو باحث عن العلم في ذاته، ولديه الرغبة والإصرار على التعلُّم بالفطرة التي فطره الله عليها. هذه الفطرة التي تتناسب مع مهمة هذا المخلوق، فهو الخليفة في الأرض، والمكلَّف بعمارتها بالعِلم. ألم تقرأ أول ما نزل من القرآن؟ قول الله عز وجل: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، فهذا الإنسان مكلَّف بالبحث في كل ما خلقه الله وتعلُّم أسراره. إنه التناغم الدقيق بين التكاليف والفطرة لهذا الإنسان، فسبحان الله الذي أتقن كلَّ شيءٍ خلقَه. ولكنْ هل هذا المبدأ يتوفر في تعليم أطفالنا في منازلنا ومدارسنا؟ إنَّ عدم توفُّر هذا المبدأ في التعليم هو أكبر عامل هدم للإنسان وللمجتمع وللأمة، إنَّ تسرُّب الطلاب مِن المدارس لَأكبَر دليل على عدم توفُّر هذا المبدأ الهام، إنَّ الهمَّ الأكبر الآن لكل المسؤولين عن التعليم هو إجبار الطلاب على الحضور إلى المدرسة وأخذ الغياب وفصْل المتغيِّبين، وما لجانُ المتابعة على مستوى المدرسة ثم الإدارة ثم المديرية ثم الوزارة إلا شاهد على ذلك، لقد عدنا إلى نظام التفتيش والقهر وكأنها عبودية. لم تعد المدرسة محبَّبةً وجاذبةً للمتعلم، بل مصدر قلق وتوتر له، كما أنَّ نظام الامتحانات الإجبارية يسبب هاجس خوف وتوتُّر للمتعلم وللأسرة كلِّها، وما نظام امتحانات الثانوية العامة الذي تجيَّش له الأموال والإمكانات والمعلمون والمسؤولون، إلَّا مصدر إزعاج وتوتُّر كل الأفراد. وفي النهاية، ما هو الناتج التعليمي نتيجة فقدان هذا المبدأ؟ إنه تدنِّي مستوى التعليم عن باقي الأمم، وتخلُّفنا بالتالي في كل مستويات الحياة. 2- أدب المتعلم مع معلمه: لقد ظهر تأدُّب موسى مع العبد الصالح جليًّا في عدة مواقف في هذه القصة، منها قوله: ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66]. بهذا الأدب الجمِّ بدأ موسى؛ يستفهِم ولا يجزِم، ويَطلب العلم الراشد مِن العبد الصالح العالم. وفي موقف ثانٍ: ﴿ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [الكهف: 69]، وهنا تظهر طاعة موسى للعبد الصالح بهذه الكلمات التي تعبر عن استمرارية الطاعة: ﴿ سَتَجِدُنِي ﴾ [الكهف: 69]، وعزمه على الطاعة: ﴿ وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [الكهف: 69]، ويقرن ذلك بمشيئة الله والصبر على ذلك: ﴿ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ﴾ [الكهف: 69]، فما أروعها من كلمات معبرة. وفي موقف آخر يقول: ﴿ قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ﴾ [الكهف: 73]، وهنا يعتذر موسى بنسيانه، ويطلب إلى الرجل الصالح أنْ يقبلَ عذره ولا يُرهقه بالمراجعة والتذكير. هل هذا الأدب موجود في طلاب العلم الآن؟! حدِّث ولا حرج! 3- استعانة المتعلِّم بالله وعزمه على الصبر والطاعة في تعلمه، وتقديمه مشيئة الله: لقد جاء موسى يتعلم العلم طاعةً لربه وعبادةً له، لا لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها؛ فنيَّتُه لله، وقد تَبين ذلك مِن أول القصة في قوله لفتاه: ﴿ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾ [الكهف: 60]، كما أنه يستعين بالله ويصبر على مشاق التعلُّم، وقد تبين هذا في قوله للعبد الصالح: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ﴾ [الكهف: 69]. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: قصة موسى والرجل الصالح
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |