09-07-2021, 01:41 AM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة :
|
|
طفلي الحبيب: لا تنطو
طفلي الحبيب: لا تنطو
صفية محمود
جلستُ أرقبُه غيرَ بعيد، عيناه الصغيرتان تنبئُ عن براءة لا تعرفُ لؤمًا ولا مكرًا، لا ينظرُ لوجوه الناس، صغيرٌ لم يتجاوزْ عامَه السابعَ؛ لكنه يحملُ همًّا كالكبار، يخْفيه كالأسرار، يبدو مطرقًا واجمًا في عمر الانطلاق، يدُه على خدِّه، والصغارُ أيديهم تعبثُ هنا وهناك، منطوٍ في الركن، وأقرانُه يَضِجُّ من صياحهم الأهلُ والجيران، يحيِّرُك: أتحسبُه بين الكبار لهمِّه، أو بين الصغار لحجمه؟ فقُل لي بربِّك يا صغير: كم عمر همِّك، وماذا أغمَّك؟
إنذارٌ خطير، وأجراسُ تحذير، أن نجدَ طفلًا ينكَمِشُ عن الناس، ويسحب ذاتَه، ينفر من الكبار، ولا يشارك الأقران؛ فأطفالنا غِراسُ قلوبنا، وثمار غدِنا، نسقيهم من ماءِ عيوننا، ونفديهم بكلِّ مالِنا، وكم يحِزُّ في النفس أن نعلمَ أن الطفلَ المنطوي صناعةٌ منزلية! ولكنها صناعةٌ رديئة، أنتجتها أسرٌ مزيفة، علاقاتُها مشوهة؛ لا حبَّ ولا وداد، لا يجد الطفلُ فيها مأمنًا، فإما غيابُ أحد الأبوين بسفر مستمرٍّ وفراق بلا مبرر، أو طلاقٍ بلا معروف، أو تكونُ علاقةُ الأبوين حادةً، أو غيرَ مستقرة؛ فكلاهما أو أحدهما يؤْثر مصالحَه، أو تكونُ علاقةُ الأسرةِ بمن حولها محدودةً، فلا مجال للتواصل العائليِّ والاجتماعي، أو في أكثر الأحوالِ تكونُ وسائلُ الآباء والأمهاتِ التربوية فاشلةً؛ أوامرُهم صارمة لا عطف فيها ولا لين، خشونةٌ من الآباء، أو جفاءُ الأمهات بدعوى مخاطرِ التدليل، وضرورةِ التأديب؛ فيشتدُّون ويغلظون مع أطفالٍ رقاق، قلوبُهم غضةٌ كأيديهم، ونفوسُهم بريئةٌ كعيونهم ولو كانوا مشاكسين، لا يعرفون في عالمهم سوى أبويهم، ولا يركنون إلا إليهم، فكيف الحال لو كان الركن قاسيًا خشنًا؟ فلمن يلجؤون، وبمن يحتمون؟
فغالبًا ينطوي الطفل في مثلِ تلك الظروف، ويفرُّ من عالم لا يرحمُه إلى حيث الصمتُ والانفراد، إن لم يكن الانحراف! خوفًا من اعتداء الآخرين عليه، أو تجاهلِهم لمشاعره، ورفضِ مطالبِه، سواء مادية أو معنوية.
فيا أمَّ المنطوي، عليكِ يقعُ العبءُ، أنقِذي طفلَك على الفور، ومُدِّي له يدَ العونِ، أشركيه في حوار، وبلا ضغطٍ رغِّبيه في نقاش، ويا حبذا لو تشركينه في لعبة جماعيةٍ، وأنشطةٍ عديدةِ الأطراف، افتعلي جوًّا من المرح في البيت، وأثناء الطعام، شجِّعيه على أن يقيمَ صداقاتٍ، وشاركيه الاختيارَ، وعلِّميهِ واعلمِي أنَّ من محاسن ديننا الحرصَ على الجماعة، وأن المؤمنَ يألفُ الناسَ ويألفونه، وكلُّ العبادات من صلاة وصومٍ وزكاة وحج مبنيَّةٌ على الجماعة؛ فلا مجالَ للعزلة، وغيرُ مقبول أيُّ انزواء، فما لنا ندَع طفلًا ينطوي؟!
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|