#1
|
||||
|
||||
القاتل المقتول
القاتل المقتول علي بن حسين بن أحمد فقيهي بوح القلم (تأملات في النفس والكون والواقع والحياة) (القاتل المقتول) ♦ مع نهاية العام الدراسي وبداية الإجازة الصيفية، تعيش الأُسَرُ حالةً من التوتُّر والقَلَق، وأنواعًا من الارتباك والاضطراب؛ بحثًا عن الوسائل المعِينة على ملء الفراغ، وقضاء الوقت، وكيفيَّة استثماره، وطرق استغلاله، والحَذَر من آثاره، والنجاة من غوائله. ♦ ولقد نبَّهَت النصوصُ الشرعيةُ منذ أربعة عشر قَرْنًا عُمُومَ البشرية لأهمية الوقت وشرف الزمان وقيمة العمر: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [العصر: 1، 2]. ♦ وفي العصر الحديث ظهرت بحوثٌ ودراساتٌ للاهتمام بالفراغ ودراسة ماهيَّته وتفهُّم آثاره، وكان منطلق ذلك الاهتمام وتلك الدراسات: • ميدان العلوم الاجتماعية، فنجد الكتابات في علم الاجتماع والفراغ منذ عام 1899م بصدور كتاب "نظرية طبيعة الفراغ" لمؤلفه (فيلن). • ثم تتابعت الكتابات، ثم بدأ الاهتمام به يأخُذُ بُعْدًا دوليًّا بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948م؛ إذ نصَّت المادة (24) منه على ما يلي:- (لكُلِّ شخص حَقٌّ في الراحة وأوقات الفراغ). • تلا ذلك صُدورُ ميثاق الفراغ الدولي في الأول من يونيو 1970م حينما اجتمعت ست عشرة دولة، وأصدرت الميثاق، وكذلك تمَّ تأسيسُ الاتحاد الدولي لأوقات الفراغ، ومقرُّه نيويورك، ومن نصوص هذا الميثاق: مادة (1):- لكل إنسان الحقُّ في أن يكون له وقت حُرٌّ. مادة (2):- لكل فرد الحق في الاستمتاع بوقت الفراغ. مادة (3):- لكل فرد الحق في استخدام منشآت أوقات الفراغ. مادة (4):- من حقِّ كل فرد أن نُهيِّئ له سُبُلَ ممارسة الأنشطة الترويحيَّة. مادة (5):- يجب أن تكون مهمة الهيئات المسؤولة من مُخطِّطين ومهندسين وهيئات خاصة بالعمل على توفير الإمكانات لممارسة الأنشطة. مادة (6):- لكل فردٍ الحَقُّ في تعلُّم واكتساب المهارات الترويحية؛ حتى يتمكَّنَ من استثمار وقت فراغه. مادة (7):- لا بُدَّ أن يكون هناك تنسيق بين جميع الهيئات العاملة في جميع أوقات الفراغ. ♦ كما اعتبر وقت الفراغ مشكلة عالمية، تستدعي أن تُعقَدَ لدراستها المؤتمراتُ العالمية واللقاءات الدولية، وقد عُقِدَ في شهر أبريل (نيسان) من عام 1976 في بروكسل عاصمة بلجيكا - مؤتمرًا نَظَّمَتْهُ مؤسسة "فان كليه Van Cle" البلجيكية بإشراف منظمة اليونسكو، وكان موضوعه وقت الفراغ، وحضره حوالَي خمسمائة مندوب يُمثِّلون 50 دولةً، وقد تبيَّنَ من الدراسات والنقاش في هذا المؤتمر أنَّ وقت الفراغ يُجابِهُ الإنسانَ بعدد من المشكلات، من أبرزها: القَلَق، والاكتئاب، والضَّجر، والملَل، بالإضافة للأضرار الصحيَّة والاجتماعية والأخلاقية والأمنيَّة. • وبعد توالي المؤتمرات والدراسات لهذه الظاهرة وأهميتها، سارعت المجتمعات الأوروبيَّة في خَلْق فُرَص لتوظيف الإمكانات الشبابيَّة للقضاء على الفراغ، واستثمار عامل الوقت وتنظيمه؛ لينعكس بعد ذلك إيجابًا على الحياة الاقتصادية والفكريَّة والاجتماعية. ♦ يُخطِئ الكثيرُ في تشخيص وتوصيف حقيقة الفراغ بقَصْرِه على جانب الفراغ الجسدي عن العمل والحركة، والنشاط والحيوية، مع أن هذا النوع من الفراغ هو انعكاس وإفراز لأنواع أخرى أعمق تأثيرًا وأشد خطورةً على الفرد والمجتمع؛ كالفراغ الرُّوحي والقِيَمي والعقلي، والفكري والتعليمي والاجتماعي. ♦ مع بداية كل إجازة يتساءل الكثيرُ: أين دور المؤسسات والهيئات المعنيَّة بالتربية والتوجيه والحماية والرعاية والترفيه والتثقيف في القيام بواجباتها، وتأدية مهامِّها تجاه الشباب وحاجاته ورغباته ومتطلَّباته؟! ♦ بالرغم من تقصير العديد من الجهات عن القيام بواجباتها والتزاماتها تجاه الشباب، فقد أسهَم عددٌ من المبادرات التطوعيَّة والإسهامات الأهلية في تقديم الرُّؤى والأفكار الإبداعية، والخطط والبرامج الابتكارية، والأنشطة والمشاريع الاحترافية للتوظيف الأمثل، والاستثمار الأفضل لأوقات الفراغ، وأزمنة الإجازات. ♦ ومضة: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعمتانِ مغبُونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصِّحةُ والفراغ))؛ رواه البخاري. ♦ همسة: قال حكيم: "مَنْ أمْضى يومًا من عمره في غير حَقٍّ قضاه، أو فَرْضٍ أدَّاهُ، أو مَجْدٍ أثَّلَه، أو حَمْدٍ حصَّلَه، أو خيرٍ أسَّسَه، أو علمٍ اقتبَسَه، فقد عَقَّ يومَه، وظَلَمَ نفسَه".
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |