القصص القرآني: عبر ودروس - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855160 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389978 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-01-2023, 06:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي القصص القرآني: عبر ودروس

القصص القرآني: عبر ودروس
مرشد الحيالي

الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل القرآن هدًى للناس، وقصَّ علينا القصص التي فيها الهدى والأخبار؛ لنجد فيها العظة والاعتبار، فقال في محكم التنزيل: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ﴾ [يوسف: 3]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه الله سبحانه رسولًا للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، وقصَّ عليه قصص الأولين، ونبأ الآخرين، ليثبت قلبه، ويُعلي شأنه، ويرفع منزلته، ويدلنا على الهدى المبين، والصراط المستقيم، وعلى آله وصحبه، ومَن تَبِع هُداه إلى يوم الدين، وبعد:
فإن في القصص القرآني في كتاب الله مجالًا خصبًا في الدعوة والتربية والصبر والإيمان، وفيها العِبَر والعِظات، والحكم والإشارات، التي يستفيد منها المربُّون، وينتفع منها المُعلِّمون، ويتزوَّد مِن معينها الصالحون، ومن أجل ذلك فقد اعتنى القرآن الكريم بإيراد القصة، ونوَّع في سردها وعرضها، وأبدع في أسلوبها، وأحسن في بيانها، واعتمـد علـى إيـراد الموعظـة في صورة القصص؛ لتكون أبلغ في التأثير والموعظة، وأعظم في التعليم والتذكرة، ويكفي أن تعلَمَ أن القصص بلغ الثلث من القرآن، واشتمل على تجارب الأنبياء مع أقوامهم وسُنَّة الله في خلقه، وما يمكن للمرءِ أن يستفيد وينتفع منه.

وقد دلَّت الأحداث على أن للقصة الأثر العميق في المستمع والمتلقي، تجعله يُتابِع الحدث، ويُواكِب الموقف ويعايشه، حتى كأنه جزء منه، يستلهم من القصص عِبَرها، ويعيش في أجوائها، ويواكب أحداثها، ويلمس قلبه أصداؤها.

ولا شيء يهدي الإنسان مثل الوقائع والأحداث، ومهما حاولتُ أن أعطيك عبرةً وموعظةً ودرسًا فإنها لن تؤثر فيك، وتحملك على الانصياع والاستجابة ما لم تقترن بقصة واقعية، وتجربة مثالية، وانظر مثلًا إلى قصة سبأ وكيف دمَّرهم الله بالسيل العَرِم، وكيف قرن الله معها العبر والدروس، ولا تكاد تمُرُّ بسورة من سور القرآن إلا وتجد فيها من هذا القبيل، وترى فيها العبر والدليل.

تعريف القصص في القرآن الكريم:
تعريف القِصَّة: حكاية مكتوبة طويَلةٌ تُستمَدُّ من الخيال أَو الواقع أو منهما معًا، وتُبنى على قواعد معيَّنة من الفن الأدبي، والجمع: قِصَصٌ، يقال: قصصت أثره؛ أي: تتبعته، والقُصَّةُ: الخُصلةُ من الشَّعَر، والقَصَص مصدر، قال تعالى: ﴿ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ﴾ [الكهف: 64]؛ (معجم المعاني الجامع).

والقصص في القرآن ثلاثة أنواع كما قال أهل العلم والمعرفة:
النوع الأول: قصص المرسلين والأنبياء وما حصل مع أقوامهم، وما أيَّدهم الله به من معجزات باهرة، ونصرهم على أعدائهم من الآيات البيِّنات، وكيف أن العاقبة الحسنى كانت لهم، ومن نصيبهم، وأن عاقبتهم في الدنيا النصر والتأييد، وأن الذلة والصَّغار على من خالف أمرهم، وتجد ذلك في سور كثيرة من كتاب الله لا تكاد تخلو سورة في الغالب من القصص القرآني إلا وفيها بيان المنهج الرباني في الخير والشر، وفي العسر واليسر، والرخاء والسراء، والسلم والحرب.

النوع الثاني: قصص تتعلق بوقائع الزمان، والعهود الغابرة، والعصور الماضية، وممَّن لم تثبت نبوَّتُهم مثل أصحاب الكهف، وقصة أصحاب الجنة وغيرهم تجدها ذكرت في السور في سياق الآيات البيِّنات، وفي ثنايا السور الكريمات.

النوع الثالث: قصص تتعلَّق بسيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي آتاه الله جوامع الكلم، وفي جميع مراحل الدعوة ما كان قبل الهجرة النبوية وبعدها من المرحلة المدنية، وما صاحب ذلك من حوادث وغزوات، وما تخلل ذلك من القصص في سائر أحوال الصحابة وشؤونهم وأحوالهم، وما مَنَّ الله عليهم من التوبة، وما ميَّزهم الله به من خصائص وميزات.

التأليف في القصص القرآني:
تناول القصص القرآني فئات من العلماء منهم المفسرون، وعلماء التاريخ، وفئة أفردت له مؤلفات، ومن تلك الكتب والمؤلفات على سبيل التمثيل:
قصص الأنبياء لابن كثير، وهو مُستلٌّ من البداية والنهاية.

قصص الأنبياء للشيخ العلَّامة عبدالوهاب النجار من علماء الأزهر، كتب في فترة الثلاثينيات بالرغم من أنه اتَّبع منهج الشيخ محمد عبده، وهو مُتأثِّر به؛ إلا أنه سَدَّ فراغًا ومجالًا في باب القصص، وقد طُبِع الكتاب عدة مرات، وفي هوامشه تقرير اللجنة الأزهرية التي اعترضت على تداوُله وطباعته.

قصص القرآن: إيحاؤه ونفحاته، للدكتور فضل عباس، ركَّز فيه على موضوع التكرار، واستوعب جميع القصص، ورد على الشُّبُهات والنظريات التي طُبِّقت في باب القصص.

القصص القرآني: عرض وقائع وتحليل أحداث للدكتور صلاح الخالدي في أربع مجلدات، كتاب موسع، في المجلد الأول يقرر المنهج المعتمد في إثبات الوقائع.

المستفاد من القصص القرآني للدكتور عبد الكريم زيدان، وهو نافع ومفيد للدُّعاة والمصلحين في باب الدعوة.

قصص الأنبياء للعلَّامة السعدي، وهو يذكر القصة، ويستنبط منها القواعد بأسلوب دقيق.

منهاج البحث والتأليف في القصص الدكتور أحمد نوفل، وهو قيم في التأصيل للموضوع.


الغرض والمقصد من القصص القرآني:
إن الله تبارك وتعالى لم يذكر القصص من أجل التسلية في الأوقات، ومتابعة الأخبار، ولا من أجل عمل فني كما يُشاهد في الأفلام والمسلسلات؛ بل من أجل الاعتبار، وبيان مقاصد الشريعة الغَرَّاء، ومن خلالها، وكيف السير إلى الله والدعوة إليه، من أجل أن نُطبِّقها في حياتنا، ونعمل بها في سائر أمورنا ومعاشنا.

يقول العلماء من المفسِّرين: هناك غرضان من القصص القرآني من حيث الإجمال:
الأول: التغيير الاجتماعي الجذري من أجل أن يسلك المجتمع المنهج الصحيح إلى خالقهم، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال: 53].

الثاني: معرفة المعيشة على المنهج الصحيح في الحياة، وقد جمع الله خصائص القرآن في هذه الآية الكريمة وبيَّن الغرض من إيرادها، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].

من خصائص القصص القرآني المستمدة من هذه الآية في سورة يوسف ما يلي:
1- الواقعية لا الرمزية؛ أي: إن القصص واقع حدث وجرى لا مجرد التمثيل، وقد أجمعت الأُمَّة على أن ما قَصَّه الله في كتابه هو واقع حدث وجرى؛ لا كما يقول البعض من أنها رموز وإشارات لأجل الاعتبار، أو أنها أمثال تضرب ومثل عليها ليُقتدَى بهم، والحقيقة التي نبَّه إليها القرآن الكريم أن تلك القصص عبارة عن واقع حال، وأحداث جرت ووقعت، فهناك فتية هم أصحاب الكهف ذاقوا الظلم واعتزلوا من الفتن، ولجأوا إلى عبادة الله وحده، وهناك قرية كفرت بأنعم الله؛ فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، وهناك من خسف الله به الأرض؛ كقارون، وهناك من أغرقه الله في البحر؛ كفرعون...إلخ.

يقول أهل التربية والاجتماع: لا يمكن للإنسان أن يقتدي أو يتربَّى أو يستفيد من قصة لا وجود فيها لأشخاص يمثلونها، أو هي عبارة عن رموز وإشارات ومُثل لا وجود من يطبقها ويمثلها، وإنما ليخاطب بها الجمهور ليعقلوا ويفهموا، وهذا في الحقيقة تكذيب للقرآن وتحريف له.

2- من خصائص القصص من هذه الآية أيضًا أنها صدق وحق وعدل من عند الله لا شكَّ فيه، فعندما يقصُّ علينا المولى قصة عن بني اسرائيل وأصحاب السبت دلَّ على أنها حق وصِدْق والله يقول: ﴿ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ﴾ [الأحزاب: 4].

3- إنها جاءت لتُربِّي على العقيدة الصحيحة، والأخلاق الحسنة التي فطر الله عليها البشر، تجد في القصص شخصًا داعيًا شهمًا شجاعًا، تجد فيها الشخص السخيَّ والتقيَّ والخائف من عذاب ربِّه، ومن يرجو رحمته، تجد فيها الرجل الذي يخاف على قومه، فيبذل لهم النصيحة مشفقًا عليهم، يدعوهم إلى توحيد الله وعدم الإشراك به، فالغاية من عرض القصص أن نتخلَّق بالأخلاق الحسنة التي هي جوهر بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال: ((إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأخْلاقِ)).


منهج القصص القرآني:
إن القصص القرآني له أهداف عظيمة، وغايات سامية في طريقة العرض والبيان، وهذا ما جعل للقصة أسلوبًا، ومنهجًا في القرآن يُغاير ما يُحكى من قصص وحكايات في الأدب والفن، ويتبيَّن ذلك فيما يلي:
أولًا: التكـرار:
وهـذا التكـرار في القصَّـة القرآنيـة جاء لغرض ديني ليس أسلوبًا جديدًا يتناسب مع سياق الآيات التي وردت في القصة، فهو ليس تكرارًا مطلقًا فتُعرض القصة في صور مختلفة، ومشاهد مختلفة من جوانب عدة في التقديم والتأخير، والإيجاز والإطناب كما في قصة موسى، وهي أكثر القصص تكرارًا كما قال ابن تيمية رحمه الله؛ لما احتوته من المعاني الجليلة والقضايا الهامَّة.

ثانيًا: في طريقة عرض القصة فنجد القرآن تارةً يذكر القصة أحيانًا بكامل تفاصيلها، وتارةً يكتفي بذكر ملخص عنها أو إشارة إليها، وتارة يتوسَّط بين هذا وذاك، كل ذلك بحكمة بالغة وبلاغة بديعة؛ مما يُحقِّق الغرض من القصة، تأمَّل مثلًا ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴾ [يس: 20 - 25].

يتكلم عن الرجل الداعية ثم ينقطع الكلام فجأة ويوحي سياق القصة بعد ذلك أنهم لم يمهلوه أن قتلوه، وإن كان لا يذكر شيئًا من هذا صراحة، إنما يسدل الستار على الدنيا وما فيها، وعلى القوم وما هم فيه، ويرفعه لنرى هذا الشهيد الذي جَهَر بكلمة الحق، متبعًا صوت الفطرة، وقذف بها في وجوه من يملكون التهديد والتنكيل، نراه في العالم الآخر، ويطلعنا القرآن على ما ادَّخر الله له من كرامة تليق بمقام المؤمن الشجاع المخلص الشهيد.

﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ [يس: 26، 27] ويُلاحَظ أن سورة يوسف ذكرت بكامل تفاصيلها من البداية إلى النهاية؛ لأنها تجربة حياة من الشباب إلى إنهاء الأجل.

ثالثًا: لا يركز القصص القرآني على الزمان أو المكان؛ بل لأجل العبر كما مَرَّ، أما الزمان فلأن التاريخ يتشابه في استمرار الصراع بين الحق والباطل، وأمَّا المكان فالحكمة ما لعله لو علم مثلًا مكان أصحاب الكهف لعبدوا من دون الله وفي ذلك ضرر عظيم على من أكرمهم الله من الصالحين.

رابعًا: إن معظم القصص القرآني كان في المرحلة المكيَّة قبل الهجرة، وأن أول قصة في القرآن كانت قصة أصحاب الجنة، ذلك من أجل التثبيت على العقيدة وغرسها في النفوس، ومن أجل الاقتداء بالأنبياء في صبرهم على أعدائهم، وقد قيل في تعريف ضابط المكي: كل ما ذكر فيه قصص الأنبياء والأُمَم السابقة، ويُستثنى من ذلك سورة البقرة كما قال أهل العلم.

خامسًا: بيان بلاغة القرآن في أعلى صورها، وأبهى مراتبها وفي أعلى مراتبها، ومن خصائص البلاغة عند العرب إبراز المعنى الواحد في صور مختلفة، وهكذا فالقصة في القرآن تتكرَّر وترد في كل موضع بأسلوب يتمايز عن الآخر، ورغم ذلك لا يملُّ الإنسان من تكرارها؛ بل تتجدَّد في نفسه معانٍ لا تحصل له بقراءتها في المواضع الأخرى؛ [أثر القصص القرآني في التربية والتهذيب].

هذا الفصل الأخير هو المقصود من كتابة هذا البحث، فمِمَّا لا شكَّ فيه أن القصة المحكمة تطرق الأسماع وتتسلسل إلى قلوب سامعيها بيُسْر وسهولة، فتؤثر فيها حتى الطفل يميل إلى سماع القصة، ويُصغي إليه بشغف، ويمل من السرد في الكلام، وإن كان مزوقًا مُنمَّقًا.

ولذلك فالقصص القرآني يساعد المعلم والمربِّي، والموجه على أداء مهامهم، ويجد في قصص القرآن والسيرة النبوية وأحوال الأمم زادًا هامًّا، ورصيدًا نافعًا ومعينًا لا ينضب، وهو من أنفع أساليب التربية التي تساعدهم، وتكتب لهم النجاح والتوفيق في عملهم.

وهذه أمثلة واضحة بيِّنة من القصص القرآني، وما تضمنته من عِبَر وعِظات اقتصرنا على بعض ما جاء من كتاب الله الكريم من قصص.
فنجد ذلك -مثلًا- في قصَّة السَّحرة الذين آمنوا بموسى عليه السلام؛ فقضى عليهم فِرعون بالصَّلب والقتل؛ فثبتوا على عقيدتهم رغم فظاعة التَّهديد، وفي قصَّة أصحاب الكهف تربية في الثَّبات على التَّوحيد، والإيمان بالبعث والجزاء.

في قصة الملأ الذين خرجوا من ديارهم بيان لقدرة الله على إحياء الموتى ليدرك الإنسان أنه ما خلق عبثًا، وأنه عمَّا قليل سيرحل، ويحاسب على عمله إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشَرٌّ.

في قصة قابيل وهابيل يُبيِّن فيها خطورة الحقد والحسد في تدمير الأفراد والمجتمعات، وأن من شؤم المعصية أنه ما من نفس تقتل ظلمًا إلا وكان على قابيل نصيب من الإثم كما جاء في الحديث.

في قصة قارون بيان أن الظالمين لهم نهاية محتومة، فلقد مسخ الله أصحاب السبت قردةً خاسئين، وأهلك الله فِرعون وقارون وهامان، وأهلك أصحاب الفيل، وجعلهم كعَصْفٍ مأكول.

وفي قصَّة لقمان مع ابنه كثيرٌ من الفضائل النبيلة؛ فيها التوحيد، والأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وبر الوالدين والشكر لهما، والتذكير بالبعث والحساب والنشور، والأمر بالمعروف وعلى رأسه الصلاة، والنهي عن المنكر، والصبر على المصائب والأقدار التي تُصيب الإنسان، وغير ذلك من الفضائل والأخلاق الحميدة التي جاء الإسلام بها مكملًا لما سبقه من الأديان في الدعوة إلى الإسلام وخصائله.

الدَّعوة إلى الخير والإصلاح، ومنع الفساد: ففي قصة شعيب عليه السلام دعوة صريحة إلى ناحية عَمَلية، تتَّصل بالإصلاح الاجتماعي، ومنع الفساد في الأرض، والقيام بحقِّ الأمانة في التَّعامل، قال شعيب لقومه: ﴿ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 85].

وفي قصَّة آدم وإبليس- المبثوثة في مواضع شتَّى من القرآن- التَّنبيه لأبناء آدم من غواية الشيطان، وإبراز العداوة الخالدة بينه وبينهم، منذ عهد أبيهم آدم؛ لأنَّ إبراز هذه العداوة عن طريق القصَّة أوقع أثرًا في النَّفس البشرية، لتحذر أشد الحذر من غواية الشيطان ودعوته إلى الشر.

مواجهة اليأس بالصبر: وأوضح مثال لذلك قصَّة يوسف عليه السلام، وفيها جملة من الآيات تؤكد هذا المعنى، ومنها قوله تعالى: ﴿ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18].

استثمار الحاجة للدعوة في جواب السؤال: قال تعالى: ﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ﴾ [يوسف: 36] فإذا جاء صاحب وفيه نقص في التربية، وله بعض المعاصي فتستثمر حاجته وطلبه في الهداية إلى الخير ودلالته على الله، فإن يوسف لم يجبهما ابتداءً على تفسير الرؤيا؛ بل قال لهما: ﴿ يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 39، 40] وفي موضع آخر قال يعقوب عليه السلام لأبنائه: ﴿ يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

في ذِكر شأن أَصحاب الكهف، وما حصل لهم من التضيِيق والابتلاء من أقوامهم، وأنَّهم هجروا بلادَهم خوفًا على دِينهم، وهربًا من الفتنة، قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 9، 10]، ثمَّ قال جلَّ شأنه في بيان قوَّة إيمانهم وتعلُّقهم بحَبل الله واعتصامهم بالتوحيد: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ [الكهف: 13، 14].

توصيات:
في نهاية هذه الجولة المباركة مع القصص القرآني، وما فيها من البيان والإعجاز والبلاغة، وما تدل عليه من فوائد وعِبر وعظات، أحببت أن أسطِّر بقلمي ما خرجت به من فوائد أُقدِّمها على شكل توصيات.

1- القصص القرآني يحفل بالكثير من القيم التربوية والتوجيهات النافعة، والتي لا تزال مجالًا للدراسة والبحث.

2- إن معظم الدراسات المتعلقة بالقصص القرآني لا تزال لم تأخذ حظَّها من النشر والاهتمام، والكثير منها لم ينشر وخاصة الذي في مكتبة الجامعات الإسلامية، ومنها رسائل الماجستير والدكتوراه.

3- إن العلاقة بين الباحثين والدُّعاة والوعَّاظ والخطباء في دعوتهم وخطبهم مع القصص القرآني علاقة ضعيفة إلى حد ما؛ ولذلك أوصي بما يلي:
1- توجيه الباحثين والخطباء إلى استعمال القصة، والاستفادة منها في التوجيه بشكل أعمق وأوسع؛ لما تتضمنه من فوائد وعِبَر ودروس في شتى المجالات.

2- كتابة بحوث متخصصة في هذا المجال بالاشتراك؛ ليحدث تكاملًا، ودعوة الباحثين إلى الاشتراك في الكتابة والتأليف.

3- تنقية كتب التاريخ والتفسير التي احتوت على القصص الإسرائيلي وغيره من الأحاديث الموضوعة والضعيفة، ونشر الصحيح منها، والعمل بالرخصة في الحديث عن أهل الكتاب فيما يوافق شرعنا، وما ثبت صحته سندًا ومَتْنًا.

أسأل الله أن يُوفِّقني وإياكم لما يُرضيه، وأن يجمعنا في ظلِّ رحمته، وأن يتقبَّل مِنَّا ومنكم صالح الأعمال، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصادر:
1- معجم المعاني الجامع على شبكة الإنترنت.
2- موقع ملتقى أهل التفسير.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.89 كيلو بايت... تم توفير 1.89 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]