أسباب نزول القرآن - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 790 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 133 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 33 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 96 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-01-2023, 06:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي أسباب نزول القرآن

أسباب نزول القرآن
الشيخ صلاح نجيب الدق


الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضِيَ لنا الإسلام دينًا، وجعلنا من خير أمة أُخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله العزيز الحكيم، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.

أما بعد:
فإن معرفة أسباب نزول سور وآيات القرآن الكريم من الأمور المهمة التي ينبغي على طلاب العلم الشرعي معرفتها؛ لأنها تساعد على فهم القرآن ومعرفة أحكامه، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

تعدد الأسباب والنازل واحد:
إذا جاءت روايتان في نازل واحد من القرآن، وذكرت كل من الروايتين سببًا صريحًا غير ما تذكره الأخرى، نُظر فيهما؛ فإما أن تكون إحداهما صحيحة، والأخرى غير صحيحة، وإما أن تكون كلتاهما صحيحة، ولكن لإحداهما مرجح دون الأخرى، وإما أن تكون كلتاهما صحيحة، ولا مرجح لإحداهما على الأخرى، ولكن يمكن الأخذ بهما معًا، وإما أن تكون كلتاهما صحيحة ولا مرجح ولا يمكن الأخذ بهما معًا؛ فتلك صور أربع لكل منها حكم خاص:
أما الصورة الأولى: وهي ما صحت فيه إحدى الروايتين دون الأخرى، فحكمها الاعتماد على الصحيحة في بيان السبب، ورد الأخرى غير الصحيحة.

مثال ذلك:
روى الشيخان عن الأسود بن قيس، قال: سمعت جندب بن سفيان، يقول: ((اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقُم ليلتين أو ثلاثًا، فجاءته امرأة، فقالت: يا محمد، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أرَه قربك منذ ليلتين أو ثلاث، قال: فأنزل الله عز وجل: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى: 1 - 3]))؛ [البخاري حديث: 4983، مسلم حديث: 1797].

وروى الطبراني عن حفص بن سعيد القرشي، قال: حدثتني أمي، عن أمها، وكانت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((أن جروًا دخل البيت ودخل تحت السرير ومات، فمكث نبي الله صلى الله عليه وسلم أيامًا لا ينزل عليه الوحي، فقال: يا خولة، ما حدث في بيت رسول الله؟ جبريل لا يأتيني، فهل حدث في بيت رسول الله حَدَثٌ، فقلت: والله ما أتى علينا يوم خير من يومنا، فأخذ برده فلبسه وخرج، فقلت: لو هيأت البيت، وكَنَسْتُه، فأهويت بالمِكْنَسة تحت السرير، فإذا شيء ثقيل فلم أزل حتى أخرجته، فإذا بجرو ميت، فأخذته بيدي فألقيته خلف الدار، فجاء نبي الله ترعد لَحْيَيْهِ، وكان إذا أتاه الوحي أخذته الرِّعدة، فقال: يا خَولَة، دثِّريني فأنزل الله: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى: 1 - 3]))؛ [معجم الطبراني الكبير، ج: 24، ص: 249].

فنحن بين هاتين الروايتين نقدم الرواية الأولى في بيان السبب؛ لصحتها، دون الثانية؛ لأن في إسنادها من لا يُعرَف.

قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "قصة إبطاء جبريل بسبب كون الكلب تحت سريره مشهورة، لكن كونها سببَ نزول هذه الآية غريب، بل شاذ مردود بما في الصحيح"؛ [فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ج: 8، ص: 580].

وأما الصورة الثانية- وهي صحة الروايتين كلتيها ولإحداهما مرجح - فحكمها أن نأخذ في بيان السبب بالراجحة دون المرجوحة، والمرجَّح أن تكون إحداهما أصح من الأخرى، أو أن يكون راوي إحداهما مشاهدًا للقصة دون راوي الأخرى.

مثال ذلك: روى الشيخان عن عبدالله بن مسعود، قال: ((بينا أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في خَرِبِ المدينة، وهو يتوكأ على عسيب - عصا من جريد النخل - معه، فمر بنفر من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سَلُوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه، لا يجيء فيه بشيء تكرهونه، فقال بعضهم: لنسألنَّه، فقام رجل منهم، فقال: يا أبا القاسم، ما الروح؟ فسكت، فقلت: إنه يُوحَى إليه، فقمت، فلما انجلى عنه، قال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85]))؛ [البخاري حديث: 125، مسلم حديث: 2794].

روى الترمذي عن ابن عباس، قال: ((قالت قريش ليهود: أعطونا شيئًا نسأل هذا الرجل، فقال: سلوه عن الروح، فسألوه عن الروح، فأنزل الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85]، قالوا: أُوتينا علمًا كثيرًا؛ أوتينا التوراة، ومن أُوتيَ التوراة، فقد أوتي خيرًا كثيرًا، فأُنزلت: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ [الكهف: 109]؛ إلى آخر الآية))؛ [حديث صحيح، صحيح الترمذي للألباني، حديث: 2510].

فهذا الخبر الثاني يدل على أنها بمكة، وأن سبب نزولها سؤال قريش إياه، أما الأول، فصريح في أنها نزلت بالمدينة بسبب سؤال اليهود إياه؛ وهو أرجح من وجهين؛ أحدهما: أنه رواية البخاري، أما الثاني، فإنه رواية الترمذي، ومن المقرر أن ما رواه البخاري أصح مما رواه غيره، ثانيهما: أن راوي الخبر الأول وهو ابن مسعود كان مشاهد القصة من أولها إلى آخرها، كما تدل على ذلك الرواية الأولى، بخلاف الخبر الثاني، فإن رواية ابن عباس لا تدل الرواية على أنه كان حاضر القصة، ولا ريب أن للمشاهدة قوة في التحمل وفي الأداء وفي الاستيثاق ليست لغير المشاهدة؛ ومن هنا تم ترجيح الرواية الأولى على الرواية الثانية.

وأما الصورة الثالثة: وهي ما استوت في الروايتان في الصحة، ولا مرجح لإحداهما، لكن يمكن الجمع بينهما بأن كلًّا من السببين حصل ونزلت الآية عقب حصولهما معًا؛ لتقارب زمنيهما، فحكم هذه الصورة أن نحمل الأمر على تعدد السبب؛ لأنه الظاهر ولا مانع يمنعه؛ قال ابن حجر العسقلاني: "لا مانع من تعدد الأسباب".

مثال:
(1) روى البخاري عن ابن عباس: ((أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك ابن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: البينة أو حد في ظهرك، فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البينة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: البينة وإلا حد في ظهرك، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ [النور: 6]، فقرأ حتى بلغ: ﴿إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور: 9]، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليها، فجاء هلال فشهد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهِدت، فلما كانت عند الخامسة وقفوها، وقالوا: إنها موجِبة، قال ابن عباس: فتلكأت – أي: توقفت وتباطأت عن الشهادة – ونكصت - أي أحجمت عن استمرارها في اللعان - حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم - أي لا أكون سبب فضيحتهم - فمضت - في إتمام اللعان - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين - شديد سواد الجفون - سابغ الأَلْيَتَيْنِ – ضخمهما – خدلَّج – ممتلئ - الساقين، فهو لشريك ابن سحماء، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله، لكان لي ولها شأن؛ أي لرجمتها))؛ [البخاري حديث: 4747].

(2) روى الشيخان عن سهل بن سعد: ((أن عويمرًا أتى عاصم بن عدي وكان سيد بني عجلان، فقال: كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع؟ سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأتى عاصمٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل، فسأله عويمر، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره المسائل وعابها، قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فجاء عويمر، فقال: يا رسول الله، رجل وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبتك، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة بما سمى الله في كتابه فلاعنها، ثم قال: يا رسول الله، إن حبستها فقد ظلمتها فطلقها، فكانت سنةً لمن كان بعدهما في المتلاعنين، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظروا فإن جاءت به أسْحَمَ، أدعجَ العينين، عظيم الأَليتين، خدلَّج الساقين، فلا أحسب عويمرًا إلا قد صدق عليها، وإن جاءت به أُحَيْمِرَ كأنه وَحَرَة، فلا أحسب عويمرًا إلا قد كذب عليها، فجاءت به على النعت الذي نعت به رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر، فكان بعدُ يُنسب إلى أمه))؛ [البخاري حديث: 4745، مسلم حديث: 1492].

فهاتان الروايتان صحيحتان، ولا مرجح لإحداهما على الأخرى، ومن السهل أن نأخذ بكلتيهما لقرب زمانيهما، على اعتبار أن أول من سأل هو هلال بن أمية ثم عويمر قبل إجابته فسأل بواسطة عاصم مرة، وبنفسه مرة أخرى، فأنزل الله الآية إجابة للحادثين معًا، ولا ريب أن إعمال الروايتين بهذا الجمع أولى من إعمال إحداهما وإهمال الأخرى؛ إذ لا مانع يمنع الأخذ بهما على ذلك الوجه.

ثم لا جائز أن نردهما معًا؛ لأنهما صحيحتان ولا تعارض بينهما، ولا جائز أيضًا أن نأخذ بواحدة ونرد الأخرى؛ لأن ذلك ترجيح بلا مرجح، فتعيَّن المصير إلى أن نأخذ بهما معًا، وإليه جنح النووي وسبقه إليه الخطيب؛ فقال: "لعلهما اتفق لهما ذلك في وقت واحد".

ويمكن أن يُفهَم من الرواية الثانية أن آيات الملاعنة نزلت في هلال أولًا، ثم جاء عويمر فأفتاه الرسول صلى الله عليه وسلم بالآيات التي نزلت في هلال؛ قال ابن الصباغ: "قصة هلال تبين أن الآية نزلت فيه أولًا، وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعويمر: ((إن الله أنزل فيك وفي صاحبتك))، فمعناه ما نزل في قصة هلال؛ لأن ذلك حكم عام لجميع الناس.

وأما الصورة الرابعة: وهي استواء الروايتين في الصحة دون مرجح لإحداهما، ودون إمكان للأخذ بهما معًا؛ لبعد الزمان بين الأسباب، فحكمها أن يُحمل الأمر على تكرار نزول الآية بعدد أسباب النزول التي تحدثت عنها هاتان الروايتان، أو تلك الروايات؛ لأنه إعمال لكل رواية ولا مانع منه.

قال الزركشي رحمه الله: "قد ينزل الشيء مرتين تعظيمًا لشأنه وتذكيرًا به، عند حدوث سببه؛ خوف نسيانه"؛ [البرهان في علوم القرآن للزركشي، ج: 1، ص: 29].

مثال:
(1) روى البيهقي عن أبي هريرة، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة بن عبدالمطلب حين استُشهد، فنظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه، فنظر إليه قد مُثِّل به، فقال: رحمة الله عليك؛ فإنك كنت ما علِمتك إلا فعالًا للخيرات، وصولًا للرحم، ولولا حزن من بعدك لسرني أن أدعك حتى تُحشر من أفواه شتى، أما والله على ذلك لأمثِّلَنَّ بسبعين منهم مكانك، قال: فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بخواتيم سورة النحل الآية: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل: 126]، فصبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكفَّر عن يمينه، وأمسك عما أراد))؛ [شعب الإيمان للبيهقي، ج: 12، ص: 185، حديث: 9253].

(2) روى الترمذي عن أُبي بن كعب، قال: ((لما كان يوم أُحُدٍ أُصيب من الأنصار أربعة وستون رجلًا، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة، فمثَّلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يومًا مثل هذا لنربين عليهم، قال: فلما كان يوم فتح مكة؛ فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل: 126]، فقال رجل: لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفُّوا عن القوم إلا أربعةً))؛ [حديث حسن صحيح، صحيح الترمذي للألباني حديث: 2501].

فالرواية الأولى تفيد أن الآية نزلت في غزوة أحد، والثانية تفيد أنها نزلت يوم فتح مكة، على حين أن بين غزوة أحد وغزوة الفتح الأعظم بضع سنين، فبعُد أن يكون نزول الآية كان مرة عقيبهما معًا، وإذًا لا بد من القول بتعدد نزولها مرة في أحد، ومرة يوم الفتح، وقد ذهب البعض إلى أن سورة النحل كلها مكية، وعليه فتكون خواتيمها المذكورة نزلت مرة بمكة قبل هاتين المرتين اللتين في المدينة، وتكون عدة مرات نزولها ثلاثًا، وبعضهم يقول: إن سورة النحل مكية ما عدا خواتيمها تلك، فإنها مدنية، وعليه فعدة مرات نزولها اثنتان فقط؛ [مناهل العرفان للزرقاني، ج: 1، ص: 120:116].

تعدد النازل والسبب واحد:
قد يكون أمر واحد سببًا لنزول آيتين أو آيات متعددة، على عكس ما سبق، ولا مانع من ذلك؛ لأنه لا ينافي الحكمة في إقناع الناس، وهداية الخلق، وبيان الحق عند الحاجة، بل إنه قد يكون أبلغ في الإقناع، وأظهر في البيان؛ [مناهل العرفان للزرقاني، ج: 1، ص: 123:121].

مثال السبب الواحد تنزل فيه آيتان:
(1) روى ابن جرير الطبري عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في ظل شجرة، فقال: إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاء فلا تكلموه، فلم يلبث أن طلع رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: عَلَام تشتمني أنت وأصحابك؟ فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا وما فعلوا حتى تجاوز عنهم، فأنزل الله: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [التوبة: 74]، ثم نعتهم جميعًا، إلى آخر الآية))؛ [تفسير الطبري، ج: 14، ص: 363، رقم: 16973].

(2) روى أحمد عن ابن عباس، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ظل حجرة من حجره، وعنده نفر من المسلمين، قد كاد يقلص عنهم الظل، قال: فقال: إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا أتاكم، فلا تكلموه، قال: فجاء رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه، قال: علام تشتمني أنت، وفلان، وفلان؟ نفر دعاهم بأسمائهم، قال: فذهب الرجل فدعاهم فحلفوا بالله واعتذروا إليه، قال: فأنزل الله عز وجل: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [المجادلة: 18]))؛ [حديث حسن، مسند أحمد، ج: 4، ص: 232، حديث: 2407].

ومثال السبب الواحد ينزل فيه أكثر من آيتين:
(3) روى الترمذي عن أم سلمة، قالت: ((يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة؛ فأنزل الله تعالى: ﴿أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران: 195]))؛ [حديث صحيح لغيره، صحيح الترمذي للألباني، حديث: 2420].

(4) روى الحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: ((قلت: يا رسول الله، يُذكر الرجال ولا يُذكر النساء؛ فأنزل الله عز وجل: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب: 35]؛ الآية، وأنزل: ﴿أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [آل عمران: 195]))؛ [مستدرك الحاكم، ج: 2، ص: 451، حديث: 3560].

عموم اللفظ وخصوص السبب:
ومعناه: أن يأتي الجواب أعم من السبب، ويكون السبب أخص من لفظ الجواب.
ذهب الجمهور إلى أن الحكم يتناول كل أفراد اللفظ، سواء منها أفراد السبب، وغير أفراد السبب، ولنضرب مثالًا: حادثة قذف هلال بن أمية لزوجته؛ وقد نزل فيها قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [النور: 6]، نلاحظ فيها أن السبب خاص؛ وهو قذف هلال هذا، لكن جاءت الآية النازلة فيه بلفظ عام - كما ترى - وهو لفظ: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ [النور: 6]، وهو اسم موصول، والموصول من صيغ العموم، وقد جاء الحكم بالملاعنة في الآية محمولًا عليه من غير تخصيص، فيتناول بعمومه أفراد القاذفين في أزواجهم، ولم يجدوا شهداء إلا أنفسهم، سواء منهم هلال بن أمية صاحب السبب وغيره، ولا نحتاج في سحب هذا الحكم على غير هلال، إلى دليل من قياس أو سواه، بل هو ثابت بعموم هذا النص، ومعلوم أنه لا قياس ولا اجتهاد مع النص؛ ذلك مذهب الجمهور؛ [مناهل العرفان للزرقاني، ج: 1، ص: 123:121].

قال الإمام السيوطي: "من الأدلة على اعتبار عموم اللفظ احتجاج الصحابة وغيرهم في وقائع بعموم آيات نزلت على أسباب خاصة شائعًا ذائعًا بينهم"؛ [الإتقان للسيوطي، ج: 1، ص: 85].

روى ابن جرير الطبري عن محمد بن أبي معشر، قال: أخبرني أبي، أبو معشر نجيح، قال: سمعت سعيدًا المقبري يذاكر محمد بن كعب، فقال سعيد: ((إن في بعض الكتب: إن لله عبادًا ألسنتهم أحلى من العسل، قلوبهم أمَرُّ من الصبر، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين، يجترون الدنيا بالدين، قال الله تبارك وتعالى: أعليَّ يجترئون، وبي يغترون؟ وعزتي لأبعثن عليهم فتنةً تترك الحليم منهم حيران، فقال محمد بن كعب: هذا في كتاب الله جل ثناؤه، فقال سعيد: وأين هو من كتاب الله؟ قال: قول الله عز وجل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة: 204، 205]، فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية، فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامةً بعد))؛ [تفسير الطبري، ج: 4، ص: 232].

ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الـحسنى وصفاته العلى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكرام، وأرجو كل قارئ كريم أن يدعو الله تعالى لي بالإخلاص والتوفيق والثبات على الحق، وحسن الخاتمة، فإن دعوة المسلم الكريم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة؛ وأختم بقول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10].

وآخر دعوانا أن الـحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا مـحمد، وآله، وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.86 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.76%)]