كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - الصفحة 19 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12495 - عددالزوار : 213317 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #181  
قديم 25-10-2022, 01:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (181)
صــــــــــ 257 الى صـــــــــــ263






( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وهذا مثل معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول ابن عباس وقولنا وهؤلاء الخارجون من السخط إن فروا من أكثر منهم حتى يكون الواحد فر من ثلاثة فصاعدا فيما ترى [ ص: 257 ] والله تعالى أعلم بالفارين بكل حال ، أما الذين يجب عليهم السخط فإذا فر الواحد من اثنين فأقل إلا متحرفا لقتال أو متحيزا والمتحرف له يمينا وشمالا ومدبرا ونيته العودة للقتال والفار متحيزا إلى فئة من المسلمين قلت أو كثرت كانت بحضرته أو منتئية عنه سواء إنما يصير الأمر في ذلك إلى نية المتحرف والمتحيز فإن كان الله عز وجل يعلم إنه إنما تحرف ليعود للقتال أو تحيز لذلك فهو الذي استثنى الله فأخرجه من سخطه في التحرف والتحيز وإن كان لغير هذا المعنى خفت عليه إلا أن يعفو الله تعالى عنه أن يكون قد باء بسخط من الله وإذا تحرف إلى الفئة فليس عليه أن ينفرد إلى العدو فيقاتلهم وحده ولو كان ذلك الآن لم يكن له أولا أن يتحرف ولا بأس بالمبارزة وقد بارز يوم بدر عبيدة بن الحارث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبارز محمد بن مسلمة مرحبا يوم خيبر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبارز يومئذ الزبير بن العوام ياسرا وبارز يوم الخندق علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود وإذا بارز الرجل من المشركين بغير أن يدعو أو يدعى إلى المبارزة فبرز له رجل فلا بأس أن يعينه عليه غيره لأنهم لم يعطوه أن لا يقاتله إلا واحد ولم يسألهم ذلك ولا شيء يدل على أنه إنما أراد أن يقاتله واحد فقد تبارز عبيدة وعتبة فضرب عبيدة عتبة فأرخى عاتقه الأيسر وضربه عتبة فقطع رجله وأعان حمزة وعلي فقتلا عتبة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فأما إن دعا مسلم مشركا أو مشرك مسلما إلى أن يبارزه فقال له لا يقاتلك غيري أو لم يقل له ذلك إلا أنه يعرف أن الدعاء إلى مبارزة الواحد كل من الفريقين معا سوى المبارزين أحببت أن يكف عن أن يحمل عليه غيره فإن ولى عنه المسلم أو جرحه فأثخنه فحمل عليه بعد تبارزهما فلهم أن يقتلوه إن قدروا على ذلك لأن قتالهما قد انقضى ولا أمان له عليهم إلا أن يكون شرط أنه آمن منهم حتى يرجع إلى مخرجه من الصف فلا يكون لهم قتله حتى يرجع إلى مأمنه ولو شرطوا ذلك له فخافوه على المسلم أو يجرح المسلم فلهم أن يستنقذوا المسلم منه بلا أن يقتلوه فإن امتنع أن يخليهم وإنقاذ صاحبهم وعرض دونه ليقاتلهم قاتلوه لأنه نقض أمان نفسه ولو عرض بينه وبينهم فقال أنا منكم في أمان قالوا نعم إن خليتنا وصاحبنا فإن لم تفعل تقدمنا لأخذ صاحبنا فإن قاتلتنا قاتلناك وكنت أنت نقضت أمانك فإن قال قائل وكيف لا يعان الرجل البارز على المشرك قاهرا له ؟ قيل إن معونة حمزة وعلي على عتبة إنما كانت بعد أن لم يكن في عبيده قتال ولم يكن منهم لعتبة أمان يكفون به عنه فإن تشارطا الأمان فأعان المشركون صاحبهم كان للمسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقتلوا من أعان عليه المبارز له ولا يقتلوا المبارز ما لم يكن هو استنجدهم عليه
( قال الشافعي ) وإذا تحصن العدو في جبل أو حصن أو خندق أو بحسك أو بما يتحصن به فلا بأس أن يرموا بالمجانيق والعرادات والنيران والعقارب والحيات وكل ما يكرهونه وأن يبثقوا عليهم الماء ليغرقوهم أو يوحلوهم فيه وسواء كان معهم الأطفال والنساء والرهبان أو لم يكونوا لأن الدار غير ممنوعة بإسلام ولا عهد وكذلك لا بأس أن يحرقوا شجرهم المثمر وغير المثمر ويخربوا عامرهم وكل ما لا روح فيه من أموالهم فإن قال قائل ما الحجة فيما وصفت وفيهم الولدان والنساء المنهى عن قتلهم ؟ قيل الحجة فيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أموال بني النضير وحرقها } أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال [ ص: 258 ] بني النضير } .

( قال الشافعي ) أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بني النضير } فقال قائل :
وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير
.

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن قال قائل فقد نهى بعد التحريق في أموال بني النضير ؟ قيل له إن شاء الله تعالى إنما نهى عنه أن الله عز وجل وعده بها فكان تحريقه إذهابا منه لعين ماله وذلك في بعض الأحاديث معروف عند أهل المغازي فإن قال قائل فهل حرق أو قطع بعد ذلك ؟ قيل نعم قطع بخيبر وهي بعد بني النضير وبالطائف وهي آخر غزوة غزاها لقي فيها قتالا فإن قال قائل كيف أجزت الرمي بالمنجنيق وبالنار على جماعة المشركين فيهم الولدان والنساء وهم منهي عن قتلهم ؟ قيل أجزنا بما وصفنا { وبأن النبي صلى الله عليه وسلم شن الغارة على بني المصطلق غارين وأمر بالبيات وبالتحريق } والعلم يحيط أن فيهم الولدان والنساء وذلك أن الدار دار شرك غير ممنوعة وإنما نهى أن تقصد النساء والولدان بالقتل إذا كان قاتلهم يعرفهم بأعيانهم للخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم سباهم فجعلهم مالا وقد كتب هذا قبل هذا فإن كان في الدار أسارى من المسلمين أو تجار مستأمنون كرهت النصب عليهم بما يعم من التحريق والتغريق وما أشبهه غير محرم له تحريما بينا وذلك أن الدار إذا كانت مباحة فلا يبين أن تحرم بأن يكون فيها مسلم يحرم دمه وإنما كرهت ذلك احتياطا ولأن مباحا لنا لو لم يكن فيها مسلم أن تجاوزها فلا نقاتلها وإن قاتلناها قاتلناها بغير ما يعم من التحريق والتغريق ولكن لو التحم المسلمون أو بعضهم فكان الذي يرون أنه ينكأ من التحمهم يغرقوه أو يحرقوه كان ذلك رأيت لهم أن يفعلوا ذلك ولم أكرهه لهم بأنهم مأجورون أجرين أحدهما الدفع عن أنفسهم والآخر نكاية عدوهم غير ملتحمين فتترسوا بأطفال المشركين فقد قيل لا يتوقون ويضرب المتترس منهم ولا يعمد الطفل وقد قيل يكف عن المتترس به ولو تترسوا بمسلم رأيت أن يكف عمن تترسوا به إلا أن يكون المسلمون ملتحمين فلا يكف عن المتترس ويضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في شيء من هذه الحالات مسلما أعتق رقبة .

وإذا حاصرنا المشركين فظفرنا لهم بخيل أحرزناها أو بنا بها عنهم فرجعت علينا واستلحمنا وهي في أيدينا أو خفنا الدرك وهي في أيدينا ولا حاجة لنا بركوبها إنما نريد غنيمتها أو بنا حاجة إلى ركوبها أو كانت معها ماشية ما كانت أو نحل أو ذو روح من أموالهم مما يحل للمسلمين اتخاذه لمأكلة فلا يجوز عقر شيء منها ولا قتله بشيء من الوجوه إلا أن نذبحه كما قال أبو بكر " لا تعقروا شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تغرقن نخلا ولا تحرقنه " فإن قال قائل فقد قال أبو بكر " ولا تقطعن شجرا مثمرا فقطعته " قيل فإنا قطعناه بالسنة واتباع ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أولى بي وبالمسلمين ولم أجد لأبي بكر في ذوات الأرواح مخالفا من كتاب ولا سنة ولا مثله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حفظت فلو لم يكن فيه إلا اتباع أبي بكر كانت في اتباعه حجة مع أن السنة تدل على مثل ما قال أبو بكر في ذوات الأرواح من أموالهم فإن قال قائل ما السنة ؟ قلنا أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى بني عامر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتله قيل يا رسول الله وما حقها ؟ قال أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها } وقد نهى [ ص: 259 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة ووجدت الله عز وجل أباح قتل ذوات الأرواح من المأكول بواحد من معنيين أحدهما أن تذكى فتؤكل إذا قدر عليها والآخران تذكى بالرمي إذا لم يقدر عليها ولم أجده أباح قتلها لغير منفعة وقتلها لغير هذا الوجه عندي محظور فإن قال قائل ففي ذلك نكايتهم وتوهين وغيظ قلنا وقد يغاظون بما يحل فنفعله وبما لا يحل فنتركه فإن قال ومثل ما يغاظون به فنتركه قلنا قتل نسائهم وأولادهم فهم لو أدركونا وهم في أيدينا لم نقتلهم وكذلك لو كان إلى جنبنا رهبان يغيظهم قتلهم لم نقتلهم ولكن إن قاتلوا فرسانا لم نر بأسا إذا كنا نجد السبيل إلى قتلهم بأرجالهم أن نعقر بهم كما نرميهم بالمجانيق .

وإن أصاب ذلك غيرهم وقد عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فانعكست به فرسه فسقط عنها فجلس على صدره ليذبحه فرآه ابن شعوب فرجع إليه يعدو كأنه سبع فقتله واستنقذ أبا سفيان من تحته فقال أبو سفيان بعد ذلك شعرا :
فلو شئت نجتني كميت رجيلة ولم أحمل النعماء لابن شعوب
وما زال مهري مزجر الكلب منهم لدن غدوة حتى دنت لغروب
أقاتلهم طرا وأدعو لغالب وأدفعهم عني بركن صليب
.

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن قال قائل ما الفرق بين العقر بهم وعقر بهائمهم ؟ قيل العقر بهم يجمع أمرين أحدهما دفع عن العاقر المسلم ولأن الفرس أداة عليه يقبل بقوته ويحمل عليه فيقتله والآخر يصل به إلى قتل المشرك والدواب توجف أو يخاف طلب العدو لها إذا قتلت ليست في واحد من هذين المعنيين لا أن قتلها منع العدو للطلب ولا أن يصل المسلم من قتل المشرك إلى ما لم يكن يصل إليه قبل قتلها وإذا أسر المسلمون المشركين فأرادوا قتلهم قتلوهم بضرب الأعناق ولم يجاوزوا ذلك إلى أن يمثلوا بقطع يد ولا رجل ولا عضو ولا مفصل ولا بقر بطن ولا تحريق ولا تغريق ولا شيء يعدو ما وصفت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن المثلة } وقتل من قتل كما وصفت فإن قال قائل قد قطع أيدي الذين استاقوا لقاحه وأرجلهم وسمل أعينهم فإن أنس بن مالك ورجلا رويا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم رويا فيه أو أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب بعد ذلك خطبة إلا أمر بالصدقة ونهى عن المثلة ، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح { أن هبار بن الأسود كان قد أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فقال إن ظفرتم بهبار بن الأسود فاجعلوه بين حزمتين من حطب ثم أحرقوه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله عز وجل إن ظفرتم به فاقطعوا يديه ورجليه } .

( قال الشافعي ) رحمه الله وكان علي بن حسين ينكر حديث أنس في أصحاب اللقاح أخبرنا ابن أبي يحيى عن جعفر عن أبيه عن علي بن حسين قال { والله ما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى في الأسارى من المسلمين في بلاد الحرب يقتل بعضهم بعضا أو يجرح بعضهم بعضا أو يغصب بعضهم بعضا ثم يصيرون إلى بلاد المسلمين إن الحدود تقام عليهم إذا صاروا إلى بلاد المسلمين ولا تمنع الدار حكم الله عز وجل ويؤدون كل زكاة وجبت عليهم لا تضع الدار عنهم شيئا من الفرائض ولكنهم لو كانوا من المشركين فأسلموا ولم يعرفوا الأحكام وأصاب بعضهم من بعض شيئا بجراح أو قتل درأنا عنهم الحد بالجهالة وألزمناهم الدية في أموالهم وأخذنا منهم في أموالهم كل ما أصاب بعضهم لبعض وكذلك لو زنى رجل منهم بامرأة وهو لا [ ص: 260 ] يعلم أن الزنا محرم درأنا عنه الحد بأن الحجة لم تقم وتطرح عنه حقوق الله ويلزمه حقوق الآدميين ، ولو كانت المرأة مسلمة أسرت أو استؤمنت ممن قد قامت عليهم الحجة فأمكنته من نفسها حدث ولم يكن لها مهر ولم يكن عليه حد ولو أنه تزوجها بنكاح المشركين فسخنا النكاح وألحقنا به الولد ودرأنا عنه الحد وجعلنا لها المهر ولو سرق بعضهم من بعض شيئا درأنا عنه القطع وألزمناه الغرامة ولو أربى بعضهم على بعض رددنا الربا بينهم لأن هذا من حقوق الآدميين وقال في القوم من المسلمين ينصبون المجانيق على المشركين فيرجع عليه حجر المنجنيق فيقتل بعضهم فهذا قتل خطأ فدية المقتولين على عواقل القاتلين قدر حصة المقتولين كأنه جر المنجنيق عشرة فرجع الحجر على خمسة منهم فقتلهم فأنصاف دياتهم على عواقل القاتلين لأنهم قتلوا بفعلهم وفعل غيرهم ولا يؤدون حصتهم من فعلهم فهم قتلوا أنفسهم مع غيرهم ولو رجع حجر المنجنيق على رجل لم يجره كان قريبا من المنجنيق أو بعيدا معينا لأهل المنجنيق بغير الجر أو غير معين لهم كانت ديته على عواقل الجارين كلهم ولو كان فيهم رجل يمسك لهم من الحبال التي يجرونها بشيء ولا يجر معهم في إمساكه لهم لم يلزمه ولا عاقلته شيء من قبل أنا لم ند إلا بفعل القتل فأما بفعل الصلاح فلا ولو رجع عليهم الحجر فقتلهم كلهم أو سقط المنجنيق عليهم من جرهم فقتل كلهم وهم عشرة ودوا كلهم ورفع عن عواقل من يديهم عشر دية كل واحد منهم لأنه قتل بفعل نفسه وفعل تسعة معه فيرفع عنه حصة فعل نفسه ويؤخذ له حصة فعل غيره ثم هكذا كل واحد ولو رمى رجل بعرادة أو بغيرها أو ضرب بسيف فرجعت الرمية عليه كأنها أصابت جدارا ثم رجعت إليه أو ضرب بسيف شيئا فرجع عليه السيف فلا دية له لأنه جنى على نفسه ولا يضمن لنفسه شيئا ولو رمى في بلاد الحرب فأصاب مسلما مستأمنا أو أسيرا أو كافرا أسلم فلم يقصد قصده بالرمية ولم يره فعليه تحرير رقبة ولا دية له وإن رآه وعرف مكانه ورمى وهو مضطر إلى الرمي فقتله فعليه دية وكفارة وإن كان عمده وهو يعرفه مسلما فعليه القصاص إذا رماه بغير ضرورة ولا خطأ وعمد قتله فإن تترس به مشرك وهو يعلمه مسلما وقد التحم فرأى أنه لا ينجيه إلا ضربه المسلم فضربه يريد قتل المشرك فإن أصابه درأنا عنه القصاص وجعلنا عليه الدية وهذا كله إذا كان في بلاد المشركين أو صفهم فأما إذا انفرج عن المشركين فكان بين صف المسلمين والمشركين فذلك موضع يجوز أن يكون فيه المسلم والمشرك فإن قتل رجل رجلا وقال ظننته مشركا فوجدته مسلما فهذا من الخطأ وفيه العقل فإن اتهمه أولياؤه أحلف لهم ما علمه مسلما فقتله فإن قال قائل كيف أبطلت دية مسلم أصيب ببلاد المشركين برمي أو غارة لا يعمد فيها بقتل ؟ قيل قال الله عز وجل { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } إلى قوله { متتابعين } فذكر الله عز وجل في المؤمن يقتل خطأ والذمي يقتل خطأ الدية في كل واحد منهما وتحرير رقبة فدل ذلك على أن هذين مقتولان في بلاد الإسلام الممنوعة لا بلاد الحرب المباحة وذكر من حكمهما حكم المؤمن من عدو لنا يقتل فجعل فيه تحرير رقبة فلم تحتمل الآية والله تعالى أعلم إلا أن يكون قوله { فإن كان من قوم عدو لكم } يعني في قوم عدو لكم وذلك أنها نزلت وكل مسلم فهو من قوم عدو للمسلمين لأن مسلمي العرب هم من قوم عدو للمسلمين وكذلك مسلمو العجم ولو كانت على أن لا يكون دية في مسلم خرج إلى بلاد الإسلام من جماعة المشركين هم عدو لأهل الإسلام للزم من قال هذا القول أن يزعم أن من أسلم من قوم مشركين فخرج إلى دار الإسلام فقتل كانت فيه تحرير رقبة ولم تكن فيه دية وهذا خلاف حكم المسلمين وإنما معنى الآية إن شاء الله تعالى على ما قلنا وقد سمعت بعض من أرضى من أهل العلم يقول ذلك فالفرق بين القتلين أن يقتل المسلم في دار الإسلام غير معمود بالقتل فيكون فيه [ ص: 261 ] دية وتحرير رقبة أو يقتل مسلم ببلاد الحرب التي لا إسلام فيها ظاهر غير معمود بالقتل ففي ذلك تحرير رقبة ولا دية .
. مسألة مال الحربي

( قال الشافعي ) وإذا دخل الذمي أو المسلم دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم يشتري لهم شيئا فأما مع المسلم فلا نعرض له ويرد إلى أهله من أهل الحرب لأن أقل ما فيه أن يكون خروج المسلم به أمانا للكافر فيه وأما مع الذمي قال الربيع " ففيها قولان أحدهما أنا نغنمه لأنه لا تكون كينونته معه أمانا له منا لأنه إنما روي { المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم } فلا يكون ما مع الذمي من أموالهم أمانا لأموالهم وإن ظن الحربي الذي بعث بماله معه أن ذلك أمان له كما لو دخل حربي بتجارة إلينا بلا أمان منا كان لنا أن نسبيه ونأخذ ماله ولا يكون ظنه بأنه إذا دخل تاجرا أن ذلك أمان له ولماله بالذي يزيل عنه حكما والقول الثاني أنا لا نغنم ما مع الذمي من مال الحربي لأنه لما كان علينا أن لا نعرض للذمي في ماله كان ما معه من مال غيره له أمان مثل ماله كما لو أن حربيا دخل إلينا بأمان وكان معه مال لنفسه ومال لغيره من أهل الحرب لم نعرض له في ماله لما تقدم له من الأمان ولا في المال الذي معه لغيره فهكذا لما كان للذمي أمان متقدم لم يتعرض له في ماله ولا في المال الذي معه لغيره مثل هذا سواء . والله نسأل التوفيق برحمته . وكان آخر القولين أشبه إن شاء الله تعالى .
الأسارى والغلول

أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال إذا أسر المسلم فكان في بلاد الحرب أسيرا موثقا أو محبوسا أو مخلى في موضع يرى أنه لا يقدر على البراح منه أو موضع غيره ولم يؤمنوه ولم يأخذوا عليه أنهم أمنوا منه فله أخذ ما قدر عليه من ولدانهم ونسائهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن أمنوه أو بعضهم وأدخلوه في بلادهم بمعروف عندهم في أمانهم إياه وهم قادرون عليه فإنه يلزمه لهم أن يكونوا منه آمنين وإن لم يقل ذلك إلا أن يقولوا قد أمناك ولا أمان لنا عليك لأنا لا نطلب منك أمانا فإذا قالوا هذا هكذا كان القول فيه كالقول في المسألة الأولى يحل له اغتيالهم والذهاب بأموالهم وإفسادها والذهاب بنفسه فإن أمنوه وخلوه وشرطوا عليه أن لا يبرح بلادهم أو بلدا سموه وأخذوا عليه أمانا أو لم يأخذوا .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال بعض أهل العلم يهرب وقال بعضهم ليس له أن يهرب وقال وإذا أسر العدو الرجل من المسلمين فخلوا سبيله وأمنوه وولوه من ضياعهم أو لم يولوه فأمانهم إياه أمان لهم منه فليس له أن يغتالهم ولا يخونهم وأما الهرب بنفسه فله الهرب فإن أدرك ليؤخذ فله أن يدفع عن نفسه وإن قتل الذي أدركه لأن طلبه غير الأمان فيقتله إن شاء ويأخذ ماله ما لم يرجع عن طلبه [ ص: 262 ] فإذا أسر المشركون المسلم فخلوه على فداء يدفعه إلى وقت وأخذوا عليه إن لم يدفع الفداء أن يعود في إسارهمفلا ينبغي له أن يعود في إسارهم ولا ينبغي للإمام أن يدعه إن أراد العودة فإن كانوا امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطيهموه فلا يعطيهم منه شيئا لأنه مال أكرهوه على أخذه منه بغير حق وإن كان أعطاهموه على شيء يأخذه منهم لم يحق له إلا أداؤه بكل حال وهكذا لو صالحهم مبتدئا على شيء انبغى له أن يؤديه إليهم إنما أطرح عليهم ما استكره عليه ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى في أسير في أيدي العدو وأرسلوا معه رسلا ليعطيهم فداء أو أرسلوه بعهد أن يعطيهم فداء سماه لهم وشرطوا عليه إن لم يدفعه إلى رسولهم أو يرسل به إليهم أن يعود في إسارهم .

( قال الشافعي ) يروى عن أبي هريرة والثوري وإبراهيم النخعي أنهم قالوا لا يعود في إسارهم ويفي لهم بالمال وقال بعضهم إن أراد العودة منعه السلطان العودة وقال ابن هرمز يحبس لهم بالمال وقال بعضهم يفي لهم ولا يحبسونه ولا يكون كديون الناس وروي عن الأوزاعي والزهري يعود في إسارهم إن لم يعطهم المال وروي ذلك عن ربيعة وعن ابن هرمز خلاف ما روي عنه في المسألة الأولى .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن ذهب مذهب الأوزاعي ومن قال قوله فإنما يحتج فيما أراه بما روي عن بعضهم أنه يروى { أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية أن يرد من جاءه بعد الصلح مسلما فجاءه أبو جندل فرده إلى أبيه وأبو بصير فرده فقتل أبو بصير المردود معه ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد وفيت لهم ونجاني الله منهم فلم يرده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعب ذلك عليه وتركه فكان بطريق الشام يقطع على كل مال قريش حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضمه إليه لما نالوه من أذاه } .

( قال الشافعي ) رحمه الله وهذا حديث قد رواه أهل المغازي كما وصفت ولا يحضرني ذكر إسناده فأعرف ثبوته من غيره

قال وإذا كان المسلمون أسارى أو مستأمنين أو رسلا في دار الحرب فقتل بعضهم بعضهم أو قذف بعضهم بعضا أو زنوا بغير حربية فعليهم في هذا كله الحكم كما يكون عليهم ولو فعلوه في بلاد الإسلام وإنما يسقط عنهم لو زنى أحدهم بحربية إذا ادعى الشبهة ولا تسقط دار الحرب عنهم فرضا كما لا تسقط عنهم صوما ولا صلاة ولا زكاة فالحدود فرض عليهم وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم حد الله تعالى ولو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا عليه الحد أبدا لأنه يمكنه من أي موضع أن يلحق بدار الحرب فيعطل عنه حكم الله جل ثناؤه ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا دخل الرجل بلاد الحرب فوجد في أيديهم أسيرا أو أسارى رجالا ونساء من المسلمين فاشتراهم وأخرجهم من بلاد الحرب فأراد أن يرجع عليهم بما أعطى فيهم لم يكن ذلك له وكان متطوعا بالشراء وزائدا أن اشترى ما ليس يباع من الأحرار فإن كان بأمرهم اشتراهم رجع عليهم بما أعطى فيهم من قبل أنه أعطى بأمرهم وإذا أسرت المرأة فنكحها بعض أهل الحرب أو وطئها بلا نكاح ثم ظهر عليها المسلمون لم تسترق هي ولا أولادها لأن أولادها مسلمون بإسلامها فإن كان لها زوج في دار الإسلام لم يلحق به هذا الولد ولحقوا بالنكاح المشرك وإن كان نكاحه فاسدا لأنه نكاح شبهة وإذا أسر المسلم فكان في دار الحرب فلا تنكح امرأته إلا بعد يقين وفاته عرف مكانه أو خفي مكانه وكذلك لا يقسم ميراثه وما صنع الأسير من المسلمين في دار الحرب أو في دار الإسلام أو المسجون وهو صحيح في ماله غير مكره عليه فهو جائز من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك .
[ ص: 263 ] المستأمن في دار الحرب .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم أو يبلغوا مدة أمانهم وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم
وإن أسر العدو أطفال المسلمين ونساءهم لم أكن أحب لهم الغدر بالعدو ولكن أحب لهم لو سألوهم أن يردوا إليهم الأمان وينبذوا إليهم فإذا فعلوا قاتلوهم عن أطفال المسلمين ونسائهم .
ما يجوز للأسير في ماله إذا أراد الوصية

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : يجوز للأسير في بلاد العدو ما صنع في ماله في بلاد الإسلام وإن قدم ليقتل ما لم ينله منه ضرب يكون مرضا وكذلك الرجل بين الصفين ( قال الشافعي ) : أخبرنا بعض أهل المدينة عن محمد بن عبد الله عن الزهري أن مسروقا قدم بين يدي عبد الله بن زمعة يوم الحرة ليضرب عنقه فطلق امرأته ولم يدخل بها فسألوا أهل العلم فقالوا : لها نصف الصداق ولا ميراث لها ( قال الشافعي ) : أخبرنا بعض أهل العلم عن هشام بن عروة عن أبيه أن عامة صدقات الزبير تصدق بها وفعل أمورا وهو واقف على ظهر فرسه يوم الجمل وروي عن عمر بن عبد العزيز : عطية الحبلى جائزة حتى تجلس بين القوابل وبهذا كله نقول ( قال الشافعي ) : وعطية راكب البحر جائزة ما لم يصل إلى الغرق أو شبه الغرق ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وقال القاسم بن محمد وابن المسيب : عطية الحامل جائزة ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وما وصفت من قول من سميت وغيرهم من أهل المدينة وقد روي عن ابن أبي ذئب أنه قال : عطية الحامل من الثلث وعطية الأسير من الثلث وروى ذلك عن الزهري ( قال الشافعي ) : وليس يجوز إلا واحد من هذين القولين والله تعالى أعلم ثم قال قائل في الحبلى عطيتها جائزة حتى تتم ستة أشهر وتأول قول الله عز وجل { حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت } وليس في قول الله عز وجل { فلما أثقلت } دلالة على مرض ولو كانت فيه دلالة على مرض يغير الحكم قد يكون مرضا غير ثقيل وثقيلا وحكمه في أن لا يجوز له في ماله إلا الثلث سواء ولو كان ذلك فيه كان الإثقال يحتمل أن يكون حضور الولاد حين تجلس بين القوابل لأن ذلك الوقت الذي يخشيان فيه قضاء الله عز وجل ويسألانه أن يؤتيهما صالحا فإن قال : قد يدعوان الله قبل ؟ قيل : نعم مع أول الحمل ووسطه وآخره وقبله والحبلى في أول حملها أشبه بالمرض منها بعد ستة أشهر للتغير والكسل والنوم والضعف ولهي في شهرها أخف منها في شهر البدء من حملها وما في هذا إلا أن الحبل سرور ليس بمرض حتى تحضر الحال المخوفة للأولاد أو يكون تغيرها بالحبل مرضا كله من أوله إلى آخر فيكون ما قال ابن أبي ذئب ، فأما غير هذا لا يجوز - والله تعالى أعلم - لأحد أن يتوهمه .
المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #182  
قديم 25-10-2022, 01:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (182)
صــــــــــ 264 الى صـــــــــــ270




قيل للشافعي : أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بأن المسلمين يريدون غزوهم أو [ ص: 264 ] بالعورة من عوراتهم هل يحل ذلك دمه ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام إلا أن يقتل أو يزني بعد إحصان أو يكفر كفرا بينا بعد إيمان ثم يثبت على الكفر وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين ، فقلت للشافعي : أقلت هذا خير أم قياسا ؟ قال قلته بما لا يسع مسلما علمه عندي أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب فقيل للشافعي : فذكر السنة فيه ، قال : أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع قال { : سمعت عليا يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والمقداد والزبير فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخرجنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها : أخرجي الكتاب فقالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة يخبر ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما هذا يا حاطب ؟ قال : لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم ولم يكن لي بمكة قرابة فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا والله ما فعلته شكا في ديني ولا رضا لا كفرا بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد صدق فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله عز وجل قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال فنزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في هذا الحديث مع ما وصفنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكا في الإسلام وأنه فعله ليمنع أهله ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام واحتمل المعنى الأقبح كان القول قوله فيما احتمل فعله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بأن لم يقتله ولم يستعمل عليه الأغلب ولا أحد أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذه لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غرتهم فصدقه ما عاب عليه الأغلب مما يقع في النفوس فيكون لذلك مقبولا كان من بعده في أقل من حاله وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه قيل للشافعي : أفرأيت إن قال قائل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قد صدق إنما تركه لمعرفته بصدقه لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره فيقال له : قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المنافقين كاذبون وحقن دماءهم بالظاهر فلو كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم في حاطب بالعلم بصدقه كان حكمه على المنافقين القتل بالعلم بكذبهم ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر وتولى الله عز وجل منهم السرائر ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكما له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية وكل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصا أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجعلوا له سنة أو يكون ذلك موجودا في كتاب الله عز وجل قلت للشافعي أفتأمر الإمام إذا وجد مثل هذا بعقوبة من فعله أم تركه كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال الشافعي إن العقوبات غير الحدود فأما الحدود فلا تعطل بحال وأما العقوبات فللإمام تركها على الاجتهاد وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { تجافوا لذوي الهيئات } وقد قيل في الحديث [ ص: 265 ] ما لم يكن حد فإذا كان هذا من الرجل ذي الهيئة بجهالة كما كان هذا من حاطب بجهالة وكان غير متهم أحببت أن يتجافى له وإذا كان من غير ذي الهيئة كان للإمام والله تعالى أعلم تعزيره وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام يردد المعترف بالزنا فترك ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لجهالته يعني المعترف بما عليه وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم عقوبة من غل في سبيل الله فقلت للشافعي : أرأيت الذي يكتب بعورة المسلمين أو يخبر عنهم بأنهم أرادوا بالعدو شيئا ليحذروه من المستأمن والموادع أو يمضي إلى بلاد العدو مخبرا عنهم قال : يعزر هؤلاء ويحبسون عقوبة وليس هذا بنقض للعهد يحل سبيهم وأموالهم ودماءهم وإذا صار منهم واحد إلى بلاد العدو فقالوا : لم نر بهذا نقضا للعهد فليس بنقض للعهد ويعزر ويحبس قلت للشافعي أرأيت الرهبان إذا دلوا على عورة المسلمين ؟ قال : يعاقبون وينزلون من الصوامع ويكون من عقوبتهم إخراجهم من أرض الإسلام فيخيرون بين أن يعطوا الجزية ويقيموا بدار الإسلام أو يتركوا يرجعون فإن عادوا أودعهم السجن وعاقبهم مع السجن قلت للشافعي : أفرأيت إن أعانوهم بالسلاح والكراع أو المال أهو كدلالتهم على عورة المسلمين ؟ قال : إن كنت تريد في أن هذا لا يحل دماءهم فنعم وبعض هذا أعظم من بعض ويعاقبون بما وصفت أو أكثر ولا يبلغ بهم قتل ولا حد ولا سبي فقلت للشافعي فما الذي يحل دماءهم ؟ قال : إن قاتل أحد من غير أهل الإسلام راهب أو ذمي أو مستأمن مع أهل الحرب حل قتله وسباؤه وسبي ذريته وأخذ ماله فأما ما دون القتال فيعاقبون بما وصفت ولا يقتلون ولا تغنم أموالهم ولا يسبون .
الغلول

قلت للشافعي : أفرأيت المسلم الحر أو العبد الغازي أو الذمي أو المستأمن يغلون من الغنائم شيئا قبل أن تقسم ؟ فقال : لا يقطع ويغرم كل واحد من هؤلاء قيمة ما سرق إن هلك الذي أخذه قبل أن يؤديه وإن كان القوم جهلة علموا ولم يعاقبوا فإن عادوا عوقبوا فقلت للشافعي : أفيرجل عن دابته ويحرق سرجه أو يحرق متاعه ؟ فقال : لا يعاقب رجل في ماله وإنما يعاقب في بدنه وإنما جعل الله الحدود على الأبدان وكذلك العقوبات فأما على الأموال فلا عقوبة عليها ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقليل الغلول وكثيره محرم قلت فما الحجة ؟ قال : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار وابن عجلان كلاهما عن عمرو بن شعيب وأخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس قال : حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر فقدمت به على عمر فلما انتهينا إليه قال له عمر : تكلم قال : كلام حي أو كلام ميت ؟ قال : تكلم لا بأس قال : إنا وإياكم معاشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نتعبدكم ونقتلكم ونغصبكم فلما كان الله عز وجل معكم لم يكن لنا بكم يدان فقال عمر : ما تقول ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين تركت بعدي عدوا كثيرا وشوكة شديدة فإن تقتله ييأس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم فقال عمر أستحيي قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور ؟ فلما خشيت أن يقتله قلت ليس إلى قتله سبيل قد قلت له تكلم لا بأس فقال عمر : ارتشيت وأصبت منه فقلت : والله ما ارتشيت ولا أصبت منه قال : لتأتيني على ما شهدت به بغيرك أو [ ص: 266 ] لأبدأن بعقوبتك قال فخرجت فلقيت الزبير بن العوام فشهد معي وأمسك عمر وأسلم وفرض له .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقبول من قبل من الهرمزان أن ينزل على حكم عمر يوافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل من بني قريظة حين حصرهم وجهد بهم الحرب أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ( قال الشافعي ) : ولا بأس أن يقبل الإمام من أهل الحصن عقله ونظره للإسلام وذلك أن السنة دلت على أن قبول الإمام إنما كان لمن وصفت من أهل القناعة والثقة فلا يجوز للإمام عندي أن يقبل خلافهم من غير أهل القناعة والثقة والعقل فيكون قبل خلاف ما قبلوا منه ولو فعل كان قد ترك النظر ولم يكن له عذر فإن قال قائل وكيف يجوز أن ينزل على حكم من لعله لا يدري ما يصنع ؟ قيل لما كان الله عز وجل أذن بالمن والفداء في الأسارى من المشركين وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما بعد الحكم أبدا أن يمن أو يفادي أو يقتل أو يسترق فأي ذلك فعل فقد جاء به كتاب الله تبارك وتعالى ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) : وقد وصفنا أن للإمام في الأسارى الخيار في غير هذا الكتاب وأحب أن يكون على النظر للإسلام وأهله فيقتل إن كان ذلك أوهن وأطفأ للحرب ويدع إن كان ذلك أشد لنشر الحرب وأطلب للعدو على نحو ما أشار به أنس على عمر ومتى سبق من الإمام قول فيه أمان ثم ندم عليه لم يكن له نقض الأمان بعدما سبق منه وكذلك كل قول يشبه الأمان مثل قول عمر تكلم لا بأس ( قال الشافعي ) : ولا قود على قاتل أحد بعينه لأن الهرمزان قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلم ير عليه عمر قودا وقول عمر في هذا موافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءه قاتل حمزة مسلما فلم يقتله به قودا وجاءه بشر كثير كلهم قاتل معروف بعينه فلم ير عليه قودا وقول عمر لتأتيني بمن يشهد على ذلك أو لأبدأن بعقوبتك يحتمل أن لم يذكر ما قال للهرمزان من أن لا تقبل إلا بشاهدين ويحتمل أن احتياطا كما احتاط في الأخبار ويحتمل أن يكون في يديه فجعل الشاهد غيره لأنه دافع عمن هو بيديه وأشبه ذلك عندنا أن يكون احتياطا والله تعالى أعلم .

( قال الشافعي ) : أخبرنا الثقفي عن حميد عن موسى بن أنس عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سأله " إذا حاصرتم المدينة كيف تصنعون " قال : نبعث الرجل إلى المدينة ونصنع له هنة من جلود قال : " أرأيت إن رمي بحجر " قال إذا يقتل قال : فلا تفعلوا فوالذي نفسي بيده ما يسرني أن تفتحوا مدينة فيها أربعة آلاف مقاتل بتضييع رجل مسلم .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ما قال عمر بن الخطاب من هذا احتياط وحسن نظر للمسلمين وإني أستحب للإمام ولجميع العمال وللناس كلهم أن لا يكونوا معترضين لمثل هذا ولا لغيره مما الأغلب عليه منه التلف وليس هذا بمحرم على من عرضه والمبارزة ليست هكذا لأن المبارزة إنما يبرز لواحد فلا يبين أنه مخاطر إنما المخاطر المتقدم على جماعة أهل الحصن فيرمى أو على الجماعة وحده الأغلب أن لا يدان له بهم فإن قال قائل : ما دل على أن لا بأس بالتقدم على الجماعة ؟ قيل بلغنا { أن رجلا قال : يا رسول الله إلام يضحك الله من عبده ؟ قال غمسه يده في العدو حاسرا فألقى درعا كانت عليه وحمل حاسرا حتى قتل } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى والاختيار أن يتحرز ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى [ ص: 267 ] أخبرنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد { أن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس قال { : سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فانتهى إليها ليلا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرق قوما ليلا لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يكونوا يصلون أغار عليهم حين يصبح فلما أصبح ركب وركب معه المسلمون وخرج أهل القرية ومعهم مكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قال أنس وإني لرديف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم } ( قال الشافعي ) : وفي رواية أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغير حتى يصبح ليس بتحريم للإغارة ليلا ونهارا ولا غارين في حال والله تعالى أعلم ، ولكنه على أن يكون يبصر من معه كيف يغيرون احتياطا من أن يؤتوا من كمين أو حيث لا يشعرون وقد تختلط الحرب إذا أغاروا ليلا فيقتل بعض المسلمين بعضا وقد أصابهم ذلك في قتل ابن عتيك فقطعوا رجل أحدهم ، فإن قال قائل ما دل على أن هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليس بتحريم أن يغير أحد ليلا ؟ قيل : قد أمر بالغارة على غير واحد من اليهود فقتلوه .
الفداء بالأسارى

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال { أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل فأوثقوه وطرحوه في الحرة فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه أو قال أتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار وتحته قطيفة فناداه يا محمد يا محمد فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما شأنك قال : فيم أخذت وفيم أخذت سابقة الحاج ؟ قال أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه ومضى فناداه يا محمد يا محمد فرحمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليه فقال ما شأنك قال : إني مسلم فقال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح قال فتركه ومضى فناداه يا محمد يا محمد فرجع إليه فقال : إني جائع فأطعمني قال . وأحسبه قال وإني عطشان فاسقني قال : هذه حاجتك ففداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف وأخذ ناقته } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف } إنما هو أن المأخوذ مشرك مباح الدم والمال لشركه من جميع جهاته والعفو عنه مباح فلما كان هكذا لم ينكر أن يقول أخذت أي حبست بجريرة حلفائكم ثقيف ويحبسه بذلك ليصير إلى أن يخلوا من أراد ويصيروا إلى ما أراد ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وقد غلط بهذا بعض من يشدد الولاية فقال : يؤخذ الولي من المسلمين وهذا مشرك يحل أن يؤخذ بكل جهة وقد { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلين مسلمين هذا ابنك ؟ قال نعم قال أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه وقضى الله عز وجل أن لا تزر وازرة وزر أخرى } ولما كان حبس هذا حلالا بغير جناية غيره وإرساله مباحا كان جائزا أن يحبس بجناية غيره لاستحقاقه ذلك بنفسه ويخلى تطوعا إذا نال به بعض ما يحب حابسه ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : { وأسلم هذا الأسير فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسلم لا بنية فقال [ ص: 268 ] لو قلتها وأنت تملك نفسك أفلحت كل الفلاح } وحقن بإسلامه دمه ولم يخله بالإسلام إذ كان بعد إساره وهكذا من أسر من المشركين فأسلم حقن له إسلامه دمه ولم يخرجه إسلامه من الرق إن رأى الإمام استرقاقه استدلالا بما وصفنا من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفعله بالرجلين بعد إسلامهما فهذا أثبت عليه الرق بعد إسلامه ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وهذا رد لقول مجاهد لأن سفيان أخبرنا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : إذا أسلم أهل العنوة فهم أحرار وأموالهم فيء للمسلمين فتركنا هذا استدلالا بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا فاداه النبي صلى الله عليه وسلم برجلين من أصحابه فإنما فاداه بهما أنه فك الرق عنه بأن خلوا صاحبيه . وفي هذا دلالة على أن لا بأس أن يعطي المسلمون المشركين من يجري عليه الرق وإن أسلم إذا كان من يدفعون إليهم من المسلمين لا يسترق وهذا العقيلي لا يسترق لموضعه فيهم وإن خرج من بلاد الإسلام إلى بلاد الشرك وفي هذا دلالة على أنه لا بأس أن يخرج المسلم من بلاد الإسلام إلى بلاد الشرك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فدى صاحبيه فالعقيلي بعد إسلامه وبلاده بلاد شرك ففي ذلك دلالة على ما وصفت ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : فداء النبي صلى الله عليه وسلم هذا بالعقيلي ورده إلى بلده وهي أرض كفر لعلمه بأنهم لا يضرونه ولا يجترئون عليه لقدره فيهم وشرفه عندهم ولو أسلم رجل لم يرد إلى قوم يقومون عليه أن يضروه إلا في مثل حال العقيلي ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وفداؤه بالعقيلي والعقيلي لا يسترق خلاف أن يفدى بمن يسترق من المسلمين قال : ولا بأس أن يفدى بمن يسترق من المشركين البالغين المسلمين وإذا جاز أن يفدى بمن يسترق جاز أن يبيع المسلمون المشركين البالغين من المشركين .
العبد المسلم يأبق إلى أهل دار الحرب .

سألت الشافعي عن العدو يأبق إليهم العبد أو يشرد البعير أو يغيرون فينالونهما أو يملكونهما أسهما ؟ قال : لا فقلت للشافعي : فما تقول فيهما إذا ظهر عليهم المسلمون فجاء أصحابهما قبل أن يقتسما ؟ فقال : هما لصاحبهما فقلت أرأيت إن وقعا في المقاسم ؟ فقال : اختلف فيهما المفتون فمنهم من قال هما قبل المقاسم وبعدها سواء لصاحبهما ومنهم من قال هما لصاحبهما قبل المقاسم فإذا وقعت المقاسم وصارا في سهم رجل فلا سبيل إليهما ومنهم من قال صاحبهما أحق بهما ما لم يقسما فإذا قسما فصاحبهما أحق بهما بالقيمة : قلت للشافعي : فما اخترت من هذا ؟ قال : أنا أستخير الله عز وجل فيه قلت فمع أي القولين الآثار والقياس ؟ فقال : دلالة السنة والله تعالى أعلم . فقلت للشافعي : فاذكر السنة فقال : أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن عمران بن حصين قال { سبيت امرأة من الأنصار وكانت الناقة قد أصيبت قبلها } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : كأنه يعني ناقة النبي صلى الله عليه وسلم لأن آخر حديثه يدل على ذلك قال عمران بن حصين { : فكانت تكون فيهم وكانوا يجيئون بالنعم إليهم فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت كلما أتت بعيرا منها فمسته رغا فتركته حتى أتت تلك الناقة فمستها فلم ترغ وهي ناقة هدرة فقعدت في عجزها ثم صاحت بها فانطلقت وطلبت من ليلتها فلم يقدر عليها فجعلت لله عليها إن [ ص: 269 ] الله أنجاها عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة عرفوا الناقة وقالوا : ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إنها قد جعلت لله تعالى عليها لتنحرنها فقالوا والله لا تنحريها حتى نؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوه فأخبروه أن فلانة قد جاءت على ناقتك وأنها قد جعلت لله عليها إن نجاها الله عليها لتنحرنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبئس ما جزتها إن أنجاها الله عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد أو قال ابن آدم } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وهذا الحديث يدل على أن العدو قد أحرز ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأنصارية انفلتت من إسارهم عليها بعد إحرازهموها ورأت أنها لها فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قد نذرت فيما لا تملك ولا نذر لها وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته ولو كان المشركون يملكون على المسلمين لم يعد أخذ الأنصارية الناقة أن تكون ملكها بأنها أخذتها ولا خمس فيها لأنها لم توجف عليها وقد قال بهذا غيرنا ولسنا نقول به أو تكون ملكت أربعة أخماسها وخمسها لأهل الخمس أو تكون من الفيء الذي لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فيكون أربعة أخماسها للنبي صلى الله عليه وسلم وخمسها لأهل الخمس ولا أحفظ قولا لأحد أن يتوهمه في هذا غير أحد هذه الثلاثة الأقاويل . قال : فلما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته دل هذا على أن المشركين لا يملكون شيئا على المسلمين وإذا لم يملك المشركون على المسلمين ما أوجفوا عليه بخيلهم فأحرزوه في ديارهم أشبه والله تعالى أعلم أن لا يملك المسلمون عنهم ما لم يملكوا هم لأنفسهم قبل قسم الغنيمة ولا بعده ، قلت للشافعي رحمه الله تعالى فإن كان هذا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف اختلف فيه ؟ فقال : قد يذهب بعض السنن على بعض أهل العلم ولو علمها إن شاء الله تعالى قال بها ، قلت للشافعي : أفرأيت من لقيت ممن سمع هذا كيف تركه ؟ فقال : لم يدعه كله ولم يأخذ به كله ، فقلت : فكيف كان هذا ؟ قال : والله تعالى أعلم ولا يجوز هذا لأحد ، فقلت فهل ذهب فيه إلى شيء ؟ فقال : كلمني بعض من ذهب هذا المذهب فقال : وهكذا يقول فيه المقاسم فيصير عبد رجل في سهم رجل فيكون مفروزا من حقه وبتفرق الجيش فلا يجد أحدا يتبعه بسهمه فينقلب لا سهم له . فقلت له : أفرأيت لو وقع في سهمه حر أو أم ولد لرجل ؟ قال يخرج من يده ويعوض من بيت المال فقلت له : وإن لم يستحق الحر الحرية ولا مالك أم الولد إلا بعد تفرق الجيش ؟ قال : نعم ويعوض من بيت المال . فقلت له : وما يدخل على من قال هذا القول في عبد الرجل المسلم يخرج من يدي من صار سهمه ويعوض منه قيمته . فقال من أين يعوض ؟ قلت : من الخمس خاصة . قال : ومن أي الخمس ؟ قلت سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يضعه في الأنفال ومصالح المسلمين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقال لي قائل : تول الجواب عمن قال صاحب المال أحق به قبل المقاسم وبعده قلت فاسأل فقال : ما حجتك فيه ؟ قلت : ما وصفت من السنة في حديث عمران بن حصين والخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن السنة إذا دلت أن المشركين لا يملكون على المسلمين شيئا بحال لم يجز أن يملكوا عليهم بحال أخرى إلا بسنة مثلها . فقال ومن أين ؟ قلت : إني إذا أعطيت أن مالك العبد إذا وجد عبده قبل ما يحرزه العدو ثم يحرزه المسلمون على العدو قبل أن يقسمه المسلمون فقد أعطيت أن العدو لم يملكوه ملكا يتم لهم ولو ملكوه [ ص: 270 ] ملكا يتم لهم لم يكن العبد لسيده إذا ملكه الموجفون عليه من المسلمين قبل القسم ولا بعده أرأيت لو كان أسرهم إياه وغلبتهم عليه كبيع مولاه له منهم أو هبته إياه ثم أوجف عليه ألا يكون للموجفين ؟ قال : بلى قلت : أفتعدو غلبة العدو عليه أن تكون ملكا فيكون كمال لهم سواء مما وهب لهم أو اشتروه أو تكون غصبا لا يملكونه عليه ؟ فإذا كانت السنة والآثار والإجماع تدل على أنه كالغصب قبل أن يقسم فكذلك ينبغي أن يكون بعدما يقسم ، ألا ترى أن مسلما متأولا أو غير متأول لو أوجف على عبد ثم أخذ من يد من قهره عليه كان لمالكه الأول فإذا لم يملك مسلم على مسلم بغصب كان المشرك أولى أن لا يكون مالكا مع أنك لم تجعل المشرك مالكا ولا غير مالك ( قال الشافعي ) : فقال : إن هذا ليدخله ولكنا قلنا فيه بالأثر ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أرأيت إن قال لك قائل : هذه السنة والأثر تجامع ما قلنا وهو القياس والمعقول فكيف صرت إلى أن تأخذ بشيء دون السنة وتدع السنة وشيء من الأثر أقل من الآثار وتدع الأكثر فما حجتك فيه ؟ قال : إنا قد قلنا بالسنة والآثار التي ذهبت إليها ولم يكن فيها بيان أن ذلك بعد القسمة كهو قبلها ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى قلت له : أما فيها بيان أن العدو لو ملكوا على المسلمين ما أحرزوا من أموالهم ملكا تاما كان ذلك لمن ملك من المسلمين على المشركين دون مالكه الأول ؟ قال : بلى قلت : أولا يكون مملوكا لمالكه الأول بكل حال أو للعدو إذا أحرزوه ؟ فقال : إن هذا ليدخل ذلك ولكن صرنا إلى الأثر وتركنا القياس ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : فقلت له فهذه السنة والآثار والقياس عليها فقال : قد يحتمل أن يكون حكمه قبل ما يقسم حكمه بعد ما يقسم حكمه ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له : أما في قياس أو عقل فلا يجوز أن يكون هذا لو كان إلا بالأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء ويروى عمن دونه فليس في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة قال : أفيحتمل من روى عنه قولنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ذهب عليه هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : أفيحتمل عندك ؟ فقال : نعم فقلت : فما مسألتك عن أمر تعلم أن لا مسألة فيه ؟ قال فأوجدني مثل هذا فقلت : نعم وأبين قال مثل ماذا ؟ ( قال الشافعي ) : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السن بخمس وقضى عمر في الضرس ببعير فكان يحتمل لذاهب لو ذهب مذهب عمر أن يقول السن ما أقبل والضرس ما أكل عليه ثم يكون هذا وجها محتملا يصح المذهب فيه ؟ فلما كانت السن داخلة في معنى الأسنان في حال فإن باينتها باسم منفرد دونها كما تباين الأسنان بأسماء تعرف بها صرنا وأنت إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة وجعلنا الأعم أولى بقول النبي صلى الله عليه وسلم من الأخص وإن احتمل الأخص من حكم كثير غير هذا نقول فيه نحن وأنت بمثل هذا قال : هذا في هذا وغيره كما تقول قلت فما أحرز المشركون ثم أحرز عنهم فكان لمالكه قبل القسم ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس له بعد القسم أثر غير هذا فأحرى لا يحتمل معنى إلا أن المشركين لا يحرزون على المسلمين شيئا قال : فإنا نأخذ قولنا من غير هذا الوجه إذا دخل من هذا الوجه فأخذه من أنا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم { من أسلم على شيء فهو له } وروينا عنه أن المغيرة أسلم على مال قوم قد قتلهم وأخفاه فكان له ( قال الشافعي ) : أرأيت ما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه من أسلم على شيء فهو له " أيثبت ؟ قال هو من حديثكم قلت نعم منقطع ونحن نكلمك على تثبيته فنقول لك أرأيت إن كان ثابتا أهو عام [ ص: 271 ] أو خاص ؟ قال : فإن قلت هو عام ؟ قلت : إذا نقول لك أرأيت عدوا أحرز حرا أو أم ولد أو مكاتبا أو مدبرا أو عبدا مرهونا فأسلم عليهم ؟ قال : لا يكون له حر ولا أم ولد ولا شيء لا يجوز ملكه

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #183  
قديم 25-10-2022, 04:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله





كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (183)
صــــــــــ 271 الى صـــــــــــ277




( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى فقلت له فتركت قولك : إنه عام ؟ قال : نعم وأقول من أسلم على شيء يجوز ملكه لمالكه الذي غصبه عليه قلنا فأم الولد يجوز ملكها لمالكها إلى أن يموت أفتجعل للعدو ملكها إلى موت سيدها ؟ قال : لا لأن فرجها لا يحل لهم قلت : إن أحللت ملك رقبتها بالغصب حين تقيم الغاصب مقام سيدها إنك لشبيه أن تحل فرجها أو ملكها وإن منعت فرجها ، أو رأيت إن جعلت الحديث خاصا وأخرجته من العموم أيجوز لك فيه أن تقول فيه بالخاص بغير دلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ( قال الشافعي ) : فقال : فأستدل بحديث المغيرة على أن المغيرة ملك ما يجوز له تملكه فأسلم عليه فلم يخرجه النبي صلى الله عليه وسلم من يده لم يخمسه قال : فقلت له الذين قتلوا المغيرة مشركون فإن زعمت أن حكم أموال المسلمين حكم أموال المشركين كلمناك على ذلك ، قال : ما حكم أموال المشركين حكم أموال المسلمين وإنه ليدخل على هذا القول ما وصفت ، فهل تجد إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { من أسلم على شيء فهو له } مخرجا صحيحا لا يدخل فيه شيء مثل ما دخل هذا القول ؟ ( قال الشافعي ) : فقلت له : نعم من أسلم على شيء يجوز له ملكه فهو له فقال هذا جملة فأبنه فقلت له : إن شاء الله تبارك وتعالى أعز أهل دينه إلا بحقها فهي من غير أهل دينه أولى أن تكون ممنوعة أو أقوى على منعها فإذا كان المسلم لو قهر مسلما على عبد ثم ورث عن القاهر أو غلبه عليه متأول أو لص أخذه المقهور عليه بأصل ملكه الأول وكان لا يملكه مسلم بغصب فالكافر أولى أن لا يملكه بغصب ، وذلك أن الله جل ثناؤه خول المسلمين أنفس الكافرين المحاربين وأموالهم فيشبه والله تعالى أعلم أن يكون المشركون إن كانوا إذا قدروا عليهم وأموالهم خولا لأهل دين الله عز وجل أن لا يكون لهم أن يتحولوا من أموال أهل دين الله شيئا يقدر على إخراجه من أيديهم ولا يجوز أن يكون المتخول متخولا على ممن يتخوله إذا قدر عليه قال : فما الذي يسلمون عليه فيكون لهم ؟ فقلت ما غصبه بعض المشركين بعضا ثم أسلم عليه الغاصب كان له أخذه المغيرة من أموال المشركين وذلك أن المشركين الغاصبين والمغصوبين لم يكونوا ممنوعي الأموال بدين الله عز وجل فلما أخذها بعضهم لبعض أو سبى بعضهم بعضا ثم أسلم السابي الآخذ للمال كان له ما أسلم عليه لأنه أسلم على ما لو ابتدأ أخذه في الإسلام كان له ولم يكن له أن يبتدئ في الإسلام أخذ شيء لمسلم فقال لي : أرأيت من قال هذا القول كيف زعم في المشركين إذا أخذوا لمسلم عبدا أو مالا غيره أو أمته أو أم ولده أو مدبره أو مكاتبه أو مرهونه أو أمة جانية أو غير ذلك ثم أحرزها المسلمون ؟ فقلت هذا يكون كله لمالكه على الملك الأول وبالحال الأول قبل أن يحرزها العدو وتكون أم الولد أم ولد وإن مات سيدها عتقت بموته في بلاد الحرب أو بعد والمدبرة مدبرة ما لم يرجع فيها سيدها والعبد الجاني والأمة الجانية جانيين في رقابهما الجناية لا يغير السباء منهما شيئا وكذلك الرهن وغيره قال : أفرأيت إن أحرز هذا المشركون ثم أحرزه عليهم مشركون غيرهم ثم أحرزه المسلمون ثم أحرزه المشركون عليهم ؟ قلت : كيف كان هذا وتطاول ؟ فهذا قول لا يدخل بحال هو على الملك الأول وكل حادث فيه بعده لا يبطله ويدفعون إلى مالكيهم الأولين المسلمين فقلت للشافعي رحمه الله تعالى : فأجب على هذا القول أرأيت إن أحرز العدو جارية رجل فوطئها المحرز لها فولدت ثم [ ص: 272 ] ظهر عليها المسلمون فقال هي وأولادها لمالكها ؟ فقلت : فإن أسلموا عليها ؟ قال : تدفع الجارية إلى مالكها ويأخذ ممن وطئها عقرها وقيمة أولادها يوم سقطوا .
( قال الشافعي ) : أخبرنا حاتم عن جعفر عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خلال فقال ابن عباس : إن ناسا يقولون : إن ابن عباس يكاتب الحرورية ولولا أني أخاف أن أكتم علما لم أكتب إليه فكتب نجدة إليه أما بعد أخبرني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء وهل كان يضرب لهن بسهم وهل كان يقتل الصبيان ومتى ينقضي يتم اليتيم وعن الخمس لمن هو ؟ فكتب إليه ابن عباس " إنك كتبت تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء وقد كان يغزو بهن فيداوين المرضى ويحذين من الغنيمة وأما السهم فلم يضرب لهن بسهم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل الولدان فلا تقتلهم إلا أن تكون تعلم منهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتله فتميز بين المؤمن والكافر فتقتل الكافر وتدع المؤمن وكتبت متى ينقضي يتم اليتيم ولعمري إن الرجل لتشيب لحيته وإنه لضعيف الأخذ ضعيف الإعطاء فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم وكتبت تسألني عن الخمس وإنا كنا نقول هو لنا فأبى ذلك علينا قومنا فصبرنا عليه .
سألت الشافعي عن المسلمين إذا غزوا أهل الحرب هل يكره لهم أن يقطعوا الشجر المثمر ويخربوا منازلهم ومدائنهم ويغرقوها ويحرقوها ويخربوا ما قدروا عليه من ثمارهم وشجرهم وتؤخذ أمتعتهم ؟ ( قال الشافعي ) : كل ما كان مما يملكوا لا روح له فإتلافه مباح بكل وجه وكل ما زعمت أنه مباح فحلال للمسلمين فعله وغير محرم عليهم تركه وأحب إذا غزا المسلمون بلاد دار الحرب وكانت غزاتهم غارة أو كان عدوهم كثيرا ومتحصنا ممتنعا لا يغلب عليهم أن تصير دارهم دار الإسلام ولا دار عهد يجري عليها الحكم أن يقطعوا ويحرقوا ويخربوا ما قدروا عليه من ثمارهم وشجرهم ويؤخذ متاعهم وما كان يحمل من خفيف متاعهم فقدروا عليه اخترت أن يغنموه وما لم يقدروا عليه حرقوه وغرقوه وإذا كان الأغلب عليهم أنها ستصير دار الإسلام أو دار عهد يجري عليهم الحكم اخترت لهم الكف عن أموالهم ليغنموها إن شاء الله تعالى ولا يحرم عليهم تحريقها ولا تخريبها حتى يصيروا مسلمين أو ذمة أو يصير منها في أيديهم شيء مما يحمل فينقل فلا يحل تحريق ذلك لأنه صار للمسلمين ويحرقوا ما سواه مما لا يحمل وإنما زعمت أنه لا يحرم تحريق شجرهم وعامرهم وإن طمع بهم لأنه قد يطمع بالقوم ثم يكون الأمر على غير ما عليه الطمع وإنها حرقت ولم يحرزها المسلمون وإنما زعمت أن لهم الكف عن تحريقها لأن هكذا أصل المباح وقد حرق النبي صلى الله عليه وسلم على قوم ولم يحرق على آخرين وإن حمل المسلمون شيئا من أموالهم فلم يقتسموه حتى أدركهم عدو وخافوا غلبتهم عليه فلا بأس أن يحرقوه بأن أجمعوا على ذلك وكذلك لو اقتسموه لم أر بأسا على أحد صار في يده أن يحرقه وإن كانوا يرجون منعه لم أحب أن يعجلوا بتحريقه والبيض ما لم يكن فيه فراخ من غير ذوات الأرواح بمعنى الكفار وما ذبحوا من ذوات الأرواح حتى زايله الروح بمنزلة ما لا روح له فيحرق كله إن أدركهم العدو في بلاد المشركين على ما وصفت إن شاءوا ذلك وإن شاءوا تركوه فأما ذوات الأرواح من الخيل والبقر والنحل وغيرها فلا تحرق ولا تعقر ولا تغرق إلا بما يحل به ذبحها أو في موضع ضرورة فقلت كتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى في بني النضير حين حاربهم [ ص: 273 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب } قرأ إلى { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم وإخراب المؤمنين بيوتهم ووصفه إياه جل ثناؤه كالرضا به وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخل من ألوان نخلهم فأنزل الله تبارك وتعالى : رضا بما صنعوا من قطع نخيلهم { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } فرضي القطع وأباح الترك فالقطع والترك موجودان في الكتاب والسنة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وترك وقطع نخل غيرهم وترك وممن غزا من لم يقطع نخله ( قال الشافعي ) : أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير } ( قال الشافعي ) : أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن ابن شهاب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بني النضير فقال قائل :
: وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير
} فإن قال قائل : ولعل النبي صلى الله عليه وسلم حرق مال بني النضير ثم ترك قيل على معنى ما أنزل الله عز وجل وقد قطع وحرق بخيبر وهي بعد النضير وحرق بالطائف وهي آخر غزاة قاتل بها وأمر أسامة بن زيد أن يحرق على أهل أبنى ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أخبرنا بعض أصحابنا عن عبد الله بن جعفر الأزهري قال : سمعت ابن شهاب يحدث عن عروة عن أسامة بن زيد قال { : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أغزو صباحا على أهل أبنى وأحرق . } الخلاف في التحريق

قلت للشافعي رحمه الله تعالى : فهل خالف ما قلت في هذا أحد ؟ فقال : نعم بعض إخواننا من مفتي الشاميين فقلت : إلى أي شيء ذهبوا ؟ قال : إلى أنهم رووا عن أبي بكر أنه نهى أن يخرب عامر وأن يقطع شجر مثمر فيها فيما نهى عنه قلت : فما الحجة عليه ؟ قال : ما وصفت من الكتاب والسنة فقلت : علام تعد نهي أبي بكر عن ذلك ؟ فقال الله تعالى أعلم أما الظن به فإنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر فتح الشام فكان على يقين منه فأمر بترك تخريب العامر وقطع المثمر ليكون للمسلمين لا لأنه رآه محرما لأنه قد حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم تحريقه بالنضير وخيبر والطائف فلعلهم أنزلوه على غير ما أنزله عليه والحجة فيما أنزل الله عز وجل في صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وكل شيء في وصية أبي بكر سوى هذا فيه نأخذ .
ذوات الأرواح قلت للشافعي رحمه الله تعالى : أفرأيت ما ظفر المسلمون به من ذوات الأرواح من أموال المشركين من الخيل والنحل وغيرها من الماشية فقدروا على إتلافه قبل أن يغنموه أو غنموه فأدركهم العدو فخافوا أن يستنقذوه منهم ويقووا به على المسلمين أيجوز لهم إتلافه بذبح أو عقر أو تحريق أو تغريق في شيء من الأحوال ؟ ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى لا يحل عندي أن يقصد قصده بشيء يتلفه إذا كان لا [ ص: 274 ] راكب عليه فقلت للشافعي ولم قلت وإنما هو مال من أموالهم لا يقصد قصده بالتلف ؟ ( قال الشافعي ) : لفراقه ما سواه من المال لأنه ذو روح يألم بالعذاب ولا ذنب له وليس كما لا روح له يألم بالعذاب من أموالهم وقد نهي عن ذوات الأرواح أن يقتل ما قدر عليه منها إلا بالذبح لتؤكل وما امتنع بما نيل من السلاح لتؤكل وما كان منها عداء وضارا للضرورة قلت للشافعي : اذكر ما وصفت فقال : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتلها } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى فلما كان قتل ذوات الأرواح من البهائم محظورا إلا بما وصفت كان عقر الخيل والدواب التي لا ركبان عليها من المشركين داخلا في معنى الحظر خارجا من معنى المباح فلم يجز عندي أن تعقر ذوات الأرواح إلا على ما وصفت فإن قال قائل : ففي ذلك غيظ المشركين وقطع لبعض قوتهم قيل له : إنما ينال من غيظ المشركين بما كان غير ممنوع من أن ينال فأما الممنوع فلا يغاظ أحد بأن يأتي الغائظ له ما نهي عن إتيانه ألا ترى أنا لو سبينا نساءهم وولدانهم فأدركونا فلم نشك في استنفاذهم إياهم منا لم يجز لنا قتلهم وقتلهم أغيظ لهم وأنكى من قتل دوابهم فإن قال قائل : فقد روي أن جعفر بن أبي طالب عقر عند الحرب ؟ فلا أحفظ ذلك من وجه يثبت على الانفراد ولا أعلمه مشهورا عند عوام أهل العلم بالمغازي قيل للشافعي رحمه الله تعالى : أفرأيت الفارس من المشركين أللمسلم أن يعقره ؟ قال : نعم إن شاء الله تعالى لأن هذه منزلة يجد السبيل بها إلى قتل من أمر بقتله فإن قال قائل : فاذكر ما يشبه هذا قيل يكون له أن يرمي المشرك بالنبل والنار والمنجنيق فإذا صار أسيرا في يديه لم يكن له أن يفعل ذلك به وكان له قتله بالسيف وكذلك له أن يرمي الصيد فيقتله فإذا صار في يديه لم يقتله إلا بالذكاء التي هي أخف عليه وقد أبيح له دم المشرك بالمنجنيق وإن أصاب ذلك بعض من معهم ممن هو محظور الدم للمرء في دفعه عن نفسه عدوه أكثر من هذا فإن قال : فهل في هذا خبر ؟ قيل : نعم عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فرسه فانعكست به وصرع عنها فجلس حنظلة على صدره وعطف ابن شعوب على حنظلة فقتله وذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك عليه ولا نهاه ولا نهى غيره عن مثل هذا ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولكنه إذا صار إلى أن يفارقه فارسه لم يكن له عقره في تلك الحال والله تعالى أعلم وكذلك لو كانت عليه امرأة أو صبي لا يقاتل لم يعقر إنما يعقر لمعنى أن يوصل إلى فارسه ليقتل أو ليؤسر قيل للشافعي : فهل سمعت في هذا حديثا عمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : إنما الغاية أن يوجد على شيء دلالة من كتاب أو سنة وقد وصفت لك بعض ما حضرني من ذلك فلا يزيده شيء وافقه قوة ولا يوهنه شيء خالفه وقد بلغنا عن أبي أمامة الباهلي أنه أوصى ابنه لا يعقر جسدا وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى عن عقر الدابة إذا هي قامت وعن قبيصة أن فرسا قام عليه بأرض الروم فتركه ونهى عن عقره ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وأخبرنا من سمع هشام بن الغازي يروي عن مكحول أنه سأله عنه فنهاه وقال { : إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة } قيل للشافعي : أفرأيت ما أدرك معهم من أموال المشركين من ذوات الأرواح ؟ قال : لا تعقروا منه شيئا إلا أن تذبحوه لتأكلوا كما وصفت بدلالة السنة وأما ما فارق ذوات الأرواح فيصنعون فيما خافوا أن يستنقذ من أيديهم فيه ما شاءوا من تحريق وكسر وتغريق وغيره قلت : أو يدعون أولادهم ونساءهم ودوابهم ؟ فقال : نعم إذا لم يقدروا على استنقاذهم منهم فقلت للشافعي : أفرأيت إن كان السبي والمتاع قسم ؟ قال : كل رجل صار له من ذلك شيء فهو مسلط على ماله [ ص: 275 ] ويدع ذوات الأرواح إن لم يقو على سوقها وعلى منعها ويصنع في غير ذوات الأرواح ما شاء فقلت للشافعي : أفرأيت الإمام إذا أحرز ما يحمل من المتاع فحرقه في بلاد الشرك وهو يقاتل أو حرقه عند إدراك المشركين له وخوفه أن يستنقذوه قبل أن يقسم وبعدما قسم ؟ فقال : كل ذلك في الحكم سواء إن أحرقه بإذن من معه حل له ولم يضمن لهم سواه ويعزل الخمس لأهله فإن سلم به دفعه إليهم خاصة وإن لم يسلم به لم يكن عليه شيء ومتى حرقه بغير إذنهم ضمنه لهم إن شاءوا وكذلك رجل من المسلمين إن حرقه يضمن ما حرق منه إن حرقه بعد أن يحوزه المسلمون فأما إذا أحرقه قبل أن يحرز فلا ضمان عليه .
السبي يقتل

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أسر المشركون فصاروا في يد الإمام ففيهم حكمان ، أما الرجال البالغون فللإمام إن شاء أن يقتلهم أو بعضهم أو يمن عليهم أو على بعضهم ولا ضمان عليه فيما صنع من ذلك أسرتهم العامة أو أحد أو نزلوا على حكمهم أو وال هو أسرهم ( قال الشافعي ) : ولا ينبغي له أن يقتلهم إلا على النظر للمسلمين من تقوية دين الله عز وجل وتوهين عدوه وغيظهم وقتلهم بكل حال مباح ولا ينبغي له أن يمن عليهم إلا بأن يكون يرى له سببا ممن من عليه يرجو إسلامه أو كفه المشركين أو تخذيلهم عن المسلمين أو ترهيبهم بأي وجه ما كان وإن فعل على غير هذا المعنى كرهت له ولا يضمن شيئا وكذلك له أن يفادي بهم المسلمين إذا كان له المن بلا مفاداة فالمفاداة أولى أن تكون له ( قال الشافعي ) رحمه الله : ومن أرق منهم أو أخذ منه فدية فهو كالمال الذي غنمه المسلمون يقسم بينهم ويخمس ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ودون البالغين من الرجال والنساء إذا أسروا بأي وجه ما كان الإسار فهم كالمتاع المغنوم ليس له ترك أحد منهم ولا قتله فإن فعل كان ضامنا لقيمته وكذلك غيره من الجند إن فعل كان ضامنا لقيمة ما استهلك منهم وأتلف .
سير الواقدي .

( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال : أصل فرض الجهاد والحدود على البالغين من الرجال والفرائض على البوالغ من النساء من المسلمين في الكتاب والسنة من موضعين فأما الكتاب فقول الله تعالى { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } فأخبر أن عليهم إذا بلغوا الاستئذان فرضا كما كان على من قبلهم من البالغين وقوله عز وجل { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا } وكان بلوغ النكاح استكمال خمس عشرة وأقل فمن بلغ النكاح استكمل خمس عشرة أو قبلها ثبت عليه الفرض كله والحدود ومن أبطأ عنه بلوغ النكاح فالسن التي يلزمه بها الفرائض من الحدود وغيرهما استكمال خمس عشرة والأصل فيه من السنة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد عبد الله بن عمر عن الجهاد وهو ابن أربع عشرة سنة وأجازه وهو ابن خمس عشرة سنة وعبد الله وأبو عبد الله طالبان لأن يكون عبد الله مجاهدا في الحالين فأجازه إذا بلغ أن تجب عليه [ ص: 276 ] الفرائض ورده إذا لم يبلغها وفعل ذلك مع بضعة عشر رجلا منهم زيد بن ثابت ورافع بن خديج وغيرهم } فمن لم يستكمل خمس عشرة ولم يحتلم قبلها فلا جهاد ولا حد عليه في شيء من الحدود وسواء كان جسيما شديدا مقاربا لخمس عشرة وليس بينه وبين استكمالها إلا يوما أو ضعيفا موديا بينه وبين استكمالها سنة أو سنتان لأنه لا يحد على الخلق إلا بكتاب أو سنة فأما إدخال الغفلة معهما فالغفلة مردودة إذا لم تكن خلافهما فكيف إذا كانت بخلافهما ؟ ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وحد البلوغ في أهل الشرك الذين يقتل بالغهم ويترك غير بالغهم أن ينبتوا الشعر وذلك أنهم في الحال التي يقتلون فيها مدافعون للبلوغ لئلا يقتلوا وغير مشهود عليهم فلو شهد عليهم أهل الشرك لم يكونوا ممن تجوز شهادتهم وأهل الإسلام يشهدون بالبلوغ على من بلغ فيصدقون بالبلوغ . فإن قال قائل : فهل من خبر سوى الفرق بين المسلمين والمشركين في حد البلوغ ؟ قيل : نعم كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة حين قتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم فكان في سنته أن لا يقتل إلا رجل بالغ فمن كان أنبت قتله ومن لم يكن أنبت سباه فإذا غزا البالغ فحضر القتال فسهمه ثابت وإذا حضر من دون البلوغ فلا سهم له فيرضخ له وللعبد ، والمرأة والصبي يحضرون الغنيمة ولا يسهم لهم ويرضخ أيضا للمشرك يقاتل معهم ولا يسهم له .
الاستعانة بأهل الذمة على قتال العدو .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : الذي روى مالك كما روى { رد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركا أو مشركين في غزاة بدر وأبى أن يستعين إلا بمسلم ثم استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر بسنتين في غزاة خيبر بعدد من يهود بني قينقاع كانوا أشداء واستعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة حنين سنة ثمان بصفوان بن أمية وهو مشرك } فالرد الأول إن كان لأن له الخيار أن يستعين بمسلم أو يرده كما يكون له رد المسلم من معنى يخافه منه أو لشدة به فليس واحد من الحديثين مخالفا للآخر وإن كان رده لأنه لم ير أن يستعين بمشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بمشركين فلا بأس أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إذا خرجوا طوعا ويرضخ لهم ولا يسهم لهم ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لهم ولا يجوز أن يترك العبيد من المسلمين بلا سهم وغير البالغين وإن قاتلوا والنساء وإن قاتلن لتقصير هؤلاء عن الرجلية والحرية والبلوغ والإسلام ويسهم للمشرك وفيه التقصير الأكثر من التقصير عن الإسلام وهذا قول من حفظت عنه وإن أكره أهل الذمة على أن يغزوا فلهم أجر مثلهم في مثل مخرجهم من أهلهم إلى أن تنقضي الحرب وإرسالهم إياهم وأحب إلي إذا غزا بهم لو استؤجروا .
[ ص: 277 ] الرجل يسلم في دار الحرب

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أسلم الرجل من أهل دار الحرب كان مشركا أو مستأمنا فيهم أو أسيرا في أيديهم سواء ذلك كله فإذا خرج إلى المسلمين بعدما غنموا فلا يسهم له وهكذا من جاءهم من المسلمين مددا وإن بقي من الحرب شيء شهدها هذا المسلم الخارج أوالجيش شركوهم في الغنيمة لأنها لم تحرز إلا بعد تقضي الحرب وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : الغنيمة لمن شهد الوقعة فإن حضر واحد من هؤلاء فارسا أسهم له سهم فارس وإن حضر راجلا أسهم له سهم راجل فإن قاتل التجار مع المسلمين أسهم لهم فرسان إن كانوا فرسانا وسهم رجاله إن كانوا رجالة .
في السرية تأخذ العلف والطعام .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا يجوز لأحد من الجيش أن يأخذ شيئا دون الجيش مما يتموله العدو إلا الطعام خاصة والطعام كله سواء وفي معناه الشراب كله فمن قدر منهم على شيء له أن يأكله أو يشربه ويعلفه ويطعمه غيره ويسقيه ويعلف له وليس له أن يبيعه وإذا باعه رد ثمنه في المغنم ويأكله بغير إذن الإمام وما كان حلالا من مأكول أو مشروب فلا معنى للإمام فيه والله تعالى أعلم .
في الرجل يقرض الرجل الطعام أو العلف إلى دار الإسلام .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا أقرض الرجل رجلا طعاما أو علفا في بلاد العدو رده فإن خرج من بلاد العدو لم يكن له رده عليه لأنه مأذون له في بلاد العدو في أكله وغير مأذون له إن فارق بلاد العدو في أكله ويرده المستقرض على الإمام .
الرجل يخرج الشيء من الطعام أو العلف إلى دار الإسلام .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ومن فضل في يديه شيء من الطعام قل أو كثر فخرج به من دار العدو إلى دار الإسلام لم يكن له أن يبيعه ولا يأكله وكان عليه أن يرده إلى الإمام فيكون في المغنم فإن لم يفعل حتى يتفرق الجيش فلا يخرجه منه أن يتصدق به ولا بإضعافه كما لا يخرجه من حق واحد ولا جماعة إلا تأديته إليهم فإن قال : لا أجدهم فهو يجد الإمام الأعظم الذي عليه تفريقه فيهم ولا أعرف لقول من قال يتصدق به وجها فإن كان ليس له مال فليس له الصدقة بمال غيره فإن قال : لا أعرفهم قيل : ولكن تعرف الوالي الذي يقوم به عليهم ولو لم تعرفهم ولا واليهم ما أخرجك فيما بينك وبين الله إلا أداء قليل ما لهم وكثيره عليهم .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #184  
قديم 25-10-2022, 04:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله





كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (184)
صــــــــــ 278 الى صـــــــــــ284



[ ص: 278 ] الحجة في الأكل والشرب في دار الحرب

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى فإن قال قائل : كيف أجزت لبعض المسلمين أن يأكل ويشرب ويعلف مما أصاب في دار الحرب ولم تجز له أن يأكل بعد فراقه إياها ؟ قيل : إن الغلول حرام وما كان في بلاد الحرب فليس لأحد أن يأخذ منه شيئا دون أحد حضره فهم فيه شرع سواء على ما قسم لهم فلو أخذ إبرة أو خيطا كان محرما وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أدوا الخيط والمخيط فإن الغلول عار وشنار ونار يوم القيامة } فكان الطعام داخلا في معنى أموال المشركين وأكثر من الخيط والمخيط والفلس والخرزة التي لا يحل أخذها لأحد دون أحد فلما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطعام في بلاد الحرب كان الإذن فيه خاصا خارجا من الجملة التي استثنى فلم يجز أن نجيز لأحد أن يأكل إلا حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالأكل وهو ببلاد الحرب خاصة فإذا زايلها لم يكن بأحق بما أخذ من الطعام من غيره كما لا يكون بأحق بمخيط لو أخذه من غيره وكذلك كل ما أحل من محرم في معنى لا يحل إلا في ذلك المعنى خاصة فإذا زايل ذلك المعنى عاد إلى أصل التحريم مثلا الميتة المحرمة في الأصل المحلة للمضطر فإذا زايلت الضرورة عادت إلى أصل التحريم مع أنه يروى من حديث بعض الناس مثل ما قلت من أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم أن يأكلوا في بلاد العدو ولا يخرجوا بشيء من الطعام فإن كان مثل هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا حجة لأحد معه وإن كان لا يثبت لأن في رجاله من يجهل وكذلك في رجال من روي عنه إحلاله من يجهل .
بيع الطعام في دار الحرب .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا تبايع رجلان طعاما بطعام في بلاد العدو فالقياس أنه لا بأس به لأنه إنما أخذ مباحا بمباح فأكل كل واحد منهما ما صار إليه ما لم يخرج فإذا خرج رد الفضل فإذا جاز له أن يأخذ طعاما فيطعمه غيره لأنه قد كان يحل لغيره أن يأخذ كما أخذ فيأكل فلا بأس أن يبايعه به .
الرجل يكون معه الطعام في دار الحرب .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا فضل في يدي رجل طعام ببلاد العدو بعد تقضي الحرب ودخل رجل لم يشركهم في الغنيمة فبايعه لم يجز له بيعه لأنه أعطى من ليس له أكله والبيع مردود فإن فات رد قيمته إلى الإمام ولم يكن له حبسها ولا إخراجها من يديه إلى من ليس له أكلها وكان كإخراجه إياها من بلاد العدو إلى الموضع الذي ليس له أكلها فيه .
[ ص: 279 ] ذبح البهائم من أجل جلودها

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأحب إلي إذا كانوا غير متفاوتين ولا خائفين من أن يدركوا في بلاد العدو ولا مضطرين أن لا يذبحوا شاة ولا بعيرا ولا بقرة إلا لمأكله ولا يذبحوا لنعل ولا شراك ولا سقاء يتخذونها من جلودها ولو فعلوا كان مما أكره ولم أجز لهم اتخاذ شيء من جلودها ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وجلود البهائم التي يملكها العدو كالدنانير والدراهم لأنه إنما أذن لهم في الأكل من لحومها ولم يؤذن لهم في ادخار جلودها وأسقيتها وعليهم رده إلى المغنم وإذا كانت الرخصة في الطعام خاصة فلا رخصة في جلد شيء من الماشية ولا ظرف فيه طعام لأن الظرف غير الطعام والجلد غير اللحم فيرد الظرف والجلد والوكاء فإن استهلكه فعليه قيمته وإن انتفع به فعليه ضمانه حتى يرده وما نقصه الانتفاع وأجر مثله إن كان لمثله أجر .
كتب الأعاجم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وما وجد من كتبهم فهو مغنم كله وينبغي للإمام أن يدعو من يترجمه فإن كان علما من طب أو غيره ولا مكروه فيه باعه كما يبيع ما سواه من المغانم وإن كان كتاب شرك شقوا الكتاب وانتفعوا بأوعيته وأداته فباعها ولا وجه لتحريقه ولا دفنه قبل أن يعلم ما هو .
توقيح الدواب من دهن العدو

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا يوقح الرجل دابته ولا يدهن أشاعرها من أدهان العدو لأن هذا غير مأذون له به من الأكل وإن فعل رد قيمته .
زقاق الخمر والخوابي .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ظهر المسلمون على بلاد الحرب حتى تصير دار الإسلام أو ذمة يجري عليها الحكم فأصابوا فيها خمرا في خواب أو زقاق أهراقوا الخمر وانتفعوا بالزقاق والخوابي وطهروها ولم يكسروها لأن كسرها فساد وإذا لم يظهروا عليها وكان ظفرهم بها ظفر غارة لا ظفر أن يجري بها حكم أهراقوا الخمر من الزقاق والخوابي فإن استطاعوا حملها أو حمل ما خف منها حملوه مغنما وإن لم يستطيعوا أحرقوه وكسروه إذا ساروا وإذا ظفروا بالكشوث في الحالين أي المسلمون انتفعوا به وكذلك كل ما ظهروا عليه غير محرم وليس الكشوث وإن كان غير محرم وإن كان يطرح في السكر إذا كان حلالا بأولى أن يحرم من الزبيب والعسل اللذين يعمل منهما المحرم ولا يحرق هذا ولا هذا لأنهما غير محرمين . .
[ ص: 280 ] إحلال ما يملكه العدو

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا دخل القوم بلاد العدو فأصابوا منها شيئا سوى الطعام فأصل ما يصيبونه سوى الطعام شيئان : أحدهما محظور أخذه غلول والآخر مباح لمن أخذه . فأصل معرفة المباح منه أن ينظر إلى بلاد الإسلام فما كان فيها مباحا من شجر ليس يملكه الآدمي أو صيد من بر أو بحر فأخذ مثله في بلاد العدو فهو مباح لمن أخذه يدخل في ذلك القوس يقطعها الرجل من الصحراء أو الجبل والقدح ينحته وما شاء من الخشب وما شاء من الحجارة البرام وغيرها إذا كانت غير مملوكة محرزة . فكل ما أصيب من هذه فهو لمن أخذه لأن أصله مباح غير مملوك وكل ما ملكه القوم فأحرزوه في منازلهم فهو ممنوع مثل حجر نقلوه إلى منازلهم أو عود أو غيره أو صيد فأخذ هذا غلول .
البازي المعلم والصيد المقرط والمقلد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أخذ الرجل بازيا معلما فهذا لا يكون إلا مملوكا ويرده في الغنم وهكذا إن أخذ صيدا مقلدا أو مقرطا أو موسوما فكل هذا قد علم أنه قد كان له مالك وهكذا إن وجد في الصحراء وتدا منحوتا أو قدحا منحوتا كان النحت دليلا على أنه مملوك فيعرف فإن عرفه المسلمون فهو لهم وإن لم يعرفوه فهو مغنم لأنه في بلاد العدو .
في الهر والصقر .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وما وجدنا من أموال العدو من كل شيء له ثمن من هر أو صقر فهو مغنم وما أصيب من الكلاب فهو مغنم إن أراده أحد لصيد أو ماشية أو زرع وإن لم يكن في الجيش أحد يريده لذلك لم يكن لهم حبسه لأن من اقتناه لغير هذا كان آثما ورأيت لصاحب الجيش أن يخرجه فيعطيه أهل الأخماس من الفقراء والمساكين ومن ذكر معهم إن أراده أحد منهم لزرع أو ماشية أو صيد فإن لم يرده قتله أو خلاه ولا يكون له بيعه وما أصاب من الخنازير فإن كانت تعدو إذا كبرت يقتلها كلها ولا تدخل مغنما بحال ولا تترك وهن عواد إذا قدر على قتلها فإن عجل به مسير خلاها ولم يكن ترك قتلها بأكثر من ترك قتال المشركين لو كانوا بإزائه .
في الأدوية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : الطعام مباح أن يؤكل في بلاد العدو وكذلك الشراب وإنما ذهبنا إلى ما يكون مأكولا مغنيا من جوع وعطش ويكون قوتا في بعض أحواله فأما الأدوية كلها فليست من حساب الطعام المأذون وكذلك الزنجبيل وهو مريب وغير مريب إنما هو من حساب الأدوية وأما الألايا فطعام يؤكل فما كان من حساب الطعام فلصاحبه أكله لا يخرجه من بلاد العدو وما كان من حساب الدواء فليس له أخذه في بلاد العدو ولا غيرها .
[ ص: 281 ] قال الشافعي ) : وإذا أسلم الرجل الحربي وثنيا كان أو كتابيا وعنده أكثر من أربع نسوة نكحهن في عقدة أو عقد متفرقة أو دخل بهن كلهن أو دخل ببعضهن دون بعض أو فيهن أختان أو كلهن غير أخت للأخرى قيل له : أمسك أربعا أيتهن شئت ليس في الأربع أختان تجمع بينهما ولا ينظر في ذلك إلى نكاحه أية كانت قبل وبهذا مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا الثقة وأحسبه ابن علية عن معمر عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه { أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك أربعا وفارق سائرهن } ( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب { أن رجلا من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك أربعا وفارق سائرهن } ( قال الشافعي ) : أخبرني من سمع ابن أبي الزناد يقول أخبرني عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن عوف بن الحارث عن { نوفل بن معاوية الديلمي قال : أسلمت وعندي خمس نسوة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك أربعا أيتهن شئت وفارق الأخرى فعمدت إلى أقدمهن صحبة عجوز عاقر معي منذ ستين سنة فطلقتها } ( قال الشافعي ) : فخالفنا بعض الناس في هذا فقال إذا أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة فإن كان نكحهن في عقدة فارقهن كلهن وإن كان نكح أربعا منهن في عقد متفرقة فيهن أختان أمسك الأولى وفارق التي نكح بعدها وإن كان نكحهن في عقد متفرقة أمسك الأربع الأوائل وفارق اللواتي بعدهن وقال : انظر في هذا إلى كل ما لو ابتدأه في الإسلام جاز له فأجعله إذا ابتدأه في الشرك جائزا له وإذا كان إذا ابتدأه في الإسلام لم يجز له جعلته إذا ابتدأه في الشرك غير جائز له ( قال الشافعي ) : فقلت لبعض من يقول هذا القول لو لم يكن عليك حجة إلا أصل القول الذي ذهبت إليه كنت محجوجا به قال : ومن أين ؟ قلت : أرأيت أهل الأوثان لو ابتدأ رجل نكاحا في الإسلام لولي منهم وشهود منهم أيجوز نكاحه ؟ قال : لا قلت : أفرأيت أحسن حال نكاح كان لأهل الأوثان قط أليس أن ينكح الرجل بولي منهم وشهود منهم ؟ قال : بلى قلت : فكان يلزمك في أصل قولك أن يكون نكاحهن كلهن باطلا لأن أحسن شيء كان منه عندك لا يجوز في الإسلام مع أنهم قد كانوا ينكحون في العدة وبغير شهود قال : فقد أجاز المسلمون لهم نكاحهم قلنا اتباعا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت لم تتبع فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم في نكاحهن حكما جمع أمورا فكيف خالفت بعضها ووافقت بعضها ؟ قال : فأين ما خالفت منها ؟ قلت : موجود على لسانك لو لم يكن فيه خبر غيره قال : وأين ؟ قلت : إذ زعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا لهم عن العقد الفاسد في الشرك حتى أقامه مقام الصحيح في الإسلام فكيف لم تعفه لهم فتقول بما قلنا قال : وأين عفا لهم عن النكاح الفاسد قلت : نكاح أهل الأوثان كله قال : فقد علمت أنه فاسد لو ابتدئ في الإسلام ولكن اتبعت فيه الخبر قلنا : فإذا كان موجودا في الخبر أن العقد الفاسد في الشرك كالعقد في الإسلام كيف لم تقل فيه بقولنا تزعم أن العقود كلها فاسدة ولكنها ماضية فهي معفوة وما أدرك الإسلام من النساء وهو باق فهو غير معفو العدد فيه فنقول : أصل العقد كله فاسد معفو عنه وغير معفو عما زاد من العدد فأترك ما زاد على أربع والترك إليك وأمسك أربعا قال : فهل تجد على هذا دلالة غير الخبر مما تجامعك عليه ؟ قلت : نعم قال الله عز وجل { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } إلى " تظلمون " فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما [ ص: 282 ] قبضوا من الربا فلم يأمرهم برده وأبطل ما أدرك حكم الإسلام من الربا ما لم يقبضوه فأمرهم بتركه وردهم إلى رءوس أموالهم التي كانت حلالا لهم فجمع حكم الله ثم حكم رسوله صلى الله عليه وسلم في الربا إن عفا فات وأبطل ما أدرك الإسلام فكذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح كانت العقدة فيه ثابتة فعفاها وأكثر من أربع نسوة مدركات في الإسلام فلم يعفهن وأنت لم تقل بأصل ما قلت ولا القياس على حكم الله ولا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قولك خارجا من هذا كله ومن المعقول . قال : أفرأيت لو تركت حديث نوفل بن معاوية وحديث ابن الديلمي اللذين فيهما البيان لقولك وخلاف قولنا واقتصرت على حديث الزهري أيكون فيه دلالة على قولك وخلاف قولنا ؟ قلنا : نعم ؟ قال : وأين ؟ قلت : إذا كانوا مبتدئين في الإسلام لا يعرفون بابتدائه حلالا ولا حراما من نكاح ولا غيره فعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يمسكوا أكثر من أربع دل المعقول على أنه لو كان أمرهم أن يمسكوا الأوائل كان ذلك فيما يعلمهم لأن كلا نكاح إلا أن يكون قليلا ثم هو أولى ثم أحرى مع أن حديث نوفل بن معاوية ثبت قاطعا لموضع الاحتجاج والشبهة .
الحربي يصدق امرأته .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فأصل نكاح الحربي كله فاسد سواء كان بشهود أو بغير شهود ولو تزوج الحربي حربية على حرام من خمر أو خنزير فقبضته ثم أسلما لم يكن لها عليه مهر ولو أسلما ولم تقبضه كان لها عليه مهر مثلها . ولو تزوجها على حر مسلم أو مكاتب لمسلم أو أم ولد لمسلم أو عبد لمسلم ثم أسلما وقد قبضت أو لم تقبض لم يكن لها سبيل على واحد منهم كان الحر حرا ومن بقي مملوكا لمالكه الأول والمكاتب مكاتب لمالكه ولها مهر مثلها في هذا كله ، والله سبحانه وتعالى الموفق .
كراهية نساء أهل الكتاب الحربيات

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أحل الله تبارك وتعالى نساء أهل الكتاب وأحل طعامهم فذهب بعض أهل التفسير إلى أن طعامهم ذبائحهم فكان هذا على الكتابيين محاربين كانوا أو ذمة لأنه قصد بهم قصد أهل الكتاب فنكاح نسائهم حلال لا يختلف في ذلك أهل الحرب وأهل الذمة كما لو كان عندنا مستأمن غير كتابي وكان عندنا ذمة مجوس فلم تحلل نساؤهم إنما رأينا الحلال والحرام فيهم على أن يكن كتابيات من أهل الكتاب المشهور من أهل التوراة والإنجيل وهم اليهود والنصارى فيحللن ولو كن يحللن في الصلح والذمة ويحرمن من المحاربة حل المجوسيات والوثنيات إذا كن مستأمنات غير أنا نختار للمرء أن لا ينكح حربية خوفا على ولده أن يسترق ويكره له أن لو كانت مسلمة بين ظهراني أهل الحرب أن ينكحها خوفا على ولده أن يسترقوا أو يفتنوا فأما تحريم ذلك فليس بمحرم والله تعالى أعلم .
من أسلم على شيء غصبه أو لم يغصبه .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : روى ابن أبي مليكة مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : من [ ص: 283 ] أسلم على شيء فهو له } وكان معنى ذلك من أسلم على شيء يجوز له ملكه فهو له . وذلك كل ما كان جائزا للمسلم من المشركين أسلم عليه مما أخذه من مال مشرك لا ذمة له فإن غصب بعضهم بعضا مالا أو استرق منهم حرا فلم يزل في يده موقوفا حتى أسلم عليه فهو له . وكذلك ما أصاب من أموالهم فأسلم عليها فهي له ، وهو إذا أسلم وقد مضى ذلك منه في الجاهلية كالمسلمين يوجفون على أهل دار الحرب فيكون لهم أن يسبوهم فيسترقوهم ويغنموا أموالهم فيتمولونها إلا أنه لا خمس عليهم من أجل أنه أخذه وهو مشرك فهو له كله ومن أخذ من المشركين من أحد من المسلمين حرا أو عبدا أو أم ولد أو مالا فأحرزه عليه ثم أسلم عليه فليس له منه شيء وكذلك لو أوجف المسلمون عليه في يدي من أخذه كان عليهم رد ذلك كله بلا قيمة قبل القسم وبعده لا يختلف ذلك والدلالة عليه من الكتاب وكذلك دلت السنة وكذلك يدل العقل والإجماع في موضع وإن تفرق في آخر لأن الله عز وجل أورث المسلمين أموالهم وديارهم فجعلها غنما لهم وخولا لإعزاز أهل دينه وإذلال من حاربه سوى أهل دينه . ولا يجوز أن يكون المسلمون إذا قدروا على أهل الحرب تخولوهم وتمولوا أموالهم ثم يكون أهل الحرب يحوزون على الإسلام شيئا فيكون لهم أن يتخولوه أبدا ، فإن قال قائل : فأين السنة التي دلت على ما ذكرت ؟ قيل : أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين { أن المشركين أسروا امرأة من الأنصار وأحرزوا ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم فانفلتت الأنصارية من الإسار فركبت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فأرادت نحرها حين وردت المدينة وقالت : إني نذرت لئن أنجاني الله عليها لأنحرنها فمنعوها حتى يذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذكروه له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم وأخذ ناقته } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : فلو كان المشركون إذا أحرزوا شيئا كان لهم لا ينفي أن تكون الناقة إلا للأنصارية كلها لأنها أحرزتها عن المشركين أو يكون لها أربعة أخماسها وتكون مخموسة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير لها منها شيئا وكان يراها على أصل ملكه ولا أعلم أحدا يخالف في أن المشركين إذا أحرزوا عبدا لرجل أو مالا له فأدركه قد أوجف المسلمون عليه قبل المقاسم أن يكون له بلا قيمة . ثم اختلفوا بعدما يقع في المقاسم فقال منهم قائل مثل ما قلت هو أحق به وعلى الإمام أن يعوض من صار في سهمه مثل قيمته من خمس الخمس وهو سهم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا القول يوافق الكتاب والسنة والإجماع . ثم قال غيرنا : يكون إذا وقع في المقاسم أحق به إن شاء بالقيمة وقال غيرهم : لا سبيل إليه إذا وقع في المقاسم وإجماعهم على أنه لمالكه بعد إحراز العدو له وإحراز المسلمين عن العدو له حجة عليهم في أنه هكذا ينبغي أن يكون بعد القسم ، وإذا كانوا لو أحرزه مسلمون متأولين أو غير متأولين فقدروا عليه بأي وجه ما كان ردوه على صاحبه كان المشركون ، أن لا يكون لهم عليهم سبيل أولى بهم وما يعدوا الحديث لو كان ثابتا أن يكون من أسلم على شيء فهو له فيكون عاما فيكون مال المسلم والمشرك سواء إذا أحرزه العدو فمن قال هذا لزمه أن يقول لو أسلموا على حر مسلم كان لهم أن يسترقوه أو يكون خاصا فيكون كما قلنا بالدلائل التي وصفنا ولو كان إحراز المشركين لما أحرزوا من أموال المسلمين يصير ذلك ملكا لهم لو أسلموا عليه ما جاز إذا ما أحرز المسلمون ما أحرز المشركون أن يأخذه مالكه من المسلمين بقيمة ولا بغير قيمة قبل القسم ولا بعده وكما لا يجوز فيما سوى ذلك من أموالهم ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا الثقة عن نافع عن ابن عمر أن عبدا له أبق وفرسا له عار فأحرزه المشركون ثم أحرزه عليهم المسلمون فردا عليه بلا قيمة . فلو أحرز المشركون امرأة رجل أو أم ولده أو [ ص: 284 ] مدبرة أو جارية غير مدبرة فلم يصل إلى أخذها ووصل إلى وطئها لم يحرم عليه أن يطأ واحدة منهن لأنهن على أصل ملكه والاختيار له أن لا يطأ منهن واحدة خوف الولد أن يسترق وكراهية أن يشركه في بضعها غيره .
المسلم يدخل دار الحرب فيجد امرأته

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دخل رجل دار الحرب بأمان فوجد امرأته أو امرأة غيره أو ماله أو مال غيره من المسلمين أو أهل الذمة مما غصبه المشركون كان له أن يخرج به من قبل أنه ليس بملك للعدو ولو أسلموا عليه لم يكن لهم فليس بخيانة كما لو قدر على مسلم غصب شيئا فأخذه بلا علم المسلم فأداه إلى صاحبه لم يكن خان إنما الخيانة أخذ ما لا يحل له أخذه ولكنه لو قدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئا قل أو كثر لأنه إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله ولأنه لا يحل له في أمانهم إلا ما يحل له من أموال المسلمين وأهل الذمة لأن المال ممنوع بوجوه أولها إسلام صاحبه والثاني مال من له ذمة والثالث مال من له أمان إلى مدة أمانه وهو كأهل الذمة فيما يمنع من ماله إلى تلك المدة .
الذمية تسلم تحت الذمي

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسلمت الذمية تحت الذمي حاملا كانت لها النفقة حتى تضع حملها فإن أرضعته فلها أجر الرضاع وهي كالمبتوتة المسلمة الحامل أو أولى بالنفقة منها وإذا كان بين المشركين ولد فأي الأبوين أسلم فكل من لم يبلغ من الولد تبع للمسلم يصلى عليه إذا مات ويورث من المسلم ويرثه المسلم وإن كان الأبوان مملوكين لمشرك فأسلم أحدهما تبع المسلم الولدان اللذان لم يبلغوا لأن حكمهم حكم الإسلام لا يجوز عندي إلا هذا القول ما كان الأولاد صغارا وكانوا تبعا لغيرهم لا يشرك دين الإسلام وغيره في دين إلا كان الإسلام أولى به أو قول ثان أنهم إذا ولدوا على الشرك كانوا عليه حتى يعربوا عن أنفسهم فلو أسلم أبوهم لم يكن حكم واحد منهم حكم مسلم ولست أقول هذا ولا أعلم أحدا يقول به من أهل العلم فأما أن يقال الولد للأب حظ الأم منه ولو اتبع الأم دون الأب كما يتبعها في العتق والرق كان أولى أن يغلط إليه من أن يقال هو للأب وإن كان الدين ليس من معنى الرق ولكنه من المعنى الذي وصفت من أن الإسلام إذا شارك غيره في الدين والملك كان الإسلام أولى والله تعالى أعلم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #185  
قديم 25-10-2022, 04:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله





كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (185)
صــــــــــ 285 الى صـــــــــــ291




باب النصرانية تسلم بعدما يدخل بها زوجها

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى في النصرانية تكون عند النصراني فتسلم بعدما يدخل بها : لها المهر [ ص: 285 ] فإن كانت قبضته وإلا أخذته بعد إسلامها أسلم أو لم يسلم فإن لم يكن دخل بها حتى أسلمت قبضت منه مهرا أو لم تقبضه فسواء ولا يعدو أن يكون لها نصف المهر لأنه لو أسلم كان أحق بها أو لا يكون لها شيء لأن فسخ النكاح جاء من قبلها فإذا كان هذا فعليها رد شيء إن كانت أخذته له كما لو أخذت منه شيئا عوضا من شيء كالثمن للسلعة ففاتت السلعة كان عليها رد الثمن فأما مالها ما أخذت ولا تأخذ شيئا إن لم تكن أخذت فلا يشبه هذا من العلم شيئا . والله سبحانه وتعالى أعلم .
النصرانية تحت المسلم

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كانت النصرانية عند المسلم فطهرت من الحيضة جبرت على الغسل منها فإن امتنعت أدبت حتى تفعل لأنها تمنعه الجماع في الوقت الذي يحل له وقد قال الله عز وجل { لا تقربوهن حتى يطهرن } فزعم بعض أهل التفسير أنه حتى يطهرن من الحيض قال الله تعالى { فإذا تطهرن } يعني بالماء { فأتوهن من حيث أمركم الله } فلما كان ممنوعا من أن يأتي زوجته إلا بأن تطهر من الحيضة وتطهر بالماء فيجتمع فيها المعنيان كان بينا أن نجبر النصرانية على الغسل من الحيضة لئلا يمنع الجماع فأما الغسل من الجنابة فهو مباح له أن يجامعها جنبا فتؤمر به كما تؤمر بالغسل من الوسخ والدخان وما غير ريحها ولا يبين لي أن تضرب عليه لو امتنعت منه لأنه غسل تنظيف لها .
نكاح نساء أهل الكتاب

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أحل الله تبارك وتعالى حرائر المؤمنات واستثنى في إماء المؤمنات أن يحللهن بأن يجمع ناكحهن أن لا يجد طولا لحرة وأن يخاف العنت في ترك نكاحهن فزعمنا أنه لا يحل نكاح أمة مسلمة حتى يجمع ناكحها الشرطين اللذين أباح الله نكاحها بهما وذلك أن أصل ما نذهب إليه إذا كان الشيء مباحا بشرط أن يباح به فلا يباح إذا لم يكن الشرط كما قلنا في الميتة تباح للمضطر ولا تباح لغيره وفي المسح على الخفين يباح لمن لبسهما كامل الطهارة ما لم يحدث ولا يباح لغيره وفي صلاة الخوف يباح للخائف أن يخالف بها الصلوات من غير الخوف ولا تباح لغيره وقال الله تبارك وتعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } فأطلق التحريم تحريما بأمر وقع عليه اسم الشرك قال { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } والمحصنات منهن الحرائر فأطلقنا من استثنى الله إحلاله وهن الحرائر من أهل الكتاب والحرائر غير الإماء كما قلنا لا يحل نكاح مشركة غير كتابية وقال غيرنا كذلك كان يلزمه أن يقول وغير حرة حتى يجتمع فيها أن تكون حرة كتابية فإذا كان نكاح إماء المؤمنين ممنوعا إلا بشرطين كان فيه الدلالة على أنه لا يجوز نكاح غير إماء المؤمنين مع الدلالة الأولى فإماء أهل الكتاب محرمات من الوجهين في دلالة القرآن ، والله تعالى أعلم .
[ ص: 286 ] إيلاء النصراني وظهاره

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا آلى النصراني من امرأته فتحاكما إلينا بعد الأربعة الأشهر حكمنا عليه حكمنا على المسلم في أن يفيء أو يطلق ونأمره إذا فاء بالكفارة ولا نجبره عليها لأنه لا يسقط عنه بالشرك من حق الله تعالى شيء وإن كان غير مقبول منه حتى يؤمن فإذا تظاهر من امرأته فرافعته ورضيا بالحكم فليس في الظهار طلاق فنحكم عليه وإنما فيه كفارة فنأمره بها ولا نجبره عليها كما قلنا في يمين الإيلاء .
في النصراني يقذف امرأته .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا قذف النصراني امرأته فرافعته ورضيا بالحكم لاعنا بينهما وفرقنا ونفينا الولد كما نصنع بالمسلم ولو فعل وترافعا فأبى أن يلتعن عزرناه ولم نحده لأنه ليس على من قذف نصرانية حد وأقررناها معه لأنا لا نفرق بينهما إلا بالتعانه .
فيمن يقع على جارية من المغنم .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا وقع الرجل من المسلمين قد شهد الحرب على جارية من الرقيق قبل أن يقسم فإن لم تحمل أخذ منه عقرها وردت إلى المغنم فإن كان من أهل الجهالة نهي وإن كان من أهل العلم عزر ولا حد من قبل الشبهة في أنه يملك منها شيئا وإن أحصى المغنم فعرف قدر ملكه منها مع جماعة أهل المغنم وقع عنه من المهر بحصته وإن حملت فهكذا وتقوم عليه وتكون أم ولده وإذا كان الزنا بعينه فلا مهر فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغي والبغي هي التي تمكن من نفسها فتكون والذي زنى بها زانيين محدودين فإذا كانت مغصوبة فهي غير زانية محدودة فلها المهر وعلى الزاني بها الحد .
المسلمون يوجفون على العدو ، فيصيبون سبيا فيهم قرابة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أوجف المسلمون على العدو فكان فيهم ولد لمسلم مملوك للعدو أو كان فيهم ولد لمسلم لم يزل من أهل الحرب وقد شهد ابنه الحرب فصار له الحظ في أبيه أو ابنه منهم لم يعتق واحد منهما عليه حتى يقسموا فإذا صار أحدهما أو كلاهما في حظه عتق وإن لم يكن يعتق فإن قال قائل : فأنت تقول إذا ملك أباه أو ولده عتق عليه فإنما أقول ذلك إذا اجتلب هو في ملكه بأن يشتريه أو يتهبه أو يزعم أنه وهب له أو أوصى له به لم أعتقه عليه حتى يقبله وكان له رد الهبة والوصية فهو إذا أوجف عليه فله ترك حقه من الغنيمة ولا يعتق حتى يصير في ملكه بقسم أو شراء ولا يشبه هذا الجارية يطؤها وله فيها حق من قبل أنا ندرأ الحد بالشبهة ولا نثبت الملك بالشبهة . والله تعالى أعلم .
[ ص: 287 ] المرأة تسبى مع زوجها .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء أهل الحرب من أهل الأوثان حكمين فأما أحدهما فاللائي سبين فاستؤمن بعد الحرية فقسمهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى من صرن إليه أن يطأ حائلا حتى تحيض أو حاملا حتى تضع وذلك في سبي أوطاس ودل ذلك على أن بالسباء نفسه انقطاع العصمة بين الزوجين وذلك أنه لا يأمر بوطء ذات زوج بعد حيضة إلا وذلك قطع العصمة وقد ذكر ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن قول الله عز وجل { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } ذوات الأزواج اللاتي ملكتموهن بالسبي ولم يكن استيماؤهن بعد الحرية بأكثر من قطع العصمة بينهن وبين أزواجهن وسواء أسرن مع أزواجهن أو قبل أزواجهن أو بعد أو كن في دار الإسلام أو دار الحرب لا تقع العصمة إلا ما كان بالسباء الذي كن به مستأميات بعد الحرية وقد سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا من هوازن فما علمناه سأل عن أزواج المسبيات أسبوا معهن أو قبلهن أو بعدهن أو لم يسبوا ولو كان في أزواجهن معنى يسأل عنهن إن شاء الله تعالى فأما قول من قال خلاهن النبي صلى الله عليه وسلم فرجعن إلى أزواجهن فإن كان المشركون استحلوا شيئا من نسائهم فلا حجة بالمشرك وإن كانوا أسلموا فلا يجوز أن يكن يرجعن إلى أزواجهن إلا بنكاح جديد من أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباحهن لمالكيهن وهو لا يبيحهن والنكاح ثابت عليهن ولا يبيحهن إلا بعد انقطاع النكاح وإذا انقطع النكاح فلا بد من تجديد النكاح ، والله تعالى أعلم .
المرأة تسلم قبل زوجها والزوج قبل المرأة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللائي أسلمن ولم يسبين قبل أزواجهن وبعدهم سنة واحدة وذلك أن أبا سفيان وحكيم بن حزام أسلما بمر الظهران والنبي صلى الله عليه وسلم ظاهر عليه ومكة دار كفر وبها أزواجهما ورجع أبو سفيان أمام النبي صلى الله عليه وسلم مسلما وهند بنت عتبة مشركة فأخذت بلحيته وقالت : اقتلوا هذا الشيخ الضال وأقامت على الشرك حتى أسلمت بعد الفتح بأيام فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على النكاح وذلك أن عدتها لم تنقض وصارت مكة دار الإسلام وأسلمت امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبي جهل وأقامتا بمكة مسلمتين في دار الإسلام وهرب زوجاهما مشركين ناحية اليمن إلى دار الشرك ثم رجعا فأسلم عكرمة بن أبي جهل ولم يسلم صفوان حتى شهد حنينا كافرا ثم أسلم فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على نكاحهما وذلك أن عدتهما لم تنقض وفي هذا حجة على من فرق بين المرأة تسلم قبل الرجل والرجل يسلم قبل المرأة وقد فرق بينهما بعض أهل ناحيتنا فزعم في المرأة تسلم قبل الرجل ما زعمنا وزعم في الرجل يسلم قبل المرأة خلاف ما زعمنا وأنها تبين منه إلا أن يتقارب إسلامه وهذا خلاف القرآن والسنة والعقل والقياس ولو جاز أن يفرق بينهما لكان ينبغي أن يقول في المرأة تسلم قبل الرجل قد انقطعت العصمة بينهما لأن المسلمة لا تحل لمشرك بحال والمرأة المشركة قد تحل للمسلم بحال وهي أن تكون كتابية فشدد في الذي ينبغي أن يهون فيه وهون في الذي ينبغي أن يشدد فيه لو كان ينبغي أن يفرق بينهما فإن قال رجل : ما السنة التي تدل على ما قلت دون ما قال ؟ فما وصفنا قبل هذا وإن قال فما الكتاب ؟ قيل قال [ ص: 288 ] الله عز وجل { فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } فلا يجوز في هذه الآية إلا أن يكون اختلاف الدينين يقطع العصمة ساعة اختلفا أو يكون يقطع العصمة بينهما اختلاف الدينين والثبوت على الاختلاف إلى مدة والمدة لا تجوز إلا بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وصفنا وجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمة قبل زوجها والمسلم قبل امرأته فحكم فيهما حكما واحدا فكيف جاز أن يفرق بينهما ؟ وجمع الله عز وجل بينهما فقال { : لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } فإن قال قائل : فإنما ذهبنا إلى قول الله عز وجل { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فهي كالآية قبلها لا تعدو أن يكون الزوج ساعة يسلم قبل امرأته تنقطع العصمة بينهما لأنه مسلم وهي كافرة أو لا تكون العصمة تنقطع بينهما إلا إلى مدة فقد دل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدة وقول من حكينا قوله لا قطع للعصمة بينهما إلا بالإسلام حين كان متأولا فكان وإن خالف قوله السنة قد ذهب إلى ما تأول ولا جعل لهما المدة التي دلت عليها السنة بل خرج من القولين وأحدث مدة لا يعرفها آدمي في الأرض فقال : إذا تقارب فإذا جاز له أن يقول إذا تقارب قال إنسان : التقارب بقدر النفس أو قدر الساعة أو قدر بعض اليوم أو قدر السنة ؟ لأن هذا كله قريب وإنما يحد مثل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أن يحد هذا بالرأي والغفلة فهذا ما لا يجوز مع الرأي واليقظة والله تعالى أعلم .
الحربي يخرج إلى دار الإسلام .

( قال الشافعي ) : وإذا أسلم الزوج قبل المرأة والمرأة في دار الحرب وخرج إلى دار الإسلام لم ينكح أختها حتى تنقضي عدة امرأته ولم تسلم فتبين منه فله نكاح أختها أو أربع سواها .
من قوتل من العرب والعجم ومن يجري عليه الرق .

( قال الشافعي ) وإذا قوتل أهل الحرب من العجم جرى السباء على ذراريهم ونسائهم ورجالهم لا اختلاف في ذلك وإذا قوتلوا وهم من العرب فقد سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وهوازن وقبائل من العرب وأجرى عليهم الرق حتى من عليهم بعد فاختلف أهل العلم بالمغازي فزعم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أطلق بني هوازن قال لو كان تاما على أحد من العرب سبي تم على هؤلاء ولكنه إسار وفداء فمن أثبت هذا الحديث عم أن الرق لا يجري على عربي بحال وهذا قول الزهري وسعيد بن المسيب والشعبي ويروى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز ( قال والشافعي ) : أخبرنا سفيان عن يحيى بن يحيى الغساني عن عمر بن عبد العزيز قال : وأخبرنا سفيان عن الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : لا يسترق عربي ( قال الربيع ) : قال الشافعي : ولولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون هذا هكذا ( قال الشافعي ) : أخبرنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال في المولى ينكح الأمة يسترق ولده وفي العربي ينكحها لا يسترق ولده وعليه قيمتهم ( قال الربيع ) : رأى الشافعي أن يأخذ منهم الجزية وولدهم رقيق ممن دان دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان ( قال [ ص: 289 ] الشافعي ) : رحمه الله تعالى ومن لم يثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أن العرب والعجم سواء وأنه يجري عليهم الرق حيث جرى على العجم . والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) في الحربي يخرج إلى دار الإسلام مستأمنا وامرأته في دار الحرب على دينه : لا تنقطع بينهما العصمة إنما تنقطع بينهما العصمة باختلاف الدينين أما والدين واحد فلا تنقطع بينهما العصمة أرأيت لو أن مسلما أسر وامرأته أو دخل دار الحرب مستأمنا وامرأته أو أسلم هو وامرأته في دار الحرب فقدر على الخروج ولم تقدر امرأته أتنقطع العصمة بينهما وهما على دين واحد ؟ لا تنقطع العصمة إلا باختلاف الدينين .
( قال الشافعي ) : أي الزوجين أسلم فانقضت العدة قبل أن يسلم الآخر منهما فقد انقطعت العصمة بينهما وهو فسخ بغير طلاق وإذا طلق النصراني الذمي امرأته النصرانية ثلاثا ثم أسلما فرق بينهما ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وكذلك لو كان حربيا من قبل أنا إذا أثبتنا له عقد النكاح فجعلنا حكمه فيه كحكم المسلم لزمنا أن نجعل حكمه حكم المسلم فيما يفسخ عقد النكاح وفسخ عقد النكاح التحريم بالطلاق .
المسلم يطلق النصرانية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا طلق المسلم امرأته النصرانية ثلاثا فنكحها نصراني أو عبد فأصابها حلت له إذا طلقها زوجها وانقضت عدتها لأن كل واحد من هذين زوج وإنما قال الله عز وجل { حتى تنكح زوجا غيره } فقد نكحت زوجا غيره وإذا جاز لنا أن نزعم أن النصراني ينكح النصرانية فيحصنها حتى ترجمها لو زنت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا فقد زعمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاحه يحصنها فكيف يذهب علينا أن يكون لا يحلها وهو يحصنها ؟
وطء المجوسية إذا سبيت .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا سبي المجوسي وأهل الأوثان لم توطأ منهن امرأة بالغ حتى تسلم وإن سبي منهن صبيات فمن كان منهن مع أحد أبويه ولم يسلم فلا توطأ لأن دينها دين أبيها وأمها وإن أسلم أحد أبويها وهي صبية وطئت فإذا سبيت منفردة ليست مع أحد أبويها وطئت لأنا نحكم لها بحكم الإسلام ونجبرها عليه ما لم تكن بالغا مشركة أو صغيرة مع أحد أبويها مشركا فإذا حكمنا لهم بحكم الإسلام لم يكن لتحريم فرجها معنى . .
ذبيحة أهل الكتاب ونكاح نسائهم .

( قال الشافعي ) : من دان دين اليهود والنصارى من الصابئين والسامرة أكلت ذبيحته وحل نساؤه وقد روي عن عمر أنه كتب إليه فيهم أو في أحدهم فكتب بمثل ما قلنا فإذا كانوا يعرفون باليهودية أو النصرانية فقد علمنا أن النصارى فرق فلا يجوز إذا جمعت النصرانية بينهم أن تزعم أن بعضهم تحل ذبيحته ونساؤه وبعضهم تحرم إلا بخبر يلزم مثله ولم نعلم في هذا خبرا فمن جمعه اليهودية والنصرانية فحكمه حكم واحد وقال : لا تؤكل ذبيحة المجوسي وإن سمى الله عليها
[ ص: 290 ] الرجل تؤسر جاريته أو تغصب .

( قال الشافعي ) : وإذا اغتصبت جارية الرجل أم ولد كانت أو غير أم ولد وأحرزها المشركون أو غيرهم فصارت إليه لم يكن عليه استبراء في شيء من هذه الحالات لأنها لم تملك عليه كما لا يكون عليه استبراء لو غابت عنه فلم يدر لعلها فجرت أو فجر بها والاختيار له في هذا كله أن لا يقربها حتى يستبرئها .
( قال الشافعي ) : وإذا اشترى الرجل جارية من المغنم أو وقعت في سهمه أو من سوق المسلمين لم يقبلها ولم يباشرها ولم يتلذذ منها بشيء حتى يستبرئها .
الرجل يشتري الجارية وهي حائض .

( قال الشافعي ) : وإذا ملك الرجل جارية بشراء أو غيره وهي في أول حيضتها أو وسطها أو آخرها لم تكن هذه الحيضة استبراء كما لا تكون من العدة في قول من قال العدة الحيض ولا قول من قال العدة الطهر وعليه أن يستبرئها بحيضة أمامها طهر ويجزيها حيضة واحدة وإذا ارتابت المستبرأة لم توطأ حتى تذهب الريبة ولا وقت في ذلك إلا ذهاب الريبة وإن كانت مشتراة لم ترد بهذا وأريها النساء فإن قلن هذا حمل أو داء ردت .
عدة الأمة التي لا تحيض .

( قال الشافعي ) اختلف الناس في استبراء الأمة التي لا تحيض من صغر أو كبر فقال بعضهم : شهر قياسا على الحيضة وقال بعضهم : شهر ونصف وليس لهذا وجه وهو إما أن يكون شهرا وإما أن يكون ما ذهب إليه بعض أصحابنا من ثلاثة أشهر ( قال الشافعي ) : استبراء الأمة شهر إذا كانت ممن لا تحيض قياسا على حيضة لأن الله عز وجل أقام ثلاثة أشهر مقام ثلاثة قروء فلكل حيضة شهر إلا أن يكون مضى فيه أثر بخلافه يثبت مثله فالأثر أولى أن يتبع .
من ملك الأختين فأراد وطأهما .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ملك الرجل الأختين بأي وجه ما كان فله أن يطأ أيتهما شاء وإذا وطئ إحداهما لم يجز له وطء الأخرى حتى يحرم عليه فرج التي وطئ بأي وجه ما حرم من نكاح أو عتاقة أو كتابة فإذا كان ذلك فوطئ الأخرى ثم عجزت المكاتبة أو طلقت ثبت على وطء التي وطئ بعدها ولم يكن له أن يطأ العاجزة ولا المطلقة فتكون في هذه الحال وأختها في الحالة الأولى .
وطء الأم بعد البنت من ملك اليمين

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ولا يحل وطء الأم بعد البنت ولا البنت بعد الأم من ملك اليمين [ ص: 291 ] ولا يحل وطء المملوكات بشيء لا يحل من وطء الحرائر مثله إلا أنهن يخالفن الحرائر في معنيين فيكون للرجل أن يملك الأم وولدها ولا يكون له أن ينكح الأم وابنتها ويجمع بين الأختين من الملك ولا يجمع بينهما من النكاح ويطأ من الولائد ما شاء بالملك وفي وقت واحد ولا يكون له أن يجمع بين أكثر من أربع بالنكاح .
التفريق بين ذوي المحارم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ملك الرجل أهل البيت لم يفرق بين الأم وولدها حتى يبلغ الولد سبعا أو ثمان سنين فإذا بلغ ذلك جاز أن يفرق بينهما فإن قال قائل : فمن أين وقت سبعا أو ثمان سنين ؟ قيل : روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خير غلاما بين أبويه وعن عمر رضي الله عنه والغلام غير بالغ عندنا وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه خير غلاما بين أمه وعمه وكان في الحديث عن علي رضي الله تعالى عنه والغلام ابن سبع أو ثمان سنين ثم نظر إلى أخ له أصغر منه فقال : وهذا لو بلغ مبلغ هذا خيرناه فجعلنا هذا حدا لاستغناء الغلام والجارية وأنه أول مدة يكون لهما في أنفسهما قول وكذلك ولد الولد من كانوا فأما الأخوان فيفرق بينهما فإن قال قائل : فكيف فرقتم بين الأخوين ولم تفرقوا بين الولد وأمه ؟ قيل : السنة في الأم وولدها ووجدت حال الولد من الوالد مخالفا حال الأخ من أخيه ووجدتني أجبر الولد على نفقة الوالد والوالد على نفقة الولد في الحين الذي لا غنى لواحد منهما عن صاحبه ولم أجدني أجبر الأخ على نفقة أخيه .
الذمي يشتري العبد المسلم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا اشترى الذمي عبدا مسلما فالشراء جائز وأجبره على بيعه وإنما منعني من أن أجعل الشراء فيه باطلا أنه لو أسلم عنده جبرته على بيعه ولو أعتقه أو وهبه لمسلم أو تصدق به عليه أو مات ولا وارث له قبض عنه وجاز فيه العتق في حياته والصدقة والهبة ولا يكون هذا إلا لمن يكون ملكه ثابتا مدة من المدد وإن كنت لا أثبته على الأبد كما أثبت ملك المسلم وإذا كان للذمي مملوكان امرأة ورجل بينهما ولد فأيهما أسلم جبرت السيد على بيع المسلم منهما والولد الصغار لأنهم مسلمون بإسلام أي الأبوين أسلم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #186  
قديم 25-10-2022, 04:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله





كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (186)
صــــــــــ 292 الى صـــــــــــ298




الحربي يدخل دار الإسلام بأمان .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان ومعه مملوكة أو مملوك فأسلما أو أسلم أحدهما أجبرته على بيعهما أو بيع المسلم منهما ودفعت إليه ثمنهما وليس له أمان يعطي به أن يملك مسلما وأمان الذمي المعاهد أكثر من أمانه وأنا أجبره على بيع من أسلم من مماليكه .
[ ص: 292 ] العبد الذي يكون بين المسلم والذمي فيسلم .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا كان العبد الكافر بين مسلم وذمي وأسلم جبرت الكافر على بيع نصيبه فيه وجبرته على بيع كله أكثر من جبرته على بيع نصيبه وإذا حاصر المسلمون المشركين فاستأمن رجل من المشركين لجماعة بأعيانهم كان لهم الأمان ولم يكن الأمان لغيرهم وكذلك لو استأمن لعدد كان الأمان لأولئك العدد وليس لغيرهم وهكذا إن قال تؤمن لي مائة رجل وأخلي بينك وبين البقية كان الأمان في المائة الرجل إليه فمن سمى فهو آمن ومن لم يستثن فليس بآمن . وهكذا إن قال : تؤمن لي أهل الحصن على أن أدفع إليك مائة منهم فلا بأس والمائة رقيق كانوا من حربهم أو رقيقهم من قبل أني إذا قدرت عليهم كانوا جميعا رقيقا فلما كنت قادرا على بعضهم كانوا رقيقا وكان من أمنت غير رقيق وليس هذا بنقض للعهد ولا رجوع في صلح إنما هذا صلح على شرط فمن أدخله المستأمن في الأمان فهو داخل فيه ومن أخرجه منه ممن لم أعطه الأمان فهو خارج منه حكمه حكم مشرك يجري عليه الرق إذا قدر عليه .
الأسير يؤخذ عليه العهد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أسر المسلم فأحلفه المشركون أن يثبت في بلادهم ولا يخرج منها على أن يخلوه فمتى قدر على الخروج منها فليخرج لأن يمينه يمين مكره ولا سبيل لهم على حبسه وليس بظالم لهم بخروجه من أيديهم ولعله ليس بواسع أن يقيم معهم إذا قدر على التنحي عنهم ولكنه ليس له أن يغتالهم في أموالهم وأنفسهم لأنهم إذا أمنوه فهم في أمان منه ولا نعرف شيئا يروى خلاف هذا ، ولو كان أعطاهم اليمين وهو مطلق لم يكن له الخروج إذا كان غير مكره إلا بأن يلزمه الحنث وكان له أن يخرج ويحنث لأنه حلف غير مكره وإنما ألغيا عنه الحنث في المسألة الأولى لأنه كان مكرها .
الأسير يأمنه العدو على أموالهم

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسر العدو الرجل من المسلمين فخلوا سبيله وأمنوه وولوه ضياعهم أو لم يولوه فأمانهم إياه أمان لهم منه وليس له أن يغتالهم ولا يخونهم . وأما الهرب بنفسه فله الهرب وإن أدرك ليؤخذ فله أن يدافع عن نفسه وإن قتل الذي أدركه لأن طلبه ليؤخذ إحداث من الطالب غير الأمان فيقتله إن شاء ويأخذ ماله ما لم يرجع عن طلبه .
الأسير يرسله المشركون على أن يبعث إليهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسر المشركون المسلم فخلوه على فداء يدفعه إليهم إلى وقت [ ص: 293 ] وأخذوا عليه إن لم يدفع الفداء أن يعود في إسارهم فلا ينبغي أن يعود في إسارهم ولا ينبغي للإمام إذا أراد أن يعود أن يدعه والعودة وإذا كانوا امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطيهموه فلا يعطيهم منه شيئا لأنه مال أكرهوه على أخذه منه بغير حق فإن كان أعطاهموه على شيء فأخذه منهم لم يحل له إلا أداؤه إليهم بكل حال وهكذا لو صالحهم مبتدئا على شيء انبغى له أن يؤديه إليهم إنما أطرح عنه ما استنكره عليه .
المسلمون يدخلون دار الحرب بأمان فيرون قوما .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دخل جماعة من المسلمين دار الحرب بأمان فسبى أهل الحرب قوما من المسلمين لم يكن للمستأمنين قتال أهل الحرب عنهم حتى ينبذوا إليهم فإذا نبذوا إليهم فحذروهم وانقطع الأمان بينهم كان لهم قتالهم فأما ما كانوا في مدة الأمان فليس لهم قتالهم .
الرجل يدخل دار الحرب فتوهب له الجارية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دخل الرجل دار الحرب بأمان فوهبت له جارية أو غلام أو متاع لمسلم قد أحرزه عليه أهل الحرب ثم خرج به إلى دار الإسلام فعرفه صاحبه وأثبت عليه بينة أو أقر له الذي هو في يديه بدعواه فعليه أن يدفعه إليه بلا عوض يأخذه منه ويجبره السلطان على دفعه .
الرجل يرهن الجارية ثم يسبيها العدو .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا رهن الرجل جارية بألف درهم وذلك قيمتها ثم سباها العدو ثم أخذها صاحبها الراهن بثمن أو غير ثمن فهي على الرهن كما كانت لا يخرجها السباء من الرهن ولو وجدت في يدي رجل من المسلمين أخرجت من يديه إلى ملك مالكها الذي سبيت عنه وكانت على الرهن وإذا سبى المشركون الحرة والمدبرة والمكاتبة وأم الولد والعبد وأخذوا المال فكله سواء متى ظهر عليه المسلمون قبل المقاسم أو بعدها أخرج من يدي من هو في يديه وكانت الحرة حرة والمكاتبة مكاتبة والمدبرة مدبرة والأمة أمة والعبد عبدا وأم الولد أم ولد والمتاع على حاله لأن المشركين لا يملكون على المسلمين ولو ملكوه عليهم ملك بعضهم على بعض ملكوا الحرة والمكاتبة وأم الولد والمدبرة كما يسبي بعضهم بعضا ثم يسلمون فيقر المسبي خولا للسابي .
المدبرة تسبى فتوطأ ثم تلد ثم يقدر عليها صاحبها .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا سبى المشركون المدبرة فوطئها رجل منهم فولدت أولادا ثم سبيت وأولادها ردت إلى مالكها الذي دبر وأولادها كما ترد المملوكة غير مدبرة ولا يبطل السباء تدبيرها ولا يبطله إلا أن يرجع فيه المدبر فإن مات المدبر قبل أن يحرزها المسلمون فهي حرة وأولادها في [ ص: 294 ] قول من أعتق ولد المدبرة بعتقها وولاؤها للذي دبرها وولاء ولدها الذين أعتقوا بعتقها فإن ولدت بعدهم أولادا فولاؤهم لموالي أبيهم وقال في المكاتبة كما قال في المدبرة إلا أن المكاتبة لا تعتق بموت سيدها إنما عتق بالأداء .
المكاتبة تسبى فتوطأ فتلد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ولدت المكاتبة أولادا في دار الحرب وهي مسبية ثم أدت فعتقت عتق ولدها بعتقها في قول يعتق ولد المكاتبة بعتق أمه وإن عجزت رقت ورق ولدها .
م ولد النصراني تسلم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أسلمت أم ولد النصراني حيل بينه وبينها وأخذ بنفقتها وأمرت أن تعمل له في موضعها ما يعمل مثلها لمثله فإن مات فهي حرة وإن أسلم خلي بينه وبينها ولا يجوز فيها ما ذهب إليه بعض الناس من أن تعتق وتسعى في قيمتها من قبل أنها إن كان الإسلام يعتقها فلا ينبغي أن يكون عليها سعاية وإن كان الإسلام لا يعتقها فما سبب عتقها وما سبب سعايتها ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : العتق لو كان من قبل سيدها وأعتق منها سهما من مائة سهم عتقت كلها ولم يكن العتق من قبل سيدها ولا من قبل شريك له ، فإن قال من قبل نفسها فهي لا تقدر على أن تعتق نفسها ، فإن قال منهم قائل : وهل ثبت الرق لكافر على مسلم ؟ قيل : أنت تثبته قال : وأين ؟ قلت : زعمت أن عبد الكافر إذا أسلم فأعتقه الكافر أو باعه أو وهبه أو تصدق به أجزت هذا كله فيه ولو كان الإسلام يزيل ملكه عنه ما جاز له من هذا شيء وأنت تزعم أن للكافر أن يشتري المؤمن ثم يكون عليه بيعه ويكون لمشتريه أن يرده على ملك الكافر بالعيب ثم تقول للكافر : بعه فإن زعمت أنك تجبره على بيعه ، قيل : فقل هذا في مدبره ومكاتبه ، فإن قلت : لا . قيل : فكذا قل في أم ولده ليس الإسلام بعتق لها ولا أجد السبيل إلى بيعها لما سبق فيها ولا يجوز قول من قال : أعتقها ولا سعاية عليها من قبل أنه لا يعتق الأمة لم تلد إذا أسلمت وهي لنصراني ولا العبد ويقول آمره ببيعهما والرجل لا يكون عهدة البيع عليه إلا فيما يملك وهو يجيز العتق والهبة والصدقة وهذا لا يجوز إلا لمالك . فإن قال : لا أجده يملك من أم الولد إلا الوطء فقد حرم عليه الوطء فهو يملك الرجل من أم ولده أن يأخذ مالها وكسبها والجناية عليها ويستعمها وتموت فيصير إليه ما حوت وهذا كله غير وطئها ولو كان إذا حرم عليه الفرج عتقت أم الولد كان لو زوج مالك أم ولده أو كاتبها انبغى أن يعتقها عليه من قبل أنه قد حيل بينه وبين فرجها وحول بين الرجل وبين الفرج بسبب لا يمنع شيئا غيره وقد قال قائل : تسعى في نصف قيمتها كأنه جعل نصفها حرا بالولد ونصفها مملوكا إلى أن يموت السيد . ولا أعرف للولد حصة من العتق متبعضة ولو كانت حرة كلها من قبل أن الولد من السيد وهو لو أعتق السيد منها سهما من ألف سهم جعلها حرة كلها [ ص: 295 ] فلا أعرف لما ذهب إليه وجها .
وإذا دخل الحربي بعبده أو أمته دار الإسلام مستأمنا فأسلما جبر على بيعهما ولم يترك يخرج بهما .
لأسير لا تنكح امرأته

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسر المسلم فكان في دار الحرب فلا تنكح امرأته إلا بعد تيقن وفاته عرف مكانه أو خفي مكانه وكذلك لا يقسم ميراثه .
ما يجوز للأسير في ماله وما لا يجوز .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وما صنع الأسير من المسلمين في دار الحرب أو دار الإسلام أو المسجون وهو صحيح في ماله غير مكره عليه فهو جائز من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك فهو جائز لا نبطل على واحد منهم إلا ما نبطل على الصحيح المطلق فإن كان مريضا فهو كالمريض في حكمه وهكذا ما صنع الرجل في الحرب عند التقاء الصفين وقبل ذلك ما لم يجرح وهكذا ما صنع إذا قدم ليقتل فيما من قتله فيه بد وفيما يجد قاتله السبيل إلى تركه مثل القتل في القصاص الذي يكون لصاحبه عفوه ومثل قتل عصبة القاتل الذي قد تتركه وما إذا قدم ليرجم في الزنا فلا يجوز له في ماله إلا الثلث لأنه لا سبيل إلى تركه . والحامل يجوز ما صنعت في مالها ما لم يحدث لها مرض مع حملها أو يضربها الطلق فإن ذلك مرض مخوف ، فأما ما قبل ذلك فما صنعت فيه فهو جائز ، وهكذا الرجل في السفينة في الموضع المخوف من الغرق وغير المخوف لأن النجاة قد تكون في المخوف والهلاك قد يكون في غيره ولا وجه لقول من قال : نجوز عطية الحامل حتى تستكمل ستة أشهر ثم تكون كالمريض في عطيتها بعد الستة عندي ولا لما تأول من قول الله عز وجل { حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما } وليس في هذا دلالة على حد الإثقال متى هو ؟ أهو التاسع أو الثامن أو السابع أو السادس أو الخامس أو الرابع أو الثالث حتى يتبين ؟ ومن ادعى هذا بوقت لم يجز له إلا بخبر ولا يجوز أن يكون الإثقال المخوف إلا حين تجلس بين القوابل ، فإن قيل : هي بعد ستة مخافة لها قبل ستة فكذلك هي بعد شهر مخالفة لها قبل الشهر بعد الشهرين وفي كل يوم زادت فيه أن يكبر ولدها وتقرب من وضع حملها وليس إلا ما قلنا أو أن يقول رجل : الحمل كله مرض ولا يفرق بين أوله وآخره فإن قال هذا فهو معروف في الإثقال وغير الإثقال فالمرض الثقيل والمرض الخفيف عنده وعند الناس في العطية سواء ولا فرق في الحكم بين المريض المخوف عليه الدنف وبين المريض الخفيف المرض فيما أعطيا ووهبا وقد يقال لهذا ثقيل ولهذا خفيف وما أعلم الحامل بعد الشهر الأول إلا أثقل وأسوأ حالا وأكثر قيئا وامتناعا من الطعام وأشبه بالمريض منها بعد ستة أشهر وكيف تجوز عطيتها في الوقت الذي هي فيه قرب من المرض وترد عطيتها في الوقت الذي هي فيه أقرب إلى الصحة ؟ فإن قال : هذا وقت يكون فيه الولد تاما لو خرج فخروجه تاما أشبه لسلامة أمه من خروجه لو خرج سقطا والحكم إنما هو لأمه ليس له ، والله أعلم .
[ ص: 296 ] الحربي يدخل بأمان وله مال في دار الحرب ثم يسلم .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا دخل الحربي بلاد الإسلام بأمان وخلف في دار الحرب أموالا وودائع في يد مسلم ويدي حربي ويدي وكيل له ثم أسلم فلا سبيل عليه ولا على ماله ولا على ولده الصغار ما كان له عقار أو غيره وهكذا لو أسلم في بلاد الحرب وخرج إلى دار الإسلام لا سبيل على مال مسلم حيث كان أسلم ابنا شعبة القرظيان ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة فأحرز لهما إسلامهما أنفسهما وأموالهما دورا كانت أو عقارا أو غيره ولا يجوز أن يكون مال المسلم مغنوما بحال فأما ولده الكبار وزوجته فحكمهم حكم أنفسهم يجري عليهم ما يجري على أهل الحرب من القتل والسباء وإن سبيت امرأته حاملا منه لم يكن إلى إرقاق ذي بطنها سبيل من قبل أنه إذا خرج فهو مسلم بإسلام أبيه ولا يجري السباء على مسلم .
الحربي يدخل دار الإسلام بأمان فأودع ماله ثم رجع

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان فأودع وباع وترك مالا ثم رجع إلى دار الحرب فقتل بها فدينه وودائعه وما كان له من مال مغنوم عنه لا فرق بين الدين الوديعة وإذا قدم الحربي دار الإسلام بأمان فمات فالأمان لنفسه وماله ولا يجوز أن يؤخذ من ماله شيء وعلى الحاكم أن يرده إلى ورثته حيث كانوا ولا يقبل إن لم تعرف ورثته شهادة أحد غير المسلمين ولا يجوز في هذه الحال ولا في غيرها شهادة أحد خالف دين الإسلام لقول الله تبارك وتعالى { ذوي عدل منكم } وقوله { ممن ترضون من الشهداء } وهذا مكتوب في كتاب الشهادات .
في الحربي يعتق عبده

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا أعتق الحربي عبده في دار الحرب ثم خرجا إلينا ولم يحدث له قهرا في بلاد الحرب يستعبده به فأراد استعباده ببلاد الإسلام لم يكن له أن يستعبده مسلما كان العبد أو كافرا أو مسلما كان السيد أو كافرا ولو أحدث له قهرا ببلاد الحرب أو لحر مثله ولم يعتقه حتى خرج إلينا بأمان كان عبدا له قال : وإن كانت الأرض المفتتحة من أهل الشرك بلاد عنوة أو صلح تخلى منه أهله إلى المسلمين على شيء أخذوه منهم بأمان أو غيره فهي مملوكة كما يملك الفيء والغنيمة وإن تركها أهلها الذين كانت لهم ممن أوجف عليها أو غيرهم فوقفها السلطان على المسلمين فلا بأس أن يتكارى الرجل منها الأرض ليزرعها وعليه ما تكاراها به والعشر كما يكون عليه ما تكارى به أرض المسلم والعشر .
الصلح على الجزية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا أعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أحدا من أهل [ ص: 297 ] الجزية على شيء إلا ما أصف صالح أهل أيلة على ثلثمائة دينار وكان عددهم ثلثمائة رجل وصالح نصرانيا بمكة يقال له موهب على دينار وصالح ذمة اليمن على دينار دينار وجعله على المحتلمين من أهل اليمن وأحسب كذلك جعله في كل موضع وإن لم يحك في الخبر كما حكي خبر اليمن ثم صالح أهل نجران على حلل يؤدونها فدل صلحه إياهم على غير الدنانير على أنه يجوز ما صالحوا عليه وصالح عمر بن الخطاب رضي الله عنه أهل الشام على أربعة دنانير وروى عنه بعض الكوفيين أنه صالح الموسر من ذمتهم على ثمانية وأربعين والوسط على أربعة وعشرين والذي دونه على اثني عشر درهما ولا بأس بما صالح عليه أهل الذمة وإن كان أكثر من هذا إذا كان العقد على شيء مسمى بعينه وإن كان أضعاف هذا وإذا عقد لهم العقد على شيء مسمى لم يجز عندي أن يزاد على أحد منهم فيه بالغا يسره ما بلغ وإن صالحوا على ضيافة مع الجزية فلا بأس وكذلك لو صالحوا على مكيلة طعام كان ذلك كما يصالحون عليه من الذهب والورق ولا تكون الجزية إلا في كل سنة مرة ولو حاصرنا أهل مدينة من أهل الكتاب فعرضوا علينا أن يعطونا الجزية لم يكن لنا قتالهم إذا أعطوناها وأن يجري عليهم حكمنا وإن قالوا نعطيكموها ولا يجري علينا حكمكم لم لم يلزمنا أن نقبلها منهم لأن الله عز وجل قال { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } فلم أسمع مخالفا في أن الصغار أن يعلو حكم الإسلام على حكم الشرك ويجري عليهم ولنا أن نأخذ منهم متطوعين وعلى النظر للإسلام وأهله وإن لم يجر عليهم الحكم كما يكون لنا ترك قتالهم ولو عرضوا علينا أن يعطونا الجزية ويجري عليهم الحكم فاختلفنا نحن وهم في الجزية فقلنا : لا نقبل إلا كذا وقالوا : لا نعطيكم إلا كذا رأيت والله تعالى أعلم أن يلزمنا أن نقبل منهم دينارا دينارا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذه من نصراني بمكة مقهور ومن ذمة اليمن وهم مقهورون ولم يلزمنا أن نأخذ منهم أقل منه والله تعالى أعلم لأنا لم نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدا من الأئمة أخذ منهم أقل منه واثنا عشر درهما في زمان عمر رضي الله تعالى عنه كانت دينارا فإن كان أخذها فهي دينار وهي أقل ما أخذ ونزداد منهم ما لم نعقد لهم شيئا مما قدرنا عليه وإن كنت في العقد لهم أن يخفف عمن افتقر منهم إلى أن يجد كان ذلك جائزا وإن لم يكن في العقدة كان ذلك لازما لهم والبالغون منهم في ذلك سواء الزمن وغير الزمن فإن أعوز أحدهم بجزيته ( أهل الكتاب ) فهي دين عليه يؤخذ منه متى قدر عليها وإن غاب سنين ثم رجع أخذت منه لتلك السنين إذا كانت غيبته في بلاد الإسلام والحق لا يوضع عن شيخ ولا مقعد ولو حال عليه حول أو أحوال ولم تؤخذ منه ثم أسلم أخذت منه لأنها كانت لزمته في حال شركه فلا يضع الإسلام عنه دينا لزمه لأنه حق لجماعة المسلمين وجب عليه ليس للإمام تركه قبله كما لم يكن له تركه قبله في حال شركه .
فتح السواد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لست أعرف ما أقول في أرض السواد إلا ظنا مقرونا إلى علم وذلك أني وجدت أصح حديث يرويه الكوفيون عندهم في السواد ليس فيه بيان ووجدت أحاديث من أحاديثهم تخالفه منها أنهم يقولون : السواد صلح ويقولون السواد عنوة ويقولون بعض السواد صلح وبعضه عنوة ويقولون : إن جرير بن عبد الله البجلي وهذا أثبت حديث عندهم فيه ، أخبرنا الثقة عن ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال : كانت بجيلة ربع الناس فقسم لهم ربع [ ص: 298 ] السواد فاستغلوه ثلاث أو أربع سنين أنا شككت ثم قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ومعي فلانة ابنة فلان امرأة منهم لا يحضرني ذكر اسمها فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : لولا أني قاسم مسئول لتركتكم على ما قسم لكم ولكني أرى أن تردوا على الناس ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وكان في حديثه " وعاضني من حقي فيه نيفا وثمانين دينارا " وكان في حديثه فقالت فلانة : قد شهد أبي القادسية وثبت سهمه ولا أسلمه حتى تعطيني كذا أو تعطيني كذا فأعطاها إياه قال وفي هذا الحديث دلالة إذ أعطى جريرا البجلي عوضا من سهمه والمرأة عوضا من سهم أبيها أنه استطاب أنفس الذين أوجفوا عليه فتركوا حقوقهم منه فجعله وقفا للمسلمين وهذا حلال للإمام لو افتتح اليوم أرضا عنوة فأحصى من افتتحها وطابوا نفسا عن حقوقهم منها أن يجعلها الإمام وقفا وحقوقهم منها إلا الأربعة الأخماس ويوفي أهل الخمس حقوقهم إلا أن يدع البالغون منهم حقوقهم فيكون ذلك لهم والحكم في الأرض كالحكم في المال وقد { سبى النبي صلى الله عليه وسلم هوازن وقسم الأربعة الأخماس بين المسلمين ثم جاءته وفود هوازن مسلمين فسألوه أن يمن عليهم بأن يعطيهم ما أخذ منهم فخيرهم بين الأموال والسبي فقالوا : خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا فنختار أحسابنا فترك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حقه وحق أهل بيته فسمع بذلك المهاجرون فتركوا له حقوقهم فسمع بذلك الأنصار فتركوا له حقوقهم ثم بقي قوم من المهاجرين الآخرين والفتحيين فأمر فعرف على كل عشرة واحدا ثم قال : ائتوني بطيب أنفس من بقي فمن كره فله علي كذا وكذا من الإبل إلى وقت كذا فجاؤه بطيب أنفسهم إلا الأقرع بن حابس وعتيبة بن بدر فإنهما أبيا ليعيرا هوازن فلم يكرههما رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى كانا هما تركا بعد بأن خدع عتيبة عن حقه وسلم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حق من طاب نفسا عن حقه } وهذا أولى الأمور بعمر بن الخطاب رضي الله عنه تعالى عندنا في السواد وفتوحه إن كانت عنوة فهو كما وصفت ظن عليه دلالة يقين وإنما منعنا أن نجعله بالدلالة أن الحديث الذي فيه تناقض لا ينبغي أن يكون قسم إلا عن أمر عمر رضي الله تعالى عنه لكبر قدره ولو تفوت عليه فيه ما انبغى أن يغيب عنه قسمه ثلاث سنين ولو كان القسم ليس لمن قسم له ما كان لهم منه عوض ولكان عليهم أن تؤخذ منهم الغلة والله سبحانه وتعالى أعلم كيف كان ولم أجد فيه حديثا يثبت إنما أجدها متناقضة والذي هو أولى بعمر عندي الذي وصفت فكل بلد فتحت عنوة فأرضها ودارها كدنانيرها ودراهمها وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وبني قريظة فلمن أوجف عليها أربعة أخماس والخمس لأهله من الأرض والدنانير والدراهم فمن طاب نفسا عن حقه فجائز للإمام حلال نظرا للمسلمين أن يجعله وقفا على المسلمين تقسم غلته فيهم على أهل الخراج والصدقة وحيث يرى الإمام منهم ومن لم يطب عنه نفسا فهو أحق بحقه وأيما أرض فتحت صلحا على أن أرضها لأهلها ويؤدون عنها خراجا فليس لأحد أخذها من أيدي أهلها وعليهم فيها الخراج وما أخذ من خراجها فهو لأهل الفيء دون أهل الصدقات لأنه فيء من مال مشرك وإنما فرق بين هذا والمسألة الأولى أن ذلك وإن كان من مشرك فقد ملك المسلمون رقبة الأرض فيه فليس بحرام أن يأخذه صاحب صدقة ولا صاحب فيء ولا غني ولا فقير لأنه كالصدقة الموقوفة يأخذها من وقفت عليه من غني وفقير وإذا كانت الأرض صلحا فإنها لأهلها ولا بأس أن يأخذها منهم المسلمون بكراء ويزرعونها كما نستأجر منهم إبلهم وبيوتهم ورقيقهم وما يجوز لهم إجارته منهم وما دفع إليهم أو إلى السلطان بوكالتهم فليس بصغار عليهم إنما هو دين عليه يؤديه والحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم { لا ينبغي لمسلم أن يؤدي خراجا ولا [ ص: 299 ] لمشرك أن يدخل المسجد الحرام } إنما هو خراج الجزية ولو كان خراج الكراء ما حل له أن يتكارى من مسلم ولا كافر شيئا ولكنه خراج الجزية وخراج الأرض إنما هو كراء لا محرم عليه وإذا كان العبد النصراني فأعتقه وهو على النصرانية فعليه الجزية وإذا كان العبد النصراني لمسلم فأعتقه المسلم فعليه الجزية إنما نأخذ الجزية بالدين والنصراني ممن عليه الجزية ولا ينفعه أن يكون مولاه مسلما كما لا ينفعه أن يكون أبوه وأمه مسلمين .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #187  
قديم 25-10-2022, 05:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (187)
صــــــــــ 299 الى صـــــــــــ313






في الذمي إذا اتجر في غير بلده .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا اتجر الذمي في بلاد الإسلام إلى أفق من الآفاق في السنة مرارا لم يؤخذ منه إلا مرة واحدة كما لا تؤخذ منه الجزية إلا مرة واحدة وقد ذكر عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أنه أمر فيما ظهر من أموالهم وأموال المسلمين أن يؤخذ منهم شيء وقته وأمر أن يكتب لهم براءة إلى مثله من الحول ولولا أن عمر أخذه منهم ما أخذنا منهم فهو يشبه أن يكون أخذه إياه منهم على أصل صلح أنهم إذا اتجروا أخذ منهم ولم يبلغنا أنه أخذ من أحد في سنة مرتين ولا أكثر فلما كانت الجزية في كل سنة مرة كان ينبغي أن يكون هذا عندنا في كل سنة مرة إلا أن يكونوا صولحوا عند الفتح على أكثر من ذلك فيكون لنا أن نأخذ منهم ما صولحوا عليه ولسنا نعلمهم صولحوا على أكثر ويؤخذ منهم كما أخذ عمر رضي الله تعالى عنه من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر ومن أهل الحرب العشر اتباعا له على ما أخذه لا نخالفه .
نصارى العرب .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أكيدر الغساني وكان نصرانيا عربيا على الجزية وصالح نصارى نجران على الجزية وفيهم عرب وعجم وصالح ذمة اليمن على الجزية وفيهم عرب وعجم واختلفت الأخبار عن عمر في نصارى العرب من تنوخ وبهراء وبني تغلب فروى عنه أنه صالحهم على أن تضاعف عليهم الصدقة ولا يكرهوا على غير دينهم ولا يصبغوا أولادهم في النصرانية وعلمنا أنه كان يأخذ جزيتهم نعما ثم روى أنه قال بعد ما نصارى العرب بأهل كتاب أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الفلجة أو ابنه عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : ما نصارى العرب بأهل كتاب وما تحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى فأرى للإمام أن يأخذ منهم الجزية لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من النصارى من العرب كما وصفت وأما ذبائحهم فلا أحب أكلها خبرا عن عمر وعن علي بن أبي طالب وقد نأخذ الجزية من المجوس ولا نأكل ذبائحهم فلو كان من حل لنا أخذ الجزية منه حل لنا أكل ذبيحته أكلنا ذبيحة المجوس ولا ننكر إذا كان في أهل الكتاب حكمان وكان أحد صنفيهم تحل ذبيحته ونساؤه والصنف الثاني من المجوس لا تحل لنا ذبيحته ولا نساؤه والجزية تحل منهما معا أن يكون هكذا في نصارى العرب فيحل أخذ الجزية منهم ولا تحل ذبائحهم والذي يروى من حديث ابن عباس [ ص: 300 ] رضي الله تعالى عنهما في إحلال ذبائحهم إنما هو من حديث عكرمة أخبرنيه ابن الدراوردي وابن أبي يحيى عن ثور الديلمي عن عكرمة عن ابن عباس أنه سأل عن ذبائح نصارى العرب فقال قولا حكئا هو إحلالها وتلا { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } ولكن صاحبنا سكت عن اسم عكرمة وثور لم يلق ابن عباس والله أعلم .
الصدقة .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق الشيباني عن رجل أن عمر رضي الله تعالى عنه صالح نصارى بني تغلب على أن لا يصبغوه أبناءهم ولا يكرهوا على غير دينهم وأن تضاعف عليهم الصدقة ( قال الشافعي ) : وهكذا حفظ أهل المغازي وساقوه أحسن من هذا السياق فقالوا : رامهم على الجزية فقالوا : نحن عرب ولا نؤدي ما تؤدي العجم ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الصدقة فقال عمر رضي الله تعالى عنه : لا . هذا فرض على المسلمين فقالوا فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية ففعل فتراضى هو وهم على أن ضعف عليهم الصدقة ( قال الشافعي ) : ولا أعلمه فرض على أحد من نصارى العرب ولا يهودها الذين صالح والذين صالح بناحية الشام والجزيرة إلا هذا الفرض فأرى إذا عقد لهم هذا أن يؤخذ منهم عليه وأرى للإمام في كل دهر إن امتنعوا أن يقتصر عليهم بما قبل منهم فإن قبلوا أخذه وإن امتنعوا جاهدهم عليه وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية على أهل اليمن دينارا على كل حالم ، والحالم المحتلم ، وكذلك يؤخذ منهم وفيهم عرب وصالح نصارى نجران على كسوة تؤخذ منهم وكذلك تؤخذ منهم وفي هذا دلالتان إحداهما أن تؤخذ الجزية على ما صالحوا عليه والأخرى أنه ليس لما صالحوا عليه وقت إلا ما تراضوا عليه كائنا ما كان وإذا ضعفت عليهم الصدقة فانظر إلى مواشيهم وأطعمتهم وذهبهم وورقهم وما أصابوا من معادن بلادهم وركازها كل ما أخذت فيه من مسلم خمسا فخذ منهم خمسين وعشرا فخذ منهم عشرين ونصف عشر فخذ منهم عشرا وربع عشر فخذ منهم نصف عشر وعددا من الماشية فخذ منهم ضعف ذلك العدد ثم هكذا صدقاتهم لا تختلف ولا تؤخذ منهم من أموالهم حتى يكون لأحدهم من النصف من المال ما لو كان لمسلم وجب فيه الزكاة فإذا كان ذلك ضعف عليهم الزكاة وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الجزية عن النساء والصغار لأنه إذا قال : خذ من كل حالم دينارا فقد دل على أنه وضع عمن دون الحالم ودل على أنه لا يؤخذ من النساء ولا يؤخذ من نصارى بني تغلب وغيرهم ممن معهم من العرب لأنه لا يؤخذ ذلك منهم على الصدقة وإنما يؤخذ منهم على الجزية وإن نحي عنهم من اسمها ولا يكرهون على دين غير دينهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من أكيدر دومة وهو عربي وأخذها من عرب اليمن ونجران وأخذها الخلفاء بعده منهم وأخذها منهم على أن لا يأكلوا ذبائحهم لأنهم ليسوا من أهل الكتاب أخبرنا الثقة سفيان أو عبد الوهاب أو هما عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال : قال علي رضي الله تعالى عنه " لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب فإنهم لم يتمسكوا من نصرانيتهم أو من دينهم إلا بشرب الخمر " [ شك الشافعي ] ( قال الشافعي ) : وإنما تركنا [ ص: 301 ] أن نجبرهم على الإسلام أو نضرب أعناقهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من نصارى العرب وأن عثمان وعمر وعليا قد أقروهم وإن كان عمر قد قال هكذا وكذلك لا يحل لنا نكاح نسائهم لأن الله تبارك وتعالى إنما أحل لنا من أهل الكتاب الذين عليهم نزل وجميع ما أخذ من ذمي عربي وغيره فمسلكه مسلك الفيء وقال : ما اتجر به نصارى العرب وأهل ذمتهم فإن كانوا يهودا فسواء تضاعف عليهم فيه الصدقة وما اتجر به نصارى بني إسرائيل الذين هم أهل الكتاب فقد روى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فيهم أنه أخذ منهم في بعض تجاراتهم العشر وفي بعضها نصف العشر وهذا عندنا من عمر أنه صالحهم عليه كما صالحهم على الجزية المسماة ولست أعرف الذين صالحهم على ذلك من الذين لم يصالحهم فعلى إمام المسلمين أن يفرق الكتب في الآفاق ويحكي لهم ما صنع عمر فإنه لا يدري من صنع به ذلك منهم دون غيره فإن رضوا به أخذه منهم وإن لم يرضوا به جدد بينه وبينهم صلحا فيه كما يجدد فيمن ابتدأ صلحه ممن دخل في الجزية اليوم وإن صالحوا على أن يؤدوا في كل سنة مرة من غير بلدانهم فكذلك وإن صالحوا أن نأخذ منهم كلما اختلفوا وإن اختلفوا في السنة مرارا فذلك وكذلك ينبغي لإمام المسلمين أن يجدد بينه وبينهم في الضيافة صلحا ( مع أهل الذمة ) فإنه روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه جعل عليهم ضيافة ثلاثة أيام وروي عنه أنه جعل ضيافة يوم وليلة فإذا جدد عليهم الصلح في الضيافة جدد بأمر بين أن يضيف الرجل الموسر كذا والوسط كذا ولا يضيف الفقير ولا الصبي ولا المرأة وإن كانا غنيين لأنه لا تؤخذ منهم الجزية والضيافة صنف منها وسمى أن يطعموهم خبز كذا بأدم كذا ويعلفوا دوابهم من التبن كذا ومن الشعير كذا حتى يعرف الرجل عدد ما عليه إذا نزل به ليس أن ينزل به العساكر فيكلف ضيافتهم ولا يحتملها وهي مجحفة به وكذلك يسمي أن ينزلهم من منازلهم الكنائس أو فضول منازلهم أو هما معا .
( قال الشافعي ) : حيثما زرع النصراني من نصارى العرب ضعف عليه الصدقة كما وصفت وحيثما زرع النصراني الإسرائيلي لم يكن عليه في زرعه شيء وإنما الخراج كراء الأرض كما لو تكارى أرضا من رجل فزرعها أدى الكراء والعشر والنصراني من نصارى العرب إذا زرع الخراج ضعفت عليه العشر وأخذت منه الخراج وإذا قدم المستأمن من أرض الحرب فكان على النصرانية أو المجوسية أو اليهودية فنكح وزرع فلا خراج عليه ويقال له : إن أردت المقام فصالحنا على أن تؤدي الجزية وجزيته على ما صالح عليه وإن أبى الصلح أخرج وإن غفل عنه سنة أو سنين فلا خراج عليه ولا يجب عليه الخراج إلا بصلحه ونمنعه الزرع إلا بأن يؤدي عنه ما صالح عليه وإن غفل حتى يصرمه لم يؤخذ منه شيء وإن كان المستأمن وثنيا لم يترك حتى يقيم في دار الإسلام سنة ولم تؤخذ منه جزية وإن غفل عنه حتى زرع سنة أو أكثر دفع إليه وأخرج وإن كانت المرأة مستأمنة فتزوجت في بلاد الإسلام ثم أرادت الرجوع إلى بلاد الحرب فذلك إلى زوجها إن شاء أن يدعها تركها وإن شاء أن يحبسها حبسناها له بسلطان الزوج على حبس امرأته لا يغير ذلك ومتى طلقها أو مات عنها فلها أن ترجع فإن كان لها منه ولد فليس لها أن تخرج أولاده إلى دار الحرب لأن ذمتهم ذمة أبيهم ولها أن تخرج بنفسها وإذا أبق العبد إلى بلاد العدو ثم ظهر عليهم أو أغار العدو على بلاد الإسلام فسبوا عبيدا وظهر عليهم المسلمون فاقتسموا العبيد أو لم يقتسموا فسادتهم أحق بهم بلا قيمة ولا يكون العدو يملكون على مسلم شيئا إذا لم يملك المسلم بالغلبة فالمشرك الذي هو خول للمسلم إذا قدر عليه أولى أن لا يملك على مسلم ولا يعدو المشركون فيما غلبوا عليه أن يكونوا مالكين لهم كملكهم لأموالهم فإذا كان هذا هكذا ملكوا الحر وأم الولد والمكاتب وما سوى ذلك من الرقيق والأموال ثم لم يكن لسيد واحد من هؤلاء أن [ ص: 302 ] يأخذه قبل القسمة بلا قيمة ولا بعد القسمة بقيمة كما لا يكون له أن يأخذ سائر أموال العدو أو لا يكون ملك العدو ملكا فيكون كل امرئ على أصل ملكه ومن قال : لا يملك العدو الحر ولا المكاتب ولا أم الولد ولا المدبرة وهو يملك ما سواهن فهو يتحكم ثم يزعم أنهم يملكون ملكا محالا فيقول : يملكونه وإن ظهر عليهم المسلمون فأدركه سيده قبل القسم فهو له بلا شيء وإن كان بعد القسم فهو له إن شاء بالقيمة فهؤلاء ملكوه فإن قال قائل : فهل فيما ذكرت حجة لمن قاله ؟ قيل : لا إلا شيء يروى لا يثبت مثله عند أهل الحديث عن عمر رضي الله تعالى عنه فإن قال : فهل لك حجة بأنهم لا يملكون بحال ؟ قلنا : المعقول فيه ما وصفنا وإنما الحجة على من خالفنا ولنا فيه حجة بما لا ينبغي خلافه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة وهو يروى عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه { أن قوما أغاروا فأصابوا امرأة من الأنصار وناقة للنبي صلى الله عليه وسلم فكانت المرأة والناقة عندهم ثم انفلتت المرأة فركبت الناقة فأتت المدينة فعرفت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني نذرت لئن نجاني الله عليها لأنحرنها فمنعوها أن تنحرها حتى يذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال بئسما جزيتها إن نجاك الله عليها ثم تنحريها لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم } وقالا معا أو أحدهما في الحديث وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته ( قال الشافعي ) : فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته بعدما أحرزها المشركون وأحرزتها الأنصارية على المشركين ولو كانت الأنصارية أحرزت عليهم شيئا ليس لمالك كان لها في قولنا أربعة أخماسه وخمسه لأهل الخمس وفي قول غيرنا كان لها ما أحرزت لا خمس فيه وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تملك ماله وأخذ ماله بلا قيمة أخبرنا الثقة عن مخرمة بن بكير عن أبيه لا أحفظ عمن رواه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال فيما أحرز العدو من أموال المسلمين مما غلبوا عليه أو أبق إليهم ثم أحرزه المسلمون مالكوه أحق به قبل القسم وبعده فإن اقتسم فلصاحبه أخذه من يدي من صار في سهمه وعوض الذي صار في سهمه قيمته من خمس الخمس وهكذا حر إن اقتسم ثم قامت البينة على حريته .
في الأمان .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم } قال : فإذا أمن مسلم بالغ حر أو عبد يقاتل أو لا يقاتل أو امرأة فالأمان جائز وإذا أمن من دون البالغين والمعتوه قاتلوا أو لم يقاتلوا لم نجز أمانهم وكذلك إن أمن ذمي قاتل أو لم يقاتل لم نجز أمانه وإن أمن واحد من هؤلاء فخرجوا إلينا بأمان فعلينا ردهم إلى مأمنهم ولا نعرض لهم في مال ولا نفس من قبل أنهم ليسوا يفرقون بين من في عسكرنا ممن يجوز أمانه ولا يجوز وننبذ إليهم فنقاتلهم وإذا أشار إليهم المسلم بشيء يرونه أمانا فقال أمنتهم بالإشارة فهو أمان فإن قال : لم أؤمنهم بها فالقول قوله وإن مات قبل أن يقول شيئا فليسوا بآمنين إلا أن يجدد لهم الوالي أمانا وعلى الوالي إذا مات قبل أن يبين أو قال وهو حي لم أؤمنهم أن يردهم إلى مأمنهم وينبذ إليهم قال الله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله } وقال الله عز وجل في غير [ ص: 303 ] أهل الكتاب : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } فحقن الله دماء من لم يدن دين أهل الكتاب من المشركين بالإيمان لا غيره وحقن دماء من دان دين أهل الكتاب بالإيمان أو إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون والصغار أن يجري عليهم الحكم لا أعرف منهم خارجا من هذا من الرجال { وقتل يوم حنين دريد بن الصمة ابن مائة وخمسين سنة في شجار لا يستطيع الجلوس فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر قتله } ولا أعرف في الرهبان خلاف أن يسلموا أو يؤدوا الجزية أو يقتلوا ورهبان الديارات والصوامع والمساكن سواء ولا أعرف ما يثبت عن أبي بكر رضي الله عنه خلاف هذا ولو كان يثبت لكان يشبه أن يكون أمرهم بالجد على قتال من يقاتلهم وأن لا يتشاغلوا بالمقام على صوامع هؤلاء كما يؤمرون أن لا يقيموا على الحصون وأن يسيحوا لأنها تشغلهم وأن يسيحوا لأن ذلك أنكى للعدو وليس أن قتال أهل الحصون محرم عليهم وذلك أن مباحا لهم أن يتركوا ولا يقتلوا كان التشاغل بقتال من يقاتلهم أولى بهم وكما يروى عنه أنه نهى عن قطع الشجر المثمر ولعله لا يرى بأسا بقطع الشجر المثمر لأنه قد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع الشجر المثمر على بني النضير وأهل خيبر والطائف وحضره يترك وعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وعد بفتح الشام فأمرهم بترك قطعه لتبقى لهم منفعته إذ كان واسعا لهم ترك قطعه وتسبى نساء الديارات وصبيانهم وتؤخذ أموالهم ( قال الشافعي ) : ويقتل الفلاحون والأجراء والشيوخ الكبار حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية . .
المسلم أو الحربي يدفع إليه الحربي مالا وديعة .

( قال الشافعي ) رضي الله عنه : وأموال أهل الحرب مالان : فمال يغصبون عليه ويتمول عليهم فسواء من غصبه عليهم من مسلم أو حربي منهم أو من غيرهم وإذا أسلموا معا أو بعضهم قبل بعض لم يكن على الغاصب لهم أن يرد عليهم من ذلك شيئا لأن أموالهم كانت مباحة غير ممنوعة بإسلامهم ولا ذمتهم ولا أمان لهم ولا لأموالهم من خاص ولا عام ، ومال له أمان وما كان من المال له أمان فليس للذي أمن صاحبه عليه أن يأخذه منه بحال وعليه أن يرده فلو أن رجلا من أهل الحرب أودع مسلما أو حربيا في دار الحرب أو في بلاد الإسلام وديعة وأبضع منه بضاعة فخرج المسلم من بلاد الحرب إلى بلاد الإسلام أو الحربي فأسلم كان عليهما معا أن يؤديا إلى الحربي ماله كما يكون علينا لو أمناه على ماله أن لا نعرض لماله الوديعة إذا أودعنا أو أبضع معنا فذلك أمان منه لنا ومثل أمانه على ماله أو أكثر وهكذا الدين .
في الأمة يسبيها العدو .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في الأمة للمسلم يسبيها العدو فيطؤها رجل منهم فتلد له أولادا ويولد لأولادها أولاد فيتناتجون ثم يظهر عليهم المسلمون فإنه يأخذها سيدها وأولادها الذين ولدتهم من [ ص: 304 ] الرجال والنساء وننظر إلى أولاد أولادها فنأخذ بني بناتها ولا نأخذ بني بنيها من قبل أن الرق إنما يكون بالأم لا بالأب كما ينكح الحر الأمة فيكون ولده رقيقا وكما ينكح العبد الحرة فيكون ولده كلهم أحرارا .
في العلج يدل على القلعة على أن له جارية سماها .

( قال الشافعي ) : رضي الله عنه في علج دل قوما من المسلمين على قلعة على أن يعطوه جارية سماها فلما انتهوا إلى القلعة صالح صاحب القلعة على أن يفتحها لهم ويخلوا بينه وبين أهله ففعل فإذا أهله تلك الجارية فأرى أن يقال للدليل إن رضيت العوض عوضناك قيمتها وإن لم ترض العوض فقد أعطينا ما صالحناك عليه غيرك فإن رضي العوض أعطيه وتم الصلح وإن لم يرض العوض قيل لصاحب القلعة : قد صالحنا هذا على شيء صالحناك عليه بجهالة منا به فإن سلمت إليه عوضناك منه وإن لم تسلمه إليه نبذنا إليك وقاتلناك وإن كانت الجارية قد أسلمت قبل أن يظفر بها فلا سبيل إليها ويعطى قيمتها وإن ماتت عوض منها بالقيمة ولا يبين في الموت كما يبين إذا أسلمت
في الأسير يكره على الكفر .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في الأسير يكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان : لا تبين منه امرأته وإن تكلم بالشرك ولا يحرم ميراثه من المسلمين ولا يحرمون ميراثهم منه إذا علم أنه إنما قال ذلك مكرها وعلمهم ذلك أن يقول قبل قوله أو مع قوله أو بعد قوله : إني إنما قلت ذلك مكرها ، وكذلك ما أكرهوا عليه من غير ضر أحد من أكل لحم الخنزير أو دخول كنيسة ففعل وسعه ذلك وأكره له أن يشرب الخمر لأنها تمنعه من الصلاة ومعرفة الله إذا سكر ولا يبين أن ذلك محرم عليه وإذا وضع عنه الشرك بالكره وضع عنه ما دونه مما لا يضر أحدا ولو أكرهوه على أن يقتل مسلما لم يكن له أن يقتله .
( قال الشافعي ) : رضي الله عنه في رجل أسر فتنصر وله امرأة فمر به قوم من المسلمين فأشرف عليهم وهو في الحصن فقال : إنما تنصرت بلساني وأنا أصلي إذا خلوت فهذا مكره ولا تبين منه امرأته .
النصراني يسلم في وسط السنة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أسلم الذمي قبل حلول وقت الجزية سقطت عنه وإن أسلم بعد حلولها فهي عليه .
( قال الشافعي ) : رضي الله عنه كل من خالف الإسلام من أهل الصوامع وغيرهم ممن دان دين أهل الكتاب فلا بد من السيف أو الجزية .
( قال الشافعي ) رحمه الله : كل شيء بيع وفيه فضة مثل السيف والمنطقة والقدح والخاتم والسرج فلا يباع حتى تخلع الفضة فتباع الفضة بالفضة ويباع السيف على حدة ويباع ما كان عليه من فضة بالذهب ولا يباع بالفضة . .
[ ص: 305 ] الزكاة في الحلية من السيف وغيره .

( قال الشافعي ) رضي الله عنه : الخاتم يكون للرجل من فضة والحلية للسيف لا زكاة عليه في واحد منهما في قول من رأى أن لا زكاة في الحلي وإن كانت الحلية لمصحف أو كان الخاتم لرجل من ذهب لم تسقط عنه الزكاة ولولا أنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم بخاتم فضة وأنه كان في سيفه حلية فضة ما جاز أن يترك الزكاة فيه من رأى أن لا زكاة في الحلي لأن الحلي للنساء لا للرجال .
العبد يأبق إلى أرض الحرب .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا أبق العبد إلى بلاد العدو كافرا كان أو مسلما سواء لأنه على ملك سيده وأنه لسيده قبل المقاسم وبعدها وإن كان مسلما فارتد فكذلك غير أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
في السبي .

( قال الشافعي ) رضي الله عنه : وإذا سبي النساء والرجال والولدان ثم أخرجوا إلى دار الإسلام فلا بأس ببيع الرجال من أهل الحرب وأهل الصلح والمسلمين قد فادى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرى فرجعوا إلى مكة وهم كانوا عدوه وقاتلوه بعد فدائهم ومن عليهم وقاتلوه بعد المن عليهم وفدى رجلا برجلين فكذلك لا بأس ببيع السبي البوالغ من أهل الحرب والصلح ومن كان من الولدان مع أحد أبويه فلا بأس أن يباع من أهل الحرب والصلح ولا يصلى عليه إن مات قد باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي بني قريظة من أهل الحرب والصلح فبعث بهم أثلاثا ، ثلثا إلى نجد وثلثا إلى تهامة وهؤلاء مشركون أهل أوثان وثلثا إلى الشام وأولئك مشركون فيهم الوثني وغير الوثني وفيهم الولدان مع أمهاتهم ولم أعلم منهم أحدا كان خليا من أمه فإذا كان مولود خليا من أمه لم أر أن يباع إلا من مسلم وسواء كان السبي من أهل الكتاب أو من غير أهل الكتاب لأن بني قريظة كانوا أهل كتاب ومن وصفت أن النبي صلى الله عليه وسلم من عليهم كانوا من أهل الأوثان وقد من على بعض أهل الكتابين فلم يقتل ، وقتل أعمى من بني قريظة بعد الإسار وهذا يدل على قتل من لا يقاتل من الرجال البالغين إذا أبى الإسلام أو الجزية . قال : ويقتل الأسير بعد وضع الحرب أوزارها وقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعد انقطاع الحرب بينه وبين من قتل في ذلك الأسر وكذلك يقتل كل مشرك بالغ إذا أبى الإسلام أو الجزية وإذا دعا الإمام الأسير إلى الإسلام فحسن وإن لم يدعه وقتله فلا بأس ، وإذا قتل الرجل الأسير قبل بلوغ الإمام وبعده في دار الحرب وبعد الخروج منها بغير أمر الإمام فقد أساء ولا عزم عليه من قبل أنه لما كان للإمام أن يرسله ويقتله ويفادي به كان حكمه غير حكم الأموال التي ليس للإمام إلا إعطاؤها من أوجف عليها ولكنه لو قتل طفلا أو امرأة عوقب وغرم أثمانهما ، ولو استهلك مالا غرم ثمنه ، وإذا سيق السبي فأبطئوا أوجفوا ولا محمل لهم بحال فإن شاءوا قتلوا الرجال وإن شاءوا تركوهم وكذلك إن خيفوا وليس لهم قتل النساء ولا الولدان بحال ولا قتل شيء من البهائم إلا ذبحا [ ص: 306 ] لمأكله لا غيره لا فرس ولا غيره ، فإن اتهم الإمام الذي يسوق السبي أحلفه ولا شيء عليه ، وإذا جنت الجارية من السبي جناية لم يكن للإمام أن يمنعها من المجني عليه ولا يفديها من مال الجيش وعليه أن يبيعها بالجناية فإن كان ثمنها أقل من الجناية أو مثلها دفعه إلى المجني عليه وإن كان أكثر فليست له الزيادة على أرش جنايته والزيادة لأهل العسكر ، وإن كان معها مولود صغير وولدت بعدما جنت وقبل تباع بيعت ومولودها وقسم الثمن عليهما فما أصابها كان للمجني عليه كما وصفت وما أصاب ولدها فلجماعة الجيش لأنه ليس للجاني قال : والبيع في أرض الحرب جائز فمن اشترى شيئا من المغنم ثم خرج فلقيه العدو فأخذوه منه فلا شيء له وكان ينبغي للوالي أن يبعث مع الناس من يحوطهم ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : يجزئ في الرقاب الواجبة المولود على الإسلام الصغير وولد الزنا والله أعلم .

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #188  
قديم 25-10-2022, 05:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (188)
صــــــــــ 299 الى صـــــــــــ313





العدو يغلقون الحصون على النساء والأطفال والأسرى هل ترمى الحصون بالمنجنيق ؟ .

( قال الشافعي ) رضي الله تعالى عنه : إذا كان في حصن المشركين نساء وأطفال وأسرى مسلمون فلا بأس بأن ينصب المنجنيق على الحصن دون البيوت التي فيها الساكن إلا أن يلتحم المسلمون قريبا من الحصن فلا بأس أن ترمى بيوته وجدرانه فإذا كان في الحصن مقاتلة محصنون رميت البيوت والحصون ، وإذا تترسوا بالصبيان المسلمين أو غير المسلمين والمسلمون ملتحمون فلا بأس أن يعمدوا المقاتلة دون المسلمين والصبيان وإن كانوا غير ملتحمين أحببت له الكف عنهم حتى يمكنهم أن يقاتلوهم غير متترسين ، وهكذا إن أبرزوهم فقالوا : إن رميتمونا وقاتلتمونا قاتلناهم ، والنفط والنار مثل المنجنيق وكذلك الماء والدخان .
في قطع الشجر وحرق المنازل .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا بأس بقطع الشجر المثمر وتخريب العامر وتحريقه من بلاد العدو وكذلك لا بأس بتحريق ما قدر لهم عليه من مال وطعام لا روح فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وأهل خيبر وأهل الطائف وقطع فأنزل الله عز وجل في بني النضير { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها } الآية فأما ماله روح فإنه يألم مما أصابه فقتله محرم إلا بأن يذبح فيؤكل ولا يحل قتله لمغايظة العدو لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عنها قيل : وما حقها يا رسول الله قال : يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي به } ولا يحرق نحلا ولا يغرق لأنه له روح وإذا كان المسلمون أسرى أو مستأمنين في دار الحرب فقتل بعضهم بعضا أو قذف بعضهم بعضا أو زنوا بغير حربية فعليهم في هذا كله الحكم كما يكون عليهم لو فعلوه في بلاد الإسلام إنما يسقط عنهم لو زنى أحدهم بحربية إذا ادعى الشبهة ، ولا تسقط دار الحرب .

[ ص: 307 ] عنهم فرضا كما لا تسقط عنهم صوما ولا صلاة ولا زكاة والحدود فرض عليهم كما هذه فرض عليهم ، قال : وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم عليه حدا لله عز وجل فلو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا الحد عليه أبدا لأنه يمكنه من كل موضع أن يلحق بدار الحرب والعلة أن يلحق بدار الحرب فيعطل عنه الحد إبطالا لحكم الله عز وجل ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلة جهالة وغيا قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه وإذا أصاب المسلم نفسه بجرح خطأ فلا يكون له عقل على نفسه ولا على عاقلته ولا يضمن المرء ما جنى على نفسه وقد يروى أن رجلا من المسلمين ضرب رجلا من المشركين في غزاة أظنها خيبر بسيف فرجع السيف عليه فأصابه فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل له النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عقلا وإذا نصب القوم المنجنيق فرموا بها فرجع الحجر على أحدهم فقتله فديته على عواقل الذين رموا بالمنجنيق فإن كان ممن رمى به معهم رفعت حصته من الدية وذلك أن يكونوا عشرة هو عاشرهم فجناية العشر على نفسه مرفوعة عن نفسه وعاقلته ولا يضمن هو ولا عاقلته عما جنى على نفسه وعلى عواقلهم تسعة أعشار ديته وعلى الرامين الكفارة ولا يكون كفارة ولا عقل على من سددهم وأرشدهم وأمرهم حيث يرمون لأنه ليس بفاعل شيئا إنما تكون الكفارة والدية على الذين كان بفعلهم القتل وتحمل العاقلة كل شيء كان من الخطأ ولو كان درهما أو أقل منه إذا حملت الأكثر حملت الأقل وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم على العاقلة بدية الجنين وإذا دخل المسلم دار الحرب مستأمنا فأدان دينا من أهل الحرب ثم جاءه الحربي الذي أدانه مستأمنا قضيت عليه بدينه كما أقضي به للمسلم والذمي في دار الإسلام لأن الحكم جار على المسلم حيث كان لا نزيل الحق عنه بأن يكون بموضع من المواضع كما لا تزول عنه الصلاة أن يكون بدار الشرك فإن قال رجل : الصلاة فرض فكذلك أداء الدين فرض ولو كان المتداينان حربيين فاستأمنا ثم تطالبا ذلك الدين فإن رضيا حكمنا فليس علينا أن نقضي لهما بالدين حتى نعلم أنه من حلال فإذا علمنا أنه من حلال قضينا لهما به وكذلك لو أسلما فعلمنا أنه حلال قضينا لهما به إذا كان كل واحد منهما مقرا لصاحبه بالحق لا غاصب له عليه فإن كان غصبه عليه في دار الحرب لم أتبعه بشيء لأني أهدر عنهم ما تغاصبوا به فإن قال قائل : ما دل على أنك تقضي له به إذا لم يغصبه ؟ قيل له : أبى أهل الجاهلية في الجاهلية ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تبارك وتعالى { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } وقال في سياق الآية { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم } فلم يبطل عنهم رءوس أموالهم إذا لم يتقابضوا وقد كانوا مقرين بها ومستيقنين في الفضل فيها فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ما أصابوا من دم أو مال لأنه كان على وجه الغصب لا على وجه الإقرار به وإذا أحصن الذميان ثم زنيا ثم تحاكما إلينا رجمناهما وكذلك لو أسلما بعد إحصانهما ثم زنيا مسلمين رجمناهما إذا عددنا إحصانهما وهما مشركان إحصانا نرجمهما به فهو إحصان بعد إسلامهما ولا يكون إحصانا مرة وساقطا أخرى والحد على المسلم أوجب منه على الذمي وإذا أتيا جميعا فرضي أحدهما ولم يرض الآخر حكمنا على الراضي بحكمنا وأي رجل أصاب زوجة صحيحة النكاح حرة ذمية أو أمة مسلمة وهو حر بالغ فهو محصن وكذلك الحرة المسلمة يصيبها المسلم وكذلك الحرة الذمية يصيبها الزوج المسلم أو الذمي إنما الإحصان الجماع بالنكاح لا غيره فمتى وجدنا جماعا بنكاح صحيح فهو إحصان للحر منهما وإذا دخل الرجل دار الحرب فوجد في أيديهم أسرى رجالا ونساء من المسلمين [ ص: 308 ] فاشتراهم وأخرجهم من دار الحرب وأراد أن يرجع عليهم بما أعطى لم يكن ذلك له وكان متطوعا بالشراء لما ليس يباع من الأحرار فإن كانوا أمروه بشرائهم رجع عليهم بما أعطى فيهم من قبل أنه أعطى بأمرهم وكذلك قال بعض الناس ثم رجع فنقض قوله فزعم أن رجلا لو دخل بلاد الحرب وفي أيديهم عبد لرجل اشتراه بغير أمر الرجل ولا العبد كان له إلا أن يشاء سيد العبد أن يعطيه ثمنه وهذا خلاف قوله الأول إذا زعم أن المشتري غير مأمور متطوع لزمه أن يزعم أن هذا العبد لسيده ولا يرجع على سيده بشيء من ثمنه وهكذا نقول في العبد كما نقول في الحر لا يختلفان وإنما غلط فيه من قبل أنه يزعم أن المشركين يملكون على المسلمين وأنه اشتراه مالك من مالك ويدخل عليه في هذا الموضع أنه لا يكون عليه رده إلى سيده لأنه اشتراه مالك من مالك وكذلك لو كان الذمي اشتراه وإذا أسرت المسلمة فنكحها بعض أهل الحرب أو وطئها بلا نكاح ثم ظهر عليها المسلمون لم تسترق هي ولا ولدها لأن أولادها مسلمون بإسلامها فإن كان لها زوج في دار الإسلام لم يلحق به هذا الولد ولحق بالناكح المشرك وإن كان نكاحه فاسدا لأنه نكاح شبهة وإذا دخل المستأمن بلاد الإسلام فقتله مسلم عمدا فلا قود عليه وعليه الكفارة في ماله وديته فإن كان يهوديا أو نصرانيا فثلث دية المسلم وإن كان مجوسيا أو وثنيا فهو كالمجوسي فثمانمائة درهم في ماله حالة فإن قتله خطأ فديته على عاقلته وعليه الكفارة في ماله أخبرنا فضيل بن عياض عن منصور عن ثابت الحداد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في اليهودي والنصراني أربعة آلاف وفي المجوسي ثمانمائة درهم أخبرنا ابن عيينة عن صدقة بن يسار قال : أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن دية اليهودي والنصراني قال : قضى فيه عثمان بن عفان بأربعة آلاف فإن كان مع هذا المستأمن المقتول مال رد إلى ورثته كما يرد مال المعاهد إلى ورثته إذا كان الدم ممنوعا بالإسلام والأمان فالمال ممنوع بذلك وإذا دخل المسلم أو الذمي دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم يشتري لهم به شيئا فأما ما مع المسلمين فلا نعرض له ويرد على أهله من أهل دار الحرب لأن أقل ما فيه أن يكون خروج المسلم به أمانا للكافر فيه وإذا استأمن العبد من المشركين على أن يكون مسلما ويعتق فذلك للإمام أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصار ثقيف من نزل إليه من عبد فأسلم فشرط لهم أنهم أحرار فنزل إليه خمسة عشر عبدا من عبيد ثقيف فأعتقهم ثم جاء سادتهم بعدهم مسلمين فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردهم إليهم فقال : هم أحرار لا سبيل عليهم ولم يردهم وإذا وجد الرجل من أهل الحرب على قارعة الطريق بغير سلاح وقال : جئت رسولا مبلغا قبل منه ولم نعرض له فإن ارتيب به أحلف فإذا حلف ترك وهكذا لو كان معه سلاح وكان منفردا ليس في جماعة يمتنع مثلها لأن حالهما جميعا يشبه ما ادعيا ومن ادعى شيئا يشبه ما قال لا يعرف بغيره كان القول قوله مع يمينه وإذا أتى الرجل من أهل الشرك بغير عقد عقد له المسلمون فأراد المقام معهم فبهذه الدار لا تصلح إلا لمؤمن أو معطي جزية فإن كان من أهل الكتاب قيل له : إن أردت المقام فأد الجزية وإن لم ترده فارجع إلى مأمنك فإن استنظر فأحب إلي أن لا ينظر إلا أربعة أشهر من قبل أن الله عز وجل جعل للمشركين أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر وأكثر ما يجعل له أن لا يبلغ به الحول لأن الجزية في الحول فلا يقيم في دار الإسلام مقام من يؤدي الجزية ولا يؤديها وإن كان من أهل الأوثان فلا تؤخذ منه الجزية بحال عربيا كان أو أعجميا ولا ينظرا إلا كإنظار هذا وذلك دون الحول [ ص: 309 ] وإذا دخل قوم من المشركين بتجارة ظاهرين فلا سبيل عليهم لأن حال هؤلاء حال من لم يزل يؤمن من التجار وإذا دخل الحربي دار الإسلام مشركا ثم أسلم قبل يؤخذ فلا سبيل عليه ولا على ماله ولو كان جماعة من أهل الحرب ففعلوا هذا كان هذا هكذا ولو قاتلوا ثم أسروا فأسلموا بعد الإسار فهم فيء وأموالهم ولا سبيل على دمائهم للإسلام فإذا كان هذا ببلاد الحرب فأسلم رجل في أي حال ما أسلم فيها قبل أن يؤسر أحرز له إسلامه دمه ولم يكن عليه رق وهكذا إن صلى فالصلاة من الإيمان أمسك عنه فإن زعم أنه مؤمن فقد أحرز ماله ونفسه وإن زعم أنه صلى صلاته وأنه على غير الإيمان كان فيئا إن شاء الإمام قتله وحكمه حكم أسرى المشركين .
الحربي إذا لجأ إلى الحرم .

( قال الشافعي ) رضي الله عنه : ولو أن قوما من أهل دار الحرب لجئوا إلى الحرم فكانوا ممتنعين فيه أخذوا كما يؤخذون في غير الحرم فنحكم فيهم من القتل وغيره كما نحكم فيمن كان في غير الحرم فإن قال قائل : وكيف زعمت أن الحرم لا يمنعهم وقد { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة : هي حرام بحرمة الله لم تحلل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحلل لي إلا ساعة من نهار } وهل ساعتها هذه محرمة ؟ قيل : إنما معنى ذلك والله أعلم أنها لم تحلل أن ينصب عليها الحرب حتى تكون كغيرها فإن قال : ما دل على ما وصفت ؟ قيل : أمر النبي صلى الله عليه وسلم عندما قتل عاصم بن ثابت وخبيب وابن حسان بقتل أبي سفيان في داره بمكة غيلة إن قدر عليه . وهذا في الوقت الذي كانت فيه محرمة فدل على أنها لا تمنع أحدا من شيء وجب عليه وأنها إنما يمنع أن ينصب عليها الحرب كما ينصب على غيرها والله أعلم .
الحربي يدخل دار الإسلام بأمان ويشتري عبدا مسلما .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان فاشترى عبدا مسلما فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين أن يكون الشراء مفسوخا وأن يكون على ملك صاحب الأول أو يكون الشراء جائزا وعليه أن يبيعه فإن لم يظهر عليه حتى يهرب به إلى دار الحرب ثم أسلم عليه فهو له إن باعه أو وهبه فبيعه وهبته جائزة ولا يكون حرا بإدخاله إياه دار الحرب ولا يعتق بالإسلام إلا في موضع وهو أن يخرج من بلاد الحرب مسلما كما أعتق النبي صلى الله عليه وسلم من خرج من حصن ثقيف مسلما . فإن قال قائل : أفرأيت إن ذهبنا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعتقهم بالإسلام دون الخروج من بلاد الحرب قيل له : قد جاء النبي صلى الله عليه وسلم عبد مسلم ثم جاءه سيده يطلبه فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم منه بعبدين ولو كان ذلك يعتقه لم يشتر منه حرا ولم يعتقه هو بعد ولكنه أسلم غير خارج من بلاد منصوب عليها حرب .
[ ص: 310 ] عبد الحربي يسلم في بلاد الحرب

( قال الشافعي ) رضي الله عنه : ولو أسلم عبد الحربي في دار الحرب ولم يخرج منها حتى ظهر المسلمون عليها كان رقيقا محقون الدم بالإسلام .
الغلام يسلم .

( قال الشافعي ) رضي الله عنه : وإذا أسلم الغلام العاقل قبل أن يحتلم أو يبلغ خمس عشرة سنة وهو الذمي ووصف الإسلام كان أحب إلي أن يبيعه وأن يباع عليه والقياس أن لا يباع عليه حتى يصف والإسلام بعد الحلم أو بعد استكمال خمس عشرة سنة فيكون في السن التي لو أسلم ثم ارتد بعدها قتل . وإنما قلت : أحب إلي أن يباع عليه قياسا على من أسلم من عبيده أجبره على بيعه وهو لم يصف الإسلام وإنما جعلته مسلما بحكم غيره فكأنه إذا وصف الإسلام وهو يعقله في مثل ذلك المعنى أو أكثر منه وإن كان قد يخالفه فيحتمل الأول أن يكون قياسا كان صحيحا وهذا قياس فيه شبهة .
في المرتد .

( قال الشافعي ) رحمة الله عليه : وإذا ارتد الرجل عن الإسلام ولحق بدار الحرب أو هرب فلم يدر أين هو أو خرس أو عته أوقفنا ماله فلم نقض فيه بشيء وإن لم يسلم قبل انقضاء عدة امرأته بانت منه وأوقفنا أمهات أولاده ومدبريه وجميع ماله وبعنا من رقيقه ما لا يرد عليه وما كان بيعه نظرا له ولم يحلل من ديونه المؤجلة شيء فإن رجع إلى الإسلام دفعنا إليه ماله كما كان بيده قبل ما صنع فإن مات قبل الإسلام فماله فيء يخمس فتكون أربعة أخماسه للمسلمين وخمسه لأهل الخمس . فإن زعم بعض ورثته أنه قد أسلم قبل أن يموت كلف البينة فإن جاء بها أعطي ماله ورثته من المسلمين وإن لم يأت بها وقد علمت منه الردة فماله فيء ، وإن قدم ليقتل فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وقتله بعض الولاة الذين لا يرون أن يستتاب بعض المرتدين فميراثه لورثته المسلمين وعلى قاتله الكفارة والدية ولولا الشبهة لكان عليه القود وقد خالفنا في هذا بعض الناس وقد كتبناه في كتاب المرتد وإذا عرضت الجماعة لقوم من مارة الطريق وكابروهم بالسلاح فإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا ، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض ونفيهم أن يطلبوا فينفوا من بلد إلى بلد فإذا ظفر بهم أقيمت عليهم أي هذه الحدود كان حدهم ولا يقطعون حتى يبلغ قدر ما أخذ كل واحد منهم ربع دينار فإن تابوا من قبل أن يقدر عليهم سقط عنهم ما لله من هذه الحدود ولزمهم ما للناس من مال أو جرح أو نفس حتى يكونوا يأخذونه أو يدعونه فإن كانت منهم جماعة ردءا لهم حيث لا يسمعون الصوت أو يسمعونه عزروا ولم يصنع بهم شيء من هذه الحدود . ولا يحد ممن حضر المعركة إلا من فعل [ ص: 311 ] هذا لأن الحد إنما هو بالفعل لا بالحضور ولا التقوية . وسواء كان هذا الفعل في قرية أو صحراء ولو أعطاهم السلطان أمانا على ما أصابوا كان ما أعطاهم عليه الأمان من حقوق الناس باطلا ولزمه أن يأخذ لهم حقوقهم إلا أن يدعوها ولو فعلوا غير مرتدين عن الإسلام . ثم ارتدوا عن الإسلام بعد فعلهم ثم تابوا أقيمت عليهم تلك الحدود لأنهم فعلوها وهم ممن تلزمهم تلك الحدود ولو كانوا ارتدوا عن الإسلام قبل فعل هذا ثم فعلوه مرتدين ثم تابوا لم نقم عليهم شيئا من هذا لأنهم فعلوه وهم مشركون ممتنعون قد ارتد طليحة فقتل ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن بيده ثم أسلم فلم يقد منه ولم يعقل لأنه فعل ذلك في حال الشرك ولا تباعة عليه في الحكم إلا أن يوجد مال رجل بعينه في يديه فيؤخذ منه ، ولو كانوا ارتدوا ثم فعلوا هذا ثم تابوا ثم فعلوا مثله أقيمت عليهم الحدود في الفعل الذي فعلوه وهم مسلمون ولم تقم عليهم في الفعل الذي فعلوه وهم مشركون ( قال ) وللشافعي قول آخر في موضع آخر إذا ارتد عن الإسلام ثم قتل مسلما ممتنعا وغير ممتنع قتل به وإن رجع إلى الإسلام لأن المعصية بالردة إن لم تزده شرا لم تزده خيرا فعليه القود ( قال الربيع ) : قياس قول الشافعي أنه إذا سرق العبد من المغنم فبلغت سرقته تمام سهم حر وأكثر فكان ربع دينار وأكثر أنه يقطع لأنه يزعم أنه لا يبلغ بالرضخ للعبد سهم رجل فإذا بلغ سهم رجل والذي بلغه بعد سهم رجل ربع دينار أو أكثر من السهم بربع قطع ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ارتد العبد عن الإسلام ولحق بدار الحرب ثم أمنه الإمام على أن لا يرده إلى سيده فأمانه باطل وعليه أن يدفعه إلى سيده فلو حال بينه وبين سيده بعد وصوله إليه فمات في يديه ضمن لسيده قيمته وكان كالغاصب وإن لم يمت كان لسيده عليه أجرته في المدة التي حبسه عنه فيها ، وإذا ضرب الرجل بالسيف ضربة يكون في مثلها قصاص اقتص منه وإن لم يكن فيها قصاص فعليه الأرش ، ولا تقطع يد أحد إلا السارق وقد ضرب صفوان بن المعطل حسان بن ثابت بالسيف ضربا شديدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقطع صفوان وعفا حسان بعد أن برأ فلم يعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان وهذا يدل أن لا عقوبة على من كان عليه قصاص فعفي عنه في دم ولا جرح وإلى الوالي قتل من قتل على المحاربة لا ينتظر به ولي المقتول ، وقد قال بعض أصحابنا ذلك قال : ومثله الرجل يقتل الرجل من غير نائرة واحتج لهم بعض من يذهب مذاهبهم بأمر المحدر بن زياد ولو كان حديثه مما نثبته قلنا به فإن ثبت فهو كما قالوا ولا أعرفه إلى يومي هذا ثابتا وإن لم يثبت فكل مقتول قتله غير المحارب فالقتل فيه إلى ولي المقتول من قبل أن الله جل وعلا يقول { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } وقال عز وجل { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف } فبين في حكم الله عز وجل أنه جعل العفو أو القتل إلى ولي الدم دون السلطان إلا في المحارب فإنه قد حكم في المحاربين أن يقتلوا أو يصلبوا فجعل ذلك حكما مطلقا لم يذكر فيه أولياء الدم . وإذا كان ممن قطع الطريق من أخذ المال ولم يقتل وكان أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى والحكم الأولى في يده اليمنى ورجله اليسرى ما بقي منهما شيء لا يتحول إلى غيرهما فإذا لم يبق منهما شيء يكون فيه حكم تحول الحكم إلى الطرفين الآخرين فكان فيهما ولا نقطع قطاع الطريق إلا فيما تقطع فيه السراق وذلك ربع دينار يأخذه كل واحد منهم فصاعدا أو قيمته وقطع الطريق بالعصا والرمي بالحجارة مثله بالسلاح من الحديد وإذا عرض اللصوص لقوم فلا حد إلا في [ ص: 312 ] فعل وإن اختلفت أفعالهم فحدودهم بقدر أفعالهم من قتل منهم وأخذ المال قتل وصلب ومن قتل منهم ولم يأخذ مالا قتل ولم يصلب ومن أخذ المال قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف ومن كثر جماعتهم ولم يفعل شيئا من هذا قاسمهم ما أصابوا أو لم يقاسمهم عزر وحبس وليس لأولياء الذين قتلهم قطاع الطريق عفو لأن الله جل وعز حدهم بالقتل أو القتل والصلب أو القطع ولم يذكر الأولياء كما ذكرهم في القصاص في الآيتين فقال عز وجل { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } وقال في الخطأ { فدية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا } وذكر القصاص في القتلى ثم قال عز وجل { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف } فذكر في الخطأ والعمد أهل الدم ولم يذكرهم في المحاربة فدل على أن حكم قتل المحارب مخالف لحكم قتل غيره والله أعلم .
( قال الشافعي ) : كل ما استهلك المحارب أو السارق من أموال الناس فوجد بعينه أخذ وإن لم يوجد بعينه فهو دين عليه يتبع به قال : وإن تاب المحاربون من قبل أن نقدر عليهم سقط عنهم ما لله عز وجل من الحد ولزمهم ما للناس من حق فمن قتل منهم دفع إلى أولياء المقتول فإن شاء عفا وإن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية حالا من مال القاتل ومن جرح منهم جرحا فيه قصاص فالجروح بين خيرتين إن أحب فله القصاص وإن أحب فله عقل الجروح فإن كان فيهم عبد فأصاب دما عمدا فولي الدم بالخيار بين أن يقتله أو يباع له فتؤدى إليه دية قتله إن كان حرا وإن كان عبدا فقيمة قتيله فإن فضل من ثمنه شيء رد إلى مالكه فإن عجز عن الدية لم يضمن مالكه شيئا وإن كان كفافا للدية فهو لولي القتيل إلا أن يشاء مالك العبد إذا عفا له عن القصاص أن يتطوع بدية الذي قتله عبده أو قيمته وإذا كانت في المحاربين امرأة فحكمها حكم الرجال لأني وجدت أحكام الله عز وجل على الرجال والنساء في الحدود واحدة قال الله تبارك وتعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } وقال { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ولم يختلف المسلمون في أن تقتل المرأة إذا قتلت وإذا أحدث المسلم حدثا في دار الإسلام فكان مقيما بها ممتنعا أو مستخفيا أو لحق بدار الحرب فسأل الأمان على إحداثه فإن كان فيها حقوق للمسلمين لم ينبغ للإمام أن يؤمنه عليها ولو أمنه عليها فجاء طالبها وجب عليه أن يأخذه بها وإن كان ارتد عن الإسلام فأحدث بعد الردة ثم استأمن أو جاء مؤمنا سقط عنه جميع ما أحدث في الردة والامتناع قد ارتد طليحة عن الإسلام وثنيا وقتل ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن ثم أسلم فلم يقد بواحد منهما ولم يؤخذ منه عقل لواحد منهما وإنما أمر الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام فقال { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه } ولم أعلم بذلك في أحد من أهل الإسلام فإن قال قائل : فلم لا تجعل ذلك في أهل الإسلام الممتنعين كما تجعله في المشركين الممتنعين ؟ قيل : لما وصفنا من سقوط ما أصاب المشرك في شركه وامتناعه من دم أو مال عنه وثبوت ما أصاب المسلم في امتناعه مع إسلامه فإن الحدود إنما هي على المؤمنين لا على المشركين ووجدت الله عز وجل حد المحاربين وهم ممتنعون كما حد غيرهم وزادهم في الحد بزيادة ذنبهم ولم يسقط عنهم بعظم الذنب شيئا كما أسقط عن المشركين وإذا أبق العبد من سيده ولحق بدار الحرب ثم استأمن الإمام على أن لا يرده على سيده فعليه أن يرده على سيده وكذلك لو قال على أنك حر كان أن يرده إلى سيده وأمان الإمام في حقوق الناس باطل وإذا قطع الرجل الطريق على رجلين أحدهما أبوه أو ابنه وأخذ المال فإن كان ما أخذ من حصة الذي ليس بأبيه يبلغ ربع دينار فصاعدا قطع كان مالهما مختلطا أو لم يكن لأن أحدهما لا يملك بمخالطته مال غيره إلا مال نفسه فإن استيقنا أن قد وصل إليه ربع دينار من غير مال أبيه أو ابنه قطعناه وإذا قطع أهل الذمة . [ ص: 313 ] على المسلمين

حدوا حدود المسلمين وإذا قطع المسلمون على أهل الذمة حدوا حدودهم لو قطعوا على المسلمين إلا أني أتوقف في أن أقتلهم إن قتلوا أو أضمنهم الدية وإذا سرق الرجل من المغنم وقد حضر القتال - عبدا كان أو حرا - لم يقطع لأن لكل واحد منهما فيه نصيب الحر بسهمه والعبد بما يرضخ له ويضمن وكذلك كل من سرق من بيت المال وكذلك كل من سرق من زكاة الفطر وهو من أهل الحاجة ومن سرق خمرا من كتابي وغيره فلا غرم عليه ولا قطع وكذلك إن سرق ميتة من مجوسي فلا قطع ولا غرم لا يكون القطع والغرم إلا فيما يحل ثمنه فإذا بلغت قيمة الظرف ربع دينار قطعته من قبل أنه سارق لشيئين وعاء يحل بيعه والانتفاع به إذا غسل وخمر قد سقط القطع فيها كما يكون عليه القطع لو سرق شاتين : إحداهما ذكية والأخرى ميتة وكانت قيمة الذكية ربع دينار لم يسقط عنه القطع أن يكون معها ميتة والميتة كلا شيء وكأنه منفرد بالذكية لأنه سارق لهما ، والله أعلم .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #189  
قديم 25-10-2022, 05:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (189)
صــــــــــ 3 الى صـــــــــــ10




بسم الله الرحمن الرحيم
[ ص: 3 ] كتاب النكاح ما يحرم الجمع بينه
( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } قال : فلا يحل الجمع بين الأختين بحال من نكاح ولا ملك يمين لأن الله تبارك وتعالى أنزله مطلقا فلا يحرم من الحرائر شيء إلا حرم من الإماء بالملك مثله إلا العدد فإن الله تبارك وتعالى انتهى بالحرائر إلى أربع وأطلق الإماء فقال عز ذكره { أو ما ملكت أيمانكم } لم ينته بذلك إلى عدد ( أخبرنا ) ابن عيينة عن مطرف عن أبي الجهم عن أبي الأخضر عن عمارة أنه كره من الإماء ما كره من الحرائر إلا العدد أخبرنا سفيان عن هشام بن حسان وأيوب عن ابن سيرين قال : قال ابن مسعود : يكره من الإماء ما يكره من الحرائر إلا العدد .

( قال الشافعي ) وهذا من قول العلماء إن شاء الله تعالى في معنى القرآن وبه نأخذ ، قال : والعدد ليس من النسب ولا الرضاع بسبيل ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما ؟ فقال عثمان : أحلتهما آية وحرمتهما آية ، وأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك ، قال فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا . قال مالك قال ابن شهاب : أراه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، قال مالك : وبلغني عن الزبير بن العوام مثل ذلك ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه أن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وابنتها من ملك اليمين هل توطأ إحداهما بعد الأخرى ؟ فقال عمر : ما أحب أن أجيزهما جميعا ونهاه . أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال : سئل عمر عن الأم وابنتها من ملك اليمين فقال : ما أحب أن أجيزهما جميعا فقال عبيد الله قال أبي فوددت أن عمر كان أشد في ذلك مما هو فيه . أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال سمعت ابن أبي مليكة يخبر أن معاذ بن عبيد الله بن معمر جاء إلى عائشة فقال لها : إن لي سرية قد أصبتها وأنها قد بلغت لها ابنة جارية لي أفأستسر ابنتها ؟ فقالت لا فقال : فإني والله لا أدعها إلا أن تقولي لي حرمها الله فقالت لا يفعله أحد من أهلي ولا أحد أطاعني .
( قال الشافعي ) فإذا كان عند الرجل امرأة فطلقها فكان لا يملك رجعتها فله أن ينكح أختها لأنه حينئذ غير جامع بين الأختين ، وإذا حرم الله تعالى الجمع بينهما ففي ذلك دلالة على أنه لم يحرم نكاح إحداهما بعد الأخرى وهذه منكوحة بعد الأخرى ولو كان لرجل جارية يطؤها فأراد وطء أختها لم يجز له وطء التي أراد أن يطأ حتى يحرم عليه فرج التي كان يطأ بنكاح أو كتابة أو خروج من ملكه ، فإذا [ ص: 4 ] فعل بعض هذا ثم وطئ الأخت ثم عجزت المكاتبة أو ردت المنكوحة كانت التي أبيح له فرجها أولا ثم حرمت عليه غير حلال له حتى يحرم فرج التي وطئ بعدها كما حرم فرجها قبل أن يطأ أختها ثم هكذا أبدا ، وسواء ولدت له التي وطئ أولا وآخرا أو لم تلد لأنه في كلتا الحالتين إنما يطؤها بملك اليمين .
وإذا اجتمع النكاح وملك اليمين في أختين فالنكاح ثابت لا يفسده ملك اليمين كان النكاح قبل أو بعد
فلو كانت لرجل جارية يطؤها فولدت له أو لم تلد حتى ينكح أختها كان النكاح ثابتا وحرم عليه فرج الأخت بالوطء ما كانت أختها زوجة له ، وأحب إلي لو حرم فرج أختها المملوكة حين يعقد نكاح أختها بالنكاح أو قبله بكتابة أو عتق أو أن يزوجها وإن لم يفعل لم أجبره على ذلك ولا على بيعها ونهيته عن وطئها كما لا أجبره على بيع جارية له وطئ ابنتها وأنهاه عن وطئها .
ولو كانت عنده أمة زوجة فتزوج أختها حرة كان نكاح الآخرة مفسوخا ( قال الشافعي ) فإن قال قائل : ما الفرق بين الوطء بالملك والنكاح ؟ قيل له النكاح يثبت للرجل حقا على المرأة وللمرأة حقا على الرجل وملك عقدة النكاح يقوم في تحريم الجمع بين الأختين مقام الوطء في الأمتين .
فلو ملك رجل عقدة نكاح أختين في عقدة أفسدنا نكاحهما ولو تزوجهما لا يدري أيتهما أول أفسدنا نكاحهما ولو ملك امرأة وأمهاتها وأولادها في صفقة بيع لم نفسد البيع ولا يحرم الجمع في البيع إنما يحرم جمع الوطء في الإماء ، فأما جمع عقدة الملك فلا يحرم .
ولو وطئ أمة ثم باعها من ساعته أو أعتقها أو كاتبها أو باع بعضها كان له أن يطأ أختها مكانه وليس له في المرأة أن ينكح أختها وهي زوجة له ولا أن يملك المرأة غيره ولا أن يحرمها عليه بغير طلاق ، وولد المرأة يلزمه بالعقد وإن لم يقر بوطء إلا أن يلاعن ، وولد الأمة لا يلزم بغير إقرار بوطء ولا يجوز أن تكون المرأة زوجة له ويحل فرجها لغيره والأمة تكون مملوكة له وفرجها حلال لغيره إذا زوجها وحرام عليه وهو مالك رقبتها وليس هكذا المرأة ، المرأة يحل عقدها جماعها ولا يحرم جماعها والعقد ثابت عليها إلا بعلة صوم أو إحرام أو ما أشبهه مما إذا ذهب حل فرجها .
قال : ولو أن رجلا له امرأة من أهل الشرك فأسلم الزوج واشترى أخت امرأته فوطئها ثم أسلمت امرأته في العدة حرم عليه فرج جاريته التي اشترى ولم تبع عليه وكانت امرأته امرأته بحالها ، وكذلك لو كانت هي المسلمة قبله واشترى أختها أو كانت له فوطئها ثم أسلم وهي في العدة .
قال : ولو كانت عنده جارية فوطئها فلم يحرم عليه فرجها حتى وطئ أختها اجتنبت التي وطئ آخرا بوطء الأولى وأحب إلي لو اجتنب الأولى حتى يستبرئ الآخرة وإن لم يفعل فلا شيء عليه إن شاء الله تعالى قال : وسواء في هذا ولدت التي وطئت أولا أو آخرا أو هما أم لم تلد واحدة منهما ، ولو حرم فرج التي وطئ أولا بعد وطء الآخرة أبحت له وطء الآخرة ، ثم لو حل له فرج التي زوج فحرم فرجها عليه بأن يطلقها زوجها أو تكون مكاتبة فتعجز لم تحل له هي وكانت التي وطئ حلالا له حتى يحرم عليه فرجها فتحل له الأولى ، ثم هكذا أبدا متى حل له فرج واحدة فوطئها حرم عليه وطء الأخرى حتى يحرم عليه فرج التي حلت له ثم يحل له فرج التي حرمت عليه فيكون تحريم فرجها كطلاق الرجل الزوجة الذي لا يملك فيه الرجعة ثم يباح له نكاح أختها ، فإذا نكحها لم يحل له نكاح التي طلقها حتى تبين هذه منه إلا أنهما يختلفان في أنه يملك رقبة أختين وأخوات وأمهات ولا يملك عقد أختين بنكاح .
[ ص: 5 ] من يحل الجمع بينه

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا بأس أن ينكح الرجل امرأة الرجل وابنته لأنه لا نسب بينهما يحرم به الجمع بينهما له ولا رضاع وإنما يحرم الجمع في بعض ذوات الأنساب بمن جمعهن إليه وقام الرضاع مقام النسب .

( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أن عبد الله بن صفوان جمع بين امرأة رجل من ثقيف وابنته .

( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمع الحسن بن محمد يقول جمع ابن عمر لي بين ابنتي عم له فأصبح النساء لا يدرين أين يذهبن .
( قال الشافعي ) ولا بأس أن يتزوج الرجل المرأة ويزوج ابنتها ابنه لأن الرجل غير ابنه قد يحرم على الرجل ما لا يحرم على ابنه ، وكذلك يزوجه أخت امرأته .
الجمع بين المرأة وعمتها

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها } ( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ وهو قول من لقيت من المفتين لا اختلاف بينهم فيما علمته ولا يروى من وجه يثبته أهل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أبي هريرة وقد روي من وجه لا يثبته أهل الحديث من وجه آخر ، وفي هذا حجة على من رد الحديث وعلى من أخذ بالحديث مرة وتركه أخرى إلا أن العامة إنما تبعت في تحريم أن يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها قول الفقهاء ، ولم نعلم فقيها سئل لم حرم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها إلا قال بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أثبت بحديث منفرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فحرمه بما حرمه به النبي صلى الله عليه وسلم ولا علم له أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله إلا من حديث أبي هريرة وجب عليه إذا روى أبو هريرة أو غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثا آخر لا يخالفه أحد بحديث مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرم به ما حرم النبي صلى الله عليه وسلم ويحل به ما أحل النبي صلى الله عليه وسلم وقد فعلنا هذا في حديث التغليس وغير حديث وفعله غيرنا في غير حديث ، ثم يتحكم كثير ممن جامعنا على تثبيت الحديث فيثبته مرة ويرده أخرى وأقل ما علمنا بهذا أن يكون مخطئا في التثبيت أو في الرد لأنها طريق واحدة فلا يجوز تثبيتها مرة وردها أخرى وحجته على من قال لا أقبل إلا الإجماع لأنه لا يعد إجماعا تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وليس يسأل أحد من أهل العلم علمته إلا قال إنما نثبته من الحديث وهو يرد مثل هذا الحديث وأقوى منه مرارا ، قال وليس في الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها مما أحل وحرم في الكتاب معنى ، إلا أنا إذا قبلنا تحريم الجمع بينهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله تعالى قبلناه بما فرض من طاعته .

فإن قال قائل : قد ذكر الله عز وجل من حرم من النساء وأحل ما وراءهن ؟ قيل القرآن عربي اللسان منه محتمل واسع ذكر الله من حرم بكل حال في الأصل ومن حرم بكل حال إذا فعل الناكح أو غيره فيه شيئا مثل الربيبة إذا دخل بأمها حرمت ومثل امرأة ابنه وأبيه إذا نكحها أبوه حرمت عليه بكل حال ، وكانوا يجمعون بين الأختين فحرمه وليس في تحريمه الجمع بين الأختين إباحة أن يجمع بين ما عدا الأختين إذا كان ما عدا الأختين مخالفا لهما كان أصلا في نفسه .

[ ص: 6 ] وقد يذكر الله عز وجل الشيء في كتابه فيحرمه ويحرم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم غيره ، مثل قوله { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ليس فيه إباحة أكثر من أربع لأنه انتهى بتحليل النكاح إلى أربع { وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة وأسلم وعنده عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن } فأبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن انتهاء الله بتحليله إلى أربع حظر لما وراء أربع وإن لم يكن ذلك نصا في القرآن ، وحرم من غير جهة الجمع والنسب النساء المطلقات ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره بالقرآن وامرأة الملاعن بالسنة وما سواهن مما سميت كفاية لما استثنى منه .

قال : والقول في الجمع بين المرأة وعمتها وعماتها من قبل آبائها وخالتها وخالاتها من قبل أمهاتها وإن بعدن كالقول في الأخوات سواء إن نكح واحدة ثم نكح أخرى بعدها ثبت نكاح الأولى وسقط نكاح الآخرة وإن نكحهما في عقدة معا انفسخ نكاحهما وإن نكح العمة قبل بنت الأخ أو ابنة الأخ قبل العمة فسواء هو جامع بينهما فيسقط نكاح الآخرة ويثبت نكاح الأولى وكذلك الخالة وسواء دخل بالأولى منهما دون الآخرة أو بالآخرة دون الأولى أو لم يدخل وهكذا يحرم الجمع بينهما بالوطء بملك اليمين والرضاع ، وملك اليمين في الوطء والنكاح سواء وما لم يكن للرجل أن يجمع بينه وبين الأختين أو المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها فنكح اثنتين منهن في عقدة فالعقدة منفسخة كلها ، وإذا نكح إحداهما قبل الأخرى فنكاح الأولى ثابت ونكاح الآخرة مفسوخ ولا يصنع الدخول شيئا إنما يصنعه العقدة ، وما نهى الله عن الجمع بينه من الأخوات وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجمع بين العمة والخالة ففيه دلالة على أن كل واحدة منهما تحل بعد الأخرى فلا بأس أن ينكح الأخت فإذا ماتت أو طلقها طلاقا يملك فيه الرجعة وانقضت عدتها أو طلاقا لا يملك فيه الرجعة وهي في عدتها أن ينكح الأخرى وهكذا العمة والخالة وكل ما نهي عن الجمع بينه .
نكاح نساء أهل الكتاب وتحريم إمائهم

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } إلى { ولا هم يحلون لهن } ( قال الشافعي ) فزعم بعض أهل العلم بالقرآن أنها نزلت في مهاجرة من أهل مكة فسماها بعضهم ابنة عقبة بن أبي معيط وأهل مكة أهل أوثان وأن قول الله عز وجل { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } نزلت فيمن هاجر من أهل مكة مؤمنا وإنما نزلت في الهدنة وقال : قال الله عز وجل { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } إلى قوله { ولو أعجبتكم } وقد قيل في هذه الآية إنها نزلت في جماعة مشركي العرب الذين هم أهل الأوثان فحرم نكاح نسائهم كما حرم أن تنكح رجالهم المؤمنات قال فإن كان هذا هكذا فهذه الآيات ثابتة ليس فيها منسوخ قال وقد قيل هذه الآية في جميع المشركين ثم نزلت الرخصة بعدها في إحلال نكاح حرائر أهل الكتاب خاصة كما جاءت في إحلال ذبائح أهل الكتاب قال الله تبارك وتعالى { أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات } إلى قوله " أجورهن " .

وقال فأيهما كان فقد أبيح فيه نكاح حرائر أهل الكتاب . وفي إباحة الله تعالى نكاح حرائرهم دلالة عندي والله تعالى أعلم على تحريم إمائهم لأن معلوما في اللسان إذا قصد قصد صفة من شيء بإباحة أو تحريم كان ذلك دليلا على أن ما [ ص: 7 ] قد خرج من تلك الصفة مخالف للمقصود قصده كما { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع } فدل ذلك على إباحة غير ذوات الأنياب من السباع وإن كانت الآية نزلت في تحريم نساء المؤمنين على المشركين وفي مشركي أهل الأوثان فالمسلمات محرمات على المشركين منهم بالقرآن على كل حال وعلى مشركي أهل الكتاب لقطع الولاية بين المشركين والمسلمين وما لم يختلف الناس فيه علمته قال والمحصنات من المؤمنات ومن أهل الكتاب الحرائر وقال الله عز وجل { ومن لم يستطع منكم طولا } إلى قوله { من فتياتكم المؤمنات ذلك لمن خشي العنت منكم } وفي إباحة الله الإماء المؤمنات على ما شرط لمن لم يجد طولا وخاف العنت دلالة والله تعالى أعلم على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب .

وعلى أن الإماء المؤمنات لا يحللن إلا لمن جمع الأمرين مع إيمانهن لأن كل ما أباح بشرط لم يحلل إلا بذلك الشرط كما أباح التيمم في السفر والإعواز في الماء فلم يحلل إلا بأن يجمعهما المتيمم وليس إماء أهل الكتاب مؤمنات فيحللن بما حل به الإماء المؤمنات من الشرطين مع الإيمان .
تفريع تحريم المسلمات على المشركين

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإذا أسلمت المرأة أو ولدت على الإسلام أو أسلم أحد أبويها وهي صبية لم تبلغ حرم على كل مشرك كتابي ووثني نكاحها بكل حال ، ولو كان أبواها مشركين فوصفت الإسلام وهي تعقل صفته منعتها من أن ينكحها مشرك فإن وصفته وهي لا تعقل صفته كان أحب إلي أن يمنع أن ينكحها مشرك ولا يبين لي فسخ نكاحها ولو نكحها في هذه الحالة والله أعلم .
باب نكاح حرائر أهل الكتاب

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ويحل نكاح حرائر أهل الكتاب لكل مسلم لأن الله تعالى أحلهن بغير استثناء وأحب إلي لو لم ينكحهن مسلم أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية فقال تزوجناهن زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي وقاص ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرا فلما رجعنا طلقناهن وقال فقال لا يرثن مسلما ولا يرثونهن ونساؤهن لنا حل ونساؤنا حرام عليهم .

( قال الشافعي ) وأهل الكتاب الذين يحل نكاح حرائرهم أهل الكتابين المشهورين التوراة والإنجيل وهم اليهود والنصارى دون المجوس قال والصابئون والسامرة من اليهود والنصارى الذين يحل نساؤهم وذبائحهم إلا أن يعلم أنهم يخالفونهم في أصل ما يحلون من الكتاب ويحرمون فيحرم نكاح نسائهم كما يحرم نكاح المجوسيات وإن كانوا يجامعونهم على أصل الكتاب ويتأولون فيختلفون فلا يحرم ذلك نساءهم وهم منهم يحل نساؤهم بما يحل به نساء غيرهم ممن لم يلزمه اسم صابئ ولا سامري قال ولا يحل نكاح حرائر من دان من العرب دين اليهودية والنصرانية لأن أصل دينهم كان الحنيفية ثم ضلوا بعبادة الأوثان وإنما انتقلوا إلى دين أهل الكتاب بعده لا بأنهم كانوا الذين دانوا بالتوراة والإنجيل فضلوا عنها وأحدثوا فيها إنما ضلوا عن الحنيفية ولم يكونوا كذلك لا تحل ذبائحهم وكذلك كل أعجمي كان أصل دين من مضى من آبائه عبادة الأوثان ولم يكن من أهل الكتابين المشهورين التوراة والإنجيل فدان دينهم لم يحل نكاح نسائهم فإن قال قائل فهل في هذا من [ ص: 8 ] أمر متقدم ؟ قيل نعم أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا الفضل بن عيسى الرقاشي قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي أن يسأل الحسن لم أقر المسلمون بيوت النيران وعبادة الأوثان ونكاح الأمهات والأخوات ؟ فسأله فقال الحسن لأن العلاء بن الحضرمي لما قدم البحرين أقرهم على ذلك .

( قال الشافعي ) فهذا ما لا أعلم فيه خلافا بين أحد لقيته أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الحارثي مولى عمر أو عبد الله بن سعد عن عمر أنه قال ما نصارى العرب بأهل كتاب وما يحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم أخبرنا الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين قال سألت عبيدة عن ذبائح نصارى بني تغلب فقال لا تأكل ذبائحهم فإنهم لم يتمسكوا من نصرانيتهم إلا بشرب الخمر ( قال الشافعي ) وهكذا أحفظه ولا أحسبه وغيره إلا وقد بلغ به علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بهذا الإسناد أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قال عطاء : ليس نصارى العرب بأهل كتاب إنما أهل الكتاب بنو إسرائيل والذين جاءتهم التوراة والإنجيل فأما من دخل فيهم من الناس فليسوا منهم .
( قال الشافعي ) وتنكح المسلمة على الكتابية والكتابية على المسلمة وتنكح أربع كتابيات كما تنكح أربع مسلمات والكتابية في جميع نكاحها وأحكامها التي تحل بها وتحرم كالمسلمة لا تخالفها في شيء وفيما يلزم الزوج لها ولا تنكح الكتابية إلا بشاهدين عدلين مسلمين وبولي من أهل دينها كولي المسلمة جاز في دينهم غير ذلك أو لم يجز ولست أنظر فيه إلا إلى حكم الإسلام ولو زوجت نكاحا صحيحا في الإسلام وهو عندهم نكاح فاسد كان نكاحها صحيحا ولا يرد نكاح المسلمة من شيء إلا رد نكاح الكتابية من مثله ولا يجوز نكاح المسلمة بشيء إلا جاز نكاح الكتابية بمثله ولا يكون ولي الذمية مسلما وإن كان أباها لأن الله تعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان وولي عقدة نكاحها ابن سعيد بن العاص وكان مسلما وأبو سفيان حي فدل ذلك على أن لا ولاية بين أهل القرابة إذا اختلف الدينان وإن كان أبا وأن الولاية بالقرابة واجتماع الدينين قال ويقسم للكتابية مثل قسمته للمسلمة لا اختلاف بينهما ولها عليه ما للمسلمة وله عليها ما له على المسلمة إلا أنهما لا يتوارثان باختلاف الدينين فإن طلقها أو آلى منها أو ظاهر أو قذفها لزمه في ذلك كله ما يلزمه في المسلمة إلا أنه لا حد على من قذف كتابية ويعزر .

وإذا طلقها فله عليها الرجعة في العدة ، وعدتها عدة المسلمة ، وإن طلقها ثلاثا فنكحت قبل مضي العدة وأصيبت لم تحلل له وإن نكحت نكاحا صحيحا بعد مضي العدة ذميا فأصابها ثم طلقت أو مات عنها وكملت عدتها حلت للزوج الأول يحلها للزوج كل زوج أصابها يثبت نكاحه وعليها العدة والإحداد كما يكون على المسلمة وإذا ماتت فإن شاء شهدها وغسلها ودخل قبرها ولا يصلي عليها وأكره لها أن تغسله لو كان هو الميت فإن غسلته أجزأ غسلها إياه إن شاء الله تعالى قال وله جبرها على الغسل من الحيضة ولا يكون له إصابتها إذا طهرت من الحيض حتى تغتسل لأن الله عز وجل يقول { حتى يطهرن } فقال بعض أهل العلم بالقرآن حتى ترى الطهر قال { فإذا تطهرن } يعني بالماء إلا أن تكون في سفر لا تجد الماء فتتيمم فإذا صارت ممن تحل لها الصلاة بالطهر حلت له ( قال الشافعي ) وله عندي والله تعالى أعلم أن يجبرها على الغسل من الجنابة وعلى النظافة بالاستحداد وأخذ الأظفار والتنظف بالماء من غير جنابة ما لم يكن ذلك وهي مريضة يضر بها الماء أو في برد شديد يضر بها الماء وله منعها من الكنيسة والخروج إلى [ ص: 9 ] الأعياد وغير ذلك مما تريد الخروج إليه إذا كان له منع المسلمة إتيان المسجد وهو حق كان له في النصرانية منع إتيان الكنيسة لأنه باطل وله منعها شرب الخمر لأنه يذهب عقلها ومنعها أكل لحم الخنزير إذا كان يتقذر به ومنعها أكل ما حل إذا تأذى بريحه من ثوم وبصل إذا لم تكن بها ضرورة إلى أكله وإن قدر ذلك من حلال لا يوجد ريحه لم يكن له منعها إياه وكذلك لا يكون له منعها لبس ما شاءت من الثياب ما لم تلبس جلد ميتة أو ثوبا منتنا يؤذيه ريحهما فيمنعها منهما .
قال وإذا نكح المسلم الكتابية فارتدت إلى مجوسية أو دين غير دين أهل الكتاب فإن رجعت إلى الإسلام أو إلى دين أهل الكتاب قبل انقضاء العدة فهما على النكاح وإن لم ترجع حتى تنقضي العدة فقد انقطعت العصمة بينها وبين الزوج ولا نفقة لها في العدة لأنها مانعة له نفسها بالردة .
قال ولا يقتل بالردة من انتقل من كفر إلى كفر إنما يقتل من خرج من دين الإسلام إلى الشرك فأما من خرج من باطل إلى باطل فلا يقتل وينفى من بلاد الإسلام إلا أن يسلم أو يعود إلى أحد الأديان التي يؤخذ من أهلها الجزية يهودية أو نصرانية أو مجوسية فيقر في بلاد الإسلام . قال ولو ارتدت من يهودية إلى نصرانية أو نصرانية إلى يهودية لم تحرم عليه لأنه كان يصلح له أن يبتدئ نكاحها لو كانت من أهل الدين الذي خرجت إليه ( قال الربيع ) الذي أحفظ من قول الشافعي أنه قال إذا كان نصرانيا فخرج إلى دين اليهودية أنه يقال له ليس لك أن تحدث دينا لم تكن عليه قبل نزول القرآن فإن أسلمت أو رجعت إلى دينك الذي كنا نأخذ منك عليه الجزية تركناك وإلا أخرجناك من بلاد الإسلام ونبذنا إليك ومتى قدرنا عليك قتلناك وهذا القول أحب إلى الربيع .
( قال الشافعي ) ولا يجوز نكاح أمة كتابية لمسلم عبد ولا حر بحال لما وصفت من نص القرآن ودلالته قال وأي صنف من المشركين حل نكاح حرائرهم حل وطء إمائهم بالملك وأي صنف حرم نكاح حرائرهم حرم وطء إمائهم بالملك ويحل وطء الأمة الكتابية بالملك كما تحل حرائرهم بالنكاح ولا يحل وطء أمة مشركة غير كتابية بالملك كما لا يحل نكاح نسائهم ولو كان أصل نسب أمة من غير أهل الكتاب ثم دانت دين أهل الكتاب لم يحل وطؤها كما لا يحل نكاح الحرائر منهم ولا يحل نكاح أمة كتابية لمسلم بحال لأنها داخلة في معنى من حرم من المشركات وغير حلال منصوصة بالإحلال كما نص حرائر أهل الكتاب في النكاح وأن الله تبارك وتعالى إنما أحل نكاح إماء أهل الإسلام بمعنيين سواء أن لا يجد الناكح طولا لحرة ويخاف العنت والشرطان في إماء المسلمين دليل على أن نكاحهن أحل بمعنى دون معنى وفي ذلك دليل على تحريم من خالفهن من إماء المشركين والله تعالى أعلم لأن الإسلام شرط ثالث والأمة المشركة خارجة منه فلو نكح رجل أمة كتابية كان النكاح فاسدا يفسخ عليه قبل الوطء وبعده وإن لم يكن وطئ فلا صداق لها وإن كان وطئ فلها مهر مثلها ويلحق الولد بالناكح وهو مسلم ويباع على مالكه إن كان كتابيا وإن كان مسلما لم يبع عليه . ولو وطئ أمة غير كتابية منع أن يعود لها حبلت أو لم تحبل وإن حبلت فولدت فهي أم ولد له ولا يحل له وطؤها لدينها كما يكون أمة له ولا يحل له وطؤها لدينها فإذا مات عتقت بموته وليس له بيعها وليس له أن يزوجها وهي كارهة ويستخدمها فيما تطيق كما يستخدم أمة غيرها ، وإن كانت لها أخت حرة مسلمة حل له نكاحها وهكذا إن كانت لها أخت لأمها حرة كتابية أبوها كتابي فاشتراها حل له وطؤها بملك اليمين ولم يكن هذا جمعا بين الأختين لأن وطء الأولى التي هي غير كتابية غير جائز له وإنما الجمع أن يجمع بين من يحل وطؤه على الانفراد .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #190  
قديم 25-10-2022, 05:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس

الحلقة (190)
صــــــــــ 11 الى صـــــــــــ17






وإن كانت لها أخت من أبيها تدين بدين أهل الكتاب لم تحل له بالملك لأن نسبها إلى أبيها وأبوها غير كتابي إنما أنظر فيما يحل من المشركات إلى نسب الأب وليس هذا كالمرأة يسلم أحد أبويها وهي صغيرة لأن [ ص: 10 ] الإسلام لا يشركه شرك والشرك يشرك الشرك ، والنسب إلى الأب وكذلك الدين له ما لم تبلغ الجارية ولو أن أختها بلغت ودانت دين أهل الكتاب وأبوها وثني أو مجوسي لم يحل وطؤها بملك اليمين كما لا يحل وطء وثنية انتقلت إلى دين أهل الكتاب لأن أصل دينها غير دين أهل الكتاب .
ولو نكح أمة كتابية ولها أخت حرة كتابية أو مسلمة ثم نكح أختها الحرة قبل أن يفرق بينه وبين الأمة الكتابية كان نكاح الحرة المسلمة أو الكتابية جائزا لأنه حلال لا يفسده الأمة الكتابية التي هي أخت المنكوحة بعدها لأن نكاح الأولى غير نكاح ولو وطئها كان كذلك لأن الوطء في نكاح مفسوخ حكمه أنه لا يحرم شيئا لأنها ليست بزوجة ولا ملك يمين فيحرم الجمع بينها وبين أختها .
قال ولو تزوج امرأة على أنها مسلمة فإذا هي كافرة يفسخ نكاحها ولو تزوج امرأة على أنها كتابية فإذا هي مسلمة لم يكن له فسخ النكاح لأنها خير من كتابية ولو تزوج امرأة ولم يخبر أنها مسلمة ولا كتابية فإذا هي كتابية وقال إنما نكحتها على أنها مسلمة فالقول قوله وله الخيار وعليه اليمين ما نكحها وهو يعلمها كتابية .
ما جاء في منع إماء المسلمين

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } إلى قوله { ذلك لمن خشي العنت } الآية ( قال الشافعي ) ففي هذه الآية والله تعالى أعلم دلالة على أن المخاطبين بهذا الأحرار دون المماليك فأما المملوك فلا بأس أن ينكح الأمة لأنه غير واجد طولا لحرة ولا أمة فإن قال قائل ما دل على أن هذا على الأحرار ولهم دون المماليك ؟ قيل الواجدون للطول المالكون للمال والمملوك لا يملك مالا بحال ويشبه أن لا يخاطب بأن يقال إن لم يجد مالا من يعلم أنه لا يملك مالا بحال إنما يملك أبدا لغيره . قال ولا يحل نكاح الأمة إلا كما وصفت في أصل نكاحهن إلا بأن لا يجد الرجل الحر بصداق أمة طولا لحرة وبأن يخاف العنت والعنت الزنا فإذا اجتمع أن لا يجد طولا لحرة وأن يخاف الزنا حل له نكاح الأمة وإن انفرد فيه أحدهما لم يحلل له وذلك أن يكون لا يجد طولا لحرة وهو لا يخاف العنت أو يخاف العنت وهو يجد طولا لحرة إنما رخص له في خوف العنت على الضرورة ألا ترى أنه لو عشق امرأة وثنية يخاف أن يزني بها لم يكن له أن ينكحها ؟ ولو كان عنده أربع نسوة فعشق خامسة لم يحل له نكاحها إذا تم الأربع عنده أو كانت له امرأة فعشق أختها لم يحلل له أن ينكحها ما كانت عنده أختها وكذلك ما حرم عليه من النكاح من أي الوجوه حرم لم أرخص له في نكاح ما يحرم عليه خوف العنت لأنه لا ضرورة عليه يحل له بها النكاح ولا ضرورة في موضع لذة يحل بها المحرم إنما الضرورة في الأبدان التي تحيا من الموت وتمنع من ألم العذاب عليها وأما اللذات فلا يعطاها أحد بغير ما تحل به فإن قال قائل فهل قال هذا غيرك ؟ قيل الكتاب كاف إن شاء الله تعالى فيه من قول غيري وقد قاله غيري أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول من وجد صداق حرة فلا ينكح أمة أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني ابن طاوس عن أبيه قال لا يحل نكاح الحر الأمة وهو يجد بصداقها حرة قلت يخاف الزنا قال ما علمته يحل أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار قال سأل عطاء أبا الشعثاء وأنا أسمع عن نكاح الأمة ما تقول فيه ؟ أجائز هو ؟ فقال لا يصلح اليوم نكاح الإماء ( قال [ ص: 11 ] الشافعي ) والطول هو الصداق ولست أعلم أحدا من الناس يجد ما يحل له به أمة إلا وهو يجد به حرة فإن كان هذا هكذا لم يحل نكاح الأمة لحر وإن لم يكن هذا هكذا فجمع رجل حر الأمرين حل له نكاح الأمة وإذا ملك الرجل عقدة الأمة بنكاح صحيح ثم أيسر قبل الدخول أو بعده فسواء والاختيار له في فراقها ولا يلزمه فراقها بحال أبدا بلغ يسره ما شاء أن يبلغ لأن أصل العقد كان صحيحا يوم وقع فلا يحرم بحادث بعده ولا يكون له أن ينكح أمة على أمة وذلك أنه إذا كانت عنده أمة فهو في غير معنى ضرورة وكذلك لا ينكح أمة على حرة فإن نكح أمة على أمة أو حرة فالنكاح مفسوخ .
قال ولو ابتدأ نكاح أمتين معا كان نكاحهما مفسوخا بلا طلاق ويبتدئ نكاح أيتهما شاء إذا كان ممن له نكاح الإماء كما يكون هكذا في الأختين يعقد عليهما معا والمرأة وعمتها وإن نكح الأمة في الحال التي قلت لا يجوز له فالنكاح مفسوخ ولا صداق لها إلا بأن يصيبها فيكون لها الصداق بما استحل من فرجها ولا تحلها إصابته إذا كان نكاحه فاسدا لزوج غيره لو طلقها ثلاثا ولو نكحها وهو يجد طولا فلم يفسخ نكاحها حتى لا يجده فسخ نكاحها لأن أصله كان فاسدا ويبتدئ نكاحها إن شاء ولو نكحها ولا زوجة له فقال نكحتها ولا أجد طولا لحرة فولدت له أو لم تلد إذا قال نكحتها ولا أجد طولا لحرة كان القول قوله ولو وجد موسرا لأنه قد يعسر ثم يوسر إلا أن تقوم بينة بأنه حين عقد عقدة نكاحها كان واجدا لأن ينكح حرة فيفسخ نكاحه قبل الدخول وبعده وإن نكح أمة ثم قال نكحتها وأنا أجد طولا لحرة أو لا أخاف العنت .

فإن صدقه مولاها فالنكاح مفسوخ ولا مهر عليه إن لم يكن أصابها فإن أصابها فعليه مهر مثلها ، وإن كذبه فالنكاح مفسوخ بإقراره بأنه كان مفسوخا ولا يصدق على المهر فإن لم يكن دخل بها فلها نصف ما سمى لها وإن راجعها بعد جعلتها في الحكم تطليقة وفيما بينه وبين الله فسخا بلا طلاق وقد قال غيرنا يصدق ولا شيء عليه إن لم يصبها .
قال وإن نكح أمة نكاحا صحيحا ثم أيسر فله أن ينكح عليها حرة وحرائر حتى يكمل أربعا ولا يكون نكاح الحرة ولا الحرائر عليها طلاقا لها ولا لهن ، ولا لواحدة منهن خيار ، كن علمن أن تحته أمة أو لم يعلمن ، لأن عقد نكاحها كان حلالا فلم يحرم بأن يوسر فإن قال قائل فقد تحرم الميتة وتحلها الضرورة فإذا وجد صاحبها عنها غنى حرمتها عليه قيل إن الميتة محرمة بكل حال وعلى كل أحد بكل وجه مالكها وغير مالكها ، وغير حلال الثمن إلا أن أكلها يحل في الضرورة والأمة حلال بالملك وحلال بنكاح العبد وحلال النكاح للحر بمعنى دون معنى ولا تشبه الميتة المحرمة بكل حال إلا في حال الموت ولا يشبه المأكول الجماع وكل الفروج ممنوعة من كل أحد بكل حال إلا بما أحل به من نكاح أو ملك فإذا حل لم يحرم إلا بإحداث شيء يحرم به ليس الغنى منه ولا يجوز أن يكون الفرج حلالا في حال حراما بعده بيسير وإنما حرمنا نكاح المتعة مع الاتباع لئلا يكون الفرج حلالا في حال حراما في آخر .

الفرج لا يحل إلا بأن يحل على الأبد ما لم يحدث فيه شيء يحرمه ليس الغنى عنه مما يحرمه فإن قال قائل فالتيمم يحل في حال الإعواز والسفر فإذا وجد الماء قبل أن يصلي بالتيمم بطل التيمم ؟ .

قلت التيمم ليس بالفرض المؤدي فرض الصلاة والصلاة لا تؤدى إلا بنفسها وعلى المصلي أن يصلي بطهور ماء وإذا لم يجده تيمم وصلى فإن وجد الماء بعد التيمم وقبل الصلاة توضأ لأنه لم يدخل في الفرض ولم يؤده ، وإذا صلى أو دخل في الصلاة ثم وجد الماء لم تنقض صلاته ولم يعد لها وتوضأ لصلاة بعدها وهكذا الناكح الأمة لو أراد نكاحها وأجيب إليه وجلس له فلم ينكحها ثم أيسر قبل أن يعقد نكاحها لم يكن له نكاحها وإن عقد نكاحها ثم أيسر لم تحرم عليه كما كان المصلي إذا دخل بالتيمم ثم وجد الماء لم تحرم الصلاة عليه بل نكاح الأمة في أكثر من حال الداخل في [ ص: 12 ] الصلاة الداخل في الصلاة لم يكملها والناكح الأمة قد أكمل جميع نكاحها وإكمال نكاحها يحلها له على الأبد كما وصفت قال ويقسم للحرة يومين وللأمة يوما وكذلك كل حرة معه مسلمة وكتابية يوفيهن القسم سواء على يومين لكل واحدة ويوما للأمة فإن شاء جعل ذلك يومين يومين وإن شاء يوما يوما ثم دار على الحرائر يومين يومين ثم أتى الأمة يوما فإن عتقت في ذلك اليوم فدار إلى الحرة أو إلى الحرائر قسم بينهن وبينها يوما يوما بدأ في ذلك بالأمة قبل الحرائر أو بالحرائر قبل الأمة لأنه لم يقسم لهن يومين يومين حتى صارت الأمة من الحرائر التي لها ما لهن معا وإنما يلزم الزوج أن يقسم للأمة ما خلى المولى بينه وبينها في يومها وليلتها فإذا فعل فعليه القسم لها وللمولى إخراجها في غير يومها وليلتها وإن أخرجها المولى في يومها وليلتها فقد أبطل حقها ويقسم لغيرها قسم من لا امرأة عنده وهكذا الحرة تخرج بغير إذن زوجها يبطل حقها في الأيام التي خرجت فيها وكل زوجة لم تكمل فيها الحرية فقسمها قسم الأمة وذلك أم الولد تنكح والمكاتبة والمدبرة والمعتق بعضها وليس للمكاتبة الامتناع من زوجها في يومها وليلتها ولا لزوجها منعها للطلب بالكتابة .

ولو حللت الأمة زوجها من يومها وليلتها ولم يحلله السيد حل له ولو حلله السيد ولم تحلله لم يحل له لأنه حق لها دون السيد ، ولو وضع السيد نفقتها عنه حل له لأنه مال له دونها وعلى سيدها أن ينفق عليها إذا وضع نفقتها عن الزوج ولو وضعت هي نفقتها عن الزوج لم يحل له إلا بإذن السيد لأنه مال السيد . .
نكاح المحدثين

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } إلى { المؤمنين } ( قال الشافعي ) اختلف في تفسير هذه الآية فقيل نزلت في بغايا كانت لهن رايات وكن غير محصنات فأراد بعض المسلمين نكاحهن فنزلت هذه الآية بتحريم أن ينكحن إلا من أعلن بمثل ما أعلن به أو مشركا وقيل كن زواني مشركات فنزلت لا ينكحهن إلا زان مثلهن مشرك أو مشركة وإن لم يكن زانيا " وحرم ذلك على المؤمنين " وقيل غير هذا وقيل هي عامة ولكنها نسخت أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب في قوله { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } قال هي منسوخة نسختها { وأنكحوا الأيامى منكم } فهي من أيامى المسلمين .

( قال الشافعي ) فوجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في زانية وزان من المسلمين لم نعلمه حرم على واحد منهما أن ينكح غير زانية ولا زان ولا حرم واحدا منهما على زوجه فقد أتاه ماعز بن مالك وأقر عنده بالزنا مرارا لم يأمره في واحدة منها أن يجتنب زوجة له إن كانت ولا زوجته أن تجتنبه ولو كان الزنا يحرمه على زوجته أشبه أن يقول له إن كانت لك زوجة حرمت عليك أو لم تكن لم يكن لك أن تنكح ولم نعلمه أمره بذلك ولا أن لا ينكح ولا غيره أن لا ينكحه إلا زانية وقد ذكر له رجل أن امرأة زنت وزوجها حاضر فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيما علمنا زوجها باجتنابها وأمر أنيسا أن يغدو عليها فإن اعترفت رجمها وقد جلد ابن الأعرابي في الزنا مائة وغربه عاما ولم ينهه علمنا أن ينكح ولا أحدا أن ينكحه إلا زانية وقد رفع الرجل الذي قذف امرأته إليه أمر امرأته وقذفها برجل وانتفى من حملها فلم يأمره باجتنابها حتى لاعن بينهما وقد روي عنه { أن رجلا شكا إليه أن امرأته لا تدفع يد لامس فأمره أن يفارقها فقال له إني أحبها فأمره أن يستمتع بها } أخبرنا سفيان بن عيينة عن هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال { أتى رجل إلى رسول الله [ ص: 13 ] صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي امرأة لا ترد يد لامس فقال النبي صلى الله عليه وسلم فطلقها قال إني أحبها قال فأمسكها إذا } وقد حرم الله المشركات من أهل الأوثان على المؤمنين الزناة وغير الزناة أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه أن رجلا تزوج امرأة ولها ابنة من غيره وله ابن من غيرها ففجر الغلام بالجارية فظهر بها حمل فلما قدم عمر مكة رفع ذلك إليه فسألها فاعترفا فجلدهما عمر الحد وحرص أن يجمع بينهما فأبى الغلام .
( قال الشافعي ) فالاختيار للرجل أن لا ينكح زانية وللمرأة أن لا تنكح زانيا فإن فعلا فليس ذلك بحرام على واحد منهما ليست معصية واحد منهما في نفسه تحرم عليه الحلال إذا أتاه قال وكذلك لو نكح امرأة لم يعلم أنها زنت فعلم قبل دخولها عليه أنها زنت قبل نكاحه أو بعده لم تحرم عليه ولم يكن له أخذ صداقه منها ولا فسخ نكاحها وكان له إن شاء أن يمسك وإن شاء أن يطلق وكذلك إن كان هو الذي وجدته قد زنى قبل أن ينكحها أو بعدما نكحها قبل الدخول أو بعده فلا خيار لها في فراقه وهي زوجته بحالها ولا تحرم عليه وسواء حد الزاني منهما أو لم يحد أو قامت عليه بينة أو اعترف لا يحرم زنا واحد منهما ولا زناهما ولا معصية من المعاصي الحلال إلا أن يختلف ديناهما بشرك وإيمان .
لا نكاح إلا بولي

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } إلى { بالمعروف } وقال عز وجل { الرجال قوامون على النساء } الآية وقال في الإماء { فانكحوهن بإذن أهلهن } ( قال الشافعي ) زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن معقل بن يسار كان زوج أختا له ابن عم له فطلقها ثم أراد الزوج وأرادت نكاحه بعد مضي عدتها فأبى معقل وقال زوجتك وآثرتك على غيرك فطلقتها لا أزوجكها أبدا فنزل { وإذا طلقتم } يعني الأزواج النساء { فبلغن أجلهن } يعني فانقضى أجلهن يعني عدتهن { فلا تعضلوهن } يعني أولياءهن { أن ينكحن أزواجهن } إن طلقوهن ولم يبتوا طلاقهن وما أشبه معنى ما قالوا من هذا بما قالوا ولا أعلم الآية تحتمل غيره لأنه إنما يؤمر بأن لا يعضل المرأة من له سبب إلى العضل بأن يكون يتم به نكاحها من الأولياء والزوج إذا طلقها فانقضت عدتها فليس بسبيل منها فيعضلها وإن لم تنقض عدتها فقد يحرم عليها أن تنكح غيره وهو لا يعضلها عن نفسه وهذا أبين ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقا وأن على الولي أن لا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف .

( قال الشافعي ) وجاءت السنة بمثل معنى كتاب الله عز وجل أخبرنا مسلم وسعيد وعبد المجيد عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها } .

وقال بعضهم في الحديث فإن اشتجروا وقال غيره منهم فإن اختلفوا فالسلطان ولي من لا ولي له أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد قال جمعت الطريق ركبا فيهم امرأة ثيب فولت رجلا منهم أمرها فزوجها رجلا فجلد عمر بن الخطاب الناكح ورد نكاحها أخبرنا ابن عيينة عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن معبد بن عمير أن عمر رضي الله عنه رد نكاح امرأة نكحت بغير ولي أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال قال عمرو بن دينار نكحت امرأة من [ ص: 14 ] بني بكر بن كنانة يقال لها بنت أبي ثمامة عمر بن عبد الله بن مضرس فكتب علقمة بن علقمة العتواري إلى عمر بن عبد العزيز وهو بالمدينة إني وليها وإنها نكحت بغير أمري فرده عمر وقد أصابها ( قال الشافعي ) فأي امرأة نكحت بغير إذن وليها فلا نكاح لها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { فنكاحها باطل } .

وإن أصابها فلها صداق مثلها بما أصاب منها بما قضى لها به النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن الصداق يجب في كل نكاح فاسد بالمسيس وأن لا يرجع به الزوج على من غره لأنه إذا كان لها وقد غرته من نفسها لم يكن له أن يرجع به عليها وهو لها وهو لو كان يرجع به فكانت الغارة له من نفسها بطل عنها ولا يرجع زوج أبدا بصداق على من غره امرأة كانت أو غير امرأة إذا أصابها قال وفي هذا دليل على أن على السلطان إذا اشتجروا أن ينظر فإن كان الولي عاضلا أمره بالتزويج فإن زوج فحق أداه وإن لم يزوج فحق منعه وعلى السلطان أن يزوج أو يوكل وليا غيره فيزوج والولي عاص بالعضل لقول الله عز وجل { فلا تعضلوهن } وإن ذكر شيئا نظر فيه السلطان فإن رآها تدعو إلى كفاءة لم يكن له منعها وإن دعاها الولي إلى خير منه وإن دعت إلى غير كفاءة لم يكن له تزويجها والولي لا يرضى به وإنما العضل أن تدعو إلى مثلها أو فوقها فيمتنع الولي . .
اجتماع الولاة وافتراقهم

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا ولاية لأحد مع أب فإذا مات فالجد أبو الأب فإذا مات فالجد أبو الجد لأن كلهم أب وكذلك الآباء وذلك أن المزوجة من الآباء وليست من الإخوة والولاية غير المواريث ولا ولاية لأحد من الأجداد دونه أب أقرب إلى المزوجة منه فإذا لم يكن آباء فلا ولاية لأحد مع الإخوة وإذا اجتمع الإخوة فبنو الأب والأم أولى من بني الأب فإذا لم يكن بنو أم وأب فبنو الأب أولى من غيرهم ولا ولاية لبني الأم ولا لجد أبي أم إن لم يكن عصبة لأن الولاية للعصبة فإن كانوا بني عم ولا أقرب منهم كانت لهم الولاية بأنهم عصبة وإن كان معهم مثلهم من العصبة كانوا أولى لأنهم أقرب بأم وإذا لم يكن إخوة لأب وأم ولا أب وكان بنو أخ وأم وبنو أخ لأب فبنو الأخ للأب والأم أولى من بني الأخ للأب وإن كان بنو أخ لأب وبنو أخ لأم فبنو الأخ للأب أولى ولا ولاية لبني الأخ للأم بحال إلا أن يكونوا عصبة قال وإذا تسفل بنو الأخ فأنسبهم إلى المزوجة فأيهم كان أقعد بها وإن كان ابن أب فهو أولى لأن قرابة الأقعد أقرب من قرابة أم غير ولدها أقعد منه وإذا استووا فكان فيهم ابن أب وأم فهو أولى بقربه مع المساواة قال وإن حرم النسب بقرابة الأم كان بنو بني الأخ وإن تسفلوا وبنو عم دنية فبنو بني الأخ وإن تسفلوا أولى لأنهم يجمعهم وإياها أب قبل بني العم وهكذا إن كان بنو أخ وعمومة فبنو الأخ أولى وإن تسفلوا لأن العمومة غير آباء فيكونون أولى لأن المزوجة من الأب فإذا انتهت الأبوة فأقرب الناس بالمزوجة أولاهم بها وبنو أخيها أقرب بها من عمومتها لأنه يجمعهم وإياها أب دون الأب الذي يجمعها بالعمومة .

وإذا لم يكن بنو الأخ وكانوا بني عم فكان فيهم بنو عم لأب وأم وبنو عم لأب فاستووا فبنو العم للأب والأم أولى وإن كان بنو العم للأب أقعد فهم أولى ، وإذا لم يكن لها قرابة من قبل الأب وكان لها أوصياء لم يكن الأوصياء ولاة نكاح ولا ولاة ميراث وهكذا إن كان لها قرابة من قبل أمها أو بني أخواتها لا ولاية للقرابة في النكاح إلا من قبل الأب .

وإن كان [ ص: 15 ] للمزوجة ولد أو ولد ولد فلا ولاية لهم فيها بحال إلا أن يكونوا عصبة فتكون لهم الولاية بالعصبة ألا ترى أنهم لا يعقلون عنها ولا ينتسبون من قبيلها إنما قبيلها نسبها من قبل أبيها أو لا ترى أن بني الأم لا يكونون ولاة نكاح فإذا كانت الولاية لا تكون بالأم إذا انفردت فهكذا ولدها لا يكونون ولاة لها وإذا كان ولدها عصبة وكان مع ولدها عصبة أقرب منهم هم أولى منهم فالعصبة أولى وإن تساوى العصبة في قرابتهم بها من قبل الأب فهم أولى كما يكون بنو الأم والأب أولى من بني الأب وإن استووا فالولد أولى . .
ولاية المولى

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا يكون الرجل وليا بولاء وللمزوجة نسب من قبل أبيها يعرف ولا للأخوال ولاية بحال أبدا إلا أن يكونوا عصبة فإذا لم يكن للمرأة عصبة ولها موال فمواليها أولياؤها ولا ولاء إلا لمعتق ثم أقرب الناس بمعتقها وليها كما يكون أقرب الناس به ولي ولد المعتق لها قال واجتماع الولاة من أهل الولاء في ولاية المزوجة كاجتماعهم في النسب ( قال الشافعي ) ولا يختلفون في ذلك ( قال الشافعي ) ولو زوجها مولى نعمة ولا يعلم لها قريبا من قبل أبيها ثم علم كان النكاح مفسوخا ، لأنه غير ولي كما لو زوجها ولي قرابة يعلم أقرب منه كان النكاح مفسوخا . .
مغيب بعض الولاة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا ولاية لأحد بنسب ولا ولاء وأولى منه حي غائبا كان أو حاضرا بعيد الغيبة منقطعها مؤيسا منه مفقودا أو غير مفقود وقريبها مرجو الإياب غائبا وإذا كان الولي حاضرا فامتنع من التزويج فلا يزوجها الولي الذي يليه في القرابة ولا يزوجها إلا السلطان الذي يجوز حكمه فإذا رفع ذلك إلى السلطان فحق عليه أن يسأل عن الولي فإن كان غائبا سأل عن الخاطب فإن رضي به أحضر أقرب الولاة بها وأهل المحرم من أهلها وقال هل تنقمون شيئا ؟ فإن ذكروه نظر فيه فإن كان كفئا ورضيته أمرهم بتزويجه فإن لم يفعلوا زوجه وإن لم يأمرهم وزوجه فجائز وإن كان الولي حاضرا فامتنع من أن يزوجها من رضيت صنع ذلك به وإن كان الولي الذي لا أقرب منه حاضرا فوكل قام وكيله مقامه وجاز تزويجه كما يجوز إذا وكله بتزويج رجل بعينه فزوجه أو وكله أن يزوج من رأى فزوجه كفئا ترضى المرأة به بعينه فإن زوج غير كفء لم يجز وكان هذا منه تعديا مردودا ، كما يرد تعدي الوكلاء . .
من لا يكون وليا من ذي القرابة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا يكون الرجل وليا لامرأة بنتا كانت أو أختا أو بنت عم أو امرأة هو أقرب الناس إليها نسبا أو ولاء حتى يكون الولي حرا مسلما رشيدا يعقل موضع الحظ وتكون المرأة مسلمة ولا يكون المسلم وليا لكافرة وإن كانت بنته ولا ولاية له على كافرة إلا أمته فإن ما صار لها [ ص: 16 ] بالنكاح ملك له . قال ولا يكون الكافر وليا لمسلمة وإن كانت بنته ، قد زوج ابن سعيد بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأبو سفيان حي لأنها كانت مسلمة وابن سعيد مسلم لا أعلم مسلما أقرب بها منه ولم يكن لأبي سفيان فيها ولاية لأن الله تبارك وتعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين والمواريث والعقل وغير ذلك قال : فيجوز تزويج الحاكم المسلم الكافرة لأنه بحكم لا ولاية إذا حاكمت إليه ولا يكون إذا كان بالغا مسلما وليا إن كان سفيها موليا عليه أو غير عالم بموضع الحظ لنفسه ومن زوجه إذا كان هذا لا يكون وليا لنفسه يزوجها كان أن يكون وليا لغيره أبعد .

وإن لم يكن هذا وليا للسفه أو ضعف العقل فكذلك المعتوه والمجنون الذي لا يفيق بل هما أبعد من أن يكونا وليين : قال ومن خرج من الولاية بأحد هذه المعاني حتى لا يكون وليا بحال فالولي أقرب الناس به ممن يفارق هذه الحال وهذا كمن لم يكن وكمن مات ولا ولاية له ما كان بهذه الحال ، فإذا صلحت حاله صار وليا ، لأن الحال التي منع بها الولاية قد ذهبت . .
الأكفاء

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لا أعلم في أن للولاة أمرا مع المرأة في نفسها شيئا جعل لهم أبين من أن لا تزوج إلا كفؤا ، فإن قيل يحتمل أن يكون لئلا يزوج إلا نكاحا صحيحا . قيل قد يحتمل ذلك أيضا ولكنه لما كان الولاة لو زوجوها غير نكاح صحيح لم يجز كان هذا ضعيفا لا يشبه أن يكون له جعل للولاة معها أمر فأما الصداق فهي أولى به من الولاة ولو وهبته جاز ولا معنى له أولى به من أن لا يزوج إلا كفؤا بل لا أحسبه يحتمل أن يكون جعل لهم أمر مع المرأة في نفسها إلا لئلا تنكح إلا كفؤا ( قال الشافعي ) إذا اجتمع الولاة فكانوا شرعا فأيهم صلح أن يكون وليا بحال فهو كأفضلهم وسواء المسن منهم والكهل والشاب والفاضل والذي دونه إذا صلح أن يكون وليا فأيهم زوجها بإذنها كفؤا جاز وإن سخط ذلك من بقي من الولاة وأيهم زوج بإذنها غير كفؤ فلا يثبت النكاح إلا باجتماعهم عليه : وكذلك لو اجتمعت جماعتهم على تزويج غير كفء وانفرد أحدهم كان النكاح مردودا بكل حال حتى تجتمع الولاة معا على إنكاحه قبل إنكاحه فيكون حقا لهم تركوه .

وإن كان الولي أقرب ممن دونه فزوج غير كفء بإذنها فليس لمن بقي من الأولياء الذي هو أولى منهم رده لأنه لا ولاية لهم معه قال : وليس نكاح غير الكفء محرما فأرده بكل حال إنما هو نقص على المزوجة والولاة فإذا رضيت المزوجة ومن له الأمر معها بالنقص لم أرده .
قال : وإذا زوج الولي الواحد كفؤا بأمر المرأة المالك لأمرها بأقل من مهر مثلها لم يكن لمن بقي من الولاة رد النكاح ولا أن يقوموا عليه حتى يكملوا لها مهر مثلها لأنه ليس في نقص المهر نقص نسب إنما هو نقص المال ونقص المال ليس عليها ولا عليهم فيه نقص حسب وهي أولى بالمال منهم وإذا رضي الولي الذي لا أقرب منه بإنكاح رجل غير كفء فأنكحه بإذن المرأة والولاة الذين هم شرع ثم أراد الولي المزوج والولاة رده لم يكن لهم بعد رضاهم وتزويجهم إياه برضا المرأة ، وإن كانوا زوجوها بأمرها بأقل من صداق مثلها وكانت لا يجوز أمرها في مالها فلها تمام صداق مثلها لأن النكاح لا يرد فهو كالبيوع المستهلكة كما لو باعت وهي محجورة بيعا فاستهلك وقد غبنت فيه لزم مشتريه قيمته ، قال وإذا كانت المرأة محجورا عليها مالها فسواء من حابى في صداقها أب أو غيره لا [ ص: 17 ] تجوز المحاباة ويلحق بصداق مثلها ولا يرد النكاح دخلت أو لم تدخل وإن طلقت قبل ذلك أخذ لها نصف صداق مثلها . .
ما جاء في تشاح الولاة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كان الولاة شرعا فأراد بعضهم أن يلي التزويج دون بعض فذلك إلى المرأة تولي أيهم شاءت فإن قالت قد أذنت في فلان فأي ولاتي أنكحنيه فنكاحه جائز فأيهم أنكحها فنكاحه جائز فإن ابتدره اثنان فزوجاها فنكاحها جائز وإن تمانعوا أقرع بينهم السلطان فأيهم خرج سهمه أمره بالتزويج وإن لم يترافعوا إلى السلطان عدل بينهم أمرهم فأيهم خرج سهمه زوج وإن تركوا الإقراع أو تركه السلطان لم أحبه لهم وأيهم زوج بإذنها جاز . .
إنكاح الوليين والوكالة في النكاح

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا ابن علية عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إذا أنكح الوليان فالأول أحق } قال وبين في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الأول أحق أن الحق لا يكون باطلا وأن نكاح الآخر باطل وأن الباطل لا يكون حقا بأن يكون الآخر دخل ولم يدخل الأول ولا يزيد الأول حقا لو كان هو الداخل قبل الآخر هو أحق بكل حال قال : وفيه دلالة على أن الوكالة في النكاح جائزة ولأنه لا يكون نكاح وليين متكافئا حتى يكون للأول منهما إلا بوكالة منها مع { توكيل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري فزوجه أم حبيبة ابنة أبي سفيان } .
( قال الشافعي ) فأما إذا أذنت المرأة لولييها أن يزوجاها من رأيا وأمرها أحدهما في رجل فقالت زوجه وأمرها آخر في رجل فقالت زوجه فزوجاها معا رجلين مختلفين كفؤين . فأيهما زوج أولا فالأول الزوج الذي نكاحه ثابت وطلاقه وما بينه وبينها مما بين الزوجين لازم ونكاح الذي بعده ساقط دخل بها الآخر أو لم يدخل أو الأول أو لم يدخل لا يحق الدخول لأحد شيئا إنما يحقه أصل العقدة فإن أصابها آخرهما نكاحا فلها مهر مثلها إذا لم يصح عقدة النكاح لم تصح بشيء بعدها إلا بتجديد نكاح صحيح ، وإذا جاز للمرأة أن توكل وليين جاز للولي الذي لا أمر للمرأة معه أن يوكل وهذا للأب خاصة في البكر ولم يجز لولي غيره للمرأة معهم أمر أن يوكل أب في ثيب ولا ولي غير أب إلا بأن تأذن له أن يوكل بتزويجها فيجوز بإذنها . فلو أن رجلا خرج ووكل رجلا بتزويج ابنته البكر فزوجها الوكيل وهو فأيهما أنكح أولا فالنكاح نكاحه جائز والآخر باطل الوكيل أو الأب ، وإن دخل بها الآخر فلها المهر وعليها العدة والولد لاحق ولا ميراث لها منه ولو مات قبل أن يفرق بينهما ، ولا له منها لو ماتت ولزوجها الأول منها الميراث وعليه لها الصداق يحاسب به من ميراثه . وهكذا لو أذنت لوليين فزوجاها معا أو لولي أن يوكل فوكل وكيلا أو لوليين كذلك فوكلا وكيلين أي هذا كان فالتزويج الأول أحق ولو زوجها الوليان والوكلاء ثلاثة أو أربعة فالنكاح للأول إذا علم ببينة تقوم على وقت من الأوقات أنه فعل ذلك قبل صاحبه . .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 420.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 414.26 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]