|
|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#181
|
||||
|
||||
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد الرابع الحلقة (181) صــــــــــ 257 الى صـــــــــــ263 ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وهذا مثل معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول ابن عباس وقولنا وهؤلاء الخارجون من السخط إن فروا من أكثر منهم حتى يكون الواحد فر من ثلاثة فصاعدا فيما ترى [ ص: 257 ] والله تعالى أعلم بالفارين بكل حال ، أما الذين يجب عليهم السخط فإذا فر الواحد من اثنين فأقل إلا متحرفا لقتال أو متحيزا والمتحرف له يمينا وشمالا ومدبرا ونيته العودة للقتال والفار متحيزا إلى فئة من المسلمين قلت أو كثرت كانت بحضرته أو منتئية عنه سواء إنما يصير الأمر في ذلك إلى نية المتحرف والمتحيز فإن كان الله عز وجل يعلم إنه إنما تحرف ليعود للقتال أو تحيز لذلك فهو الذي استثنى الله فأخرجه من سخطه في التحرف والتحيز وإن كان لغير هذا المعنى خفت عليه إلا أن يعفو الله تعالى عنه أن يكون قد باء بسخط من الله وإذا تحرف إلى الفئة فليس عليه أن ينفرد إلى العدو فيقاتلهم وحده ولو كان ذلك الآن لم يكن له أولا أن يتحرف ولا بأس بالمبارزة وقد بارز يوم بدر عبيدة بن الحارث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبارز محمد بن مسلمة مرحبا يوم خيبر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبارز يومئذ الزبير بن العوام ياسرا وبارز يوم الخندق علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود وإذا بارز الرجل من المشركين بغير أن يدعو أو يدعى إلى المبارزة فبرز له رجل فلا بأس أن يعينه عليه غيره لأنهم لم يعطوه أن لا يقاتله إلا واحد ولم يسألهم ذلك ولا شيء يدل على أنه إنما أراد أن يقاتله واحد فقد تبارز عبيدة وعتبة فضرب عبيدة عتبة فأرخى عاتقه الأيسر وضربه عتبة فقطع رجله وأعان حمزة وعلي فقتلا عتبة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فأما إن دعا مسلم مشركا أو مشرك مسلما إلى أن يبارزه فقال له لا يقاتلك غيري أو لم يقل له ذلك إلا أنه يعرف أن الدعاء إلى مبارزة الواحد كل من الفريقين معا سوى المبارزين أحببت أن يكف عن أن يحمل عليه غيره فإن ولى عنه المسلم أو جرحه فأثخنه فحمل عليه بعد تبارزهما فلهم أن يقتلوه إن قدروا على ذلك لأن قتالهما قد انقضى ولا أمان له عليهم إلا أن يكون شرط أنه آمن منهم حتى يرجع إلى مخرجه من الصف فلا يكون لهم قتله حتى يرجع إلى مأمنه ولو شرطوا ذلك له فخافوه على المسلم أو يجرح المسلم فلهم أن يستنقذوا المسلم منه بلا أن يقتلوه فإن امتنع أن يخليهم وإنقاذ صاحبهم وعرض دونه ليقاتلهم قاتلوه لأنه نقض أمان نفسه ولو عرض بينه وبينهم فقال أنا منكم في أمان قالوا نعم إن خليتنا وصاحبنا فإن لم تفعل تقدمنا لأخذ صاحبنا فإن قاتلتنا قاتلناك وكنت أنت نقضت أمانك فإن قال قائل وكيف لا يعان الرجل البارز على المشرك قاهرا له ؟ قيل إن معونة حمزة وعلي على عتبة إنما كانت بعد أن لم يكن في عبيده قتال ولم يكن منهم لعتبة أمان يكفون به عنه فإن تشارطا الأمان فأعان المشركون صاحبهم كان للمسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقتلوا من أعان عليه المبارز له ولا يقتلوا المبارز ما لم يكن هو استنجدهم عليه ( قال الشافعي ) وإذا تحصن العدو في جبل أو حصن أو خندق أو بحسك أو بما يتحصن به فلا بأس أن يرموا بالمجانيق والعرادات والنيران والعقارب والحيات وكل ما يكرهونه وأن يبثقوا عليهم الماء ليغرقوهم أو يوحلوهم فيه وسواء كان معهم الأطفال والنساء والرهبان أو لم يكونوا لأن الدار غير ممنوعة بإسلام ولا عهد وكذلك لا بأس أن يحرقوا شجرهم المثمر وغير المثمر ويخربوا عامرهم وكل ما لا روح فيه من أموالهم فإن قال قائل ما الحجة فيما وصفت وفيهم الولدان والنساء المنهى عن قتلهم ؟ قيل الحجة فيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أموال بني النضير وحرقها } أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال [ ص: 258 ] بني النضير } . ( قال الشافعي ) أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بني النضير } فقال قائل : وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن قال قائل فقد نهى بعد التحريق في أموال بني النضير ؟ قيل له إن شاء الله تعالى إنما نهى عنه أن الله عز وجل وعده بها فكان تحريقه إذهابا منه لعين ماله وذلك في بعض الأحاديث معروف عند أهل المغازي فإن قال قائل فهل حرق أو قطع بعد ذلك ؟ قيل نعم قطع بخيبر وهي بعد بني النضير وبالطائف وهي آخر غزوة غزاها لقي فيها قتالا فإن قال قائل كيف أجزت الرمي بالمنجنيق وبالنار على جماعة المشركين فيهم الولدان والنساء وهم منهي عن قتلهم ؟ قيل أجزنا بما وصفنا { وبأن النبي صلى الله عليه وسلم شن الغارة على بني المصطلق غارين وأمر بالبيات وبالتحريق } والعلم يحيط أن فيهم الولدان والنساء وذلك أن الدار دار شرك غير ممنوعة وإنما نهى أن تقصد النساء والولدان بالقتل إذا كان قاتلهم يعرفهم بأعيانهم للخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم سباهم فجعلهم مالا وقد كتب هذا قبل هذا فإن كان في الدار أسارى من المسلمين أو تجار مستأمنون كرهت النصب عليهم بما يعم من التحريق والتغريق وما أشبهه غير محرم له تحريما بينا وذلك أن الدار إذا كانت مباحة فلا يبين أن تحرم بأن يكون فيها مسلم يحرم دمه وإنما كرهت ذلك احتياطا ولأن مباحا لنا لو لم يكن فيها مسلم أن تجاوزها فلا نقاتلها وإن قاتلناها قاتلناها بغير ما يعم من التحريق والتغريق ولكن لو التحم المسلمون أو بعضهم فكان الذي يرون أنه ينكأ من التحمهم يغرقوه أو يحرقوه كان ذلك رأيت لهم أن يفعلوا ذلك ولم أكرهه لهم بأنهم مأجورون أجرين أحدهما الدفع عن أنفسهم والآخر نكاية عدوهم غير ملتحمين فتترسوا بأطفال المشركين فقد قيل لا يتوقون ويضرب المتترس منهم ولا يعمد الطفل وقد قيل يكف عن المتترس به ولو تترسوا بمسلم رأيت أن يكف عمن تترسوا به إلا أن يكون المسلمون ملتحمين فلا يكف عن المتترس ويضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في شيء من هذه الحالات مسلما أعتق رقبة . وإذا حاصرنا المشركين فظفرنا لهم بخيل أحرزناها أو بنا بها عنهم فرجعت علينا واستلحمنا وهي في أيدينا أو خفنا الدرك وهي في أيدينا ولا حاجة لنا بركوبها إنما نريد غنيمتها أو بنا حاجة إلى ركوبها أو كانت معها ماشية ما كانت أو نحل أو ذو روح من أموالهم مما يحل للمسلمين اتخاذه لمأكلة فلا يجوز عقر شيء منها ولا قتله بشيء من الوجوه إلا أن نذبحه كما قال أبو بكر " لا تعقروا شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تغرقن نخلا ولا تحرقنه " فإن قال قائل فقد قال أبو بكر " ولا تقطعن شجرا مثمرا فقطعته " قيل فإنا قطعناه بالسنة واتباع ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أولى بي وبالمسلمين ولم أجد لأبي بكر في ذوات الأرواح مخالفا من كتاب ولا سنة ولا مثله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حفظت فلو لم يكن فيه إلا اتباع أبي بكر كانت في اتباعه حجة مع أن السنة تدل على مثل ما قال أبو بكر في ذوات الأرواح من أموالهم فإن قال قائل ما السنة ؟ قلنا أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى بني عامر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتله قيل يا رسول الله وما حقها ؟ قال أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها } وقد نهى [ ص: 259 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة ووجدت الله عز وجل أباح قتل ذوات الأرواح من المأكول بواحد من معنيين أحدهما أن تذكى فتؤكل إذا قدر عليها والآخران تذكى بالرمي إذا لم يقدر عليها ولم أجده أباح قتلها لغير منفعة وقتلها لغير هذا الوجه عندي محظور فإن قال قائل ففي ذلك نكايتهم وتوهين وغيظ قلنا وقد يغاظون بما يحل فنفعله وبما لا يحل فنتركه فإن قال ومثل ما يغاظون به فنتركه قلنا قتل نسائهم وأولادهم فهم لو أدركونا وهم في أيدينا لم نقتلهم وكذلك لو كان إلى جنبنا رهبان يغيظهم قتلهم لم نقتلهم ولكن إن قاتلوا فرسانا لم نر بأسا إذا كنا نجد السبيل إلى قتلهم بأرجالهم أن نعقر بهم كما نرميهم بالمجانيق . وإن أصاب ذلك غيرهم وقد عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فانعكست به فرسه فسقط عنها فجلس على صدره ليذبحه فرآه ابن شعوب فرجع إليه يعدو كأنه سبع فقتله واستنقذ أبا سفيان من تحته فقال أبو سفيان بعد ذلك شعرا : فلو شئت نجتني كميت رجيلة ولم أحمل النعماء لابن شعوب . وما زال مهري مزجر الكلب منهم لدن غدوة حتى دنت لغروب أقاتلهم طرا وأدعو لغالب وأدفعهم عني بركن صليب ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن قال قائل ما الفرق بين العقر بهم وعقر بهائمهم ؟ قيل العقر بهم يجمع أمرين أحدهما دفع عن العاقر المسلم ولأن الفرس أداة عليه يقبل بقوته ويحمل عليه فيقتله والآخر يصل به إلى قتل المشرك والدواب توجف أو يخاف طلب العدو لها إذا قتلت ليست في واحد من هذين المعنيين لا أن قتلها منع العدو للطلب ولا أن يصل المسلم من قتل المشرك إلى ما لم يكن يصل إليه قبل قتلها وإذا أسر المسلمون المشركين فأرادوا قتلهم قتلوهم بضرب الأعناق ولم يجاوزوا ذلك إلى أن يمثلوا بقطع يد ولا رجل ولا عضو ولا مفصل ولا بقر بطن ولا تحريق ولا تغريق ولا شيء يعدو ما وصفت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن المثلة } وقتل من قتل كما وصفت فإن قال قائل قد قطع أيدي الذين استاقوا لقاحه وأرجلهم وسمل أعينهم فإن أنس بن مالك ورجلا رويا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم رويا فيه أو أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب بعد ذلك خطبة إلا أمر بالصدقة ونهى عن المثلة ، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح { أن هبار بن الأسود كان قد أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فقال إن ظفرتم بهبار بن الأسود فاجعلوه بين حزمتين من حطب ثم أحرقوه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله عز وجل إن ظفرتم به فاقطعوا يديه ورجليه } . ( قال الشافعي ) رحمه الله وكان علي بن حسين ينكر حديث أنس في أصحاب اللقاح أخبرنا ابن أبي يحيى عن جعفر عن أبيه عن علي بن حسين قال { والله ما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم } . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى في الأسارى من المسلمين في بلاد الحرب يقتل بعضهم بعضا أو يجرح بعضهم بعضا أو يغصب بعضهم بعضا ثم يصيرون إلى بلاد المسلمين إن الحدود تقام عليهم إذا صاروا إلى بلاد المسلمين ولا تمنع الدار حكم الله عز وجل ويؤدون كل زكاة وجبت عليهم لا تضع الدار عنهم شيئا من الفرائض ولكنهم لو كانوا من المشركين فأسلموا ولم يعرفوا الأحكام وأصاب بعضهم من بعض شيئا بجراح أو قتل درأنا عنهم الحد بالجهالة وألزمناهم الدية في أموالهم وأخذنا منهم في أموالهم كل ما أصاب بعضهم لبعض وكذلك لو زنى رجل منهم بامرأة وهو لا [ ص: 260 ] يعلم أن الزنا محرم درأنا عنه الحد بأن الحجة لم تقم وتطرح عنه حقوق الله ويلزمه حقوق الآدميين ، ولو كانت المرأة مسلمة أسرت أو استؤمنت ممن قد قامت عليهم الحجة فأمكنته من نفسها حدث ولم يكن لها مهر ولم يكن عليه حد ولو أنه تزوجها بنكاح المشركين فسخنا النكاح وألحقنا به الولد ودرأنا عنه الحد وجعلنا لها المهر ولو سرق بعضهم من بعض شيئا درأنا عنه القطع وألزمناه الغرامة ولو أربى بعضهم على بعض رددنا الربا بينهم لأن هذا من حقوق الآدميين وقال في القوم من المسلمين ينصبون المجانيق على المشركين فيرجع عليه حجر المنجنيق فيقتل بعضهم فهذا قتل خطأ فدية المقتولين على عواقل القاتلين قدر حصة المقتولين كأنه جر المنجنيق عشرة فرجع الحجر على خمسة منهم فقتلهم فأنصاف دياتهم على عواقل القاتلين لأنهم قتلوا بفعلهم وفعل غيرهم ولا يؤدون حصتهم من فعلهم فهم قتلوا أنفسهم مع غيرهم ولو رجع حجر المنجنيق على رجل لم يجره كان قريبا من المنجنيق أو بعيدا معينا لأهل المنجنيق بغير الجر أو غير معين لهم كانت ديته على عواقل الجارين كلهم ولو كان فيهم رجل يمسك لهم من الحبال التي يجرونها بشيء ولا يجر معهم في إمساكه لهم لم يلزمه ولا عاقلته شيء من قبل أنا لم ند إلا بفعل القتل فأما بفعل الصلاح فلا ولو رجع عليهم الحجر فقتلهم كلهم أو سقط المنجنيق عليهم من جرهم فقتل كلهم وهم عشرة ودوا كلهم ورفع عن عواقل من يديهم عشر دية كل واحد منهم لأنه قتل بفعل نفسه وفعل تسعة معه فيرفع عنه حصة فعل نفسه ويؤخذ له حصة فعل غيره ثم هكذا كل واحد ولو رمى رجل بعرادة أو بغيرها أو ضرب بسيف فرجعت الرمية عليه كأنها أصابت جدارا ثم رجعت إليه أو ضرب بسيف شيئا فرجع عليه السيف فلا دية له لأنه جنى على نفسه ولا يضمن لنفسه شيئا ولو رمى في بلاد الحرب فأصاب مسلما مستأمنا أو أسيرا أو كافرا أسلم فلم يقصد قصده بالرمية ولم يره فعليه تحرير رقبة ولا دية له وإن رآه وعرف مكانه ورمى وهو مضطر إلى الرمي فقتله فعليه دية وكفارة وإن كان عمده وهو يعرفه مسلما فعليه القصاص إذا رماه بغير ضرورة ولا خطأ وعمد قتله فإن تترس به مشرك وهو يعلمه مسلما وقد التحم فرأى أنه لا ينجيه إلا ضربه المسلم فضربه يريد قتل المشرك فإن أصابه درأنا عنه القصاص وجعلنا عليه الدية وهذا كله إذا كان في بلاد المشركين أو صفهم فأما إذا انفرج عن المشركين فكان بين صف المسلمين والمشركين فذلك موضع يجوز أن يكون فيه المسلم والمشرك فإن قتل رجل رجلا وقال ظننته مشركا فوجدته مسلما فهذا من الخطأ وفيه العقل فإن اتهمه أولياؤه أحلف لهم ما علمه مسلما فقتله فإن قال قائل كيف أبطلت دية مسلم أصيب ببلاد المشركين برمي أو غارة لا يعمد فيها بقتل ؟ قيل قال الله عز وجل { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } إلى قوله { متتابعين } فذكر الله عز وجل في المؤمن يقتل خطأ والذمي يقتل خطأ الدية في كل واحد منهما وتحرير رقبة فدل ذلك على أن هذين مقتولان في بلاد الإسلام الممنوعة لا بلاد الحرب المباحة وذكر من حكمهما حكم المؤمن من عدو لنا يقتل فجعل فيه تحرير رقبة فلم تحتمل الآية والله تعالى أعلم إلا أن يكون قوله { فإن كان من قوم عدو لكم } يعني في قوم عدو لكم وذلك أنها نزلت وكل مسلم فهو من قوم عدو للمسلمين لأن مسلمي العرب هم من قوم عدو للمسلمين وكذلك مسلمو العجم ولو كانت على أن لا يكون دية في مسلم خرج إلى بلاد الإسلام من جماعة المشركين هم عدو لأهل الإسلام للزم من قال هذا القول أن يزعم أن من أسلم من قوم مشركين فخرج إلى دار الإسلام فقتل كانت فيه تحرير رقبة ولم تكن فيه دية وهذا خلاف حكم المسلمين وإنما معنى الآية إن شاء الله تعالى على ما قلنا وقد سمعت بعض من أرضى من أهل العلم يقول ذلك فالفرق بين القتلين أن يقتل المسلم في دار الإسلام غير معمود بالقتل فيكون فيه [ ص: 261 ] دية وتحرير رقبة أو يقتل مسلم ببلاد الحرب التي لا إسلام فيها ظاهر غير معمود بالقتل ففي ذلك تحرير رقبة ولا دية . . مسألة مال الحربي ( قال الشافعي ) وإذا دخل الذمي أو المسلم دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم يشتري لهم شيئا فأما مع المسلم فلا نعرض له ويرد إلى أهله من أهل الحرب لأن أقل ما فيه أن يكون خروج المسلم به أمانا للكافر فيه وأما مع الذمي قال الربيع " ففيها قولان أحدهما أنا نغنمه لأنه لا تكون كينونته معه أمانا له منا لأنه إنما روي { المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم } فلا يكون ما مع الذمي من أموالهم أمانا لأموالهم وإن ظن الحربي الذي بعث بماله معه أن ذلك أمان له كما لو دخل حربي بتجارة إلينا بلا أمان منا كان لنا أن نسبيه ونأخذ ماله ولا يكون ظنه بأنه إذا دخل تاجرا أن ذلك أمان له ولماله بالذي يزيل عنه حكما والقول الثاني أنا لا نغنم ما مع الذمي من مال الحربي لأنه لما كان علينا أن لا نعرض للذمي في ماله كان ما معه من مال غيره له أمان مثل ماله كما لو أن حربيا دخل إلينا بأمان وكان معه مال لنفسه ومال لغيره من أهل الحرب لم نعرض له في ماله لما تقدم له من الأمان ولا في المال الذي معه لغيره فهكذا لما كان للذمي أمان متقدم لم يتعرض له في ماله ولا في المال الذي معه لغيره مثل هذا سواء . والله نسأل التوفيق برحمته . وكان آخر القولين أشبه إن شاء الله تعالى . الأسارى والغلول أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال إذا أسر المسلم فكان في بلاد الحرب أسيرا موثقا أو محبوسا أو مخلى في موضع يرى أنه لا يقدر على البراح منه أو موضع غيره ولم يؤمنوه ولم يأخذوا عليه أنهم أمنوا منه فله أخذ ما قدر عليه من ولدانهم ونسائهم . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن أمنوه أو بعضهم وأدخلوه في بلادهم بمعروف عندهم في أمانهم إياه وهم قادرون عليه فإنه يلزمه لهم أن يكونوا منه آمنين وإن لم يقل ذلك إلا أن يقولوا قد أمناك ولا أمان لنا عليك لأنا لا نطلب منك أمانا فإذا قالوا هذا هكذا كان القول فيه كالقول في المسألة الأولى يحل له اغتيالهم والذهاب بأموالهم وإفسادها والذهاب بنفسه فإن أمنوه وخلوه وشرطوا عليه أن لا يبرح بلادهم أو بلدا سموه وأخذوا عليه أمانا أو لم يأخذوا . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال بعض أهل العلم يهرب وقال بعضهم ليس له أن يهرب وقال وإذا أسر العدو الرجل من المسلمين فخلوا سبيله وأمنوه وولوه من ضياعهم أو لم يولوه فأمانهم إياه أمان لهم منه فليس له أن يغتالهم ولا يخونهم وأما الهرب بنفسه فله الهرب فإن أدرك ليؤخذ فله أن يدفع عن نفسه وإن قتل الذي أدركه لأن طلبه غير الأمان فيقتله إن شاء ويأخذ ماله ما لم يرجع عن طلبه [ ص: 262 ] فإذا أسر المشركون المسلم فخلوه على فداء يدفعه إلى وقت وأخذوا عليه إن لم يدفع الفداء أن يعود في إسارهمفلا ينبغي له أن يعود في إسارهم ولا ينبغي للإمام أن يدعه إن أراد العودة فإن كانوا امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطيهموه فلا يعطيهم منه شيئا لأنه مال أكرهوه على أخذه منه بغير حق وإن كان أعطاهموه على شيء يأخذه منهم لم يحق له إلا أداؤه بكل حال وهكذا لو صالحهم مبتدئا على شيء انبغى له أن يؤديه إليهم إنما أطرح عليهم ما استكره عليه ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى في أسير في أيدي العدو وأرسلوا معه رسلا ليعطيهم فداء أو أرسلوه بعهد أن يعطيهم فداء سماه لهم وشرطوا عليه إن لم يدفعه إلى رسولهم أو يرسل به إليهم أن يعود في إسارهم . ( قال الشافعي ) يروى عن أبي هريرة والثوري وإبراهيم النخعي أنهم قالوا لا يعود في إسارهم ويفي لهم بالمال وقال بعضهم إن أراد العودة منعه السلطان العودة وقال ابن هرمز يحبس لهم بالمال وقال بعضهم يفي لهم ولا يحبسونه ولا يكون كديون الناس وروي عن الأوزاعي والزهري يعود في إسارهم إن لم يعطهم المال وروي ذلك عن ربيعة وعن ابن هرمز خلاف ما روي عنه في المسألة الأولى . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن ذهب مذهب الأوزاعي ومن قال قوله فإنما يحتج فيما أراه بما روي عن بعضهم أنه يروى { أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية أن يرد من جاءه بعد الصلح مسلما فجاءه أبو جندل فرده إلى أبيه وأبو بصير فرده فقتل أبو بصير المردود معه ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد وفيت لهم ونجاني الله منهم فلم يرده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعب ذلك عليه وتركه فكان بطريق الشام يقطع على كل مال قريش حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضمه إليه لما نالوه من أذاه } . ( قال الشافعي ) رحمه الله وهذا حديث قد رواه أهل المغازي كما وصفت ولا يحضرني ذكر إسناده فأعرف ثبوته من غيره قال وإذا كان المسلمون أسارى أو مستأمنين أو رسلا في دار الحرب فقتل بعضهم بعضهم أو قذف بعضهم بعضا أو زنوا بغير حربية فعليهم في هذا كله الحكم كما يكون عليهم ولو فعلوه في بلاد الإسلام وإنما يسقط عنهم لو زنى أحدهم بحربية إذا ادعى الشبهة ولا تسقط دار الحرب عنهم فرضا كما لا تسقط عنهم صوما ولا صلاة ولا زكاة فالحدود فرض عليهم وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم حد الله تعالى ولو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا عليه الحد أبدا لأنه يمكنه من أي موضع أن يلحق بدار الحرب فيعطل عنه حكم الله جل ثناؤه ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا دخل الرجل بلاد الحرب فوجد في أيديهم أسيرا أو أسارى رجالا ونساء من المسلمين فاشتراهم وأخرجهم من بلاد الحرب فأراد أن يرجع عليهم بما أعطى فيهم لم يكن ذلك له وكان متطوعا بالشراء وزائدا أن اشترى ما ليس يباع من الأحرار فإن كان بأمرهم اشتراهم رجع عليهم بما أعطى فيهم من قبل أنه أعطى بأمرهم وإذا أسرت المرأة فنكحها بعض أهل الحرب أو وطئها بلا نكاح ثم ظهر عليها المسلمون لم تسترق هي ولا أولادها لأن أولادها مسلمون بإسلامها فإن كان لها زوج في دار الإسلام لم يلحق به هذا الولد ولحقوا بالنكاح المشرك وإن كان نكاحه فاسدا لأنه نكاح شبهة وإذا أسر المسلم فكان في دار الحرب فلا تنكح امرأته إلا بعد يقين وفاته عرف مكانه أو خفي مكانه وكذلك لا يقسم ميراثه وما صنع الأسير من المسلمين في دار الحرب أو في دار الإسلام أو المسجون وهو صحيح في ماله غير مكره عليه فهو جائز من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك . [ ص: 263 ] المستأمن في دار الحرب . ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم أو يبلغوا مدة أمانهم وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم وإن أسر العدو أطفال المسلمين ونساءهم لم أكن أحب لهم الغدر بالعدو ولكن أحب لهم لو سألوهم أن يردوا إليهم الأمان وينبذوا إليهم فإذا فعلوا قاتلوهم عن أطفال المسلمين ونسائهم . ما يجوز للأسير في ماله إذا أراد الوصية ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : يجوز للأسير في بلاد العدو ما صنع في ماله في بلاد الإسلام وإن قدم ليقتل ما لم ينله منه ضرب يكون مرضا وكذلك الرجل بين الصفين ( قال الشافعي ) : أخبرنا بعض أهل المدينة عن محمد بن عبد الله عن الزهري أن مسروقا قدم بين يدي عبد الله بن زمعة يوم الحرة ليضرب عنقه فطلق امرأته ولم يدخل بها فسألوا أهل العلم فقالوا : لها نصف الصداق ولا ميراث لها ( قال الشافعي ) : أخبرنا بعض أهل العلم عن هشام بن عروة عن أبيه أن عامة صدقات الزبير تصدق بها وفعل أمورا وهو واقف على ظهر فرسه يوم الجمل وروي عن عمر بن عبد العزيز : عطية الحبلى جائزة حتى تجلس بين القوابل وبهذا كله نقول ( قال الشافعي ) : وعطية راكب البحر جائزة ما لم يصل إلى الغرق أو شبه الغرق ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وقال القاسم بن محمد وابن المسيب : عطية الحامل جائزة ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وما وصفت من قول من سميت وغيرهم من أهل المدينة وقد روي عن ابن أبي ذئب أنه قال : عطية الحامل من الثلث وعطية الأسير من الثلث وروى ذلك عن الزهري ( قال الشافعي ) : وليس يجوز إلا واحد من هذين القولين والله تعالى أعلم ثم قال قائل في الحبلى عطيتها جائزة حتى تتم ستة أشهر وتأول قول الله عز وجل { حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت } وليس في قول الله عز وجل { فلما أثقلت } دلالة على مرض ولو كانت فيه دلالة على مرض يغير الحكم قد يكون مرضا غير ثقيل وثقيلا وحكمه في أن لا يجوز له في ماله إلا الثلث سواء ولو كان ذلك فيه كان الإثقال يحتمل أن يكون حضور الولاد حين تجلس بين القوابل لأن ذلك الوقت الذي يخشيان فيه قضاء الله عز وجل ويسألانه أن يؤتيهما صالحا فإن قال : قد يدعوان الله قبل ؟ قيل : نعم مع أول الحمل ووسطه وآخره وقبله والحبلى في أول حملها أشبه بالمرض منها بعد ستة أشهر للتغير والكسل والنوم والضعف ولهي في شهرها أخف منها في شهر البدء من حملها وما في هذا إلا أن الحبل سرور ليس بمرض حتى تحضر الحال المخوفة للأولاد أو يكون تغيرها بالحبل مرضا كله من أوله إلى آخر فيكون ما قال ابن أبي ذئب ، فأما غير هذا لا يجوز - والله تعالى أعلم - لأحد أن يتوهمه . المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين .
__________________
|
#182
|
||||
|
||||
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد الرابع الحلقة (182) صــــــــــ 264 الى صـــــــــــ270 قيل للشافعي : أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بأن المسلمين يريدون غزوهم أو [ ص: 264 ] بالعورة من عوراتهم هل يحل ذلك دمه ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام إلا أن يقتل أو يزني بعد إحصان أو يكفر كفرا بينا بعد إيمان ثم يثبت على الكفر وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين ، فقلت للشافعي : أقلت هذا خير أم قياسا ؟ قال قلته بما لا يسع مسلما علمه عندي أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب فقيل للشافعي : فذكر السنة فيه ، قال : أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع قال { : سمعت عليا يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والمقداد والزبير فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخرجنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها : أخرجي الكتاب فقالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة يخبر ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما هذا يا حاطب ؟ قال : لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم ولم يكن لي بمكة قرابة فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا والله ما فعلته شكا في ديني ولا رضا لا كفرا بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد صدق فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله عز وجل قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال فنزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في هذا الحديث مع ما وصفنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكا في الإسلام وأنه فعله ليمنع أهله ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام واحتمل المعنى الأقبح كان القول قوله فيما احتمل فعله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بأن لم يقتله ولم يستعمل عليه الأغلب ولا أحد أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذه لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غرتهم فصدقه ما عاب عليه الأغلب مما يقع في النفوس فيكون لذلك مقبولا كان من بعده في أقل من حاله وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه قيل للشافعي : أفرأيت إن قال قائل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قد صدق إنما تركه لمعرفته بصدقه لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره فيقال له : قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المنافقين كاذبون وحقن دماءهم بالظاهر فلو كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم في حاطب بالعلم بصدقه كان حكمه على المنافقين القتل بالعلم بكذبهم ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر وتولى الله عز وجل منهم السرائر ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكما له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية وكل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصا أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجعلوا له سنة أو يكون ذلك موجودا في كتاب الله عز وجل قلت للشافعي أفتأمر الإمام إذا وجد مثل هذا بعقوبة من فعله أم تركه كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال الشافعي إن العقوبات غير الحدود فأما الحدود فلا تعطل بحال وأما العقوبات فللإمام تركها على الاجتهاد وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { تجافوا لذوي الهيئات } وقد قيل في الحديث [ ص: 265 ] ما لم يكن حد فإذا كان هذا من الرجل ذي الهيئة بجهالة كما كان هذا من حاطب بجهالة وكان غير متهم أحببت أن يتجافى له وإذا كان من غير ذي الهيئة كان للإمام والله تعالى أعلم تعزيره وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام يردد المعترف بالزنا فترك ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لجهالته يعني المعترف بما عليه وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم عقوبة من غل في سبيل الله فقلت للشافعي : أرأيت الذي يكتب بعورة المسلمين أو يخبر عنهم بأنهم أرادوا بالعدو شيئا ليحذروه من المستأمن والموادع أو يمضي إلى بلاد العدو مخبرا عنهم قال : يعزر هؤلاء ويحبسون عقوبة وليس هذا بنقض للعهد يحل سبيهم وأموالهم ودماءهم وإذا صار منهم واحد إلى بلاد العدو فقالوا : لم نر بهذا نقضا للعهد فليس بنقض للعهد ويعزر ويحبس قلت للشافعي أرأيت الرهبان إذا دلوا على عورة المسلمين ؟ قال : يعاقبون وينزلون من الصوامع ويكون من عقوبتهم إخراجهم من أرض الإسلام فيخيرون بين أن يعطوا الجزية ويقيموا بدار الإسلام أو يتركوا يرجعون فإن عادوا أودعهم السجن وعاقبهم مع السجن قلت للشافعي : أفرأيت إن أعانوهم بالسلاح والكراع أو المال أهو كدلالتهم على عورة المسلمين ؟ قال : إن كنت تريد في أن هذا لا يحل دماءهم فنعم وبعض هذا أعظم من بعض ويعاقبون بما وصفت أو أكثر ولا يبلغ بهم قتل ولا حد ولا سبي فقلت للشافعي فما الذي يحل دماءهم ؟ قال : إن قاتل أحد من غير أهل الإسلام راهب أو ذمي أو مستأمن مع أهل الحرب حل قتله وسباؤه وسبي ذريته وأخذ ماله فأما ما دون القتال فيعاقبون بما وصفت ولا يقتلون ولا تغنم أموالهم ولا يسبون . الغلول قلت للشافعي : أفرأيت المسلم الحر أو العبد الغازي أو الذمي أو المستأمن يغلون من الغنائم شيئا قبل أن تقسم ؟ فقال : لا يقطع ويغرم كل واحد من هؤلاء قيمة ما سرق إن هلك الذي أخذه قبل أن يؤديه وإن كان القوم جهلة علموا ولم يعاقبوا فإن عادوا عوقبوا فقلت للشافعي : أفيرجل عن دابته ويحرق سرجه أو يحرق متاعه ؟ فقال : لا يعاقب رجل في ماله وإنما يعاقب في بدنه وإنما جعل الله الحدود على الأبدان وكذلك العقوبات فأما على الأموال فلا عقوبة عليها ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقليل الغلول وكثيره محرم قلت فما الحجة ؟ قال : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار وابن عجلان كلاهما عن عمرو بن شعيب وأخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس قال : حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر فقدمت به على عمر فلما انتهينا إليه قال له عمر : تكلم قال : كلام حي أو كلام ميت ؟ قال : تكلم لا بأس قال : إنا وإياكم معاشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نتعبدكم ونقتلكم ونغصبكم فلما كان الله عز وجل معكم لم يكن لنا بكم يدان فقال عمر : ما تقول ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين تركت بعدي عدوا كثيرا وشوكة شديدة فإن تقتله ييأس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم فقال عمر أستحيي قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور ؟ فلما خشيت أن يقتله قلت ليس إلى قتله سبيل قد قلت له تكلم لا بأس فقال عمر : ارتشيت وأصبت منه فقلت : والله ما ارتشيت ولا أصبت منه قال : لتأتيني على ما شهدت به بغيرك أو [ ص: 266 ] لأبدأن بعقوبتك قال فخرجت فلقيت الزبير بن العوام فشهد معي وأمسك عمر وأسلم وفرض له . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقبول من قبل من الهرمزان أن ينزل على حكم عمر يوافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل من بني قريظة حين حصرهم وجهد بهم الحرب أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ( قال الشافعي ) : ولا بأس أن يقبل الإمام من أهل الحصن عقله ونظره للإسلام وذلك أن السنة دلت على أن قبول الإمام إنما كان لمن وصفت من أهل القناعة والثقة فلا يجوز للإمام عندي أن يقبل خلافهم من غير أهل القناعة والثقة والعقل فيكون قبل خلاف ما قبلوا منه ولو فعل كان قد ترك النظر ولم يكن له عذر فإن قال قائل وكيف يجوز أن ينزل على حكم من لعله لا يدري ما يصنع ؟ قيل لما كان الله عز وجل أذن بالمن والفداء في الأسارى من المشركين وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما بعد الحكم أبدا أن يمن أو يفادي أو يقتل أو يسترق فأي ذلك فعل فقد جاء به كتاب الله تبارك وتعالى ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) : وقد وصفنا أن للإمام في الأسارى الخيار في غير هذا الكتاب وأحب أن يكون على النظر للإسلام وأهله فيقتل إن كان ذلك أوهن وأطفأ للحرب ويدع إن كان ذلك أشد لنشر الحرب وأطلب للعدو على نحو ما أشار به أنس على عمر ومتى سبق من الإمام قول فيه أمان ثم ندم عليه لم يكن له نقض الأمان بعدما سبق منه وكذلك كل قول يشبه الأمان مثل قول عمر تكلم لا بأس ( قال الشافعي ) : ولا قود على قاتل أحد بعينه لأن الهرمزان قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلم ير عليه عمر قودا وقول عمر في هذا موافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءه قاتل حمزة مسلما فلم يقتله به قودا وجاءه بشر كثير كلهم قاتل معروف بعينه فلم ير عليه قودا وقول عمر لتأتيني بمن يشهد على ذلك أو لأبدأن بعقوبتك يحتمل أن لم يذكر ما قال للهرمزان من أن لا تقبل إلا بشاهدين ويحتمل أن احتياطا كما احتاط في الأخبار ويحتمل أن يكون في يديه فجعل الشاهد غيره لأنه دافع عمن هو بيديه وأشبه ذلك عندنا أن يكون احتياطا والله تعالى أعلم . ( قال الشافعي ) : أخبرنا الثقفي عن حميد عن موسى بن أنس عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سأله " إذا حاصرتم المدينة كيف تصنعون " قال : نبعث الرجل إلى المدينة ونصنع له هنة من جلود قال : " أرأيت إن رمي بحجر " قال إذا يقتل قال : فلا تفعلوا فوالذي نفسي بيده ما يسرني أن تفتحوا مدينة فيها أربعة آلاف مقاتل بتضييع رجل مسلم . ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ما قال عمر بن الخطاب من هذا احتياط وحسن نظر للمسلمين وإني أستحب للإمام ولجميع العمال وللناس كلهم أن لا يكونوا معترضين لمثل هذا ولا لغيره مما الأغلب عليه منه التلف وليس هذا بمحرم على من عرضه والمبارزة ليست هكذا لأن المبارزة إنما يبرز لواحد فلا يبين أنه مخاطر إنما المخاطر المتقدم على جماعة أهل الحصن فيرمى أو على الجماعة وحده الأغلب أن لا يدان له بهم فإن قال قائل : ما دل على أن لا بأس بالتقدم على الجماعة ؟ قيل بلغنا { أن رجلا قال : يا رسول الله إلام يضحك الله من عبده ؟ قال غمسه يده في العدو حاسرا فألقى درعا كانت عليه وحمل حاسرا حتى قتل } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى والاختيار أن يتحرز ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى [ ص: 267 ] أخبرنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد { أن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس قال { : سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فانتهى إليها ليلا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرق قوما ليلا لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يكونوا يصلون أغار عليهم حين يصبح فلما أصبح ركب وركب معه المسلمون وخرج أهل القرية ومعهم مكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قال أنس وإني لرديف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم } ( قال الشافعي ) : وفي رواية أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغير حتى يصبح ليس بتحريم للإغارة ليلا ونهارا ولا غارين في حال والله تعالى أعلم ، ولكنه على أن يكون يبصر من معه كيف يغيرون احتياطا من أن يؤتوا من كمين أو حيث لا يشعرون وقد تختلط الحرب إذا أغاروا ليلا فيقتل بعض المسلمين بعضا وقد أصابهم ذلك في قتل ابن عتيك فقطعوا رجل أحدهم ، فإن قال قائل ما دل على أن هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليس بتحريم أن يغير أحد ليلا ؟ قيل : قد أمر بالغارة على غير واحد من اليهود فقتلوه . الفداء بالأسارى ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال { أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل فأوثقوه وطرحوه في الحرة فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه أو قال أتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار وتحته قطيفة فناداه يا محمد يا محمد فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما شأنك قال : فيم أخذت وفيم أخذت سابقة الحاج ؟ قال أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه ومضى فناداه يا محمد يا محمد فرحمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليه فقال ما شأنك قال : إني مسلم فقال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح قال فتركه ومضى فناداه يا محمد يا محمد فرجع إليه فقال : إني جائع فأطعمني قال . وأحسبه قال وإني عطشان فاسقني قال : هذه حاجتك ففداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف وأخذ ناقته } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف } إنما هو أن المأخوذ مشرك مباح الدم والمال لشركه من جميع جهاته والعفو عنه مباح فلما كان هكذا لم ينكر أن يقول أخذت أي حبست بجريرة حلفائكم ثقيف ويحبسه بذلك ليصير إلى أن يخلوا من أراد ويصيروا إلى ما أراد ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وقد غلط بهذا بعض من يشدد الولاية فقال : يؤخذ الولي من المسلمين وهذا مشرك يحل أن يؤخذ بكل جهة وقد { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلين مسلمين هذا ابنك ؟ قال نعم قال أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه وقضى الله عز وجل أن لا تزر وازرة وزر أخرى } ولما كان حبس هذا حلالا بغير جناية غيره وإرساله مباحا كان جائزا أن يحبس بجناية غيره لاستحقاقه ذلك بنفسه ويخلى تطوعا إذا نال به بعض ما يحب حابسه ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : { وأسلم هذا الأسير فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسلم لا بنية فقال [ ص: 268 ] لو قلتها وأنت تملك نفسك أفلحت كل الفلاح } وحقن بإسلامه دمه ولم يخله بالإسلام إذ كان بعد إساره وهكذا من أسر من المشركين فأسلم حقن له إسلامه دمه ولم يخرجه إسلامه من الرق إن رأى الإمام استرقاقه استدلالا بما وصفنا من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفعله بالرجلين بعد إسلامهما فهذا أثبت عليه الرق بعد إسلامه ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وهذا رد لقول مجاهد لأن سفيان أخبرنا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : إذا أسلم أهل العنوة فهم أحرار وأموالهم فيء للمسلمين فتركنا هذا استدلالا بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا فاداه النبي صلى الله عليه وسلم برجلين من أصحابه فإنما فاداه بهما أنه فك الرق عنه بأن خلوا صاحبيه . وفي هذا دلالة على أن لا بأس أن يعطي المسلمون المشركين من يجري عليه الرق وإن أسلم إذا كان من يدفعون إليهم من المسلمين لا يسترق وهذا العقيلي لا يسترق لموضعه فيهم وإن خرج من بلاد الإسلام إلى بلاد الشرك وفي هذا دلالة على أنه لا بأس أن يخرج المسلم من بلاد الإسلام إلى بلاد الشرك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فدى صاحبيه فالعقيلي بعد إسلامه وبلاده بلاد شرك ففي ذلك دلالة على ما وصفت ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : فداء النبي صلى الله عليه وسلم هذا بالعقيلي ورده إلى بلده وهي أرض كفر لعلمه بأنهم لا يضرونه ولا يجترئون عليه لقدره فيهم وشرفه عندهم ولو أسلم رجل لم يرد إلى قوم يقومون عليه أن يضروه إلا في مثل حال العقيلي ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وفداؤه بالعقيلي والعقيلي لا يسترق خلاف أن يفدى بمن يسترق من المسلمين قال : ولا بأس أن يفدى بمن يسترق من المشركين البالغين المسلمين وإذا جاز أن يفدى بمن يسترق جاز أن يبيع المسلمون المشركين البالغين من المشركين . العبد المسلم يأبق إلى أهل دار الحرب . سألت الشافعي عن العدو يأبق إليهم العبد أو يشرد البعير أو يغيرون فينالونهما أو يملكونهما أسهما ؟ قال : لا فقلت للشافعي : فما تقول فيهما إذا ظهر عليهم المسلمون فجاء أصحابهما قبل أن يقتسما ؟ فقال : هما لصاحبهما فقلت أرأيت إن وقعا في المقاسم ؟ فقال : اختلف فيهما المفتون فمنهم من قال هما قبل المقاسم وبعدها سواء لصاحبهما ومنهم من قال هما لصاحبهما قبل المقاسم فإذا وقعت المقاسم وصارا في سهم رجل فلا سبيل إليهما ومنهم من قال صاحبهما أحق بهما ما لم يقسما فإذا قسما فصاحبهما أحق بهما بالقيمة : قلت للشافعي : فما اخترت من هذا ؟ قال : أنا أستخير الله عز وجل فيه قلت فمع أي القولين الآثار والقياس ؟ فقال : دلالة السنة والله تعالى أعلم . فقلت للشافعي : فاذكر السنة فقال : أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن عمران بن حصين قال { سبيت امرأة من الأنصار وكانت الناقة قد أصيبت قبلها } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : كأنه يعني ناقة النبي صلى الله عليه وسلم لأن آخر حديثه يدل على ذلك قال عمران بن حصين { : فكانت تكون فيهم وكانوا يجيئون بالنعم إليهم فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت كلما أتت بعيرا منها فمسته رغا فتركته حتى أتت تلك الناقة فمستها فلم ترغ وهي ناقة هدرة فقعدت في عجزها ثم صاحت بها فانطلقت وطلبت من ليلتها فلم يقدر عليها فجعلت لله عليها إن [ ص: 269 ] الله أنجاها عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة عرفوا الناقة وقالوا : ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إنها قد جعلت لله تعالى عليها لتنحرنها فقالوا والله لا تنحريها حتى نؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوه فأخبروه أن فلانة قد جاءت على ناقتك وأنها قد جعلت لله عليها إن نجاها الله عليها لتنحرنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبئس ما جزتها إن أنجاها الله عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد أو قال ابن آدم } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وهذا الحديث يدل على أن العدو قد أحرز ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأنصارية انفلتت من إسارهم عليها بعد إحرازهموها ورأت أنها لها فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قد نذرت فيما لا تملك ولا نذر لها وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته ولو كان المشركون يملكون على المسلمين لم يعد أخذ الأنصارية الناقة أن تكون ملكها بأنها أخذتها ولا خمس فيها لأنها لم توجف عليها وقد قال بهذا غيرنا ولسنا نقول به أو تكون ملكت أربعة أخماسها وخمسها لأهل الخمس أو تكون من الفيء الذي لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فيكون أربعة أخماسها للنبي صلى الله عليه وسلم وخمسها لأهل الخمس ولا أحفظ قولا لأحد أن يتوهمه في هذا غير أحد هذه الثلاثة الأقاويل . قال : فلما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته دل هذا على أن المشركين لا يملكون شيئا على المسلمين وإذا لم يملك المشركون على المسلمين ما أوجفوا عليه بخيلهم فأحرزوه في ديارهم أشبه والله تعالى أعلم أن لا يملك المسلمون عنهم ما لم يملكوا هم لأنفسهم قبل قسم الغنيمة ولا بعده ، قلت للشافعي رحمه الله تعالى فإن كان هذا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف اختلف فيه ؟ فقال : قد يذهب بعض السنن على بعض أهل العلم ولو علمها إن شاء الله تعالى قال بها ، قلت للشافعي : أفرأيت من لقيت ممن سمع هذا كيف تركه ؟ فقال : لم يدعه كله ولم يأخذ به كله ، فقلت : فكيف كان هذا ؟ قال : والله تعالى أعلم ولا يجوز هذا لأحد ، فقلت فهل ذهب فيه إلى شيء ؟ فقال : كلمني بعض من ذهب هذا المذهب فقال : وهكذا يقول فيه المقاسم فيصير عبد رجل في سهم رجل فيكون مفروزا من حقه وبتفرق الجيش فلا يجد أحدا يتبعه بسهمه فينقلب لا سهم له . فقلت له : أفرأيت لو وقع في سهمه حر أو أم ولد لرجل ؟ قال يخرج من يده ويعوض من بيت المال فقلت له : وإن لم يستحق الحر الحرية ولا مالك أم الولد إلا بعد تفرق الجيش ؟ قال : نعم ويعوض من بيت المال . فقلت له : وما يدخل على من قال هذا القول في عبد الرجل المسلم يخرج من يدي من صار سهمه ويعوض منه قيمته . فقال من أين يعوض ؟ قلت : من الخمس خاصة . قال : ومن أي الخمس ؟ قلت سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يضعه في الأنفال ومصالح المسلمين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقال لي قائل : تول الجواب عمن قال صاحب المال أحق به قبل المقاسم وبعده قلت فاسأل فقال : ما حجتك فيه ؟ قلت : ما وصفت من السنة في حديث عمران بن حصين والخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن السنة إذا دلت أن المشركين لا يملكون على المسلمين شيئا بحال لم يجز أن يملكوا عليهم بحال أخرى إلا بسنة مثلها . فقال ومن أين ؟ قلت : إني إذا أعطيت أن مالك العبد إذا وجد عبده قبل ما يحرزه العدو ثم يحرزه المسلمون على العدو قبل أن يقسمه المسلمون فقد أعطيت أن العدو لم يملكوه ملكا يتم لهم ولو ملكوه [ ص: 270 ] ملكا يتم لهم لم يكن العبد لسيده إذا ملكه الموجفون عليه من المسلمين قبل القسم ولا بعده أرأيت لو كان أسرهم إياه وغلبتهم عليه كبيع مولاه له منهم أو هبته إياه ثم أوجف عليه ألا يكون للموجفين ؟ قال : بلى قلت : أفتعدو غلبة العدو عليه أن تكون ملكا فيكون كمال لهم سواء مما وهب لهم أو اشتروه أو تكون غصبا لا يملكونه عليه ؟ فإذا كانت السنة والآثار والإجماع تدل على أنه كالغصب قبل أن يقسم فكذلك ينبغي أن يكون بعدما يقسم ، ألا ترى أن مسلما متأولا أو غير متأول لو أوجف على عبد ثم أخذ من يد من قهره عليه كان لمالكه الأول فإذا لم يملك مسلم على مسلم بغصب كان المشرك أولى أن لا يكون مالكا مع أنك لم تجعل المشرك مالكا ولا غير مالك ( قال الشافعي ) : فقال : إن هذا ليدخله ولكنا قلنا فيه بالأثر ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أرأيت إن قال لك قائل : هذه السنة والأثر تجامع ما قلنا وهو القياس والمعقول فكيف صرت إلى أن تأخذ بشيء دون السنة وتدع السنة وشيء من الأثر أقل من الآثار وتدع الأكثر فما حجتك فيه ؟ قال : إنا قد قلنا بالسنة والآثار التي ذهبت إليها ولم يكن فيها بيان أن ذلك بعد القسمة كهو قبلها ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى قلت له : أما فيها بيان أن العدو لو ملكوا على المسلمين ما أحرزوا من أموالهم ملكا تاما كان ذلك لمن ملك من المسلمين على المشركين دون مالكه الأول ؟ قال : بلى قلت : أولا يكون مملوكا لمالكه الأول بكل حال أو للعدو إذا أحرزوه ؟ فقال : إن هذا ليدخل ذلك ولكن صرنا إلى الأثر وتركنا القياس ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : فقلت له فهذه السنة والآثار والقياس عليها فقال : قد يحتمل أن يكون حكمه قبل ما يقسم حكمه بعد ما يقسم حكمه ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له : أما في قياس أو عقل فلا يجوز أن يكون هذا لو كان إلا بالأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء ويروى عمن دونه فليس في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة قال : أفيحتمل من روى عنه قولنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ذهب عليه هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : أفيحتمل عندك ؟ فقال : نعم فقلت : فما مسألتك عن أمر تعلم أن لا مسألة فيه ؟ قال فأوجدني مثل هذا فقلت : نعم وأبين قال مثل ماذا ؟ ( قال الشافعي ) : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السن بخمس وقضى عمر في الضرس ببعير فكان يحتمل لذاهب لو ذهب مذهب عمر أن يقول السن ما أقبل والضرس ما أكل عليه ثم يكون هذا وجها محتملا يصح المذهب فيه ؟ فلما كانت السن داخلة في معنى الأسنان في حال فإن باينتها باسم منفرد دونها كما تباين الأسنان بأسماء تعرف بها صرنا وأنت إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة وجعلنا الأعم أولى بقول النبي صلى الله عليه وسلم من الأخص وإن احتمل الأخص من حكم كثير غير هذا نقول فيه نحن وأنت بمثل هذا قال : هذا في هذا وغيره كما تقول قلت فما أحرز المشركون ثم أحرز عنهم فكان لمالكه قبل القسم ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس له بعد القسم أثر غير هذا فأحرى لا يحتمل معنى إلا أن المشركين لا يحرزون على المسلمين شيئا قال : فإنا نأخذ قولنا من غير هذا الوجه إذا دخل من هذا الوجه فأخذه من أنا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم { من أسلم على شيء فهو له } وروينا عنه أن المغيرة أسلم على مال قوم قد قتلهم وأخفاه فكان له ( قال الشافعي ) : أرأيت ما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه من أسلم على شيء فهو له " أيثبت ؟ قال هو من حديثكم قلت نعم منقطع ونحن نكلمك على تثبيته فنقول لك أرأيت إن كان ثابتا أهو عام [ ص: 271 ] أو خاص ؟ قال : فإن قلت هو عام ؟ قلت : إذا نقول لك أرأيت عدوا أحرز حرا أو أم ولد أو مكاتبا أو مدبرا أو عبدا مرهونا فأسلم عليهم ؟ قال : لا يكون له حر ولا أم ولد ولا شيء لا يجوز ملكه
__________________
|
#183
|
||||
|
||||
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
__________________
|
#184
|
||||
|
||||
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
__________________
|
#185
|
||||
|
||||
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
__________________
|
#186
|
||||
|
||||
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
__________________
|
#187
|
||||
|
||||
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد الرابع الحلقة (187) صــــــــــ 299 الى صـــــــــــ313 في الذمي إذا اتجر في غير بلده . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا اتجر الذمي في بلاد الإسلام إلى أفق من الآفاق في السنة مرارا لم يؤخذ منه إلا مرة واحدة كما لا تؤخذ منه الجزية إلا مرة واحدة وقد ذكر عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أنه أمر فيما ظهر من أموالهم وأموال المسلمين أن يؤخذ منهم شيء وقته وأمر أن يكتب لهم براءة إلى مثله من الحول ولولا أن عمر أخذه منهم ما أخذنا منهم فهو يشبه أن يكون أخذه إياه منهم على أصل صلح أنهم إذا اتجروا أخذ منهم ولم يبلغنا أنه أخذ من أحد في سنة مرتين ولا أكثر فلما كانت الجزية في كل سنة مرة كان ينبغي أن يكون هذا عندنا في كل سنة مرة إلا أن يكونوا صولحوا عند الفتح على أكثر من ذلك فيكون لنا أن نأخذ منهم ما صولحوا عليه ولسنا نعلمهم صولحوا على أكثر ويؤخذ منهم كما أخذ عمر رضي الله تعالى عنه من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر ومن أهل الحرب العشر اتباعا له على ما أخذه لا نخالفه . نصارى العرب . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أكيدر الغساني وكان نصرانيا عربيا على الجزية وصالح نصارى نجران على الجزية وفيهم عرب وعجم وصالح ذمة اليمن على الجزية وفيهم عرب وعجم واختلفت الأخبار عن عمر في نصارى العرب من تنوخ وبهراء وبني تغلب فروى عنه أنه صالحهم على أن تضاعف عليهم الصدقة ولا يكرهوا على غير دينهم ولا يصبغوا أولادهم في النصرانية وعلمنا أنه كان يأخذ جزيتهم نعما ثم روى أنه قال بعد ما نصارى العرب بأهل كتاب أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الفلجة أو ابنه عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : ما نصارى العرب بأهل كتاب وما تحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم . ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى فأرى للإمام أن يأخذ منهم الجزية لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من النصارى من العرب كما وصفت وأما ذبائحهم فلا أحب أكلها خبرا عن عمر وعن علي بن أبي طالب وقد نأخذ الجزية من المجوس ولا نأكل ذبائحهم فلو كان من حل لنا أخذ الجزية منه حل لنا أكل ذبيحته أكلنا ذبيحة المجوس ولا ننكر إذا كان في أهل الكتاب حكمان وكان أحد صنفيهم تحل ذبيحته ونساؤه والصنف الثاني من المجوس لا تحل لنا ذبيحته ولا نساؤه والجزية تحل منهما معا أن يكون هكذا في نصارى العرب فيحل أخذ الجزية منهم ولا تحل ذبائحهم والذي يروى من حديث ابن عباس [ ص: 300 ] رضي الله تعالى عنهما في إحلال ذبائحهم إنما هو من حديث عكرمة أخبرنيه ابن الدراوردي وابن أبي يحيى عن ثور الديلمي عن عكرمة عن ابن عباس أنه سأل عن ذبائح نصارى العرب فقال قولا حكئا هو إحلالها وتلا { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } ولكن صاحبنا سكت عن اسم عكرمة وثور لم يلق ابن عباس والله أعلم . الصدقة . ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق الشيباني عن رجل أن عمر رضي الله تعالى عنه صالح نصارى بني تغلب على أن لا يصبغوه أبناءهم ولا يكرهوا على غير دينهم وأن تضاعف عليهم الصدقة ( قال الشافعي ) : وهكذا حفظ أهل المغازي وساقوه أحسن من هذا السياق فقالوا : رامهم على الجزية فقالوا : نحن عرب ولا نؤدي ما تؤدي العجم ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الصدقة فقال عمر رضي الله تعالى عنه : لا . هذا فرض على المسلمين فقالوا فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية ففعل فتراضى هو وهم على أن ضعف عليهم الصدقة ( قال الشافعي ) : ولا أعلمه فرض على أحد من نصارى العرب ولا يهودها الذين صالح والذين صالح بناحية الشام والجزيرة إلا هذا الفرض فأرى إذا عقد لهم هذا أن يؤخذ منهم عليه وأرى للإمام في كل دهر إن امتنعوا أن يقتصر عليهم بما قبل منهم فإن قبلوا أخذه وإن امتنعوا جاهدهم عليه وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية على أهل اليمن دينارا على كل حالم ، والحالم المحتلم ، وكذلك يؤخذ منهم وفيهم عرب وصالح نصارى نجران على كسوة تؤخذ منهم وكذلك تؤخذ منهم وفي هذا دلالتان إحداهما أن تؤخذ الجزية على ما صالحوا عليه والأخرى أنه ليس لما صالحوا عليه وقت إلا ما تراضوا عليه كائنا ما كان وإذا ضعفت عليهم الصدقة فانظر إلى مواشيهم وأطعمتهم وذهبهم وورقهم وما أصابوا من معادن بلادهم وركازها كل ما أخذت فيه من مسلم خمسا فخذ منهم خمسين وعشرا فخذ منهم عشرين ونصف عشر فخذ منهم عشرا وربع عشر فخذ منهم نصف عشر وعددا من الماشية فخذ منهم ضعف ذلك العدد ثم هكذا صدقاتهم لا تختلف ولا تؤخذ منهم من أموالهم حتى يكون لأحدهم من النصف من المال ما لو كان لمسلم وجب فيه الزكاة فإذا كان ذلك ضعف عليهم الزكاة وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الجزية عن النساء والصغار لأنه إذا قال : خذ من كل حالم دينارا فقد دل على أنه وضع عمن دون الحالم ودل على أنه لا يؤخذ من النساء ولا يؤخذ من نصارى بني تغلب وغيرهم ممن معهم من العرب لأنه لا يؤخذ ذلك منهم على الصدقة وإنما يؤخذ منهم على الجزية وإن نحي عنهم من اسمها ولا يكرهون على دين غير دينهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من أكيدر دومة وهو عربي وأخذها من عرب اليمن ونجران وأخذها الخلفاء بعده منهم وأخذها منهم على أن لا يأكلوا ذبائحهم لأنهم ليسوا من أهل الكتاب أخبرنا الثقة سفيان أو عبد الوهاب أو هما عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال : قال علي رضي الله تعالى عنه " لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب فإنهم لم يتمسكوا من نصرانيتهم أو من دينهم إلا بشرب الخمر " [ شك الشافعي ] ( قال الشافعي ) : وإنما تركنا [ ص: 301 ] أن نجبرهم على الإسلام أو نضرب أعناقهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من نصارى العرب وأن عثمان وعمر وعليا قد أقروهم وإن كان عمر قد قال هكذا وكذلك لا يحل لنا نكاح نسائهم لأن الله تبارك وتعالى إنما أحل لنا من أهل الكتاب الذين عليهم نزل وجميع ما أخذ من ذمي عربي وغيره فمسلكه مسلك الفيء وقال : ما اتجر به نصارى العرب وأهل ذمتهم فإن كانوا يهودا فسواء تضاعف عليهم فيه الصدقة وما اتجر به نصارى بني إسرائيل الذين هم أهل الكتاب فقد روى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فيهم أنه أخذ منهم في بعض تجاراتهم العشر وفي بعضها نصف العشر وهذا عندنا من عمر أنه صالحهم عليه كما صالحهم على الجزية المسماة ولست أعرف الذين صالحهم على ذلك من الذين لم يصالحهم فعلى إمام المسلمين أن يفرق الكتب في الآفاق ويحكي لهم ما صنع عمر فإنه لا يدري من صنع به ذلك منهم دون غيره فإن رضوا به أخذه منهم وإن لم يرضوا به جدد بينه وبينهم صلحا فيه كما يجدد فيمن ابتدأ صلحه ممن دخل في الجزية اليوم وإن صالحوا على أن يؤدوا في كل سنة مرة من غير بلدانهم فكذلك وإن صالحوا أن نأخذ منهم كلما اختلفوا وإن اختلفوا في السنة مرارا فذلك وكذلك ينبغي لإمام المسلمين أن يجدد بينه وبينهم في الضيافة صلحا ( مع أهل الذمة ) فإنه روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه جعل عليهم ضيافة ثلاثة أيام وروي عنه أنه جعل ضيافة يوم وليلة فإذا جدد عليهم الصلح في الضيافة جدد بأمر بين أن يضيف الرجل الموسر كذا والوسط كذا ولا يضيف الفقير ولا الصبي ولا المرأة وإن كانا غنيين لأنه لا تؤخذ منهم الجزية والضيافة صنف منها وسمى أن يطعموهم خبز كذا بأدم كذا ويعلفوا دوابهم من التبن كذا ومن الشعير كذا حتى يعرف الرجل عدد ما عليه إذا نزل به ليس أن ينزل به العساكر فيكلف ضيافتهم ولا يحتملها وهي مجحفة به وكذلك يسمي أن ينزلهم من منازلهم الكنائس أو فضول منازلهم أو هما معا . ( قال الشافعي ) : حيثما زرع النصراني من نصارى العرب ضعف عليه الصدقة كما وصفت وحيثما زرع النصراني الإسرائيلي لم يكن عليه في زرعه شيء وإنما الخراج كراء الأرض كما لو تكارى أرضا من رجل فزرعها أدى الكراء والعشر والنصراني من نصارى العرب إذا زرع الخراج ضعفت عليه العشر وأخذت منه الخراج وإذا قدم المستأمن من أرض الحرب فكان على النصرانية أو المجوسية أو اليهودية فنكح وزرع فلا خراج عليه ويقال له : إن أردت المقام فصالحنا على أن تؤدي الجزية وجزيته على ما صالح عليه وإن أبى الصلح أخرج وإن غفل عنه سنة أو سنين فلا خراج عليه ولا يجب عليه الخراج إلا بصلحه ونمنعه الزرع إلا بأن يؤدي عنه ما صالح عليه وإن غفل حتى يصرمه لم يؤخذ منه شيء وإن كان المستأمن وثنيا لم يترك حتى يقيم في دار الإسلام سنة ولم تؤخذ منه جزية وإن غفل عنه حتى زرع سنة أو أكثر دفع إليه وأخرج وإن كانت المرأة مستأمنة فتزوجت في بلاد الإسلام ثم أرادت الرجوع إلى بلاد الحرب فذلك إلى زوجها إن شاء أن يدعها تركها وإن شاء أن يحبسها حبسناها له بسلطان الزوج على حبس امرأته لا يغير ذلك ومتى طلقها أو مات عنها فلها أن ترجع فإن كان لها منه ولد فليس لها أن تخرج أولاده إلى دار الحرب لأن ذمتهم ذمة أبيهم ولها أن تخرج بنفسها وإذا أبق العبد إلى بلاد العدو ثم ظهر عليهم أو أغار العدو على بلاد الإسلام فسبوا عبيدا وظهر عليهم المسلمون فاقتسموا العبيد أو لم يقتسموا فسادتهم أحق بهم بلا قيمة ولا يكون العدو يملكون على مسلم شيئا إذا لم يملك المسلم بالغلبة فالمشرك الذي هو خول للمسلم إذا قدر عليه أولى أن لا يملك على مسلم ولا يعدو المشركون فيما غلبوا عليه أن يكونوا مالكين لهم كملكهم لأموالهم فإذا كان هذا هكذا ملكوا الحر وأم الولد والمكاتب وما سوى ذلك من الرقيق والأموال ثم لم يكن لسيد واحد من هؤلاء أن [ ص: 302 ] يأخذه قبل القسمة بلا قيمة ولا بعد القسمة بقيمة كما لا يكون له أن يأخذ سائر أموال العدو أو لا يكون ملك العدو ملكا فيكون كل امرئ على أصل ملكه ومن قال : لا يملك العدو الحر ولا المكاتب ولا أم الولد ولا المدبرة وهو يملك ما سواهن فهو يتحكم ثم يزعم أنهم يملكون ملكا محالا فيقول : يملكونه وإن ظهر عليهم المسلمون فأدركه سيده قبل القسم فهو له بلا شيء وإن كان بعد القسم فهو له إن شاء بالقيمة فهؤلاء ملكوه فإن قال قائل : فهل فيما ذكرت حجة لمن قاله ؟ قيل : لا إلا شيء يروى لا يثبت مثله عند أهل الحديث عن عمر رضي الله تعالى عنه فإن قال : فهل لك حجة بأنهم لا يملكون بحال ؟ قلنا : المعقول فيه ما وصفنا وإنما الحجة على من خالفنا ولنا فيه حجة بما لا ينبغي خلافه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة وهو يروى عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه { أن قوما أغاروا فأصابوا امرأة من الأنصار وناقة للنبي صلى الله عليه وسلم فكانت المرأة والناقة عندهم ثم انفلتت المرأة فركبت الناقة فأتت المدينة فعرفت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني نذرت لئن نجاني الله عليها لأنحرنها فمنعوها أن تنحرها حتى يذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال بئسما جزيتها إن نجاك الله عليها ثم تنحريها لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم } وقالا معا أو أحدهما في الحديث وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته ( قال الشافعي ) : فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته بعدما أحرزها المشركون وأحرزتها الأنصارية على المشركين ولو كانت الأنصارية أحرزت عليهم شيئا ليس لمالك كان لها في قولنا أربعة أخماسه وخمسه لأهل الخمس وفي قول غيرنا كان لها ما أحرزت لا خمس فيه وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تملك ماله وأخذ ماله بلا قيمة أخبرنا الثقة عن مخرمة بن بكير عن أبيه لا أحفظ عمن رواه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال فيما أحرز العدو من أموال المسلمين مما غلبوا عليه أو أبق إليهم ثم أحرزه المسلمون مالكوه أحق به قبل القسم وبعده فإن اقتسم فلصاحبه أخذه من يدي من صار في سهمه وعوض الذي صار في سهمه قيمته من خمس الخمس وهكذا حر إن اقتسم ثم قامت البينة على حريته . في الأمان . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم } قال : فإذا أمن مسلم بالغ حر أو عبد يقاتل أو لا يقاتل أو امرأة فالأمان جائز وإذا أمن من دون البالغين والمعتوه قاتلوا أو لم يقاتلوا لم نجز أمانهم وكذلك إن أمن ذمي قاتل أو لم يقاتل لم نجز أمانه وإن أمن واحد من هؤلاء فخرجوا إلينا بأمان فعلينا ردهم إلى مأمنهم ولا نعرض لهم في مال ولا نفس من قبل أنهم ليسوا يفرقون بين من في عسكرنا ممن يجوز أمانه ولا يجوز وننبذ إليهم فنقاتلهم وإذا أشار إليهم المسلم بشيء يرونه أمانا فقال أمنتهم بالإشارة فهو أمان فإن قال : لم أؤمنهم بها فالقول قوله وإن مات قبل أن يقول شيئا فليسوا بآمنين إلا أن يجدد لهم الوالي أمانا وعلى الوالي إذا مات قبل أن يبين أو قال وهو حي لم أؤمنهم أن يردهم إلى مأمنهم وينبذ إليهم قال الله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله } وقال الله عز وجل في غير [ ص: 303 ] أهل الكتاب : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } فحقن الله دماء من لم يدن دين أهل الكتاب من المشركين بالإيمان لا غيره وحقن دماء من دان دين أهل الكتاب بالإيمان أو إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون والصغار أن يجري عليهم الحكم لا أعرف منهم خارجا من هذا من الرجال { وقتل يوم حنين دريد بن الصمة ابن مائة وخمسين سنة في شجار لا يستطيع الجلوس فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر قتله } ولا أعرف في الرهبان خلاف أن يسلموا أو يؤدوا الجزية أو يقتلوا ورهبان الديارات والصوامع والمساكن سواء ولا أعرف ما يثبت عن أبي بكر رضي الله عنه خلاف هذا ولو كان يثبت لكان يشبه أن يكون أمرهم بالجد على قتال من يقاتلهم وأن لا يتشاغلوا بالمقام على صوامع هؤلاء كما يؤمرون أن لا يقيموا على الحصون وأن يسيحوا لأنها تشغلهم وأن يسيحوا لأن ذلك أنكى للعدو وليس أن قتال أهل الحصون محرم عليهم وذلك أن مباحا لهم أن يتركوا ولا يقتلوا كان التشاغل بقتال من يقاتلهم أولى بهم وكما يروى عنه أنه نهى عن قطع الشجر المثمر ولعله لا يرى بأسا بقطع الشجر المثمر لأنه قد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع الشجر المثمر على بني النضير وأهل خيبر والطائف وحضره يترك وعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وعد بفتح الشام فأمرهم بترك قطعه لتبقى لهم منفعته إذ كان واسعا لهم ترك قطعه وتسبى نساء الديارات وصبيانهم وتؤخذ أموالهم ( قال الشافعي ) : ويقتل الفلاحون والأجراء والشيوخ الكبار حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية . . المسلم أو الحربي يدفع إليه الحربي مالا وديعة . ( قال الشافعي ) رضي الله عنه : وأموال أهل الحرب مالان : فمال يغصبون عليه ويتمول عليهم فسواء من غصبه عليهم من مسلم أو حربي منهم أو من غيرهم وإذا أسلموا معا أو بعضهم قبل بعض لم يكن على الغاصب لهم أن يرد عليهم من ذلك شيئا لأن أموالهم كانت مباحة غير ممنوعة بإسلامهم ولا ذمتهم ولا أمان لهم ولا لأموالهم من خاص ولا عام ، ومال له أمان وما كان من المال له أمان فليس للذي أمن صاحبه عليه أن يأخذه منه بحال وعليه أن يرده فلو أن رجلا من أهل الحرب أودع مسلما أو حربيا في دار الحرب أو في بلاد الإسلام وديعة وأبضع منه بضاعة فخرج المسلم من بلاد الحرب إلى بلاد الإسلام أو الحربي فأسلم كان عليهما معا أن يؤديا إلى الحربي ماله كما يكون علينا لو أمناه على ماله أن لا نعرض لماله الوديعة إذا أودعنا أو أبضع معنا فذلك أمان منه لنا ومثل أمانه على ماله أو أكثر وهكذا الدين . في الأمة يسبيها العدو . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في الأمة للمسلم يسبيها العدو فيطؤها رجل منهم فتلد له أولادا ويولد لأولادها أولاد فيتناتجون ثم يظهر عليهم المسلمون فإنه يأخذها سيدها وأولادها الذين ولدتهم من [ ص: 304 ] الرجال والنساء وننظر إلى أولاد أولادها فنأخذ بني بناتها ولا نأخذ بني بنيها من قبل أن الرق إنما يكون بالأم لا بالأب كما ينكح الحر الأمة فيكون ولده رقيقا وكما ينكح العبد الحرة فيكون ولده كلهم أحرارا . في العلج يدل على القلعة على أن له جارية سماها . ( قال الشافعي ) : رضي الله عنه في علج دل قوما من المسلمين على قلعة على أن يعطوه جارية سماها فلما انتهوا إلى القلعة صالح صاحب القلعة على أن يفتحها لهم ويخلوا بينه وبين أهله ففعل فإذا أهله تلك الجارية فأرى أن يقال للدليل إن رضيت العوض عوضناك قيمتها وإن لم ترض العوض فقد أعطينا ما صالحناك عليه غيرك فإن رضي العوض أعطيه وتم الصلح وإن لم يرض العوض قيل لصاحب القلعة : قد صالحنا هذا على شيء صالحناك عليه بجهالة منا به فإن سلمت إليه عوضناك منه وإن لم تسلمه إليه نبذنا إليك وقاتلناك وإن كانت الجارية قد أسلمت قبل أن يظفر بها فلا سبيل إليها ويعطى قيمتها وإن ماتت عوض منها بالقيمة ولا يبين في الموت كما يبين إذا أسلمت في الأسير يكره على الكفر . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في الأسير يكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان : لا تبين منه امرأته وإن تكلم بالشرك ولا يحرم ميراثه من المسلمين ولا يحرمون ميراثهم منه إذا علم أنه إنما قال ذلك مكرها وعلمهم ذلك أن يقول قبل قوله أو مع قوله أو بعد قوله : إني إنما قلت ذلك مكرها ، وكذلك ما أكرهوا عليه من غير ضر أحد من أكل لحم الخنزير أو دخول كنيسة ففعل وسعه ذلك وأكره له أن يشرب الخمر لأنها تمنعه من الصلاة ومعرفة الله إذا سكر ولا يبين أن ذلك محرم عليه وإذا وضع عنه الشرك بالكره وضع عنه ما دونه مما لا يضر أحدا ولو أكرهوه على أن يقتل مسلما لم يكن له أن يقتله . ( قال الشافعي ) : رضي الله عنه في رجل أسر فتنصر وله امرأة فمر به قوم من المسلمين فأشرف عليهم وهو في الحصن فقال : إنما تنصرت بلساني وأنا أصلي إذا خلوت فهذا مكره ولا تبين منه امرأته . النصراني يسلم في وسط السنة . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أسلم الذمي قبل حلول وقت الجزية سقطت عنه وإن أسلم بعد حلولها فهي عليه . ( قال الشافعي ) : رضي الله عنه كل من خالف الإسلام من أهل الصوامع وغيرهم ممن دان دين أهل الكتاب فلا بد من السيف أو الجزية . ( قال الشافعي ) رحمه الله : كل شيء بيع وفيه فضة مثل السيف والمنطقة والقدح والخاتم والسرج فلا يباع حتى تخلع الفضة فتباع الفضة بالفضة ويباع السيف على حدة ويباع ما كان عليه من فضة بالذهب ولا يباع بالفضة . . [ ص: 305 ] الزكاة في الحلية من السيف وغيره . ( قال الشافعي ) رضي الله عنه : الخاتم يكون للرجل من فضة والحلية للسيف لا زكاة عليه في واحد منهما في قول من رأى أن لا زكاة في الحلي وإن كانت الحلية لمصحف أو كان الخاتم لرجل من ذهب لم تسقط عنه الزكاة ولولا أنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم بخاتم فضة وأنه كان في سيفه حلية فضة ما جاز أن يترك الزكاة فيه من رأى أن لا زكاة في الحلي لأن الحلي للنساء لا للرجال . العبد يأبق إلى أرض الحرب . ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا أبق العبد إلى بلاد العدو كافرا كان أو مسلما سواء لأنه على ملك سيده وأنه لسيده قبل المقاسم وبعدها وإن كان مسلما فارتد فكذلك غير أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل . في السبي . ( قال الشافعي ) رضي الله عنه : وإذا سبي النساء والرجال والولدان ثم أخرجوا إلى دار الإسلام فلا بأس ببيع الرجال من أهل الحرب وأهل الصلح والمسلمين قد فادى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرى فرجعوا إلى مكة وهم كانوا عدوه وقاتلوه بعد فدائهم ومن عليهم وقاتلوه بعد المن عليهم وفدى رجلا برجلين فكذلك لا بأس ببيع السبي البوالغ من أهل الحرب والصلح ومن كان من الولدان مع أحد أبويه فلا بأس أن يباع من أهل الحرب والصلح ولا يصلى عليه إن مات قد باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي بني قريظة من أهل الحرب والصلح فبعث بهم أثلاثا ، ثلثا إلى نجد وثلثا إلى تهامة وهؤلاء مشركون أهل أوثان وثلثا إلى الشام وأولئك مشركون فيهم الوثني وغير الوثني وفيهم الولدان مع أمهاتهم ولم أعلم منهم أحدا كان خليا من أمه فإذا كان مولود خليا من أمه لم أر أن يباع إلا من مسلم وسواء كان السبي من أهل الكتاب أو من غير أهل الكتاب لأن بني قريظة كانوا أهل كتاب ومن وصفت أن النبي صلى الله عليه وسلم من عليهم كانوا من أهل الأوثان وقد من على بعض أهل الكتابين فلم يقتل ، وقتل أعمى من بني قريظة بعد الإسار وهذا يدل على قتل من لا يقاتل من الرجال البالغين إذا أبى الإسلام أو الجزية . قال : ويقتل الأسير بعد وضع الحرب أوزارها وقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعد انقطاع الحرب بينه وبين من قتل في ذلك الأسر وكذلك يقتل كل مشرك بالغ إذا أبى الإسلام أو الجزية وإذا دعا الإمام الأسير إلى الإسلام فحسن وإن لم يدعه وقتله فلا بأس ، وإذا قتل الرجل الأسير قبل بلوغ الإمام وبعده في دار الحرب وبعد الخروج منها بغير أمر الإمام فقد أساء ولا عزم عليه من قبل أنه لما كان للإمام أن يرسله ويقتله ويفادي به كان حكمه غير حكم الأموال التي ليس للإمام إلا إعطاؤها من أوجف عليها ولكنه لو قتل طفلا أو امرأة عوقب وغرم أثمانهما ، ولو استهلك مالا غرم ثمنه ، وإذا سيق السبي فأبطئوا أوجفوا ولا محمل لهم بحال فإن شاءوا قتلوا الرجال وإن شاءوا تركوهم وكذلك إن خيفوا وليس لهم قتل النساء ولا الولدان بحال ولا قتل شيء من البهائم إلا ذبحا [ ص: 306 ] لمأكله لا غيره لا فرس ولا غيره ، فإن اتهم الإمام الذي يسوق السبي أحلفه ولا شيء عليه ، وإذا جنت الجارية من السبي جناية لم يكن للإمام أن يمنعها من المجني عليه ولا يفديها من مال الجيش وعليه أن يبيعها بالجناية فإن كان ثمنها أقل من الجناية أو مثلها دفعه إلى المجني عليه وإن كان أكثر فليست له الزيادة على أرش جنايته والزيادة لأهل العسكر ، وإن كان معها مولود صغير وولدت بعدما جنت وقبل تباع بيعت ومولودها وقسم الثمن عليهما فما أصابها كان للمجني عليه كما وصفت وما أصاب ولدها فلجماعة الجيش لأنه ليس للجاني قال : والبيع في أرض الحرب جائز فمن اشترى شيئا من المغنم ثم خرج فلقيه العدو فأخذوه منه فلا شيء له وكان ينبغي للوالي أن يبعث مع الناس من يحوطهم ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : يجزئ في الرقاب الواجبة المولود على الإسلام الصغير وولد الزنا والله أعلم . يتبع
__________________
|
#188
|
||||
|
||||
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد الرابع الحلقة (188) صــــــــــ 299 الى صـــــــــــ313 العدو يغلقون الحصون على النساء والأطفال والأسرى هل ترمى الحصون بالمنجنيق ؟ . ( قال الشافعي ) رضي الله تعالى عنه : إذا كان في حصن المشركين نساء وأطفال وأسرى مسلمون فلا بأس بأن ينصب المنجنيق على الحصن دون البيوت التي فيها الساكن إلا أن يلتحم المسلمون قريبا من الحصن فلا بأس أن ترمى بيوته وجدرانه فإذا كان في الحصن مقاتلة محصنون رميت البيوت والحصون ، وإذا تترسوا بالصبيان المسلمين أو غير المسلمين والمسلمون ملتحمون فلا بأس أن يعمدوا المقاتلة دون المسلمين والصبيان وإن كانوا غير ملتحمين أحببت له الكف عنهم حتى يمكنهم أن يقاتلوهم غير متترسين ، وهكذا إن أبرزوهم فقالوا : إن رميتمونا وقاتلتمونا قاتلناهم ، والنفط والنار مثل المنجنيق وكذلك الماء والدخان . في قطع الشجر وحرق المنازل . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا بأس بقطع الشجر المثمر وتخريب العامر وتحريقه من بلاد العدو وكذلك لا بأس بتحريق ما قدر لهم عليه من مال وطعام لا روح فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وأهل خيبر وأهل الطائف وقطع فأنزل الله عز وجل في بني النضير { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها } الآية فأما ماله روح فإنه يألم مما أصابه فقتله محرم إلا بأن يذبح فيؤكل ولا يحل قتله لمغايظة العدو لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عنها قيل : وما حقها يا رسول الله قال : يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي به } ولا يحرق نحلا ولا يغرق لأنه له روح وإذا كان المسلمون أسرى أو مستأمنين في دار الحرب فقتل بعضهم بعضا أو قذف بعضهم بعضا أو زنوا بغير حربية فعليهم في هذا كله الحكم كما يكون عليهم لو فعلوه في بلاد الإسلام إنما يسقط عنهم لو زنى أحدهم بحربية إذا ادعى الشبهة ، ولا تسقط دار الحرب . [ ص: 307 ] عنهم فرضا كما لا تسقط عنهم صوما ولا صلاة ولا زكاة والحدود فرض عليهم كما هذه فرض عليهم ، قال : وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم عليه حدا لله عز وجل فلو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا الحد عليه أبدا لأنه يمكنه من كل موضع أن يلحق بدار الحرب والعلة أن يلحق بدار الحرب فيعطل عنه الحد إبطالا لحكم الله عز وجل ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلة جهالة وغيا قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه وإذا أصاب المسلم نفسه بجرح خطأ فلا يكون له عقل على نفسه ولا على عاقلته ولا يضمن المرء ما جنى على نفسه وقد يروى أن رجلا من المسلمين ضرب رجلا من المشركين في غزاة أظنها خيبر بسيف فرجع السيف عليه فأصابه فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل له النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عقلا وإذا نصب القوم المنجنيق فرموا بها فرجع الحجر على أحدهم فقتله فديته على عواقل الذين رموا بالمنجنيق فإن كان ممن رمى به معهم رفعت حصته من الدية وذلك أن يكونوا عشرة هو عاشرهم فجناية العشر على نفسه مرفوعة عن نفسه وعاقلته ولا يضمن هو ولا عاقلته عما جنى على نفسه وعلى عواقلهم تسعة أعشار ديته وعلى الرامين الكفارة ولا يكون كفارة ولا عقل على من سددهم وأرشدهم وأمرهم حيث يرمون لأنه ليس بفاعل شيئا إنما تكون الكفارة والدية على الذين كان بفعلهم القتل وتحمل العاقلة كل شيء كان من الخطأ ولو كان درهما أو أقل منه إذا حملت الأكثر حملت الأقل وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم على العاقلة بدية الجنين وإذا دخل المسلم دار الحرب مستأمنا فأدان دينا من أهل الحرب ثم جاءه الحربي الذي أدانه مستأمنا قضيت عليه بدينه كما أقضي به للمسلم والذمي في دار الإسلام لأن الحكم جار على المسلم حيث كان لا نزيل الحق عنه بأن يكون بموضع من المواضع كما لا تزول عنه الصلاة أن يكون بدار الشرك فإن قال رجل : الصلاة فرض فكذلك أداء الدين فرض ولو كان المتداينان حربيين فاستأمنا ثم تطالبا ذلك الدين فإن رضيا حكمنا فليس علينا أن نقضي لهما بالدين حتى نعلم أنه من حلال فإذا علمنا أنه من حلال قضينا لهما به وكذلك لو أسلما فعلمنا أنه حلال قضينا لهما به إذا كان كل واحد منهما مقرا لصاحبه بالحق لا غاصب له عليه فإن كان غصبه عليه في دار الحرب لم أتبعه بشيء لأني أهدر عنهم ما تغاصبوا به فإن قال قائل : ما دل على أنك تقضي له به إذا لم يغصبه ؟ قيل له : أبى أهل الجاهلية في الجاهلية ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تبارك وتعالى { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } وقال في سياق الآية { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم } فلم يبطل عنهم رءوس أموالهم إذا لم يتقابضوا وقد كانوا مقرين بها ومستيقنين في الفضل فيها فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ما أصابوا من دم أو مال لأنه كان على وجه الغصب لا على وجه الإقرار به وإذا أحصن الذميان ثم زنيا ثم تحاكما إلينا رجمناهما وكذلك لو أسلما بعد إحصانهما ثم زنيا مسلمين رجمناهما إذا عددنا إحصانهما وهما مشركان إحصانا نرجمهما به فهو إحصان بعد إسلامهما ولا يكون إحصانا مرة وساقطا أخرى والحد على المسلم أوجب منه على الذمي وإذا أتيا جميعا فرضي أحدهما ولم يرض الآخر حكمنا على الراضي بحكمنا وأي رجل أصاب زوجة صحيحة النكاح حرة ذمية أو أمة مسلمة وهو حر بالغ فهو محصن وكذلك الحرة المسلمة يصيبها المسلم وكذلك الحرة الذمية يصيبها الزوج المسلم أو الذمي إنما الإحصان الجماع بالنكاح لا غيره فمتى وجدنا جماعا بنكاح صحيح فهو إحصان للحر منهما وإذا دخل الرجل دار الحرب فوجد في أيديهم أسرى رجالا ونساء من المسلمين [ ص: 308 ] فاشتراهم وأخرجهم من دار الحرب وأراد أن يرجع عليهم بما أعطى لم يكن ذلك له وكان متطوعا بالشراء لما ليس يباع من الأحرار فإن كانوا أمروه بشرائهم رجع عليهم بما أعطى فيهم من قبل أنه أعطى بأمرهم وكذلك قال بعض الناس ثم رجع فنقض قوله فزعم أن رجلا لو دخل بلاد الحرب وفي أيديهم عبد لرجل اشتراه بغير أمر الرجل ولا العبد كان له إلا أن يشاء سيد العبد أن يعطيه ثمنه وهذا خلاف قوله الأول إذا زعم أن المشتري غير مأمور متطوع لزمه أن يزعم أن هذا العبد لسيده ولا يرجع على سيده بشيء من ثمنه وهكذا نقول في العبد كما نقول في الحر لا يختلفان وإنما غلط فيه من قبل أنه يزعم أن المشركين يملكون على المسلمين وأنه اشتراه مالك من مالك ويدخل عليه في هذا الموضع أنه لا يكون عليه رده إلى سيده لأنه اشتراه مالك من مالك وكذلك لو كان الذمي اشتراه وإذا أسرت المسلمة فنكحها بعض أهل الحرب أو وطئها بلا نكاح ثم ظهر عليها المسلمون لم تسترق هي ولا ولدها لأن أولادها مسلمون بإسلامها فإن كان لها زوج في دار الإسلام لم يلحق به هذا الولد ولحق بالناكح المشرك وإن كان نكاحه فاسدا لأنه نكاح شبهة وإذا دخل المستأمن بلاد الإسلام فقتله مسلم عمدا فلا قود عليه وعليه الكفارة في ماله وديته فإن كان يهوديا أو نصرانيا فثلث دية المسلم وإن كان مجوسيا أو وثنيا فهو كالمجوسي فثمانمائة درهم في ماله حالة فإن قتله خطأ فديته على عاقلته وعليه الكفارة في ماله أخبرنا فضيل بن عياض عن منصور عن ثابت الحداد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في اليهودي والنصراني أربعة آلاف وفي المجوسي ثمانمائة درهم أخبرنا ابن عيينة عن صدقة بن يسار قال : أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن دية اليهودي والنصراني قال : قضى فيه عثمان بن عفان بأربعة آلاف فإن كان مع هذا المستأمن المقتول مال رد إلى ورثته كما يرد مال المعاهد إلى ورثته إذا كان الدم ممنوعا بالإسلام والأمان فالمال ممنوع بذلك وإذا دخل المسلم أو الذمي دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم يشتري لهم به شيئا فأما ما مع المسلمين فلا نعرض له ويرد على أهله من أهل دار الحرب لأن أقل ما فيه أن يكون خروج المسلم به أمانا للكافر فيه وإذا استأمن العبد من المشركين على أن يكون مسلما ويعتق فذلك للإمام أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصار ثقيف من نزل إليه من عبد فأسلم فشرط لهم أنهم أحرار فنزل إليه خمسة عشر عبدا من عبيد ثقيف فأعتقهم ثم جاء سادتهم بعدهم مسلمين فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردهم إليهم فقال : هم أحرار لا سبيل عليهم ولم يردهم وإذا وجد الرجل من أهل الحرب على قارعة الطريق بغير سلاح وقال : جئت رسولا مبلغا قبل منه ولم نعرض له فإن ارتيب به أحلف فإذا حلف ترك وهكذا لو كان معه سلاح وكان منفردا ليس في جماعة يمتنع مثلها لأن حالهما جميعا يشبه ما ادعيا ومن ادعى شيئا يشبه ما قال لا يعرف بغيره كان القول قوله مع يمينه وإذا أتى الرجل من أهل الشرك بغير عقد عقد له المسلمون فأراد المقام معهم فبهذه الدار لا تصلح إلا لمؤمن أو معطي جزية فإن كان من أهل الكتاب قيل له : إن أردت المقام فأد الجزية وإن لم ترده فارجع إلى مأمنك فإن استنظر فأحب إلي أن لا ينظر إلا أربعة أشهر من قبل أن الله عز وجل جعل للمشركين أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر وأكثر ما يجعل له أن لا يبلغ به الحول لأن الجزية في الحول فلا يقيم في دار الإسلام مقام من يؤدي الجزية ولا يؤديها وإن كان من أهل الأوثان فلا تؤخذ منه الجزية بحال عربيا كان أو أعجميا ولا ينظرا إلا كإنظار هذا وذلك دون الحول [ ص: 309 ] وإذا دخل قوم من المشركين بتجارة ظاهرين فلا سبيل عليهم لأن حال هؤلاء حال من لم يزل يؤمن من التجار وإذا دخل الحربي دار الإسلام مشركا ثم أسلم قبل يؤخذ فلا سبيل عليه ولا على ماله ولو كان جماعة من أهل الحرب ففعلوا هذا كان هذا هكذا ولو قاتلوا ثم أسروا فأسلموا بعد الإسار فهم فيء وأموالهم ولا سبيل على دمائهم للإسلام فإذا كان هذا ببلاد الحرب فأسلم رجل في أي حال ما أسلم فيها قبل أن يؤسر أحرز له إسلامه دمه ولم يكن عليه رق وهكذا إن صلى فالصلاة من الإيمان أمسك عنه فإن زعم أنه مؤمن فقد أحرز ماله ونفسه وإن زعم أنه صلى صلاته وأنه على غير الإيمان كان فيئا إن شاء الإمام قتله وحكمه حكم أسرى المشركين . الحربي إذا لجأ إلى الحرم . ( قال الشافعي ) رضي الله عنه : ولو أن قوما من أهل دار الحرب لجئوا إلى الحرم فكانوا ممتنعين فيه أخذوا كما يؤخذون في غير الحرم فنحكم فيهم من القتل وغيره كما نحكم فيمن كان في غير الحرم فإن قال قائل : وكيف زعمت أن الحرم لا يمنعهم وقد { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة : هي حرام بحرمة الله لم تحلل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحلل لي إلا ساعة من نهار } وهل ساعتها هذه محرمة ؟ قيل : إنما معنى ذلك والله أعلم أنها لم تحلل أن ينصب عليها الحرب حتى تكون كغيرها فإن قال : ما دل على ما وصفت ؟ قيل : أمر النبي صلى الله عليه وسلم عندما قتل عاصم بن ثابت وخبيب وابن حسان بقتل أبي سفيان في داره بمكة غيلة إن قدر عليه . وهذا في الوقت الذي كانت فيه محرمة فدل على أنها لا تمنع أحدا من شيء وجب عليه وأنها إنما يمنع أن ينصب عليها الحرب كما ينصب على غيرها والله أعلم . الحربي يدخل دار الإسلام بأمان ويشتري عبدا مسلما . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان فاشترى عبدا مسلما فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين أن يكون الشراء مفسوخا وأن يكون على ملك صاحب الأول أو يكون الشراء جائزا وعليه أن يبيعه فإن لم يظهر عليه حتى يهرب به إلى دار الحرب ثم أسلم عليه فهو له إن باعه أو وهبه فبيعه وهبته جائزة ولا يكون حرا بإدخاله إياه دار الحرب ولا يعتق بالإسلام إلا في موضع وهو أن يخرج من بلاد الحرب مسلما كما أعتق النبي صلى الله عليه وسلم من خرج من حصن ثقيف مسلما . فإن قال قائل : أفرأيت إن ذهبنا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعتقهم بالإسلام دون الخروج من بلاد الحرب قيل له : قد جاء النبي صلى الله عليه وسلم عبد مسلم ثم جاءه سيده يطلبه فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم منه بعبدين ولو كان ذلك يعتقه لم يشتر منه حرا ولم يعتقه هو بعد ولكنه أسلم غير خارج من بلاد منصوب عليها حرب . [ ص: 310 ] عبد الحربي يسلم في بلاد الحرب ( قال الشافعي ) رضي الله عنه : ولو أسلم عبد الحربي في دار الحرب ولم يخرج منها حتى ظهر المسلمون عليها كان رقيقا محقون الدم بالإسلام . الغلام يسلم . ( قال الشافعي ) رضي الله عنه : وإذا أسلم الغلام العاقل قبل أن يحتلم أو يبلغ خمس عشرة سنة وهو الذمي ووصف الإسلام كان أحب إلي أن يبيعه وأن يباع عليه والقياس أن لا يباع عليه حتى يصف والإسلام بعد الحلم أو بعد استكمال خمس عشرة سنة فيكون في السن التي لو أسلم ثم ارتد بعدها قتل . وإنما قلت : أحب إلي أن يباع عليه قياسا على من أسلم من عبيده أجبره على بيعه وهو لم يصف الإسلام وإنما جعلته مسلما بحكم غيره فكأنه إذا وصف الإسلام وهو يعقله في مثل ذلك المعنى أو أكثر منه وإن كان قد يخالفه فيحتمل الأول أن يكون قياسا كان صحيحا وهذا قياس فيه شبهة . في المرتد . ( قال الشافعي ) رحمة الله عليه : وإذا ارتد الرجل عن الإسلام ولحق بدار الحرب أو هرب فلم يدر أين هو أو خرس أو عته أوقفنا ماله فلم نقض فيه بشيء وإن لم يسلم قبل انقضاء عدة امرأته بانت منه وأوقفنا أمهات أولاده ومدبريه وجميع ماله وبعنا من رقيقه ما لا يرد عليه وما كان بيعه نظرا له ولم يحلل من ديونه المؤجلة شيء فإن رجع إلى الإسلام دفعنا إليه ماله كما كان بيده قبل ما صنع فإن مات قبل الإسلام فماله فيء يخمس فتكون أربعة أخماسه للمسلمين وخمسه لأهل الخمس . فإن زعم بعض ورثته أنه قد أسلم قبل أن يموت كلف البينة فإن جاء بها أعطي ماله ورثته من المسلمين وإن لم يأت بها وقد علمت منه الردة فماله فيء ، وإن قدم ليقتل فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وقتله بعض الولاة الذين لا يرون أن يستتاب بعض المرتدين فميراثه لورثته المسلمين وعلى قاتله الكفارة والدية ولولا الشبهة لكان عليه القود وقد خالفنا في هذا بعض الناس وقد كتبناه في كتاب المرتد وإذا عرضت الجماعة لقوم من مارة الطريق وكابروهم بالسلاح فإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا ، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض ونفيهم أن يطلبوا فينفوا من بلد إلى بلد فإذا ظفر بهم أقيمت عليهم أي هذه الحدود كان حدهم ولا يقطعون حتى يبلغ قدر ما أخذ كل واحد منهم ربع دينار فإن تابوا من قبل أن يقدر عليهم سقط عنهم ما لله من هذه الحدود ولزمهم ما للناس من مال أو جرح أو نفس حتى يكونوا يأخذونه أو يدعونه فإن كانت منهم جماعة ردءا لهم حيث لا يسمعون الصوت أو يسمعونه عزروا ولم يصنع بهم شيء من هذه الحدود . ولا يحد ممن حضر المعركة إلا من فعل [ ص: 311 ] هذا لأن الحد إنما هو بالفعل لا بالحضور ولا التقوية . وسواء كان هذا الفعل في قرية أو صحراء ولو أعطاهم السلطان أمانا على ما أصابوا كان ما أعطاهم عليه الأمان من حقوق الناس باطلا ولزمه أن يأخذ لهم حقوقهم إلا أن يدعوها ولو فعلوا غير مرتدين عن الإسلام . ثم ارتدوا عن الإسلام بعد فعلهم ثم تابوا أقيمت عليهم تلك الحدود لأنهم فعلوها وهم ممن تلزمهم تلك الحدود ولو كانوا ارتدوا عن الإسلام قبل فعل هذا ثم فعلوه مرتدين ثم تابوا لم نقم عليهم شيئا من هذا لأنهم فعلوه وهم مشركون ممتنعون قد ارتد طليحة فقتل ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن بيده ثم أسلم فلم يقد منه ولم يعقل لأنه فعل ذلك في حال الشرك ولا تباعة عليه في الحكم إلا أن يوجد مال رجل بعينه في يديه فيؤخذ منه ، ولو كانوا ارتدوا ثم فعلوا هذا ثم تابوا ثم فعلوا مثله أقيمت عليهم الحدود في الفعل الذي فعلوه وهم مسلمون ولم تقم عليهم في الفعل الذي فعلوه وهم مشركون ( قال ) وللشافعي قول آخر في موضع آخر إذا ارتد عن الإسلام ثم قتل مسلما ممتنعا وغير ممتنع قتل به وإن رجع إلى الإسلام لأن المعصية بالردة إن لم تزده شرا لم تزده خيرا فعليه القود ( قال الربيع ) : قياس قول الشافعي أنه إذا سرق العبد من المغنم فبلغت سرقته تمام سهم حر وأكثر فكان ربع دينار وأكثر أنه يقطع لأنه يزعم أنه لا يبلغ بالرضخ للعبد سهم رجل فإذا بلغ سهم رجل والذي بلغه بعد سهم رجل ربع دينار أو أكثر من السهم بربع قطع ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ارتد العبد عن الإسلام ولحق بدار الحرب ثم أمنه الإمام على أن لا يرده إلى سيده فأمانه باطل وعليه أن يدفعه إلى سيده فلو حال بينه وبين سيده بعد وصوله إليه فمات في يديه ضمن لسيده قيمته وكان كالغاصب وإن لم يمت كان لسيده عليه أجرته في المدة التي حبسه عنه فيها ، وإذا ضرب الرجل بالسيف ضربة يكون في مثلها قصاص اقتص منه وإن لم يكن فيها قصاص فعليه الأرش ، ولا تقطع يد أحد إلا السارق وقد ضرب صفوان بن المعطل حسان بن ثابت بالسيف ضربا شديدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقطع صفوان وعفا حسان بعد أن برأ فلم يعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان وهذا يدل أن لا عقوبة على من كان عليه قصاص فعفي عنه في دم ولا جرح وإلى الوالي قتل من قتل على المحاربة لا ينتظر به ولي المقتول ، وقد قال بعض أصحابنا ذلك قال : ومثله الرجل يقتل الرجل من غير نائرة واحتج لهم بعض من يذهب مذاهبهم بأمر المحدر بن زياد ولو كان حديثه مما نثبته قلنا به فإن ثبت فهو كما قالوا ولا أعرفه إلى يومي هذا ثابتا وإن لم يثبت فكل مقتول قتله غير المحارب فالقتل فيه إلى ولي المقتول من قبل أن الله جل وعلا يقول { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } وقال عز وجل { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف } فبين في حكم الله عز وجل أنه جعل العفو أو القتل إلى ولي الدم دون السلطان إلا في المحارب فإنه قد حكم في المحاربين أن يقتلوا أو يصلبوا فجعل ذلك حكما مطلقا لم يذكر فيه أولياء الدم . وإذا كان ممن قطع الطريق من أخذ المال ولم يقتل وكان أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى والحكم الأولى في يده اليمنى ورجله اليسرى ما بقي منهما شيء لا يتحول إلى غيرهما فإذا لم يبق منهما شيء يكون فيه حكم تحول الحكم إلى الطرفين الآخرين فكان فيهما ولا نقطع قطاع الطريق إلا فيما تقطع فيه السراق وذلك ربع دينار يأخذه كل واحد منهم فصاعدا أو قيمته وقطع الطريق بالعصا والرمي بالحجارة مثله بالسلاح من الحديد وإذا عرض اللصوص لقوم فلا حد إلا في [ ص: 312 ] فعل وإن اختلفت أفعالهم فحدودهم بقدر أفعالهم من قتل منهم وأخذ المال قتل وصلب ومن قتل منهم ولم يأخذ مالا قتل ولم يصلب ومن أخذ المال قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف ومن كثر جماعتهم ولم يفعل شيئا من هذا قاسمهم ما أصابوا أو لم يقاسمهم عزر وحبس وليس لأولياء الذين قتلهم قطاع الطريق عفو لأن الله جل وعز حدهم بالقتل أو القتل والصلب أو القطع ولم يذكر الأولياء كما ذكرهم في القصاص في الآيتين فقال عز وجل { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } وقال في الخطأ { فدية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا } وذكر القصاص في القتلى ثم قال عز وجل { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف } فذكر في الخطأ والعمد أهل الدم ولم يذكرهم في المحاربة فدل على أن حكم قتل المحارب مخالف لحكم قتل غيره والله أعلم . ( قال الشافعي ) : كل ما استهلك المحارب أو السارق من أموال الناس فوجد بعينه أخذ وإن لم يوجد بعينه فهو دين عليه يتبع به قال : وإن تاب المحاربون من قبل أن نقدر عليهم سقط عنهم ما لله عز وجل من الحد ولزمهم ما للناس من حق فمن قتل منهم دفع إلى أولياء المقتول فإن شاء عفا وإن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية حالا من مال القاتل ومن جرح منهم جرحا فيه قصاص فالجروح بين خيرتين إن أحب فله القصاص وإن أحب فله عقل الجروح فإن كان فيهم عبد فأصاب دما عمدا فولي الدم بالخيار بين أن يقتله أو يباع له فتؤدى إليه دية قتله إن كان حرا وإن كان عبدا فقيمة قتيله فإن فضل من ثمنه شيء رد إلى مالكه فإن عجز عن الدية لم يضمن مالكه شيئا وإن كان كفافا للدية فهو لولي القتيل إلا أن يشاء مالك العبد إذا عفا له عن القصاص أن يتطوع بدية الذي قتله عبده أو قيمته وإذا كانت في المحاربين امرأة فحكمها حكم الرجال لأني وجدت أحكام الله عز وجل على الرجال والنساء في الحدود واحدة قال الله تبارك وتعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } وقال { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ولم يختلف المسلمون في أن تقتل المرأة إذا قتلت وإذا أحدث المسلم حدثا في دار الإسلام فكان مقيما بها ممتنعا أو مستخفيا أو لحق بدار الحرب فسأل الأمان على إحداثه فإن كان فيها حقوق للمسلمين لم ينبغ للإمام أن يؤمنه عليها ولو أمنه عليها فجاء طالبها وجب عليه أن يأخذه بها وإن كان ارتد عن الإسلام فأحدث بعد الردة ثم استأمن أو جاء مؤمنا سقط عنه جميع ما أحدث في الردة والامتناع قد ارتد طليحة عن الإسلام وثنيا وقتل ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن ثم أسلم فلم يقد بواحد منهما ولم يؤخذ منه عقل لواحد منهما وإنما أمر الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام فقال { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه } ولم أعلم بذلك في أحد من أهل الإسلام فإن قال قائل : فلم لا تجعل ذلك في أهل الإسلام الممتنعين كما تجعله في المشركين الممتنعين ؟ قيل : لما وصفنا من سقوط ما أصاب المشرك في شركه وامتناعه من دم أو مال عنه وثبوت ما أصاب المسلم في امتناعه مع إسلامه فإن الحدود إنما هي على المؤمنين لا على المشركين ووجدت الله عز وجل حد المحاربين وهم ممتنعون كما حد غيرهم وزادهم في الحد بزيادة ذنبهم ولم يسقط عنهم بعظم الذنب شيئا كما أسقط عن المشركين وإذا أبق العبد من سيده ولحق بدار الحرب ثم استأمن الإمام على أن لا يرده على سيده فعليه أن يرده على سيده وكذلك لو قال على أنك حر كان أن يرده إلى سيده وأمان الإمام في حقوق الناس باطل وإذا قطع الرجل الطريق على رجلين أحدهما أبوه أو ابنه وأخذ المال فإن كان ما أخذ من حصة الذي ليس بأبيه يبلغ ربع دينار فصاعدا قطع كان مالهما مختلطا أو لم يكن لأن أحدهما لا يملك بمخالطته مال غيره إلا مال نفسه فإن استيقنا أن قد وصل إليه ربع دينار من غير مال أبيه أو ابنه قطعناه وإذا قطع أهل الذمة . [ ص: 313 ] على المسلمين حدوا حدود المسلمين وإذا قطع المسلمون على أهل الذمة حدوا حدودهم لو قطعوا على المسلمين إلا أني أتوقف في أن أقتلهم إن قتلوا أو أضمنهم الدية وإذا سرق الرجل من المغنم وقد حضر القتال - عبدا كان أو حرا - لم يقطع لأن لكل واحد منهما فيه نصيب الحر بسهمه والعبد بما يرضخ له ويضمن وكذلك كل من سرق من بيت المال وكذلك كل من سرق من زكاة الفطر وهو من أهل الحاجة ومن سرق خمرا من كتابي وغيره فلا غرم عليه ولا قطع وكذلك إن سرق ميتة من مجوسي فلا قطع ولا غرم لا يكون القطع والغرم إلا فيما يحل ثمنه فإذا بلغت قيمة الظرف ربع دينار قطعته من قبل أنه سارق لشيئين وعاء يحل بيعه والانتفاع به إذا غسل وخمر قد سقط القطع فيها كما يكون عليه القطع لو سرق شاتين : إحداهما ذكية والأخرى ميتة وكانت قيمة الذكية ربع دينار لم يسقط عنه القطع أن يكون معها ميتة والميتة كلا شيء وكأنه منفرد بالذكية لأنه سارق لهما ، والله أعلم .
__________________
|
#189
|
||||
|
||||
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد الخامس الحلقة (189) صــــــــــ 3 الى صـــــــــــ10 بسم الله الرحمن الرحيم [ ص: 3 ] كتاب النكاح ما يحرم الجمع بينه ( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } قال : فلا يحل الجمع بين الأختين بحال من نكاح ولا ملك يمين لأن الله تبارك وتعالى أنزله مطلقا فلا يحرم من الحرائر شيء إلا حرم من الإماء بالملك مثله إلا العدد فإن الله تبارك وتعالى انتهى بالحرائر إلى أربع وأطلق الإماء فقال عز ذكره { أو ما ملكت أيمانكم } لم ينته بذلك إلى عدد ( أخبرنا ) ابن عيينة عن مطرف عن أبي الجهم عن أبي الأخضر عن عمارة أنه كره من الإماء ما كره من الحرائر إلا العدد أخبرنا سفيان عن هشام بن حسان وأيوب عن ابن سيرين قال : قال ابن مسعود : يكره من الإماء ما يكره من الحرائر إلا العدد . ( قال الشافعي ) وهذا من قول العلماء إن شاء الله تعالى في معنى القرآن وبه نأخذ ، قال : والعدد ليس من النسب ولا الرضاع بسبيل ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما ؟ فقال عثمان : أحلتهما آية وحرمتهما آية ، وأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك ، قال فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا . قال مالك قال ابن شهاب : أراه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، قال مالك : وبلغني عن الزبير بن العوام مثل ذلك ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه أن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وابنتها من ملك اليمين هل توطأ إحداهما بعد الأخرى ؟ فقال عمر : ما أحب أن أجيزهما جميعا ونهاه . أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال : سئل عمر عن الأم وابنتها من ملك اليمين فقال : ما أحب أن أجيزهما جميعا فقال عبيد الله قال أبي فوددت أن عمر كان أشد في ذلك مما هو فيه . أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال سمعت ابن أبي مليكة يخبر أن معاذ بن عبيد الله بن معمر جاء إلى عائشة فقال لها : إن لي سرية قد أصبتها وأنها قد بلغت لها ابنة جارية لي أفأستسر ابنتها ؟ فقالت لا فقال : فإني والله لا أدعها إلا أن تقولي لي حرمها الله فقالت لا يفعله أحد من أهلي ولا أحد أطاعني . ( قال الشافعي ) فإذا كان عند الرجل امرأة فطلقها فكان لا يملك رجعتها فله أن ينكح أختها لأنه حينئذ غير جامع بين الأختين ، وإذا حرم الله تعالى الجمع بينهما ففي ذلك دلالة على أنه لم يحرم نكاح إحداهما بعد الأخرى وهذه منكوحة بعد الأخرى ولو كان لرجل جارية يطؤها فأراد وطء أختها لم يجز له وطء التي أراد أن يطأ حتى يحرم عليه فرج التي كان يطأ بنكاح أو كتابة أو خروج من ملكه ، فإذا [ ص: 4 ] فعل بعض هذا ثم وطئ الأخت ثم عجزت المكاتبة أو ردت المنكوحة كانت التي أبيح له فرجها أولا ثم حرمت عليه غير حلال له حتى يحرم فرج التي وطئ بعدها كما حرم فرجها قبل أن يطأ أختها ثم هكذا أبدا ، وسواء ولدت له التي وطئ أولا وآخرا أو لم تلد لأنه في كلتا الحالتين إنما يطؤها بملك اليمين . وإذا اجتمع النكاح وملك اليمين في أختين فالنكاح ثابت لا يفسده ملك اليمين كان النكاح قبل أو بعد فلو كانت لرجل جارية يطؤها فولدت له أو لم تلد حتى ينكح أختها كان النكاح ثابتا وحرم عليه فرج الأخت بالوطء ما كانت أختها زوجة له ، وأحب إلي لو حرم فرج أختها المملوكة حين يعقد نكاح أختها بالنكاح أو قبله بكتابة أو عتق أو أن يزوجها وإن لم يفعل لم أجبره على ذلك ولا على بيعها ونهيته عن وطئها كما لا أجبره على بيع جارية له وطئ ابنتها وأنهاه عن وطئها . ولو كانت عنده أمة زوجة فتزوج أختها حرة كان نكاح الآخرة مفسوخا ( قال الشافعي ) فإن قال قائل : ما الفرق بين الوطء بالملك والنكاح ؟ قيل له النكاح يثبت للرجل حقا على المرأة وللمرأة حقا على الرجل وملك عقدة النكاح يقوم في تحريم الجمع بين الأختين مقام الوطء في الأمتين . فلو ملك رجل عقدة نكاح أختين في عقدة أفسدنا نكاحهما ولو تزوجهما لا يدري أيتهما أول أفسدنا نكاحهما ولو ملك امرأة وأمهاتها وأولادها في صفقة بيع لم نفسد البيع ولا يحرم الجمع في البيع إنما يحرم جمع الوطء في الإماء ، فأما جمع عقدة الملك فلا يحرم . ولو وطئ أمة ثم باعها من ساعته أو أعتقها أو كاتبها أو باع بعضها كان له أن يطأ أختها مكانه وليس له في المرأة أن ينكح أختها وهي زوجة له ولا أن يملك المرأة غيره ولا أن يحرمها عليه بغير طلاق ، وولد المرأة يلزمه بالعقد وإن لم يقر بوطء إلا أن يلاعن ، وولد الأمة لا يلزم بغير إقرار بوطء ولا يجوز أن تكون المرأة زوجة له ويحل فرجها لغيره والأمة تكون مملوكة له وفرجها حلال لغيره إذا زوجها وحرام عليه وهو مالك رقبتها وليس هكذا المرأة ، المرأة يحل عقدها جماعها ولا يحرم جماعها والعقد ثابت عليها إلا بعلة صوم أو إحرام أو ما أشبهه مما إذا ذهب حل فرجها . قال : ولو أن رجلا له امرأة من أهل الشرك فأسلم الزوج واشترى أخت امرأته فوطئها ثم أسلمت امرأته في العدة حرم عليه فرج جاريته التي اشترى ولم تبع عليه وكانت امرأته امرأته بحالها ، وكذلك لو كانت هي المسلمة قبله واشترى أختها أو كانت له فوطئها ثم أسلم وهي في العدة . قال : ولو كانت عنده جارية فوطئها فلم يحرم عليه فرجها حتى وطئ أختها اجتنبت التي وطئ آخرا بوطء الأولى وأحب إلي لو اجتنب الأولى حتى يستبرئ الآخرة وإن لم يفعل فلا شيء عليه إن شاء الله تعالى قال : وسواء في هذا ولدت التي وطئت أولا أو آخرا أو هما أم لم تلد واحدة منهما ، ولو حرم فرج التي وطئ أولا بعد وطء الآخرة أبحت له وطء الآخرة ، ثم لو حل له فرج التي زوج فحرم فرجها عليه بأن يطلقها زوجها أو تكون مكاتبة فتعجز لم تحل له هي وكانت التي وطئ حلالا له حتى يحرم عليه فرجها فتحل له الأولى ، ثم هكذا أبدا متى حل له فرج واحدة فوطئها حرم عليه وطء الأخرى حتى يحرم عليه فرج التي حلت له ثم يحل له فرج التي حرمت عليه فيكون تحريم فرجها كطلاق الرجل الزوجة الذي لا يملك فيه الرجعة ثم يباح له نكاح أختها ، فإذا نكحها لم يحل له نكاح التي طلقها حتى تبين هذه منه إلا أنهما يختلفان في أنه يملك رقبة أختين وأخوات وأمهات ولا يملك عقد أختين بنكاح . [ ص: 5 ] من يحل الجمع بينه ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا بأس أن ينكح الرجل امرأة الرجل وابنته لأنه لا نسب بينهما يحرم به الجمع بينهما له ولا رضاع وإنما يحرم الجمع في بعض ذوات الأنساب بمن جمعهن إليه وقام الرضاع مقام النسب . ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أن عبد الله بن صفوان جمع بين امرأة رجل من ثقيف وابنته . ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمع الحسن بن محمد يقول جمع ابن عمر لي بين ابنتي عم له فأصبح النساء لا يدرين أين يذهبن . ( قال الشافعي ) ولا بأس أن يتزوج الرجل المرأة ويزوج ابنتها ابنه لأن الرجل غير ابنه قد يحرم على الرجل ما لا يحرم على ابنه ، وكذلك يزوجه أخت امرأته . الجمع بين المرأة وعمتها ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها } ( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ وهو قول من لقيت من المفتين لا اختلاف بينهم فيما علمته ولا يروى من وجه يثبته أهل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أبي هريرة وقد روي من وجه لا يثبته أهل الحديث من وجه آخر ، وفي هذا حجة على من رد الحديث وعلى من أخذ بالحديث مرة وتركه أخرى إلا أن العامة إنما تبعت في تحريم أن يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها قول الفقهاء ، ولم نعلم فقيها سئل لم حرم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها إلا قال بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أثبت بحديث منفرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فحرمه بما حرمه به النبي صلى الله عليه وسلم ولا علم له أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله إلا من حديث أبي هريرة وجب عليه إذا روى أبو هريرة أو غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثا آخر لا يخالفه أحد بحديث مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرم به ما حرم النبي صلى الله عليه وسلم ويحل به ما أحل النبي صلى الله عليه وسلم وقد فعلنا هذا في حديث التغليس وغير حديث وفعله غيرنا في غير حديث ، ثم يتحكم كثير ممن جامعنا على تثبيت الحديث فيثبته مرة ويرده أخرى وأقل ما علمنا بهذا أن يكون مخطئا في التثبيت أو في الرد لأنها طريق واحدة فلا يجوز تثبيتها مرة وردها أخرى وحجته على من قال لا أقبل إلا الإجماع لأنه لا يعد إجماعا تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وليس يسأل أحد من أهل العلم علمته إلا قال إنما نثبته من الحديث وهو يرد مثل هذا الحديث وأقوى منه مرارا ، قال وليس في الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها مما أحل وحرم في الكتاب معنى ، إلا أنا إذا قبلنا تحريم الجمع بينهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله تعالى قبلناه بما فرض من طاعته . فإن قال قائل : قد ذكر الله عز وجل من حرم من النساء وأحل ما وراءهن ؟ قيل القرآن عربي اللسان منه محتمل واسع ذكر الله من حرم بكل حال في الأصل ومن حرم بكل حال إذا فعل الناكح أو غيره فيه شيئا مثل الربيبة إذا دخل بأمها حرمت ومثل امرأة ابنه وأبيه إذا نكحها أبوه حرمت عليه بكل حال ، وكانوا يجمعون بين الأختين فحرمه وليس في تحريمه الجمع بين الأختين إباحة أن يجمع بين ما عدا الأختين إذا كان ما عدا الأختين مخالفا لهما كان أصلا في نفسه . [ ص: 6 ] وقد يذكر الله عز وجل الشيء في كتابه فيحرمه ويحرم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم غيره ، مثل قوله { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ليس فيه إباحة أكثر من أربع لأنه انتهى بتحليل النكاح إلى أربع { وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة وأسلم وعنده عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن } فأبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن انتهاء الله بتحليله إلى أربع حظر لما وراء أربع وإن لم يكن ذلك نصا في القرآن ، وحرم من غير جهة الجمع والنسب النساء المطلقات ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره بالقرآن وامرأة الملاعن بالسنة وما سواهن مما سميت كفاية لما استثنى منه . قال : والقول في الجمع بين المرأة وعمتها وعماتها من قبل آبائها وخالتها وخالاتها من قبل أمهاتها وإن بعدن كالقول في الأخوات سواء إن نكح واحدة ثم نكح أخرى بعدها ثبت نكاح الأولى وسقط نكاح الآخرة وإن نكحهما في عقدة معا انفسخ نكاحهما وإن نكح العمة قبل بنت الأخ أو ابنة الأخ قبل العمة فسواء هو جامع بينهما فيسقط نكاح الآخرة ويثبت نكاح الأولى وكذلك الخالة وسواء دخل بالأولى منهما دون الآخرة أو بالآخرة دون الأولى أو لم يدخل وهكذا يحرم الجمع بينهما بالوطء بملك اليمين والرضاع ، وملك اليمين في الوطء والنكاح سواء وما لم يكن للرجل أن يجمع بينه وبين الأختين أو المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها فنكح اثنتين منهن في عقدة فالعقدة منفسخة كلها ، وإذا نكح إحداهما قبل الأخرى فنكاح الأولى ثابت ونكاح الآخرة مفسوخ ولا يصنع الدخول شيئا إنما يصنعه العقدة ، وما نهى الله عن الجمع بينه من الأخوات وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجمع بين العمة والخالة ففيه دلالة على أن كل واحدة منهما تحل بعد الأخرى فلا بأس أن ينكح الأخت فإذا ماتت أو طلقها طلاقا يملك فيه الرجعة وانقضت عدتها أو طلاقا لا يملك فيه الرجعة وهي في عدتها أن ينكح الأخرى وهكذا العمة والخالة وكل ما نهي عن الجمع بينه . نكاح نساء أهل الكتاب وتحريم إمائهم ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } إلى { ولا هم يحلون لهن } ( قال الشافعي ) فزعم بعض أهل العلم بالقرآن أنها نزلت في مهاجرة من أهل مكة فسماها بعضهم ابنة عقبة بن أبي معيط وأهل مكة أهل أوثان وأن قول الله عز وجل { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } نزلت فيمن هاجر من أهل مكة مؤمنا وإنما نزلت في الهدنة وقال : قال الله عز وجل { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } إلى قوله { ولو أعجبتكم } وقد قيل في هذه الآية إنها نزلت في جماعة مشركي العرب الذين هم أهل الأوثان فحرم نكاح نسائهم كما حرم أن تنكح رجالهم المؤمنات قال فإن كان هذا هكذا فهذه الآيات ثابتة ليس فيها منسوخ قال وقد قيل هذه الآية في جميع المشركين ثم نزلت الرخصة بعدها في إحلال نكاح حرائر أهل الكتاب خاصة كما جاءت في إحلال ذبائح أهل الكتاب قال الله تبارك وتعالى { أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات } إلى قوله " أجورهن " . وقال فأيهما كان فقد أبيح فيه نكاح حرائر أهل الكتاب . وفي إباحة الله تعالى نكاح حرائرهم دلالة عندي والله تعالى أعلم على تحريم إمائهم لأن معلوما في اللسان إذا قصد قصد صفة من شيء بإباحة أو تحريم كان ذلك دليلا على أن ما [ ص: 7 ] قد خرج من تلك الصفة مخالف للمقصود قصده كما { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع } فدل ذلك على إباحة غير ذوات الأنياب من السباع وإن كانت الآية نزلت في تحريم نساء المؤمنين على المشركين وفي مشركي أهل الأوثان فالمسلمات محرمات على المشركين منهم بالقرآن على كل حال وعلى مشركي أهل الكتاب لقطع الولاية بين المشركين والمسلمين وما لم يختلف الناس فيه علمته قال والمحصنات من المؤمنات ومن أهل الكتاب الحرائر وقال الله عز وجل { ومن لم يستطع منكم طولا } إلى قوله { من فتياتكم المؤمنات ذلك لمن خشي العنت منكم } وفي إباحة الله الإماء المؤمنات على ما شرط لمن لم يجد طولا وخاف العنت دلالة والله تعالى أعلم على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب . وعلى أن الإماء المؤمنات لا يحللن إلا لمن جمع الأمرين مع إيمانهن لأن كل ما أباح بشرط لم يحلل إلا بذلك الشرط كما أباح التيمم في السفر والإعواز في الماء فلم يحلل إلا بأن يجمعهما المتيمم وليس إماء أهل الكتاب مؤمنات فيحللن بما حل به الإماء المؤمنات من الشرطين مع الإيمان . تفريع تحريم المسلمات على المشركين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإذا أسلمت المرأة أو ولدت على الإسلام أو أسلم أحد أبويها وهي صبية لم تبلغ حرم على كل مشرك كتابي ووثني نكاحها بكل حال ، ولو كان أبواها مشركين فوصفت الإسلام وهي تعقل صفته منعتها من أن ينكحها مشرك فإن وصفته وهي لا تعقل صفته كان أحب إلي أن يمنع أن ينكحها مشرك ولا يبين لي فسخ نكاحها ولو نكحها في هذه الحالة والله أعلم . باب نكاح حرائر أهل الكتاب ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ويحل نكاح حرائر أهل الكتاب لكل مسلم لأن الله تعالى أحلهن بغير استثناء وأحب إلي لو لم ينكحهن مسلم أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية فقال تزوجناهن زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي وقاص ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرا فلما رجعنا طلقناهن وقال فقال لا يرثن مسلما ولا يرثونهن ونساؤهن لنا حل ونساؤنا حرام عليهم . ( قال الشافعي ) وأهل الكتاب الذين يحل نكاح حرائرهم أهل الكتابين المشهورين التوراة والإنجيل وهم اليهود والنصارى دون المجوس قال والصابئون والسامرة من اليهود والنصارى الذين يحل نساؤهم وذبائحهم إلا أن يعلم أنهم يخالفونهم في أصل ما يحلون من الكتاب ويحرمون فيحرم نكاح نسائهم كما يحرم نكاح المجوسيات وإن كانوا يجامعونهم على أصل الكتاب ويتأولون فيختلفون فلا يحرم ذلك نساءهم وهم منهم يحل نساؤهم بما يحل به نساء غيرهم ممن لم يلزمه اسم صابئ ولا سامري قال ولا يحل نكاح حرائر من دان من العرب دين اليهودية والنصرانية لأن أصل دينهم كان الحنيفية ثم ضلوا بعبادة الأوثان وإنما انتقلوا إلى دين أهل الكتاب بعده لا بأنهم كانوا الذين دانوا بالتوراة والإنجيل فضلوا عنها وأحدثوا فيها إنما ضلوا عن الحنيفية ولم يكونوا كذلك لا تحل ذبائحهم وكذلك كل أعجمي كان أصل دين من مضى من آبائه عبادة الأوثان ولم يكن من أهل الكتابين المشهورين التوراة والإنجيل فدان دينهم لم يحل نكاح نسائهم فإن قال قائل فهل في هذا من [ ص: 8 ] أمر متقدم ؟ قيل نعم أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا الفضل بن عيسى الرقاشي قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي أن يسأل الحسن لم أقر المسلمون بيوت النيران وعبادة الأوثان ونكاح الأمهات والأخوات ؟ فسأله فقال الحسن لأن العلاء بن الحضرمي لما قدم البحرين أقرهم على ذلك . ( قال الشافعي ) فهذا ما لا أعلم فيه خلافا بين أحد لقيته أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الحارثي مولى عمر أو عبد الله بن سعد عن عمر أنه قال ما نصارى العرب بأهل كتاب وما يحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم أخبرنا الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين قال سألت عبيدة عن ذبائح نصارى بني تغلب فقال لا تأكل ذبائحهم فإنهم لم يتمسكوا من نصرانيتهم إلا بشرب الخمر ( قال الشافعي ) وهكذا أحفظه ولا أحسبه وغيره إلا وقد بلغ به علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بهذا الإسناد أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قال عطاء : ليس نصارى العرب بأهل كتاب إنما أهل الكتاب بنو إسرائيل والذين جاءتهم التوراة والإنجيل فأما من دخل فيهم من الناس فليسوا منهم . ( قال الشافعي ) وتنكح المسلمة على الكتابية والكتابية على المسلمة وتنكح أربع كتابيات كما تنكح أربع مسلمات والكتابية في جميع نكاحها وأحكامها التي تحل بها وتحرم كالمسلمة لا تخالفها في شيء وفيما يلزم الزوج لها ولا تنكح الكتابية إلا بشاهدين عدلين مسلمين وبولي من أهل دينها كولي المسلمة جاز في دينهم غير ذلك أو لم يجز ولست أنظر فيه إلا إلى حكم الإسلام ولو زوجت نكاحا صحيحا في الإسلام وهو عندهم نكاح فاسد كان نكاحها صحيحا ولا يرد نكاح المسلمة من شيء إلا رد نكاح الكتابية من مثله ولا يجوز نكاح المسلمة بشيء إلا جاز نكاح الكتابية بمثله ولا يكون ولي الذمية مسلما وإن كان أباها لأن الله تعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان وولي عقدة نكاحها ابن سعيد بن العاص وكان مسلما وأبو سفيان حي فدل ذلك على أن لا ولاية بين أهل القرابة إذا اختلف الدينان وإن كان أبا وأن الولاية بالقرابة واجتماع الدينين قال ويقسم للكتابية مثل قسمته للمسلمة لا اختلاف بينهما ولها عليه ما للمسلمة وله عليها ما له على المسلمة إلا أنهما لا يتوارثان باختلاف الدينين فإن طلقها أو آلى منها أو ظاهر أو قذفها لزمه في ذلك كله ما يلزمه في المسلمة إلا أنه لا حد على من قذف كتابية ويعزر . وإذا طلقها فله عليها الرجعة في العدة ، وعدتها عدة المسلمة ، وإن طلقها ثلاثا فنكحت قبل مضي العدة وأصيبت لم تحلل له وإن نكحت نكاحا صحيحا بعد مضي العدة ذميا فأصابها ثم طلقت أو مات عنها وكملت عدتها حلت للزوج الأول يحلها للزوج كل زوج أصابها يثبت نكاحه وعليها العدة والإحداد كما يكون على المسلمة وإذا ماتت فإن شاء شهدها وغسلها ودخل قبرها ولا يصلي عليها وأكره لها أن تغسله لو كان هو الميت فإن غسلته أجزأ غسلها إياه إن شاء الله تعالى قال وله جبرها على الغسل من الحيضة ولا يكون له إصابتها إذا طهرت من الحيض حتى تغتسل لأن الله عز وجل يقول { حتى يطهرن } فقال بعض أهل العلم بالقرآن حتى ترى الطهر قال { فإذا تطهرن } يعني بالماء إلا أن تكون في سفر لا تجد الماء فتتيمم فإذا صارت ممن تحل لها الصلاة بالطهر حلت له ( قال الشافعي ) وله عندي والله تعالى أعلم أن يجبرها على الغسل من الجنابة وعلى النظافة بالاستحداد وأخذ الأظفار والتنظف بالماء من غير جنابة ما لم يكن ذلك وهي مريضة يضر بها الماء أو في برد شديد يضر بها الماء وله منعها من الكنيسة والخروج إلى [ ص: 9 ] الأعياد وغير ذلك مما تريد الخروج إليه إذا كان له منع المسلمة إتيان المسجد وهو حق كان له في النصرانية منع إتيان الكنيسة لأنه باطل وله منعها شرب الخمر لأنه يذهب عقلها ومنعها أكل لحم الخنزير إذا كان يتقذر به ومنعها أكل ما حل إذا تأذى بريحه من ثوم وبصل إذا لم تكن بها ضرورة إلى أكله وإن قدر ذلك من حلال لا يوجد ريحه لم يكن له منعها إياه وكذلك لا يكون له منعها لبس ما شاءت من الثياب ما لم تلبس جلد ميتة أو ثوبا منتنا يؤذيه ريحهما فيمنعها منهما . قال وإذا نكح المسلم الكتابية فارتدت إلى مجوسية أو دين غير دين أهل الكتاب فإن رجعت إلى الإسلام أو إلى دين أهل الكتاب قبل انقضاء العدة فهما على النكاح وإن لم ترجع حتى تنقضي العدة فقد انقطعت العصمة بينها وبين الزوج ولا نفقة لها في العدة لأنها مانعة له نفسها بالردة . قال ولا يقتل بالردة من انتقل من كفر إلى كفر إنما يقتل من خرج من دين الإسلام إلى الشرك فأما من خرج من باطل إلى باطل فلا يقتل وينفى من بلاد الإسلام إلا أن يسلم أو يعود إلى أحد الأديان التي يؤخذ من أهلها الجزية يهودية أو نصرانية أو مجوسية فيقر في بلاد الإسلام . قال ولو ارتدت من يهودية إلى نصرانية أو نصرانية إلى يهودية لم تحرم عليه لأنه كان يصلح له أن يبتدئ نكاحها لو كانت من أهل الدين الذي خرجت إليه ( قال الربيع ) الذي أحفظ من قول الشافعي أنه قال إذا كان نصرانيا فخرج إلى دين اليهودية أنه يقال له ليس لك أن تحدث دينا لم تكن عليه قبل نزول القرآن فإن أسلمت أو رجعت إلى دينك الذي كنا نأخذ منك عليه الجزية تركناك وإلا أخرجناك من بلاد الإسلام ونبذنا إليك ومتى قدرنا عليك قتلناك وهذا القول أحب إلى الربيع . ( قال الشافعي ) ولا يجوز نكاح أمة كتابية لمسلم عبد ولا حر بحال لما وصفت من نص القرآن ودلالته قال وأي صنف من المشركين حل نكاح حرائرهم حل وطء إمائهم بالملك وأي صنف حرم نكاح حرائرهم حرم وطء إمائهم بالملك ويحل وطء الأمة الكتابية بالملك كما تحل حرائرهم بالنكاح ولا يحل وطء أمة مشركة غير كتابية بالملك كما لا يحل نكاح نسائهم ولو كان أصل نسب أمة من غير أهل الكتاب ثم دانت دين أهل الكتاب لم يحل وطؤها كما لا يحل نكاح الحرائر منهم ولا يحل نكاح أمة كتابية لمسلم بحال لأنها داخلة في معنى من حرم من المشركات وغير حلال منصوصة بالإحلال كما نص حرائر أهل الكتاب في النكاح وأن الله تبارك وتعالى إنما أحل نكاح إماء أهل الإسلام بمعنيين سواء أن لا يجد الناكح طولا لحرة ويخاف العنت والشرطان في إماء المسلمين دليل على أن نكاحهن أحل بمعنى دون معنى وفي ذلك دليل على تحريم من خالفهن من إماء المشركين والله تعالى أعلم لأن الإسلام شرط ثالث والأمة المشركة خارجة منه فلو نكح رجل أمة كتابية كان النكاح فاسدا يفسخ عليه قبل الوطء وبعده وإن لم يكن وطئ فلا صداق لها وإن كان وطئ فلها مهر مثلها ويلحق الولد بالناكح وهو مسلم ويباع على مالكه إن كان كتابيا وإن كان مسلما لم يبع عليه . ولو وطئ أمة غير كتابية منع أن يعود لها حبلت أو لم تحبل وإن حبلت فولدت فهي أم ولد له ولا يحل له وطؤها لدينها كما يكون أمة له ولا يحل له وطؤها لدينها فإذا مات عتقت بموته وليس له بيعها وليس له أن يزوجها وهي كارهة ويستخدمها فيما تطيق كما يستخدم أمة غيرها ، وإن كانت لها أخت حرة مسلمة حل له نكاحها وهكذا إن كانت لها أخت لأمها حرة كتابية أبوها كتابي فاشتراها حل له وطؤها بملك اليمين ولم يكن هذا جمعا بين الأختين لأن وطء الأولى التي هي غير كتابية غير جائز له وإنما الجمع أن يجمع بين من يحل وطؤه على الانفراد .
__________________
|
#190
|
||||
|
||||
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي المجلد الخامس الحلقة (190) صــــــــــ 11 الى صـــــــــــ17 وإن كانت لها أخت من أبيها تدين بدين أهل الكتاب لم تحل له بالملك لأن نسبها إلى أبيها وأبوها غير كتابي إنما أنظر فيما يحل من المشركات إلى نسب الأب وليس هذا كالمرأة يسلم أحد أبويها وهي صغيرة لأن [ ص: 10 ] الإسلام لا يشركه شرك والشرك يشرك الشرك ، والنسب إلى الأب وكذلك الدين له ما لم تبلغ الجارية ولو أن أختها بلغت ودانت دين أهل الكتاب وأبوها وثني أو مجوسي لم يحل وطؤها بملك اليمين كما لا يحل وطء وثنية انتقلت إلى دين أهل الكتاب لأن أصل دينها غير دين أهل الكتاب . ولو نكح أمة كتابية ولها أخت حرة كتابية أو مسلمة ثم نكح أختها الحرة قبل أن يفرق بينه وبين الأمة الكتابية كان نكاح الحرة المسلمة أو الكتابية جائزا لأنه حلال لا يفسده الأمة الكتابية التي هي أخت المنكوحة بعدها لأن نكاح الأولى غير نكاح ولو وطئها كان كذلك لأن الوطء في نكاح مفسوخ حكمه أنه لا يحرم شيئا لأنها ليست بزوجة ولا ملك يمين فيحرم الجمع بينها وبين أختها . قال ولو تزوج امرأة على أنها مسلمة فإذا هي كافرة يفسخ نكاحها ولو تزوج امرأة على أنها كتابية فإذا هي مسلمة لم يكن له فسخ النكاح لأنها خير من كتابية ولو تزوج امرأة ولم يخبر أنها مسلمة ولا كتابية فإذا هي كتابية وقال إنما نكحتها على أنها مسلمة فالقول قوله وله الخيار وعليه اليمين ما نكحها وهو يعلمها كتابية . ما جاء في منع إماء المسلمين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } إلى قوله { ذلك لمن خشي العنت } الآية ( قال الشافعي ) ففي هذه الآية والله تعالى أعلم دلالة على أن المخاطبين بهذا الأحرار دون المماليك فأما المملوك فلا بأس أن ينكح الأمة لأنه غير واجد طولا لحرة ولا أمة فإن قال قائل ما دل على أن هذا على الأحرار ولهم دون المماليك ؟ قيل الواجدون للطول المالكون للمال والمملوك لا يملك مالا بحال ويشبه أن لا يخاطب بأن يقال إن لم يجد مالا من يعلم أنه لا يملك مالا بحال إنما يملك أبدا لغيره . قال ولا يحل نكاح الأمة إلا كما وصفت في أصل نكاحهن إلا بأن لا يجد الرجل الحر بصداق أمة طولا لحرة وبأن يخاف العنت والعنت الزنا فإذا اجتمع أن لا يجد طولا لحرة وأن يخاف الزنا حل له نكاح الأمة وإن انفرد فيه أحدهما لم يحلل له وذلك أن يكون لا يجد طولا لحرة وهو لا يخاف العنت أو يخاف العنت وهو يجد طولا لحرة إنما رخص له في خوف العنت على الضرورة ألا ترى أنه لو عشق امرأة وثنية يخاف أن يزني بها لم يكن له أن ينكحها ؟ ولو كان عنده أربع نسوة فعشق خامسة لم يحل له نكاحها إذا تم الأربع عنده أو كانت له امرأة فعشق أختها لم يحلل له أن ينكحها ما كانت عنده أختها وكذلك ما حرم عليه من النكاح من أي الوجوه حرم لم أرخص له في نكاح ما يحرم عليه خوف العنت لأنه لا ضرورة عليه يحل له بها النكاح ولا ضرورة في موضع لذة يحل بها المحرم إنما الضرورة في الأبدان التي تحيا من الموت وتمنع من ألم العذاب عليها وأما اللذات فلا يعطاها أحد بغير ما تحل به فإن قال قائل فهل قال هذا غيرك ؟ قيل الكتاب كاف إن شاء الله تعالى فيه من قول غيري وقد قاله غيري أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول من وجد صداق حرة فلا ينكح أمة أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني ابن طاوس عن أبيه قال لا يحل نكاح الحر الأمة وهو يجد بصداقها حرة قلت يخاف الزنا قال ما علمته يحل أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار قال سأل عطاء أبا الشعثاء وأنا أسمع عن نكاح الأمة ما تقول فيه ؟ أجائز هو ؟ فقال لا يصلح اليوم نكاح الإماء ( قال [ ص: 11 ] الشافعي ) والطول هو الصداق ولست أعلم أحدا من الناس يجد ما يحل له به أمة إلا وهو يجد به حرة فإن كان هذا هكذا لم يحل نكاح الأمة لحر وإن لم يكن هذا هكذا فجمع رجل حر الأمرين حل له نكاح الأمة وإذا ملك الرجل عقدة الأمة بنكاح صحيح ثم أيسر قبل الدخول أو بعده فسواء والاختيار له في فراقها ولا يلزمه فراقها بحال أبدا بلغ يسره ما شاء أن يبلغ لأن أصل العقد كان صحيحا يوم وقع فلا يحرم بحادث بعده ولا يكون له أن ينكح أمة على أمة وذلك أنه إذا كانت عنده أمة فهو في غير معنى ضرورة وكذلك لا ينكح أمة على حرة فإن نكح أمة على أمة أو حرة فالنكاح مفسوخ . قال ولو ابتدأ نكاح أمتين معا كان نكاحهما مفسوخا بلا طلاق ويبتدئ نكاح أيتهما شاء إذا كان ممن له نكاح الإماء كما يكون هكذا في الأختين يعقد عليهما معا والمرأة وعمتها وإن نكح الأمة في الحال التي قلت لا يجوز له فالنكاح مفسوخ ولا صداق لها إلا بأن يصيبها فيكون لها الصداق بما استحل من فرجها ولا تحلها إصابته إذا كان نكاحه فاسدا لزوج غيره لو طلقها ثلاثا ولو نكحها وهو يجد طولا فلم يفسخ نكاحها حتى لا يجده فسخ نكاحها لأن أصله كان فاسدا ويبتدئ نكاحها إن شاء ولو نكحها ولا زوجة له فقال نكحتها ولا أجد طولا لحرة فولدت له أو لم تلد إذا قال نكحتها ولا أجد طولا لحرة كان القول قوله ولو وجد موسرا لأنه قد يعسر ثم يوسر إلا أن تقوم بينة بأنه حين عقد عقدة نكاحها كان واجدا لأن ينكح حرة فيفسخ نكاحه قبل الدخول وبعده وإن نكح أمة ثم قال نكحتها وأنا أجد طولا لحرة أو لا أخاف العنت . فإن صدقه مولاها فالنكاح مفسوخ ولا مهر عليه إن لم يكن أصابها فإن أصابها فعليه مهر مثلها ، وإن كذبه فالنكاح مفسوخ بإقراره بأنه كان مفسوخا ولا يصدق على المهر فإن لم يكن دخل بها فلها نصف ما سمى لها وإن راجعها بعد جعلتها في الحكم تطليقة وفيما بينه وبين الله فسخا بلا طلاق وقد قال غيرنا يصدق ولا شيء عليه إن لم يصبها . قال وإن نكح أمة نكاحا صحيحا ثم أيسر فله أن ينكح عليها حرة وحرائر حتى يكمل أربعا ولا يكون نكاح الحرة ولا الحرائر عليها طلاقا لها ولا لهن ، ولا لواحدة منهن خيار ، كن علمن أن تحته أمة أو لم يعلمن ، لأن عقد نكاحها كان حلالا فلم يحرم بأن يوسر فإن قال قائل فقد تحرم الميتة وتحلها الضرورة فإذا وجد صاحبها عنها غنى حرمتها عليه قيل إن الميتة محرمة بكل حال وعلى كل أحد بكل وجه مالكها وغير مالكها ، وغير حلال الثمن إلا أن أكلها يحل في الضرورة والأمة حلال بالملك وحلال بنكاح العبد وحلال النكاح للحر بمعنى دون معنى ولا تشبه الميتة المحرمة بكل حال إلا في حال الموت ولا يشبه المأكول الجماع وكل الفروج ممنوعة من كل أحد بكل حال إلا بما أحل به من نكاح أو ملك فإذا حل لم يحرم إلا بإحداث شيء يحرم به ليس الغنى منه ولا يجوز أن يكون الفرج حلالا في حال حراما بعده بيسير وإنما حرمنا نكاح المتعة مع الاتباع لئلا يكون الفرج حلالا في حال حراما في آخر . الفرج لا يحل إلا بأن يحل على الأبد ما لم يحدث فيه شيء يحرمه ليس الغنى عنه مما يحرمه فإن قال قائل فالتيمم يحل في حال الإعواز والسفر فإذا وجد الماء قبل أن يصلي بالتيمم بطل التيمم ؟ . قلت التيمم ليس بالفرض المؤدي فرض الصلاة والصلاة لا تؤدى إلا بنفسها وعلى المصلي أن يصلي بطهور ماء وإذا لم يجده تيمم وصلى فإن وجد الماء بعد التيمم وقبل الصلاة توضأ لأنه لم يدخل في الفرض ولم يؤده ، وإذا صلى أو دخل في الصلاة ثم وجد الماء لم تنقض صلاته ولم يعد لها وتوضأ لصلاة بعدها وهكذا الناكح الأمة لو أراد نكاحها وأجيب إليه وجلس له فلم ينكحها ثم أيسر قبل أن يعقد نكاحها لم يكن له نكاحها وإن عقد نكاحها ثم أيسر لم تحرم عليه كما كان المصلي إذا دخل بالتيمم ثم وجد الماء لم تحرم الصلاة عليه بل نكاح الأمة في أكثر من حال الداخل في [ ص: 12 ] الصلاة الداخل في الصلاة لم يكملها والناكح الأمة قد أكمل جميع نكاحها وإكمال نكاحها يحلها له على الأبد كما وصفت قال ويقسم للحرة يومين وللأمة يوما وكذلك كل حرة معه مسلمة وكتابية يوفيهن القسم سواء على يومين لكل واحدة ويوما للأمة فإن شاء جعل ذلك يومين يومين وإن شاء يوما يوما ثم دار على الحرائر يومين يومين ثم أتى الأمة يوما فإن عتقت في ذلك اليوم فدار إلى الحرة أو إلى الحرائر قسم بينهن وبينها يوما يوما بدأ في ذلك بالأمة قبل الحرائر أو بالحرائر قبل الأمة لأنه لم يقسم لهن يومين يومين حتى صارت الأمة من الحرائر التي لها ما لهن معا وإنما يلزم الزوج أن يقسم للأمة ما خلى المولى بينه وبينها في يومها وليلتها فإذا فعل فعليه القسم لها وللمولى إخراجها في غير يومها وليلتها وإن أخرجها المولى في يومها وليلتها فقد أبطل حقها ويقسم لغيرها قسم من لا امرأة عنده وهكذا الحرة تخرج بغير إذن زوجها يبطل حقها في الأيام التي خرجت فيها وكل زوجة لم تكمل فيها الحرية فقسمها قسم الأمة وذلك أم الولد تنكح والمكاتبة والمدبرة والمعتق بعضها وليس للمكاتبة الامتناع من زوجها في يومها وليلتها ولا لزوجها منعها للطلب بالكتابة . ولو حللت الأمة زوجها من يومها وليلتها ولم يحلله السيد حل له ولو حلله السيد ولم تحلله لم يحل له لأنه حق لها دون السيد ، ولو وضع السيد نفقتها عنه حل له لأنه مال له دونها وعلى سيدها أن ينفق عليها إذا وضع نفقتها عن الزوج ولو وضعت هي نفقتها عن الزوج لم يحل له إلا بإذن السيد لأنه مال السيد . . نكاح المحدثين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } إلى { المؤمنين } ( قال الشافعي ) اختلف في تفسير هذه الآية فقيل نزلت في بغايا كانت لهن رايات وكن غير محصنات فأراد بعض المسلمين نكاحهن فنزلت هذه الآية بتحريم أن ينكحن إلا من أعلن بمثل ما أعلن به أو مشركا وقيل كن زواني مشركات فنزلت لا ينكحهن إلا زان مثلهن مشرك أو مشركة وإن لم يكن زانيا " وحرم ذلك على المؤمنين " وقيل غير هذا وقيل هي عامة ولكنها نسخت أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب في قوله { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } قال هي منسوخة نسختها { وأنكحوا الأيامى منكم } فهي من أيامى المسلمين . ( قال الشافعي ) فوجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في زانية وزان من المسلمين لم نعلمه حرم على واحد منهما أن ينكح غير زانية ولا زان ولا حرم واحدا منهما على زوجه فقد أتاه ماعز بن مالك وأقر عنده بالزنا مرارا لم يأمره في واحدة منها أن يجتنب زوجة له إن كانت ولا زوجته أن تجتنبه ولو كان الزنا يحرمه على زوجته أشبه أن يقول له إن كانت لك زوجة حرمت عليك أو لم تكن لم يكن لك أن تنكح ولم نعلمه أمره بذلك ولا أن لا ينكح ولا غيره أن لا ينكحه إلا زانية وقد ذكر له رجل أن امرأة زنت وزوجها حاضر فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيما علمنا زوجها باجتنابها وأمر أنيسا أن يغدو عليها فإن اعترفت رجمها وقد جلد ابن الأعرابي في الزنا مائة وغربه عاما ولم ينهه علمنا أن ينكح ولا أحدا أن ينكحه إلا زانية وقد رفع الرجل الذي قذف امرأته إليه أمر امرأته وقذفها برجل وانتفى من حملها فلم يأمره باجتنابها حتى لاعن بينهما وقد روي عنه { أن رجلا شكا إليه أن امرأته لا تدفع يد لامس فأمره أن يفارقها فقال له إني أحبها فأمره أن يستمتع بها } أخبرنا سفيان بن عيينة عن هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال { أتى رجل إلى رسول الله [ ص: 13 ] صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي امرأة لا ترد يد لامس فقال النبي صلى الله عليه وسلم فطلقها قال إني أحبها قال فأمسكها إذا } وقد حرم الله المشركات من أهل الأوثان على المؤمنين الزناة وغير الزناة أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه أن رجلا تزوج امرأة ولها ابنة من غيره وله ابن من غيرها ففجر الغلام بالجارية فظهر بها حمل فلما قدم عمر مكة رفع ذلك إليه فسألها فاعترفا فجلدهما عمر الحد وحرص أن يجمع بينهما فأبى الغلام . ( قال الشافعي ) فالاختيار للرجل أن لا ينكح زانية وللمرأة أن لا تنكح زانيا فإن فعلا فليس ذلك بحرام على واحد منهما ليست معصية واحد منهما في نفسه تحرم عليه الحلال إذا أتاه قال وكذلك لو نكح امرأة لم يعلم أنها زنت فعلم قبل دخولها عليه أنها زنت قبل نكاحه أو بعده لم تحرم عليه ولم يكن له أخذ صداقه منها ولا فسخ نكاحها وكان له إن شاء أن يمسك وإن شاء أن يطلق وكذلك إن كان هو الذي وجدته قد زنى قبل أن ينكحها أو بعدما نكحها قبل الدخول أو بعده فلا خيار لها في فراقه وهي زوجته بحالها ولا تحرم عليه وسواء حد الزاني منهما أو لم يحد أو قامت عليه بينة أو اعترف لا يحرم زنا واحد منهما ولا زناهما ولا معصية من المعاصي الحلال إلا أن يختلف ديناهما بشرك وإيمان . لا نكاح إلا بولي ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } إلى { بالمعروف } وقال عز وجل { الرجال قوامون على النساء } الآية وقال في الإماء { فانكحوهن بإذن أهلهن } ( قال الشافعي ) زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن معقل بن يسار كان زوج أختا له ابن عم له فطلقها ثم أراد الزوج وأرادت نكاحه بعد مضي عدتها فأبى معقل وقال زوجتك وآثرتك على غيرك فطلقتها لا أزوجكها أبدا فنزل { وإذا طلقتم } يعني الأزواج النساء { فبلغن أجلهن } يعني فانقضى أجلهن يعني عدتهن { فلا تعضلوهن } يعني أولياءهن { أن ينكحن أزواجهن } إن طلقوهن ولم يبتوا طلاقهن وما أشبه معنى ما قالوا من هذا بما قالوا ولا أعلم الآية تحتمل غيره لأنه إنما يؤمر بأن لا يعضل المرأة من له سبب إلى العضل بأن يكون يتم به نكاحها من الأولياء والزوج إذا طلقها فانقضت عدتها فليس بسبيل منها فيعضلها وإن لم تنقض عدتها فقد يحرم عليها أن تنكح غيره وهو لا يعضلها عن نفسه وهذا أبين ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقا وأن على الولي أن لا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف . ( قال الشافعي ) وجاءت السنة بمثل معنى كتاب الله عز وجل أخبرنا مسلم وسعيد وعبد المجيد عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها } . وقال بعضهم في الحديث فإن اشتجروا وقال غيره منهم فإن اختلفوا فالسلطان ولي من لا ولي له أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد قال جمعت الطريق ركبا فيهم امرأة ثيب فولت رجلا منهم أمرها فزوجها رجلا فجلد عمر بن الخطاب الناكح ورد نكاحها أخبرنا ابن عيينة عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن معبد بن عمير أن عمر رضي الله عنه رد نكاح امرأة نكحت بغير ولي أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال قال عمرو بن دينار نكحت امرأة من [ ص: 14 ] بني بكر بن كنانة يقال لها بنت أبي ثمامة عمر بن عبد الله بن مضرس فكتب علقمة بن علقمة العتواري إلى عمر بن عبد العزيز وهو بالمدينة إني وليها وإنها نكحت بغير أمري فرده عمر وقد أصابها ( قال الشافعي ) فأي امرأة نكحت بغير إذن وليها فلا نكاح لها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { فنكاحها باطل } . وإن أصابها فلها صداق مثلها بما أصاب منها بما قضى لها به النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن الصداق يجب في كل نكاح فاسد بالمسيس وأن لا يرجع به الزوج على من غره لأنه إذا كان لها وقد غرته من نفسها لم يكن له أن يرجع به عليها وهو لها وهو لو كان يرجع به فكانت الغارة له من نفسها بطل عنها ولا يرجع زوج أبدا بصداق على من غره امرأة كانت أو غير امرأة إذا أصابها قال وفي هذا دليل على أن على السلطان إذا اشتجروا أن ينظر فإن كان الولي عاضلا أمره بالتزويج فإن زوج فحق أداه وإن لم يزوج فحق منعه وعلى السلطان أن يزوج أو يوكل وليا غيره فيزوج والولي عاص بالعضل لقول الله عز وجل { فلا تعضلوهن } وإن ذكر شيئا نظر فيه السلطان فإن رآها تدعو إلى كفاءة لم يكن له منعها وإن دعاها الولي إلى خير منه وإن دعت إلى غير كفاءة لم يكن له تزويجها والولي لا يرضى به وإنما العضل أن تدعو إلى مثلها أو فوقها فيمتنع الولي . . اجتماع الولاة وافتراقهم ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا ولاية لأحد مع أب فإذا مات فالجد أبو الأب فإذا مات فالجد أبو الجد لأن كلهم أب وكذلك الآباء وذلك أن المزوجة من الآباء وليست من الإخوة والولاية غير المواريث ولا ولاية لأحد من الأجداد دونه أب أقرب إلى المزوجة منه فإذا لم يكن آباء فلا ولاية لأحد مع الإخوة وإذا اجتمع الإخوة فبنو الأب والأم أولى من بني الأب فإذا لم يكن بنو أم وأب فبنو الأب أولى من غيرهم ولا ولاية لبني الأم ولا لجد أبي أم إن لم يكن عصبة لأن الولاية للعصبة فإن كانوا بني عم ولا أقرب منهم كانت لهم الولاية بأنهم عصبة وإن كان معهم مثلهم من العصبة كانوا أولى لأنهم أقرب بأم وإذا لم يكن إخوة لأب وأم ولا أب وكان بنو أخ وأم وبنو أخ لأب فبنو الأخ للأب والأم أولى من بني الأخ للأب وإن كان بنو أخ لأب وبنو أخ لأم فبنو الأخ للأب أولى ولا ولاية لبني الأخ للأم بحال إلا أن يكونوا عصبة قال وإذا تسفل بنو الأخ فأنسبهم إلى المزوجة فأيهم كان أقعد بها وإن كان ابن أب فهو أولى لأن قرابة الأقعد أقرب من قرابة أم غير ولدها أقعد منه وإذا استووا فكان فيهم ابن أب وأم فهو أولى بقربه مع المساواة قال وإن حرم النسب بقرابة الأم كان بنو بني الأخ وإن تسفلوا وبنو عم دنية فبنو بني الأخ وإن تسفلوا أولى لأنهم يجمعهم وإياها أب قبل بني العم وهكذا إن كان بنو أخ وعمومة فبنو الأخ أولى وإن تسفلوا لأن العمومة غير آباء فيكونون أولى لأن المزوجة من الأب فإذا انتهت الأبوة فأقرب الناس بالمزوجة أولاهم بها وبنو أخيها أقرب بها من عمومتها لأنه يجمعهم وإياها أب دون الأب الذي يجمعها بالعمومة . وإذا لم يكن بنو الأخ وكانوا بني عم فكان فيهم بنو عم لأب وأم وبنو عم لأب فاستووا فبنو العم للأب والأم أولى وإن كان بنو العم للأب أقعد فهم أولى ، وإذا لم يكن لها قرابة من قبل الأب وكان لها أوصياء لم يكن الأوصياء ولاة نكاح ولا ولاة ميراث وهكذا إن كان لها قرابة من قبل أمها أو بني أخواتها لا ولاية للقرابة في النكاح إلا من قبل الأب . وإن كان [ ص: 15 ] للمزوجة ولد أو ولد ولد فلا ولاية لهم فيها بحال إلا أن يكونوا عصبة فتكون لهم الولاية بالعصبة ألا ترى أنهم لا يعقلون عنها ولا ينتسبون من قبيلها إنما قبيلها نسبها من قبل أبيها أو لا ترى أن بني الأم لا يكونون ولاة نكاح فإذا كانت الولاية لا تكون بالأم إذا انفردت فهكذا ولدها لا يكونون ولاة لها وإذا كان ولدها عصبة وكان مع ولدها عصبة أقرب منهم هم أولى منهم فالعصبة أولى وإن تساوى العصبة في قرابتهم بها من قبل الأب فهم أولى كما يكون بنو الأم والأب أولى من بني الأب وإن استووا فالولد أولى . . ولاية المولى ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا يكون الرجل وليا بولاء وللمزوجة نسب من قبل أبيها يعرف ولا للأخوال ولاية بحال أبدا إلا أن يكونوا عصبة فإذا لم يكن للمرأة عصبة ولها موال فمواليها أولياؤها ولا ولاء إلا لمعتق ثم أقرب الناس بمعتقها وليها كما يكون أقرب الناس به ولي ولد المعتق لها قال واجتماع الولاة من أهل الولاء في ولاية المزوجة كاجتماعهم في النسب ( قال الشافعي ) ولا يختلفون في ذلك ( قال الشافعي ) ولو زوجها مولى نعمة ولا يعلم لها قريبا من قبل أبيها ثم علم كان النكاح مفسوخا ، لأنه غير ولي كما لو زوجها ولي قرابة يعلم أقرب منه كان النكاح مفسوخا . . مغيب بعض الولاة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا ولاية لأحد بنسب ولا ولاء وأولى منه حي غائبا كان أو حاضرا بعيد الغيبة منقطعها مؤيسا منه مفقودا أو غير مفقود وقريبها مرجو الإياب غائبا وإذا كان الولي حاضرا فامتنع من التزويج فلا يزوجها الولي الذي يليه في القرابة ولا يزوجها إلا السلطان الذي يجوز حكمه فإذا رفع ذلك إلى السلطان فحق عليه أن يسأل عن الولي فإن كان غائبا سأل عن الخاطب فإن رضي به أحضر أقرب الولاة بها وأهل المحرم من أهلها وقال هل تنقمون شيئا ؟ فإن ذكروه نظر فيه فإن كان كفئا ورضيته أمرهم بتزويجه فإن لم يفعلوا زوجه وإن لم يأمرهم وزوجه فجائز وإن كان الولي حاضرا فامتنع من أن يزوجها من رضيت صنع ذلك به وإن كان الولي الذي لا أقرب منه حاضرا فوكل قام وكيله مقامه وجاز تزويجه كما يجوز إذا وكله بتزويج رجل بعينه فزوجه أو وكله أن يزوج من رأى فزوجه كفئا ترضى المرأة به بعينه فإن زوج غير كفء لم يجز وكان هذا منه تعديا مردودا ، كما يرد تعدي الوكلاء . . من لا يكون وليا من ذي القرابة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا يكون الرجل وليا لامرأة بنتا كانت أو أختا أو بنت عم أو امرأة هو أقرب الناس إليها نسبا أو ولاء حتى يكون الولي حرا مسلما رشيدا يعقل موضع الحظ وتكون المرأة مسلمة ولا يكون المسلم وليا لكافرة وإن كانت بنته ولا ولاية له على كافرة إلا أمته فإن ما صار لها [ ص: 16 ] بالنكاح ملك له . قال ولا يكون الكافر وليا لمسلمة وإن كانت بنته ، قد زوج ابن سعيد بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأبو سفيان حي لأنها كانت مسلمة وابن سعيد مسلم لا أعلم مسلما أقرب بها منه ولم يكن لأبي سفيان فيها ولاية لأن الله تبارك وتعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين والمواريث والعقل وغير ذلك قال : فيجوز تزويج الحاكم المسلم الكافرة لأنه بحكم لا ولاية إذا حاكمت إليه ولا يكون إذا كان بالغا مسلما وليا إن كان سفيها موليا عليه أو غير عالم بموضع الحظ لنفسه ومن زوجه إذا كان هذا لا يكون وليا لنفسه يزوجها كان أن يكون وليا لغيره أبعد . وإن لم يكن هذا وليا للسفه أو ضعف العقل فكذلك المعتوه والمجنون الذي لا يفيق بل هما أبعد من أن يكونا وليين : قال ومن خرج من الولاية بأحد هذه المعاني حتى لا يكون وليا بحال فالولي أقرب الناس به ممن يفارق هذه الحال وهذا كمن لم يكن وكمن مات ولا ولاية له ما كان بهذه الحال ، فإذا صلحت حاله صار وليا ، لأن الحال التي منع بها الولاية قد ذهبت . . الأكفاء ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لا أعلم في أن للولاة أمرا مع المرأة في نفسها شيئا جعل لهم أبين من أن لا تزوج إلا كفؤا ، فإن قيل يحتمل أن يكون لئلا يزوج إلا نكاحا صحيحا . قيل قد يحتمل ذلك أيضا ولكنه لما كان الولاة لو زوجوها غير نكاح صحيح لم يجز كان هذا ضعيفا لا يشبه أن يكون له جعل للولاة معها أمر فأما الصداق فهي أولى به من الولاة ولو وهبته جاز ولا معنى له أولى به من أن لا يزوج إلا كفؤا بل لا أحسبه يحتمل أن يكون جعل لهم أمر مع المرأة في نفسها إلا لئلا تنكح إلا كفؤا ( قال الشافعي ) إذا اجتمع الولاة فكانوا شرعا فأيهم صلح أن يكون وليا بحال فهو كأفضلهم وسواء المسن منهم والكهل والشاب والفاضل والذي دونه إذا صلح أن يكون وليا فأيهم زوجها بإذنها كفؤا جاز وإن سخط ذلك من بقي من الولاة وأيهم زوج بإذنها غير كفؤ فلا يثبت النكاح إلا باجتماعهم عليه : وكذلك لو اجتمعت جماعتهم على تزويج غير كفء وانفرد أحدهم كان النكاح مردودا بكل حال حتى تجتمع الولاة معا على إنكاحه قبل إنكاحه فيكون حقا لهم تركوه . وإن كان الولي أقرب ممن دونه فزوج غير كفء بإذنها فليس لمن بقي من الأولياء الذي هو أولى منهم رده لأنه لا ولاية لهم معه قال : وليس نكاح غير الكفء محرما فأرده بكل حال إنما هو نقص على المزوجة والولاة فإذا رضيت المزوجة ومن له الأمر معها بالنقص لم أرده . قال : وإذا زوج الولي الواحد كفؤا بأمر المرأة المالك لأمرها بأقل من مهر مثلها لم يكن لمن بقي من الولاة رد النكاح ولا أن يقوموا عليه حتى يكملوا لها مهر مثلها لأنه ليس في نقص المهر نقص نسب إنما هو نقص المال ونقص المال ليس عليها ولا عليهم فيه نقص حسب وهي أولى بالمال منهم وإذا رضي الولي الذي لا أقرب منه بإنكاح رجل غير كفء فأنكحه بإذن المرأة والولاة الذين هم شرع ثم أراد الولي المزوج والولاة رده لم يكن لهم بعد رضاهم وتزويجهم إياه برضا المرأة ، وإن كانوا زوجوها بأمرها بأقل من صداق مثلها وكانت لا يجوز أمرها في مالها فلها تمام صداق مثلها لأن النكاح لا يرد فهو كالبيوع المستهلكة كما لو باعت وهي محجورة بيعا فاستهلك وقد غبنت فيه لزم مشتريه قيمته ، قال وإذا كانت المرأة محجورا عليها مالها فسواء من حابى في صداقها أب أو غيره لا [ ص: 17 ] تجوز المحاباة ويلحق بصداق مثلها ولا يرد النكاح دخلت أو لم تدخل وإن طلقت قبل ذلك أخذ لها نصف صداق مثلها . . ما جاء في تشاح الولاة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كان الولاة شرعا فأراد بعضهم أن يلي التزويج دون بعض فذلك إلى المرأة تولي أيهم شاءت فإن قالت قد أذنت في فلان فأي ولاتي أنكحنيه فنكاحه جائز فأيهم أنكحها فنكاحه جائز فإن ابتدره اثنان فزوجاها فنكاحها جائز وإن تمانعوا أقرع بينهم السلطان فأيهم خرج سهمه أمره بالتزويج وإن لم يترافعوا إلى السلطان عدل بينهم أمرهم فأيهم خرج سهمه زوج وإن تركوا الإقراع أو تركه السلطان لم أحبه لهم وأيهم زوج بإذنها جاز . . إنكاح الوليين والوكالة في النكاح ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا ابن علية عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إذا أنكح الوليان فالأول أحق } قال وبين في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الأول أحق أن الحق لا يكون باطلا وأن نكاح الآخر باطل وأن الباطل لا يكون حقا بأن يكون الآخر دخل ولم يدخل الأول ولا يزيد الأول حقا لو كان هو الداخل قبل الآخر هو أحق بكل حال قال : وفيه دلالة على أن الوكالة في النكاح جائزة ولأنه لا يكون نكاح وليين متكافئا حتى يكون للأول منهما إلا بوكالة منها مع { توكيل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري فزوجه أم حبيبة ابنة أبي سفيان } . ( قال الشافعي ) فأما إذا أذنت المرأة لولييها أن يزوجاها من رأيا وأمرها أحدهما في رجل فقالت زوجه وأمرها آخر في رجل فقالت زوجه فزوجاها معا رجلين مختلفين كفؤين . فأيهما زوج أولا فالأول الزوج الذي نكاحه ثابت وطلاقه وما بينه وبينها مما بين الزوجين لازم ونكاح الذي بعده ساقط دخل بها الآخر أو لم يدخل أو الأول أو لم يدخل لا يحق الدخول لأحد شيئا إنما يحقه أصل العقدة فإن أصابها آخرهما نكاحا فلها مهر مثلها إذا لم يصح عقدة النكاح لم تصح بشيء بعدها إلا بتجديد نكاح صحيح ، وإذا جاز للمرأة أن توكل وليين جاز للولي الذي لا أمر للمرأة معه أن يوكل وهذا للأب خاصة في البكر ولم يجز لولي غيره للمرأة معهم أمر أن يوكل أب في ثيب ولا ولي غير أب إلا بأن تأذن له أن يوكل بتزويجها فيجوز بإذنها . فلو أن رجلا خرج ووكل رجلا بتزويج ابنته البكر فزوجها الوكيل وهو فأيهما أنكح أولا فالنكاح نكاحه جائز والآخر باطل الوكيل أو الأب ، وإن دخل بها الآخر فلها المهر وعليها العدة والولد لاحق ولا ميراث لها منه ولو مات قبل أن يفرق بينهما ، ولا له منها لو ماتت ولزوجها الأول منها الميراث وعليه لها الصداق يحاسب به من ميراثه . وهكذا لو أذنت لوليين فزوجاها معا أو لولي أن يوكل فوكل وكيلا أو لوليين كذلك فوكلا وكيلين أي هذا كان فالتزويج الأول أحق ولو زوجها الوليان والوكلاء ثلاثة أو أربعة فالنكاح للأول إذا علم ببينة تقوم على وقت من الأوقات أنه فعل ذلك قبل صاحبه . .
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |