«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - الصفحة 15 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4411 - عددالزوار : 849075 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3941 - عددالزوار : 385595 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 171 - عددالزوار : 59782 )           »          شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 164 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 112 - عددالزوار : 28266 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 798 )           »          طرق تساعد على تنمية ذكاء الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          السلفيون ومراعاة المصالح والمفاسد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 687 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 100 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #141  
قديم 16-12-2021, 04:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ... ﴾





قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 74].







في هذه الآية توبيخ وتقريع لبني إسرائيل في قسوة قلوبهم بعدما مَنَّ الله عليهم به من النعم الجليلة، وما رأوا من الآيات العظيمة، من إحياء الموتى، وبيان القاتل وغير ذلك.







قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾، أي: ثم صلبت وتحجرت قلوبكم، فلم تؤثر فيها الموعظة، والخطاب لبني إسرائيل.







﴿ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾ الإشارة لما تقدم من مشاهدتهم آيات الله تعالى في إحياء الموتى، والإنعام عليهم ببيان القاتل، وكف ما بينهم من المدارأة في ذلك، مما يستوجب الشكر ورقة القلوب لا قسوتها.







رُويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن القوم بعد أن أحيى الله تعالى الميت فأخبرهم بقاتله أنكروا قتله، وقالوا: والله ما قتلناه فكذبوا بالحق بعد إذ رأوه، فقال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾ الآية"[1].







والآية أعم من هذا.



﴿ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ ﴾ الكاف: للتشبيه بمعنى "مثل" أي: فقلوبكم في قسوتها مثل الحجارة، وهي الصخور الصلبة التي هي أقسى شيء، وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس، وتشبيه أمر معنوي وهو عدم قبول قلوبهم للحق وإعراضها عنه كلية بأمر حسي وهي الحجارة الصلدة الصلبة التي لا تلين أبدا.







﴿ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ "أو" يحتمل أن تكون لتحقيق ما سبق، أي: أنها كالحجارة في القسوة إن لم تكن أشد قسوة منها، أي: أن قسوتها لا تنقص عن قسوة الحجارة، فإن لم تزد عليها لم تكن دونها، قال ابن القيم[2]: "وهذا المعنى أحسن وألطف وأدق".







وقريب من هذا قول من قال: "أو" بمعنى الواو، أي: فهي كالحجارة وأشد قسوة.







ويحتمل أن تكون "أو" بمعنى "بل" فتكون للإضراب، أي: بل هي أشد قسوة من الحجارة.







وهذا أظهر؛ لأنه أبلغ في وصف قساوة قلوبهم، ولأن الحجارة منها ما يهبط من خشية الله، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾، ومنها ما يخشع ويتصدع من ذكر الله، كما قال تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾ [الأحزاب: 72].







وقيل: إن "أو" بمعنى الواو، أي: فهي كالحجارة وأشد قسوة. كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 24] أي: وكفورًا، ومن هذا قول جرير[3]:






نال الخلافة أو كانت له قدرًا

كما أتىٰ ربَّه موسى على قدر















أي: وكانت له قدرًا.



﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾.







لما ذكر عز وجل قسوة قلوب بني إسرائيل، وأنها كالحجارة أو أشد قسوة، وفي هذا دلالة على أنه لا أمل فيها ولا خير فيها البتة أتبع ذلك ببيان أن من الحجارة ما هو خير من قلوبهم القاسية من وجوه عدة، فمنها ما يتفجر منه الماء، ومنها ما يشقق فيخرج منه الماء، ومنها ما يهبط من خشية الله.







قوله: ﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ﴾ هذه الجملة وما عطف عليها في محل نصب على الحال، أي: والحال إن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار... إلى آخره.







أو هي اعتراض بين قوله: ﴿ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾، وبين قوله: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ أو استئنافية.







﴿ لَمَا ﴾ اللام للتوكيد، و"ما": اسم موصول في محل نصب اسم "إن" والضمير في قوله: ﴿ مِنْهُ ﴾ يعود إلى الاسم الموصول، أي: وإن من الحجارة للذي يتفجر منه الأنهار ﴿ يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ﴾، أي: يتفتح وتخرج وتجرى منه الأنهار، أي: أنهار المياه، كما قال تعالى: ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ﴾ [البقرة: 60]، وفي الأعراف: ﴿ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ﴾ [الأعراف: 160] والتَفَجُّر أبلغ وأقوى من التشقق؛ ولهذا قدم عليه.







﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ﴾ أي: وإن من الحجارة للذي يشقق فيخرج منه الماء، كما في أحجار الآبار تتشقق ويخرج وينبع منها الماء وإن لم يكن جاريًا.







﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ أي: وإن من الحجارة للذي يهبط من خشية الله، أي: يخضع ويخشع ﴿ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ أي: بسبب خشية الله وخوفه وتعظيمه، كما قال تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 21]، وقال تعالى لموسى عليه السلام: ﴿ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ﴾ [الأعراف: 143]، وقال تعالى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الإسراء: 44]، وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ﴾ [الحج: 18].







﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ قرأ ابن كثير ويعقوب وخلف بالياء: "يعملون" على الغيبة، وقرأ الباقون بالتاء على الخطاب: ﴿ تَعْمَلُونَ ﴾.







والواو في قوله: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ ﴾ حالية، و"ما": نافية، والباء في قوله: ﴿ بِغَافِلٍ ﴾ زائدة من حيث الإعراب مؤكدة من حيث المعنى للنفي، و"ما" في قوله: ﴿ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ موصولة، أو مصدرية، أي: والحال أن الله ليس بغافل عن الذي تعملون، أو عن عملكم.







والغفلة في الأصل سهو يعتري الإنسان لضعفه، بسبب قله التحفظ والتيقظ، أما الله عز وجل فلا يعتريه سهو ولا غفلة، لكمال علمه وإحاطته، ودوام رقابته وقيوميته.







ففي نفيه عز وجل عن نفسه الغفلة عن عملهم إثبات كمال علمه وإحاطته بعملهم وحفظه وإحصائه له، وأنه سيجازيهم عليه.







والصفات المنفية يؤتى بها لنفي تلك الصفات وإثبات كمال ضدها، كما في قوله تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ [الفرقان: 58] ففي قوله: ﴿ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ إثبات كمال حياته.







والخطاب في الآية لليهود قُساة القلوب، وفيه تهديد ووعيد لهم، كما قال تعالى ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 13].







كما أن فيه تهديدًا ووعيدًا لغيرهم من قساة القلوب؛ ولهذا نهى الله عز وجل المؤمنين أن يكونوا مثل أهل الكتاب فتقسوا قلوبهم، فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].







الفوائد والأحكام:



1- تذكير بني إسرائيل بما حصل من أسلافهم من المكابرة والعناد والتعنت والتشديد على أنفسهم في أمر البقرة مما كان سببًا للتشديد عليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾ الآيات.







2- تعظيم موسى لربه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ﴾ بصيغة الغائب، ولفظ الجلالة "الله" الدال على التعظيم.







3- إثبات رسالة موسى عليه السلام وأنه مرسل من عند الله تعالى ؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ﴾.







4- شدة جهل بني إسرائيل، حيث أنكروا على موسى ما قاله لهم مع أنه أخبرهم أن الذي أمرهم بذبح البقرة هو الله عز وجل، وكان الواجب عليهم التسليم لأمر الله وإن خفي عليهم وجه الحكمة في ذلك؛ لقولهم: ﴿ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ﴾.







5- أن الاستهزاء بالناس من الجهل والسفه؛ لقول موسى عليه السلام: ﴿ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾.







6- لا منجا ولا ملجأ لجميع الخلق من الرسل وغيرهم للحفظ من الشرور إلا إلى الله عز وجل؛ لقول موسى عليه السلام: ﴿ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾.







7- استكبار بني إسرائيل وجدالهم وسوء أدبهم وسخريتهم في قولهم: ﴿ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ ﴾ فلم يقولوا: "ادع لنا ربنا" أو "ادع الله لنا" ونحو ذلك. وكأنَّ رب موسى ليس ربًّا لهم- عياذًا بالله.







8- تعنُّت بني إسرائيل وتشديدهم على أنفسهم بالسؤال عن سن البقرة بقولهم: ﴿ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ﴾، ولو ذبحوا أي بقرة أجزأهم ذلك وحصل المقصود، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم بقوله: ﴿ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ﴾.







9- تأكيد الأمر لبني إسرائيل بفعل ما أمرهم الله به، لقول موسى عليه السلام: ﴿ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ﴾.







10- تعنُّت بني إسرائيل وتشديدهم على أنفسهم ثانيًا بالسؤال عن لون البقرة، مما لا مبرر له ولا فائدة إلا المكابرة والعناد؛ لقولهم: ﴿ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ﴾ فشدد الله عليهم بقوله: ﴿ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾.







11- تعنُّت بني إسرائيل وتشديدهم على أنفسهم ثالثًا بسؤالهم عن البقرة أهي عاملة أو غير عاملة؟ بقولهم: ﴿ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ﴾ فشدد الله عليهم بقوله: ﴿ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا ﴾.







12- تعليق الأمر بمشيئة الله- تعالى؛ لقولهم: ﴿ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ﴾، فلا شيء يقع إلا بمشيئة الله عز وجل، ولعل هذا هو السبب في اهتدائهم إليها في النهاية وذبحها، كما قال بعض السلف، لكن لا يجوز الاحتجاج على الفعل أو الترك بالمشيئة، كما قال المشركون: ﴿ وْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 148].







13- التحذير من التشدد في الدين، فإن من شدد، شدد الله عليه، فبنو إسرائيل كان المطلوب منهم ذبح أيّ بقرة، لكنهم تشددوا فسألوا عن سنها، فَقُيِّدوا بسن معين محدد، بأنها: ﴿ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ﴾ أي: وسط بين ذلك، وليتهم فعلوا، لكنهم تشددوا مرة ثانية، فسألوا عن لونها، فقيدوا بلون محدد، وهو أنها: ﴿ بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾، وليتهم فعلوا، لكنهم تشددوا مرة ثالثة، فسألوا عن عملها، فقيدوا بأنها: ﴿ بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا ﴾.







14- شدة عناد بني إسرائيل وتباطؤهم وتلكؤهم عن تنفيذ أمر الله- تعالى.







15- جُرأة بني إسرائيل على إنكار ما جاءهم به موسى من عند الله والطعن فيه؛ لقولهم: ﴿ الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ﴾، فكأنهم يرون أن ما قبله ليس بحق، ويدل على هذا قولهم: ﴿ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ﴾.







وعلى احتمال أنهم أرادوا بقولهم: ﴿ الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ﴾ أي: بالبيان التام في أمر البقرة، فإن في هذا دليلًا على شدة جهلهم؛ لأنه قد جاءهم بالحق والبيان من أول مرة بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾، فلو ذبحوا أي بقرة أجزأهم ذلك، وحصل المقصود.







16- ذبح بني إسرائيل للبقرة بعد العناد والتشدد والجهد الجهيد؛ لقوله تعالى: ﴿ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾، أي: فذبحوها على مضض وكره؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾؛ لشدة تعنتهم وعنادهم.







17- وجوب المبادرة إلى امتثال أمر الله وترك العناد والمكابرة، فإن المخالفة لأمر الله أو التباطؤ في تنفيذه قد تكون سببًا للتشديد في الأمر، أو الوقوع في مخالفة أعظم.







18- أن سبب أمر بني إسرائيل بذبح بقرة هو قتلهم نفسًا وتدارؤهم فيمن قتلها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ﴾.







19- إقدام نفر من اليهود على قتل رجل منهم واتهام كل قبيلة منهم الأخرى بقتله، وفي هذا ارتكاب ذنبين كبيرين؛ الأول: قتل النفس بغير حق، والثاني إنكار القتلة أنهم قتلوا واتهامهم للآخرين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ﴾.







20- أن من أقدم على ارتكاب القتل أو اتهام الآخرين فيه شبه من اليهود.







21- عدم قدرة الخلق على علم الغيب لعدم معرفة أهل القتيل من قتله.







22- حرمة القتل العمد في جميع الديانات السماوية؛ لما يترتب عليه من إزهاق النفوس بغير حق.







23- علم الله عز وجل الغيب وجميع ما يكتم الخلق، وإظهاره؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾.







24- التحذير من كتمان الحق وإخفائه؛ لأن الله لا تخفي عليه خافية، والسر عنده علانية.







25- لا ينبغي التكلف في تحديد البعض من البقرة الذي ضرب به القتيل؛ لأن الله أمرهم بضربه ببعضها، أي: بأي بعض منها، ولم يحدد هذا البعض توسعة وتيسيرًا عليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ﴾ وهذا أوسع لهم وأيسر في التنفيذ من لو حدد هذا البعض.







26- في إحياء القتيل بضربه ببعض البقرة دلالة على قدرة الله عز وجل التامة على إحياء الموتى، وآية عظيمة من آياته الكونية يريها عز وجل بني إسرائيل؛ لأجل أن يعقلوا عن الله عز وجل آياته، ويتفهموها وينتفعوا بما منحهم الله عز وجل من عقول؛ لقوله تعالى: ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾.







27- ربط المسببات بأسبابها؛ لقوله تعالى: ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى ﴾، والله قادر على إحيائه بدون ذلك.







28- نعمة الله عز وجل على بني إسرائيل في بيان القاتل، وإظهار الحق في هذه القضية، وفي بيان آياته لهم؛ لأجل أن يعقلوها ويهتدوا إلى الحق.







29- توبيخ بني إسرائيل على قسوة قلوبهم من بعد ما مَنَّ الله به عليهم من النعم الجليلة، وما رأوا من الآيات العظيمة من إحياء الموتى، وبيان القاتل وغير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾.







30- شدة قسوة قلوب بني إسرائيل فهي كالحجارة في القسوة أو أشد قسوة من الحجارة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾.



31- تشبيه المعقول بمحسوس؛ لزيادة الإيضاح والبيان، وأن الحجارة أشد شيء في القسوة.







32- أن قسوة القلوب من صفات اليهود، مما يوجب الحذر من ذلك؛ ولهذا نهى الله عز وجل المؤمنين أن يكونوا كأهل الكتاب، فتقسوا قلوبهم.







33- أن من الحجارة ما هو خير وألْيَن من قلوب بني إسرائيل القاسية، بتفجر الأنهار منها أو بتشققها وخروج الماء منها، أو هبوطها من خشية الله تعالى ؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾.







34- قدره الله عز وجل التامة في تفجير الماء من الحجارة، وشقها وإخراج الماء منها.







35- أن من الحجارة ما يهبط من خشية الله رب العالمين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾، وفي هذا دلالة على طاعة الجمادات وانقيادها لله عز وجل وعبادتها له، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الإسراء: 44]، وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ﴾ [الحج: 18].







36- إثبات عظمة الله عز وجل ووجوب خشيته وتعظيمه؛ لأنه إذا كانت الحجارة والجمادات تخشاه وتعظمه فالعقلاء أولى بخشيته وتعظيمه، وذلك عليهم أوجب.







37- إحاطة الله عز وجل التامة وعلمه بأعمال العباد وعدم غفلته عنها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾، ففي هذا إثبات كمال إحاطته وعلمه.







38- التهديد والوعيد لقساة القلوب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ أي: أنه سيحصيه ويحاسبكم ويجازيكم عليه.








المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »







[1] انظر: "جامع البيان" (2/129)، "تفسير ابن كثير" (1/162).




[2] انظر: "بدائع التفسير" (1/ 320).




[3] انظر "ديوانه" (ص 16).










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #142  
قديم 16-12-2021, 04:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم







تفسير قوله تعالى: ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ... ﴾





قوله تعالى: ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 75].







بين عز وجل في الآيات السابقة قسوة قلوب اليهود وأهل الكتاب وأنها كالحجارة أو أشد قسوة، ثم أتبع ذلك بقطع طمع المؤمنين في إيمانهم.







قوله: ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ ﴾ الهمزة للاستفهام، والمراد به الاستبعاد والتيئيس والإنكار والتعجب. والخطاب للمؤمنين، والطمع: هو الرجاء مع الرغبة الأكيدة الشديدة في حصول الشيء.







والمعنى: أفترجون أيها المؤمنون ﴿ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ﴾؛ أي: أن يؤمن لكم اليهود، أي: أن يقروا لكم ويصدقوكم وينقادوا لكم بالطاعة، وقد شاهد آباؤهم آيات الله العظيمة وتمتعوا بنعمه الجسيمة، ثم قست قلوبهم من بعد ذلك، هذا أمر في غاية البعد، وكيف يكون هذا؟!







﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ ﴾ الواو: حالية، و"قد": للتحقيق، أي: والحال أنه كان فريق منهم، أي: طائفة منهم ﴿ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ﴾؛ أي: يسمعون كلام الله المنزل عليهم في التوراة، وكلامه الذي أسمعهم لما كلم موسى عليه السلام حين اختار منهم سبعين رجلًا لميقات ربه، وكذا كلامه عز وجل في القرآن الكريم. وفي الآية إثبات صفة الكلام لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته صفة ذاتيه ثابتة له عز وجل وصفة فعلية مرتبطة بمشيئته. فهو يتكلم متى شاء بحروف وكلمات وألفاظ، بصوت مسموع، ومعنى مفهوم: لأنه لا معنى للكلام المسموع إلا هذا.







وفي هذا رد على من ينفي صفة الكلام عن الله عز وجل أو يؤولها بالمعنى القائم بالنفس من أهل البدع.







﴿ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ﴾ التحريف: مصدر حرَّف الشيء إذا مال به إلى الحرف وعن جادة الطريق، أي: ثم يحرفون كلام الله، أي: يتأولونه على غير تأويله، ويبدلون معناه ويغيرونه ويميلون به عن وجهه ومعناه إلى غيره، قال تعالى: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾ [النساء: 46]، وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ﴾ [المائدة: 41].








﴿ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ ﴾ "ما" مصدرية، أي: من بعد عقلهم ووعيهم له، وفهمهم له على الجلية.







﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾، أي: يعلمون أنهم يحرفون كلام الله، وأن ذلك محرم، فارتكبوا الإثم والمخالفة على بصيرة، فحرفوا كلام الله بعد ما عقلوه وفهموه، وتركوا الحق بعد ما عرفوه، فاستحقوا بذلك لعنة الله وغضبه، كما قال تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: 13]، وقال تعالى: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7].




المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »












__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #143  
قديم 28-12-2021, 04:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله


«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا...



قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾[البقرة: 76].

قوله: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ معطوف على ما قبله، أي: وإذا لقي هؤلاء اليهود وقابلوا ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به ﴿ قَالُوا آمَنَّا ﴾ أي: قالوا بألسنتهم نفاقًا: ﴿ آمَنَّا ﴾ أي: دخلنا في الإيمان، أي: آمنا مثلكم بمحمد وبما جاء به، فأظهروا الإيمان بألسنتهم مع ما تنطوي عليه بواطنهم من الكفر؛ ولهذا قال:
﴿ وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾ أي: وإذا انفرد بعضهم ببعض، وكانوا في خلاء من الناس، ولم يكن عندهم أحد من غيرهم.

﴿ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ﴾ الهمزة للاستفهام، والمراد به الإنكار والتوبيخ والتعجب، والضمير الهاء يعود إلى المؤمنين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: كيف تحدثون المؤمنين بما فتح الله عليكم، أي: لا تحدثونهم بذلك.

﴿ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ﴾ "ما": موصولة، أي: كيف تخبرون المؤمنين بالذي فتح الله عليكم مما في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم مما يدل على صحة رسالته، وأخذ الميثاق عليكم بإتباعه، وغير ذلك، أي: لا تحدثوهم، ولا تخبروهم بذلك، وهذا نفاق منهم، وكتمان للحق.

﴿ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ﴾ اللام للعاقبة، أي: لتكون العاقبة والنهاية أنهم يحاجوكم ويخاصموكم، بما حدثتموه به عند ربكم.

أي: فيكون ذلك حجة لهم عليكم يوم القيامة عند ربكم، لماذا لم تؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولماذا رددتم ما جاء به من الحق، كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾ [الزمر: 31].

وقال السعدي[1]: "أتظهرون لهم الإيمان، وتخبرونهم أنكم مثلهم، فيكون ذلك حجة لهم عليكم، يقولون: إنهم قد أقروا بأن ما نحن عليه حق، وما هم عليه باطل، فيحتجون عليكم به عند ربكم".

﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ الهمزة للاستفهام، ومعناه: التوبيخ، أي: أليس لكم عقول تعرفون بها أنكم إذا حدثتموهم بما عندكم من العلم بصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كان ذلك حجة لهم عليكم عند ربكم، فأين عقولكم؟ وما علموا أن العقل كل العقل في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به، والشهادة بصدقة كما جاء في كتبهم، وأن عدم العقل هو عدم الإيمان به، وكتمان ما في كتبهم من تصديقه.


وهذا كما قال الله تعالى عنهم: ﴿ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آل عمران: 72].


المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] في "تفسير الكريم الرحمن" (1/ 100).








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #144  
قديم 28-12-2021, 04:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى:﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾


قوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [البقرة: 78]
ذكر في الآيات السابقة حال فريق من أهل الكتاب، وهم الذين يسمعون كلام ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وفهموه وهم يعلمون، وفي هذه الآية ذكر الفريق الثاني المقابل لذلك وهم الأميون الجهلة الذين لا يعلمون الكتاب، ويتكلمون بالظن وبلا علم، ففريق عرفوا الحق وحرفوه وتركوه، وفرق جهلة لم يعرفوا الحق، فكيف يطمع في إيمانهم؟!

قوله: ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَمعطوف على قوله: ﴿ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ... ﴾ [البقرة: 75] عطف الحال على الحال. أي: ومن أهل الكتاب، أي بعضهم وفريق منهم.

﴿ أُمِّيُّونَ: جمع أمّي، وهو من لا يكتب ولا يقرأ، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"[1].

وقال تعالى في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ﴾ [الأعراف: 157]، وقال تعالى في وصف العرب: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ﴾ [الجمعة: 2].

وسمي من لا يكتب ولا يقرأ بالأمي نسبة إلى أمه، أي: إلى الحالة التي فارق عليها أمه حين خرج من بطنها، وهي الجهالة، أو نسبة إلى الأمة وهي عامة الناس، فهو يرادف "العامي".

﴿ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ ﴾؛ أي: لا يعرفون الكتاب ولا يفقهونه، ولا يدرون ما فيه، والمراد بالكتاب "التوراة" و"ال" فيه للعهد.

و"الكتاب" بمعنى المكتوب؛ لأن التوراة مكتوبة في ألواح، كتبها الله عز وجل بيده، كما قال تعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 145]، وفي الحديث: "وكتب لك التوراة بيده"[2].

﴿ إِلَّا أَمَانِيَّ قرأ أبو جعفر: "أماني" بتخفيف الياء، وقرأ الباقون بتشديدها: "أمانيَّ".

والاستثناء منقطع، أي: إلا علم أماني. و"الأماني" جمع "أمنية" وهي التلاوة والقراءة، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ﴾ [الحج: 52].

قال حسان بن ثابت رضي الله عنه[3] في رثائه لعثمان رضي الله عنه:
تمنى كتاب الله أول ليله
وآخره لاقى حمام المقادر



والمعنى: ومن أهل الكتاب أميون لا يعلمون التوراة إلا قراءة دون فهم وفقه للمعنى، فهم بحكم من لا يقرأ ولا يكتب، وبحكم العوام، وليسوا من أهل العلم، وإن تمنوا ذلك وزعموه؛ ولهذا قال: ﴿ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ.

وفي هذا ذم لليهود في كونهم يقرؤون الكتاب مجرد قراءة بلا فهم للمعنى، كما أن فيه ذمًا لمن سلك مسلكهم من هذه الأمة في قراءة القرآن بلا فهم ولا تدبر، كما قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، وقال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، وقال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].

ولهذا لما ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه يختم القرآن في كل ليلة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرأ القرآن في كل شهر، فلما قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال له: اقرأه في كل سبع ليال"[4]، وفي رواية: فقال: "اقرأ القرآن في كل شهر، قال: إني أطيق أكثر، فما زال حتى قال: في ثلاث"[5].


﴿ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾، الواو: عاطفة، و"إن" نافية بمعنى: "ما"، "إلا": أداة حصر، أي: ما هم إلا يظنون، وذلك لعدم فهمهم المعنى، فليس عندهم إلا الظن: وهو الوهم والشك والقول بلا علم، والمعنى: ما هم إلا يتخرصون ويقولون بلا علم، كما قال تعالى: ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [النجم: 28].

والقول بالظن والحكم به محرم لا يجوز، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، وفي الحديث "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث"[6].


وما وقع كثير من الخوارج فيما وقعوا فيه من التكفير والخروج على أئمة الإسلام واستباحة دماء المسلمين، منذ عهد الخلافة الراشدة إلى يومنا هذا، ممن قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: "يقرؤون القرآن ولا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"[7] إلا بسبب الظن والجهل، وعدم العلم والفهم لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

[1] أخرجه البخاري في الصوم (1913)، ومسلم في الصيام (1080)، والنسائي في الصوم (2140)، وأبوداود في الصوم (2319) - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

[2] أخرجه مسلم في القدر (2652)، وأبو داود في السنة (4701) وابن ماجه في المقدمة (80)- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] انظر: "البحر المحيط" 7 /527.

[4] أخرجه البخاري في فضائل القرآن (5052)- من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.

[5] أخرجها البخاري في الصوم (1978).

[6] أخرجه البخاري في النكاح (5144)، ومسلم في البر والصلة (2563)، والترمذي في البر والصلة (1988)- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[7] أخرجه البخاري في المناقب (3610)، ومسلم في الزكاة (1064)، وأبو داود في السنة (4764)، والنسائي في الزكاة (2578) عن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #145  
قديم 28-12-2021, 04:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





تفسير قوله تعالى:﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.... ﴾










قوله تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ [البقرة: 79].







ذكر الله عز وجل في الآيات السابقة فريقين من أهل الكتاب، وهم الذين يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، والأميين الذي لا يعلمون الكتاب إلا أماني، ثم أتبع ذلك بذكر الذين ﴿ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾[البقرة: 79]، وهؤلاء يحتمل أنهم ضمن الفريق الأول الذين ﴿ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 75]، فالأولون يحرفون كلام الله من حيث المعنى، وهؤلاء يحرفونه من حيث اللفظ وهم الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ويزعمون كذبًا أنه من عند الله لإضلال الناس وأكل أموالهم بالباطل.







قوله: ﴿ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾، "ويل"، أي: وعيد وتهديد وحسرة وعذاب شديد، لأحبار اليهود وعلمائهم الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يزعمون كذباً أنه من عند الله.







و"الكتاب" بمعنى المكتوب، أي: يكتبون كتبًا ويضعونها من عند أنفسهم، ويبدلون فيما أنزله الله، ويزيدون وينقصون.







وقوله: ﴿ بِأَيْدِيهِمْ ﴾ تأكيد لقوله ﴿ يَكْتُبُونَ ﴾، كقوله تعالى: ﴿ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾ [الأحزاب: 4]، وقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]، وكقول القائل: "سمعت بأذني، وأبصرت بعيني" ونحو ذلك.







﴿ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ أي: ثم يقولون كذبا وزورا ﴿ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ أي: هذا الكتاب نزل من عند الله، أي: هذه التوراة التي أنزلها الله افتراء على الله، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 78].







﴿ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ أي: لأجل أن يأخذوا به ﴿ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ أي: عوضًا قليلًا زهيدًا من المال والرئاسة والجاه ونحو ذلك من حظوظ الدنيا الزائلة الحقيرة.







وكل ما أخذ مقابل ترك أمر الله، ومقابل ثواب ذلك في الدنيا والآخرة فهو قليل، ولو كان ذلك العوض الدنيا كلها بما فيها فهو قليل حقير زهيد، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النساء: 77] وقال تعالى: ﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [التوبة: 38]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾ [الرعد: 26]. وقال صلى الله عليه وسلم: "وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها"[1] وقال صلى الله عليه وسلم: "لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء"[2].







﴿ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ الفاء: عاطفة، و"ما": مصدرية، أو موصولة، أي: فويل لهم من كتبهم، أو من الذي كتبت أيديهم من الكتاب والتحريف والباطل، ونسبوه إلى الله كذبًا وزورًا، وأضلوا به عباد الله.







﴿ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ أي: وويل لهم من الذي يكسبون أو من كسبهم السحت الذي يأخذونه من الناس مقابل ذلك.







فتوعدهم أولًا بوعيد عام، ثم أكّده وفصَّله إلى وعيدين: وعيد على الوسيلة، وهي كتابتهم الكتاب بأيديهم، وقولهم: هذا من عند الله، ووعيد على الغاية وهي ما يكسبون من السحت الذي يأخذونه من أموال الناس مقابل ذلك؛ لأنهم جمعوا بين الافتراء والكذب على الله، وبين الكذب والتدليس على الناس، وتضليلهم عن الحق، وأكل أموالهم بالباطل.







وإذا كان الله عز وجل توعد اليهود في كتابتهم التوراة وتحريفها بهذا الوعيد الشديد المؤكد، فإن الوعيد أشد وأعظم وآكد لمن يجترئون على أعظم كتب الله القرآن الكريم ويطعنون فيه بالزيادة أو النقصان ويزعمون أن فيه تحريفًا وتبديلًا وتغييرًا- من أهل البدع وغيرهم، وقد أجمعت الأمة في القرون المفضلة وبعدها إلى يومنا هذا- ولله الحمد- على أن ما بين دفتي المصحف هو القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم بلا زيادة ولا نقصان، وكيف لا يكون هذا وقد تكفل الله عز وجل بحفظه، فقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، وقال تعالى: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42].







كما أن الوعيد يشمل الذين يلوون نصوص الكتاب والسنة؛ لتوافق أهواءهم وآراءهم الفاسدة، وما في قلوبهم من أمراض الشبهات والشهوات، ويؤلفون في ذلك الكتب، وينشرون المقالات، ويزعمون أنهم يستندون فيما يكتبون إلى أدلة الكتاب والسنة، تمويهًا على الناس- مع ما تنطوي عليه كتاباتهم من الرغبة في إثارة البلبلة وتشكيك الأمة في ثوابتها وأغلى موروث لديها، والرغبة في التصدر وتوجيه أنظار الناس إليهم، ونحو ذلك ﴿ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾.








المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »







[1] أخرجه البخاري في بدء الخلق (3250)، والترمذي في فضائل الجهاد (1648)، وابن ماجه في الزهد (4330)- من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.




[2] أخرجه الترمذي في الزهد (2320)، وابن ماجه في الزهد (4110)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب".









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #146  
قديم 28-12-2021, 04:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم







قوله تعالى: ﴿ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 81]





ذكر الله عز وجل في الآية السابقة زعم اليهود أنهم لن تمسهم النار إلا أيامًا معدودة، وبيَّن بطلان قولهم وأنهم يقولون على الله ما لا يعلمون، ثم أتبع ذلك بذكر حكم عام لكل أحد من بني إسرائيل وغيرهم، وهو أنه كل يجازى بعمله فمن أساء وأحاطت به خطاياه فهو من أصحاب النار هم فيها خالدون، ومن آمن وعمل صالحًا فهو من أصحاب الجنة هم فيها خالدون وليس بالأماني، كما قال تعالى: ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء: 123، 124].







قوله: ﴿ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً ﴾؛ "بلى" حرف جواب مختص بإبطال النفي، فهو هنا لإبطال ما نفوه بقولهم: ﴿ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ﴾ [البقرة: 80]؛ أي: ليس الأمر كما تزعمون بل ﴿ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 81].







﴿ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً ﴾، "من" شرطية، و"كسب" فعل الشرط، وجوابه جملة ﴿ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ وربط بالفاء؛ لأنه جملة اسمية.







ويجوز أن تكون "من" اسم موصول بمعنى "الذي" في محل رفع مبتدأ، وخبره جملة: ﴿ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ وقرن بالفاء لشبه الموصول بالشرط في العموم.







﴿ كَسَبَ سَيِّئَةً ﴾، أي: عمل سيئة، والكسب: العمل وثمرته المترتبة.







و"سيئة": نكرة في سياق الشرط، فيعم كل سيئة وكل ذنب من الشرك فما دونه.







والسيئة تطلق على الصغيرة، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ [النساء: 31] يعني الصغائر، وتطلق على الكفر والشرك، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ﴾ [النمل: 90].







وسميت السيئة سيئة؛ لأنها تسوء صاحبها في الحال والمآل، وقد تسوء غيره في الحال إذا كانت متعدية، كما قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].







﴿ وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ﴾ قرأ نافع وأبو جعفر بالجمع (خطيئاته)، وقرأ الباقون ﴿ خَطِيئَتُهُ ﴾ بالإفراد، وهي بمعنى الجمع؛ لأن المفرد المضاف يفيد العموم، أي: وأحاطت به خطيئته، فلم يكن له حسنة، واكتنفته خطاياه وذنوبه المتنوعة الكثيرة ومات على الشرك والكفر من غير توبة، بدليل قوله: ﴿ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.







﴿ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ أشار إليهم بإشارة البعيد "أولئك" تحقيرًا لهم.







ومعنى ﴿ أَصْحَابُ النَّارِ؛ أي: ملازموها ملازمة دائمة أشد من ملازمة الغريم لغريمه؛ لهذا قال بعده: ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ؛ أي: هم فيها ماكثون مقيمون إقامة أبدية، كما دلّ على ذلك القرآن في عدة مواضع، وهو الصحيح من أقوال أهل العلم أن النار لا تفنى ولا يفنى أهلها.







وإنما قدم ذكر أهل النار؛ لأن السياق في الآية في الرد على زعم اليهود أنهم لن تمسهم النار؛ لبيان أنهم من أهلها؛ ولهذا فإن في الآية تعريضًا بحالهم السيئة، في مصيرهم الذي هو بئس المصير.







ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه عنه سعيد بن جبير أو عكرمة: ﴿ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ﴾؛ أي: من عمل مثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به، حتى يحيط كفره بما له من حسنة ﴿ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾"[1].







وفي الآية قصر مفاده أن المتصفين بما ذكرهم أصحاب النار الخالدون فيها، ومفهوم ذلك أن من كسب سيئة ولم تحط به خطيئته، فإنه ليس من أصحاب النار الخالدين فيها، لكنه يعذب بقدر ما عليه من السيئات، إن لم يعف الله عنها، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود رضي الله عنه: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على المرء حتى يهلكنه"[2].







المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»







[1] أخرجه الطبري في "جامع البيان" (2/ 178) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (10/ 157- 159).




[2]أخرجه أحمد (1/ 402)، والطبراني في الكبير (10/ 261)، وأخرجه أحمد أيضًا (5/ 331) والطبراني في الكبير من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 190) "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الثلاثة من طريقين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عبدالوهاب بن الحكم وهو ثقة". وقال ابن حجر في "فتح الباري" (11/ 337): "إسناده حسن" وأخرجه أحمد أيضًا (6/ 70، 151) من حديث عائشة رضي الله عنه، وكذ ابن ماجه في "الزهد" (ص 4243).
















__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #147  
قديم 09-01-2022, 11:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ... ﴾





قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [البقرة: 83].







قوله: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ أي: واذكروا حين أخذنا في التوراة ميثاق بني إسرائيل آبائكم وسلفكم أي: حين أخذنا عهدهم المؤكد.







وتكلم عز وجل عن نفسه بضمير العظمة؛ لأنه العظيم سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، وقال تعالى: ﴿ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الجاثية: 37]، وقال عز وجل في الحديث القدسي: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري"[1].







وفي الإظهار في قوله: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ بدل الإضمار حيث لم يقل: "وإذا أخذنا ميثاقكم" إشارة إلى الرابط بين السابق منهم واللاحق نسبًا ودينًا، وأن العهد على السابقين منهم عهد على اللاحقين.







﴿لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾.







هذا بيان وتفصيل للميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل وتحته ثمان وصايا، وهي: إخلاص العبادة لله، والإحسان إلى الوالدين، والإحسان إلى ذي القربى، والإحسان إلى اليتامى، والإحسان إلى المساكين، وأن يقولوا للناس حسنًا، وأن يقيموا الصلاة، وأن يؤتوا الزكاة، وبهذا أمر الله عز وجل وأوصى جميع خلقه.







قوله: ﴿ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾.



قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء "لا يعبدون"، وقرأ الباقون بالتاء: "لا تعبدون" أي: لا تعبدون سوى الله، أي: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئًا.







وبهذا أرسل الله جميع الرسل، وبه أمر جميع الخلق، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].







وهذا هو أول الحقوق وأعلاها، وأعظمها وأبينها حق الله عز وجل، وهو توحيده وعبادته وحده لا شريك له، والذي لا تقبل الأعمال بدونه، وضده الشرك الذي هو أعظم الذنوب وأظلم الظلم.







﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ بعد أن ذكر حقه عز وجل الذي هو أعظم الحقوق- ذكر حقوق خلقه، وبدأها بحق الوالدين الذي هو من أعظم وآكد الحقوق، فقال تعالى: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ أي: أحسنوا بالوالدين إحسانًا، والإحسان نهاية البر، وذلك بأداء حقوقهم الواجبة والمستحبة: قولًا وفعلًا وبذلًا، وغير ذلك، وهذا يتضمن النهي عن الإساءة إليهما من باب أولى.







و"الوالدين" هما الأب والأم، أما الأم فهي الوالدة، كما قال تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ [البقرة: 233]، وأما الأب فسمي والدًا من باب التغليب؛ لأن الولد منه ومن الوالدة[2].







ويدخل في قوله: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ الأجداد والجدات، لكن كلما كان الوالد أقرب كان حقه أعظم وأوجب.







وقد قرن الله عز وجل حق الوالدين بحقه في هذه الآية، وفي مواضع كثيرة في القرآن الكريم؛ لعظيم حقهما، وسيأتي بسط الكلام في ذلك في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [النساء: 36]. وفي سورة الإسراء في الكلام على قوله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ ﴾ [الإسراء: 23].







﴿ وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ أي: وأحسنوا بذي القربى واليتامى والمساكين، إحسانًا بالقول والفعل والبذل، وكف الأذى.







﴿ وَذِي الْقُرْبَى ﴾: صاحب القرابة، وعطفه على "الوالدين" من عطف العام على الخاص؛ لأن الوالدين أقرب القرابة، وأعظمهم حقًا، وكلما كان الشخص أقرب، فحقهُ أعظم وأوجب.







﴿ وَالْيَتَامَى ﴾ جمع يتيم أو يتيمة، وهو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ ذكرًا كان أو أنثى، فإذا بلغ زال عنه اليتم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُتمَ بعد احتلامٍ"[3]، مأخوذ من "اليتم" وهو الانفراد، ومنه سميت "الدرة اليتيمة". أي: وأحسنوا باليتامى، بالعطف عليهم وتوجيههم ومساعدتهم وحفظ أموالهم، والدفاع عنهم وأداء حقوقهم.







وقد أوصى الله عز وجل باليتامى، وأكد على وجوب رعايتهم والعناية بهم لشدة حاجتهم إلى من يعولهم وينفق عليهم ويربيهم، ويدافع عنهم ويحفظ أموالهم وحقوقهم، ولاسيما عندما تطغى الأنانية وحب الذات، ويشتد الجشع والطمع وتضيع حتى حقوق كثير من الأقوياء فكيف باليتيم الذي لا حول له ولا طول إلا برحمة أرحم الراحمين.







و﴿ وَالْمَسَاكِينِ ﴾: جمع مسكين وهو الفقير، المعدم، أو الذي لا يجد كفايته، سموا مساكين أخذًا من السكون وعدم الحركة؛ لأن الفقر أسكنهم وأذلهم؛ أي: وأحسنوا بالمساكين بمساعدتهم والعطف عليهم ونحو ذلك. وسيأتي بسط الكلام بأوسع من هذا على حقوق اليتامى والمساكين في مطلع سورة النساء.







﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83] } قرأ حمزة الكسائي ويعقوب وخلف بفتح الحاء والسين "حَسَنًا"، وقرأ الباقون بضم الحاء وإسكان السين ﴿ حُسْنًا ﴾.







بعد أن أمر بالإحسان المطلق إلى الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين وذلك يشمل نوعي الإحسان القولي والفعلي، أمر بالإحسان القولي لجميع الناس حيث أنه مستطاع لكل أحد، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يسع الناس بماله فلا يعدم الإحسان بقوله الطيب الحسن وخلقه الحسن، وفي الحديث: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحُسن الخُلق"[4].







قال المتنبي[5]:






لا خيل عندك تهديها ولا مال

فليُسعد النُّطق إن لم يُسعد الحال
















أي: وقولوا للناس قولًا حسنًا طيبًا لينًا، ويدخل في ذلك دعوتهم إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ومجادلتهم بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن ﴾ [النحل: 125].







ويدخل فيه أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتعليمهم العلم، وبذل السلام، والبشاشة، وكل كلام طيب، والبعد عن الكلام القبيح والفاحش والبذي مع الناس، حتى مع الكفار، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [العنكبوت: 46].







وفي الحديث: "الكلمة الطيبة صدقة"[6]، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يحب الفاحش أو يبغض الفاحش والمتفحش"[7].







وفي الحديث: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول: إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا"[8].







﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 83] أي: وأقيموا الصلاة إقامة تامة فرضها ونفلها بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها.







﴿ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ أي: وأعطوا الزكاة لمستحقيها.







وفيه دلالة على فرض الصلاة والزكاة على بني إسرائيل ممن كان قبلنا، وخص الصلاة والزكاة لمكانتهما من العبادة والإحسان، وكونهما من أعظم ما يعين على ذلك، ففي الصلاة الإخلاص للمعبود، وفي الزكاة الإحسان إلى العبيد.







﴿ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ ﴾ [البقرة: 83] الخطاب لبني إسرائيل جميعًا بتغليب أخلافهم على أسلافهم، أو للمعاصرين منهم، فهذا تعميم للخطاب بتنزيل الأسلاف منزلة الأخلاف، كما أنه تعميم للتولي بتنزيل الأخلاف منزلة الأسلاف للتشديد في التوبيخ[9].



و"التولي" يكون بالبدن.







﴿ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ ﴾ بقوا على العهد والميثاق.







﴿ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ الجملة حالية، أي: والحال أنكم معرضون، والإعراض يكون بالقلب، فجمعوا بين التولي بالأبدان والإعراض بالقلوب، والمعرض بقلبه- في الغالب- لا أمل في رجوعه؛ قد سد أذنيه خوفًا من سماع الحق، فلا فائدة فيه.







والمعنى: ثم توليتم بأبدانكم حال كونكم معرضين بقلوبكم عن العمل بما أمرتم به في هذا الميثاق الذي أخذ عليكم، من إخلاص العبادة لله تعالى، والإحسان إلى الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، وقول الحسنى للناس، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة.







المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »







[1] أخرجه أبو داود في اللباس (4090)، وابن ماجه في الزهد (4174)- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.




[2] انظر: "البحر المحيط" (3/ 174).



[3] أخرجه أبو داود في الوصايا (2873) من حديث علي رضي الله عنه.




[4] أخرجه البزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيما ذكره ابن حجر في شرحه لحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا" في كتاب الأدب (6035)، وقال ابن حجر عن حديث أبي هريرة: "بسند حسن".



[5] انظر: "ديوانه" بشرح العكبري 3/ 276.



[6] أخرجه البخاري في الجهد والسير (2891)،ومسلم في الزكاة (1009) ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.




[7] أخرجه أحمد (2/ 162)، والترمذي في البر والصلة (1975)- من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.



[8] أخرجه الترمذي في البر والصلة (2018) وقال "حديث حسن غريب".



[9] انظر "روح المعاني" (1/ 309).










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #148  
قديم 09-01-2022, 11:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ










قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾ [البقرة: 84].







قوله: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ﴾ أي: واذكروا يا بني إسرائيل حين أخذنا ميثاقكم، أي: عهدكم المؤكد.







﴿ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ﴾ بيان وتفصيل للميثاق الذي أخذه الله عليهم هنا، وهو أنه أخذ عليهم الميثاق في التوراة بأمرين: أن لا يسفكوا دماءهم، وأن لا يخرجوا أنفسهم من ديارهم.







قوله: ﴿ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ﴾ أي: لا تريقون دماءكم، وسفك الدم سفحه وصبه وإراقته بالقتل.







والمعنى: لا يرق بعضكم دماء بعض، بقتل بعضكم بعضًا؛ لأن قتل الواحد لأخيه بمثابة قتله لنفسه من أهل الملة الواحدة.







﴿ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ أي: ولا يخرج بعضكم بعضًا من دياركم؛ لأن إخراج الواحد من أهل الملة الواحدة لأخيه بمثابة إخراجه لنفسه، قال تعالى: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ [النور: 61] أي: ليسلم بعضكم على بعض، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [النساء: 29] أي: لا يقتل بعضكم بعضًا.







وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر"[1].







والإخراج من الوطن الذي ولد فيه الإنسان ونشأ وترعرع على ترابه وأرضه ليس بالأمر الهين على النفس، بل قد يكون أشد عليها وأشق من القتل؛ ولهذا وقف صلوات الله وسلامه عليهم على "الحزْوَرَة[2]" مخاطبًا بلده مكة قائلًا: "والله إنك لخير أرض، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت"[3].







وقال الشاعر:






ولي وطن آليت ألا أبيعه

ولا أرى غيري له الدهر مالكا


عمرت به شرخ الشباب مُنَعَّما

بصُحبة قوم أصبحوا في ظلالك


وحبب أوطان الرجال إليهمُ

مآرب قضّاها الشباب هنالك


إذا ذكروا أوطانهم ذكّرتهمُ

عهود الصبا فيها فحنّوا لذلك


فقد ألفته النفس حتى كأنه

لها جسد إن بان غودرهالكا[4]










﴿ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ ﴾ أي: ثم أقررتم بهذا الميثاق، واعترفتم به، وبقيتم عليه، والتزمتم به ﴿ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾ الجملة حالية، أي: والحال أنكم تشهدون عليه، أي: تشهدون على صحة هذا الميثاق.







المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»







[1] أخرجه البخاري في الأدب (6011)، مسلم في البر والصلة والآداب (2586)- من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.




[2] "الحزْوَرَة"- على وزن "قسْوَرَة"-: موضع في مكة. انظر: "النهاية" مادة "حزر".




[3] أخرجه الترمذي في المناقب- فضل مكة (3925)- من حديث عبد الله بن عدي بن حمراء الزهري رضي الله عنه. وقال: "حديث حسن غريب صحيح".





[4] الأبيات لابن الرومي. انظر: "ديوانه" 5/1826.










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #149  
قديم 09-01-2022, 11:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



تفسير قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ ﴾



قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾[البقرة: 85].

قوله: ﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ ﴿ ثُمَّ ﴾: عاطفة، و﴿ أَنْتُمْ ﴾: مبتدأ، و﴿ هَؤُلَاءِ ﴾ منادى؛ أي: يا هؤلاء، ﴿ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ﴾: خبر المبتدأ، والخطاب لليهود الموجودين وقت نزول القرآن؛ لأنهم من الأمة التي فعلت ذلك ورضوا به، أي: ثم أنتم يا هؤلاء تنقضون العهد.

و﴿ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ أي: يقتل بعضكم بعضًا.

﴿ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ ﴾أي: وتضطرون وتلجئون طائفة منكم إلى الخروج والجلاء من ديارهم، وفي هذا توبيخ لهم على نقض العهد.

قال ابن كثير[1]: "وذلك أن الأوس والخزرج، وهم الأنصار كانوا في الجاهلية عباد أصنام، وكانت بينهم حروب كثيرة، وكانت يهود المدينة ثلاثة قبائل: بنو قينقاع، وبنوا النضير، حلفاء الخزرج. وبنو قريظة حلفاء الأوس. فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق مع حلفائه، فيقتل اليهودي أعداءه، وقد يقتل اليهودي الآخر من الفريق الآخر، وذلك حرام عليه في دينه ونص كتابه ويخرجونهم من بيوتهم، وينهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها استفكّوا الأسارى من الفريق المغلوب عملًا بحكم التوراة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾.

﴿ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ ﴾قرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الظاء "تظاهرون"، وقرأ الباقون بتشديد الظاء "تظَّاهرون"، وأصلها تتظاهرون، أبدلت التاء الثانية ظاءً ثم أدغمت بالظاء الأصلية.

وعبر بالمضارع في قوله: ﴿ تَقْتُلُونَ ﴾ ﴿وَتُخْرِجُونَ ﴾ و﴿ تَظَاهَرُونَ ﴾للدلالة على الاستمرار، وأن ذلك من شأنكم.

ومعنى ﴿ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ ﴾التظاهر معناه التعالي، أي: تتعالون عليهم، ومن هذا قوله تعالى: ﴿ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 48] أي: علا أمر الله، ومنه قوله تعالى: ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ [التوبة: 33، الفتح: 28، الصف 9] أي: ليعليه.

ويأتي التظاهر بمعنى التعاون، كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ [التحريم: 4].

وعلى هذا فيكون معنى ﴿ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ ﴾أي: تتعاونون عليهم. ولا مانع من حمل الآية على المعنيين، فهم يتعالون على من يقتلون ويخرجون من ديارهم ويتعاونون عليهم ﴿ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ "الإثم": الذنب والمعصية، وما يؤثم، و"العدوان": الاعتداء على الغير بغير حق.

والعدوان أخص من "الإثم"، فكل عدوان إثم، وليس كل إثم عدوانًا، اللهم إلا في حق النفس، فإن الآثام كلها عدوان على النفس وظلم لها؛ لأن النفس وديعة عند الإنسان يجب أن يحملها على ما فيه نجاتها وسلامتها في الدين والدنيا والآخرة، ويحرم عليها أن يعرضها للعطب والهلاك والعذاب.

واليهود في قتل وإخراج بعضهم لبعض قد جمعوا بين الأمرين: الإثم والعدوان؛ لأن القتل والإخراج للغير إثم واعتداء.

﴿ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ ﴾ الواو: يجوز أن تكون عاطفة، ويكون هذا من جملة ما وبخوا عليه من نقض العهد، ويجوز أن تكون واو الحال، والجملة حال من قوله: ﴿ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا ﴾ أي: والحال أنهم إن ﴿ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ ﴾ قرأ حمزة: "أَسْرَى تَفْدُوهم"، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وخلف: "أَسَارَى تَفْدُوهم"، وقرأ الباقون: ﴿ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ ﴾.

أي: وإن يجيئوا إليكم ﴿ أُسَارَى ﴾، أي: حال كونهم أسارى، والأسارى جمع "أسير" يقال في جمعه: "أسرى" وجمع الجمع منه "أسارى"، والأسير الذي أخذه عدوه واستولى عليه، وهو "فعيل" بمعنى "مفعول"؛ أي: مأسور؛ لأنه في الغالب يؤسر ويربط ويوثق مخافة أن يهرب، والإسار هو السَّير من الجلد الذي يوثق به المسجون والموثوق.

﴿ تُفَادُوهُمْ ﴾ قرأ نافع وأبوجعفر وعاصم والكسائي ويعقوب: ﴿ تُفَادُوهُمْ ﴾ بضم التاء وألف بعد الفاء. وقرأ الباقون بفتح التاء وسكون الفاء من غير ألف: "تَفْدوهم"، ومعنى﴿ تُفَادُوهُمْ ﴾ أي: تفكوهم وتخلصوهم من الأسر بفدية تدفعونها لمن أسرهم مقابل فكه وتخليصه لهم.

والمعنى: ثم أنتم هؤلاء تقتلون بعضكم وتخرجون طائفة منكم من ديارهم، تتعالون وتتعاونون عليهم بالإثم والعدوان، والحال أنهم إن يأتوكم حال كونهم أسارى تفادوهم، أي: تخلصوهم من الأسر.

﴿ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ﴾الجملة حالية، أي: والحال أنه محرم عليكم إخراجهم في كتابكم، ولم يقل: "وهو محرم عليكم قتلهم وإخراجهم" مع أن كلاًّ من القتل والإخراج محرم عليهم، وذلك- والله أعلم- لأن الإخراج هو سبب الأسر، وعليه يكون المعنى: كيف تخرجونهم وتتسببون في أسرهم ثم تفادونهم.

﴿ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾، الاستفهام للإنكار والتقريع والتوبيخ والتهديد.

أي: أفتصدقون ببعض الكتاب- يعني التوراة- وتعملون به، كما في فداء الأسارى، وتكفرون ببعضه كما في كفركم في نهيكم فيه عن سفك دمائكم وإخراج فريق منكم من ديارهم؟ فهذا تناقض منكم؛ لأن الأخذ والإيمان ببعض الكتاب يوجب الأخذ والإيمان بجميعه، كما أن الكفر ببعض الكتاب كفر بجميعه، بل إن الإيمان يوجب الإيمان بجميع الشرائع والكتب والرسل، والكفر ببعضها كفر بجميعها، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 150، 151]، وكما قال تعالى في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].

﴿ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ الفاء: عاطفة، و"ما": نافية، و"الجزاء" يطلق على العقاب، ويطلق على الثواب، والمراد به هنا العقاب، و"من": موصولة، أي: فما عقاب أو عقوبة الذي يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا، وفي التعبير بالمضارع "يفعل" دلالة على استمرارهم على هذا الفعل.

والإشارة تعود إلى ما أنكر عليهم قبل هذا من الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه، أو إليه وإلى ما قبله من قتل وإخراج بعضهم بعضًا من ديارهم والتظاهر عليهم بالإثم والعدوان.

﴿ مِنْكُمْ ﴾: الخطاب لبني إسرائيل.

﴿ إِلَّا خِزْيٌ ﴾ "إلا": أداة حصر، والخزي: الفضيحة والذل والهوان والصغار، أي: فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا الفضيحة والذل والهوان والصغار ﴿ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ ليس لهم جزاء إلا ذلك، وقد حصل لهم ذلك فأخزاهم الله وسلط رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم فأجلى بني النضير عن ديارهم، وقتل بني قريظة، وسبى من سبى منهم وكتب الله عليهم الذل بين الأمم أين ما كانوا بسبب كفرهم وعتوهم.

والحياة الدنيا هي هذه الحياة التي نحن فيها، سميت دنيا من الدنو والقرب؛ لأنها قبل الآخرة زمنًا، ومن الدناءة والحقارة؛ لأنها لا قيمة لها، ولا تساوي شيئًا بالنسبة للآخرة، كما قال تعالى: ﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [التوبة: 38] وقال تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾ [الرعد: 26]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185، الحديد: 20].

وقال صلى الله عليه وسلم: "لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء"[2].

ونام صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثّر في جنبه قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما لي وللدنيا إنما أنا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها"[3].

و"يوم القيامة": يوم البعث والمعاد والحساب الجزاء على الأعمال.

وسمي هذا اليوم يوم القيامة، لقيام الناس فيه من قبورهم، كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 6]، وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾ [الزمر: 68].

ولقيامهم بين يدي الله عز وجل، كما قال تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: 46]، وقال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾ [النازعات: 40] أي: خاف القيام بين يدي الله عز وجل.

ولقيام الحساب والعدل الحقيقي فيه، كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 41]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].

ولقيام الأشهاد فيه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].

ولقيام الملائكة والروح فيه صفًا لا يتكلمون، كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴾ [النبأ: 38].

﴿ يُرَدُّونَ ﴾ أي: يرجعون من خزي الدنيا وهوانها وذلها.

﴿ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ ﴾أي: إلى أعظم العذاب، من حيث كمه وكيفه ومدته، وغير ذلك؛ لنقضهم الميثاق، وكفرهم بالله، كما قال تعالى: ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 127]، وقال تعالى: ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ﴾ [الزمر: 26]، وقال تعالى: ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ﴾ [الرعد: 34].


﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾قرأ نافع وابن كثير وأبوبكر ويعقوب وخلف "يعملون" بياء الغيبة، وقرأ الباقون بتاء الخطاب: ﴿ تَعْمَلُونَ ﴾.

وقد سبق الكلام على هذه الآية، وفيها تأكيد للوعيد السابق وتخويف وتهديد.


[1] في "تفسيره" (1/ 173).


[2] سبق تخريجه.

[3] أخرجه الترمذي في الزهد (2377)، ابن ماجه في الزهد (4109)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #150  
قديم 09-01-2022, 11:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى:﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ... ﴾





قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: 87]

في هذه الآية امتنان من الله عز وجل على بني إسرائيل في إيتاء موسى التوراة وإتباعه بالرسل الذين يحكمون بها إلى أن ختموا بعيسى ابن مريم عليه السلام، وفيها بيان أن بني إسرائيل كما قابلوا موسى عليه السلام بالعصيان والتعنت والاستكبار والتكذيب كذلك كانت حالهم مع بقية رسلهم إلى آخرهم عيسى ابن مريم عليه السلام، فدأبوا على مخالفة الحق ورده، والإعراض عنه، هذا ديدنهم مع جميع الرسل.

قوله: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ الواو: استئنافية، واللام لام القسم لقسم مقدر، و"قد": للتحقيق، أي: والله لقد آتينا موسى الكتاب، فالجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم، واللام، و"قد"، وذلك لأهمية الخبر.

وموسى هو نبي الله: موسى بن عمران عليه السلام، أي: أنزلنا على موسى ﴿ الْكِتَابَ ﴾ أي: التوراة، أنزله الله عليه جملة واحدة بألواح، وفي هذا إثبات رسالة موسى عليه الصلاة والسلام.

﴿ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ أي: أتبعنا من بعده بالرسل من بني إسرائيل الذين يحكمون بشريعته، أي: جعلناهم يقفونه، أي: يأتون بعده، أي: بعد موته، كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ [الحديد: 27].

فموسى عليه الصلاة والسلام أول أنبياء بني إسرائيل، وأفضلهم، وكل من جاء بعده من الرسل هم من بني إسرائيل، ويحكمون بشريعته؛ وآخرهم عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة: 44].

﴿ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ كقوله تعالى: ﴿ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾ [البقرة: 253]. أي: وأعطينا عيسى ابن مريم البينات، أي: الآيات والمعجزات البينات، وفي هذا إثبات رسالة عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.

وحذف الموصوف "الآيات" واكتفى بالصفة وهي "البينات"؛ لأن المهم في الآيات أن تكون بينات، أي: واضحات ظاهرات الدلالة على صدق من جاء بها وصحة ما جاء به.

والمعنى: وآتينا عيسى ابن مريم الآيات البينات الواضحات الدالة على صدقه وصحة رسالته: الآيات الشرعية، وهي الإنجيل، كما قال تعالى: ﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ﴾ [المائدة: 46] وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ ﴾ [الحديد: 27]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴾ [المائدة: 110].


والآيات الكونية: من كونه يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى ويخرجهم من قبورهم بإذن الله، ويخبر بني إسرائيل مما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، كما قال تعالى: ﴿ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 49]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي ﴾ [المائدة: 110].

وفي خلق عيسى عليه السلام آية؛ لأن الله خلقه من أنثى بلا ذكر، وهي مريم ابنة عمران من سبط يهوذا، وذلك آية من آيات الله القدرية الكونية؛

ولهذا يذكر عيسىعليه السلام غالبا في القرآن الكريم منسوبًا إلى أمه؛ للتذكير بعظيم قدرة الله تعالى حيث خلقه من أنثى بلا ذكر، بينما لا يذكر نسب غيره من الأنبياء حتى ولا لآبائهم.

﴿ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾، كما قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ﴾ [المائدة: 110] ومعنى ﴿ وَأَيَّدْنَاهُ ﴾ أي: وقويناه وشددنا عضده ونصرناه، كما قال تعالى: ﴿ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ [الصف: 14] وقال تعالى مخاطبًا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم: ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 62].

﴿ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ روح القدس: جبريل عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [النحل: 102] وقال صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت رضي الله عنه: "إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله"[1].

وفي رواية: "اللهم أيده بروح القدس"[2].

كما يسمى جبريل عليه السلام بـ"الروح" قال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ [الشعراء: 193]وقال تعالى: ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ﴾ [المعارج: 4]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ﴾ [النبأ: 38]، وقال تعالى: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ﴾ [القدر: 4].

وعلى هذا فـ"روح القدس" من إضافة الموصوف إلى صفته، فالروح هو جبريل، و"القدس": الطهر، أي: وأيدنا عيسى- عليه الصلاة والسلام- بروح القدس والطهر جبريل- عليه الصلاة والسلام- قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ [المائدة: 110]، وقيل المراد بـ"روح القدس" الإيمان الذي يؤيد الله به عباده.

﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ ﴾ [البقرة: 87]الهمزة: للاستفهام، ومعناه الإنكار والتوبيخ والتقريع والتعجب، والفاء عاطفة، و"كلما": ظرفية حينية متضمنة معنى الشرط، تفيد التكرار، أي: هذا ديدنكم وعادتكم. ﴿ جَاءَكُمْ ﴾: فعل الشرط، أي: أفلكما جاءكم رسول من الله.

﴿ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ ﴾"ما": موصولة، أي: بالذي لا تحبه ولا تميل إليه أنفسكم، أي: بما يخالف هوى أنفسكم؛ ولهذا اشتد تكذيب بني إسرائيل لعيسى ابن مريم عليه السلام، وعنادهم له لمخالفته التوراة في بعض الأحكام، كما قال تعالى إخبارًا عن عيسى: ﴿ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [آل عمران: 50].

فهم لا يقبلون من الشرع إلا ما وافق أهواءهم، كما قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾ [الجاثية: 23] وقال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [الفرقان: 43]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ [القصص: 50].

﴿ اسْتَكْبَرْتُمْ ﴾: جواب الشرط، ويدل ترتيب الجواب على الشرط هنا على مبادرتهم بالاستكبار عند مجيء الرسل إليهم، دون تروٍ أو تأنٍ، أو تأملٍ فيما جاؤوا به.

و﴿ اسْتَكْبَرْتُمْ ﴾ أبلغ من "تكبرتم"؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى غالباً.

والمعنى: استكبرتم عن الإيمان، وعن قبول الحق والطاعة والانقياد للرسل واتباعهم؛ تكبرًا وترفعًا منكم، وإعجابًا بأنفسكم، كما قال تعالى عن إبليس: ﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34] وقال صلى الله عليه وسلم: "الكبر بَطَر الحق، وغمط الناس"[3] أي: رد الحق واحتقار الناس وتنقصهم، فكل من استكبر عن اتباع الحق بعد معرفته ففيه شبه من إبليس ومن اليهود.

﴿ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ ﴾ الفاء: عاطفة للسببية أو للتفصيل، و"فريقًا": مفعول مقدم "لكذبتم" أي: ففريقًا من الرسل كذبتم، أي: كذبتموهم.

﴿ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ الواو: عاطفة، "فريقًا": مفعول مقدم لـ"تقتلون" أي: فريقًا من الرسل تقتلون، أي: تقتلونهم، وقدم المفعول في الموضعين للحصر، ومراعاة الفواصل.

والفريق: الطائفة والجماعة، وعبر بالمضارع في قوله: ﴿ تَقْتُلُونَ ﴾ لاستحضار الصورة وبشاعتها؛ والإشارة إلى استمرارهم على قتل الرسل، حتى أنهم هموا بقتل آخر رسلهم عيسى عليه الصلاة والسلام، فرفعه الله إليه، وأشاعوا بأنهم قتلوه، فرد الله عليهم بقوله تعالى: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ [النساء: 157]، وقال تعالى: ﴿ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ [النساء: 158]، كما هموا بقتل محمد صلى الله عليه وسلم وسَمُّوه[4].


إضافة إلى ما في التعبير في المضارع من مراعاة فواصل الآي فحصر موقفهم من رسل الله بأحد أمرين: إما التكذيب، وإما القتل الذي سببه غالبًا التكذيب، وبهذا انتفى عنهم الأمر الثالث، وهو: الإيمان والطاعة، فكان ديدنهم وعادتهم المبادرة إلى الاستكبار، فلا يقبلون من الشرع إلا ما وافق أهواء أنفسهم، مع التكذيب للرسل وقتلهم.


[1] أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (2490) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[2] أخرجه البخاري في الصلاة (453)، ومسلم في فضائل الصحابة (2485)، والنسائي في المساجد (716)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] أخرجه مسلم في الإيمان (91)، والترمذي في البر والصلة (1999) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

[4] كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم" وقد سبق تخريجه.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 0 والزوار 13)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 245.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 239.64 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]