الرياح والريح في القرآن الكريم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 42 - عددالزوار : 1859 )           »          الإضراب عن العمــل وحكمه في الشرع الحكيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 76 - عددالزوار : 17716 )           »          حسن الخلق عبادة عظيمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          إلى منكري بعث الموتى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          العلماء وهموم العامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          لمحبي القراءة.. كيف تختار كتاباً جيداً ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          من شبهات اليهود وأباطيلهم «أن المسجد الأقصى هو مسجد في السماء» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          وثيقة المرأة في الأمم المتحدة.. ما خفي كان أعظم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          ماذا يريد هؤلاء من نسائنا؟! وثيقـة المرأة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-03-2024, 05:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,280
الدولة : Egypt
افتراضي الرياح والريح في القرآن الكريم

الرياح والريح في القرآن الكريم
عبدالقادر دغوتي

الرِّيَاح والرِّيْح جندٌ من جنود الملك الجليل سبحانه، يرسلها متى شاء مُبشِّرات بالخير والنِّعَمِ، أو محمَّلات بالشرِّ والنِّقم، وقد ذُكرت في مواضعَ متعددة من القرآن الكريم؛ فأما الرِّيَاح فقد جاء ذكرها في سياق الخير، وأما الرِّيْح فذُكرت - غالبًا - في سياق الشر؛ قال الإمام أبو منصور الثعالبي رحمه الله: "لم يأتِ لفظ الرِّيْح في القرآن إلا في الشر، والرِّيَاح إلا في الخير"[1] ، والتحقيق يقضي باستثناء أربعة مواضع ذُكرت فيها كلمة "ريح" في سياق الخير؛ وهي "ريح طيبة" في سورة يونس (الآية: 22)، و"ريح رُخاء" في سورة ص (الآية: 36)، والرِّيْح المسخَّرة لنبي الله سليمان عليه السلام، المذكورة في سورتي سبأ والأنبياء؛ حيث قال تعالى: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ﴾ [سبأ: 12]، وقال: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ ﴾ [الأنبياء: 81].

وسأعرض في هذا المقال أصناف الرِّيَاح والرِّيْح الواردة في القرآن الكريم، وما تُرسَل به من خير ونعمة، أو شرٍّ ونقمة:
أولًا: رياح مرسلة بالخير والنعم:
يسخِّر الرب الكريم سبحانه أنواعًا من الرِّيَاح تحمل البشرى للعباد، وتسُوق إليهم الخيرات والرَّحمات؛ قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 57]، وقال: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الروم: 46].

والرِّيَاح المرسلة بالنِّعَمِ تتعدد أسماؤها وأوصافها بتعدُّد النعم والخيرات المرسَلة بها؛ ومنها:
(أ) رياح لواقح:
وهي المذكورة في قول الله تعالى: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ﴾ [الحجر: 22]؛ أي: تلقِّح السحاب فيُدِرُّ ماء، وتلقِّح الشجر فيتفتح عن أوراقه وأكمامه، فالرِّيَاح كالفَحْلِ للسحاب والشجر[2].

(ب) رياح ذارِيات:
قال الله تعالى: ﴿ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ﴾ [الذاريات: 1]، فسَّرها ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، ومجاهد وسعيد بن جبير، والحسن وقتادة والسدي، وغير واحد بالرِّيَاح[3] ، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فالذاريات هي الرِّيَاح تذُرُّ التراب وغير التراب... وأقسم الله بالذاريات لِما فيها من المصالح الكثيرة؛ ففي تصريفها حكمة بالغة، فمنها الرِّيَاح الدافئة، ومنها الرِّيَاح الباردة، على حسب ما تقتضيه حكمة الله، ولأن الرِّيَاح تثير سحابًا فيسقي به الله الأرض..."[4].

(ج) رياح مثيرات:
وقال سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ [فاطر: 9]، ومعنى قوله: ﴿ فَتُثِيرُ سَحَابًا ﴾ [فاطر: 9]؛ أي: فحركت السحاب وأهاجته، والتعبير بالمضارع عن الماضي ﴿ فَتُثِيرُ ﴾؛ لاستحضار تلك الصورة البديعة، الدالة على كمال القدرة والحكمة[5].

(د) رياح ناشرات:
وقال جل وعلا: ﴿ وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا ﴾ [المرسلات: 3]، وهي الرِّيَاح التي تنشر السحاب في آفاق السماء[6].

(ه) ريح طيبة:
وهي ريح هادئة تجري بقدر ما تحتاج إليه السفن في البحر، لتسير معها في اتزان واتساق، وفي أمن وسلام؛ قال الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ﴾ [يونس: 22]، وقال: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 32 - 34]؛ قال ابن كثير رحمه الله: "أي: لو شاء لأرسل الرِّيْح قوية عاتية فأخذت السفن وأحالتها عن سيرها المستقيم، فصرفتها ذات اليمين أو ذات الشمال آبِقَةً، لا تسير على طريق ولا إلى جهة مقصد، وهذا القول يتضمن هلاكها، وهو مناسب للأول، وهو أنه تعالى لو شاء لسكَّن الرِّيْح فوقفت، أو لقوَّاها فشردت وأبَقت وأهلكت، ولكن من لطفه ورحمته أنه يرسله بحسب الحاجة، كما يرسل المطر بقدر الكفاية، ولو أنزله كثيرًا جدًّا لهدَّم البنيان، أو قليلًا لَما أنبت الزرع والثمار"[7].

(و) ريح رُخاء:
أي: ريح لينة طيبة، كالتي سخَّرها الله سبحانه لعبده ونبيه سليمانَ عليه الصلاة والسلام، وهي المذكورة في قوله: ﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ﴾ [ص: 36]، وقوله: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ﴾ [سبأ: 12]؛ قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله: "وأنَّ الله سخَّر له - أي لسليمان - الرِّيْح تجري بأمره، وتحمله وتحمل جميع ما معه، وتقطع به المسافة البعيدة جدًّا في مدة يسيرة، فتسير في اليوم مسيرة شهرين، غدوها شهر؛ أي: أول النهار إلى الزوال، ورواحها شهر، من الزوال إلى آخر النهار"[8].

ثانيًا: ريح مرسلة بالشرِّ والنِّقم:
لفظ الرِّيْح في القرآن الكريم ورد غالبًا في سياق الشر كما تقدم؛ ومن ذلك مثلًا: قول ربنا جل وعلا: ﴿ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج: 31]، وقوله سبحانه: ﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [الروم: 51]، وقوله: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ ﴾ [إبراهيم: 18]، وإخباره عن تفريق جموع المشركين المحاصرين للمدينة في غزوة الخندق بريح عاصف؛ إذ قال: ﴿ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ﴾ [الأحزاب: 9].

وقد سلَّط الْمَلِكُ الجبَّار سبحانه الرِّيْح على كثير من الأمم السابقة، ممن ظلموا وعتَوا وتكبَّروا، فعذَّبهم وأهلكهم بها؛ كما في إخباره عز وجل عن قوم عاد: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 24، 25].

لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يُرى الخوف في وجهه إذا رأى غَيمًا أو ريحًا؛ ففي صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((ما رأيتُ رسول الله مستجمعًا ضاحكًا حتى أرى منه لَهَواتِه، إنما كان يتبسَّم، قالت: وكان إذا رأى غَيمًا أو ريحًا عُرِف ذلك في وجهه، فقالت: يا رسول الله، أرى الناس إذا رأوا الغَيمَ فرِحوا؛ رجاءَ أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرِفت في وجهك الكراهية؟ قالت: فقال: يا عائشة، ما يُؤمِنُني أن يكون فيه عذاب؛ فقد عُذِّب قومٌ بالرِّيْح، وقد رأى قومٌ العذابَ فقالوا: هذا عارض مُمْطِرنا))[9].

وتلك الرِّيْح التي يرسلها الله تعالى بالعذاب والنقم أنواعٌ متعددة، بتعدد أصناف العذاب التي تحملها؛ ومنها:
(أ) ريح فيها صِرٌّ:
الصِرُّ هو البرد الشديد، فهي ريح فيها برودة شديدة مُحْرِقة، تُهلِك الزرع؛ قال تعالى: ﴿ كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 117]؛ قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "﴿ كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ ﴾؛ أي: برد شديد؛ قاله ابن عباس وعكرمة، وسعيد بن جبير والحسن، وقتادة والضحاك، والربيع بن أنس وغيرهم، وقال عطاء: برد وجليد، وعن ابن عباس أيضًا ومجاهد: فيها صر؛ أي: نار، وهو يرجع إلى الأول؛ لأن البرد الشديد – ولا سيما الجليد - يُحرِق الزروع والثمار كما يُحرَق الشيء بالنار"[10].

(ب) ريح عاصف:
وهي ريح شديدة الهبوب تدمِّر وتحطم كل شيء في طريقها، وإذا أصابت البحر حركته بقوة فاضطرب بعد سكون، وعلت أمواجه؛ قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [يونس: 22].

(ج) ريح قاصف:
القاصف: ما يقصِف الشيء؛ أي: يكسِره، والرِّيْح القاصف هي الرِّيْح الشديدة التي تكسِر بشدة، مِن: قَصَفَ الشيءَ؛ أي: كسره بشدة[11].

قال الله تعالى: ﴿ أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ﴾ [الإسراء: 69]، هذه الآية الكريمة وردت في سياق مخاطبة الكفار الجاحدين لفضل الله، الذين اعترفوا بتوحيد الله لمَّا مَسَّهم الضر في البحر وتضرعوا إليه، فلما نجاهم إلى البر أعرضوا؛ فقال لهم جل وعلا: ﴿ أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [الإسراء: 69]؛ أي: في البحر مرة ثانية، ﴿ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ ﴾ [الإسراء: 69]؛ قال ابن كثير: أي: يقصف الصواري ويُغرق المراكب؛ قال ابن عباس وغيره: القاصف: ريح تكسِر المراكب وتُغرقها"[12].

(د) ريح صَرْصَر:
وهي الرِّيْح الباردة العاصفة مع الصوت الشديد[13] ، وقد أهلك الله تعالى بها الطغاة المتجبرين في الأرض، كقوم عاد؛ قال جل وعلا: ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 6]، وقال: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ﴾ [القمر: 19]، وقال: ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [فصلت: 15، 16]؛ يقول ابن كثير رحمه الله في بيان معنى الرِّيْح الصرصر: "قال بعضهم: هي شديدة الهبوب، وقيل: الباردة، وقيل: هي التي لها صوت، والحق أنها متصفة بجميع ذلك، فإنها كانت ريحًا شديدة قوية؛ لتكون عقوبتهم من جنس ما اغتروا به من قُواهم، وكانت باردة شديدة البرد جدًّا؛ كقوله تعالى: ﴿ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 6]؛ أي: باردة شديدة، وكانت ذات صوت مزعج"[14].

وقد صوَّر لنا القرآن الكريم مشهدَ هلاكِ قوم عاد بهذه الرِّيْح، في قوله سبحانه: ﴿ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ﴾ [القمر: 20]؛ قال ابن كثير: "وذلك أن الرِّيْح كانت تأتي أحدهم فترفعه حتى تغيبه عن الأبصار، ثم تنكسه على أمِّ رأسه، فيسقط إلى الأرض فتثلغ رأسه فيبقى جثة بلا رأس"[15] ، وقال تعالى: ﴿ فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 7]؛ قال ابن كثير: "جعلت الرِّيْح تضرب بأحدهم الأرضَ فيخِرُّ ميتًا على أمِّ رأسه فيُشدخ رأسه، وتبقى جثة هامدة كأنها قائمة النخلة إذا خرجت بلا أغصان"[16].

(ه) ريح عقيم:
وهي ريح مدمِّرة، ولا خير فيها ولا بركة؛ لأنها لا تحمل المطر ولا تلقِّح الشجر، وإنما هي للإهلاك، وتسمى بالرِّيْح العقيم تشبيهًا لها بعقم المرأة التي لا تحمل ولا تلد، ولما كانت هذه الرِّيْح لا تلقِّح سحابًا ولا شجرًا ولا خير فيها، لأنها لا تحمل المطر؛ شُبِّهت بالمرأة العقيم[17].

وهذه الرِّيْح لا تأتي على شيء مما أراد الله تدميره وإهلاكه إلا جعلته كالرميم؛ أي: كالشيء الهالك البالي[18]، أو كالتراب والرماد المدقوق[19].

وقد أرسل الله تعالى هذه الرِّيْح على عاد أيضًا؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾ [الذاريات: 41، 42].

خاتمة:
إن الرِّيَاح والرِّيْح تجري بأمر الخالق القدير جل وعلا، لتحمل إلى العباد ما شاء من خيرٍ ونِعَمٍ، أو من شر ونقم، وذلك على وفق مقتضى حكمته، ورحمته، وعدله سبحانه.

ومن أدب المسلم عند هُبُوبِها أن يذكُرَ خالقه وخالقها جل وعلا، راجيًا منه خيرها، ومستعيذًا به من شرِّها، كما علمنا نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام؛ فعن أبي المنذر أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبُّوا الرِّيْح، فإذا رأيتم ما تكرهون - أي: من عصفها وشدتها - فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الرِّيْح وخيرَ ما فيها وخيرَ ما أُمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الرِّيْح وشر ما فيها وشرِّ ما أُمرت به))[20].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الرِّيْح من روح الله - أي: رحمته بعباده - تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها، فلا تسبُّوها، وسَلُوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها))[21].

وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الرِّيْح، قال: اللهم إني أسألك خيرَها وخيرَ ما فيها وخير ما أُرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشرِّ ما فيها وشر ما أرسلت به))[22].


[1] فقه اللغة وأسرار العربية، الإمام الثعالبي، ص: 187، عُنِيَ بضبطه وتخريج أحاديثه وقدَّم له وعلَّق عليه: محمد إبراهيم سليم، مكتبة ابن سينا، القاهرة، ط: 1، (2010م).

[2] صفوة التفاسير، للصابوني، ج: 2، ص: 102، دار الجيل، بيروت، بدون تاريخ.

[3] تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ج: 7، ص: 276، مكتبة الصفا، ط: 1، 1425ه - 2004م.

[4] التفسير الكامل للشيخ ابن عثيمين، ص: 984، علَّق عليه: ناصر محمدي محمد جاد، بدون تاريخ.

[5] صفوة التفاسير، ج: 2، ص: 533.

[6] تفسير القرآن العظيم، ج: 8، ص: 189.

[7] تفسير القرآن العظيم، ج: 7، ص: 139.

[8] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي، ج: 3، ص: 9، دار: أبي بكر الصديق، القاهرة، ط: 1، 1428ه - 2008م.

[9] رواه مسلم في صحيحه، رقم الحديث (899/ 16).

[10] تفسير القرآن العظيم، ج: 2، ص: 63.

[11] صفوة التفاسير، ج: 2، ص: 154.

[12] تفسير القرآن العظيم، ج: 5، ص: 59.

[13] صفوة التفاسير، ج: 3، ص: 107.

[14] تفسير القرآن العظيم، ج: 7، ص: 112.

[15] تفسير القرآن العظيم، ج: 7، ص: 317.

[16] تفسير القرآن العظيم، ج: 8، ص: 133، 123.

[17] صفوة التفاسير، ج: 3، ص: 241 بتصرف.

[18] صفوة التفاسير، ج: 7، ص: 282.

[19] صفوة التفاسير، ج: 3، ص: 242.

[20] رواه الترمذي في سننه، رقم: 2252، وقال: "حديث حسن صحيح".

[21] رواه أبو داود في سننه، رقم: 5097.

[22] رواه مسلم في صحيحه، رقم: 899/ 51.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.00 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]