تفسير سورة البينة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         للمقبلين على الزواج.. 5 نصائح لبدء حياة زوجية سعيدة وناجحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          10 حيل مضمونة للتخلص من ريحة الرنجة والفسيخ في البيت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          بعد أكل الرنجة والفسيخ.. 5 حاجات هتساعدك تقضى على الرائحة الكريهة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          5 نصائح لمكياج العيون الواسعة للحصول على إطلالة مناسبة وجذابة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          طريقة عمل الجبنة المقلية بالتوابل والخضار.. طعمها لذيذ ولا يقاوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          مشروبات منعشة لازم تشربها بعد الفسيخ والرنجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          وصفات طبيعية لترطيب الشعر الجاف.. عشان يفضل قوى وزى الحرير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          لو ناوية تجددى بيتك قريب.. أبرز اتجاهات الأرائك لعام 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          طريقة عمل سلطة الرنجة بالبصل والليمون.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          وصفات طبيعية من الرمان للعناية بالشعر.. هيغذيه ويقويه كمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-02-2025, 12:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 150,267
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير سورة البينة

تفسير سُورَةُ الْبَيِّنَةِ

يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
سُورَةُ (لَمْ يَكُنْ): سُورَةٌ مَدَنِيَّةٌ، وَآيُهَا ثَمانُ آيَاتٍ.

أَسْمَاءُ السُّورَةِ:
وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ أَسْمَائِهَا: سُورَةُ (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا)، وَسُورَةُ (لَمْ يَكُنْ)، وَسُورَةُ (الْقِيَامَةِ)، وَسُورَةُ (الْبَيِّنَةِ)، وَسُورَةُ (أَهْلِ الْكِتَابِ)، وَسُورَةُ (الْبَرِيَّةِ)، وَسُورَةُ (الاِنْفِكَاك)[1].

الْمَقَاصِدُ الْعَامَّةُ مِنَ السُّورَةِ:
احْتَوَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى مَقَاصِدَ عَظِيمَةٍ، مِنْ أَهَمِّهَا[2]:
تَوْبِيخُ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ بِالْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.

الثَّنَاءُ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَوَعْدُهُمْ بِالنَّعِيمِ الْأَبَدِيِّ، وَرِضَى اللهِ عَنْهُمْ، وَإِعْطَاؤُهُ إِيَّاهُمْ مَا يُرْضِيهِمْ.

التَّنْوِيهُ بِالْقُرْآنِ وَفَضْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ بِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَا فِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الرُّسُلُ مِنْ قَبْلُ، وَمَا فِيهِ مِنْ فَضْلٍ وَزِيَادَةٍ.

مِنْ فَضَائِلِ السُّورَةِ:
وَرَدَ فِيْ فَضْلِ هَذِهِ السُّورَةِ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِيْ أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا [البينة:1]، قَالَ: وَسَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَبَكَىْ»[3].

شَرْحُ الْآيَاتِ:
قَوْلُهُ: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ ﴾، (من): بَيَانِيَّةٌ، فِيهَا بَيَانُ الَّذِينَ كَفَرُوا[4]، ﴿ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىْ[5]، ﴿ وَالْمُشْرِكِينَ ﴾ وَهُمْ عُبَّادُ الْأَصْنَامِ[6]، ﴿ مُنفَكِّينَ ﴾، أَيْ: مُفَارِقِينَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِن دِينِهِمْ[7]،﴿ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَة ﴾، أَيْ: الْعَلَامَةُ الْوَاضِحَةُ وَالْحُجَّةُ الْقَاطِعَةُ[8].

قَوْلُهُ: ﴿ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ ﴾، بَدَلٌ مِنَ (البَيِّنَةُ)[9]، فَالْبَيِّنَةُ إذًا هِيَ: إِرْسَالُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي تَنْكِيرِ كلِمَةِ: ﴿ رَسُولٌ ﴾: تَعْظِيمٌ لَهُ عليه الصلاة والسلام[10].

قَوْلُهُ: ﴿ يَتْلُو ﴾، أَيْ: يَقْرَأُ، ﴿ صُحُفًا ﴾:جَمْعُ صَحِيفَةٍ، وَهِيَ: الْأَوْرَاقُ الْمَكْتُوبُ فِيهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، ﴿ مُّطَهَّرَة ﴾، أَيْ: مِنَ الْبَاطِلِ وَالتَّحْرِيفِ وَالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ[11]، وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَة * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَة [عبس:13-14][12].

قَوْلُهُ: ﴿ فِيهَا ﴾، أَيْ: فِي هَذِهِ الصُّحُفِ، ﴿ كُتُبٌ قَيِّمَة ﴾،أَيْ: مُسْتَقِيمَةٌ لَا عِوَجَ فِيهَا[13]، وَاسْتِقامَةُ الكُتُبِ: اشْتِمالُها عَلَى الْأَخْبَارِ الصَّادِقَةِ، وَالْأَوَامِرِ الْعَادِلَةِ؛ الَّتِي تَهْدِيْ إِلَىْ الْحَقِّ وَإِلَىْ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ[14].

قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَة ﴾، أَيْ: وَمَا اخْتَلَفَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىْ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا بَعَثَ اللهُ إِلَيْهِمْ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، وَهُمْ قَدْ عَرَفُوهُ مِثْلَ مَعْرِفَتِهِمْ أَبْنَاءَهُمْ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين ﴾ [البقرة:146-147]، فَكَفَرَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ بَغْيًا وَحَسَدًا، وَآمَنَ بِهِ بَعْضُهُمْ[15].

قَوْلُهُ:﴿ وَمَا أُمِرُوا ﴾، أَيْ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، ﴿ إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾، لَا يُشْرِكُونَ بِهِ أَحَدًا، ﴿ حُنَفَاء ﴾، أي: مَائِلِينَ عَنِ الشِّرْكِ إِلَىْ التَّوْحِيْدِ[16]، ﴿ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ﴾، وَلَكِنَّهُمْ حَرَّفُوا وَعَصَوْا، ﴿ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة ﴾،دِينُ الْمِلَّةِ الْقَيِّمَةِ[17].

قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾، أيْ: بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَجَحَدُوا نُبُوَّتَهُ[18]،﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة ﴾،أَيِ: شَرُّ الْخَلِيقَةِ[19].

قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، أيْ: بِاللَّهِ ورَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾،الَّتِي تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الْقِيَامِ بِفَرَائِضِ الْعِبَادَاتِ، وَالإِخْلَاصِ فِي سَائِرِ ضُرُوبِ الْمُعامَلَاتِ، وَبَذْلِ الْمَالِ في أَعْمَالِ الْبِرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ، ﴿ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة ﴾،أَيْ: أَفْضَلُ الْخَلِيقَةِ[20].

قَوْلُهُ: ﴿ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ ﴾، أي: إِقَامَةً، ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾،لَمَّا آمَنُوا بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، ﴿ وَرَضُوا عَنْهُ ،بِمَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنْ أَنْوَاعِ النَّعِيمِ، ﴿ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّه ﴾، أَيْ:خَافَ عِقَابَهُ فَانْتَهَى عَنْ مَعْصِيَتِهِ تَعَالَى[21].

بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنَ الْآيَاتِ:
كُفْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ منَ الْيَهُوْدِ وَالْنَّصَارَىْ والْحُكْمُ عَلَىْ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْهُمْ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَة [البينة:1]: بَيَانٌ لكُفْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقَدْ قَالَ تَعَالىَ: ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين [آل عمران:85]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران:19]، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَاتُ وَغَيْرُهَا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِرَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَمَاتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نِحَلِ الْكُفْرِ، فَهُوَ كَافِرٌ قَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا [النساء:116]، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِيْ نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِيْ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»[22].

أَرْسَلَ اللهُ تَعَالَى الرُّسُلَ لِيُقِيمُوا الْحُجَّةَ عَلَى النَّاسِ؛ فَيَنْقَطِعُ عُذْرُهُمْ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَة ﴾: أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَرْسَلَ الرُّسُلَ لِيُقِيمُوا الْحُجَّةَ عَلَى النَّاسِ؛ فَيَنْقَطِعُ عُذْرُهُمْ، فَلَا يَدَّعِيْ أَحَدٌ أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ لَمْ تَبْلُغْهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]، وَإِنَّ مِنْ طَبِيْعَةِ النَّاسِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوْا وَيَهْتَدُوْا، وَيَعْرِفُوْا الْحَقَّ حَتَّى تَأَتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ، إِذَ لَا طَرِيقَ لَهُمْ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إِلَّا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنَ اللهِ تَعَالَى.

وَهَذَا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ بالناسِ؛ لأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَعَلَّقُ قَلْبُهُ بِالْكُفْرِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ مُفَارَقَتَهُ وَلَا التَّخَلُّصَ مِنْهُ؛ إِلَّا إِذَا تَدَارَكَهُ اللهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ، فَلَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَدَعَ الْكُفَّارِ وَيَتْرُكَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ، بَلْ لَا يَفُكُّهُمْ حَتَّى يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا؛ بَشِيرًا لَهُمْ وَنَذِيرًا، ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31][23].

عُمُومُ رِسَالَةِ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم لِلْعَالَمِينَ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَة [البينة:2]: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَىْ، وَمَعْلُوْمٌ أَنَّهُ رَسُوْلٌ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَلَيْسَ إلَى الْعَرَبِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى وَصَفَهُ بِأَنَّهُ رَسُولٌ فَقَالَ: ﴿ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ ﴾، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الرَّسُولَ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ مِنَ النَّبِيِّ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِين [الأنعام:90]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين [الأنبياء:107]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]، وَقَوْلُهُ: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28]، وَكَوْنُ الْقُرْآنِ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي كَانَ الرَّسُولُصلى الله عليه وسلم يَتَكَلَّمُ بِهَا لَا يُفِيدُ خُصُوصَ رِسَالَتِهِ بِالْعَرَبِ، بَلْ إِنَّمَا نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ لِكَوْنِهِمْ أَوَّلَ مَنْ تَلَّقَى الرِّسَالَةَ، وَهُمُ الْمُكَلَّفُونَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا وَتَبْلِيغِهَا.

الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ كِتَابٌ قَيِّمٌ لَا عِوَجَ فِيهِ:
فِيقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَة * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَة [البينة:2-3]: وَصَفَ اللهُ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ بِأَنَّهُ قَيِّمٌ لَا عِوَجَ فِيهِ، حَيْثُ إِنَّهُ جَاءَ بِشَرِيعَةٍ مُتَكَامِلَةٍ عَادِلَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ، لَا تَنَاقُضَ فِيهَا وَلَا اخْتِلَاف، وَلَا إِفْرَاطَ فِيهَا وَلَا تَفْرِيطَ؛ نَظَرًا لِأَّنَهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا [الكهف:1-2].

فَالْقُرْآنُ هُوَ الْمُعْجِزَةُ الْعُظْمَى، وَالْآيَةُ الْكُبْرَى عَلَى نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ الْآيَةُ الْبَاقِيَةُ الدَّائِمَةُ الَّتِي لَا يَطْرَأُ عَلَيْهَا التَّغْيِيرُ وَالتَّبْدِيلُ.

تَكْذيبُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْبَيِّنَةِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَة [البينة:4]: أَنَّ اللهَ تَعَالَى تَحَدَّثَ عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَقَطْ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَعِنْدَهُمْ عِلْمٌ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانُوا يَنْتَظِرُونَ بِعْثَتَهُ، فَلَمَّا بُعِثَ وَجَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ عَلَى صِدْقِهِ وَصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ تَفَرَّقُوا، فَكَفَرَ أَكْثَرُهُمْ وَآمَنَ بَعْضُهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ [البقرة:89].

الإِشَارَةُ إِلَىْ التَّحْذِيْرِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ التَّفَرُّقِ فِيْ الدِّينِ إِلَىْ مَذَاهِبَ وَشِيَعٍ شَتَّى:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَة [البينة:4]: تَحْذِيْرٌ لهَذِهِ الْأُمَّةَ مِنَ التَّفَرُّقِ فِي الدِّينِ إِلَى مَذَاهِبَ وَشِيَعٍ شَتَّى بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى لَا نَكُونَ كَأَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ.

الدَّعْوَةُ إِلَى إِفْرَادِ اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ بِالْعِبَادَةِ هِيَ دَعْوَةُ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة [البينة:5]: بَيَانٌ لِمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْعِبَادَةِ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى مَا أَمَرَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِمَا هُوَ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ؛ فالدَّعْوَةُ إِلَى إِفْرَادِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ بِالْعِبَادَةِ هِيَ دَعْوَةُ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُون [الأنبياء:25].

أَنَّ الْإِخْلَاصَ للهِ تَعَالَى هُوَ حَقِيقَةُ الدِّينِ، وَمِفْتَاحُ دَعْوَةِ الْمُرْسَليِنَ:
فيْ قَوْلِهِ تَعَالَىْ: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء [البينة:5]: أَنَّ الْإِخْلَاصَ للهِ تَعَالَى هُوَ حَقِيقَةُ الدِّينِ، وَمِفْتَاحُ دَعْوَةِ الْمُرْسَليِنَ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[24].

بَيَانُ أَهَمِّيَّةِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة [البينة:5]: بَيَانٌ لِأَهَمِّيَّةِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ، حَيْثُ أَفْرَدَهُمَا اللهُ تَعَالَى بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5].

سُوءُ حَالِ وَمُنْقَلَبِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة [البينة:6]: كَشْفٌ عَنْ حَالِ الْعِنَادِ لَدَىْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَبَيَانٌ للتَّمَرُّدِ فِي تَصَرُّفَاتِهِم عَلَى دَعْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وَلِذَا تَوَعَّدَهُمْ بِالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَبَيَّنَ أَنَّ مَصِيرَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ-، وَوَصَفَهُمْ بِاَنَّهُمْ شَرّ الْخَلِيقَةِ؛ لأَنَّهُمْ كَفَرُوْا بِاللهِ وَجَحَدُوْا نُبُوَّةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

فَلَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّه [البينة:7-8]: ذِكْرٌ لِحالِ الْمُؤْمِنِينَ ومَصِيرِهِمْ، وَأَنَّ خَيْرَ الْخَلِيقَةِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، والإيْمَانُ يَشْمَلُ الْإِيْمَانَ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَكُلِّ مَا يشْمَلُهُ لَفْظُ الإِيْمَان، والْعَمَلُ الصَّالِحُ يشْمَلُ جَمِيْعَ الطَّاعَاتِ، وَقَدْ وَعَدَ اللهُ مَنْ كَانَ كَذَلِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِشَيْئَيْن:
الأول: جَنَّات إِقَامَة وَاسْتِقْرَارِ، وَهِيَ فِي مُنْتَهَى الْحُسْنِ.

الثاني: رِضَا اللهِ تَعَالَىْ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْجَزَاءِ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم [التوبة:72].

دَلَائِلُ رِضَاءِ اللهِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ وَرِضَاهُمْ عَنْهُ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ [البينة: 7]:بَيَانٌ لِرِضَا اللهِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ وَرِضَا الْمُؤْمِنَينَ عَنِ اللهِ، وَهُنَا نَسْتَفِيدُ مَا يَلِي:
أَوَّلًا:أَنَّ مِنْ صِفَاتِ اللهِ تبارك وتعالى الَّتِي ثَبَتَتْ في كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم صِفَةُ الرِّضَا[25]، وَمِنْ أَدِلَّةِ ذَلِكَ أَيْضًا: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ [المائدة:119]، وَقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى؟ يَارَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا»[26]. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا»[27].

ثَانِيًا: أَنَّ رِضَا اللهِ تَعَالَى عَنِ الْعَبْدِ يَقْتَضِي حُصُولَ الْمَغْفِرَةِ[28]، فَإِذَا رَضِيَ اللهُ عَنْ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي مَغْفِرَةَ مَا مَضَى مِنْهُ، وَقَدْ يَقْتَضِي مَغْفِرَةَ الْمُسْتَقْبَلِ، وَهَذَا هُوَ الرِّضَا الْأَكْبَرُ الَّذِي لَا سَخَطَ بَعْدَهُ، وَهُوَ مَا حَلَّ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ حَتَّى قَالَ اللهُ لَهُمْ: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»[29]، وَمِثْلُهُ مَا حَلَّ عَلَى أَهْلِ الشَّجَرَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَهَا، فَقَالَ اللهُ فِيهِمْ: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ [الفتح:18]؛ وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»[30].

جَزَاءُ أَهْلِ الْخَشْيَةِ مِنَ اللهِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّه ﴾: أَنَّ الْجَزَاءَ الْمَوْعُودَ بِهِ فِي الْآيَةِ لِمَنْ خَشِيَ اللهَ تَعَالَى، وَالْخَشْيَةُ هِيَ خَوْفُ اللهِ الْمَقْرُونُ بِالْهَيْبَةِ وَالتَّعْظِيمِ، وَلَا يَصْدُرُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ عَالِمٍ بِاللهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُور [فاطر:28][31].

وَالْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ: لَفْظَانِ مُتَقَارِبَانِ لَا مُتَرَادِفَانِ، وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ، فَالْخَشْيَةُ: أَخَصُّ مِنَ الْخَوْفِ،وَأَعْلَى مَقَامًا مِنْهُ؛ لَأَنَّهَا خَوْفٌ مَقْرُونٌ بِمَعْرِفَةٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا يَتَّضِحُ بِالْمِثَالِ، وَهُوَ: إِذَا خِفْتَ مِنْ شَخْصٍ لَا تَدْرِيْ هَلْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْكَ أَمْ لَا؟ فَهَذَا خَوْفٌ، وَإِذَا خِفْتَ مِنْ شَخْصٍ تَعْلَمُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْكَ فَهَذِهِ خَشْيَةٌ[32].

[1] ينظر: التحرير والتنوير (30/ 467).

[2] ينظر: مصاعد النظر (3/ 220)، التحرير والتنوير(30/ 468).

[3] أخرجه البخاري (3809)، ومسلم (799) واللفظ له.

[4] ينظر: التحرير والتنوير (30/ 475).

[5] ينظر: التفسير الوسيط للواحدي (4/ 539)، تفسير البغوي (8/ 493).

[6] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 328)، تفسير أبي السعود (9/ 184).

[7] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 141)، فتح القدير (5/ 578).

[8] ينظر: تفسير البغوي (8/ 493)، تفسير النسفي (3/ 667).

[9] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 142)، تفسير الجلالين (ص816).

[10] ينظر: تفسير العثيمين - جزء عم (ص277).

[11] ينظر: تفسير الطبري (24/ 552)، تفسير البغوي (8/ 493).

[12] ينظر: تفسير الرازي (32/ 240)، تفسير ابن كثير(8/ 456).

[13] ينظر: تفسير الوسيط للواحدي (4/ 539)، تفسير البغوي (8/ 493).

[14] ينظر: تفسير القاسمي (9/ 521)، تفسير السعدي (ص931).

[15] ينظر: تفسير الطبري (24/ 553)، الوجيز للواحدي (ص1221)، تفسير البيضاوي (5/ 328).

[16] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 328)، تفسير النسفي (3/ 668).

[17] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 144)، تفسير ابن كثير (8/ 457).

[18] ينظر: تفسير الطبري (24/ 555).

[19] ينظر: القرطبي (20/ 145)، تفسير أبي السعود (9/ 186).

[20] ينظر: تفسير القاسمي (9/ 524).

[21] ينظر: تفسير الطبري (24/ 556)، تفسير الجلالين (ص817).

[22] أخرجه مسلم (153).

[23] ينظر: مجموع الفتاوى (16/ 501).

[24] أخرجه مسلم (2985).

[25] ينظر: مجموع الفتاوى (3/ 13)، فتح المجيد (ص367).

[26] أخرجه البخاري (7518)، ومسلم (2829) واللفظ له.

[27] أخرجه مسلم (2734).

[28] ينظر: المنار المنيف (ص36).

[29] أخرجه البخاري (3007)، ومسلم (2494).

[30] أخرجه أحمد في المسند (14778)، وأبو داود (4653)، والترمذي (3860)، وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (4802).

[31] ينظر: تفسير السعدي (ص688).

[32] ينظر: مدارج السالكين (1/ 508)، بصائر ذوي التمييز (2/ 545)، تفسير العثيمين - جزء عم (ص283).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.38 كيلو بايت... تم توفير 1.62 كيلو بايت...بمعدل (2.16%)]