|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الزراعة وإحياء الموات أشرف شعبان أبو أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهقال: «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها»؛ رواه الإمام أحمد؛ والفسيلة: هي الواحدة من صغار النخل تغرس في الأرض لتنمو وتكبر، فتصير فيما بعد نخلًا ذات أكمام، وهذا الحديث يعتبر معجزة من معجزات الإسلام، فليست المعجزة ما كان خارقًا للعادات فحسب بل أيضًا ما كان خارقًا في التوجيهات، ونحن تجاه هذا الحديث أمام توجيه خارق، أمام حالة خارقة من حالات الأمر والتكليف، فما معنى أن تقوم الساعة التى تعلن انتهاء الحياة، ولا يصير للعمل جدوى لا سيَّما إذا تمثل في زرع نبتة أو غرس فسيلة تحتاج لزمان حتى ينتفع بها أو بثمارها، ثم نؤمر بألا نذهل في سكرات يوم القيامة وغمراتها عما بأيدينا من زرع وغرس؛ بل على الواحد منا أن يتم عمله ويغرس فسيلته كما لو كان موكب الحياة لا يزال يمضي هادرًا؟! فإن كان الناس يمارسون الزراعة، وقامت القيامة بغتة، فماذا ينتظر من الرسول أن يقول لهم؟ نحن نتصور أنه سيقول لهم: كفوا عما تعملون، وفروا إلى الله مستغفرين نادمين، فإذا أخلف الرسول الظنون، وقال: أتموا ما بأيديكم من زراعة، فذلك أعجب ما يقال في هذا المقام، وذلك أبلغ حث وأجل حض على القيام بأعمال الزراعة....[1] ومن الأحاديث التي تحث على القيام بالحرث والغرس والسقي- أي: أعمال الزراعة- قوله عليه الصلاة والسلام: «التمسوا الرزق في خبايا الأرض»؛ أخرجه الترمذي....[2]، ولم يكتفِ عليه الصلاة والسلام بهذه الأحاديث للحث على ممارسة الزراعة؛ بل مضى في اتجاه آخر أيضًا؛ حيث كان نهجه عند رغبته في توجيه المسلمين لعمل معين يبين لهم فضله وثوابه في الدنيا والآخرة، فيتسابقون إليه ويتنافسون فيه، لا يهنأ لهم بال، ولا يرتاح لهم جسد، ولا يغفل لهم جفن إلا باكتساب المزيد من الصدقات من جزاء هذا العمل؛ لذا فقد جاءت الأحاديث الشريفة تتناول فضل زراعة الأرض باعتباره من الصدقات التي ينال عليها العبد جزيل الثواب، روى الإمام أحمد أن صحابيًّا قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام بأذني هاتين يقول: «من نصب شجرة فصبر على حفظها والقيام عليها حتى تثمر كان له في كل شيء يصاب من ثمرها صدقة»....[3]، وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحيا أرضًا ميتة فله فيها أجر، وما أكلت العوافي- أي: السباع والطير والناس-منها فهو له صدقة»[4]، ولا يتبادر إلى الفهم من إطلاق لفظ الأجر إلا الأجر الأخروي، روى البخاري ومسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة». عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره: من علم علمًا، أو كرى نهرًا، أو وسع مجراه، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته»؛ رواه البذار، وأبو نعيم والبيهقي. وقد كان المسلمون واسعي الاطلاع في علم النباتات، فقد أنشأوا الغابات والحدائق والبساتين، وأدخلوا من النباتات في تحضير الأدوية، ما جهله علماء اليونان في هذا المجال، ومن الأقوال المأثورة التى قالها المؤرخون عن المسلمين أنهم يهتمون عند فتح البلاد بشيئين هما: تنظيم الحقل، وبناء المسجد[5]. والزراعة من فروض الكفاية التي يجب على الإمام أن يجبر الناس عليها، وما كان في معناها، كما قال القرطبي، وإذا كانت الأرض ملكًا لمن لا يقدر على أن يقوم بأعمال الحرث والسقي كاملة، فقد شرع الإسلام نظام المزارعة؛ ومعنى المزارعة في اللغة؛ أي: المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها، ومعناها هنا: إعطاء الأرض لمن يزرعها على أن يكون له نصيب مما يخرج منها؛ كالنصف أو الثلث أو الأكثر من ذلك أو الأدنى حسب ما يتفقان عليه، والمزارعة نوع من التعاون بين العامل وصاحب الأرض، فربما يكون العامل ماهرًا في الزراعة وهو لا يملك أرضًا، وربما يكون مالك الأرض عاجزًا عن الزراعة؛ فشرعها الإسلام رفقًا بالطرفين، وقد عمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل بها أصحابه من بعده، روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها، من زرع أو ثمر، والمزارعة الصحيحة هي إعطاء الأرض لمن يزرعها على أن يكون له نصيب مما يخرج منها؛ كالثلث والربع ونحو ذلك؛ أي: أن يكون نصيبه غير معين، فإذا كان نصيبه معينًا بأن يحدد مقدارًا معينًا مما تخرج الأرض، أو يحدد مقدارًا معينًا من مساحة الأرض تكون غلتها له، والباقي للعامل، أو يشتركان فيه، فإن المزارعة في هذه الحالة تكون فاسدة؛ لما فيها من الضرر، ولأنها تفضي إلى النزاع[6]. أما إذا كانت الأرض مزروعة فعلًا بالشجر، ولا يقدر مالكها أو صاحب الشجر أن يقوم برعايته فهناك نظام المساقاة، ومعنى المساقاة في الشرع؛ أي: دفع الشجر لمن يقوم بسقيه وبتعَهُّده، حتى يبلغ تمام نضجه، نظير جزء معلوم من ثمره، فهي شركة زراعية على استثمار الشجر، يكون الشجر فيها من جانب، والعمل في الشجر من جانب آخر، والثمرة الصالحة مشتركة بينهما، بنسبة يتفق عليها المتعاقدان؛ كالنصف أو الثلث ونحو ذلك، ويسمى العامل بالمساقي، والطرف الآخر برب الشجر، والشجر يطلق على كل ما غرس، ليبقى في الأرض سنة فأكثر، من كل ما ليس لقطعه مدة ونهاية معلومة، سواء أكان مثمرًا أم غير مثمر، وتكون المساقاة على غير المثمر نظير ما يأخذه المساقي من السعف والحطب ونحوها، والمساقاة مشروعة بالسنة، وقد اتفق الفقهاء على جوازها للحاجة إليها، ما عدا أبا حنيفة الذي رأى أنها لا تجوز، وقد استدل الجمهور من العلماء على جوازها بما يلي: روى البخاري أن الأنصار قالت للنبي عليه الصلاة والسلام: أقسم بيننا وبين إخواننا النخيل. قال: «لا»، فقالوا: تكفونا المؤونة "المؤونة؛ أي: العمل في البساتين من سقيها والقيام عليها"، ونشرككم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا. فالأنصار أرادوا أن يشركوا معهم المهاجرين في النخيل، فعرضوا ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم، فأبى، فعرضوا أن يتولوا أمره، ولهم الشطر فأجابهم، وفي نيل الأوطار، قال الحازمي: روي عن علي بن أبى طالب رضي الله عنه، وعبدالله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وسعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، وعمر بن عبدالعزيز، وابن أبي ليلى، وابن شهاب الزُّهْري، ومن أهل الرأي أبو يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن، أنهم قالوا: تجوز المزارعة والمساقاة بجزء من الثمر أو الزرع، ويجوز العقد على المزارعة والمساقاة مجتمعين، فتساقيه على النخل، وتزارعه على الأرض، كما جرى في خيبر، ويجوز العقد على كل واحدة منها منفردة[7]. كما شرعت الإجارة لحاجة الناس إليها، فهم يحتاجون إلى الدواب للركوب، ويحتاجون إلى الأرض للزراعة، وإلى الآلات لاستعمالها في حوائجهم المعيشية، وقد لا يقدرون على شرائها؛ فشرعت الإجارة، روى أحمد وأبو داود والنسائي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: كنا نكري الأرض بما على السواقي من الزرع، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأمرنا أن نكريها بذهب أو وَرِق، ويشترط لصحة الإجارة رضا العاقدين، فلو أكره أحدهما على الإجارة فإنها لا تصح، ويشترط معرفة المعقود عليها معرفة تامة تمنع من المنازعة، وأن يكون المعقود عليه مقدور الاستيفاء حقيقة وشرعًا، والقدرة على تسليم العين المستأجرة مع اشتمالها على المنفعة، وأن تكون المنفعة مباحة لا محرمة ولا واجبة، وأن تكون الأجرة مالًا متقومًا معلومًا بالمشاهدة أو الوصف؛ لأنه ثمن المنفعة، ويصح استئجار الأرض، ويشترط بيان ما تستأجر له، من زرع أو غرس أو بناء، وإذا كانت للزراعة فلا بد من بيان ما يزرع فيها، إلا أن يأذن له المؤجر بأن يزرع فيها ما يشاء، والعين المستأجرة أمانة في يد المستأجر؛ لأنه قبضها ليستوفي منها منفعة يستحقها، فإذا هلكت لا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير في الحفظ[8]، هذا بالنسبة للأراضي التي يعرف لها مالك. أما تلك التي لا تكون مملوكة لأحد، وتكون بعيدة عن العمران، لكيلا تكون مرفقًا من مرافقه؛ كأن تتخذ كطريق أو مرابض للحيوان، أو ملاعب للخيل، أو مستراضًا للرياضة البدنية ونحو ذلك، أو يتوقع أن تكون من مرافقه، فهذه الأرض يطلق عليها الأرض الموات[9]، وحيث إن الإسلام دعا إلى عمارة الأرض، وإصلاح فسادها، ونشر العمران في ربوعها، فوضع حافزًا قويًّا تشجيعًا للمسلمين على المضي في تعمير كل شبر من الأرض؛ ألا وهو امتلاك ما تستصلحه أيديهم من هذه الأرض الموات، وقد أجاز محمد بن الحسن والشافعي تملُّك الأرض التي تحيا إذا كانت لا ينتفع بها، وإن كانت قريبة من العمران[10]، عن هشام بن عروة عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وما أكلت العافية منها فهي له صدقة»؛ رواه أحمد والنسائي وابن حبان[11]، وفي رواية أخرى: «من عمر أرضًا ليست لأحد فهو أحق بها»؛ رواه البخاري وأحمد، وعن أسمر بن مضرس قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فقال: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له»، قال: فخرج الناس يتعادون؛ "أي: يسرعون" يتخاطون؛ "أي: يضعون على الأرض علامات بالخطوط"؛ رواه أبو داود، وخطب عمر رضي الله عنه على المنبر فقال: يأيها الناس، من أحيا أرضًا فهي له، أخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال، وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عمر أرضًا ليست لأحد فهو أحق بها»، قال عروة: وقضى به عمر في خلافته»؛ رواه البخاري[12]. أما عن كيفية إحياء الموات؛ فيرى الحنابلة أن الإحياء للأرض يتحقق بما يتعارف عليه الناس، وهو رأي سديد يتفق مع القواعد الشرعية، خاصة وأن الحديث الوارد في الإحياء لم يربط الإحياء بفعل معين، فإرجاع ذلك إلى العرف أفضل؛ لأنه يختلف باختلاف الزمان والمكان، ويتحقق الإحياء بإزالة السبب المانع من الانتفاع بالأرض الموات، فإن كان السبب في مواتها فساد تربتها، فإحياؤها بحرثها وريِّها وإصلاحها، وإن كان السبب غمرها بالماء، فيكون أحياؤها بتجفيف المياه، وإنشاء وسائل صرف المياه عنها، وإقامة السدود حولها، وإن كان السبب في مواتها عدم وصول المياه إليها، فيكون إحياؤها بإيصال المياه إليها، وزراعتها أو البناء فيها، وإمداد الخدمات والمرافق لها، أو بأي وسيلة تجعلها صالحة للمعيشة والاستثمار[13]. ومن إحياء الموات أيضًا: إنشاء القرى، فمن وجد صحراء، فأنشأ فيها قرية عامرة، فإنه يعد قد أحياها؛ ولذلك قالوا: إذا أراد أن تكون الأرض الميتة قرية، فإحياؤها يكون بتسوية أرضها، وبناء جدار حولها، وتقسيمها بيوتًا ودورًا وحوانيت ونحو ذلك، وبذلك تعمر الصحاري ويتحول بقعها إلى عمران[14]، وعلى الحكومة الإسلامية تقديم الوسائل اللازمة لإتمام عملية الإحياء للمستصلحين، فقد خصص عمر بن عبدالعزيز عشرات الألوف من الدنانير تقدم للفلاحين ليستعينوا بها على إصلاح أراضيهم. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |