الموازنة بين العدل والهوى
محمد عاطف أحمد
قرأتُ في ورد اليوم آيةً يقول تعالى فيها: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾ [النساء: 129].
من الممكن أن يأتي رجلٌ ويقول: لما كان من المحال تحقيقُ العدل، إذًا أتصرَّفُ كما أحبُّ، وقد تأتي امرأةٌ وتقول: إنه ليس من حقِّه الزواج بأخرى؛ لأن الله قال: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ [النساء: 3]، وكلاهما فهمٌ خاطئ للآية الأولى، فإذا نظرنا في معاني الكلمات سنجد: "أن تعدلوا: العدل التام في ميل القلب"، بمعنى أن القلب بالفعل قد يميل دون قصدٍ لزوجةٍ بعينها؛ ولهذا لن يحاسبَنا اللهُ على المشاعر القلبيَّة، لكنَّه سيحاسبُنا على الأفعال، وعلى القسمة بين الزوجات، وهذا هو ما ينبغي فيه العدل؛ ولذلك حذَّرَنا الله في الآيات التالية قائلًا: ﴿ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ﴾ [النساء: 135]، وكُتب في معاني الكلمات: "أن تعدلوا: مخافة أن تعدلوا عن الحقِّ، فتجُورُوا"، فلا يجوز لنا أن تطغى أهواؤنا على أفعالنا فنَظلِم.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبُّ السيدة عائشة رضي الله عنها أكثر من أي شخص آخر على وجه الأرض، ورغم هذا لم يصدر منه أيُّ ظُلْمٍ في يوم من الأيام.
وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْسِم فيَعْدِل ويقول: ((اللهمَّ هذا قَسمي فيما أملِك، فلا تلُمْني فيما تَملِكُ ولا أَملِكُ))؛ لأننا بالفعل ليست لنا القدرة على التحكُّم في قلوبنا، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: ((إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يُقلِّبها كيف شاء))، لكنه في نفس الوقت قال لنا عن الميل في المعاملة: ((من كانتْ له امرأتان فمَالَ إلى إحداهما، جاء يومَ القيامة وشِقُّه مائلٌ)).
إذا كانت الآية الأولى إقرارًا لواقع القلب، فإن الآيات الأخرى تحذيرٌ من ظلم المعاملة.